الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(مسألة: من أخر مع ظن الموت قبل الفعل
عصى اتفاقًا فإن لم يمت ثم فعله فى وقته فالجمهور أداء، وقال القاضى: إنه قضاء فإن أراد وجوب نية القضاء فبعيد ويلزمه لو اعتقد انقضاء الوقت قبل الوقت يعصى بالتأخير ومن أخر مع ظن السلامة فمات فجأة فالتحقيق لا يعصى بخلاف ما وقته العمر).
أقول: هذه رابعة مسائل الوجوب وهى أن من أدرك وقت الفعل وظن الموت فى جزء ما منه وأخر الفعل عنه مع ظنه الموت عصى اتفاقًا فإن لم يمت وفعله بعد ذلك الوقت فى وقته المقدر له شرعًا أولًا فقال الجمهور وهو أداء لصدق حده عليه، وقال القاضى: إنه قضاء لأنه صار وقته شرعًا بحسب ظنه ما قبل ذلك الوقت فهذا وقع بعد وقته ولا خلاف معه فى المعنى إلا أن يريد وجوب نية القضاء وهو بعيد إذ لم يقل به أحد إنما النزاع فى التسمية وتسميته أداء أولى لأنه فعل فى وقته المقدر له شرعًا أولًا وإن عصى بالتأخير كما إذا اعتقد انقضاء الوقت قبل الوقت وأخر فإنه يعصى ثم إذا ظهر خطأ اعتقاده وأوقعه فى الوقت كان أداء اتفاقًا ولا أثر للاعتقاد الذى قد بأن خطؤه فكذا ههنا هذا فيمن أخر مع ظن الموت وسلم وأما عكسه وهو من أخر مع ظن السلامة ومات فجأة فالتحقيق أنه لا يعصى لأن التأخير جائز له ولا تأثيم بالجائز. ولا يقال شرط الجواز سلامة العاقبة إذ لا يمكن العلم بها فيؤدى إلى تكليف المحال وهذا بخلاف ما وقته العمر فإنه لو أخر ومات عصى وإلا لم يتحقق الوجوب.
قوله: (وقال القاضى إنه قضاء) قال الآمدى الأصل بقاء جميع الوقت وقتًا للأداء كما كان ولا يلزم من جعل ظن المكلف موجبًا للعصيان بالتأخير مخالفة هذا الأصل وتضييق الوقت بمعنى أنه إذا بقى بعد ذلك الوقت كان فعل الواجب فيه قضاء، ولهذا لا يلزم من عصيان المكلف بتأخير الواجب الموسع عن أوّل الوقت من غير عزم عند القاضى أن يكون فعل الواجب بعد ذلك فى الوقت قضاء ثم قال وهو فى غاية الاتجاه ورد بالفرق لأنه لم يلزم كونه قضاء ههنا؛ لأن الوقت لم يصر مضيقًا بالنسبة إلى ظنه ههنا بخلافه ثمة نعم لو كان كونه قضاء مبنيًا على أن العصيان ينافى الأداء لاتجه ما ذكره وأما قوله ويلزمه معناه أنه يلزم القاضى أن يكون فعل الواجب فى وقته قضاء فيما إذا اعتقد قبل دخول وقت الظهر أن الوقت
ينقضى حين يحضر زيد مثلًا فأخر إلى أن حضر وصلى وهو أول الوقت فى الواقع فإنه يعصى مع أن فعله أداء اتفاقًا، وفى بعض الشروح أن فاعل يلزمه وقوله يعصى على سقوط لفظ أنه أى يلزم القاضى أنه يعصى فيما إذا اعتقد قبل الوقت دخول الوقت وخروجه ولم يشتغل بالواجب وكان مقتضى مذهبه أن لا يعصى؛ لأن القضاء موسع ما لم يتعيد ثم قال ولو كان الشرطية فى موقع الفاعل أى يلزم القاضى استلزام اعتقاد الانقضاء للعصيان فله أن يلتزم.
قوله: (هذه رابعة مسائل الوجوب) هذه المسألة متعلقة بالواجب الموسع ومتفرعة عليه ولهذا صدرت بالفرع فى المحصول وغيره.
قوله: (مع ظنه الموت) إشارة إلى اجتماع الظن وبقائه مع التأخير فلا يكون تكرارًا لقول وظن الموت.
قوله: (بحسب ظنه) متعلق بصار فإن ظنه سبب لتعيين ما قبل ذلك الوقت وقتاله شرعًا ولهذا يعصى بالتأخير.
قوله: (ولا خلاف معه فى المعنى) فإن القاضى يوافق الجمهور فى أنه فعل واقع فى وقت كان مقدرًا له شرعًا أوّلًا وهم يوافقونه فى كونه واقعًا خارجًا عما صار وقتًا له بحسب ظنه فلا منازعة فى المعنى إلا أن يريد القاضى وجوب نية القضاء بناء على أن ذلك الظن كما صار سببًا لتعين ذلك الجزء وقتًا صار سببًا أيضًا لخروج ما بعده عن كونه وقتًا له مقدرًا أوّلًا بالكلية وهو بعيد إذ لم يقل أحد بوجوب نية القضاء وخروج ما بعده عن كونه مقدرًا له أولا فى نفس الأمر فإن تعين ذلك الجزء إنما يظهر فى حق العصيان ولا يلزم اعتباره فى خروج ما بعده عن كونه وقتًا عند ظهور فساد الظن القتضى لتعينه.
قوله: (كما إذا اعتقد انقضاء الوقت قبل الوقت) فإن المكلف إذا ظن قبل دخول وقت الظهر مثلًا أنه لو لم يشتغل به ينقضى وقته وأخر يعصى اتفاقًا وبعد ظهور خطأ اعتقاده إذا أوقعه فى الوقت كان أداء بلا خلاف فلا أثر للاعتقاد البين خطؤه فى التسمية بالقضاء وهذا بعينه يدل على فساد القول بوجوب نية القضاء أيضًا وإلا لوجبت فى صورة الوفاق وما يتوهم من الفرق بين الصورتين بأن المتعلق فى إحداهما جزء من أجزاء الوقت المقدر له شرعًا أولًا وفى الثانية ما هو
خارج عنه متقدم عليه فلا تعويل عليه إذ مدار الحكم على التعيين والعصيان بالتأخير وهو مشترك بينهما.
قوله: (ولا يقال شرط الجواز سلامة العاقبة. . . إلخ) فيه بحثان أحدهما إنا لا نسلم أن اشتراط جواز التأخير بسلامة العاقبة مع عدم العلم بها يؤدى إلى تكليف الحال إنما يلزم ذلك أن لو وجب عليه التأخير بشرط السلامة أما لو جاز له التأخير فلا، كيف وهو متمكن من الإتيان بالواجب حينئذ على المبادرة نعم لما كان جواز التأخير متعلقًا بالفعل الكلف به وفى ثبوته على هذا الاشتراط جهالة كان هناك شائبة تكليف بالمحال إذ مرجعه أن يقال له افعل هذا الفعل فى هذا الوقت أو افعله فيما بعده بشرط السلامة والتحقيق أنه يلزم على هذا الاشتراط أن لا يكون لجواز التأخير فائدة إذ لم يمكن للمكلف العمل بمقتضاه لأنه محال منه فلو كان مكلفًا به لزم تكليف المحال وإلا فلا، وثانيهما أن الفرق بين ما وقته العمر وبين غيره مشكل فإن ما يسع وقته العمر إن لم يجز تأخيره أصلًا لم يكن موسعًا قطعًا وإن جاز فإما مطلقًا فلا عصيان كالتأخير مع الموت فجأة إذ لا تأثيم بالجائز وإما بشرط سلامة العاقبة فيلزم التكليف بالمحال كما فى غيره وأما ذكره من أنه لو جاز له التأخير أبدًا وإذا مات لم يعص لم يتحقق الوجوب أصلًا بخلاف الظهر مثلًا فإن جواز تأخيره إلى أن يتضيق وقته فلا يرتفع الوجوب ففيه أنه لا يقدح فيما ذكره من الدليل المشترك بين الصورتين غايته أنه يعارضه فى هذه الصورة فلا يتحقق فيهما مقتضى أحدهما لمقاومة كل منهما الآخر والذى يمكن أن يقال فى توجيهه: هو أن المعارض أعنى ارتفاع الوجوب دليل قطعى وما ذكرتموه ظنى فعمل به فيما عدا صورة المعارضة وفيها يتعين إعمال المعارض القطعى دونه وفى المحصول أنه يجوز له التأخير فيما يسع العمر بشرط أن يغلب على ظنه أنه يبقى فلو ظن أنه لا يبقى تعين وعصى بالتأخير مات أو لم يمت ولهذا قال أبو حنيفة رحمه الله لا يجوز تأخير الحج لعدم ظن البقاء إلى سنة أخرى والشافعى رحمه الله يرى ذلك فى حق الشاب الصحيح دون الشيخ والمريض وبهذا الكلام يظهر أن المعارض ليس بقطعى.
المصنف: (ويلزمه لو اعتقد. . . إلخ) فى عبارة بعض محققى الشافعية ما نصه:
أعلم أنه يتفرع على خلاف القاضى أنه يجب نية القضاء بناء على أنه يجب التعرض له وعدم صحة صلاة ذلك الظان الجمعة مع إمامها إذ لا تقضى. اهـ.
المصنف: (ويلزمه لو اعتقد انقضاء الوقت يعصى بالتأخير) فاعل يلزمه هو كون الفعل فى الوقت قضاء وقوله يعصى محرف عن فعصى أى أنه إذا اعتقد انقضاء الوقت قبل دخوله كما إذا اعتقد أنه عند مجئ زيد ينقضى الوقت وأخر حتى جاء زيد وعصى بهذا التأخير ثم تبين أن الوقت باق وأدى فيه يلزم القاضى أن يقول: إن ما أداه فى الوقت قضاء مع أنه أداء اتفاقًا.
الشارح: (وظن الموت فى جزء ما منه) أى ظن فى الوقت الذى أدركه الموت فى جزء ما منه.
الشارح: (وأخر الفعل عنه) أى عما أدركه من الوقت الذى ظن الموت فى جزء يعقبه والمراد آخره عن مقدار ما يسع الفعل منه ولو قال: وأخر الفعل إليه أى إلى الجزء الذى ظن قبله الموت فيه لكان أوضح.
التفتازانى: (ورد بالفرق) أى بين تأخير الواجب الوسع عن أول الوقت من غير عزم وبين تأخير من ظن الموت ثم تبين أنه لم يمت، وقوله لم يلزم كونه قضاء ههنا أى فى تأخير الواجب الوسع عن أول الوقت من غير عزم وقوله بخلافه ثمت أى فى تأخير من ظن الموت.
التفتازانى: (وأما قوله: ويلزمه. . . إلخ) إيضاحه على ما فى عبارة بعض المحققين أن الوجه فى رد كلام القاضى خلاف ما يرد به صاحب الأحكام وهو أن الاعتقاد البين خطؤه لا عبرة به وإلا لزم القاضى أن يقول: إن فعل الواجب فى وقته قضاء فيما إذا اعتقد قبل دخول وقت الظهر أن الوقت ينقضى حين يحضر زيد مثلًا فأخر إلى أن حضر وصلى وهو أول الوقت فى الواقع فإنه يعصى للظن البين خطؤه مع أن فعله أداء اتفاقًا.
التفتازانى: (وفى بعض الشروح أن فاعل يلزمه. . . إلخ) فيه أنه غير ظاهر لأنه إن كان التأخير عمدًا حتى خرج الوقت فى اعتقاده وقلنا: إنه وإن أداه فى الوقت يكون قضاء لزومًا للقاضى وإن لم يقل به فعصيانه بالتأخير بعد دخول الوقت مسلم لأن القضاء موسع ما لم يتعمد الترك فى وقت الأداء وهو قد تعمد الترك فى وقت الأداء الذى هو ما قبل الوقت وقد ظنه الوقت وأخر حتى خرج وإن كان
التأخير ليس عمدًا فلا يعصى بالتأخير.
التفتازانى: (لو كان الشرطية فى موقع الفاعل) أى: لو كان الشرطية التى هى قوله: لو اعتقد إنقضاء الوقت قبل الوقت يعصى بالتأخير واقعة موقع الفاعل لقوله يلزمه.
قوله: (إشارة إلى اجتماع الظن وبقائه مع التأخير) فلو ظن الموت ثم ذهب الظن قبل أن يؤخر وأخر فلا إثم عليه فالشرط فى الإثم عند ظن الموت بقاء الظن حال التأخير فليس قوله ظنه الموت مكررًا مع قوله: وظن الموت فى جزء منه.
قوله: (إذ مدار الحكم) أى بكونه قضاء.
قوله: (فلو كان مكلفًا به لزم تكليف المحال) أى فقوله يؤدى إلى تكليف المحال مبنى على فرض التكليف بالتأخير يعنى لو فرض واجبًا كان التكليف به تكليفًا بالمحال، والجواب أنه وإن لم يكن تكليفًا لأن التكليف إلزام ما فيه كلفة أو طلبه لكنه يثبت حيث يثبت التكليف وإذا كان التكليف بالتأخير محالًا لم يعلق بالتأخير الجواز وإن لم يكن الجواز تكليفًا ثم إن الشارح والمحشى قد جريا على أنه إذا اشترط فى وجوب التأخير علم سلامة العاقبة كان التكليف به تكليفًا بالمحال مع أنه حيث كان الشرط للوجوب والخلل جاء من جهة المأمور فالمحال هو ذلك الوجوب وهو التكليف فيكون من باب التكليف المحال لا من التكليف بالمحال.