المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(مسائل الحرام) قال: (مسألة: يجوز أن يحرم واحد لا بعينه خلافًا - شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني - جـ ٢

[عضد الدين الإيجي]

فهرس الكتاب

- ‌ ابتداء الوضع

- ‌(مسألة: الواجب على الكفاية

- ‌(مسألة: الأمر بواحد من أشياء

- ‌(مسألة: من أخر مع ظن الموت قبل الفعل

- ‌(مسألة: ما لا يتم الواجب إلا به

- ‌(مسائل الحرام)

- ‌(مسائل المندوب)

- ‌(مسائل المكروه)

- ‌(مسائل المباح)

- ‌(خطاب الوضع)

- ‌(المحكوم فيه)

- ‌(مسألة: لا تكليف إلا بفعل

- ‌(المحكوم عليه)

- ‌(مسألة: يصح التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه

- ‌(مباحث الأدلة الشرعية)

- ‌(مباحث الكتاب)

- ‌(مسألة: العمل بالشاذ غير جائز

- ‌(مباحث السنة)

- ‌(مسألة: إذا علم بفعل ولم ينكره

- ‌(مباحث الإجماع)

- ‌(مسألة: لا يختص الإجماع بالصحابة

- ‌(مسألة: التابعى المجتهد معتبر

- ‌(مسألة: إجماع أهل المدينة من الصحابة والتابعين حجة

- ‌(مسألة: الإجماع لا يكون إلا عن مستند

- ‌(مسألة: المختار امتناع ارتداد كل الأمة

- ‌(مسألة: يجب العمل بالإجماع المنقول بخبر الآحاد

- ‌(مباحث الخبر)

- ‌(مباحث خبر الواحد)

- ‌(مسألة: التعبد بخبر الواحد العدل جائز

- ‌(مسألة: مجهول الحال لا يقبل

- ‌(مسألة: الصحابى من رأى النبى عليه الصلاة والسلام

- ‌(مسألة: الأكثر على جواز نقل الحديث بالمعنى

- ‌(مسألة: إذا كذب الأصل الفرع

- ‌(مسألة: حذف بعض الخبر جائز

- ‌(مباحث الأمر)

- ‌(مسألة: صيغة الأمر بمجردها لا تدل على تكرار

- ‌(مسألة اختيار الإمام والغزالى رحمهما اللَّه أن الأمر بشئ معين

- ‌(مسألة: صيغة الأمر بعد الحظر للإباحة

- ‌(مسألة: إذا أمر بفعل مطلق فالمطلوب الفعل

- ‌(مباحث النهى)

- ‌(مسألة: النهى عن الشئ لعينه يدل على الفساد شرعًا

- ‌(مباحث العام والخاص)

- ‌(مسألة: العموم من عوارض الألفاظ

- ‌(مسألة: الجمع المنكر ليس بعام

- ‌(مسألة: المشترك يصح إطلاقه على معنييه مجازًا

- ‌(مسألة: خطابه لواحد لا يعم

- ‌(مسألة: جمع المذكر السالم

الفصل: ‌ ‌(مسائل الحرام) قال: (مسألة: يجوز أن يحرم واحد لا بعينه خلافًا

(مسائل الحرام)

قال: (مسألة: يجوز أن يحرم واحد لا بعينه خلافًا للمعتزلة وهى كالمخير).

أقول: هاتان مسألتان مما يتعلق بالتحريم إحداهما أنه يجوز أن يحرم واحد مبهم من أشياء معينة، ويكون معناه: أن له ترك أيها شاء، جمعًا وبدلًا وليس له أن يجمع بينها، خلافًا للمعتزلة، وهى كمسألة الواجب المخير اختلافًا ودليلًا وشبهة وجوابًا.

قوله: (معناه أن له ترك أيها شاء) الأنسب أن عليه ترك أيها شاء جميعًا بأن يترك الكل كما إذا أتى فى الخير بالجميع وبدلا بأن يترك البعض ويأتى بالبعض كما إذا أتى فى الخير بالبعض وترك البعض وليس له أن يجمع بينهما كما ليس له فى المخير أن يترك الجميع.

المصنف: (وهى كالمخير) بل تزيد على المخير بأن بعض المعتزلة زعم عدم ورود النهى عن واحد مبهم فى اللغة.

الشارح: (هاتان مسألتان) أى مسألة تحريم واحد لا بعينه والمسألة الآتية التى تليها.

الشارح: (وليس له أن يجمع) فالمقصود فى تحريم واحد مبهم من أشياء معينة عدم الجمع بينها لأن المقصود الاجتناب عن واحد وذلك إما بالاجتناب عن الكل أو عن واحد فقط فامتنع الجمع، ويكون المقصود فى تحريم واحد لا بعينه من أشياء معينة عدم الجمع بينها أنفع ما قيل: إن تعلق التحريم بالمفهوم الكلى يقتضى تحريم الكل وليس كتعلق الإيجاب بواحد مبهم من أشياء معينة، فالتحقيق أن التحريم متعلق بالمجموع من حيث هو مجموع.

الشارح: (اختلافًا) أى فقيل: إن النهى عن واحد مبهم من أشياء معينة نحو لا تأكل السمك أو اللبن يحرم واحدًا لا بعينه وهو القدر المشترك بينهما على أن المراد عدم الجمع بينهما لا المفهوم الكلى لأنه يقتضى تحريم كل واحد على ما تقدم لك

ص: 202

أو الماصدق الجزئى الغير المعين على ما تقدم، وقيل يحرم الجمع وقيل يحرم واحدًا معينًا عند اللَّه وقيل يحرم معينًا وهو ما يختاره المكلف للترك وقوله ودليلًا هو على الأول أنه لو قال الشارع حرمت عليك أحد هذه الأشياء وأيًا منها تركت خرجت من العهدة ولك فعل الباقى لم يمنع وقوله وشبهة هى أن غير المعين مجهول ويستحيل وقوعه فلا يكلف به وقوله وجوابًا هو أنه معين من حيث هو ترك أحدها.

قوله: (الأنسب أن عليه ترك أيها شاء. . . إلخ) اعترضه ميرزاجان بأنه يلزم على هذا استدراك قول الشارح وليس له أن يجمع بينها فالحق أن يفاد بالعبارة الأولى جواز ترك هذا وحده وهذا وحده وتركهما معًا وبالثانية عدم الجمع.

ص: 203

قال: (مسألة: يستحيل كون الشئ واجبًا حرامًا من جهة واحدة، إلا عند بعض من يجوّز تكليف المحال، وأما الشئ الواحد له جهتان كالصلاة فى الدار المغصوبة، فالجمهور يصح، والقاضى لا يصح، ويسقط الطلب عندها، وأحمد وأكثر المتكلمين لا يصح ولا يسقط لنا القطع بطاعة العبد وعصيانه بأمره بالخياطة ونهيه عن مكان مخصوص للجهتين، وأيضًا لو لم تصح لكان لاتحاد المتعلقين، إذ لا مانع سواه اتفاقًا ولا اتحادًا لأن الأمر للصلاة والنهى للغصب، واختيار المكلف جمعهما لا يخرجهما عن حقيقتهما).

أقول: هل يجوز كون الشى واجبًا حرامًا معًا ولا بد قبل من متحرير محل النزاع، فنقول: أما الواحد بالجنس فجائز فيه ذلك بأن يجب فرد ويحرم فرد، كالسجود للَّه وللشمس والقمر، ومنعه بعض المعتزلة لأن الفعل يحسن ويقبح لذاته فصرف الوجوب والتحريم إلى قصد التعظيم إنما الكلام فى الواحد بالشخص وذلك إما أن تتحد فيه الجهة أو تتعدد فإن اتحدت بأن يكون الشئ الواحد من الجهة الواحدة واجبًا حرامًا معًا فذلك مستحيل قطعًا إلا عند بعض من يجوّز تكليف المحال وقد منعه بعض من يجوّز ذلك نظرًا إلى أن الوجوب يتضمن جواز الفعل، وهو يناقض التحريم، إنما البحث فى الشئ الواحد بالشخص يكون له جهتان فيجب بإحداهما ويحرم بالأخرى، وذلك كالصلاة فى الدار المغصوبة، فتجب لكونها صلاة وتحرم لكونها غصبًا، فقال الجمهور: تصح الصلاة، وقال القاضى: لا تصح، لكن يسقط الطلب عندها لا بها، وقال أحمد وأكثر المتكلمين والجبائى: لا تصح، ولا يسقط الطلب، لنا أن السيد إذا أمر عبده بخياطة ثوب ونهاه عن السكون فى مكان مخصوص ثم خاطه فى ذلك المكان فإنا نقطع أنه مطيع عاص لجهتى الأمر بالخياطة والنهى عن المكان، ولنا أيضًا أنه لو لم تكن صحيحة لكان؛ لأن متعلق الوجوب والحرمة واحد، إذ لا مانع سواء اتفاقًا، واللازم باطل إذ لا اتحاد للمتعلقين فإن متعلق الأمر الصلاة ومتعلق النهى الغصب، وكل منهما يتعقل انفكاكه عن الآخر، وقد اختار المكلف جمعهما مع إمكان عدمه، وذلك لا يخرجهما عن حقيقتهما اللتين هما متعلقًا الأمر والنهى، حتى لا تبقيا حقيقتين مختلفتين فيتحد المتعلق.

ص: 204

قوله: (إنما الكلام فى الواحد بالشخص) يعنى أنه اقتصر على ذكر الخلاف فيه دون الواحد بالجنس أى بالحقيقة بحيث لا تتعدد إلا أشخاصًا وإن خالف فيه بعض المعتزلة لأنه لا اعتداد بهم وبمخالفتهم لكونها مكابرة لظهور أن ذات هذا الفرد غير ذات ذلك فلا استحالة فى حسن أحدهما وقبح الآخر وصرفهم الوجوب إلى قصد تعظيم اللَّه تعالى، والتحريم إلى قصد تعظيم الصنم على ما يفهم من الشارح لا يجدى نفعًا لأن الجنس وهو قصد التعظيم واحد وذكر الآمدى أنهم يقولون السجود مأمور به واجب للَّه تعالى فلا يكون محرمًا بل المحرم هو قصد تعظيم الصنم.

قوله: (وقد منعه بعض من يجوّز ذلك) أى تكليف المحال لأن هذا ليس تكليفًا بالمحال بل تكليفًا هو محال فى نفسه لأن معناه الحكم بأن الفعل يجوز تركه ولا يجوز.

قوله: (عندها لا بها) إذ قد يسقط الفرض عند فعل ما هو معصية كمن شرب مجننًا حتى جن يسقط عنه الفرض.

المصنف: (من جهة واحدة) أى حقيقة أو حكمًا كالجهتين المتلازمتين كما فى صوم يوم النحر.

المصنف: (له جهتان) أى غير متلازمتين.

المصنف: (فالجمهور يصح) أى ففيه خلاف فالجمهور يصح أن يكون الشئ الواحد واجبًا وحرامًا من جهتين مختلفتين غير متلازمين والقاضى قال: لا يصح ويسقط الطلب عندها وكان الظاهر أن يقول عنده أى ذلك الواحد إلا أنه راعى مثاله الذى هو الصلاة فى الدار المغصوبة.

الشارح: (السجود للَّه وللشمس والقمر قال تعالى: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنّ} [فصلت: 37]) فالسجود واحد بالجنس وتعلق به الوجوب باعتبار فرد وهو السجود للَّه والحرمة باعتبار فرد آخر وهو السجود للشمس والقمر.

ص: 205

الشارح: (فصرف الوجوب والتحريم إلى قصد التعظيم) أى فصرف ذلك البعض وجوب السجود وتحريمه إلى قصد تعظيم اللَّه تعالى وقصد تعظيم الصنم فليس الواجب والمحرم السجود باعتبار فرديه بل الواجب قصد تعظيم اللَّه والمحرم قصد تعظيم الصنم وهو غير مجدٍ له لأنه يلزمه أن قصد التعظيم واحد بالجنس تعلق به الوجوب والتحريم باعتبار فرديه وهو مع ذلك خلاف ظاهر قوله تعالى: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ. . .} [فصلت: 37] الآية.

الشارح: (يتضمن جواز الفعل) أى لأن جواز الفعل بمعنى الإذن فيه جنس للأحكام الأربعة غير الحرام والنوع متضمن لجنسه.

قوله: (وذكر الآمدى. . . إلخ) وجه لبعض المعتزلة غير الوجه الذى ذكره الشارح وهو غير مسجد لهم أيضًا إذ لا شك أن تعظيم اللَّه تعالى واجب وقد قالوا بحرمة تعظيم الصنم فيكون جنس التعظيم واحدًا بعض أفراده واجب وبعضها حرام.

قوله: (كمن شرب مجننًا. . . إلخ) استبعده الإمام الرازى قائلًا الأعذار التى ينقطع التكليف بها محصورة والمصير إلى سقوط الأمر عن متمكن من الامتثال ابتداء ودوامًا بسبب معصية لابسها لا أصل له فى الشرع.

ص: 206

قال: (واستدل لو لم تصح لما ثبت صلاة مكروهة ولا صيام مكروه، لتضاد الأحكام وأجيب بأنه إن اتحد الكون منع، وإلا لم يفد لرجوع النهى إلى وصف منفك، واستدل لو لم تصح لما سقط التكليف، قال القاضى: وقد سقط بالإجماع لأنهم لم يأمروهم بقضاء الصلوات، ورد بمنع الإجماع مع مخالفة أحمد وهو أقعد بمعرفة الإجماع).

الأول: دليلان ضعيفان، استدل لو لم تصح لما ثبت صلاة مكروهة ولا صيام مكروه؛ لأن الأحكام كلها متضادة، فالوجوب كما يضاد التحريم يضاد الكراهة، فلو لم يثبت مع التحريم لما ثبت مع الكراهة إذ لا مانع إلا التضاد.

والجواب: أن الكون فى الحيز واحد فى الصلاة وهو مأمور به لأنه جزء المأمور به، وفى الغصب هو منهى عنه؛ لأنه هو الغصب فيتحد المتعلقان، فإن كان الصوم المكروه والصلاة المكروهة كذلك منع صحتهما وإلا لم يفد إذ لا يلزم من الصحة حيث يرجع النهى إلى وصف منفك فلا يتحد المتعلق الصحة حيث يرجع إلى الكون الذى هو ذاتى فيتحد المتعلق واستدل لو لم تكن صحيحة لم يسقط بها التكليف.

قال القاضى: وقد سقط إجماعًا؛ لأنهم لم يأمروا المصلين فى الدور المغصوبة بقضاء صلواتهم.

والجواب: منع الإجماع مع مخالفة أحمد وهو أقعد بمعرفة الإجماع، فلو كان إجماع لعرفه، فلم يخالفه، ولا يعنى أن مخالفته تمنع انعقاد الإجماع لجواز إجماع فى عصر قبله أو بعده.

قوله: (لو لم تصح لما سقط التكليف) لأن الصحة عبارة عن موافقة الأمر أو سقوط القضاء واللازم باطل لما ذكر القاضى من الإجماع على عدم وجوب القضاء وههنا بحثا وهو أنه إن أريد عدم سقوط التكليف بها على ما هو ظاهر عبارة الشارح فانتفاء اللازم ممنوع وعدم الأمر بالقضاء لا يدل عليه لجواز أن يكون بناء على سقوط التكليف عندها لا بها وأيضًا لا يصح من القاضى الحكم بالإجماع عليه وقد سبق أن مذهبه سقوط الطلب عندها لا بها وإن أريد عدم السقوط مطلقًا على ما هو ظاهر عبارة المتن فالملازمة ممنوعة لجواز أن يوجد أمر غير صحيح يسقط

ص: 207

التكليف عنده لا به.

قوله: (الكون فى الحيز) إشارة إلى أن الكون ههنا فى معناه المتعارف بين المتكلمين وهو حصول الجوهر فى الحيز وليس مجازًا عن الفعل الملزوم له والمقصود أن الكون واحد فى الصلاة والغصب، وهو مأمور به لكونه جزء الصلاة المأمور بها ومنهى عنه لكونه نفس الغصب فهو ذاتى للصلاة بمعنى جزء الماهية وللغصب بمعنى نفس الماهية فيتحد متعلق الأمر والنهى فإن قيل سيجئ فى الجواب عن دليل القاضى أن هذا الكون وإن اتحد بالذات متعدد بالاعتبار وقد سبق مثل ذلك قلنا نعم لكن هذا الجواب من قبل من يذهب إلى امتناع تعلق الوجوب والحرمة بالواحد بالشخص وإن تعددت الجهات فكيف يحتج عليه بما يبتنى على تسليم المطلوب ثم ظاهر عبارة المتن أن فى الصوم أيضًا كونًا يتعلق به الأمر والنهى وليس كذلك لأن المعتبر فيه الزمان دون المكان فعدل عنه المحقق ولهذا قيل المراد بالكون هو الفعل ليصح فى الصوم أيضًا.

قوله: (ولا يعنى) قد توهم بعضهم أن المراد به الإجماع مع مخالفة أحمد وهو من أهل الإجماع فاعترض بأنها لا تمنع انعقاد إجماع قبله أو بعده وعلى ما ذكر الشارح المحقق وهو الظاهر الموافق لما فى الكتب لا يرد ذلك لأن معناه أنه لو وجد إجماع لعرفه فلم يخالفه وأما الإجماع بعده فمعلوم الانتفاء، وقال المقبول فى التنقيحات أما دعوى الإجماع فيه مع مخالفة أحمد ففاسد وإذا منع لا يتأتى تصحيحه بوجه ثم نسبة إمام من أئمة المسلمين إلى أنه خالف الإجماع ومات ميتة جاهلية إفك وتبديع بناء على مجرد وهم ثم إن أحمد ما أنكر أحد فضله فى الأمور النقلية فكيف تواترت قصة الإجماع فى خراسان من خمسمائة سنة إلى متوسط فى النقليات أو ضعيف ولم يصل على قرب المائتين إلى أشد الناس بحثًا فى النقليات المخالط لحملة الأنباء فى مواطنهم ثم لا كل من يدعى إجماعًا تقبل دعواه فبعد ظهور منع أحمد إذا منع الخصوم فما الحيلة هذا كلامه وهو مجرد استبعاد لكنه فى غاية القرب وكأنه شنع على الإمام الغزالى رحمه الله حيث قال الإجماع حجة على أحمد.

المصنف: (واستدل لو لم تصح. . . إلخ) أى لو لم يصح اجتماع الأمر والنهى

ص: 208

باعتبار جهتين غير متلازمتين فلا تصح الصلاة فى الأرض المغصوبة لما ثبت صلاة مكروهة.

المصنف: (وأجيب بأنه إن اتحد الكون منع) أى فيمنع بطلان اللازم فلا تصح الصلاة المكروهة والصيام المكروه وقوله وإلا لم يفد أى فتمنع الملازمة.

قوله: (لكن هذا الجواب من قبل من يذهب. . . إلخ) وفيه أن هذا لا يقتضى تزيف الاستدلال المذكور دون الاستدلال الذى اختاره المصنف، لأن هذا وارد حتى على ما اختاره المصنف من الاستدلال.

قوله: (إذا منع الخصوم) أى منعوا منع أحمد الإجماع وقوله فما فالحيلة أى لا حيلة إلا عدم الاعتداد بهم وقوله لكنه فى غاية القرب أى فليس بعيدًا كما استبعده صاحب التنقيحات.

ص: 209

قال: (القاضى والمتكلمون: لو صحت لاتحد المتعلقان لأن الكون واحد وهو غصب. وأجيب باعتبار الجهتين بما سبق. قالوا: لو صحت لصح صوم يوم النحر بالجهتين، وأجيب بأن صوم يوم النحر غير منفك عن الصوم بوجه فلا يتحقق جهتين، أو بأن نهى التحريم لا يعتبر فيه تعدد إلا بدليل خاص فيه).

أقول: قال القاضى والمتكلمون فى نفى صحتها: لو كانت صحيحة لاتحد متعلقًا الأمر والنهى، وأنه محال اتفاقًا بيان الملازمة أن الكون جزء الحركة والسكون، وهما جزءا الصلاة فهذا الكون جزء هذه الصلاة فيكون مأمورًا به، ثم إنه بعينه هو الكون فى الدار المغصوبة فيكون منهيًا عنه.

والجواب: أن متعلقهما واحد، لكن يتعدد باعتبار جهتين فيه كما تقدَّم فى مثال الخياطة وأنه غير ممتنع.

قالوا ثانيًا: لو كانت صحيحة لكان قوم يوم النحر صحيحًا باعتبار الجهتين، إذ لا مانع إلا اتحاد المتعلق واعتبار الجهتين يدفعه.

الجواب بوجهين:

أحدهما: أن قوم يوم النحر لا ينفك عن الصوم؛ لأن المضاف يستلزم المطلق، بخلاف الصلاة والغصب؛ لإمكان كل بدون الآخر وحاصله تخصيص الدعوى بما يجوّز انفكاك الجهتين فيه.

ثانيهما: أن نهى التحريم ظاهر فى البطلان فإنه ينصرف إلى الذات غالبًا، وقد تعتبر الجهتان لدليل خاص شرعى يوجب مخالفة الظاهر فيصح بخلاف نهى الكراهة، فإنه ينصرف إلى الوصف غالبًا.

قوله: (الكون جزء الحركة والسكون) لأن الحركة والسكون كون الشئ فى مكان عقيب حصوله فى مكان آخر بمعنى أنه عبارة عن مجموع الكونين والسكون عبارة عن كونه فى مكان بعد كونه فى ذلك الكان فيكون هذا الكون مأمورًا به لكونه جزء المأمور به ومنهيًا عنه بالذات وحاصل الجواب أنه مأمور به من جهة كونه من أجزاء الصلاة ومنهى عنه من جهة كونه فى ملك الغير فقالوا بطريق الإلزام: لو كفى تعددًا جهة وصحت الصلاة فى الدار المغصوبة بناء عليه لزم صحة صوم يوم النحر لكونه مأمورًا به من حيث إنه صوم ومنهيًا عنه من حيث إنه فى

ص: 210

يوم النحر فأجيب أولًا بأنه لا إلزام عند كون إحدى الجهتين لازمة للأخرى لأنا إنما نقول بجواز اتحاد المتعلق عند جواز انفكاك الجهتين، وثانيًا: بأن الظاهر فيما نهى نهى التحريم عدم الصحة لرجوعه غالبًا إلى الذات وفيما نهى نهى الكراهة هو الصحة لرجوعه غالبًا إلى الوصف والعدول عن الظاهر لا يكون إلا لدليل خاص وقد وجد فى الصلاة فى الدار المغصوبة كالآيات المطلقة فى وجوب الصلاة من غير تقييد بمكان وكإجماع غير أحمد على صحتها بخلاف صوم يوم النحر فإنه لم يقم دليل صارف عن ظاهر بطلانه بل وقع الاتفاق على ذلك.

الشارح: (وحاصله تخصيص الدعوى. . . إلخ) رد بأن تخصيص الدعوى لا يدفع نقض الدليل.

قوله: (وكإجماع غير أحمد) ظاهره يخالف ما تقدم من أنه لا إجماع ولو كان لعرفه أحمد.

ص: 211

قال: (وأما من توسط أرضًا مغصوبة فحظ الأصولى فيه بيان استحالة تعلق الأمر والنهى معًا بالخروج، وخطأ أبى هاشم، وإذا تعين الخروج للأمر قطع بنفى المعصية به بشرطه، وقول الإمام باستصحاب حكم المعصية مع الخروج، ولا نهى بعيد ولا جهتين لتعذر الامتثال).

الأول: هذا كله فيما يصح فيه الانفكاك وجمعهما المكلف باختياره، وأما ما لا يكون كذلك كمن توسط أرضًا مغصوبة، فحظ الأصولى فيه: بيان امتناع تعلق الأمر والنهى معًا بالخروج فإنه تكليف محال وبيان خطأ أبى هاشم فى قوله بتعلقهما معًا بالخروج وإذا تعين الخروج للأمر دون النهى بدليل يدل عليه فانقطع بنفى المعصية عنه، إذا خرج بما هو شرطه فى الخروج من السرعة وسلوك أقرب الطرق وأقلها ضررًا إذ لا معصية بإيقاع المأمور به الذى لا نهى عنه.

قال الإمام باستصحاب حكم المعصية عليه مع إيجابه الخروج وهو بعيد إذ لا معصية إلا بفعل منهى عنه، أو ترك مأمورٍ به، وقد سلم انتفاء تعلق النهى به فانتهض الدليل عليه، فإن قيل: فيه الجهتان، فيتعلق الأمر بإفراغ ملك الغير والنهى بالغصب، كالصلاة فى الدار المغصوبة، سواء قلنا: هو غلط لأنه لا يمكن الامتثال فلزم تكليف الحال بخلاف صلاة الغصب، فإنه يمكن الامتثال وإنما جاء الاتحاد باختيار المكلف.

قوله: (فحظ الأصولى) يعنى لا بحث للأصولى عن أحوال أفعال المكلفين من حيث الوجوب والحرمة والصحة والفساد ونحو ذلك حتى يكون عليه إثباب أن الخروج عن الأرض المغصوبة واجب أو حرام بل بحثه عن أحوال الأدلة والأحكام من حيث إثبات الأدلة للأحكام وثبوت الأحكام بالأدلة فعليه أن يبين امتناع تعلق الأمر والنهى بفعل واحد من جهة واحدة كالخروج مثلًا لكونه تكليفًا محالًا هو تجويز الفعل مع عدم تجويزه.

قوله: (وقول الإمام) إشارة إلى ما ذكره فى البرهان من أن المعصية مستمرة وإن كان فى حركاته فى صوب الخروج ممتثلًا كالصلاة فى الدار المغصوبة تقع امتثالًا من وجه وغصبًا واعتداء من وجه وكذا الذاهب إلى صوب الخروج ممتثل من وجه عاص لبقائه من وجه وإنما حكمنا باستمرار معصيته مع أن المعصية إنما تكون

ص: 212

بارتكاب المنهى عنه والإمكان معتبر فى النهى ولا إمكان ههنا إذ ليس فى وسعه الخلاص لأن تسببه إلى ما توسط فيه أداء سبب معصية وليس هو عندنا منهيًا عن الكون فى هذه الأرض مع بذله المجهود فى الخروج عنها ولكنه مرتبك فى المعصية مع انقطاع نهى التكليف عنه وإنما حكموا بالاستبعاد دون الاستحالة لأن الإمام لا يسلم أن دوام المعصية لا يكون إلا بفعل منهى عنه أو ترك مأمور بل ذلك فى ابتدائها خاصة وقوله ولا جهتين دفع لما أشار إليه الإمام من أن الامتثال والغصب ههنا باعتبارين كما فى مسألة الصلاة.

قوله: (دفع لما أشار إليه الإمام) هو خلاف ظاهر الشارح من أنه رد على أبى هاشم القائل بتعلق الأمر والنهى بجهتين.

ص: 213