الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(مسألة: الصحابى من رأى النبى عليه الصلاة والسلام
وإن لم يرو ولم تطل وقيل إن طالت، وقيل إن اجتمعا، وهى لفظية وإن ابتنى عليها ما تقدَّم لنا يقبل التقييد بالقليل والكثير فكان المشترك كالزيارة والحديث ولو حلف أن لا يصحبه حنث بلحظة، قالوا أصحاب الجنة وأصحاب الحديث الملازم، قلنا عرف فى ذلك، قالوا يصح نفيه عن الوافد والرائى، قلنا نفى الأخص لا يستلزم نفى الأعم).
أقول: قد اختلف فى الصحابى فقيل: هو من رأى الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن لم يرو عنه حديثًا ولم تطل صحبته له، وقيل إن طالت الصحبة وقيل إن اجتمعا أى طول الصحبة والرواية، والحق أن المسألة لفظية، وإن ابتنى عليها ما تقدَّم من عدالة الصحابة لنا أن الصحبة فعل يقبل التقييد بالقليل والكثير، بأن يقال: صحبه قليلًا أو كثيرًا، من غير تكرار، ولا نقض فوجب جعله للقدر المشترك بينهما دفعًا للمجاز والاشتراك كالزيارة والحديث فإنهما لما احتملا القليل والكثير جعل المحدث والزائر لمن اتصف بالقدر المشترك وأيضًا لو حلف لا يصحب فلانًا فصحبه لحظة حنث بالاتفاق، ولو شرط فيه الأمران أو أحدهما لما كان كذلك ولا يخفى أن ذلك إنما يأتى فى الصاحب لغة وأما الصحابى بياء النسبة المخصوص فى العرف بأصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فلا.
قالوا: أولًا: إذا قيل أصحاب الجنة وأصحاب الحديث فهم الملازمة بينهما ولو كانا لغير الملازم حقيقة لما فهم منه إذ العام لا يفهم منه الخاص بعينه.
الجواب: فهم الملازمة بينهما لعرف مجدد لأنه فى الوضع كذلك ولم يثبت مثله فى الصحابى.
قالوا: ثانيًا: لولا أن الصحابى يدل على الملازمة لما صح نفيه عن الوافد على الرسول أو الرائى، إذ الأصل اطراد الحقيقة وصحة النفى علامة المجاز لكنه يصح إذ يقال لم يكن صحابيًا لكنه وفد عليه من بنى فلان أو رآه ولم يصاحبه.
الجواب: أن المنفى الصحبة بقيد اللزوم أو المطلق الثانى ممنوع بل هو أول المسألة، والأول مسلم، ولا يفيد المطلوب لأن نفى الأخص وهو الصحبة المقيدة لا يستلزم نفى الأعم وهو الصحبة المطلقة.
قوله: (الصحابى من رآه صلى الله عليه وسلم) أى مسلم رأى النبى يعنى صحبه ولو أعمى وفى
بعض الشروح أى رآه النبى عليه الصلاة والسلام.
قوله: (إذ الأصل) بيان للزوم بوجهين يعنى لو كان حقيقة فى الوافد كما فى الملازم لما صح نفيه عن الوافد لأن الأصل اطراد الحقيقة فى أفرادها ولأن صحة النفى علامة المجاز فينا فى الحقيقة.
المصنف: (من رأى النبى عليه الصلاة والسلام أى مسلمًا وترك هذا لشهرته.
المصنف: (وهى لفظية) يعنى أن كون الصحابى من رأى النبى صلى الله عليه وسلم أو من طالت صحبته أو غير ذلك خلاف لفظى راجع إلى الاصطلاح فى معنى اللفظ وإن انبنى عليها عدالة الصحابة.
الشارح: (من غير تكرار ولا نقض) أى فقوله: كثيرًا بعد صحبه ليس تكرارًا لما فهم من "صحبه" لأن الصحبة ليس معناه الاصطحاب الكثير حتى يتكرر ذكر "كثيرًا"، وليس قوله قليلًا بعد "صحبه" نقضًا وإبطالًا له فلو كان معنى "صحبه" الاجتماع الكثير لكان قوله: قليلًا بعده نقضًا له.
قوله: (فقد ذكرناه فى شرح التنقيح) نصه بعد الإشكال: قلنا الخيرية تختلف بالإضافات والاعتبارات فالقرون السابقة خير بنيل شرف قرب العهد بالنبى صلى الله عليه وسلم ولزوم سيرة العدل والصدق واجتناب المعاصى ونحو ذلك على ما أشار إليه قوله عليه الصلاة والسلام: "ثم يفشوا الكذب" وأما باعتبار كثرة الثواب ونيل الدرجات فى الآخرة فلا يدرى أن الأول خير لكثرة طاعته وقلة معصيته، أم الآخر لإيمانه بالغيب وطوعًا ورغبة مع انقطاع زمن مشاهدة آثار الوحى وظهور المعجزات وبالتزامه طريق السنة مع فساد الزمان.
قال: (مسألة: لو قال المعاصر العدل أنا صحابى احتمل الخلاف).
أقول: من عاصر الرسول وكان عدلًا إذا قال: أنا صحابى وكان مسلمًا فدعواه لعدالته صدّق ظاهرًا لا قطعًا، لأنه متهم بأنه يدعى لنفسه رتبة.
قوله: (وكان مسلمًا) ذكر العدل مغن عنه.
قوله: (صدّق) يشير إلى أن معنى احتمال الخلاف احتمال الكذب ومخالفة الواقع لكن احتمالًا مرجوحًا، وقيل معناه احتمال أن يخالفه ولا يقبله.
الشارح: (فدعواه لعدالته صدق ظاهرًا لا قطعًا) ظاهره أن قول العدل فى غير ذلك مما لا يرجع لنفسه يفيد القطع وليس كذلك، والجواب أن القطع قد يراد به ما يرفع الاحتمال الناشئ عن دليل صريح فالقطع فى غير ما يرجع لنفسه بهذا المعنى فلا ينافى أنه لا قطع فيه بمعنى عدم الاحتمال أصلًا.
قال: (مسألة: العدد ليس بشرط خلافًا للجبائى فإنه اشترط خبرًا آخر أو ظاهرًا أو انتشاره فى الصحابة أو عمل بعضهم، وفى خبر الزنا أربعة والدليل، والجواب ما تقدَّم فى خبر الواحد، ولا الذكورة ولا البصر ولا عدم القرابة ولا عدم العداوة ولا الإكثار ولا معرفة نسبه، ولا العلم بفقه أو عربية أو معنى الحديث؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:"نضر اللَّه امرأ. . . "، ولا موافقة القياس خلافًا لأبى حنيفة رحمه الله.
أقول: قد اشترط فى خبر الواحد شروط ليست هى بشروط عندنا؛ كما فعلوا ذلك فى التواتر فمنها: العدد، ولا يشترط خلافًا للجبائى، فإنه اشترط أحد أمور أربعة: إما خبرًا آخر، وإما موافقة ظاهر له، وإما انتشاره بين الصحابة، وإما عمل بعض الصحابة بموجبه، وزاد فى خبر يثبت به حكم الزنا أن يرويه أربعة من العدول والدليل على عدم اعتبار العدد، والجواب عن الأسئلة الواردة عليه وعن حجج المنكرين ما تقدَّم فى خبر الواحد، فمن جانبنا عمل الصحابة والأسئلة عليه بأجوبتها، وإنفاذه الآحاد لتبليغ الأحكام، ومن جانبهم توقفهم فى قبول المنفرد ونحو:{وَلا تَقْفُ} [الإسراء: 36]، ومنها الذكورة ولا تشترط فتقبل المرأة، ومنها البصر فيقبل الأعمى لاتفاق الصحابة عليه، ومنها عدم القرابة، فيقبل للوالد ما للولد، ومنها عدم العداوة، فتقبل للعدوّ ما على العدو؛ لعموم حكم الحديث بخلاف الشهادة، ومنها الإكثار من رواية الحديث، فيقبل من روى حديثًا واحدًا فقط، ومنها كون الراوى معروف النسب فيقبل غيره؛ إذ لا مدخل لذلك فى الصدق، ومنها العلم بالفقه أو العربية أو معنى الحديث؛ فيقبل مع عدمها لقوله عليه الصلاة والسلام:"نضر اللَّه امرأ سمع منى حديثًا فوعاه فرواه كما وعى فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"، ومنها كونه موافقًا للقياس فى الحكم اعتبره أبو حنيفة والحق خلافه لأن الاعتماد على خبره والراوى عدل فالظاهر صدقه.
قوله: (لاتفاق الصحابة على قبول الأعمى) حيث جوّزوا الرواية عن عائشة رضى اللَّه عنها، مع أن الراوى فى حقها كالأعمى لأنه لا يبصرها وإنما يعتمد صوتها وأما اتفاقهم على رواية الأعمى حقيقة فلم ينقل فى الكتب.
قوله: (فتقبل للعدوّ ما على العدوّ) اعتبر العداوة والقرابة فيما بين الراوى ومن يكون حكم الخبر له أو عليه وهو سديد من جهة المعنى وإن كان مخالفًا لكلام القوم حيث اعتبروهما فيما بين الراوى والمروى عنه حتى قال الإمام الغزالى فيروى أولاد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عنه ويروى كل ولد عن والده.
قال: (مسألة: إذا قال الصحابى: قال صلى الله عليه وسلم، حمل على أنه سمعه منه، وقال القاضى: متردد فيبتنى على عدالة الصحابة).
أقول: هذا شروع فى كيفية الرواية والصحابى إذا قال سمعته صلى الله عليه وسلم أو أخبرنى أو حدَّثنى ونحوه فهو خبر يجب قبوله بلا خلاف، وقد اختلف فى مسائلها وهو يذكرها واحدة واحدة، وهذه منها، وهو إذا قال الصحابى قال صلى الله عليه وسلم حمل على أنه سمعه بلا واسطة فيقبل، وقال القاضى: متردد بين أن يكون سمعه منه أو سمعه ممن يروى عنه للاحتمال وحينئذٍ فيبتنى قبوله على عدالة جميع الصحابة فإن قلنا بعدالتهم قبل لأنه يرويه إما بلا واسطة أو بواسطة عدل وإلا لم يقبل، إذ قد يرويه عن واسطة ولم يعلم عدالته.
قال: (مسألة: إذا قال سمعته أمر أو نهى فالأكثر حجة لظهوره فى تحققه لذلك قالوا يحتمل أنه اعتقد وليس كذلك عند غيره قلنا بعيد).
أقول: إذا قال الصحابى سمعته أمر بكذا، أو نهى عن كذا، فالأكثر على أنه حجة لأن قوله ذلك ظاهر فى تحقق كونه أمرًا أو نهيًا والعدل لا يجزم بشئ غالبًا إلا إذا علمه.
قالوا: يحتمل أنه اعتقد مما سمعه من صيغة أو شاهده من فعل أمرًا ونهيًا وليس كذلك لكثرة الخلاف والوهم فيه كمن يعتقد أن الأمر بالشئ نهى عن ضده وبالعكس أو أن الفعل يدل على الأمر فيقول أمر أو نهى ولا يراه غيره أمرًا ونهيًا.
الجواب: أن ذلك وإن احتمل فبعيد منهم والاحتمالات البعيدة لا تمنع الظهور.
الشارح: (أو شاهده) هذا مع وجود لفظ السماع بعيد غاية البعد.
الشارح: (أو أن الفعل يدل على الأمر) أى مع أنك قد عرفت أن فعله صلى الله عليه وسلم الذى لم يعرف صفته فيه أربعة مذاهب: الوجوب والندب والإباحة والوقف فلعل الراوى ممن يرى الوجوب مع أن العمل بالرواية لا بالراوى.
قال: (مسألة: إذا قال أمرنا أو نهينا أو أوجب أو حرم فالأكثر حجة لظهوره فى أنه الآمر، قالوا يحتمل ذلك وأنه أمر الكتاب أو بعض الأئمة أو عن استنباط قلنا بعيد).
أقول: إذا قال الصحابى: أمرنا أو نهينا أو أوجب كذا أو حرم أو أبيح، وبالجملة فشئ من الأحكام بصيغة ما لم يسم فاعله، فالأكثر على أنه حجة فإنه ظاهر فى أن النبى صلى الله عليه وسلم هو الآمر والناهى والموجب والمحرّم والمبيح، كما قال المختص بملك أمرنا أو نهينا فإنه يتبادر أمر ذلك الملك ونهيه وإن كان محتملًا صدوره من الغير بحسب لفظه قالوا: يحتمل ذلك أى كونه أمر النبى وأن لا يكون بل يريد به أمر الكتاب أو بعض الائمة أو أن يكون عن استنباط فإنه إذا قاس فغلب فى ظنه أنه مأمور به ويجب العمل بموجبه فيقول عرفًا أمرنا.
والجواب: أنه احتمال بعيد فلا يدفع الظهور.
قال: (مسألة: إذا قال من السنة كذا فالأكثر حجة لظهوره فى تحققها عنه خلافًا للكرخى)
أقول: إذا قال الصحابى من السنة كذا فالأكثر على أنه حجة لأنه ظاهر فى تحقق السنة عن النبى صلى الله عليه وسلم وقد خالف الكرخى من الحنفية فيه لنا وله ما تقدَّم من الظهور والاحتمال فلا نكرره.
قوله: (لنا وله) أى لنا أنه الظاهر المتبادر إلى الفهم من إطلاق السنة. . . إلخ، وللكرخى أنه يجعل سنة الشيخين وسنة الخلفاء الراشدين وغير ذلك والجواب أنه احتمال بعيد لا يدفع الظهور.
قال: (مسألة: إذا قال كنا نفعل أو كانوا فالأكثر حجة لظهوره فى عمل الجماعة، قالوا: لو كان لما ساغت المخالفة، قلنا لأن الطريق ظنى كخبر الواحد النص).
أقول: إذا قال الصحابى كنا نفعل أو كانوا يفعلون كما قالت عائشة رضى اللَّه عنها: "كانوا لا يقطعون فى الشئ التافه" فالأكثر أنه حجة لأنه ظاهر فى أن الضمير للجميع وأنه أراد عمل الجماعة وأنه حجة، قالوا: لو كان للجميع لما ساغت المخالفة لأنه إجماع واللازم منتف بالإجماع.
الجواب: منع الملازمة لأن ذلك فيما يكون الطريق قطعيًا وههنا الطربق ظنى فسوّغت المخالفة، كما تسوغ فى خبر الواحد، وإن كان المنقول به نصًا قاطعًا فإنه مخالفة لظنية الطريق ولا يمنعه قطعية المروى.
قوله: (وأنه أراد عمل الجماعة) حاول تقرير المتن وفى بعض الشروح أن الكلام فى درجات كيفية الرواية عن الرسول عليه الصلاة والسلام فالأولى أن يقال: الظاهر أن المراد أنا نفعل أو هم يفعلون مع علم الرسول بذلك من غير إنكار فيكون سنة تقرير فيكون حجة وأما الاعتراض بأنه لا إجماع فى عصر النبى عليه الصلاة والسلام فليس بوارد لجواز أن يريد عمل الجماعة بعده.
قوله: (حاول تقرير المتن) أى أن الشارح جارى المصنف فى عبارته وإن كان الكلام فى رواية الصحابة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والحاصل أن مراتب رواية الصحابة ستة:
الأولى: أن يقول: حدثنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو سمعته يقول كذا أو أخبرنى ونحو ذلك وهى مقبولة قطعًا.
الثانية: أن يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو محمول على أنه سمع منه عليه الصلاة والسلام لا محتمل ومتردد خلافًا للقاضى.
الثالثة: أن يقول: سمعته أمر أو نهى والأظهر أنه حجة.
الرابعة: أن يقول: أمرنا أو نهينا ونحو ذلك فالأكثر أيضًا أنه حجة.
الخامسة: أن يقول: من السنة كذا.
السادسة: أن يقول: كنا نفعل أو كانوا يفعلون والأكثر على أنه حجة فيهما أيضًا.
(قال: ومستند غير الصحابى قراءة الشيخ أو قراءته عليه أو قراءة غيره عليه أو إجازته أو مناولته أو كتابته بما يرويه فالأول أعلاها على الأصح، إلا أنه إذا لم يقصد إسماعه، قال: قال وحدَّث وأخبر وسمعته وقرأته عليه، من غير نكير ولا ما يوجب سكوتًا من إكراه أو غفلة أو غيرهما معمول به خلافًا لبعض الظاهرية لأن العرف تقريره ولأن فيه إيهام الصحة فيقول حدَّثنا أو أخبرنا مقيدًا أو مطلقًا على الأصح ونقله الحاكم عن الأئمة الأربعة وقراءة غيره كقراءته وأما الإجازة للموجود المعين فالأكثر على تجويزها والأكثر على منع حدَّثنى وأخبرنى مطلقًا وبعضهم مقيدًا وأنبأنى اتفاق للعرف، ومنعها أبو حنيفة وأبو يوسف ولجميع الأمة الموجودين الظاهر قبولها لأنها مثلها وفى نسل فلان أو من يوجد من بنى فلان ونحوه خلاف واضح لنا أن الظاهر أن العدل لا يروى إلا بعد علم أو ظن وقد أذن له وأيضًا فإنه صلى الله عليه وسلم كان يرسل كتبه مع الآحاد وإن لم يعلموا ما فيها قالوا كذب لأنه لم يحدثه قلنا حدثه ضمنًا كما لو قرئ عليه قالوا ظن فلا يجوز الحكم به كالشهادة قلنا الشهادة آكد).
أقول: ما مر بحسب ألفاظ الصحابى، وأما غير الصحابى فلا بد له من مستند وله مراتب وفى كل مرتبة ألفاظ يروى بها وهذا بيانها: أما مستنده أى ما يصح له من أجله أن يروى الحديث ويقبل منه فأمور ستة: قراءة الشيخ عليه أو قراءته على الشيخ أو قراءة غيره على الشيخ بحضوره أو إجازة الشيخ له أن يروى عنه أو مناولته إياه كتابًا يروى عنه ما فيه أو كتابته إليه بما يرويه عنه، وأما مراتبها وألفاظها فالأول: وهو قراءة الشيخ عليه أعلى المراتب على الأصح، دون قراءته على الشيخ وتصديقه وحينئذ إن قصد إسماعه وحده أو مع غيره قال عند الرواية عنه حدَّثنى أو أخبرنى أو سمعته وإن لم يقصد إسماعه قال: قال أو حدَّث أو أخبر ولا يضيفه إلى نفسه فإنه مشعر بالقصد ولم يكن أو سمعته، وأما قراءته على الشيخ من غير أن ينكر الشيخ عليه ولا وجود أمر يوجب المسكوت عنه من إكراه أو غفلة أو غيرهما من القدرات المانعة عن الإنكار فقد اختلف فى أنه هل يعمل به أو لا؟ فمنعه بعض الظاهرية والصحيح أنه معمول به لأنه يفهم منه عرفًا تقريره وأنه تصديق وأيضًا فى سكوته إيهام الصحة وذلك بعيد من العدل عند عدم الصحة فيقول عند الرواية حدَّثنا وأخبرنا قراءة عليه وهل يقول حدَّثنا وأخبرنا مطلقًا من
غير ذكر القراءة، قال الحاكم: القراءة إخبار على ذلك عهدنا أئمتنا، ونقل ذلك عن الأئمة الأربعة، وأما قراءة غيره على الشيخ بحضوره بالشروط المذكورة فهو كقراءته، وأما الإجازة: وهو أن يقول أجزت لك أن تروى عنى كذا أو ما صح عندك أنه من مسموعاتى أو لك ولغيرك فلان وفلان، من الموجودين المعينين فالأكثر على جوازها، وإذا جوّزناها فيقول: أجازنى وأخبرنى وحدثنى إجازة، والأكثر على أنه لا يقول: حدَّثنى وأخبرنى مطلقًا، وقال بعض: ولا مقيدًا، أى لا يقول أيضًا: حدَّثنى وأخبرنى إجازة لكن يقول: أنبأنى بالاتفاق للعرف فإنه إنباء عرفًا، وإن كان هو الإخبار لغة يقال للإيذان والإعلام إنباء، قال:
زعم الغراب منبئ الأنباء
…
أن الأحبة آذنوا بفناء
* وبذاك نبأنى الغراب الأسود *
وهذا الفعل ينبئ عن العداوة أو المحبة.
* تنبئك العينان ما هو كاتمه *
وقد منع الرواية بالإجازة أبو حنيفة وأبو يوسف، وأما الإجازة لجميع الأمة الموجودين لا لقوم معينين فالظاهر قبولها لأنها مثل الإجازة للموجودين المعينين إذ العام بمثابة تعداد الأفراد ولا فرق بينهما إلا بالاختصار والتطويل، ولا مدخل لاختلاف العبارة فى مثله وأما الإجازة فى نسل فلان أو من يوجد من بنى فلان من غير تعيين أو نحوه لأهل بلدة كذا ففى صحتها خلاف واضح وهو أولى بالمنع مما قبله فإن إجازة غير الموجود أبعد من إجازة الموجود غير المعين والمختار صحته، لنا فى صحة الإجازة الظاهر أن العدل لا يروى إلا بعد العلم أو الظن بروايته وعدالته وقد أذن له فيجب أن يصح لغيره وأيضًا فإنه كان يرسل كتبه مع الآحاد ولم يعلموا ما فيها ليعمل من يراها بموجبها، وما ذلك إلا الإجازة، فقد علم بذلك بطلان ما يقوله أبو بكر الرازى من أنه إن كان عالمًا بمضمون الكتاب جاز كما لو قال اشهدا علىّ بمضمون هذا الكتاب.
قالوا: أولًا: إذا قال حدَّثنى فقد كذب لأنه لم يحدثه وأنه لا يجوز.
الجواب: أنه وإن لم يحدثه صريحًا فقد حدثه ضمنًا، كما لو قرأ على الشيخ بحضوره، فإنه لم يحدثه وتجوز الرواية اتفاقًا.
قالوا: ثانيًا: ظن مستند إلى ما لا تجوز الشهادة عنه، فلا تجوز الرواية عنه قياسًا
على الشهادة.
الجواب: الفرق بأن أمر الشهادة آكد من أمر الرواية ولذلك احتيط فى الشهادة ما لم يحتط فى الرواية فزيد فى شروطها ووجب العمل بكتب الرسول وإن لم يعلم مضمونه ولو شهد بمثله لم يجز، وأما المناولة والكتابة فمثل الإجازة دليلًا وجوابًا، فلم يتعرض لهما.
المصنف: (ومستند غير الصحابى. . . إلخ) تقدم بيان ما يقوله الصحابى فى روايته وشرع الآن فى بيان ما يقوله غير الصحابى، ولما كان أقوال غير الصحابى فى الرواية مبنية على المستند وهى مراتب تختلف الألفاظ باختلافها بين المستند وما يقول الراوى بالنسبة لكل مستند فقال: ومستند الراوى لكن هذا باعتبار الغالب وهو أن الصحابى يروى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سماعًا منه وإلا فقد يروى عن صحابى آخر أو تابعى فحينئذ يكون مستنده كغيره.
المصنف: (أو مناولته) قال الغزالى فى المستصفى: إن مجرد المناولة ليست مستندًا وعند اقترانها بقوله: أجزت لك أن تروى عنى ما فيه أو حدث به مثلًا رجعت للإجازة ففى جعل المناولة قسمًا آخر تكلف، ويجاب بأن المراد بالمناولة المناولة المحتفة بالقرائن الدالة على الإجازة وهى غير صريح الإجازة وغير المناولة مجردة والدليل على اعتبار المناولة ما روى عن ابن عباس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد اللَّه بن حذافة وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى.
المصنف: (أو كتابته بما يرويه) هى غير الوجادة التى زادها بعضهم وهى: أن يجد كتابًا أو حديثًا بخط شيخ معروف، وصفة التحديث أن يقول: وجدت بخط فلان أو قرأت بخط فلان ويسوق الإسناد والمتن أو يقول: قرأت بخط فلان عن فلان، وفى العمل بها خلاف قال ابن الصلاح: لو توقف العمل بها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شروطه وقال ابن برهان إذا صح عنده النسخة جاز له العمل بها وإن لم يسمع، واتفق العلماء على الاعتماد على كتب الفقه الصحيحة الموثوق بها لأن الثقة قد حصلت بها كما تحصل بالرواية وكتب الحديث أولى لاعتناء الناس بضبط النسخ وتحريرها.
المصنف: (وأنبأنى اتفاق) أى ممن جوز فلا ينافى قوله من منع الإجازة مطلقًا.
المصنف: (ولجميع الأمة الموجودين) المراد من كان صالحًا للرواية وكذا يقال فى نظائره.
المصنف: (قالوا كذب. . . إلخ) هذا لا يظهر إلا فى مثل حدثنى أو أخبرنى، أما فى مثل أنبأنى على ما هو العرف فلا يظهر دليلًا على المنع منه.