الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(المحكوم فيه)
قال: (المحكوم فيه: الأفعال: مسألة: شرط المطلوب الإمكان، ونسب خلافه إلى الأشعرى، والإجماع على صحة التكليف بما علم اللَّه أنه لا يقع لنا لو صح التكليف بالمستحيل لكان مستدعى الحصول لأنه معنى الطلب ولا يصح لأنه لا يتصور وقوعه واستدعاء حصوله فرعه لأنه لو تصوّر مثبتًا لزم تصور الأمر على خلاف ماهيته وهو محال، فإن قيل: لو لم يتصوّر لم يعلم إحالة الجمع بين الضدين لأن العلم بصفة الشئ فرع تصوّره، قلنا الجمع المتصوّر جمع المختلفات وهو المحكوم بنفسه ولا يلزم من تصوّره منفيًا عن الضدين تصوّره مثبتًا، فإن قيل: متصوّر ذهنًا للحكم عليه ولا فى الخارج؟ قلنا فيكون الخارج مستحيلًا والذهنى بخلافه. وأيضًا يكون الحكم بالاستحالة على ما ليس بمستحيل، وأيضًا الحكم على الخارج يستدعى تصوره للخارج).
أقول: فرغ من أبحاث الحكم وشرع فى المحكوم فيه، وهو: أفعال المكلفين، وفيه مسائل، هذه أولاها: شرط المطلوب الإمكان، فلا يجوز طلب المحال والتكليف به عند المحققين ونسب خلافه إلى الأشعرى، ولم يثبت تصريحه به والإجماع منعقد على صحة التكليف بما علم اللَّه أنه لا يقع وإن ظن قوم أنه ممتنع لخيره، لنا لو صح التكليف بالمستحيل لكان المستحيل مستدعى الحصول واللازم باطل، أما الملازمة فلأن التكليف به هو الطلب وهو استدعاء الحصول، وأما بطلان اللازم فلأنه لا يتصور وقوعه واستدعاء حصوله فرع تصوّر الوقوع وموقوف عليه، فإذا انتنهى انتفى، وإنما قلنا: لا يتصوّر وقوعه لأنه لو تصوّر لتصوّر مثبتًا، ويلزم منه تصوّر الأمر على خلاف ماهيته؛ فإن ماهيته تنافى ثبوته وإلا لم يكن ممتنعًا لذاته فما يكون ثابتًا فهو غير ماهيته، وحاصله أن تصوّر ذاته مع عدم ما يلزم ذاته لذاته يقتضى أن تكون ذاته غير ذاته ويلزم قلب الحقائق؛ وتوضيحه أنا لو تصورنا أربعة ليس بزوج وكل ما ليس بزوج ليس بأربعة، فقد تصوّرنا أربعة ليست بأربعة فالمتصوّر لنا أربعة وليس بأربعة هذا خلف، فإن قيل: لو لم يتصوّر المستحيل لم يتصوّر الجمع بين الضدين فامتنع العلم بإحالة الجمع بين الضدين لأن إحالة
الجمع بينهما صفة الجمع بينهما والعلم بثبوت الصفة للشئ فرع تصوّر ذلك الشئ. قلنا: نحن لا ندعى انتفاء تصوّر المستحيل مطلقًا بل انتفاء تصوره مثبتًا وهو أخص ولا يلزم من نفى الأخص نفى الأعم، والذى ذكرتم يستدعى تصوّره مطلقًا لا تصوّره مثبتًا فلا يضرنا، وبيانه أن المتصوّر هو الجمع بين المختلفات كالسواد والحلاوة، وهو المحكوم بنفيه عن الضدين فقد تصوّر فى الضدين منفيًا لا مثبتًا، فإن قيل المستحيل متصور ثبوته ذهنًا لأنا نحكم عليه بالحكم الثبوتى بأنه معدوم ومستحيل وثبوت الشئ لغيره فرع ثبوته فى نفسه، فهو ثابت، وإذ ليس فى الخارج فهو فى الذهن وذلك كاف فى طلبه، قلنا ما ذكرتم باطل لوجوه:
الأول: أنه يكون الخارج مستحيلًا، والذهنى بخلافه، وهو المتصوّر فلا يكون المستحيل هو المتصوّر.
الثانى: أن الحكم بالامتناع على المتصوّر، وقد ذكرت أن ذلك هو الذهنى وهو غير ممتنع فقد حكمت بالامتناع على ما ليس بممتنع.
الثالث: أن تصوّره ذهنًا لا يكفيكم ولا يضرنا؛ لأن حكم الذهن على الخارج بالامتناع يستدعى تصوره للخارج وبينا أنه لا يتصوّر لأنه تصوّر الأمر على خلاف حقيقته.
قوله: (والإجماع منعقد على صحته) بل على وقوعه كتكليف الكافر بالإيمان والعاصى بالطاعة وإنما الخلاف فيما أمكن فى نفسه لكن لا تتعلق به القدرة الحادثة عادة سواء امتنع لا لنفس مفهومه كخلق الأجسام أم لم يمتنع كحمل الجبل والطيران إلى السماء فجوزه الأشاعرة وإن لم يقع وأما ما يكون مستحيلًا بالنظر إلى نفس مفهومه كجمع الضدين وقلب الحقائق فجواز التكليف فيه فرع تصوره فمنهم من قال: لو لم يتصور لامتنع الحكم بامتناع تصوره وطلبه ومنهم من قال: طلبه يتوقف على تصوره واقعًا، وهو منتف ههنا فإنه إنما يتصور إما منفيًا بمعنى أنه ليس لنا شئ موهوم أو محقق هو اجتماع الضدين أو بالتشبيه بمعنى أن يتصور اجتماع المخالفين كالسواد والحلاوة ثم يحكم بأن مثله لا يكون بين الضدين وذلك غير تصور وقوعه ولا مستلزم له كذا فى الواقف.
قوله: (وإن ظن قوم أنه ممتنع لغيره) يشير إلى أن الصحيح استناد الكل إليه
بطريق الاختيار من غير أن يتأدى إلى وجوب أو امتناع.
قوله: (فإن ماهيته تنافى ثبوته) إشارة إلى أنه لا ينتقد بما علم اللَّه أنه لا يقع إذ لا يلزم من تصوره مثبتًا تصور الأمر على خلاف ماهيته.
قوله: (فإن قيل) حاصل السؤال إثبات أن المستحيل متصور الثبوت ذهنًا فتكون معارضة فى المقدمة القائلة بأن المستحيل لا يتصور وقوعه وإذا ضم إليه قولنا: وكل ما يتصور ثبوته يصح طلبه على ما يشعر به قوله: وذلك كاف فى طلبه، كان معارضة فى أصل الدعوى أو ابتداء دليل للمخالف من غير قصد إلى المقابلة أو الممانعة، وإنما ذكر فى هذا المقام وعلى طريق السؤال لشدة ملاءمته لدليل الخصم، نعم لما كان المذهبان على طرفى النقيض كان دليل كل منهما معارضة لدليل الآخر من جهة المعنى، وأما الأجوبة فتقريرها على ما فى الشارح ظاهر وإنما الكلام فى توجيهها وكأن الأول معارضة ولا يتوجه إلا إذا جعل السؤال دليلًا للمخالف وبالجملة فحاصله أن المستحيل هو الخارجى ليس هو الذهنى وهو ظاهر والمتصور هو الذهنى لأنه الحاصل فى العقل فليس المستحيل هو المتصور فإن قيل عدم الحصول فى الذهن لا يوجب عدم التصور، فإن المتصور هو الذى حصل فى العقل صورته لا هو نفسه، قلنا: إنما يكون ذلك فيما له صورة والمستحيل ليس كذلك، وفيه نظر، والثانى: نقض إجمالى، أى: لو صح ما ذكرتم لزم الحكم بالامتناع على ما ليس بممتنع. بيانه: أن المحكوم عليه فى قولنا: اجتماع النقيضين مستحيل وممتنع ونحو ذلك هو المتصور وقد ذكر فى تقرير السؤال أن المحكوم عليه المتصور ذهنى ثابت فى الذهن ومعلوم أن الثابت فى الذهن ليس بممتنع فالمحكوم عليه بالامتناع ليس بممتنع، وجوابه: أن المحكوم عليه فى القضية وإن كان متصورًا لكن لا يكون الحكم على الصورة الذهنية بل على ما له تلك الصورة وهو ذات الممتنع مثلًا، ولو سلم فعدم امتناع الذهنى إنما هو فى الذهن والحكم إنما هو بالامتناع فى الخارج، وحاصل معنى قولنا: اجتماع النقيضين ممتنع أن المعنى الحاصل فى الذهن من هذا اللفظ يمتنع أن يوجد له فى الخارج فرد يطابقه.
وأما الثالث: فلا أرى له توجيهًا لأن امتناع طلب المستحيل لما كان مبنيًا على أنه لا يتصور ثبوته كما سبق فى تقرير الدليل كان تصور ثبوت المستحيل ذهنًا كافيًا لما ذهبنا إليه من صحة طلبه نافيًا لما ذكرتم من امتناع تصور وقوعه فيكفينا ويضركم
اللهم إلا أن يجعل امتناع الطلب مبنيًا على أنه لا يتصور ثبوته فى الخارج وحينئذٍ يقع قوله: لأن حكم الذهن مرتبطًا أى الحكم بالامتناع ليس على الخارج حتى يلزم تصور المحكوم عليه مثبتًا فى الخارج وإلا فليس له كثير دخل فى عدم الكفاية والمضرة ولم يدع المعارض والمستدل حكم الذهن على الخارج بل صرح بأن المحكوم عليه بالامتناع لا ثبوت له إلا فى الذهن، هذا غاية ما أمكن فى هذا المقام، وتقرير غيره من الشارحين قاصر عن إفادة المرام، لأن أقرب ما قالوا هو أن السؤال معارضة ثانية فى المقدمة أو اعتراض على جواب العارضة الأولى توجيهه أنه يلزم من تصور الجمع بين الضدين تصوره مثبتًا فى الذهن لكونه محكومًا عليه فيكون حاصلًا فى الذهن فيتصور ثبوته فيه ولا يتصور وقوع الجمع بين الضدين فى الخارج حتى يلزم تصور الأمر على خلاف ما عليه، وأما الأجوبة الثلاثة:
فتقرير الأول: أن اجتماع الضدين لو كان متصورًا ذهنًا لكان الحكم باستحالته إنما هو بحسب الخارج دون الذهن ضرورة ثبوت المحكوم عليه فى الذهن فتصور وقوعه ذهنًا يكون تصور وقوع الممكن، والنزاع إنما هو فى تصور وقوع الحال أو أنه لو كان ثابتًا فى الذهن لكان ثابتًا فى الخارج لأن الذهن ثابت فى الخارج واللازم باطل لأنه لا مستحيل فى الخارج.
وتقرير الثانى: أنه يكون الحكم بالاستحالة الذاتية على ما ليس بمستحيل بالذات لأن المستحيل بالذات ما يمتنع تصوره أو أن الجمع بين الضدين فى الذهن غير مستحيل فيكون الحكم باستحالته حكمًا باستحالة ما ليس بمستحيل.
وأما فى الثالث: فلم يذكروا شيئًا يعتد به وفى بعض الشروح أن الثالث من تتمة الثانى، وكلاهما جواب واحد حاصله أن المستحيل إذا تصور ذهنًا فالحكم بالاستحالة إما على الذهنى وهو باطل لأنه غير مستحيل وإما على الخارجى وهو محال لأنه غير متصور، واعلم أن المتصور قد يراد به ما يمكن أن يكون له حصول خارجى وينبغى أن يكون بلفظ اسم الفاعل وإن اشتهر بلفظ اسم المفعول وقد يراد به ما له حصول عقلى وحينئذٍ لا يعتد بالذهن فلا يقال هذا متصور ذهنًا، وإذا تأملت كلامهم فى هذا المقام اطلعت على ابتناء بعض المغالطة على عدم الفرق بين المعنيين.
قوله: (وبيانه) ذكر فى المواقف نقلًا عن الشفاء أن المستحيل لا تحصل له صورة
فى العقل فلا يمكن أن يتصور شئ هو اجتماع النقيضين فتصوره إما على طريق التشبيه بأن يعقل بين السواد والحلاوة أمر هو الاجتماع ثم يقال مثل هذا الأمر لا يمكن حصوله بين السواد والبياض وإما على سبيل النفى بأن يعقل أنه لا يمكن أن يوجد مفهوم هو اجتماع السواد والبياض وبالجملة فلا يمكن تعقله بماهيته بل باعتبار من الاعتبارات وههنا قد جمع بين الطريقين وخلط أحدهما بالآخر على ما هو ظاهر المتن.
قوله: (بالحكم الثبوتى) يعنى حكمًا إيجابيًا كقولنا اجتماع النقيضين محال ومعدوم فإنه موجبه نظرًا إلى الظاهر فيستدعى ثبوت الموضوع وليس فى الخارج فهو فى الذهن وهذا بخلاف السالبة فإنه ربما يمنع لزوم ثبوت موضوعها إذ قد سلب عنه الشئ ونفى وهو لا يقتضى ثبوته.
المصنف: (شرط المطلوب الإمكان) إنما قال شرط المطلوب إشارة إلى أن الكلام ليس فى ورود صيغة الطلب بل فى نفس الطلب النفسانى ثم المراد أن الإمكان شرط ثبتت شرطيته عقلًا كما جرى عليه المصنف حيث قال: لو صح لكان. . . إلخ. فإنه دليل عقلى والمراد بالإمكان الإمكان العقلى والعادى أى أن يكون المطلوب ممكنًا عقلًا وعادة فما أمكن فى ذاته وامتنع لعدم إمكانه عادة وما لم يكن ممكنًا فى ذاته بل امتنع لنفس مفهومه فيه النزاع وعليه فالدليل أخص من المدعى وقال الشيرازى: إن المراد الممكن لذاته وإن امتنع لعادة أو غيرها كما هو ظاهر المصنف وقيل: إن النزاع فيما أمكن فى ذاته وامتنع لعدم تعلق القدرة به عادة وأما ما لم يمكن فى ذاته فمتفق على عدم جوازه.
المصنف: (ونسب خلافه للأشعرى) لم يصرح الأشعرى بالخلاف وإنما ذلك قضية مذهبه.
المصنف: (لنا لو صح. . . إلخ) المصنف إن قال بعدم جواز التكليف بالمستحيل كما قال جمهور المعتزلة إلا أن المصنف يخالفهم فى المأخذ فمأخذه ما ذكره بقوله: لو صح. . . إلخ. ومأخذهم هو قبح التكليف به وأيضًا مأخذ القدرية أن الآمر يريد وقوع المأمور لأن الجمع بين علمه تعالى بأنه لا يقع وإرادة وقوعه تناقض.
المصنف: (لكان مستدعى الحصول لأنه معنى الطلب) لا حاجة لهذا التطويل بل
يكفى أن يقول لو صح التكليف بالمستحيل لكان مطلوبًا.
المصنف: (لأنه معنى الطلب) أى التكليف هو معنى الطلب وهو دليل على الصغرى وقوله: ولا يصح كونه مستدعى الحصول هذا هو بطلان اللازم وقوله: لأنه لا يتصور وقوعه أى وما لا يتصور وقوعه لا يكون مستدعى الحصول استدلال على بطلان اللازم وقوله: لأنه لو تصور. . . إلخ استدلال على مقدمة هذا الدليل القائلة: إنه لا يتصور وقوعه، وقوله: فإن قيل لو لم يتصور. . . إلخ. معارضة لقوله: لأنه لا يتصور وقوعه وقوله: لم يعلم أى لم يصدق مع أن التصديق حاصل وقوله: قلنا الجمع التصور حاصله الفرق بين ما يقتضيه طلب المستحيل من تصوره مثبتًا وما يقتضيه الحكم بإحالة اجتماع الضدين من تصوره منفيًا وفى التحرير منع توقف التكليف بالجمع بين الضدين على تصوره واقعًا بل يكفى فيه تصور الاجتماع الممكن ثم طلبه للضدين فيستدعى فى الطلب مثل ما يستدعيه فى الحكم وقوله: فإن قيل متصور ذهنًا. . . إلخ. يحتمل أن يكون المعنى فإن قيل ذلك جوابًا عن السؤال المتقدم فى قوله فإن قيل: لو لم يتصور لم يعلم إحالة الجمع بين الضدين وحاصله أن العلم بإحالة الجمع بين الضدين يستلزم تصوره وثبوته ذهنًا لا خارجًا والمدعى أنه لا يتصور وقوعه خارجًا وحاصل رده أنه يلزمه أن المتصور ليس هو المستحيل الذى هو الجمع المذكور فى هذا الفرض وأن الحكم بالإحالة على ما ليس بمستحيل وأن الحكم على الخارج وهو الجمع بين الضدين مثلًا يستدعى تصوره للخارج.
المصنف: (ولا فى الخارج) أى وليس ثابتًا فى الخارج فليكن ثابتًا فى الذهن.
المصنف: (وأيضًا الحكم على الخارج. . . إلخ) يصح أن يكون منعًا للكبرى المحذوفة بعد قوله متصور ذهنًا للحكم عليه تقديرها وكل متصور ذهنًا يصح طلبه وحاصل المنع أن الطلب يستدعى تصور المطلوب ثابتًا فى الخارج، والمتصور ذهنًا للحكم عليه لم يتصور ثابتًا فى الخارج.
الشارح: (ولم يثبت تصريحه به) أى وإنما أخذ من قوله إن القدرة مع الفعل وإن أفعال العباد لمخلوقة له تعالى أما من الأول: فلأنه لما لم تكن القدرة حال التكليف الذى هو قبل الفعل صار الفعل غير مقدور ومستحيلًا بالنسبة إلى المكلف، وأما من الثانى: فلأن أفعال العباد لما لم تكن مقدورة للعبد استحالت منه
والحق أنه لا يلزم الأشعرى التكليف بالمحال لأن القدرة إنما تجب فى زمن الإيقاع حتى يتحقق الامتثال لا زمن التكليف فلم يكن التكليف بما هو غير مقدور حال الإيقاع والتكليف عنده لا يتعلق إلا بالكسب لا بالإيجاد على أن الكلام فى المستحيل لذاته وليس فى كلام الأشعرى ما يؤخذ منه جوازه أصلًا.
الشارح: (وإن ظن قوم أنه ممتنع لغيره) أى ظن قوم أن ما تعلق علم اللَّه بأنه لا يقع ممتنع ومستحيل لغير ذاته مع أنه ليس محالًا كما قاله الغزالى وطائفة من المحققين بل هو ممكن مقطوع بعدم وقوعه لأن كل ممكن عادة فهو ممكن عقلًا ولا عكس، وفيه أن الوصف بالمحالية التى لا تجامع الإمكان هو الوصف بالمحالية الذاتية وليست هى المرادة فى قولهم: محال لغيره غايته أن إطلاق المحال على الممكن الذى منع من أحد طرفيه مانع مجاز والتقييد بقولهم: لغيره قرينة ذلك إلا أن يقال لا يطلق المحال اصطلاحًا إلا على المحال عقلًا أو عادة نظرًا لذات الشئ.
قوله: (سواء امتنع لا لنفس مفهومه. . . إلخ) وإنما لم يكن مستحيلًا لذاته لعدم ترتب محال عليه لأنه لو تعلقت به القدرة الحادثة لا يكون محلها شريكًا لأنه مخلوق وفى تكليفه ذلك فالاستحالة عادية فقط.
قوله: (أم لم يمتنع) أى بأن يكون من جنس ما تتعلق به القدرة لكن يكون من نوع أو صنف لم تجر العادة بتعلق القدرة الحادثة به كحمل الجبل والطيران إلى السماء.
قوله: (فمنهم من قال. . . إلخ) يفيد أن فيه خلافًا أيضًا وهو كذلك هكذا قال السيد -قدس سره- فى شرح المواقف اعتراضًا على صاحب المواقف فى قوله إن النزاع ليس فى المستحيل لذاته وأن ذكر الدليل الذى يتعلق به ذكر للشئ فى غير محله لأنه لا نزاع فيه.
قوله: (إنما يتصور إما منفيًا. . . إلخ) أى إنما يتصور على أحد وجهين إما منفيًا. . . إلخ.
قوله: (يشير إلى أن الصحيح. . . إلخ) أى أن قوله وإن ظن قوم أنه ممتنع لغيره المفيد أن الحق أنه ليس محالًا فيه إشارة إلى أن الصحيح استناد الكل إليه بطريق الاختيار من غير أن يتأدى إلى وجوب أو امتناع فمع تعلق علم اللَّه بوقوعه لا
يقال: إنه واجب عقلًا لغيره ولا يخرج عن كونه ممكنًا عقلًا، وكذا ما علم اللَّه تعالى عدم وقوعه من العبد لا يخرج به عن كونه ممكنًا وليس محالًا.
قوله: (فتكون معارضة فى المقدمة القائلة بأن المستحيل لا يتصور وقوعه) أى أن دليلها يعارض دليلها يعنى أن كون المستحيل لا يتصور وقوعه ينافيه أن المستحيل يتصور وقوعه ذهنًا لأن دليل كل يقتضى خلاف ما يقتضيه الآخر ودليل الأول أنه لو تصور مثبتًا لزم تصور الأمر على خلاف ماهيته وتصور الأمر على خلاف ماهيته محال لأنه تصور الشئ غير الشئ فلا يتصور المستحيل مثبتًا ودليل الآخر أن المستحيل نحكم عليه حكمًا إيجابيًا وكل ما كان كذلك يكون ثابتًا وحيث لم يكن فى الخارج فالثبوت فى الذهن فالمستحيل متصور الثبوت ذهنًا وهذه العارضة مدفوعة بأن المراد أن المستحيل لا يتصور وقوعه خارجًا وقولهم: إن تصور العقل ماهية المستحيل متصفة بالوجود سواء اتصفت فى الواقع وصدق ذلك العلم أو لا وكذب ليس بمحال كيف وتصور الكواذب لا يستحيل مردود بأنه لا كلام لنا مع الغفلة عن الاستحالة بل المقصود أن المحال من حيث إنه معلوم الاستحالة لا يتصور وجوده واقعًا فى الخارج فإنه يرجع إلى تصوره موجودًا وغير موجود فإن الكلام فى الطلب الحقيقى.
قوله: (كان معارضة فى أصل الدعوى) هى أن المستحيل لا يصح طلبه للدليل الذى ذكره بقوله: لو صح التكليف بالمستحيل. . . إلخ.
قوله: (فحاصله. . . إلخ) هو قياس من الشكل الثانى.
قوله: (عدم الحصول فى الذهن) أى عدم حصول المستحيل خارجًا فى الذهن.
قوله: (وفيه نظر) لعل وجهه أن المستحيل له صورة على طريق التشبيه كما سيذكره المحشى ويحتمل أن يكون وجهه أن المستحيل له صورة وإن كانت كاذبة كما ذكرناه قبل.
قوله: (وجوابه أن المحكوم عليه. . . إلخ) يقال عليه إذا كفى فى الحكم بالامتناع تصور العنوان فليكف تصور العنوان فى الطلب إلا أن يقال: إن هناك فرقًا بينهما وهو أن الطلب لا بد فيه من تصور المطلوب كما طلب والمطلوب الإيقاع بخلاف الثانى.
قوله: (بل على ما له تلك الصورة) مبنى على نفى الوجود الذهنى بل الموجود
الشبح والمثال وقوله: ولو سلم. . . إلخ. مبنى على إثبات الوجود الذهنى على معنى أن الشئ موجود فى الذهن وإن اختلفت الآثار المترتبة على الوجود الخارجى وقوله: فيكفينا ويضركم حكاية عن لسان الخصم.
قوله: (أى الحكم بالامتناع ليس على ما فى الخارج) أى إنما كان الثبوت ذهنًا لا يكفيكم فى دعوى طلب المحال ولا يضرنا فى عدم طلبه، لأن الحكم ليس على الخارج حتى، يلزم تصوره فيصح طلبه وإنما الحكم على المتصور ثبوته ذهنًا وهو ليس بمستحيل.
قوله: (اطلعت على ابتناء بعض المغالطة على عدم الفرق بين المعنيين) وذلك أن قوله فإن قيل متصور ذهنًا لا يرد بعد قوله: لا يتصور وقوعه لأنه بمعنى ليس له حصول خارجى.
قوله: (قد جمع بين الطريقين) رد بأن النفى الذى اعتبر فى الطريقة الأولى هو نفى ما يماثل، والنفى فى الطريقة الثانية هو نفى أن يوجد مفهوم هو اجتماع السواد والبياض وأين أحدهما من الأخر.
قال: (المخالف لو لم يصح لم يقع لأن العاصى مأمور وقد علم اللَّه أنه لا يقع وأيضًا أخبر أنه لا يؤمن، كذلك من علم بموته ومن نسخ عنه قبل تمكنه، ولأن المكلف لا قدرة له إلا حال الفعل وهو حينئذ غير مكلف فقد كلف غير مستطيع ولأن الأفعال مخلوقة للَّه تعالى، ومن هذين نسب تكليف المحال إلى الأشعرى، وأجيب بأن ذلك لا يمنع تصوّر الوقوع لجوازه منه فهو غير محل النزاع وبأن ذلك يستلزم أن التكاليف كلها تكليف بالمستحيل وهو باطل بالإجماع، قالوا: كلف أبا جهل تصديق رسوله فى جميع ما جاء به، ومنه أنه لا يصدقه فقد كلفه بأن يصدقه فى أن لا يصدقه، وهو مستلزم أن لا يصدقه، والجواب: أنهم كلفوا بتصديقه وإخبار رسوله كإخبار نوح عليه السلام ولا يخرج الممكن عن الإمكان بخبر أو علم نعم لو كلفوا بعد علمهم لانتفت فائدة التكليف ومثله غير واقع).
أقول: للمخالفين وهم مجوزو تكليف المحال وجهان:
قالوا: أوّلًا: لو لم يصح تكليف المحال لم يقع وقد وقع لأن العاصى مأمور ويمتنع منه النفعل لأن اللَّه قد علم أنه لا يقع، وخلاف معلومه محال، وإلا لزم جهله، وأيضًا أخبر أنه لا يؤمن فى قوله:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6]، وخلاف خبره محال وإلا لزم كذبه وكذلك من علم بموته قبل تمكنه من الفعل المأمور به فإنه يمتنع منه الفعل وكذلك من نسخ عنه قبل تمكنه من الفعل فإنه يمتنع منه الفعل امتثالًا، ولأن المكلف لا قدرة له إلا حال الفعل، كما ثبت فى الكلام من مذهب الأشعرى وهو حينئذٍ غير مكلف، فإن التكليف قبل الفعل لإن استدعاء الفعل مقدم عليه إذ لا يتصور إلا فى المستقبل فهو حال التكليف غير مستطيع ولأن أفعال العباد مخلوقة للَّه تعالى على ما ثبت فى الكلام من مذهب الأشعرى ومن هذين الأصلين وهو قول الأشعرى إن القدرة مع الفعل وإن أفعال العباد مخلوقة للَّه نسب تكليف المحال إلى الأشعرى وإلا فهو لم يصرح به.
والجواب: وجهان:
أحدهما: أن ما ذكرتم لا يمنع تصور الوقوع لجواز وقوعه من المكلف فى الجملة، وإن امتنع لغيره من علم أو خبر أو غيرهما فهو غير محل النزاع.
ثانيهما: أنه يبطل المجمع عليه فيكون باطلًا بيانه أن ذلك يستدعى أن التكاليف
كلها تكليف بالمستحيل لوجوب وجود الفعل أو عدمه لوجوب تعلق العلم بأحدهما وأيًا كان تعين، وامتنع الآخر وللدليلين الأخيرين، وأما الموت والنسخ والإخبار فلا يعم وكون كل تكليف بالمستحيل باطلًا بالإجماع لأن من جوز التكليف بالمحال لم يقل بوقوعه، ومن قال بوقوعه لم يعمم.
قالوا: ثانيًا: لو لم يجز لم يقع وقد وقع فإنه كلف أبا جهل ونحوه بالإيمان وهو تصديق رسوله فى جميع ما جاء به، ومنه أن لا يصدقه فقد كلفه بأن يصدقه فى أنه لا يصدقه وهو محال لأن تصديقه فى أن لا يصدقه يستلزم أن لا يصدقه إذ يعلم تصديقه له ويلزم تكذيبه لأنه خلاف ما أخبر به.
والجواب: أنهم لم يكلفوا إلا بتصديقه وأنه ممكن فى نفسه متصوّر وقوعه إلا أنه مما علم اللَّه أنهم لا يصدقونه لعلمه بالعاصين وإخباره لرسوله كإخباره لنوح بقوله: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36]، لا أنه أخبرهم بذلك ولا يخرج الممكن عن الإمكان بعلم أو خبر، نعم لو كلفوا بالإيمان بعد علمهم بإخباره بأنهم لا يؤمنون لكان من قبيل ما علم المكلف امتناع وقوعه منه، ومثل ذلك غير واقع لأنه يوجب انتفاء فائدة التكليف وهو الابتلاء لاستحالته منهم لما ذكرتم فلذلك لو علموا لسقط منهم التكليف.
قوله: (وأيضًا أخبر) عطف على قوله: قد علم، وهذا دليل آخر على أن العاصى يمتنع منه الفعل وذلك فى الكفار خاصة، وقوله: وكذلك، أى: مثل العاصى من علم بموته ومن نسخ عنه الفعل، وقوله: لأن المكلف، عطف على قوله: لأن العاصى، وقوله: لوجوب تعلق العلم بأحدهما، أى: بوجود الفعل أو عدمه، فإن اللَّه تعالى يعلم قطعًا أنه يفعله فيتعين الفعل ويمتنع الترك أو لا يفعله فيتعين الترك ويمتنع الفعل فيكون التكليف إما بالممتنع فظاهر أنه تكليف بالمستحيل، وإما بالواجب فيكون تكليفًا بما ليس فى وسعه وهو المعنى بتكليف المحال على ما مر فى كون القدرة مع الفعل وكون أفعال العباد مخلوقة للَّه تعالى، لا يقال بل هو تكليف بالمستحيل الذى هو إيجاد ما يجب وجوده لأنا نقول إنما يكون مستحيلًا لو لم يكن وجوده بذلك الإيجاد، وقوله: وللدليلين الأخيرين يعنى أن كل ما يصدر عن المكلف لا قدرة له عليه إلا حال الفعل، والتكليف قبله
وكل فعل له فهو مخلوق اللَّه تعالى لا قدرة للعبد عليه، وأما الموت والنسخ والإخبار فلا يعم كل مكلف إذ ليس كل فعل مما علم اللَّه موت المكلف قبل التمكن منه أو أخبر بأنه لا يقع، أو نسخه عنه قبل تمكنه منه، فقوله فى المتن بأن ذلك لا يمنع تصور الوقوع إشارة إلى جميع ما سبق، وقوله: وبأن ذلك يستلزم إشارة إلى البعض، وهو الأول والأخيران.
قوله: (لأن من جوز) أى ليس كل من جوز التكليف بالمحال قال بوقوعه بل افترقوا فرقتين ومن قال بالوقوع لم يقل بأن كل تكليف تكليف بالمحال فوقع اتفاق الكل على عدم العموم.
قوله: (قالوا ثانيًا) فإن قيل قد بين فى الوجه الأول انتفاء اللازم بوجوه متعددة، وهذا أيضًا من وجوه بيان انتفاء اللازم فكيف جعل دليلًا على حدة دون الوجوه السابقة؟ قلنا: لأن دعوى المستدل أن هذا تكليف بما هو مستحيل فى نفسه لا بما يمتنع أو يجب وإن كان ممكنًا فى نفسه كما فى الأول وحاصل تقريرهم أن أبا جهل مكلف بأن يصدق الرسول فى جميع ما جاء به حتى فى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6]، فيكون مكلفًا بأن يصدقه فى أن لا يصدقه فى شئ مما أتى به من اللَّه تعالى، وهو محال فقيل: لأنه تكليف بالنقيضين لأن التصديق فى الإخبار بأنه لا يصدقه فى شئ يستلزم عدم تصديقه رسوله فى ذلك ضرورة أنه صدقه فى شئ والتكليف بالشئ تكليف بلوازمه ورد بالمنع لا سيما اللوازم العدمية، وقيل: لأنه تكليف بجمع النقيضين أى بالتصديق فى حال وجوب عدم التصديق بناء على إخبار اللَّه تعالى بأنه لا يصدق ويرد عليه أنه حينئذٍ يكون الوجه الأول، أعنى التكليف بما علم اللَّه انتفاءه أو أخبر بذلك على ما أشار إليه بقوله: وأيضًا أخبر أنه لا يؤمن فلذا عدل الشارح المحقق عن ذلك وبين أن تصديقه فى أن لا يصدقه محال لأنه يستلزم أن لا يصدقه وما يكون وجوده مستلزمًا لعدمه يكون محالًا، وجه الاستلزام أنه إذا صدقه فى هذا الإخبار امتثالًا للأمر بالتصديق فقد علم قطعًا أنه صدقه وجزم بذلك وهذا حكم بخلاف ما أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم من أنه لا يصدقه فى شئ أصلًا وهو معنى تكذيبه وإنما احتاج إلى قوله: إذ يعلم أى أبو جهل تصديقه للرسول لأن التكذيب هو الحكم بكذب المخبر فمجرد التصديق فى أنه لا يصدقه وإنما يستلزم كذب المخبر
لا تكذيبه لكن إذا علم ذلك وجزم بصدور هذا التصديق عنه كان حكمًا بكذب الرسول فى إخباره بأنه لا يصدقه ولزم تكذيبه لأن تصديقه للنبى صلى الله عليه وسلم خلاف ما أخبر به من أنه لا يصدقه فيكون الحكم به حكمًا بوقوع خلاف ما أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم وهو معنى التكذيب وأنت خبير بأن مجرد كون التصديق مستلزمًا لعدم التصديق كاف فى الاستحالة ولا حاجة إلى استلزامه التكذيب المفتقر بيانه إلى توسط العلم.
قوله: (والجواب) حاصله أن هذا أيضًا من قبيل التكليف بما علم اللَّه عدم وقوعه وأخبر بذلك وهو ليس من تكليف المحال فى شئ وذلك لأن أبا جهل وأمثاله لم يكلفوا إلا بتصديق النبى صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ولم يخاطبهم اللَّه ولم يخبرهم بأنهم لا يؤمنون حتى يلزم التكليف بأن يصدقوه فى عدم التصديق على التفصيل والتعيين ليلزم المحال بل إنما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بأنهم لا يؤمنون كما أخبر نوحًا وخاطبه صريحًا بأنه لا يؤمن من قومه إلا من قد آمن، ولما كان هذا المعنى وهو كون الإعلام للنبى صلى الله عليه وسلم لا للقوم فى إخبار نوح عليه السلام أظهر شبه به إخبار النبى صلى الله عليه وسلم، والشيخ العلامة قد تحير فى هذا المقام ولم يحم حول المرام.
قوله: (نعم لو كلفوا) هذا لا مدخل له فى الجواب وإنما هو زيادة تحقيق وتتميم له وحاصله أن الفعل إما واجب أو ممتنع بحسب العلم والإرادة ولا نزاع فى صحة التكليف وفى وقوعه وإذا انضم إلى ذلك الإخبار بأنه لا يقع فالتكليف بحاله إن لم يسمع المكلف ذلك الإخبار وإن سمعه فالتكليف به صحيح نظرًا إلى إمكانه فى نفسه لكنه غير واقع لعدم الفائدة من العزم أو الفعل والكفار مكلفون بالإيمان إجمالًا سواء ورد الإخبار بأنهم لا يؤمنون أم لم يرد وكذا إذا ورد ولم يسمعوه أو سمعوه ولم يصدقوا به أما لو صدقوا وعلموا أن الفعل يمتنع منهم البتة فيسقط التكليف بذلك بالاتفاق على ما سيجئ فى المسألة الأخيرة من مسائل المحكوم عليه ولا يلزم من هذا عدم تكليفهم بالإيمان على تقدير إسماعهم الآية الدالة على أنهم لا يؤمنون لأنهم لا يصدقونها ولا يحصل لهم العلم: بمضمونها وإلا لزم كذب الإخبار بأنهم لا يؤمنون.
المصنف: (لأن العاصى. . . إلخ) علة لمحذوف أى واللازم باطل فقد وقع لأن العاصى. . . إلخ. فقد وقع التكليف مع كون المكلف به ممتنعًا لتعلق علم اللَّه بعدم وقوعه.
المصنف: (ومثله غير واقع) أى وإن جاز.
الشارح: (يمتنع منه الفعل امتثالًا) قيد الامتناع هنا بالامتثال لتأتيه فى ذاته وإن كان الأمر به قد نسخ بخلاف ما قبله.
قال: (مسألة: حصول الشرط الشرعى ليس شرطًا فى التكليف قطعًا خلافًا لأصحاب الرأى وهى مفروضة فى تكليف الكفار بالفروع والظاهر الوقوع. لنا لو كان شرطًا تجب صلاة على محدث وجنب ولا قبل النية ولا اللَّه أكبر قبل النية ولا اللام قبل الهمزة، وذلك باطل قطعًا، قالوا: لو كلف بها لصحت منه، قلنا: غير محل النزاع. قالوا: لو صح لأمكن الامتثال، وفى الكفر لا يمكن وبعده سقط قلنا: يسلم ويفعل كالمحدث الوقوع ومن يفعل ذلك ولم يك من المصلين. قالوا: لو وقع لوجب القضاء. قلنا: القضاء بأمر جديد فليس بينه وبين وقوع التكليف ولا صحته ربط عقلى).
أقول: لا يشترط فى التكليف بالفعل حصول الشرط الشرعى لذلك الفعل بل يجوز التكليف بالفعل وإن لم يحصل شرطه شرعًا خلافًا لأصحاب الرأى وأبى حامد الإسفرايينى، والمسألة مفروضة فى بعض جزئيات محل النزاع، وهو تكليف الكفار بالفروع مع انتفاء شرطها وهو الإيمان حتى يعذب بالفروع كما يعذب بالإيمان أولًا، والأكثر على جوازه وهم يفعلون ذلك تقريبًا للفهم وتسهيلًا للمناظرة ولأنه إذا ثبت فيه ثبت فى الجميع لعدم القائل بالفصل لاتحاد المأخذ والنظر إما فى جوازه أو فى وقوعه، أما الجواز فقطعى، وأما الوقوع فالظاهر وقوعه لنا مقامان:
أحدهما: الجواز قطعًا ودليله أنه لو كان حصول شرط الفعل شرعًا شرطًا للتكليف به لم تجب صلاة على محدث وجنب لانتفاء شرطها وهو الطهارة ولم تجب الصلاة قبل النية لأنها شرطها وقد انتفت، ولا اللَّه أكبر قبل النية ولا اللام من اللَّه قبل الهمزة، لذلك وكل ذلك معلوم البطلان بالضرورة.
قالوا: أولًا: لو كلف الكافر بالفروع لصحت منه لأن الصحة موافقة الأمر واللازم منتف اتفاقًا.
الجواب: أنه غير محل النزاع إذ لا يريد أنه مأمور بفعله حالة كفره، نعم تصح منه بأن يؤمن ويفعل كالجنب والمحدث.
قالوا: ثانيًا: لو صح التكليف به لأمكن الامتثال وأنه لا يمكن أما الأولى: فلأن الإمكان شرط التكليف فلا ينفك عنه، وأما الثانية: فلأن الامتثال إما فى الكفر ولا يمكن منه وإما بعده ولا يمكن لسقوط الأمر عنه والامتثال فرعه.
الجواب: أنه فى الكفر ممكن بأن يسلم ويفعل كالحدث غايته أنه مع الكفر لا يمكن وذلك ضرورة بشرط المحمول لا ينافى الإمكان الذاتى كقيام زيد فى وقت عدم قيامه فإنه ممكن وإن امتنع بشرط عدم قيامه.
ثانيهما: الوقوع ظاهرًا ودليله قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68]، وهو للعقلاء، وقوله تعالى حكاية الكفار:{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 42، 43]، صرح بتعذيبهم بترك الصلاة ولا يحمل على المسلمين، كقوله عليه الصلاة والسلام:"نهيت عن قتل المصلين"، لأن قوله {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِين} [المدثر: 44]، ينفيه، قالوا: لو وقع التكليف بها لوجب القضاء ولا يجب اتفاقًا.
الجواب: منع الملازمة لأن القضاء، إنما يجب بأمر جديد وليس بينه وبين وقوع التكليف ولا صحته ربط عقلى، فلا يستلزمه أحدهما.
قوله: (حصول الشرط الشرعى) الشرط على ما اختاره المصنِّفُ ما يستلزم نفيه نفى أمر على غير جهة السببية وإن كان ذلك بحكم العقل فعقلى أو الشرع فشرعى أو اللغة فلغوى، والمراد شرط صحة الفعل كالإيمان للطاعات والطهارة وللصلاة لا شرط الوجوب ووجوب الأداء للاتفاق على أن حصول الأول شرط فى التكليف بوجوبه ووجوب أدائه، والثانى شرط فى التكليف بوجوب أدائه دون وجوبه وهذا فى الأوامر ظاهر دون النواهى إذ لا معنى لكون الإيمان شرطًا شرعيًا لترك الزنا أو لصحته.
قوله: (حتى يعذب بالفروع) أى يقع التعذيب بترك الواجبات وارتكاب المنهيات.
قوله: (وهم يفعلون ذلك) الظاهر أن المراد أن العلماء يفرضون المسائل الكلية فى بعض الصور الجزئية تقريبًا للفهم وتسهيلًا للمناظرة فلا يخفى أن قوله: والأكثر على جوازه لم يقع موقعه والحق أن المراد أولًا يقع التعذيب والكفار يفعلون الإخلال بالفروع ويكون قوله: تقريبًا متعلقًا بقوله: والمسألة مفروضة.
قوله: (لنا مقامان) هذا التقرير ليس على ما ينبغى لأن قولنا: لو كان شرطًا لم تجب صلاة على محدث دليل على الوقوع دون مجرد الجواز وقولهم لو كلف بها
لصحت نفى للوقوع دون الجواز فإن قيل فلا وجه حينئذٍ لقوله الوقوع ومن يفعل ذلك. . . إلخ، قلنا: إنه لم يفصل أصل المسألة إلى الجواز والوقوع وإنما فصل الصورة الجزئية التى هى تكليف الكفار بالفروع فسكت عن أدلة الجواز واشتغل بأدلة الوقوع فليتأمل والذى يلوح من أصول الحنفية أن نزاعهم ليس إلا فى تكليف الكفار بالفروع دون مثل وجوب الصلاة على المحدث.
قوله: (ولا اللام قبل الهمزة) فى كونه شرطًا شرعيًا بل شرطًا مناقشة لا تخفى.
قوله: (لو كلف بها لصحت) قد اختلفت كلمتهم فى تقرير هذه الشبهة وجوابها أن المراد بالصحة الصحة الشرعية أو العقلية فبين الشارح العلامة الملازمة بأن الفروع لو امتنعت لزم تكليف المحال وبطلان اللازم باستحالة صحة المشروط بدون صحة الشرط وبعضهم الملازمة بأن التكليف بالشئ مشروط بإمكان صدوره عنه فيقتضى صحة المكلف به إذا أتى به وبطلان اللازم بالإجماع والأقرب ما ذكره المحقق إلا أن فى بيان الملازمة قصورًا لأن الإتيان بالمكلف به لا يوجب أن يكون على وفق أمر الشارع لجواز فوت شىرط وتقرير الجواب فى المنتهى أنه محل النزاع وفسر بأن كون التكليف مستلزمًا لصحتها عين النزاع فإنا نجوّز التكليف بدون الصحة الشرعية وتقرير المتن أن ما ذكرتم إنما يدل على أنه ليس بمكلف بأن يفعله فى حال الكفر ولا نزاع فيه وإنما النزاع فى أنه هل هو فى حال الكفر مكلف بالإتيان بالفعل على وجهه بأن يحصل شرطًا ثم يأتى به وفى بعض الشروح أن المراد أن النزاع فى أنه هل يعاقب بعد الموت على ترك الفروع.
قوله: (إنه فى الكفر ممكن) يعنى أن امتثال الكافر حال كفره ممكن فى نفسه بأن يسلم ويصلى مثلًا وتحقيقه أن الكفر الذى لأجله امتناع الامتثال ليس بضرورى فكيف امتناع الامتثال التابع له، وحاصله أن الضرورة الوصفية لا تنافى الإمكان الذاتى، وفى تسميتها الضرورة بشرط المحمول نوع تسامح وكأنه شبه ثبوت الوصف العنوانى للذات بثبوت المحمول للموضوع وتقرير الشارحين أن المراد أن الامتثال ممكن بعد الكفر وإن امتنع بسبب إخبار الشارع بالسقوط ولا يخفى أن ما ذكره المحقق أوفق بعبارة المتن.
قوله: (ومن يفعل ذلك) إشارة إلى ما سبق من الشرك وقتل النفس والزنا، لأن جعله إشارة فى البعض كالشرك مثلًا عدول عن الظاهر وفيه دلالة على حرمة
الكل لأنه لا معنى لضم غير اخرام إلى الحرام فى استحقاق العذاب، وبالجملة لا بد أن يكون لكل من المذكورات مدخل فى استحقاق العذاب ولا نعنى بالحرام سوى هذا.
قوله: (صرح بتعذيبهم بترك الصلاة) لأن فى تقرير الحكاية وترك الإنكار تصديقًا منه لهم وإنما ترك الإنكار حيث يستقل العقل بمعرفته ولا يجوز أن يراد بالمصلين المسلمين لفوات المناسبة فى قوله: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 44]، عبارة عن الزكاة لأنه الإطعام الواجب، ولأنه إذا كان التعذيب على ترك الإسلام ولم تجب عليهم الزكاة عندكم فلم يصح التعذيب على تركها.
قوله: (فلا يسنلزمه) أى وجوب القضاء أحدهما أى لا وقوع التكليف ولا صحته.
المصنف: (ليس شرطًا فى التكليف) أى فى صحة التكيلف بالمشروط عقلًا وقوله: والظاهر الوقوع أى وقوع التكليف بالمشروط حال عدم الشرط.
المصنف: (لنا لو كان شرطًا تجب صلاة على المحدث) استدلال على جواز التكليف بالمشروط جوازًا عقليًا حال عدم الشرط، وحاصله لو كان حصول الشرط الشرعى شرطًا لصحة التكليف بالمشروط لا وقع التكليف بالمشروط حال عدمه وقد وقع فإن الصلاة تجب على المحدث، والوقوع فرع الجواز فليس حصول الشرط الشرعى شرطًا فى ضحة التكليف بالشروط.
المصنف: (قالوا لو كلف بها لصحت منه) دليل على عدم الجواز العقلى والمراد لو جاز التكليف بالمشروط حال عدم الشرط لكان لو وقع التكليف بالمشروط وأتى به المكلف يكون صحيحًا منه مع أنه لا يكون صحيحًا منه لو أتى به، فلا يجوز عقلًا التكليف بالمشروط حال عدم الشرط.
المصنف: (قالوا لو صح لأمكن الامتثال. . . إلخ) ظاهر فى أنه دليل على الجواز العقلى.
المصنف: (الوقوع. . . إلخ) بعد أن تكلم على الجواز عقلًا إثباتًا ونفيًا بما تقدم من الأدلة شرع يتكلم على الوقوع كذلك.
الشارح: (والمسألة مفروضة فى بعض جزئيات محل النزاع) رد ذلك صاحب التحرير بأن ذلك لا يحسن بعاقل، بل مسألة تكليف الكفار بفروع الشريعة هى تمام محل النزاع والخلاف فيها غير مبنى على أن حصول الشرط الشرعى ليس شرطًا للتكليف، خلافًا للحنيفة المستلزم عدم جواز التكليف بالصلاة حال الحدث بل الخلاف ابتدأ فى جواز التكليف بما شرط فى صحته الإيمان حال عدم الإيمان فمشايخ سمرقند: أن الكفار غير مخاطبين بما الإيمان شرط لصحته لخصوصية فيه وهى أنه أعظم العبادات فلا يجعل شرطًا تابعًا فى التكليف لما هو دونه بأن يكون واجبًا بإيجابه لا لجهة عمومه، وهى كونه شرطًا حتى يكون الخلاف جاريًا فى التكليف بالصلاة حال الحدث وما شاكله ومن سوى أهل سمرقند متفقون على تكليفهم بها وإنما اختلفوا فى أن التكليف فى حق الأداء والاعتقاد، أو فى الاعتقاد فقط فالعراقيون قالوا بالأول والبخاريون بالثانى، فيعاقبون على ترك الأداء والاعتقاد على الأول ويعاقبون على ترك الاعتقاد فقط على الثانى، وهذه المسألة لم يحفظ فيها نص عن أبى حنيفة وإنما أخذت من قول محمد فيمن نذر صوم شهر فارتد ثم أسلم لا يلزمه من المنذور شئ فعلم أن الكفر يبطل وجوب أداء العبادات. اهـ. المقصود منه.
قوله: (فإن كان ذلك بحكم العقل فعقلى) وحصوله شرط اتفاقًا كفهم الخطاب.
قوله: (أو اللغة فلغوى) كـ: إن دخلت المسجد فصل ركعتين وحصوله شرط اتفاقًا أيضًا، وأما الشرط العادى كغسل جزء من الرأس لغسل الوجه فحصوله ليس بشرط فى التكليف بالمشروط اتفاقًا.
قوله: (لا شرط الوجوب ووجوب الأداء) كحولان الحول فإنه شرط فى التكليف بها ووجود المستحقين بالبلد فإنه شرط فى وجوب الأداء.
قوله: (وهذا فى الأوامر ظاهر. . . إلخ) لا يرد هذا على الشارح لأن مراده بالفعل ما قابل الكف على أنه يصح أن يراد بالفعل ما يشمل الكف لأن الكف عن الحرام واجب وكل واجب شرطه الإيمان.
قوله: (والحق أن المراد. . . إلخ) أى وعلى كل حال لا موقع لقوله: والأكثر على جوازه.
قوله: (هذا التقرير ليس على ما ينبغى) قد علمت توجهه فيما كتب على المصنف.
قوله: (فسكت عن أدلة الجواز) أى فى الصورة الجزئية.
قوله: (وفى كونه شرطًا. . . إلخ) وجه المناقشة أن الترتيب بين الحروف فى الكلمات الموضوعة ليس شرطًا شرعيًا بل ليس شرطًا أصلًا، لأن الترتيب جزء اللفظ المخصوص فليس خارجًا عنه حتى يكون شرطًا إلا أن يقال: المراد بالشرط الشرعى هنا ما تتوقف الصحة عليه وإن لم يكن خارجًا عن المشروط وفيه بعد.
قوله: (بأن الفروع لو امتنعت لزم تكليف المحال) يفيد حمل الصحة فى قوله: لو كلف بها لصحت على الصحة العقلية والمعنى لأمكنت.
قوله: (وبعضهم الملازمة. . . إلخ) وإنما كان هذا غير مرضى مع أنه حمل الصحة على الصحة الشرعية، لأن إمكان المكلف به لا يترتب عليه الصحة إذا أتى به وقوله: لجواز فوات شرطه فيه أن منع الملازمة المذكور مبنى على أن الكفر ظرف للتكليف وهو يناقض الجواب الآتى من أن الإشكال مبنى على جعل الكفر ظرفًا للإتيان بالمكلف به وأنه غير محل النزاع.
قوله: (وبطلان اللازم) أى وبين بطلان اللازم وقوله: باستحالة صحة المشروط بدون الشرط المراد بالاستحالة عدم الإمكان عقلًا عند ملاحظة شرطية الشرط.
قوله: (وتقرير الجواب فى المنتهى أنه محل النزاع) أى تقرير الجواب عن الشبهة التى هى لو كلف بها لصحت أن كون التكليف مستلزمًا لصحتها عين محل النزاع فإنا نجوز التكليف بدون الصحة الشرعية كتكليف المحدث بالصلاة وتقرير المتن للجواب عنها أن ذلك غير محل النزاع فقد اختلف فى تقرير الجواب كما اختلف فى تقرير الشبهة.
قوله: (وحاصله أن الضرورة الوصفية) هى قولنا: الكافر يمتنع منه الامتثال بالضرورة.
قوله: (لأن فى تقرير الحكاية وترك الأفكار تصديقًا لهم) تعليل لأن اللَّه صرح بتعذيبهم مع كون ذلك مقولًا لهم ومحكيًا عنهم، وقوله: وإنما ترك الإنكار حيث يستقل العقل بمعرفته جواب عما يقال قد ترك الإنكار فى كثير من مقولهم المحكى عنهم فى الآيات، ولم يكن ذلك تصديقًا لهم لكونهم كاذبين فيه وحاصل الجواب
أن ترك الإنكار فى ذلك إنما هو لاستقلال العقل بمعرفته فمتى ترك الإنكار ولم يكن العقل مستقلًا فى معرفته كان ذلك تصديقًا لهم كما وقع فيما حكاه عنهم بقوله تعالى: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43].
قوله: (ولا يجوز أن يراد بالمصلين المسلمين) قيل من طرف الحنفية: أن سبب سلوكهم فى سقر هو كونهم كافرين وبينوا كفرهم بالكناية أى ذكر لوازمه وأماراته، والمعنى واللَّه أعلم: لِمَ تسألون عن سبب سلوكنا مع أنه لم يكن فينا علامة من علامات المسلمين من الصلاة والإطعام بل علامات الكفار من الخوض معهم وتكذيب يوم الدين وكذا أبلطلوا الاستدلال بآية {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6، 7]، بأن المراد لا يؤتون التطهير للقلوب وكذا الاستدلال بقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21]، بأن الناس على ثلاثة أنواع: الكافر المجاهر والكافر المنافق والمؤمن، وكذا العبادة ثلاثة أيضًا: الإقرار والإخلاص والعمل فالأول مأمور بالإقرار، والثانى بالإخلاص، والثالث بالعمل الفرعى.