الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مسائل المباح)
قال: (مسألة: يطلق الجائز على المباح، وعلى ما لا يمتنع شرعًا أو عقلًا، وعلى ما استوى الأمران فيه وعلى المشكوك فيه فيهما بالاعتبارين).
أقول: هذه مسائل تتعلق بالمباح ومن أسمائه الجائز، وأنه كما يطلق على المباح يطلق على ما لا يمتنع شرعًا، مباحًا كان أو واجبًا أو مندوبًا، أو مكروهًا، وعلى ما لا يمتنع عقلًا، واجبًا كان أو راجحًا، أو متساوى الطرفين، أو مرجوحًا، وعلى ما استوى الأمران فيه، سواء استويا شرعًا كالمباح أو عقلًا كفعل الصبى، وعلى المشكوك فيه فى الشرع أو العقل بالاعتبارين، وهما استواء الطرفين، وعدم الامتناع يعنى أنه كما يقال المشكوك فيه لما يستوى طرفاه فى النفس يقال لما لا يمتنع فى النفس، أى لا يجزم بعدمه كما يقال فى النقليات، وإن غلب على الظن بعد فيه شك أى احتمال ولا يراد به تساوى الطرفين كذلك يقال هو جائز والمراد أحدهما.
قوله: (يطلق الجائز على المباح وعلى ما لا يمتنع شرعًا) قد فهم منه البعض أنه كما يطلق على المباح يطلق على أربعة معان أخر: ما لا يمتنع شرعًا ما لا يمتنع عقلًا ما استوى الأمران فيه شرعًا ما استوى الأمران فيه عقلًا فاعترض بأن ما استوى الأمران فيه شرعًا هو المباح نفسه فاعتذر بأن ما استوى الأمران فيه شرعًا أعم من المباح لشموله ما لا يمتنع فيه عن الفعل والترك شرعًا كفعل الصبى وهو غير المباح أعنى ما أذن الشارع فى فعله وتركه ولما كان هذا ضعيفًا بناء على أن ما لا يتعلق به خطاب الشرع لا معنى لاستواء الأمرين فيه شرعًا عدل عنه الشارح المحقق وجعل فعل الصبى مثالًا لما استوى فيه الأمران عقلًا تنبيهًا على ما ذكرنا ولا يخفى أن كلمة "أو" فى قول المصنف: "وعلى ما لا يمتنع شرعًا أو عقلًا" لم تقع موقعها، وأما قوله:"وعلى المشكوك فيه" فقد فهم منه الشارحون أنه يطلق على ما يشك فى أنه لا يمتنع شرعًا أو يشك فى أنه لا يمتنع شرعًا أو يشك فى أنه لا يمتنع عقلًا أو يشك فى أنه يستوى الأمران فيه شرعًا أو يشك فى أنه يستوى الأمران فيه عقلًا وأنت خبير بأن مثل هذا الفعل لا يكون جائزًا بل مجهول
الحال فعدل عنه المحقق إلى ما يقتضيه قوة نظره واستقامة فكره وهو أن عدم الامتناع أو استواء الطرفين كان فيما سبق باعتبار حكم الشرع أو نفس الأمر ومنهيًا باعتبار نفس القائل وموجب إدراكه وإلى هذا أشار بقوله فى النفس فالجائز على هذا يطلق على ما استوى طرفاه شرعًا أو عقلًا عند المخبر بجوازه وبالنظر إلى عقله وإن كان أحدهما فى نفس الأمر واجبًا أو راجحًا، وعلى ما لا يمتنع عنده فى حكم الشرع أو العقل وإن كان فى نفس الأمر ممتنعًا شرعًا أو عقلًا، وهذا هو المسمى بالمحتمل، فالمحتمل على ما فهموا هو ما شككت وترددت فى أنه متساوى الطرفين أو ليس بممتنع الوجود فى نفس الأمر أو فى حكم الشرع وعلى ما ذكره المحقق ما حصل فى عقلك أنه متساوى الطرفين أو غير ممتنع الوجود فى نفس الأمر أو فى حكم الشرع ولا خفاء فى أن ما لا يمتنع فى النفس ولا يجزم بعدمه شامل للقطعى والظنى مع أن شيئًا منهما لا يسمى مشكوكًا لظهور أنا إذا قلنا بعد إثبات اشتراط النية فى الوضوء بعد فيه شك لا نعنى أن الاشتراط مشكوك فيه بل عدم الاشتراط فالمراد أن المشكوك فيه يطلق على ما لا يمتنع فى النفس ولا يجزم بعدمه إذا كان جانب وجوده راجحًا فقوله كما فى النقليات مثال لإطلاق الشك على الاحتمال وعدم الامتناع فى النفس وقوله:"كذلك" يقال إشارة إلى ما سبق من أنه كما يقال للمشكوك لما استوى يقال لما يمتنع يعنى أنه قد يقال: هذا الحكم جائز والمراد أنه متساوى الطرفين أو لا يمتنع أن لا يجزم بعدمه ولا خفاء فى أنه لو قال: فكذلك بالفاء لكان أظهر.
المصنف: (يطلق الجائز على المباح) هذا هو المقصود؛ لأنه المسألة المتعلقة بالمباح وما ذكر بعده لتتميم الإطلاقات الجائزة.
المصنف: (أو عقلًا) أى يطلق الجائز على ما لا يمتنع عقلًا وكان الأولى أن يقول: وعلى ما لا يمتنع عقلًا إلا أنه اختصر أو فيه لتنويع الخلاف لا لأحد الأمرين وقوله: "وعلى ما استوى الأمران فيه" أى شرعًا أو عقلًا أى استوى فى أحدهما وهو أعم من المباح؛ لأنه ما استوى فيه الأمران شرعًا فقط فالمعانى غير المباح على هذا ثلاثة، ثالثها: استواء الأمرين شرعًا أو عقلًا ثم إن ما لا يمتنع شرعًا أعم من المعنى الأول للجائز وهو المباح وأخص مما لا يمتنع عقلًا.
قوله: (عدل عنه الشارح. . . إلخ) اعترضه ميرزاجان بأنه على حل الشارح لم يكن الإمكان الخاص معدودًا من جملة معانى لفظ الجائز مع أنه منها فى العقليات ثم معنى الاستواء على حل الشارح هو الاستواء فى عدم الاشتمال على المصلحة والمفسدة فى الفعل والترك تعلق به الخطاب أو لم يتعلق بل برأى العقل وعلى حل البعض معنى الاستواء الاستواء فى الوجود والعدم بحسب الواقع ونفس الأمر بالنظر إلى ذات الممكن.
قوله: (وعلى المشكوك فيها فيهما) أى شرعًا أو عقلًا "بالاعتبارين" أى اعتبار استواء الأمرين واعتبار عدم الامتناع والمراد يطلق على المشكوك فيه بمعنى ما استوى فيه الأمران شرعًا أو عقلًا وعلى المشكوك فيه بمعنى ما لا يمتنع عقلًا أو شرعًا.
قوله: (بحسب موجب إدراكه فيهما) يعنى أن المشكوك فيه بمعنى المحتمل كما يطلق على ما استوى فيه الأمران شرعًا أو عقلًا عند المخبر وبحسب ما أداه إليه إدراكه يطلق على ما لم يمتنع عقلًا أو شرعًا عنده.
قوله: (مع أن شيئًا منهما لا يسمى مشكوكًا) اعترضه ميرزاجان بأن المظنون نمنع أنه لا يسمى مشكوكًا وقوله إذا كان جانب وجوده راجحًا اعترضه أيضًا بأنه لا يدفع النقض بالظنى وهو ظاهر ولا بالقطعى إذ الرجحان شامل للوجوب اللهم إلا أن يخص بما إذا لم ينته إلى حد الوجوب هذا وأقول: لا مانع من أن يسمى القطعى والظنى بالمشكوك أى المحتمل؛ لأنه يقطع أو يظن أن الشئ لا يمتنع شرعًا أو عقلًا بحسب إدراكه لا بحسب نفس الأمر فيسمى بالمحتمل نظرًا لما فى نفس الأمر.
قوله: (كما يقال فى النقليات) أى الأمور الغير العقلية وإن غلب على الظن يعد أى الآن وقت الإخبار فيه شك ولا يراد به استواء الطرفين فكذلك الجائز يطلق على أحدهما.
قوله: (ولا يخفى أنه لو قال فكذلك بالنماء لكان أظهر) أى لأنه بدونه يوهم أنه متعلق بـ "يقال" فى قوله: "كما يقال المشكوك" مع أن المتعلق به هو قوله: يقال لما لا يمتنع ويتفرع على كون المشكوك يقال على ما لا يمتنع كما يقال على ما استوى فيه الأمران أن الجائز كذلك هذا ويحتمل أن قوله: "يقال لما لا يمتنع" سقط منه واو العطف والأكل ويقال ويكون المعنى أن المشكوك فيه كما يقال لما استوى الأمران فيه وما لا يمتنع يقال الجائز والمراد أحدهما وعلى هذا يكون قول المحشى: يقال لما لا يمتنع فيه إسقاط الحرف العاطف أيضًا.
قال: (مسألة: الإباحة حكم شرعى خلافًا لبعض المعتزلة، لنا أنها خطاب الشارع، قالوا: انتفاء الحرج وهو قبل الشرع).
أقول: ثانية مسائل المباح: الإباحة حكم شرعى خلافًا لبعض المعتزلة فإنهم يقولون: المباح ما انتفى الحرج فى فعله وتركه وذلك ثابت قبل الشرع وبعده ونحن ننكر أن ذلك إباحة شرعية بل الإباحة خطاب الشارع بذلك فافترقا.
قوله: (ونحن ننكر أن ذلك إباحة شرعية) فإن قيل من اعتقد أن الإباحة لا يلزم أن تكون حكمًا شرعيًا وأنها تتحقق قبل الشرع كيف يقدح فى دعواه إنكار كون ما انتفى الحرج فى فعله وتركه إباحة شرعية قلنا: ليس المراد بالشرعية الثابتة بالشرع بل المستعملة فى الشرع يعنى نحن ننكر أن ذلك مفهوم لفظ الإباحة بحسب عرف الشرع فيرجع النزاع إلى أن الإباحة المستعملة فى لسان الشرع معناها انتفاء الحرج فى الفعل والترك أو خطاب الشارع بذلك.
قوله: (كيف يقدح. . . إلخ) أى لأنه لم يلتزم أنها شرعية وثابتة بالشرع حتى يقال له إنها ليست شرعية.
قوله: (إن الإباحة المستعملة فى لسان الشرع. . . إلخ) اعترضه فى التحرير بأنه إن أراد بالشرع الشارع فلا يعرف له اصطلاح فى ذلك وإن أراد أهل الاصطلاح الفقهى فالخلف لفظى مبنى على الاصطلاح.
قال: (مسألة: المباح غير مأمور به خلافًا للكعبى، لنا أن الأمر طلب يستلزم الترجيح ولا ترجيح. قال: كل مباح ترك حرام، وترك الحرام واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وتؤول الإجماع على ذات الفعل، لا بالنظر إلى ما يستلزم جمعًا بين الأدلة، وأجيب بجوابين: الأول: أنه غير متعين لذلك، فليس بواجب، وفيه تسليم أن الواجب واحد، فما فعل فهو واجب قطعًا.
الثانى: إلزامه أن الصلاة حرام إذا ترك بها واجب، وهو يلزمه باعتبار الجهتين، ولا مخلص إلا بأن ما لا يتم الواجب إلا به من عقلى أو عادى فليس بواجب، وقول الأستاذ الإباحة تكليف بعيد).
أقول: اختلف فى المباح، هل هو مأمور به؟ فنفاه الجمهور خلافًا للكعبى، لنا أن الأمر طلب، وهو يستلزم ترجيح المأمور به على مقابله، والمباح لا ترجيح فيه لتساوى طرفيه فلا يكون مأمورًا به، احتج الكعبى بأن كل مباح ترك حرام فإن المسكوت ترك للقذف والسكون ترك للقتل، وكل ترك حرام واجب، فالمباح واجب، وبهذا يتم دليله، فقوله: وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كأنه جواب لسؤال، وهو أنه ليس ترك الحرام نفس فعل المباح غايته أنه لا يحصل إلا به، فأجاب بأنه لا يضرنا فإنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وبه يتم دليلنا، وألزم بأن هذا الدليل والدعوى فى مصادمة الإجماع فلا يسمع؛ وذلك للإجماع على أن الفعل ينقسم إلى مباح وواجب، ولا شئ من المباح بواجب، فأجاب: بأن دليلنا قطعي فيجب تأوّل الإجماع بذات الفعل من غير نظر إلى ما يستلزمه من ترك الحرام جمعًا بين الأدلة، ولا يمتنع كون الشئ مباحًا لذاته واجبًا لما يستلزمه كما يكون الشئ واجبًا حرامًا باعتبارين، وقد أجيب عن دليله بجوابين:
الأول: لا نسلم أنه لا يتم الواجب إلا به، وذلك أنه غير معين لذلك لإمكان الترك بغيره وهو ضعيف، لأن فيه تسليم أن الواجب أحدها لا بعينه، فما يعمل فهو واجب قطعًا، غاية ما فى الباب أنه واجب غير لا معين، وهو لم يدع إلا أصل الوجوب.
الثانى: أنه يلزمك أن تكون الصلاة حرامًا إذا ترك بها واجب لأنه سبب الحرام، وسبب الحرام حرام، وهو أيضًا ضعيف فإن له أن يلتزمه باعتبار الجهتين،
كما تقدَّم.
والجواب الحق الذى لا مخلص منه إلا به: منع كون ما لا يتم الواجب إلا به من ضروراته العادية والعقلية واجبًا كما تقدَّم، ثم قال الأستاذ: الإباحة تكليف ولا يخفى بعده أو يحمل على أنه يتضمن تكليفًا وهو وجوب اعتقاد إباحته.
قوله: (غاية ما فى الباب أنه واجب غير لا معين) يرد عليه أن المخير يجب أن يكون واحدًا من أمور معينة فإن قيل يكفى التعين النوعى وهو حاصل بكونه واجبًا أو مندوبًا أو مباحًا قلنا: لا بد فى التعين النوعى من تعين حقيقة الفعل كالصوم والإعتاق مثلًا ولا يحصل ذلك بمجرد اعتبار شئ من الأعراض العامة.
المصنف: (كل مباح ترك حرام) اعترض بأنا لا نسلم أن كل مباح ترك حرام ولا مستلزم له للقطع بأن الترك وهو كف النفس عن الفعل فرع خطوره بالبال وفرع داعية النفس له فمن لم يقصد الكف عن شئ وفعل مباحًا ولم يخطر بباله الحرام ولم يوجد منه كف فلا يكون آتيًا بترك الحرام الذى هو الواجب وإن كان غير آثم لعدم فعل المنهى عنه، فاجتماع ترك الحرام وفعل المباح أو غيره غير لازم.
الشارح: (فإنهم يقولون المباح. . . إلخ) فالخلاف فى كون الإباحة حكمًا شرعيًا أو لا مبنى على الخلاف فى تفسيرها فعند المعزلة أنها انتقاء الحرج وعندنا خطاب الشارع بذلك.
الشارح: (ولا مخلص منه) أى عما قاله الكعبى.
قوله: (من الأعراض العامة) ككونها واجبة أو مندوبة.
قال: (مسألة: المباح ليس بجنس للواجب بل هما نوعان للحكم، لنا لو كان جنسه لاستلزم النوع التخيير، قالوا مأذون فيهما واختص الواجب، قلنا تركتم فصل المباح).
أقول: ظن قوم أن المباح جنس للواجب، وهو باطل، بل هما نوعان داخلان تحت جنس الحكم، لنا أن المباح لو كان جنسًا للواجب لاستلزم النوع وهو الواجب التخيير لأنه من حقيقة الجنس، والنوع مستلزم لجنسه ضرورة، واللازم ظاهر بطلانه، قالوا: المأذون فى فعله حاصل فيهما وهو تمام حقيقة المباح وجزء حقيقة الوجوب لاختصاصه بقيد زائد وهو أنه غير مأذون فى تركه ولا معنى للجنس إلا ذلك الجواب، لا نسلم أن ذلك حقيقة المباح بل ذلك جنسه وفصله أنه مأذون فى تركه وبه يمتاز عن الواجب فلا يصدق عليه.