الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(مسألة اختيار الإمام والغزالى رحمهما اللَّه أن الأمر بشئ معين
ليس نهيًا عن ضده ولا يقتضيه عقلًا، وقال القاضى ومتابعوه نهى عن ضده ثم قال يتضمنه ثم اقتصر قوم وقال القاضى والنهى كذلك فيهما ثم منهم من خص الوجوب دون الندب، لنا لو كان الأمر نهيًا عن الضد أو يتضمنه لم يحصل بدون تعقل الضد والكف عنه لأنه مطلوب النهى ونحن نقطع بالطلب مع الذهول عنهما، واعترض بأن المراد ضد العام وتعقله حاصل لأنه لو كان عليه لم يطلبه، وأجيب بأن طلبه فى المستقبل ولو سلم فالكف واضح).
أقول: قد اختلف فى الأمر بالشئ هل هو نهى عن الضد وليس الكلام فى هذين المفهومين لتغايرهما لاختلاف الإضافة قطعًا ولا فى اللفظ إنما النزاع فى أن الشئ المعين إذا أمر به فهل ذلك الأمر نهى عن الشئ المعين المضاد له أو لا فإذا قال تحرك فهل هو فى المعنى بمثابة أن يقول لا تسكن فاختيار الإمام والغزالى أنه ليس نفس النهى عن ضده ولا يتضمنه عقلًا أيضًا وهو المختار.
وقال القاضى ومتابعوه: أولًا أنه نفس النهى عن ضده، وقالوا آخرًا: إنه يتضمنه، ثم اقتصر قوم على هذا، وزاد القاضى ومتابعوه عليه فقالوا والنهى كذلك فى الوجهين، فقالوا: أولًا النهى عن الشئ نفس الأمر بضده وآخرًا أنه يتضمنه، ثم القائلون بأن الأمر بالشئ نهى عن الضد على الوجهين، منهم من عمم القول فى أمر الوجوب والندب فجعلهما نهيًا عن الضد تحريمًا وتنزيهًا، ومنهم من خص أمر الوجوب فجعله نهيًا عن الضد تحريمًا دون الندب، لنا لو كان الأمر بالشئ نهيًا عن ضده أو متضمنًا له لم يحصل بدون تعقل الضد والكف عنه واللازم منتف، أما الملازمة فلأن الكف عن الضد هو مطلوب النهى ويمتنع أن يكون المتكلم طالبًا لأمر لا يشعر به فيكون الكف عن الضد متعقلًا له وما ذلك إلا بتعقل مفرديه وهما الضد والكف عنه وأما انتفاء اللازم فلأنا نقطع بطلب حصول الفعل مع الذهول عن الضد والكف عنه واعترض عليه بأن المراد بالضد ههنا هو الضد العام لا الأضداد الجزئية، والذى يذهل عنه هو الأضداد الجزئية، وأما الضد العام فتعقله حاصل لأن الأمور لو كان على الفعل وملتبسًا به لم يطلبه الآمر منه لأنه طلب الحاصل فإذًا إنما يطلبه إذا علم أنه ملتبس بضده لا به وأنه يستلزم تعقل ضده.
الجواب: إنما يطلب منه الفعل فى المستقبل فلا يمنع الالتباس به فى الحال فيطلب منه أن يوجده فى ثانى الحال كما يوجده فى الحال، ولو سلم فالكف واضح يعلم بالمشاهدة ولا حاجة فى العلم به إلى العلم بفعل الضد وإنما يلزم النهى عن الكف وذلك واضح ولا نزاع لنا فيه فلا يصلح موردًا للنزاع والاحتجاج.
قوله: (لاختلاف لإضافة) فإن الأمر مضاف إلى الشئ والنهى إلى ضده ولا فى اللفظ لأن صيغة الأمر افعل وصيغة النهى لا تفعل وإنما النزاع فى الأوامر الجزئية المتعينة ولهذا قَيَّد الشئ بالمعين ليدل على أن الكلام فى الجزئيات بمعنى أن ما يصدق عليه أنه أمر بشئ هل يصدق عليه أنه نهى عن ضده أو مستلزم له بطريق التضمن أو الالتزام، قال الشارح العلامة: معنى قولهم الأمر بالشئ بعينه نهى عن ضده أنه نفس النهى وقولهم بعينه عائد إلى الأمر لا إلى الشئ على ما توهمه المصنِّفُ فصرح بجعله صفة لشئ ولا تظهر له فائدة وكأنه احتراز عن مثل افعل شيئًا فإنه لا ضد لهذا المطلوب أو لأنه ليس نهيًا عن ضده إن كان لأن كل ما لا يلابسه يكون شيئًا وقيل فائدته الاحتراز عن الأمر بالضدين على سبيل البدل فإنه ليس نهيًا عن ضده وقيل إنما لم يجعل قولهم بعينه عائدًا إلى الأمر لظهور أن ليس الأمر نفس النهى بل المعنى أنهما حصلا بجعل واحد كما فى قولهم الأمر بالشئ أمر بمقدمته أى جعلاهما واحد لم يحصل كل منهما بأمر على حدة وكان فى قول الشارح هل أوفى المعنى بمثابة أن يقول لا تكن إشارة إلى هذا المعنى.
قوله: (ولا يتضمنه) أى لا يدل عليه ولا يستلزمه.
قوله: (نفس النهى وحده) هم قائلون بالكلام النفسى فيعنون أن طلب الفعل هو بعينه طلب الكف عن أضداده.
قوله: (على الوجهين) أى على أنه نفسه أو مستلزم له.
قوله: (واعترض عليه) توجيهه لا نسلم انتفاء اللازم وحصول القطع بطلب حصول الفعل مع الذهول عن الضد وإنما يصح لو أريد الضد الخاص الذى هو جزئى من جزئيات ما لا يجامع المأمور به كالقعود بالنسبة إلى القيام، أما لو أريد الضد العام، أعنى أحد الأضداد لا على التعيين فلا إذ الطالب إنما يطلب الفعل إذا
علم أن المأمور متلبس بضده العام لا بالفعل نفسه والعلم بتلبسه بالضد مستلزم لتعقل الضد، وتوجيه الجواب: أن جواز الذهول عن الضد العام أيضًا ضرورى نجده من أنفسنا وما ذكرتم لا يدفعه لأن الأمر طلب للفعل المستقبل وهو لا ينافى التلبس فى الحال حتى يفتقر إلى العلم بتلبس المأمور بالضد العام ولو قدر أن الطلب يتوقف على عدم تلبس المأمور بالفعل وعلى كفه عنه فالكف أمر واضح يعلم بالمشاهدة من غير توقف على العلم بتلبس المأمور بشئ من أضداد الفعل فلا يستلزم تعقل الضد هذا إذا أريد بالضد العام أحد الأضداد مثلًا أما لو أريد الكف عن الفعل وتركه بمعنى أن الطالب لا بد أن يعلم أن المأمور غير متلبس بالكف عن الفعل وهذا مستلزم لتعقل الكف الذى هو الضد العام فمعنى قوله فالكف واضح أنه لا خفاء ولا نزاع فى أن الأمر بالشئ نهى عن تركه والكف عنه ولا معنى للاحتجاج على ذلك إذ كون الأمر بالقيام نهيًا عن ترك القيام أظهر من أن لا يخفى فظهر أن الاعتراض منع لمقدمة الدليل والجواب دفع له لا كلام على السند وليس الاعتراض معارضة لا فى الدليل لنفيه المقدمة دون الدعوى ولا فى المقدمة لأنه لا معنى للمعارضة فى المقدمة التى يدعى المستدل كونها ضرورية والشارحون فسروا الضد العام بترك المأمور به والكف عنه وجعلوا الاعتراض منعًا لانتفاء اللازم ولما ذكر فى بيانه فالجواز منعًا لمقدمات المسند ومعنى قوله ولو سلم فالكف واضح أنه لو سلم أن الضد العام معلوم للآمر فالكف واضح أنه ليس بمعلوم، ثم اعترض بعضهم بأن أمر الإيجاب لا يتحقق بدون الكف عن الضد العام لأنه طلب الفعل مع المنع عن تركه وهذا خبط يظهر بأدنى تأمل.
المصنف: (اختيار الإمام) أى إمام الحرمين لا الرازى.
المصنف: (أن الأمر بشئ معين) أى الطلب القائم بالنفس الذى هو عند أهل السنة نوع من الكلام النفسى وعند المعتزلة الإرادة أما الأمر اللفظى فليس عين النهى قطعًا ولا يتضمنه على الأصح، وقيل يتضمنه على معنًى إذا قيل اسكن مثلًا فكأنه قيل لا تتحرك أيضا لأنه لا يتحقق السكون مع التحرك، قال الكمال: فائدة الخلاف استحقاق العقاب بترك المأمور به فقط أو به وبفعل الضد حيث عصى أمرًا ونهيًا. اهـ. قال شارحه بعد قوله فائدة الخلاف ما نصه فى كون الأمر بالشئ نهيًا
عن ضده أو يستلزمه أو لا تظهر إذا ترك المأمور به وفعل ضده الذى لم يقصد بنهى ثم ذكر فائدة الخلاف فى كون النهى أمرًا بالضد وأنها من حيث استحقاق العقاب بفعل المنهى عنه فقط على القول بأنه ليس أمرًا بالضد أو به وبترك فعل الضد على القول بأنه أمر بضده.
المصنف: (عن ضده) أى الضد الوجودى وأما الضد غير الوجودى وهو الكف عن الفعل فلا نزاع فى أن الأمر بالشئ المعين يتضمن النهى عنه لأن الإيجاب هو طلب الفعل مع المنع من الترك، هذا وقيل إن فيه نزاعًا أيضًا لأن الإيجاب إنما هو الطلب الجازم فيجوز أن يطلب طلبًا جازمًا مع عدم خطور المنع من الترك على البال وإنما سمى الكف عن الفعل ضدًا غير وجودى لأنه لا يتحقق بذاته وإنما يتحقق بالتلبس بفعل وجودى.
المصنف: (ثم قال يتضمنه) قال إمام الحرمين فى البرهان فالمعنى بالاقتضاء على رأيه أن قيام الأمر بالشئ النفسى يقتضى أن يقوم معه قول هو النهى عن أضداد المأمور به كما يقتضى قيام العلم بالذات قيام الحياة به، ولا معنى لما قاله غير هذا وهذا باطل قطعًا فإن الذى يأمر بالشئ قد لا يخطر له التعرض لأضداد المأمور به أما لذهول أو إضراب فلم يستقم الحكم بأن قيام الأمر بالنفس مشروط بقيام النهى اهـ. نقله العطار.
المصنف: (ونحن نقطع بالذهول عنهما) أى وإذا جاز ذلك فى المخلوق علم أن الأمر ليس هو النهى ولا يتضمنه وأن حضوره عند اللَّه لا لتوقف الأمر عليه بل لاستحالة عدم إحاطة علمه به على أن المدعى كلية فيكفى فى منعها الجزئية.
الشارح: (الضد العام) وهو مطلق ما يضاد الفعل وقوله فتعقله حاصل أى مع حصول تعقل الكف عنه، وقول الشارح ولو سلم فالكف واضح أى الكف عن الفعل واضح وعلمه لا يقتضى العلم بالكف عن الضد المطلوب بالنهى.
الشارح: (لتغاير مفهوميهما) أى لأن مفهوم الأمر اقتضاء الفعل ومفهوم النهى اقتضاء الكف وقوله ولا فى اللفظ أى لأن صيغة الأمر غير صيغة النهى قطعًا ويتضمنها بالمعنى المتقدم على الأصح.
الشارح: (أو إنما يلزم. . . إلخ) أى لو أريد بالضد العام الكف عن الفعل ولا شك أنه إذا كان الأمر بالفعل هو حال عدم التلبس بالفعل فالكف عن الفعل
المذكور واضح معلوم لكن هذا لا نزاع فى أن الأمر نهى عنه.
قوله: (لا معنى للمعارضة فى المقدمة التى يدعى المستدل بداهتها) فيه أنه كما لا معنى لذلك بل لو أمكن ينبغى منع كونها ضرورية كذلك لا يمنع مقدمة ادعى المستدل أنها ضرورية بل لو أمكن ينبغى منع كونها ضرورية.
قوله: (فالكف واضح أنه ليس بمعلوم له) فيه أنه على تفسير الضد العام بترك المأمور به والكف عنه يكون الكف معلومًا بالمشاهدة ويكون النزاع فى كون الأمر نهيًا لفظيًا.
قوله: (وهذا خبط يظهر بأدنى تأمل) أى لأن الكلام ليس فى المنع من ترك المأمور به بل فى الضد العام الذى هو فعل من الأفعال المضادة للمأمور به.
قال القاضى: (لو لم يكن إياه لكان ضدًا أو مثلًا أو خلافًا لأنهما إما أن يتساويا فى صفات النفس أو لا. الثانى إما أن يتنافيا بأنفسهما أو لا، فلو كانا مثلين أو ضدين لم يجتمعا ولو كانا خلافين لجاز أحدهما مع ضد الآخر وخلافه لأنه حكم الخلافين، ويستحيل الأمر مع ضد النهى عن ضده وهو الأمر بضده لأنهما نقيضان أو تكليف بغير الممكن، وأجيب إن أراد بطلب ترك ضده طلب الكف منع لازمها عنده فقد يتلازم الخلافان فيستحيل ذلك وقد يكون كل منهما ضد ضد الآخر كالظن والشك فإنهما معًا ضد العلم، وإن أراد بترك ضده عين الفعل المأمور به رجع النزاع لفظيًا فى تسميته تركًا ثم فى تسميته طلبًا نهيًا، القاضى أيضًا السكون عين ترك الحركة فطلب السكون طلب ترك الحركة وأجيب بما تقدَّم).
أقول: احتج القاضى على أن الأمر بالشئ هو النهى عن ضده بأنه لو لم يكن نفسه لكان إما مثله أو ضده أو خلافه، واللازم بأقسامه باطل أما الملازمة فلأن كل متغايرين إما أن يتساويا فى صفات النفس أو لا، والمعنى بصفات النفس ما لا يحتاج الوصف به إلى تعقل أمر زائد كالإنسانية للإنسان، والحقيقة والوجود والشيئية له بخلاف الحدوث والتحيز فإن تساويا فيها فمثلان كسوادين أو بياضين وإلا فإما أن يتنافيا بأنفسهما أى يمتنع اجتماعهما فى محل واحد بالنظر إلى ذاتهما أو لا فإن تنافيا بأنفسهما فضدان كالسواد والبياض وإلا فخلافان كالسواد والحلاوة، وأما انتفاء اللازم بأقسامه فلأنهما لو كانا ضدين أو مثلين لم يجتمعا فى محل واحد وهما يجتمعان إذ جواز الأمر بالشئ والنهى عن ضده معًا ووقوعه ضرورى ولو كانا خلافين لجاز اجتماع كل واحد منهما مع ضد الآخر ومع خلافه لأن الخلافين حكمهما ذلك كما يجتمع السواد وهو خلاف الحلاوة مع الحموضة ومع الرائحة فكان يجوز أن يجتمع الأمر بالشئ مع ضد النهى عن ضده وهو الأمر بضده لكن ذلك محال ما لأنهما نقيضان إذ يعدّ افعل هذا أو افعل ضده أمرًا متناقضًا كما يعدّ فعله وفعل ضده خبرًا متناقضًا وإما لأنه تكليف بغير الممكن وأنه محال.
الجواب: أن يقال له ما تريد بقولك هو طلب لترك ضده أتريد به أنه طلب الكف عن ضده أو طلب فعل ضد ضده الذى هو نفس الفعل المأمور به فإن أراد طلب الكف منع ما زعم أنه لازم للخلافين وهو اجتماع كل مع ضد الآخر وخلافه وذلك لأن الخلافين قد يكونان متلازمين فيستحيل فيهما ذلك لأن اجتماع أحد المتلازمين مع الشئ يوجب اجتماع الآخر معه فيلزم اجتماع كل مع ضده
وأنه محال وأيضًا فقد يكون كل من الخلافين ضد الضد الآخر ولا بعد فى أن يكون الشئ ضدًا لأمر ولضده كما أن العلم ضد للشك ولضده وهو الظن وإذا جاز ذلك فلا يجب اجتماعه مع ضد الآخر هذا إذا أراد طلب الكف وإن أراد به فعل ضد ضده وهو عين الفعل المأمور به كما يشعر به استدلاله الثانى رجع النزاع لفظيًا فى تسمية فعل المأمور به تركًا لضده وفى تسمية طلبه نهيًا وكان طريق ثبوت النقل لغة ولم يثبت وعلى تقدير ثبوته يكون حاصله أن الأمر بالشئ له عبارة أخرى كالأحجية مثل أنت وابن أخت خالتك وذلك شبه اللعب لا يليق أن يشحن بها الكتب العلمية ويشتغل بها واحتج القاضى أيضًا بأن فعل المسكوت مثلًا عين ترك الحركة إذ الثابت فى الحيز الأول هو بعينه عدم الانتقال إلى الحيز الثانى، وإنما يختلف التعبير ويلزم منه أن يكون طلب فعل السكون هو طلب ترك الحركة وأجيب بما تقدَّم من رجوع النزاع لفظيًا.
قوله: (فلأن كل متغايرين) مبنى على اصطلاح الفلاسفة أن كل ما لا يكون نفس الشئ فهو غيره وأما على اصطلاح المتكلمين فيجوز أن لا يكون نفسه ولا غيره فلا يكون مثلًا ولا ضدًا ولا خلافًا والصفة عندهم تنقسم إلى نفسية لا يفتقر اتصاف الذات بها إلى تعقل أمر زائد كالإنسانية للإنسان والحقيقة والوجود ونحو ذلك، وقد يعبر عنها بما يدل على الذات دون معنًى زائد، وإلى معنوية تفتقر إلى تعقل أمر زائد وتدل على معنًى زائد على الذات كالحدوث والتحيز للإنسان وقد يعبر عن صفات النفس بالذاتيات بالمعنى المذكور لا بمعنى أجزاء الماهية.
قوله: (وإلا) أى وإن لم يتنافيا بأنفسهما بأن لا يتنافيا أو يتنافيا لا بأنفسهما فمتخالفان.
قوله: (وهما يجتمعان) أى فى محل واحد ضرورة أنه يتحقق فى الحركة الأمر بها والنهى عن السكون الذى هو ضدها، وبهذا يسقط ما ذكره العلامة من أنه إن أريد به الاجتماع فى محل فممنوع أو فى النفس أو فى اللفظ فالتضاد لا ينافيه.
قوله: (ومع خلافه) لا دخل له فى البيان إلا أن الخاصة المشهورة للمتخالفين هو جواز اجتماع كل مع ضد الآخر ومع خلافه.
قوله: (فكان يجوز) أى فيلزم جواز الأمر بالحركة مثلًا مع ضد النهى عن
السكون وهو الأمر بالسكون فيلزم الأمر بالحركة مع الأمر بالسكون أى تحرك واسكن ومثله يعدّ فى العرف تناقضًا ويكون تكليفًا بالجمع بين الضدين وهو محال إذ لو اعتبر كل فى زمان لم يكن ذلك اجتماعًا والتقدير بخلافه.
قوله: (هو طلب) يعنى أن قولك الأمر بالشئ نهى عن ضده بمنزلة قولك هو طلب لترك ضده لأن النهى عن الشئ طلب تركه فإما أن يريد أن الأمر بالحركة مثلًا طلب الكف عن السكون أو طلب الإتيان بضد السكون، وهو الحركة، فالموصول أعنى الذى هو نفس الفعل صفة ضد ضده.
قوله: (منع ما زعم) أى القاضى (أنه لازم الخلافين فيه) إشارة إلى أن ضمير عنده للقاضى بمعنى أن هذا المعنى لازم الخلافين عنده وفى زعمه.
قوله: (لأن الخلافين قد يكونان متلازمين) مبنى على أنه لا يشترط فى التغاير جواز الانفكاك.
قوله: (وأيضًا فقد يكون) عطف على قوله: قد يكونان متلازمين، وهذا سند آخر يمنع لزوم اجتماع كل من الخلافين مع ضد الآخر، وهو أن كلًا من الخلافين قد يكون ضدًا لضد الخلاف الآخر، فلا يجب جواز اجتماعه معه لامتناع اجتماع الضدين ولما توهم استبعاد أن يكون الشئ ضد الشئ ولخلافه أزال ذلك بأنه لا يبعد كون الشئ ضد الأمر ولضده كالعلم للشك والظن والسواد للبياض والحمرة فلأن لا يبعد كونه ضدًا لشئ ولخلافه أولى وبهذا يندفع اعتراض الشارحين بأن الظن والشك ليسا خلافين بل ضدين فلا يصلح هذا تمثيلًا لكون كل من الخلافين ضد ضد الآخر.
قوله: (وإن أراد به) أى بترك ضده فعل ضد ضده الأمور به وضد ضده عين المأمور به كما صرح به حيث قال: إن فعل السكون مثلًا عين ترك الحركة أيضًا (صار نزاعًا لفظيًا) لا يقال مراده أن الأمر بالشئ نهى عن ضده أى منع ترك الفعل بمعنى أنه جزء له لأنا نقول ليس هذا مذهب القاضى بل هو مذهب التضمن.
قوله: (القاضى أيضًا) أعاد ذكره ليفيد العهد بواسطة طول الدليل الأول وحاصل هذا أن كل فعل فهو ترك ضده فطلبه طلبه ولا معنى للنهى عن الشئ سوى طلب تركه ولا خفاء فى أن هذا إنما يتم فى مثل الحركة والسكون مما يكون أحدهما عدمًا للآخر بخلاف الأضداد الوجودية.
المصنف: (لكان ضدًا) مراده به ما يشمل النقيض والعدم مع الملكة.
المصنف: (وإن أراد بترك ضده. . . إلخ) أى ترك ضده الذى هو مطلوب النهى.
المصنف: (السكون عين ترك الحركة) مبنى على رأى الفلاسفة من أن السكون عدمى.
الشارح: (بالنظر إلى ذاتهما) احتراز عن المتقابلين بالعرض ويدخل فيه جميع أقسام المتقابلين.
الشارح: (وهو الأمر بضده) قال ميرزاجان: إن أراد أن الخلافين يقتضيان أن يجامع أحدهما كل ما يضاد الآخر فممنوع إذ السوادية مخالفة للكون حرارة ولا تجامع الجوهرية التى هى ضد للكون حرارة؛ لكونها ضدًا له أيضًا وإن أراد لزوم اجتماعه معه فى الجملة فنقول: عدم النهى عن ضد المأمور به ضد للنهى عنه ويجوز اجتماع الأمر معه بأن يكون الذم بفعل ضد المأمور به من جهة أنه متضمن لترك المأمور به لا لأنه فعل مخصوص. اهـ.
الشارح: (أو طلب فعل ضد ضده) فالضد الذى طلب تركه هو ترك الفعل وطلب ترك ترك الفعل هو طلب الفعل، والمراد بفعل ضد ضده الإتيان بضد ضده الذى هو الفعل.
قوله: (كالحدوث والتحيز) أى فإنهما معنيان زائدان على الذات ويفتقران إلى تعقل أمر زائد وهو العدم فى الأول والحيز فى الثانى فإن التحيز إنما يثبت للجسم بالإضافة إلى الحيز والحدوث إنما ثبت لما سوى اللَّه تعالى بالإضافة إلى العدم.
قوله: (أنه يتحقق فى الحركة الأمر بها والنهى عن السكون) فالمحل هو الفعل لكن اتصاف الفعل بالنهى عن الضد اتصاف عرضى باعتبار المتعلق أعنى كون الفعل بحيث ينهى عن ضده وذلك ليس حقيقة النهى عن الضد الذى الكلام فيه.
قوله: (وهو أن يكون كل من الخلافين) قد يكون ضدًا لضد الخلاف الآخر وذلك كالأمر بالشئ والنهى عن ضده فإن عدم النهى الذى هو ضد للنهى ضد أيضًا للأمر بالشئ باعتبار أنه يتضمن الذم بفعل ضد المأمور به المتحقق بفعل ضد من الأضداد وقوله: ولما توهم استبعاد. . . إلخ علمت تحقيقه بما قلناه قريبًا وقوله فلأن لا يبعد. . . إلخ نوزع فى الأولوية المذكورة.
قال: (التضمن أمرًا لإيجاب طلب فعل يذم على تركه اتفاقًا ولا يذم إلا على فعل وهو الكف أو الضد فيستلزم النهى وأجيب بأنه مبنى على أنه من معقوله لا بدليل خارجى وإن سلم فالذم على أنه لم يفعل لا على فعل وإن سلم فالنهى طلب كف عن فعل لا عن كف وإلا أدّى إلى وجوب تصوّر الكف عن الكف لكل أمر وهو باطل قطعًا، قالوا: لا يتم الواجب إلا بترك ضده وهو الكف عن ضده أو نفيه فيكون مطلوبًا وهو معنى النهى وقد تقدَّم).
أقول: القائلون بأن الأمر بالشئ يتضمن النهى عن ضده لهم حجتان:
قالوا: أولًا: أمر الإيجاب طلب فعل يذم على تركه اتفاقًا، ولا ذم إلا على فعل لأنه المقدور، وما هو ههنا إلا الكف عن الضد أو فعل ضده وكلاهما ضد للفعل والذم بأيهما كان فهو يستلزم النهى عنه إذ لا ذم بما لم ينه عنه لأنه معناه.
الجواب: أنه مبنى على أن الذم بالترك من معقولات الإيجاب فلا ينفك عنه تعقلًا وأما من يجوز الإيجاب وهو الاقتضاء الجازم من غير خطور الذم بالترك على البال وإن لزمه فى الواقع فلا يلزمه ذلك، ولو سلم فلا نسلم أنه لا ذم إلا على فعل بل يذم على أنه لم يفعل ما أمر به، وإن سلم فالنهى طلب كف عن فعل لا عن كف كما أن الأمر طلب فعل غير كف والذى يحقق توجه هذه المنوع أنه لولا هى وصح دليلكم لأدّى إلى وجوب تصور الكف عن الكف لكل أمر بشئ وذلك باطل قطعًا، فإن الآمر بالشئ لا يخطر الكف عن الكف بباله.
قالوا: ثانيًا: لا يتم الواجب وهو فعل المأمور به إلا بترك ضده وهو إما الكف عن ضده أو نفى ضده على الرأيين وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فالكف عن الضد أو نفى الضد واجب وهو معنى النهى عنه.
الجواب عنه قد تقدَّم وهو منع أن ما لا يتم الواجب إلا به من عقلى أو عرفى فهو واجب.
قوله: (وما هو) أى الفعل الذى يذم عليه (ههنا) أى فى أمر الإيجاب (إلا الكف) عن المأمور به أو إيقاع ضد المأمور به والذم بأيهما كان (من الكف) وفعل الضد (فهو) أى ذلك الذم (يستلزم النهى عنه) أى عن أيهما (كان وفيه) إشارة إلى أن معنى التضمن ههنا الاستلزام.
قوله: (لأنه) أى الذم معناه أى معنى النهى بمعنى أن المنهى ما يذم فاعله وإلا فحقيقة النهى طلب الكف عن الفعل.
قوله: (والجواب) يعنى أن النزاع إنما هو فى أن أمر الإيجاب هل يستلزم بحسب مفهومه النهى عن الضد لزومًا عقليًا لا بدليل من خارج وحينئذ لا نسلم أن الذم على الترك من اللوازم العقلية للأمر ولو سلم فلا نسلم أنه لا ذم على العدم المخصوص ولو سلم فلا نسلم أن كل ما يذم عليه فهو منهى عنه وإنما يكون لو كان فعلًا لا كفًا فإن النهى طلب كف عن فعل لا عن كف ولو جعلنا الكف عن المأمور به منهيًا عنه كان النهى طلب الكف عن ذلك الكف.
قوله: (والذى يحقق) إشارة إلى أن قوله: وإلا معناه وإن لم تكن هذه المنوع وتم دليلكم للذم فى كل أمر تصوّر الكف عن المأمور به لما أن كل أمر يستلزم النهى عن الكف عن المأمور به والنهى عن الشئ عبارة عن طلب الكف عنه ولا بد فى الطلب من تصور المطلوب ثم لا يخفى أن هذا الدليل على تقدير تمامه إنما ينتهض فى أمر الإيجاب دون الندب.
قوله: (على الرأيين) فى أن المطلوب بالنهى هو الكف عن الفعل أو نفى الفعل.
المصنف: (أمر الإيجاب. . . إلخ) قد يقال: إن الكلام فى الأوامر الجزئية وتصوراتها لا تستلزم تصور الذم على الترك لأنه إنما أخذ فى مفهوم الواجب ولعله عرضى لها.
المصنف: (وإن سلم فالنهى طلب كف عن فعل) أى: وإن سلم أن الذم إنما هو على الفعل فنختار أنه الكف عن الفعل لا فعل الضد وحينئذ نقول: إن النهى طلب كف عن فعل لا عن كف واللازم للأمر إنما هو الذم على الكف عن الكف وهو ليس نهيًا.
المصنف: (وإلا أدى إلى وجوب تصور الكف عن الكف) تخصيص المكفوف عنه بأنه الكف يقتضى رجوع قوله: وإلا لقوله: فالنهى طلب كف عن فعل لا عن كف، ومقتضى كونه راجعًا للمنوع كلها أن يقول: وإلا أدى إلى تصور الكف عن الكف أو الفعل.
قال: (الطاردون متمسكا القاضى المتقدمان وأيضًا النهى طلب ترك الفعل والترك فعل الضد فيكون أمرًا بالضد قلنا فيكون الزنا واجبًا من حيث هو ترك اللواط وبالعكس وهو باطل قطعًا، وبأن لا مباح وبأن النهى طلب الكف لا الضد المراد فإن قلتم فالكف فعل فيكون أمرًا بضده رجع النزاع لفظيًا ولزم أن لا يكون النهى نوعًا من الأمر ومن ثمة قيل الأمر طلب فعل لا كف).
أقول: الطاردون للحكم فى النهى أنه أمر بالضد احتجوا بمتمسكى القاضى وهو قوله: لو لم يكن نفسه لكان مثله أو ضده أو خلافه وهى باطلة، وأيضًا ترك السكون هو الحركة فطلبه طلبها، والجواب الجواب، وأيضًا لهم أن النهى طلب ترك الفعل فيكون الترك فعلًا لأنه المقدور وليس فعل غير الضد لأنه لا يكون تركًا له فهو فعل أحد الأضداد فيكون مطلوبًا وهو معنى الأمر به.
الجواب: أما أوّلًا: فبأنه لو صح ما ذكرتم لزم أن يكون الزنا واجبًا من حيث هو ترك اللواط لأنه ضده واللواط واجبًا من حيث هو ترك الزنا فيحصل الثواب بهما بقصده أداء الواجب بهما وبطلان ذلك معلومًا من الدين ضرورة.
وأما ثانيًا: فبأنه يستلزم نفى المباح إذ ما من مباح إلا وهو ترك حرام كما هو مذهب الكعبى، وقد بطل.
وأما ثالثًا: فبأن الكف هو المطلوب فى النهى ولا يلزم وجوب ضد من الأضداد الجزئية الذى هو المراد وفيه البحث فإن قلتم فالكف فعل محقق فيكون ضدًا وقد طلب فتحقق الأمر بالضد، قلنا يرجع النزاع حينئذٍ لفظيًا فى تسمية الكف فعلًا ثم فى تسمية طلبه أمرًا كما تقدَّم ويلزم أن يكون النهى نوعًا من الأمر ولا نزاع حينئذٍ فى المعنى فإنا نقول به وإن لم نطلق عليه لفظ الأمر ولذلك قيل فى تعريف الأمر إنه طلب فعل غير كف ولولا الموافقة فى أن النهى طلب للكف لما قيل.
قوله: (وهى باطلة) يعنى ما ذكر ثمة إلا أنه يقال فى بطلان كونهما خلافين أنه يلزم جواز أن يجتمع النهى عن الشئ مع ضد الأمر بضده وهو النهى عن ضده وهو تناقض وتكليف بالمحال وفى الجواب عنه أنا لا نسلم أن اجتماع كل معنى مع ضد الآخر وخلافه لازم للخلافين ولا يتأتى الاستفسار والترديد المذكور ثمة إذ لا معنى لقولنا النهى عن الشئ أمر بضده سوى أنه طلب لفعل ضده فليتأمل.
قوله: (لأنه لا يكون تركًا له) أى وإن فعل غير الضد لا يكون تركًا للفعل فترك الفعل فعل أحد أضداده فالنهى وهو طلب ترك الفعل طلب لفعل أحد الأضداد وهو معنى الأمر بالضد واعترض الشارح العلامة بأن هذا بعينه هو المتمسك الثانى للقاضى إلا أنه فى مادة جزئية دون هذا فأشار المحقق إلى دفعه بأن ذلك لا يفتقر إلى هذه المقدمات وإلى كون الترك فعلًا بل يكفى أن السكون عدم الحركة.
فالنهى عن الحركة طلب لعدمها وهو معنى الأمر بالسكون.
قوله: (لزم أن يكون الزنا واجبًا) لا يخفى أن ذلك إنما يلزم لو أريد أمر بجميع أضداده وأما لو أريد أنه أمر بفعل أحد أضداده على ما يشير إليه تقرير الشبهة فلا وسنشير إلى جوابه.
قوله: (فيحصل الثواب بهما) إشارة إلى دفع ما يقال لعل هذا القائل يلتزم كون مثل هذه المحرمات واجبًا حرامًا من جهتين.
قوله: (إذ ما من مباح إلا وهو ترك حرام) فإن قيل هذا بعينه دليل الكعبى على أن المباح مأمور به لا تعلق له بما ذكرنا من الدليل على أن النهى عن الشئ أمر بضده قلنا قد سبق أنه لا مخلص عن دليل الكعبى إلا بأن ترك الحرام ليس نفس فعل المباح غايته أنه لا يتم إلا به وما لا يتم الواجب إلا به لا يلزم أن يكون واجبًا على ما مر وإذا جعلنا ترك الشئ نفس فعل ضده وكل مباح ضد الحرام كان ترك الحرام نفس فعل المباح فيلزم وجوبه وقد بين بطلان ذلك فى بحث الحكم واعترض الشارح العلامة بأن الإلزام بمثل وجوب الزنا ونفى المباح وارد على القول يكون الأمر بالشئ نهيًا عن ضده لاستلزامه حرمة الصلاة من حيث إنها ترك للحج وبالعكس وحرمة المباح لكونه تركًا للصلاة الواجب فلا وجه للتخصيص.
والجواب: أن هذا ليس إلزامًا على أن النهى عن الشئ أمر بضده بل على المقدمة القائلة بأن ترك الشئ نفس فعل ضده حتى لو اقتصر الطاردون على متمسك القاضى لم يرد عليهم ذلك وليس فى مقدمات القول بأن الأمر بالشئ نهى عن ضده أن كل فعل شئ فهو ترك لضده، حتى يلزمهم حرمة الواجبات والمباحات المضادة له، وتحقيق ذلك أنه إذا لم يقل بهذه المقدمة لم يصدق أن الزنا ترك للواطة والصلاة ترك للزكاة والمباح ترك للحرام أو الواجب فليتأمل وسنحقق ذلك فى كلام الفار من الطرد والعجب ممن التزم ذلك وقال: إنه اكتفى بالبيان فى
أحدهما وإلا فهو لازم عليهما جميعًا.
قوله: (وأما ثالثًا) حاصله أنا لا نسلم أن النهى طلب الترك الذى هو فعل الضد بل هو طلب الكف عن الفعل وهذا وإن استلزم الاشتغال بضد ما لكن لا يصدق على ضد من الأضداد الجزئية أنه واجب فلا يصدق أن النهى عن الشئ أمر بشئ من أضداده المعينة على ما هو المبحث فقوله الذى هو المراد من جهة المعنى صفة لوجوب ضد لكن لتنكيره يحمل على البدل.
قوله: (ولا نزاع حينئذ فى المعنى) بل لا معنى لجعله مبحثًا يطلب بالدليل لأن كون الأمر بالشى كما منعًا عن تركه والنهى عن الشئ إلزامًا لتركه أظهر مما ذكروا من المقدمات.
المصنف: (ولزم أن يكون النهى نوعًا من الأمر) فالأمر إما طلب فعل أو طلب كف.
المصنف: (ومن ثمت قيل. . . إلخ) أى من أجل أن القول بأن النهى نوع من الأمر باطل قيل فى تعريف الأمر إنه طلب فعل غير كف وفيه أنه يرد على تعريف النهى حينئذ لا تكف وعلى تعريف الأمر كف وقد تقدم أن طلبًا واحدًا يكون إيجابًا وتحريمًا من جهتين ويكون أمرًا ونهيًا من جهتين.
قوله: (ولا يتأتى الاستفسار والترديد) أى: بأن ترك الضد هل هو الكف عن الفعل أو عين الفعل، وقوله: وسنشير إلى جوابه هو أن الواجب إما معين أو مخير.
قال: (الطاردون فى التضمن لا يتم المطلوب بالنهى إلا بأحد أضداده كالأمر وأجيب بالإلزام القطيع وبأن لا مباح).
أقول: الطاردون فى التضمن أى الذين قالوا بأن النهى يتضمن الأمر بالضد لا أنه نفسه قالوا: لا يتم المطلوب من النهى إلا بأحد أضداده كما لا يتم المطلوب من الأمر إلا بترك جميع أضداده فيجب وتقريره قد مر.
الجواب: أما أولًا: فبالإلزام القطيع وهو لزوم وجوب الزنا لأنه ترك اللواط وبالعكس، وأما ثانيًا: فبالإلزام بأن لا مباح حينئذٍ كما مر.
قوله: (إلا بأحد أضداده) يشير إلى أنه يكفى فى انتفاء الشئ ثبوت ضد واحد له بخلاف ثبوت الشئ فإنه يفتقر إلى انتفاء جميع أضداده.
قوله: (وتقريره قد مر) فى بيان أن الأمر بشئ يتضمن النهى عن ضده وهو أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فالنهى عن الشئ أيضًا يستلزم الأمر بأحد أضداده، كما أن الأمر بالشئ يستلزم النهى عن جميع أضداده، ولما كان الجواب بمنع أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما صرح به فى المنتهى ظاهرًا تركه إلى الإلزام القطيع ونفى المباح تنبيهًا على أنه يرد على القول بتضمن النهى عن الشئ الأمر بالضد البتة ولا يرد على القول بكون النهى عن الشئ أمرًا بضده إلا إذا تمسك بأن ترك الشئ فعل لأحد أضداده واعتراض الشارح العلامة بأن هذا إنما يلزم لو كان النهى عن الشئ مستلزمًا للأمر بجميع أضداده وأما بأحد أضداده على ما صرح به المستدل فلا ظاهر الورود ويمكن الجواب بأن المراد بالواجب أعم من المعين والمخير فيلزم أن يكون كل من الزنا واللواطة واجبًا مخيرًا مثابًا عليه إذا ترك أحدهما إلى الآخر على قصد الامتثال والإتيان بالواجب، ويلزم أن يكون كل مباح متعلقًا للوجوب المخير وهو المعنى بنفى المباح وأما اعتراضه بأنه لا جهة للتخصيص بل يرد الإلزام القطيع بحرمة الواجبات ونفى المباح على القول يكون الأمر بالشئ متضمنًا للنهى عن الضد فليس بوارد لأن الأمر بالشئ إنما يستلزم ترك أضداده عند الإتيان به لا فى جميع الأوقات، فالأمر بالصلاة مستلزم منع الواجبات والمباحات المضادة له لا مطلقًا بل فى حال أداء الصلاة وهذا لا يستلزم تحريمها ليلزم حرمة الحج مثلًا ونفى المباح بخلاف النهى فإنه يستغرق الأوقات لهذا جعل الإلزام
القطيع أحد أسباب الفرار من الطرد وكذا نفى المباح وتحقيقه أن إلزام الشئ فى وقت مّا يستلزم كونه واجبًا مأمورًا والنهى عنه فى وقت ما لا يستلزم كونه حرامًا منهيًا عنه بل ربما يكون واجبًا أو مباحًا كالحج وإلا كل الممنوعين فى الصلاة وبهذا كان اعتراضه على جعل الأمرين سببًا للفرار من الطرد بأنه يلزم على القول يكون الأمر بالشئ نهيًا عن ضده على الأمرين أو متضمنًا له وفى المباح وحرمة مثل الصلاة والحج له وحاصله أنه كما أن النهى يستلزم وجوب المحرمات والمباحات المضادة للمنهى عنه كذلك يستلزم الأمر حرمة الواجبات المضادة للمأمور به والفار لم يتنبه لذلك.
قوله: (والفار لم يتنبه لذلك) هو من تتمة كلام العلامة.
قال: (والفار من الطرد إما لأن النهى طلب نفى وإما للإلزم القطيع وإما لأن أمر الإيجاب يستلزم الذم على الترك وهو فعل فاستلزم كما تقدَّم والنهى طلب كف عن فعل فلم يستلزم الأمر لأنه طلب فعل لا كف وإما لإبطال المباح).
أقول: الذين فروا من طرد الحكم فى النهى واقتصروا عليه فى الأمر فإنما لم يقولوا بأن النهى عن الشئ أمر بضده لأحد أمور أربعة: إما لأن مذهبهم أن النهى طلب نفى الفعل لا طلب الكف عنه الذى هو ضده كما هو مذهب أبى هاشم فلا يكون أمرًا بالضد وأما فرارًا من الإلزام القطيع فى أمر الزنا واللواط، وإما لأن أمر الإيجاب يستلزم الذم على الترك وهو فعل فاستلزم النهى عن فعل ينافى المأمور به وهو معنى الضد كما تقدَّم وإما النهى فهو طلب كف عن فعل يذم فاعله فلم يكن مستلزمًا للأمر لأنه طلب فعل غير كف وهذا طلب فعل هو كف، وإما للزوم إبطال المباح وكونه واجبًا كما هو مذهب الكعبى.
قوله: (لم يقولوا بأن النهى عن الشئ أمر بضده) أى لا بطريق كونه عينه لا طريق تضمنه إياه.
قوله: (فلا يكون أمرًا بالضد) ولا متضمنًا له لأن الأمر طلب فعل غير كف وطلب النفى والعدم لا هو ولا متضمنه بخلاف الأمر فإنه طلب الفعل مع المنع عن الترك فيتضمن النهى الذى هو طلب الترك بل ربما يكون طلب الفعل طلب ترك أضداده أو متضمنًا له، نعم قد يمتنع أن طلب النفى لا يستلزم طلب فعل هو أحد أضداد المنهى عنه إذ لا يتصور ترك الفعل من غير اشتغال بفعلٍ مّا من حركة أو سكون ولهذا لا يصح لا تفعل شيئًا مّا لكونه تكليفًا بالمحال، وأما ما يقال من أن النهى على تقدير كونه طلب نفى الفعل لا يكون أمرًا بالضد لأن النفى المحض لا ضد له فغلط لأن المراد ضد الفعل المطلوب نفيه لا ضد النفى وهو ظاهر.
قوله: (وهو) أى الترك فعل لأنه المقدور الذى يذم عليه دون النفى الصرف (فاستلزم) أى أمر الإيجاب النهى عن فعل ينافى المأمور به هو ترك المأمور به إذ لا يذم بما لم ينه عنه لأنه معناه كما سبق ولا نعنى بضد الفعل إلا فعلًا ينافيه والحاصل أن الأمر طلب فعل غير كف مع المنع عن تركه والذم عليه وهو حقيقة النهى عن الترك الذى هو ضد المأمور به والنهى طلب كف عن فعل مع المنع عن
الإتيان به والذم عليه وليس فى هذا طلب فعل غير كف مضاد للمنهى عنه فما يقال إن الأمر طلب فعل غير كف والنهى طلب فعل هو كف وكما لا يمكن استلزام الثانى الأول لا يمكن استلزام الأول الثانى فلا يكون الأمر بالشئ مستلزمًا للنهى عن ضده فليس بشئ لأن أمر الإيجاب ليس مجرد طلب فعل غير كف بل مع المنع عن تركه.
قوله: (فيتضمن النهى الذى هو طلب الكف) وعلى هذا فالتضمن على معناه الأصلى لا بمعنى استلزام أمر خارج.
قوله: (بل ربما. . . إلخ) أى والتضمن عليه بمعنى الاستلزام.
(قال: والمخصص الوجوب للأمرين الأخيرين).
أقول: الذين خصصوا الحكم بأمر الوجوب دون الندب فللأمرين الأخيرين، وهو أن أمر الوجوب يستلزم الذم على الترك فيستلزم النهى كما تقدَّم بخلاف أمر الندب وللزوم إبطال المباح إذ ما من وقت إلا ويندب فيه فعل فإن استغراق الأوقات بالمندوبات مندوب بخلاف الواجب فإنه لا يستغرق الأوقات فيكون الفعل فى غير وقت لزوم أداء الواجب مباحًا ولا يلزم نفى المباح.
قوله: (بخلاف أمر الندب) فإنه لا ذم فيه على الترك ولا بظهر سبب آخر يوجب الحكم لاستلزامه النهى عن ضد المندوب فيخصص الحكم بأمر الإيجاب حتى يظهر دليل الاشتراك واعترض العلامة بأن القائل باستلزامه النهى عن الضد لا يريد نهى التحريم بل نهى الكراهة فلا يضره عدم الذم على الترك وظاهر أن ندب الشئ يستلزم كراهة تركه وهو فعل مضاد له منهى عنه نهى الكراهة ولا خفاء فى أنه حينئذ يرجع النزاع لفظيًا كما سبق وأما ما يقال إن الفعل إذا كان مندوبًا كان ضده الملزوم لتركه مرجوحًا وترك المرجوح مطلوب فيجوز أن يكون ضد الفعل المندوب منهيًا عنه فيكون أمر الندب مستلزمًا للنهى عن ضده فلا يخفى فساده.
قوله: (وللزوم) عطف على محذوف كأنه قال: لأول الأمرين الأخيرين وهو كذا وللزوم إبطال المباح تقرير العلامة ومن تبعه أن ليس المراد أن أمر الإيجاب يستلزم إبطال المباح بخلاف أمر الندب إذ الأول يستلزم حرمته، والثانى كراهته فيستلزمان إبطاله بل المراد أن إبطال المباح خلاف الأصل فالتزم فى أمر الإيجاب الذى هو أقل من أمر الندب تعليلًا لمخالفة الأصل ولا تعارض بأن أضداد الواجبات أكثر لأنه ممنوع وفى بعض الشروح أن الموجب لإبطال المباح لزوم المنع من ترك ما هو ضد للمنهى عنه وفى أمر الندب ليس كذلك ولما كان فساد هذا الكلام سيما كلام العلامة فى غاية الوضوح بينه الشارح المحقق لقوة رأيه واستقامة فكره بيانًا ترتضيه العقول وإن أفتر عن ضعف فمن الأصول وحاصله أن أوامر الندب تستغرق الأوقات فلو استلزمت كراهة أضداد المندوبات بطل بالكلية المباحات المضادة لها بخلاف أوامر الإيجاب فإنها إنما تمنع المباحات المضادة للواجبات فى وقت لزوم الأداء خاصة وتبقى فى غير ذلك الوقت مباحة فلا ينتفى المباح
قوله: (ولا خفاء فى أنه يرجع الخلاف لفظيًا كما سبق) أى لأن كراهة تركه معناها طلب الكف عن تركه والكف عن تركه هو نفس الفعل؛ فطلبه هو عين طلب الفعل، فالخلاف حينئذ فى تسميتة فعل المأمور به تركًا لضده وفى تسمية طلبه نهيًا.
قوله: (فلا يخفى فساده) لعلمه أنه لا يلزم من كون الشئ مندوبًا أن يكون ضده مطلقًا مرجوحًا.
قوله: (لأنه ممنوع) أى لأنه لا فرق بين الندب والإيجاب فى الأضداد؛ فليس أحدهما أكثر أضدادًا من الآخر، وقوله: من ترك ما هو ضد للمنهى عنه وهو المأمور به وقوله: ولما كان فساد هذا الكلام. . . إلخ. أى لأنه يقتضى عكس ما قاله وقوله: وإن أفتر عن ضعف هو إثبات استغراق الندب للأوقات.
قال: (مسألة: الإجزاء، الامتثال فالإتيان بالمأمور به على وجهه يحققه اتفاقًا وقيل الإجزاء إسقاط القضاء فيستلزمه، وقال عبد الجبار: لا يستلزمه، لنا لو لم يستلزم لم يعلم امتثال وأيضًا فإن القضاء استدراك لما فات من الأداء فيكون تحصيلًا للحاصل، قالوا لو كان لكان المصلى بظن الطهارة آثمًا أو ساقطًا عنه القضاء إذا تبين الحدث، وأجيب بالسقوط للخلاف وبأن الواجب مثله أمر آخر عند التبين وإتمام الحج الفاسد واضح).
أقول: الإتيان بالمأمور به على وجهه أى كما أمر به الشارع هل يوجب الإجزاء؟ أعلم أن الإجزاء يفسر بتفسيرين: أحدهما: حصول الامتثال به، والآخر: سقوط القضاء به، فإن فسر بحصول الامتثال به، فلا شك أن إتيان المأمور به على وجهه يحققه وذلك متفق عليه، فإن معنى الامتثال وحقيقته ذلك وإن فسر بسقوط القضاء فقد اختلف فيه والمختار أنه يستلزمه وقال القاضى عبد الجبار: لا يستلزمه، قال فى المنتهى: إن أراد أنه لا يمتنع أن يراد أمر بعده بمثله فمسلم ويرجع النزاع فى تسميته قضاء، وإن أراد أنه لا يدل على سقوطه فساقط، لنا لو لم يستلزم سقوطه لم يعلم امتثال أبدًا واللازم منتف، أما الملازمة فلأنه حينئذٍ يجوز أن يأتى بالمأمور به ولا يسقط عنه بل يجب عليه فعله مرة أخرى قضاء وكذلك القضاء إذا فعله لم يسقطه كذلك، وأما انتفاء اللإزم فمعلوم قطعًا واتفاقًا وأيضًا إن القضاء عبارة عن استدراك ما قد فات من مصلحة الأداء والفرض أنه قد جاء بالمأمور به على وجهه ولم يفت شئ وحصل المطلوب بتمامه فلو أتى به استدراكًا لكان تحصيل الحاصل.
قالوا: أولًا: لو كان مسقطًا للقضاء لكان المصلى بظن الطهارة إذا تبين كونه مُحدثًا إما آثمًا أو ساقطًا عنه القضاء واللازم منتف، أما الأولى فلأنه إن أمر بصلاة بيقين الطهارة ولم يفعل وإن آثمًا وإن أمر بصلاة بظن الطهارة فقد أتى بها على وجهها، والمفروض أنه يسقط القضاء فكان ساقطًا عنه القضاء، وأما الثانية فبالاتفاق.
الجواب: أما أولًا فيمنع انتفاء اللازم بل نقول بأحد شقيه وهو سقوط القضاء عنه فلا يصلى مثلها؛ لأن المسألة مختلف فيها. قلنا: المنع إلى أن يثبت.
وأما ثانيًا: فلأن المأمور به صلاة بظن الطهارة وإذا تبين خلافه وجب مثله بأمر
آخر فهذا واجب مستأنف والأول قد سقط ولا يقضى وتسمية الثانى قضاء مجاز لأنه مثل الأول.
قالوا ثانيًا: لو كان مسقطًا للقضاء لكان إتمام الحج الفاسد مسقطًا للقضاء ولا يسقط باتفاق.
والجواب واضح مما قلنا وهو أن الذى قد وجب قضاء ما فسد وإتمامه فعل آخر أوجب بأمر آخر والإتمام لم يجب قضاؤه فما فعل ساقط قضاؤه والذى يجب قضاؤه لم يفعل.
بالكلية.
قوله: (حصول الامتثال به) لا خفاء فى أن الإجزاء صفة الفعل المأمور به بخلاف الامتثال أو سقوط القضاء فلا يكون هو إياه فزاد لفظ به ليصح ويصير المعنى أن كون الفعل مجزئًا حصول الامتثال به أو سقوط القضاء به وإذا اعتبر ما فى المتن هو إسقاط القضاء لم يحتج فى الثانى إلى هذا التقرير.
قوله: (والمختار أنه) أى إتيان المأمور به (يستلزمه) أى الإجزاء المفسر بسقوط القضاء.
قوله: (فساقط) لا يخفى ما فيه من لطف الإيهام أى فكلام ساقط أو فالقضاء ساقط قطعًا فيكون كلامه باطلًا.
قوله: (لم يعلم امتثال أبدًا) يعنى بالامتثال الخروج عن العهدة بحيث لا يبقى عليه تكليف بذلك الفعل إذ لو أريد به الإتيان بالمأمور به على وجهه لم تصح الملازمة أصلًا بل لم يكن للكلام معنى وعلى هذا لا يرد ما يقال: إن تحقق الامتثال لا ينافى توجه التكليف ووجوب الفعل عليه قضاء كصلاة فاقد الطهورين نعم يمكن منع الاتفاق والقطع بانتفاء اللازم فإن مذهب عبد الجبار هو أنه قد أدى الواجب وأتى بالمأمور به ومع ذلك يحتمل عدم خروجه عن العهدة قال: لا يمتنع عندنا أن يأمر الحكيم ويقول: إذا فعلته أثبت عليه وأديت الواجب ويلزمه القضاء مع ذلك وهذا مشعر بأن ليس النزاع فى الخروج عن عهدة الواجب بهذا الأمر بل فى أنه هل يصير بحيث لا يتوجه عليه تكليف بذلك الفعل.
قوله: (بأمر آخر) ولا خفاء فى أن المأتى به ثانيًا لا يكون نفس المأتى به أولًا بل
مثله فلا يكون تحصيلًا للحاصل ولا يتم الدليل الثانى على أنه قد لا نسلم أن القضاء عبارة عن استدراك ما قد فات من مصلحة الأداء بل عن الإتيان بمثل ما وجب أوّلًا بطريق اللزوم.
قوله: (فهذا واجب مستأنف) بأمر مجدد وسمى قضاء لمشابهته القضاء فى كونه مثل الأداء ولا يخفى أن هذا بعيد إذ لم يعهد للفجر فرض غير الأداء والقضاء ولو سلم فيمكن أن يقال بذلك فى كل قضاء فلا يوجد قضاء حقيقة قطعًا قيل الأحسن أن يقال: إنه مأمور بصلاة بطهارة يقينًا أو ظنًا لا يتبين خطؤه قلنا: فيلزم عند تبين الخطأ ظهور إثمه لتركه المأمور به.
قوله: (والجواب واضح) توجيهه أنه إن أريد بالقضاء فى قوله لكان إتمام الحج الفاسد مسقطًا للقضاء قضاء الحج المأمور به أولًا فلا نسلم الملازمة وإنما يلزم لو أتى بالمأمور به على وجهه وإن أريد قضاء الإتمام فلا نسلم انتفاء اللازم وهو ظاهر، وأما ما وقع فى الشروح من أن المراد أنه واضح أن لا بد من المماثلة بين الأداء والقضاء وأن لا مماثلة بين الحج الفاسد والحج المأتى به فى السنة الآتية فلا يكون قضاء له وواضح أنه ليس قضاء لما كان واجبًا عليه فى السنة الأولى بل لما فات من مصلحة الحج الخالى عن الفساد أو واضح أنه ليس بقضاء لكونه فى وقت الأداء لأن وقت الحج جميع العمر أو إتمام الفساد واضح فى كون المأمور به ثانيًا ليس
الشارح: (فلو أتى به استدراكًا لكان تحصيل الحاصل) جعل الشارح الدليل متضمنًا لفساد واحد وهو ظاهر المصنف لكنه فى الحقيقة متضمن لفسادين أحدهما: تحصيل الحاصل، والثانى: خلاف الفرض لأن القضاء استدراك ما فات وهو لم يفت لأن الفرض أنه أتى بالمأمور به على وجهه.
قوله: (يعنى بالامتثال الخروج عن العهدة) أى: الحاصلة بهذا الأمر.
قوله: (وعلى هذا) أى على أن الامتثال الخروج من العهدة لا يرد. . . إلخ.
قوله: (نعم يمكن منع الاتفاق) غير ظاهر حيث فسرنا الامتثال بالخروج عن العهدة الحاصلة بهذا الأمر إذ عليه لا يمكن منع الاتفاق وأما مذهب عبد الجبار فمبنى على أن الامتثال هو الخروج عن العهدة بالمرة بحيث لا يتوجه عليه تكليف ولا بأمر آخر وأنت إذا تأملت تجد الخلاف لفظيًا؛ لأن المصنف لا ينكر جواز أن
يكون الشخص مكلفًا بالفعل الذى فعله على الوجه الذى أمر به بأمر آخر، وعبد الجبار لا ينكر الخروج عن العهدة وحصول الامتثال بذلك الفعل باعتبار هذا الأمر.
قوله: (ولا يخفى أن هذا بعيد إذ لم يعهد للفجر فرض غير الأداء والقضاء) ويمكن دفع هذا بأن الشارع أوجب الصلاة بظن الطهارة فإذا لم يتبين فساد ظنه لم يجب عليه إلا هذا وإن تبين وجب عليه مثله عند التبين بأمر آخر، فالمراد بوجوبه بأمر آخر هو هذا وظاهر أنه لا يبعد أن يقال: إنه ليس قضاء حقيقة كالحكم المتعلق بأمور على الترتيب بأن يتعلق بواحد منها وبالآخر بشرط فقدان الأول وأما لزوم إنه ليس قضاء حقيقة ولا أداء حقيقة مع أن صلاة الفجر مثلًا إما أداء حقيقة أو قضاء حقيقة ولا ثالث لهما فمردود بأنه أداء حقيقة لكن وجب فيه نية القضاء تعبدًا على ما ذهب إليه القاضى فى الصلاة بظن الموت فى جزء من الوقت إذا صلاها بعده فى الوقت فإنه قال: إنه قضاء مع أن وجوب نية الأداء مجمع عليه ولو تنزلنا عن ذلك نقول: إنه قضاء مجازًا وحضر صلاة الفجر فى الأداء والقضاء إنما هو فى الأداء والقضاء بالمعنى الأعم المتناول لهذا وإن كان معنًى مجازيًا للفظ، وأما قوله: يمكن القول به فى كل قضاء فلا يوجد قضاء حقيقة، فجوابه: أن الكلام مبنى على أن القضاء استدراك ما فات من مصلحة الأداء وهنا كان الواجب الصلاة بظن الطهارة وقد أتى بها على وجهه فلم تفت المصلحة بخلاف ما إذا لم يفعل العبادة فى وقتها أو فعلها فيه فاسدة.
قوله: (قيل الأحسن) أى فى الجواب عن دليل عبد الجبار الذى هو قوله: لو كان مسقطًا للقضاء لكان. . . إلخ. فإذا قلنا: إنه أمر بالصلاة بيقين الطهارة أو بظنها ظنًا لا يتبين خطؤه فصلاته بظن الطهارة حيث تبين حدثه لم تكن على الوجه الذى أمر به فلم يسقط القضاء لذلك وكلامنا فى الإتيان بالمأمور به على وجهه.
قوله: (لا بد من المماثلة. . . إلخ) فيه أن المماثلة متحققة فى القدر الواجب فى كل من الفاسد وقضائه واختلاف الوقت من ضروريات القضاء، وقوله: بل لما فات فيه أن كونه لذلك لا ينافى أنه قضاء للحج الفاسد وكل قضاء هو لأجل ما فات من مصلحة الأداء، وقوله: لأن وقت الحج جميع العمر فيه أنه يتضيق بالشروع فيه، وقوله: أو إتمام الفاسد واضح. . . إلخ. فيه أن القضاء ليس لإتمام الفاسد بل لما أفسده وهذا كله معنى قوله: فلا يخفى ما فيه.