الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مسائل المندوب)
قال: (مسألة: المندوب مأمور به خلافًا للكرخى والرازى، لنا أنه طاعة، وأنهم قسموا الأمر إلى إيجاب وندب، قالوا: لو كان لكان تركه معصية لأنها مخالفة الأمر ولما صح لأمرتهم بالسواك. قلنا: المعنى أمر الإيجاب فيهما).
أقول: هاتان مسألتان تتعلقان بالندب أولاهما أن المندوب هل هو مأمور به؟ المحققون على أنه مأمور به خلافًا للكرخى وأبى بكر الرازى، لنا أنه طاعة إجماعًا، والطاعة فعل المأمور به، ولنا أيضًا اتفاق أهل اللغة أن الأمر ينقسم إلى أمر إيجاب وأمر ندب ومورد القسمة مشترك.
قالوا: لو كان المندوب مأمورًا به لكان تركه معصية إذ لا معنى للمعصية إلا مخالفة الأمر وترك المأمور به يحققها، وأيضًا لو كان مأمورًا به لما صح قوله عليه الصلاة والسلام:"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك" لأنه ندبهم إليه ولأن الوجوب هو الذى يتضمن المشقة دون الندب.
الجواب: المعصية مخالفة أمر الإيجاب وقوله: "لأمرتهم" أى أمر إيجاب، كلاهما على سبيل المجاز، وأنه وإن كان خلاف الأصل، وجب المصير إليه بالدليل الذى ذكرنا.
قوله: (المندوب مأمور به) لا نزاع فى أنه تتعلق به صيغة الأمر حقيقة كانت أو مجازًا وإنما النزاع فى أنه هل يطلق عليه اسم المأمور به حقيقة ولا خفاء فى أنه مبنى على أن أمر حقيقة للإيجاب أو للقدر المشترك بينه وبين الندب فلا ينبغى أن يجعل هذا مسألة برأسها ثم الاستدلال الأول إنما يتم على رأى من يجعل أمر للطلب الجازم أو الراجح وأما من يخصه بالجازم فكيف يسلم أن كل طاعة فعل المأمور به بل الطاعة عنده فعل المأمور به أو المندوب إليه أعنى ما تتعلق به صيغة افعل للإيجاب أو الندب، والثانى إنما يتم لو كان مراد أهل اللغة أن ما يطلق عليه لفظ أمر حقيقة ينقسم إلى ما يكون للإيجاب أو للندب وليس كذلك بل مرادهم تقسيم الصيغة التى تسمى أمرًا عند النحاة فى أى معنى كان بدليل أنهم يقسمون
الأمر إلى الإيجاب والندب وغيرهما مما لا نزاع فى أنه ليس بمأمور به حقيقة.
الشارح: (لنا أنه طاعة) أى وكل طاعة مأمور بها لأنها امتثال الأمر فيكون المندوب مأمورًا به والخصم يمنع الكبرى ويقول: لا نسلم أن كل طاعة مأمور بها بل الطاعة هى المطلوب فالمندوب مطلوب وليس كل مطلوب مأمورًا به وقوله: ولنا أيضًا اتفاق أهل اللغة أن الأمر ينقسم. . . إلخ. هى صغرى قياس كبراه وكل منقسم مشترك بين الأقسام فالأمر مشترك وللخصم أن يمنعها قائلًا: لا نسلم الانقسام المذكور.
الشارح: (لأنه ندبهم إليه) أى ونفى كونه مأمورًا به لوجود المشقة على تقدير الأمر.
الشارح: (ولأن الوجوب هو الذى يتضمن المشقة) أى فلا أمر إلا عند المشقة ولا مشقة إلا فى الوجوب فلا أمر فى الندب فلو كان مأمورًا به لما صح قوله عليه الصلاة والسلام: لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك.
الشارح: (بالدليل الذى ذكرنا) هو أنه طاعة وأنهم قسموا الأمر إلى إيجاب وندب.
قوله: (وإنما النزاع. . . إلخ) أى فهو فى مادة الأمر لا فى صيغته فقوله هنا إن المندوب مأمور به أى يطلق عليه هذا اللفظ وأن مادة الأمر للقدر المشترك بين الإيجاب والندب لا ينافى ما يأتى له من أن صيغة افعل حقيقة فى الوجوب، وهذه طريقة الآمدى وطريقة الإمام الرازى لا فرق بين الأمر وصيغة افعل.
قال: (مسألة: المندوب ليس بتكليف خلافًا للأستاذ وهى لفظية).
أقول: المندوب ليس بتكليف لأن التكليف يشعر بإلزام ما فيه كلفة ومشقة وهو منتف قال الأستاذ: هو تكليف فإن فعله لتحصيل الثواب شاق ورد بأنه فى سعة من تركه لعدم الإلزام وإن قال وجوب اعتقاد ندبيته تكليف قلنا ذلك حكم آخر، وبالجملة فالمسألة لفظية.
قوله: (فالمسألة لفظية) يعنى أن النزاع فيها مبنى على تفسير لفظ التكليف فإن فسر بإلزام ما فيه كلفة فليس بتكليف أو بطلب ما فيه كلفة فتكليف.
الشارح: (ذلك حكم آخر) أى لا يلزم منه أن الفعل المباح تكليف.