الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(مسألة: مجهول الحال لا يقبل
وعن أبى حنيفة قبوله، لنا الأدلة تمنع من الظن، فخولف فى العدل فيبقى ما عداه، وأيضًا الفسق مانع فوجب تحقق ظن عدمه كالصبا والكفر، قالوا: الفسق سبب التثبت، فإذا انتفى انتفى، قلنا لا ينتفى إلا بالخبرة أو التزكية، قالوا: نحن نحكم بالظاهر، ورد بمنع الظاهر وبنحو:{وَلَا تَقْفُ} [الإسراء: 36]. قالوا: ظاهر الصدق كإخباره بالذكاة وطهارة الماء ونجاسته ورق جاريته. ورد بأن ذلك مقبول مع الفسق والرواية أعلى رتبة من ذلك).
أقول: مجهول الحال، وهو من لا تعلم عدالته لا تقبل روايته، وروى عن أبى حنيفة قبول روايته اكتفاءً بسلامته من الفسق ظاهرًا.
لنا الأدلة نحو: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [النجم: 28]، دلت على المنع من اتباع الظن فى المعلوم عدالته وفسقه والمجهول فخولف فى المعلوم عدالته بدليل هو الإجماع فيبقى فيما عداه معمولًا به فيمتنع اتباع الظن فيه ومنه صورة النزاع وهو المجهول، وأيضًا الفسق مانع بالاتفاق فيجب تحقق ظن عدمه كالصبا والكفر فإنا لا نقنع بظهور عدمهما ما لم يتحقق.
قالوا: أولًا: الفسق شرط وجوب التثبت، فإذا انتفى الفسق انتفى وجوب التثبت وههنا قد انتفى الفسق فلا يجب التثبت.
الجواب: لا نسلم أنه ههنا انتفى الفسق بل انتفى العلم به ولا يلزم من عدم العلم بالشئ عدمه، والمطلوب العلم بانتفائه ولا يحصل إلا بالخبرة به أو بتزكية خبير به له واعلم أن هذا مبنى على أن الأصل الفسق أو العدالة والظاهر أنه الفسق لأن العدالة طارئة ولأنه أكثر.
قالوا: ثانيًا: قال عليه السلام: نحن نحكم بالظاهر. وهذا ظاهر، إذ يوجب ظنًا ولذلك أسلم أعرابى فشهد بالهلال، فقبل.
الجواب: أما أوّلًا فبأنا لا نسلم أن هذا ظاهر بل يستوى فيه صدقه وكذبه ما لم يعلم عدالته، وأما قصة الأعرابى فلعله عليه الصلاة والسلام عرف عدالته لأن الإسلام يجب ما قبله ولم يحدث بعد ما ينقض العدالة وأما ثانيًا: فلأنه معارض بنحو: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [النجم: 28].
قالوا: ثالثًا: هو ظاهر الصدق فيقبل إخباره كإخباره بكون اللحم مذكاة وبكون الماء طاهرًا أو نجسًا، وبرق جاريته التى يبيعها إذ فى الكل لا يشترط العدالة ويكتفى
بظاهر صدقه.
والجواب: أولًا بأن ذلك ليس محل النزاع، إذ محل النزاع ما اشترط فيه عدم الفسق وذلك مقبول مع الفسق اتفاقًا، وثانيًا بأن الرواية أعلى مرتبة من هذه الأمور الجزئية لأنها تثبت شرعًا عامًا فلا يلزم من القبول فى ذلك القبول فى الرواية.
قوله: (فخولف) أى كل من الأدلة وكذا ضمير يبقى ومعمولًا به وضمير ما عداه لمعلوم العدالة وضمير فيه ومنه لما عداه وقد يعترض بأن الآيات مخصصة بما المطلوب فيه العلم من الأصول كما سبق الإجماع على وجوب اتباع الظن فى العمليات سواء حصل بخبر العدل أو غيره ويجاب بأنه لا ظن فى المجهول فلا جهة للتخصيص على أن قبول الرواية ليس من العمليات وإن كان يؤول إليها كسائر مسائل الأصول وفيه نظر.
قوله: (فإنا لا نقنع بظهور عدمهما) يعنى لا يكفى ظهور عدم الصبا والكفر فى قبول الرواية بل يجب تحقق ظن عدمهما وتوهم الشارح العلامة أن المراد تحقق ظن عدمهما فى الشهادة فاعترض بأن الاحتياط فى باب الشهادة آكد وههنا بحث وهو: أنا لا نفهم من ظهور عدمهما سوى ظنه فإذا تحقق ظهوره تحقق ظنه قطعًا وكأنه جعل الظهور دون الظن وهو بعيد.
قوله: (فلا يجب التثبت) هذا على قانون المعقول غير موجه لأن رفع الملزوم لا يوجب رفع اللازم إلا أنه إلزام على القائلين بمفهوم الشرط فيندفع ما ذكره العلامة من أن انتفاء السبب المعين لا يوجب انتفاء المسبب لجواز تعدد السبب إلا أنه يمكن تمشيته بما ذكره من أن تعدد السبب ههنا معلوم لأن الجهل بالعدالة والفسق أيضًا سبب التثبت.
قوله: (ولأنه) أى الفسق أكثر فهو أغلب على الظن وأرجح وهو معنى الأصل وهذا ظاهر لكن فى كون العدالة طارئة نظر بل الأصل أن الصبى إذا بلغ بلغ عدلًا حتى تصدر عنه معصية.
المصنف: (لنا الأدلة تمنع من الظن) أى قوله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [النجم: 28]، وقوله تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، ونحو ذلك
تمنع من الظن، ويرد عليه أنه قد مر منه الاعتراض على من استدل بهذه الآيات على منع العمل بخبر الواحد بأن ذلك استدلال بالظن على ما هو أصل لا يكفى فيه الظن فبين كلاميه تناف.
المصنف: (وأيضًا الفسق مانع) فوجب تحقق ظن عدمه اعترض بأن العلماء والعقلاء على أنه إذا تم المقتضى لا يتوقفون إلى أن يظنوا عدم المانع بل المدار على عدم الظهور المانع.
الشارح: (فخولف فى المعلوم عدالته) أى المظنون ذلك ظنًا قويًا.
الشارح: (الفسق شرط التثبت) أى لقوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتثبتوا) فإذا انتفى الفسق انتفى وجوب التثبت أى لأن ذلك هو معنى الشرط كما سيقرره المصنف، وأكثر استعمال "إن" فى غير السبب على أن الأصل عدم تعدد السبب ثم قول الشارح الفسق شرط بيان لمراد المصنف من قوله الفسق سبب.
قوله: (فلا جهة للتخصيص) أى لأنه لم يدخل وهذا الجواب غير ملاق لكلام المصنف والشارح.
قوله: (فاعترض بأن الاحتياط فى باب الشهادة آكد) أى فلا يلزم من وجوب تحقق ظن عدم الصبا والكفر فى الشهادة وجوب تحقق ظن عدم الفسق فى الرواية.
قوله: (وههنا بحث وهو أنا لا نفهم من ظهور عدمهما. . . إلخ) رد بأن المراد بظهور عدمهما ظهور عدم الدليل عليهما وهو غير ظن العدم.
قوله: (إلا أنه يمكن تمشيته) أى تمشية اعتراض العلامة بما ذكره من أن تعدد السبب معلوم، وفيه أنه أول النزاع فإن من قال بأن خبر المجهول يعمل به كيف يسلم أن الجهل أيضًا سبب للتثبت.
قوله: (لكن فى كون العدالة طارئة نظر. . . إلخ) رد بأن الرسوخ معتبر فى العدالة فلا يصير الصبى إذا بلغ عدلًا إلا إذا صارت التقوى ملكة له راسخة فيه غير أن ذلك يعكر على مسألة الأعرابى الذى قبلت شهادته عقب إسلامه.
قال: (الأكثر أن الجرح والتعديل يثبت بقول الواحد فى الرواية دون الشهادة وقيل لا فيهما وقيل نعم فيهما، الأول شرط فلا يزيد على مشروطه كغيره، قالوا شهادة فيتعدد، وأجيب بأنه خبر، قالوا: أحوط. أجيب: بأن الآخر أحوط، والثالث ظاهر).
أقول: الأكثر على أن الجرح والتعديل كليهما يثبت بقول العدل الواحد فى الرواية ولا يثبت به فى الشهادة بل يجب اثنان وقيل لا يثبت بالواحد بل يجب الاثنان فيهما جميعًا، وقيل يثبت بالواحد فيهما جميعًا، وهو قول القاضى، قال القائل الأول: التعديل شرط للرواية فلا يزيد على مشروطه أى لا يحتاط فيه إلا ما يحتاطه فى أصله، كغيره من الشروط وقد اكتفى فى أصل الرواية بواحد، وفى الشهادة باثنين فيكون تعديل كل واحد كأصله، واعلم أنه لا يتم مدعاه إلا بأن يبين أنه لا ينقص عن أصله حتى يثبت له أنه يجب فى الشهادة اثنان ولم يثبت كما فى تعديل شهود الزنا فإنه يكفى اثنان.
القائلون بالمذهب الثانى قالوا: أولًا: شهادة فيجب التعدد كسائر الشهادات، وأجيب بالمعارضة بأنه إخبار فيكفى الواحد كسائر الأخبار.
وقالوا: ثانيًا: اعتبار العدد أحوط، لأنه يبعد احتمال العمل بما ليس بحديث، وأجيب بأن الآخر وهو عدم اعتبار العدد أحوط لأنه يبعد احتمال عدم العمل بما هو حديث، وأما المذهب الثالث، فالكلام فيه سؤالًا وجوابًا ظاهر مما قلنا إذ يجعل المعارضة فى الثانى دليلًا، والدليل معارضة فيقال خبر فيكفى الواحد فيعارض بأنه شهادة فلا يكفى أو يقال أحوط فيعارض بأن الآخر أحوط.
قوله: (واعلم) يعنى أن عدم زيادة الشرط على مشروطه إنما تفيد عدم اشتراطه العدد فى تعديل الراوى أو جرحه ولا تفيد اشتراطه فى تعديل الشاهد أو جرحه فلا بد فى ثبوت تمام المدعى من ثبوت أن الشرط كما لا يزيد على مشروطه لا ينقص عنه وليس بثابت لأنه يشترط فى شهود الزنا كونهم أربعة ويكفى فى تعديلهم اثنان على أن عدم الزيادة أيضًا ليس بثابت إذ يكفى فى شهادة هلال رمضان واحد ويفتقر فى تعديله إلى اثنين، ويمكن الجواب بأن كلًا منهما ثابت فى باب الشهادة على الإطلاق وزيادة الأصل فى شهادة الزنا ونقصانه فى شهادة هلال
رمضان إنما يثبت بخصوص نص احتياطًا لدرء العقوبات وإيجاب العبادات.
قوله: (بالمذهب الثانى) وهو أنه لا يثبت بالواحد فيها جميعًا بل لا بد من العدد وما وقع فى نسخ الشارح من تقديم الثالث على الثانى كأنه من سهو القلم.
الشارح: (وهو عدم اعتبار العدد أحوط) هذه العارضة مدفوعة بأن شرع ما لم يشرع شر من ترك ما شرع.
قوله: (ويمكن الجواب بأن كلا منهما. . . إلخ) لم يرتض هذا الجواب صاحب التحرير.
قال: (مسألة: قال القاضى: يكفى الإطلاق فيهما وقيل لا فيهما، وقال الشافعى رضى اللَّه عنه فى التعديل وقيل بالعكس، وقال الإمام إن كان عالمًا كفى فيهما وإلا لم يكف، القاضى إن شهد بغير بصيرة لم يكن عدلًا وفى محل الخلاف مدلس، وأجيب بأنه قد يبنى على اعتقاده أو لا يعرف الخلاف النافى لو اكتفى لأثبت مع الشك للالتباس فيهما، أجيب بأنه لا شك مع أخبار العدل، الشافعى لو اكتفى فى الجرح لأدى إلى التقليد للاختلاف فيه العكس العدالة ملتبسة لكثرة التصنع بخلاف الجرح، الإمام غير العالم يوجب الشك).
أقول: قال القاضى أبو بكر: يكفى الإطلاق فى الجرح والتعديل ولا حاجة إلى ذكر السبب وقال قوم: لا يكفى الإطلاق فيهما بل يجب ذكر السبب، وقال الشافعية: يكفى فى التعديل دون الجرح وقيل بالعكس، أى يكفى فى الجرح دون التعديل، وقال الإمام: إن صدر عمن يعلم أسبابهما كفى الإطلاق فيهما، وإلا لم يكف فيهما، احتج القاضى بأنه إن شهد من غير بصيرة له بحالهما لم يكن عدلًا وهو خلاف المفروض، وأما ما يقال: إنه قد اختلف فى سبب الجرح فربما جرح بسبب لا نراه فنقول: مهما أطلق فى محل الخلاف كان مدلسًا، وذلك يقدح فى عدالته، وأجيب أوّلًا بأنه قد يبنى الجرح على اعتقاده فيما يراه جرحًا حقًا فلا يكون مدلسًا، وثانيًا بأنه ربما لا يعرف الخلاف ولا يخطر بباله أصلًا فلا تدليس احتج النافى وهو القائل لا يكفى الإطلاق فيهما بأنه لو اكتفى بالإطلاق لأثبت ما يثبت مع الشك فيه للالتباس فى أسباب الجرح والتعديل وكثرة الخلاف فيه واللازم ظاهر البطلان.
الجواب: أنا لا نسلم أنه يثبت مع الشك فإن قول العدل يوجب الظن فإنه لو لم يعرف لم يقل، احتج الشافعية على أنه يكفى فى التعديل خاصة بأنه لو اكتفى به فى الجرح لأدى إلى التقليد واللازم باطل أما الملازمة فللاختلاف فى أسباب الجرح فهو فى كون الحديث مردودًا مقلد للجارح للعمل بمجرد قوله فيما يراه جرحًا وربما لو ذكره لم يره المجتهد جرحًا وأنه بعض مقدمات اجتهاده ولن يكون مجتهدًا من يقلد فى بعض مقدمات اجتهاده فيكون مقلدًا إذ لا واسطة وأما بطلان اللازم فلأن الاجتهاد هو المقصود من الرواية وكلامنا فى المجتهد القائل بالعكس، قال: العدالة تلتبس على الناس لكثرة التصنع فيها بخلاف الجرح الإمام قال: لو
أثبتنا أحدهما بقول غير العالم بأسبابهما لأثبتنا مع الشك بخلاف العالم فقد عرفت المآخذ والمسألة اجتهادية.
قوله: (وأما ما يقال) إشارة إلى أن قوله: وفى محل الخلاف مدلس دفع لما يجاب به عن تمسك القاضى ثم الظاهر أن قوله: وأجيب جواب التمسك لكن تصريح الشارح فى آخر كل من الوجهين بنفى التدليس ربما يشعر بأنه دفع لهذا الدفع ليبقى الجواب المذكور سالمًا وقد يعترض على الثانى بأن عدم معرفة الخلاف تنافى البصيرة بحالى الجرح والتعديل لأن من تمام البصيرة معرفة أسبابهما على ما فيهما من الاتفاق والاختلاف.
قوله: (لأدى إلى التقليد) يريد أن الاكتفاء بالإطلاق فى التعدى لا يؤدى إلى التقليد لعدم الاختلاف فى أسباب التعديل على ما قال الآمدى إنه قال الشافعى: لا بد من ذكر سبب الجرح لاختلاف الناس فيما يجرح بخلاف العدالة فإن سببها واحد لا اختلاف فيه لكن لا يخفى أن اجتناب أسباب الجرح أسباب للعدالة والاختلاف فيها اختلاف فيها والأقرب ما ذكره الإمام فى البرهان والغزالى فى المستصفى أن أسباب التعديل لكثرتها لا تضبط فلا يمكن ذكرها فلهذا يكتفى فيه بالإطلاق والتحقيق أن العدالة بمنزلة وجود مجموع يفتقر إلى اجتماع أجزاء وشرائط يتعذر ضبطها أو يتعسر والجرح بمنزلة عدم له يكفى فيه انتفاء شئ من الأجزاء والشروط فيذكر.
قوله: (فقد عرفت المآخذ) أى مآخذ الأقوال والمسألة اجتهادية يكتفى فيها بالظن فعليك بالترجيح واختيار ما هو أغلب على الظن.
المصنف: (وقال الإمام إن كان عالمًا. . . إلخ) ظاهر هذا أن القاضى يكتفى بالإطلاق فيهما مطلقًا من غير شرط كون العدل والمجرح عالمًا، والمعروف عنه أنه لا يجب ذكر سبب الجرح والتعديل إذا كان كل من الجارح والمعدل بصيرًا بذلك كما مشى عليه الغزالى فى المستصفى، ودليل القاضى الذى ذكره المصنف يفيد أنه لا بد أن يكون المعدل والمجرح ذا بصيرة فالأقوال فى الحقيقة أربعة كلها على تقدير العلم.
المصنف: (لأثبت مع الشك للالتباس فيهما) أى لا يثبت الجرح أو العدالة مع الشك لأن إِطلاق التعديل أو التجريح يجوز أن يكون عن أمر هو سبب لذلك وأن يكون عن أمر ليس سببًا لكنه يظنه سببًا للاختلاف فى ذلك.
الشارح: (فنقول مهما أطلق فى محل الخلاف كان مدلسًا) هذا تخصيص لدعوى القاضى أنه يكفى الإِطلاق فيهما بأن محله فى غير صورة الخلاف أى فيما إِذا كان المعدل والمجرح معدلًا ومجرحًا باتفاق أما إِن كان معدلًا عند قوم ومجرحًا عند آخرين فلا بد من ذكر السبب وهو خلاف المنقول عن مذهب القاضى.
الشارح: (ربما لا يعرف الخلاف ولا يخطر بباله) الأولى أو لا يخطر بباله ليكون سببًا آخر ثم إِن ما ذكر فى هذه المسألة مبنى على أنه يجب فى الشهادة والرواية أن يكون الشاهد والراوى عدلًا فى مذهب الحاكم والمجتهد ولا يكفى عدالته فى مذهبه المخالف لمذهب الحاكم والمجتهد مع أن المقصود أن يكون الشاهد والراوى ثقة يحصل الظن بخبره ولا يفهم منه قلة المبالاة بالدين والكذب حرام فى جميع المذاهب.
قوله: (أى تمسك القاضى) هو أنه إِن شهد بغير بصيرة لم يكن عدلا والمفروض عدالته.
قوله: (جواب التمسك) أى جواب عن تمسك القاضى بأنه إِن شهد بغير بصيرة لم يكن عدلًا، وحاصل الجواب أنه قد يبنى على اعتقاده فيما يراه حقًا فعدم بصيرته لا تنافى عدالته.
قوله: (وقد يعترض على الثانى. . . إلخ) يجاب بأن عدمه عدم معرفته الاتفاق والاختلاف فى أسباب الجرح لا ينافى بصيرته وإن نافى كمال البصيرة، والقاضى إِنما اشترط البصيرة.
قال: (مسألة: الجرح مقدم وقيل الترجيح لنا أنه جمع بينهما فوجب أما عند إثبات معين ونفيه باليقين فالترجيح).
أقول: إذا تعارض الجرح والتعديل فالجرح مقدم على التعديل وقيل بل التعديل مقدم، لنا أن تقدم الجرح جمع للجرح والتعديل فإن غايته قول المعدل إنه لم يعلم فسقًا ولم يظنه فظن عدالته، إذ العلم بالعدم لا يتصور والجارح يقول: أنا علمت فسقه فلو حكمنا بعدم فسقه كان الجارح كاذبًا، ولو حكمنا بفسقه كانا صادقين فيما أخبرا به، والجمع أولى ما أمكن لأن تكذيب العدل خلاف الظاهر، هذا إذا أطلقا وأما إذا عين الجارح السبب ونفاه المعدّل بطريق يقينى مثل أن يقول الجارح هو قتل فلانًا يوم كذا، وقال المعدل هو حى وأنا رأيته بعد ذلك اليوم، فيقع بينهما التعارض لعدم إمكان الجمع المذكور وحينئذٍ يصار إلى الترجيح.
قوله: (وقيل بل التعديل مقدم) المذكور فى نسخ المتن وقيل الترجيح أى الحكم هو أن يرجح أحدهما بمرجح فيقدم ومن ههنا، اضطرب كلام الشارحين فى تقرير الدليل ومرجع الضمير فى "بينهما" فذهب العلامة إلى أن المعنى أن الجارح جمع بين إثبات شئ يقينًا مع عدم نفى المعدل إياه يقينًا.
أما الأول فلأن الظاهر من حال العدل أن لا يجرح إلا عن يقين.
وأما الثانى فلأن الكلام فى الصور الثلاث التى لم يعين الجارح سبب الجرح أو عين ولم ينفه المعدل أو نفاه بطريق غير يقين إذ لا خلاف فى أنه إذا عين السبب ونفاه المعدّل يتعين أن التقديم لا يكون إلا بالترجيح ثم قال: وله محمل آخر يتعين فيه مرجع ضمير "بينهما" وهو أن يريد أن تقديم الجرح فى الصور الثلاث جمع بين تقديم الجرح والعمل بالترجيح لأن الجرح راجح فى الصور الثلاث لأن الجارح اطلع على ما لم يعرفه المعدل أو عرفه ولم ينفه أصلًا أو نفاه لا بيقين وتقرير المحقق واضح لا غبار عليه وكأنه تحقق ما وقع فى بعض الشروح أن العمل بالجرح لا ينفى مقتضى التعديل فى غير صورة التعيين فيكون جمعًا بينهما فكان أولى بخلاف ما إذا عين ونفى بيقين فإنه لا بد من الترجيح لكن قوله: هذا إذا أطلق ليس على ما ينبغى إذ لا يتناول ما إذا عين الجارح السبب ولم يمنعه المعدل أو نفاه لا بيقين.
الشارح: (وقيل بل التعديل مقدم) قيل: إن هذا لم يذكره الآمدى ولا الإمام وغيرهما مع مخالفته لما هو شرح له إذ الذى فى المتن: وقيل بل الترجيح وحينئذ فيحمل قول الشارح: وقيل بل التعديل مقدم على أنه مقدم فى الجملة وهو إذا رجح على الجرح ويفهم منه أنه إذا رجح الجرح يكون هو المقدم فيوافق المتن وهو تكلف ظاهر.
قوله: (من ههنا اضطرب كلام الشارحين) أى من أن فى نسخ المتن: وقيل الترجيح اضطرب كلام الشارحين. . . إلخ. أما لو كان الذى فى نسخ المتن: وقيل التعديل لكان تقرير الدليل ومرجع الضمير فى قوله: جمع بينهما واضحًا كما قرره الشارح.
قال: (مسألة: حكم الحاكم المشترط العدالة بالشهادة تعديل باتفاق وعمل العالم مثله ورواية العدل ثالثها، المختار تعديل إن كان عادته أنه لا يروى إلا عن عدل وليس من الجرح ترك العمل فى شهادة ولا رواية لجواز معارض ولا الحد فى شهادة الزنا لعدم النصاب ولا بمسائل الاجتهاد ونحوها مما تقدَّم ولا بالتدليس على الأصح كقول من لحق الزهرى قال الزهرى موهمًا أنه سمعه، ومثل وراء النهر يعنى غير جيحان).
أقول: هذه طرق التعديل فمنها حكم الحاكم بمقتضى شهادة أحد فإن كان الحاكم العدل لا يرى العدالة شرطًا فى قبول الشهادة لم يكن تعديلًا وإن كان يراه شرطًا فهو تعديل اتفاقًا وكذا إذا عمل العالم الذى يرى العدالة شرطًا فى قبول الرواية بروايته وإنما الخلاف فى رواية العدل عنه هل هو تعديل أم لا؟ فيه مذاهب:
أولها: تعديل إذ الظاهر أنه لا يروى إلا عن عدل.
ثانيها: ليس بتعديل إذ كثيرًا نرى من يروى ولا يفكر ممن يروى.
وثالثها: وهو المختار أنه إن علم من عادته أنه لا يروى إلا عن عدل فهو تعديل وإلا فلا، وأما ترك العمل بشهادته أو بروايته فليس جرحًا له لجواز أن تدلا وتقبلا ولا يرتب عليهما أثر ما لمعارض كرواية أو شهادة أخرى أو فقد شرط آخر غير العدالة، وكذلك الحد فى شهادة الزنا لعدم تمام النصاب ليس بجرح لأنه لا يدل على فسق وكذلك الحد على المسائل الاجتهادية كشرب النبيذ إذا كان مذهبه ليس جرحًا، وكذلك أمثالها من خلاف البسملة ومسائل الأصول مما تقدَّم فى الإجماع وكذلك التدليس من المعاريض ليس بجرح على الأصح وذلك كقول من لحق الزهرى: قال الزهرى كذا موهمًا أنه سمعه منه، ومثل حدَّثنا فلان بما وراء النهر موهمًا أنه يريد بالنهر جيحان، وإنما يريد به غيره لأن قصده لذلك غير واضح.
قوله: (وكذلك الحد على المسائل الاجتهادية) عبارة الآمدى وليس من الجرح ترك العمل بروايته والحكم بشهادته ولا الشهادة بالزنا وكل ما يوجب الحد على المشهود عليه إذا لم يكمل نصاب الشهادة ولا بما يسوغ فيه الاجتهاد ولا بالتدليس وأراد المصنِّفُ الحد فى شهادة الزنا فقال ولا الحد فى شهادة الزنا لعدم النصاب ولا المسائل الاجتهادية ونحوهما مما تقدَّم ولا بالتدليس ولما كان الكلام فى طرق الجرح
والتعديل من تصريح المزكى بذلك وعدم تصريحه لا فى موجبات قبول الرواية وعدم قبولها من أوصاف فى الراوى اعتبر الشارح العلامة الحد فى المسائل الاجتهادية والشهادة فى التدليس على معنى ولا الحد بمزاولة المسائل الاجتهادية كشرب النبيذ إذا كان مذهب المباشر ولا الشهادة بتدليس الراوى إذ لا معنى لاعتبار الحد فيه على ما هو مقتضى ظاهر الكلام وجوز أن يكون المعتبر فيهما جميعًا هو الشهادة على ما هو ظاهر كلام الآمدى وبعضهم لم يلتفت إلى وضع المسألة ولا إلى جانب اللفظ فجعل المعنى أن ليس من الجرح ترك الراوى العمل بالمسائل الاجتهادية ولا بتدليسه فى روايته ولم يبينوا المراد بنحوها وحمله الشارع المحقق على ما تقدَّم فى الإجماع من خلاف البسملة وبعض مسائل الأصول كزيادة الصفات وقدر الحد فى المسائل الاجتهادية على ما هو الظاهر وأبهم الأمر فى التدليس ومسائل الأصول على ما هو دأبه لأن اعتبار الحد فيهما ظاهر الفساد وعدم اعتباره مع ظهور عطفهما على مسائل الاجتهاد خارج عن من الاستقامة وقول الآمدى: ولا الشهادة بالزنا لأنه لم يأت بصريح القذف وإنما جاء ذلك مجئ الشهادة ولا بالتدليس لأنه ليس بكذب وإنما هو من المعاريض المغنية عن الكذب ربما يشعر بأن مراده أنه لا يحصل جرح الراوى وعدم قبول روايته بشهادته فى الزنا من غير نصاب ولا بارتكابه المحرمات التى هى محل اجتهاد ولا بتدليسه فى روايته.
قوله: (لحق الزهرى) أى لم يعاصره لكن روى عمن لقيه أو عاصره ورواه لكن سمعه بواسطة، كذا ذكره العلامة.
قوله: (جيحان) نهر بالشام وما ذكر ظاهر فى: سمعت فلانًا وراء النهر على ما فى المتون والشروح وأما فى: سمعت فلانًا بما وراء النهر على ما فى هذا الشارح فالظاهر منه بلاد ما وراء النهر والنهر جيحون.
قوله: (فجعل المعنى أن ليس من الجرح ترك الراوى العمل. . . إلخ) أى أن ترك العمل المذكور ليس من أسباب الجرح ولا يكون الراوى به مجروحًا.
قوله: (أى لم يعاصره لكن روى عمن لقيه) هذا لا يصلح تفسيرًا للحوق إذ معناه أنه عاصره، فالأحسن أن يقول: أى عاصره ولكن لم يسمع منه فإن كان معنى لحقه أتى بعده صح تفسيره بقوله: أى لم يعاصره ويكون قوله: وكذا لو عاصره إشارة إلى مسألة أخرى.
قال: (مسألة: الأكثر على عدالة الصحابة، وقيل كغيرهم وقيل إلى حين الفتن، فلا يقبل الداخلون لأن الفاسق غير معين، وقالت المعتزلة عدول إلا من قاتل عليًا. لنا {وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح: 29]، "أصحابى كالنجوم" وما تحقق بالتواتر عنهم من الجد فى الامتثال، وأما الفتن فتحمل على اجتهادهم ولا إشكال بعد ذلك على قول المصوّبة وغيرهم).
أقول: أكثر الناس على أن الصحابة كلهم عدول وقيل هم كغيرهم فيهم العدل وغير العدل فيحتاج إلى التعديل، وقيل هم كغيرهم إلى حين ظهور الفتن أعنى بين على ومعاوية وأما بعدها فلا يقبل الداخلون فيها مطلقًا، أى من الطرفين وذلك لأن الفاسق من الفريقين غير معين فكلاهما مجهول العدالة فلا يقبل، وأما الخارجون عنها فكغيرهم وقالت المعتزلة: هم عدول إلا من علم أنه قاتل عليًا فإنه مردود، لنا ما يدل على عدالتهم من الآيات نحو قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]، أى عدولًا، وقوله:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، وقوله:{وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، ومن الحديث نحو قوله:"أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"، وقوله:"خير القرون قرنى ثم من بعدهم الأقرب فالأقرب"، وقوله فى حقهم:"لو أنفق أحد ملء الأرض ذهبًا لما نال مد أحدهم"، ولنا أيضًا ما تحقق عنهم بالتواتر من الجد فى امتثالهم الأوامر والنواهى وبذلهم الأموال والأنفس، وذلك ينافى عدم العدالة، وأما ما ذكروه من الفتن فيحمل على الاجتهاد أى اجتهدوا فيها فأدى اجتهاد كل إلى ما ارتكبه وحينئذٍ فلا إشكال سواء قلنا كل مجتهد مصيب، وهو ظاهر أو قلنا المصيب واحد لوجوب العمل بالاجتهاد اتفاقًا ولا تفسيق بواجب.
قوله: (حين ظهور الفتن) جمهور الشارحين على أنه آخر عهد عثمان رضى اللَّه عنه، وفسره المحقق بما بين على رضى اللَّه عنه ومعاوية إما ميلًا إلى تفسيق قتلة عثمان بلا خلاف وإما توقفًا فيه على ما اشتهر من السلف فى أن أول من بغى فى الإسلام معاوية.
قوله: (ثم من بعدهم الأقرب فالأقرب) كأنه نقل بالمعنى وإلا فالرواية: "ثم
الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، وأما التوفيق بين هذا الحديث وبين قوله: "مثل أمتى مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره"، فقد ذكرناه فى شرح التنقيح.
الشارح: (وقيل: هم إلى حين ظهور الفتن) شرح لقول المصنف: وقيل إلى حين الفتن وشرحه بعض بأن المعنى: وقيل عدول إلى ظهور الفتن واعترض الكمال ما قاله العضد بأنه إن أراد أنه لا يبحث عن العدالة عند الدخول فى الفتن صار المعنى أنه يبحث عنها مطلقًا وهو المذهب الثانى وإن أراد أنه لا يبحث عن العدالة فى الداخلين ولا يقبلون بوجه فلم يقل به أحد.
الشارح: (وكذلك جعلناكم أمة وسطًا) أى عدولا وقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، مبنى على أن الخطاب للصحابة لا لجميع الأمة.
الشارح: (وقوله: والذين معه. . . إلخ) مبنى على أن معنى الذين معه أصحابه جميعًا.
الشارح: (وقوله: "أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم") مبنى على أن الخطاب فى: اقتديتم واهتديتم لمن بعد الصحابة، أما على أنه خطاب لبعض الصحابة الذين لم يبلغوا درجة الاجتهاد بأن يقتدوا بالخلفاء الأربعة ومن على شاكلتهم فلا يفيد أن الصحابة كلهم عدول.
قوله: (إما ميلًا إلى تفسيق قتلة عثمان. . . إلخ) قال الأبهرى إنما قال العضد: بين على ومعاوية وإن كان هو ممن يقول بعدم قبول الداخل فى فتنة عثمان أيضًا تنبيهًا على أن الفتنة بينهما كانت بسبب قتل عثمان.