المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(مسألة: صيغة الأمر بمجردها لا تدل على تكرار - شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني - جـ ٢

[عضد الدين الإيجي]

فهرس الكتاب

- ‌ ابتداء الوضع

- ‌(مسألة: الواجب على الكفاية

- ‌(مسألة: الأمر بواحد من أشياء

- ‌(مسألة: من أخر مع ظن الموت قبل الفعل

- ‌(مسألة: ما لا يتم الواجب إلا به

- ‌(مسائل الحرام)

- ‌(مسائل المندوب)

- ‌(مسائل المكروه)

- ‌(مسائل المباح)

- ‌(خطاب الوضع)

- ‌(المحكوم فيه)

- ‌(مسألة: لا تكليف إلا بفعل

- ‌(المحكوم عليه)

- ‌(مسألة: يصح التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه

- ‌(مباحث الأدلة الشرعية)

- ‌(مباحث الكتاب)

- ‌(مسألة: العمل بالشاذ غير جائز

- ‌(مباحث السنة)

- ‌(مسألة: إذا علم بفعل ولم ينكره

- ‌(مباحث الإجماع)

- ‌(مسألة: لا يختص الإجماع بالصحابة

- ‌(مسألة: التابعى المجتهد معتبر

- ‌(مسألة: إجماع أهل المدينة من الصحابة والتابعين حجة

- ‌(مسألة: الإجماع لا يكون إلا عن مستند

- ‌(مسألة: المختار امتناع ارتداد كل الأمة

- ‌(مسألة: يجب العمل بالإجماع المنقول بخبر الآحاد

- ‌(مباحث الخبر)

- ‌(مباحث خبر الواحد)

- ‌(مسألة: التعبد بخبر الواحد العدل جائز

- ‌(مسألة: مجهول الحال لا يقبل

- ‌(مسألة: الصحابى من رأى النبى عليه الصلاة والسلام

- ‌(مسألة: الأكثر على جواز نقل الحديث بالمعنى

- ‌(مسألة: إذا كذب الأصل الفرع

- ‌(مسألة: حذف بعض الخبر جائز

- ‌(مباحث الأمر)

- ‌(مسألة: صيغة الأمر بمجردها لا تدل على تكرار

- ‌(مسألة اختيار الإمام والغزالى رحمهما اللَّه أن الأمر بشئ معين

- ‌(مسألة: صيغة الأمر بعد الحظر للإباحة

- ‌(مسألة: إذا أمر بفعل مطلق فالمطلوب الفعل

- ‌(مباحث النهى)

- ‌(مسألة: النهى عن الشئ لعينه يدل على الفساد شرعًا

- ‌(مباحث العام والخاص)

- ‌(مسألة: العموم من عوارض الألفاظ

- ‌(مسألة: الجمع المنكر ليس بعام

- ‌(مسألة: المشترك يصح إطلاقه على معنييه مجازًا

- ‌(مسألة: خطابه لواحد لا يعم

- ‌(مسألة: جمع المذكر السالم

الفصل: ‌(مسألة: صيغة الأمر بمجردها لا تدل على تكرار

قال: ‌

‌(مسألة: صيغة الأمر بمجردها لا تدل على تكرار

ولا على مرة وهو مختار الإمام الأستاذ للتكرار مدة العمرة مع الإمكان، وقال كثير للمرة ولا يحتمل التكرار، وقيل بالوقف. لنا أن المدلول طلب حقيقة الفعل، والمرة والتكرار خارجى ولذلك يبرأ بالمرة وأيضًا فإنا قاطعون بأن المرة والتكرار من صفات الفعل كالقليل والكثير، ولا دلالة للموصوف على الصفة).

أقول: صيغة الأمر بمجردها لا تدل على فعل المأمور به متكررًا ولا على فعله مرة واحدة وهو مختار إمام الحرمين، وقال الأستاذ أبو إسحاق: هو التكرار مدة العمر إن أمكن، وقال كثير مثل أبى الحسين وغيره: هو للمرة ولا يحتمل التكرار وقيل بالوقف بمعنى لا ندرى، لنا أن مدلول صيغة الأمر طلب حقيقة الفعل والمرة والتكرار بالنسبة إلى الحقيقة أمر خارجى فيجب أن يحصل الامتثال بالحقيقة مع أيهما حصل ولا يتقيد بأحدهما دون الآخر ولذلك يبرأ بالمرة الواحدة لا لأنها تدل على المرة الواحدة بخصوصها، ولنا أيضًا أنا قاطعون بأن المرة والتكرار من صفات الفعل كالقليل والكثير لأنك تقول اضرب ضربًا قليلًا، أو كثيرًا، أو مكررًا، أو غير مكرر، فيقيد بصفاته المتنوعة ومن المعلوم أن الموصوف بالصفات المتقابلة لا دلالة له على خصوصية شئ منها وإذا ثبت ذلك فمعنى اضرب طلب ضرب ما فلا يدل على صفة للضرب من تكرار أو مرة، وهو المطلوب، وقد يقال: دليلاك يفيدان عدم الدلالة عليهما بالمادة فلم لا يدل عليهما بالصيغة وهو المتنازع فيه واحتمالهما لا يمنع ظهور أحدهما.

قوله: (بمعنى لا ندرى) ظاهره أن معنى التوقف فى مرادهم عدم العلم بأن وضع الصيغة للمرة أو للتكرار أو للمطلق من غير دلالة عليهما وقيل معناه التوقف فى مراد المتكلم بناء على الاشتراك.

قوله: (لا لأنها) إشارة إلى أن ليس معنى قوله ولذلك يبرأ ما فهمه الشارحون من نفى التكرار، أى ولكون التكرار خارجًا يخرج المأمور عن العهدة بمرة واحدة بشهادة العرف واللغة بل معناه دفع وهم كونه للمرة بناء على حصول البراءة بالمرة أى ولكونها لطلب الحقيقة المتحققة فى ضمن كل فرد من المرة والتكرار يحصل الامتثال بالمرة لا لكونها للمرة بخصوصها لكن هذا بعينه استدلال القائلين بالمرة مع

ص: 513

جوابه وسيجئ صريحًا ولا معنى لذكره ههنا.

قوله: (ولنا أيضًا) هذا قريب من الأول جدًا لأن مبناهما على القطع بأن مدلول الصيغة طلب حقيقة الفعل من غير التقييد بشئ من صفاتها ولا خفاء فى أن هذا عين النزاع إذ الخصم يدعى أنها للحقيقة المقيدة بالمرة أو التكرار ولهذا اعترض المحقق على الوجهين بأنهما باعتبار ما صح من مقدماتهما لا يدلان على عدم كون الصيغة للمرة أو التكرار بل إن المصدر الذى هو من الأجزاء المادية لا يدل على ذلك بل على نفس الحقيقة وهذا غير مفيد ثم استشعر أنه كيف يدل على أحدهما ولا خفاء فى احتمالها لهما ولهذا تقيد بكل منهما من غير تكرار ولا تناقض فأجاب بأن المراد الدلالة بحسب الظهور لا النصوصية وهو لا ينافى الاحتمال فتقيد بما هى له لدفع الاحتمال وبخلاف ما هى له للدلالة على كونها مصروفة عن الظاهر.

المصنف: (لنا أن المدلول طلب حقيقة الفعل) هذا يخالف ما سيأتى له قريبًا فى مسألة الأمر بفعل مطلق حيث قال الآمر إذا أمر بفعل مطلق فالمطلوب الفعل الممكن المطابق للماهية، لنا أن الماهية يستحيل وجودها فى الأعيان لما يلزم من تعددها فيكون كليًا جزئيًا وهو محال. اهـ. وإن رده الشارح بأن المطلوب الماهية من حيث هى لا بقيد الكلية والجزئية ولا يلزم من عدم اعتبار أحدهما اعتبار الآخر وإن ذلك غير مستحيل بل موجود فى ضمن الجزئيات. اهـ. ويمكن الجواب عن المصنف لدفع التنافى بين كلاميه بأن يقال المراد بقوله هنا أن المطلوب الحقيقة لا المرة ولا التكرار أن الماهية المتحققة فى المرة أو التكرار هى المطلوبة لا المرة، أى الماهية بشرط عدم التكرار ولا التكرار أى الماهية بشرط التكرار وهو بعيد.

ص: 514

قال الأستاذ: (تكرر الصوم والصلاة ورد بأن التكرار من غيره وعروض بالحج فلو ثبت فى لا تصم فوجب فى صم لأنهما طلب، رد بأنه قياس وبالفرق بأن النهى لا يقتضى النفى وبأن التكرار فى الأمر مانع من غيره بخلاف النهى قالوا الأمر نهى عن ضده والنهى يعم فيلزم التكرار، ورد بالمنع، وبأن اقتضاء النهى للأضداد دائمًا فرع على تكرار الأمر المرة، القطع بأنه إذا قال ادخل فدخل مرة امتثل قلنا امتثل لفعل ما أمر به لأنها من ضروراته لا لأن الأمر ظاهر فيها ولا فى التكرار الوقف لو ثبت إلخ).

أقول: هذه حجج المخالفين فالأستاذ ومتابعوه قالوا: أولًا: لو لم يكن الأمر للتكرار لما تكرر الصوم والصلاة وقد تكررا.

الجواب: منع الملازمة إذ لعل التكرار من غيره وإن سلم فمعارض بالحج فإنه أمر به ولا تكرار.

قالوا: ثانيًا: ثبت التكرار فى لا تصم فوجب فى صم لأنهما طلب.

الجواب: أوّلًا أنه قياس فى اللغة وقد بطل وثانيًا بالفرق إما بأن النهى يقتضى انتفاء الحقيقة وهو بانتفائها فى جميع الأوقات والأمر يقتضى إثباتها وهو يحصل بمرة وإما بأن التكرار فى الأمر مانع من فعل غيره من المأمورات بخلاف التكرار فى النهى إذ التروك تجتمع وتجامع كل فعل بخلاف الأفعال.

قالوا: ثالثًا: الأمر بالشئ نهى عن ضده والنهى يمنع من المنهى عنه دائمًا فيلزم التكرار فى المأمور به.

الجواب: لا نسلم أن الأمر بالشئ نهى عن ضده وسيأتى سلمنا، لكن النهى بحسب الأمر فإن كان أمرًا بالفعل دائمًا كان نهيًا عن أضداده دائمًا، وإن كان أمرًا به فى وقت ما كان نهيًا عن الأضداد فى ذلك الوقت فإذا كون النهى الضمنى للأمر للتكرار فرع كون الأمر للتكرار فإثباته به دور.

القائلون بالمرة احتجوا بأنه إذا قال السيد لعبده ادخل الدار فدخلها مرة عدّ ممتثلًا عرفًا ولو كان للتكرار لما عدّ.

الجواب: أنه إنما يصير ممتثلًا لأن المأمور به وهو الحقيقة حصل فى ضمن المرة لا لأن الأمر ظاهر فى المرة بخصوصها فإنه غير ظاهر لا فيها ولا فى التكرار بل فى المشترك ويحصل فى ضمنهما ولولا ذلك لما امتثل بالتكرار.

ص: 515

القائلون بالوقف قالوا: لو ثبت لثبت بدليل والعقل لا مدخل له والآحاد لا تعتبر والتواتر يمنع الخلاف.

الجواب: ما مر من الاستقراء وإن الظن كاف فى مدلولات الألفاظ.

قوله: (من غيره) كالسنة والإجماع وربط الحكم بالسبب أعنى الوقت والشهر فيتكرر بتكرره على ما تقرر فى أصول الحنفية.

قوله: (قياس فى اللغة) قد يعترض بأن البحث ههنا ليس فى اللغة بل فى اقتضاء الأمر مطلقًا من أى لغة كانت وفساده واضح لأن الكلام فى أن صيغة الأمر من أى لغة كانت هل تدل على التكرار، فإثبات ذلك بالقياس على النهى إثبات بالقياس اللهم إلا أن تثبت قاعدة استقرائية كل ما هو للطلب فهو دال على التكرار ومن لهم بذلك.

قوله: (وثانيًا بالفرق) بوجهين أحدهما: أن المقتضى للتكرار وهو توقف انتفاء حقيقة الفعل عليه متحقق فى النهى دون الأمر وثانيهما: أن المانع عنه وهو تعطيل المأمورات بل كثير من الصالح متحقق فى الأمر دون النهى.

قوله: (قالوا: ثالثًا) الأمر بالحركة مثلًا نهى عن السكون وهو يقتضى انتفاء السكون دائمًا فيلزم وجود الحركة دائمًا، والجواب بعد تسليم كون الأمر بالشئ نهيًا عن ضده منع كون النهى الذى فى ضمن الأمر مانعًا عن النهى عنه دائمًا بل يتفرع على الأمر الذى هو فى ضمنه فإن كان دائمًا فدائم وإن كان فى وقت ففى وقت مثلًا الأمر بالحركة دائمًا منع عن السكون دائمًا والأمر بالحركة فى ساعة منع عن السكون فيها لا دائمًا وهذا واضح فقوله كون النهى مبتدأ خبره قوله فرع كون الأمر وللأمر متعلق بالضمن وللتكرار خبر كان.

قوله: (ولا فى التكرار) لا خفاء فى أنه لا مدخل له فى الجواب وقد يعترض على قوله ولولا ذلك أى كونه غير ظاهر فى المرة لما امتثل بالتكرار بأنه فى حيز المنع إذ المرة تحصل فى ضمن التكرار اللهم إلا أن يراد بالمرة لزوم الاقتصار على المرة الواحدة حتى يكون الإتيان بمرتين أو أكثر مخالفة للأمر والجواب أنه لولا ذلك لما كان الإتيان بالفعل فى المرة الثانية والثالثة امتثالًا وإثباتًا بالمأمور به والعرف يكذبه.

ص: 516

المصنف: (تكرر الصوم والصلاة) فى شرح مسلم الثبوت لا يذهب عليك أنه لا يتم التقريب، فإن مدعاهم كان وجوب التكرار إلى الإمكان والصلاة ونحوها لم تتكرر كذلك لا يقال: لم تتكرر للحرج لأنه لو سلم فلا يصح استدلالًا على وجوب التكرار لخروجها عما هو حقيقة عندهم فلا يصح هذا الاستعمال المجازى دليلًا على دخول التكرار فى المعنى الحقيقى فافهم. اهـ.

المصنف: (وعورض بالحج) فيه أن لهم أن يقولوا: إن عدم التكرار للحرج من التكرار.

المصنف: (وبأن التكرار فى الفعل مانع) رده صاحب التحرير بأن الكلام فى الدلالة لا فى الإرادة وليس مدلول الأمر ملزوم الإرادة فيجب انتفاؤها للمانع ورده صاحب مسلم الثبوت بأن الدلالة إنما هى للإرادة بالذات.

المصنف: (فرع على تكرار الأمر) أى فلا يعلم إلا من جهته فلو علم تكرار الأمر به كان دورًا وبهذا تعلم رد قول صاحب التحرير أنه لا دور لأن الاستدلال بالمعلول على العلة برهانى أنى لأن فرض المسألة أن طريق العلم بأن النهى للأضداد كلها هو تكرار الأمر.

المصنف: (الأمر بالشئ نهى عن ضده) أى جميع أضداده والنهى يستوعب الزمان فيستوعب الأمر أيضًا وإلا لزم ارتفاع النقيضين لأنه بالكف عن الأضداد كلها يرتفع نقيض المأمور به فلو جاز عدم الإتيان بالمأمور به فى بعض الأحيان لزم ارتفاعه أيضًا فيرتفع النقيضان، وهو باطل ولا حاجة إلى التخصيص بالضدين اللذين لا ثالث لهما كالحركة والسكون كما فعل المحشى دفعًا لإيراد أنه لا يلزم من نفى أحد الضدبن دائمًا إثبات الضد الآخر دائمًا لجواز ارتفاعهما معًا.

قوله: (والجواب) أى عن المنع المتوجه على قوله ولولا ذلك لما امتثل بالتكرار.

ص: 517

قال: (مسألة: الأمر إذا علق على علة ثابتة وجب تكرره بتكررها اتفاقًا للإجماع على اتباع العلة لا الأمر فإن علق على غير علة فالمختار لا يقتضى لنا القطع بأنه إذا قال إن دخلت السوق فاشتر كذا عدّ ممتثلًا بالمرة مقتصرًا قالوا ثبت ذلك فى أوامر الشرع إذا قلتم: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2]، {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6]، قلنا فى غير العلة بدليل خاص، قالوا تكرار للعلة فالشرط أولى لانتفاء المشروط قلنا العلة مقتضية معلولها).

أقول: القائلون بأن الأمر لا يدل على التكرار اتفقوا على أن الأمر إذا علق على علة ثابتة عليتها بالدليل مثل أن يقول إن زنى فاجلدوه فالاتفاق على أنه يجب تكرر الفعل بتكرر العلة للإجماع على وجوب اتباع العلة وإثبات الحكم بثبوتها، فإذا تكررت تكرر وليس التكرار هنا مستفادًا من الأمر لما ذكرنا فإن علق على غير علة أى أمر لم تثبت عليته مثل أن يقول إذا دخل الشهر فأعتق عبدًا من عبيدى، فالمختار أنه لا يقتضى تكرار الفعل، بتكرار ما علق به، لنا أن السيد إذا قال لعبده إن دخلت السوق فاشتر كذا فاشتراه مرة مقتصرًا عليها غير مكرر لها بتكرار دخول السوق عدّ ممتثلًا وذلك معلوم قطعًا، ولو وجب تكرر الفعل بتكرر ما علق به لما كان كذلك.

القائلون بأنه يتكرر فى غير العلة قالوا: ثبت ذلك أى تكرر الفعل بتكرر ما علق به فى أوامر الشرع نحو: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا. . .} [المائدة: 6]، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا. . .} [النور: 2]، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا. . .} [المائدة: 38]، {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، والاستقراء يدل على أنه فهم التكرار من نفس التعليق.

الجواب: أما ما ثبت عليته مثل الزنا والسرقة والجنابة فليس محل النزاع، وأما غيره فلا يثبت فيه التكرار إلا بدليل خاص ولذلك لم يتكرر الحج وإن علق بالاستطاعة.

القائلون بأنه لا يتكرر فى العلة قالوا: لو تكرر الفعل بتكرر العلة لتكرر بتكرر الشرط بالطريق الأولى إذ الشرط يلزم من عدمه عدم المشروط بخلاف العلة لجواز أن يخلفها علة أخرى، كما يجئ فى تعليل الحكم بعلتين مستقلتين.

الجواب: التكرر فى العلة إنما كان باعتبار أن وجوده مقتض لوجود المعلول،

ص: 518

وذلك منتفٍ فى الشرط فإن وجوده لا يقتضى وجود المشروط، واقتضاء انتفائه بانتفائه لا يوجب التكرر بتكرره.

قوله: (لما ذكرنا) من أن الأمر لا يدل على التكرار.

قوله: (لما كان كذلك) أى لما عد ممتثلًا بالاشتراء مرة مع الاقتصار عليها بل إنما عدّ ممتثلًا بالمرة لو لم يقتصر عليها بل اشترى كلما دخل.

قوله: (والاستقراء يدل) دفع لما يقال لعل التكرار فهم من غير التعليق.

قوله: (القائلون بأنه لا يتكرر فى العلة) لا خفاء فى بعد ذلك أما لفظًا فلأن جعل ضمير قالوا الأول للقائلين بأنه يتكرر فى غير العلة والثانى للقائلين بأنه لا يتكرر فى العلة مما لا دلالة للفظ عليه ولم يعهد مثله فى هذا الكتاب وأما معنًى فلأنه قد سبق أن التكرار فى العلة متفق عليه وإنما وقع فى ذلك محافظة على كلمة لو فإنها إنما تستعمل فيما يستثنى من رفع التالى لا وضع المقدم وجمهور الشارحين على أن هذا أيضًا دليل للقائلين بالتكرر فى غير العلة أى لما تكرر فى العلة ففى الشرط أولى ولفظ المنتهى صريح فى ذلك.

الشارح: (فالاتفاق على أنه يجب. . . إلخ) المعنى أن القائلين بأن الأمر لا يدل على التكرار اتفقوا فى الجملة على أن الأمر إذا علق. . . إلخ. أى فهم اتفقوا على أن هناك اتفاقًا من بعضهم وهذه العبارة تعريض بالرد على الآمدى بنفى الخلاف رأسًا وقوله: إن التكرار حينئذ مجمع عليه وأما عبارة المصنف فتصحيحها بالاتفاق فى الجملة يعنى من بعضهم ممكن لأن نفى الخلاف ودعوى الإجماع غير صحيح لأن من الأصوليين من قال بعدم التكرار فى المعلق بعلة أيضًا كذا قيل، ويمنعه قوله للإجماع على وجوب اتباع العلة.

قوله: (محافظة على كلمة لو) فيه أن عبارة المصنف ليس فيها لو فلعل النسخة التى وقعت للشارح وكتب عليها المحشى لو تكرر فى العلة لتكرر فى الشرط، ويكون مراد المصنف أنه قد تكرر فى العلة فالشرط كذلك والشارح راعى كلمة لو وأنها إنما تستعمل فى رفع التالى لكن هذا الاعتذار غير نافع لأنه خلاف مراد المصنف.

ص: 519

قال: (مسألة: القائلون بالتكرار قائلون بالفور، ومن قال المرة تبرئ قال بعضهم: للفور، وقال القاضى: إما الفور، وإما العزم، وقال الإمام بالوقف لغة فإن بادر امتثل وقيل بالوقف وإن بادر، وعن الشافعى رضى اللَّه عنه ما اختير فى التكرار وهو الصحيح، لنا ما تقدَّم الفور لو قال اسقنى وأخر عدّ عاصيًا قلنا للقرينة قالوا كل مخبر أو منشئ فقصده الحاضر مثل زيد قائم وأنت طالق، رد بأنه قياس وبالفرق بأن فى هذا استقبالًا قطعًا قالوا طلب كالنهى والأمر نهى عن ضده وقد تقدما قالوا: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12]، فذم على ترك البدار، قلنا لقوله: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} [ص: 72]، قالوا: لو كان التأخير مشروعًا لوجب أن يكون إلى وقت معين ورد بأنه يلزم لو صرح بالجواز بأنه إنما يلزم أن لو كان التأخير مشروعًا وأما فى الجواز فلا لأنه متمكن من الامتثال. قالوا: قال اللَّه تعالى: {وَسَارِعُوا} [آل عمران: 133]، {فَاسْتَبِقُوا} [المائدة: 48]. قلنا: محمول على الأفضلية وإلا لم يكن مسارعًا، القاضى ما تقدَّم فى الموسع الإمام الطلب متحقق والتأخير مشكوك فوجب البدار وأجيب بأنه غير مشكوك).

أقول: كل من قال بأن الأمر للتكرار قال بأنه للفور، وأما القائلون بأن البراءة تحصل بالمرة سواء كان لها بخصوصها أم لا فقال بعضهم: إنه للفور فلو أخر عصى، وقال القاضى يقتضى بالفور إما الفعل فى الحال أو العزم على الفعل فى ثانى الحانى، وقال إمام الحرمين بالوقف فى مدلوله لغة أهو الفور أم لا لكنه لو بادر إلى الفعل بالفور حصل الامتثال فإنه ممتثل سواء كان للفور أو للقدر المشترك، وأما وجوب التراخى فغير محتمل وقيل بالوقف فيه لغة، وفى الامتثال به إن بادر لاحتمال وجوب التراخى، وروى عن الشافعى رحمه الله مثل ما اخترناه فى كونه للتكرار وهو أنه لا يدل على الفور ولا على التراخى بل على مطلق الفعل وأيهما حصل كان مجزئًا، وهذا هو الصحيح لنا ما تقدَّم فى التكرار من أن المدلول طلب حقيقة الفعل، والفور والتراخى خارجى، وأن الفور والتراخى من صفات الفعل فلا دلالة عليهما.

القائلون بالفور قالوا: أولًا: لو قال لعبده اسقنى وأخر من غير عذر عدّ عاصيًا، هذا معلوم من العرف ولولا أنه للفور لما عدّ عاصيًا.

الجواب: أن ذلك إنما فهم بالقرينة وهو أنه معلوم عادة أن طلب السقى يكون عند الحاجة إليه عاجلًا والكلام فيما كانت الصيغة مجردة.

ص: 520

قالوا: ثانيًا: كل مخبر كالقائل زيد قائم وعمرو فى الدار، وكل منشئ كالقائل أنت طالق وهو حر فإنما يقصد الزمان الحاضر فكذلك الأمر إلحاقًا له بالأعم الأغلب.

الجواب: أولًا: أنه قياس فى اللغة لأنك تقيس الأمر فى إفادته للفور على غيره من الخبر والإنشاء وقد علمت أنه غير جائز.

وثانيًا: بالفرق بينهما بأن الأمر فيه دلالة على الاستقبال قطعًا فلا يمكن توجهه إلى الحال لأن الحاصل لا يطلب بل إلى الاستقبال إما مطلقًا وإما الأقرب إلى الحال وكلاهما محتمل فلا يصار إليه إلا لدليل.

قالوا: ثالثًا: النهى يفيد الفور فيقيده الأمر لأنه طلب مثله، وقالوا أيضًا: الأمر بالشئ نهى عن أضداده، وهو يقتضى الفور وقد تقدم تقريرهما.

والجواب عنهما أيضًا قد تقدَّم فلا نعيدهما.

وقالوا: رابعًا: قال تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12]، فذم على ترك المبادرة فدل على أنه للفور، وإلا لم يتوجه الذم عليه، وكان له أن يجيب بأنك ما أمرتنى بالبدار وسوف أسجد.

الجواب: أن ذلك لأنه أمر مقيد بوقت معين ولم يوجد فيه بدليل قوله: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 72].

قالوا: خامسًا: لو كان التأخير مشروعًا، لوجب أن يكون إلى وقت معين، واللازم منتف، أما الملازمة فإذ لولاه لكان إلى آخر أزمنة الإمكان اتفاقًا ولا يستقيم لأنه غير معلوم والجهل به يستلزم تكليف المحال، وأما انتفاء اللازم فإذ لا إشعار به فى الأمر ولا دليل من خارج.

الجواب: أولًا بالنقض بما لو صرح بجواز التأخير إذ لا خلاف فى إمكانه، وثانيًا: بأنه إنما يلزم لو كان التأخير متعينًا فيجب تعريف وقته الذى يؤخر إليه ويفعله فيه، وأما إذا كان جائزًا فلا لأنه متمكن من الامتثال بالمبادرة فلا يلزم التكليف بالمحال.

قالوا: سادسًا: قال اللَّه تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133]، والمراد سببها اتفاقًا وهو فعل المأمور به فيجب المسارعة إليه، وقال تعالى:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [المائدة: 48]، وفعل المأمور به من الخيرات فيجب الاستباق إليه، وإنما تتحقق المسارعة والاستباق بأن يفعل بالفور.

ص: 521

الجواب: أن ذلك محمول على أفضلية المسارعة والاستباق لا على وجوبهما، وإلا وجب الفور، فلم يكن مسارعًا ومستبقًا لأنهما إنما يتصوّران فى الموسع دون المضيق، لا يقال لمن قيل له صم غدًا فصام أنه سارع إليه أو استبق.

القاضى احتج بما تقدَّم فى الواجب الموسع من أنه ثبت فى الفعل والعزم حكم خصال الكفارة.

والجواب ما مر من أنه مطيع بخصوص الفعل ويجب العزم من حيث هو من أحكام الإيمان.

الإمام قال: طلب الفعل محقق وجواز التأخير مشكوك فيه لاحتمال أن يكون للفور فيعصى بالتأخير فوجب البدار إليه ليخرج عن العهدة بيقين.

الجواب: أن جواز التأخير لا نسلم أنه مشكوك فيه بل التأخير جائز حقًا بما ذكرنا من الأدلة.

قوله: (سواء كان لها بخصوصها) إشارة إلى بيان فائدة قوله من قال المرة تبرئ دون أن يقول من قال بالمرة.

قوله: (يقتضى بالفور) أى على الفور، إما الفعل أو العزم يشير إلى أن لفظ المتن إما الفور أو العزم محمول على هذا المعنى.

قوله: (لاحتمال وجوب التراخى) قال إمام الحرمين فى البرهان أما الواقفية فذهب غلاتهم إلى أنه لو بادر عقيب الفهم لم يقطع بكونه ممتثلًا لجواز أن يكون غرض الآمر هو التأخير وهو سرف عظيم فى حكم الوقف وإن أخر لم يقطع بخروجه عن العهدة وذهب المقتصدون إلى أن من بادر أول الوقت كان ممتثلًا قطعًا، وإن أخر لم يقطع بخروجه عن العهدة، وهذا هو المختار ثم قال وبالجملة فالذى أقطع به أن المكلف مهما أتى بالفعل فإنه بحكم الصيغة موقع للمطلوب وإنما التوقف فى أنه لو أخر هل يأثم بالتأخير مع أنه ممتثل لأصل المطلوب.

قوله: (المدلول طلب حقيقة الفعل) أى فقط من غير دلالة على الفور أو التراخى لا بحسب المادة ولا بحسب الصيغة.

قوله: (فإنما يقصد الزمان الحاضر) يعنى عند الإطلاق والتجرد عن القرائن وإلا فلا نزاع فى المضى والاستقبال فى مثل: قام زيد، وسيقوم، وأنت طالق غدًا.

قوله: (إما مطلقًا) أى إما الاستقبال مطلقًا سواء كان عقيب الحال وهو الفور أو

ص: 522

لا وهو التراخى، وإما الاستقبال الأقرب الذى هو الفور.

قوله: (وقالوا أيضًا) لم يقل وقالوا رابعًا تنبيهًا على أن الدليلين لاتحاد مأخذهما بمنزلة الواحد.

قوله: (فلا نعيدهما) أى التقرير والجواب لأنهما مثل ما مر فى إفادة الأمر للتكرار بلا تفاوت.

قوله: (يستلزم تكليف المحال) لأنه قد وجب على المكلف أن لا يؤخر الفعل عن وقته مع أنه لا يعلم ذلك الوقت الذى قد كلف بالمنع من التأخير عنه.

قوله: (وأما انتفاء اللازم) هذا أيضًا عائد إلى تكليف المحال لأنه قد أخر إلى وقت معين لا يعلم أصلًا والمذكور فى الشروح أن ذلك الوقت ليس إلا الوقت الذى يغلب على ظن المكلف أنه لا يعيش بعده، وأنه لو لم يشتغل به لفاته، ثم لا بد لذلك الظن من أمارة وليست إلا كبر السن، أو مرضًا شديدًا وهو مضطرب وكم من شاب يموت فجأة وكم من شيخ يعيش مدة.

قوله: (وإلا وجب الفور) بيان للقرينة الصارفة عن الوجوب وذلك أن الإتيان بالمأمور به فى الوقت الذى لا يجوز تأخيره عنه لا يكون مسارعة واستباقًا واعتراض الشارح العلامة بأن هذا الدليل على تقدير تمامه إنما يدل على وجوب الفور شرعًا خصوصًا فيما هو من أسباب المغفرة والخيرات والكلام إنما هو فى دلالة الصيغة قوى.

قوله: (وجواز التأخير مشكوك فيه) معناه على أن وجوب التراخى ليس بمحتمل وإلا فيعارض بأن جواز الفور مشكوك فيه، ثم لا يخفى أن هذا الدليل على تقدير تمامه لا يلائم ما مر من مذهب الإمام وهو التوقف فى الفور لغة وحصول الامتثال بالمبادرة على أن وجوب المبادرة ينافى ما قال الذى أقطع به أن المكلف مهما أتى بالفعل فإنه بحكم الصيغة المطلقة موقع للمطلوب، وأجاب العلامة بأن هذا الكلام منه ليس على إطلاقه لأنه قال قبيل هذا الذى يجب القطع به أن من بادر عدّ ممتثلًا ومن أخر عن أول زمان الإمكان لا يقطع فى حقه بموافقة ولا مخالفة، فإن اللفظ صالح للامتثال والزمان الأول وقت له ضرورة، وما وراءه لا تعرض له.

قوله: (وأجاب العلامة. . . إلخ) محصل الجواب أن وجوب المبادرة إنما هو للاحتياط وإلا فهو يقول بالوقف من حيث الصيغة لغة.

ص: 523