المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(مباحث السنة) قال: (مسألة: الأكثر على أنه لا يمتنع عقلًا على - شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني - جـ ٢

[عضد الدين الإيجي]

فهرس الكتاب

- ‌ ابتداء الوضع

- ‌(مسألة: الواجب على الكفاية

- ‌(مسألة: الأمر بواحد من أشياء

- ‌(مسألة: من أخر مع ظن الموت قبل الفعل

- ‌(مسألة: ما لا يتم الواجب إلا به

- ‌(مسائل الحرام)

- ‌(مسائل المندوب)

- ‌(مسائل المكروه)

- ‌(مسائل المباح)

- ‌(خطاب الوضع)

- ‌(المحكوم فيه)

- ‌(مسألة: لا تكليف إلا بفعل

- ‌(المحكوم عليه)

- ‌(مسألة: يصح التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه

- ‌(مباحث الأدلة الشرعية)

- ‌(مباحث الكتاب)

- ‌(مسألة: العمل بالشاذ غير جائز

- ‌(مباحث السنة)

- ‌(مسألة: إذا علم بفعل ولم ينكره

- ‌(مباحث الإجماع)

- ‌(مسألة: لا يختص الإجماع بالصحابة

- ‌(مسألة: التابعى المجتهد معتبر

- ‌(مسألة: إجماع أهل المدينة من الصحابة والتابعين حجة

- ‌(مسألة: الإجماع لا يكون إلا عن مستند

- ‌(مسألة: المختار امتناع ارتداد كل الأمة

- ‌(مسألة: يجب العمل بالإجماع المنقول بخبر الآحاد

- ‌(مباحث الخبر)

- ‌(مباحث خبر الواحد)

- ‌(مسألة: التعبد بخبر الواحد العدل جائز

- ‌(مسألة: مجهول الحال لا يقبل

- ‌(مسألة: الصحابى من رأى النبى عليه الصلاة والسلام

- ‌(مسألة: الأكثر على جواز نقل الحديث بالمعنى

- ‌(مسألة: إذا كذب الأصل الفرع

- ‌(مسألة: حذف بعض الخبر جائز

- ‌(مباحث الأمر)

- ‌(مسألة: صيغة الأمر بمجردها لا تدل على تكرار

- ‌(مسألة اختيار الإمام والغزالى رحمهما اللَّه أن الأمر بشئ معين

- ‌(مسألة: صيغة الأمر بعد الحظر للإباحة

- ‌(مسألة: إذا أمر بفعل مطلق فالمطلوب الفعل

- ‌(مباحث النهى)

- ‌(مسألة: النهى عن الشئ لعينه يدل على الفساد شرعًا

- ‌(مباحث العام والخاص)

- ‌(مسألة: العموم من عوارض الألفاظ

- ‌(مسألة: الجمع المنكر ليس بعام

- ‌(مسألة: المشترك يصح إطلاقه على معنييه مجازًا

- ‌(مسألة: خطابه لواحد لا يعم

- ‌(مسألة: جمع المذكر السالم

الفصل: ‌ ‌(مباحث السنة) قال: (مسألة: الأكثر على أنه لا يمتنع عقلًا على

(مباحث السنة)

قال: (مسألة: الأكثر على أنه لا يمتنع عقلًا على الأنبياء معصية وخالف الروافض وخالف المعتزلة إلا فى الصغائر ومعتمدهم التقبيح العقلى والإجماع على عصمتهم بعد الرسالة من تعمد الكذب فى الأحكام لدلالة المعجزة على الصدق وجوزه القاضى غلطًا، وقال: دلت على الصدق اعتقادًا وأما غيره من المعاصى فالإجماع على عصمتهم من الكبائر والصغائر الخسيسة والأكثر على جواز غيرهما).

أقول: قد فرغ من أبحاث الكتاب، وهذه أبحاث السنة، والسنة لغة: الطريقة، والعادة، واصطلاحًا فى العبادات: النافلة، وفى الأدلة -وهو المراد-: ما صدر عن الرسول غير القرآن من فعل أو قول أو تقرير، ثم الأكثر من المحققين على أنه لا يمتنع عقلًا على الأنبياء قبل الرسالة ذنب من كبيرة أو صغيرة وخالف الروافض فى ذلك فمنعوا جواز الذنب مطلقًا وخالف المعتزلة فمنعوا جواز الذنب إلا فى الصغائر فإنهم لم يخالفونا فيها فجوزوها كما جوزنا، ومعتمد الفريقين فى ذلك أن فيه هضمًا واحتقارًا فتنفر الطبائع عن اتباعهم فيخل بالحكمة من بعثتهم، وذلك قبيح عقلًا، وقد عرفت بطلان قاعدة التقبيح العقلى، وأما بعد الرسالة فالإجماع على عصمتهم من تعمد الكذب فى الأحكام لدلالة المعجزة على صدقهم، وأما الكذب غلطًا فجوزه القاضى ومنعه الباقون لما مر من دلالة المعجزة على الصدق فمنع القاضى دلالته على الصدق مطلقًا بل على الصدق اعتقادًا، فجاز الكذب غلطًا، وأما غير الكذب من الذنوب فإن كانت من الكبائر أو من الصغائر الخسيسة كسرقة حبة مما ينفر فالإجماع على عصمتهم منها وإن كان من غيرها فالأكثر على جوازه ومنعه الأقل وتقريره فى الكلام.

المصنف: (لدلالة المعجزة على الصدق) فلو جاز الخلف لكان نقضًا لدلالة المعجزة وهو ممتنع.

المصنف: (فالإجماع على عصمتهم من الكبائر والصغائر الخسيسة) أى يمنع ذلك منهم بالسمع لا بالعقل؛ لأن العصمة فيما وراء التبليغ غير واجبة عقلا إذ لا دلالة للمعجزة عليه فامتناع الكبائر عنهم مستفاد من السمع وإجماع الأئمة قبل ظهور المخالفين فى ذلك.

ص: 290

قال: (مسألة: فعله صلى الله عليه وسلم ما وضح فيه أمر الجبلة كالقيام والقعود والأكل والشرب أو تخصيصه كالضحى والوتر والتهجد والمشاورة والتخيير والوصال والزيادة على أربع فواضح، وما سواهما إن وضح أنه بيان بقول أو قرينة مثل: "صلوا"، و"خذوا" وكالقطع من الكوع، والغسل إلى المرافق اعتبر اتفاقًا وما سواه إن علمت صفته فأمته مثله، وقيل فى العبادات وقيل كما لم تعلم، وإن لم تعلم، فالوجوب والندب والإباحة، والوقف والمختار إن ظهر قصد القربة فندب وإلا فمباح. لنا القطع بأن الصحابة رضى اللَّه عنهم أجمعين كانوا يرجعون إلى فعله عليه الصلاة والسلام المعلوم صفته، وقوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى} [الأحزاب: 37] الآية، وإذا لم تعلم وظهر قصد القربة ثبت الرجحان فيلزم الوقوف عنده والزيادة لم تثبت وإذا لم يظهر فالجواز والوجوب والندب زيادة لم تثبت وأيضًا لما نفى الحرج بعد قوله: {زَوَجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37]، فهمت الإباحة مع احتمال الوجوب والندب).

أقول: فعله عليه الصلاة والسلام إن وضح فيه أمر الجبلة كالقيام والقعود والأكل والشرب فواضح أنه مباح له ولأمته فلا خلاف فيه وإن ثبت تخصيصه به كوجوب الضحى والأضحى والوتر والمشاورة وتخيير نسائه فيه، وإباحة الوصال فى الصوم، والزيادة على أربع نسوة، فواضح أيضًا أنه لا يشاركه فيه الأمة فلا خلاف فيه، وأما سواهما فإن عرف أنه بيان لنص علم جهته من الوجوب والندب والإباحة اعتبر على جهة المبين من كونه خاصًا وعامًا اتفاقًا، ومعرفة كونه بيانًا إما بقول وإما بقرينة فالقول نحو:"خذوا عنى مناسككم"، "وصلوا كما رأيتمونى أصلى" والقرينة مثل أن يقع الفعل بعد إجمال كقطع يد السارق من الكوع دون المرفق والعضد بعدما نزل قوله:{وَالسُّارِقُ وَالسَّارِقَة فَاقْطَعُوا أَيْديَهُمَا} [المائدة: 38]، والغسل إلى المرافق بإدخال المرافق أو إخراجها بعدما نزلت:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]، وأما ما سواه أى ما لا يعرف أنه بيان فإن علمت صفته من الوجوب والندب والإباحة فأمته مثله فى ذلك، وقال أبو على بن خلاد: أمته مثله فى العبادات خاصة دون غيرها، وقيل: هو كما لم تعلم جهته، وها هو نذكر حكمه، فنقول: وإن لم تعلم جهته بالنسبة إليه فبالنسبة إلى الأمة فيه أربعة مذاهب: الوجوب، والندب، والإباحة، والوقف، ومذهب خامس، وهو المختار عند المصنِّف وهو التفصيل بأنه إن ظهر قصد القربة فالندب وإلا فالإباحة،

ص: 291

فهنا مقامان: أن ما علم جهته فأمته فيه مثله، وأن ما لم تعلم جهته فإن ظهر قصد القربة فالندب وإلا فهو الإباحة.

لنا فى المقام الأول: القطع بأن الصحابة كانوا يرجعون إلى فعله المعلوم صفته، وذلك يقتضى علمهم بالتشريك عادة، وأيضًا فقوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللُّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] تحقيقًا لمعنى التأسى، وهو فعل مثل كما فعل على الوجه الذى فعل وأيضًا فقوله تعالى:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ منْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَىْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب: 37]، ولولا التشريك لما أدى تزويج النبى إلى ذلك فى حق المؤمنين.

وفى المقام الثانى: أنه إذا ظهر قصد القربة ظهر الرجحان فحكم به والمنع من الترك زيادة لم تثبت إلا بدليل، والأصل عدمه، فثبت الرجحان بدون المنع من الترك، وهو الندب، وإذا لم يظهر قصد القربة ظهر الجواز لبعد المعصية، ولا وجوب ولا ندب بالأصل، وأيضًا لا نفى الحرج فى قوله:{زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37]، مع احتمال الوجوب والندب ولم يثبتهما فهم منه أن مقتضى فعله الإباحة دونهما.

قوله: (بإدخال المرافق) يعنى أن الآية تحتمل دخول المرافق فى وجوب الغسل وعدم دخولها فلو غسل مع المرافق أو بدونها كان بيانًا، وهذا تكلف لدفع الاعتراض بأن الغسل إلى المرافق مستفاد من الآية لا من فعله، وفى المنتهى والغسل للمرافق وهو ظاهر، وفى الأحكام وكالمرافق فى التيمم بيانًا لقوله تعالى:{فَامْسَحُوا بِوجُوهِكُمْ} [المائدة: 6]، وهو أظهر.

الشارح: (اعتبر على جهة المبنى من كونه عامًا أو خاصًا) الأولى أن يقول: من الوجوب والندب وغيرهما.

الشارح: (وأيضًا فقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسوليِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]) أى ذلك القول دليل على أن الأمة مشاركة له ليتحقق معنى التأسى إذ لولا المشاركة ما تحقق التأسى.

الشارح: (وأيضًا لما نفى الحرج. . . إلخ) دليل آخر على الإباحة وقد ذكر فى

ص: 292

المقام الأول آية {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} [الأحزاب: 37]، دليلًا على أن ما علم صفته فأمته مثله باعتبار أنه لولا التشريك لما أدى تزويج النبى صلى الله عليه وسلم إلى نفى الحرج فى تزوج زوجات أدعيائهم فيؤخذ من ذلك أن أمته مثله فى فعل علمت صفته وفى المقام الثانى اعتبر نفى الحرج فى تزوج زوجة الدعى من حيث خصوصه مع احتمال الوجوب والندب ولم يثبتهما.

قوله: (بيانًا لقوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [المائدة: 6] وهو أظهر) كان الأولى ذكر وأيديكم لأنه المبين.

ص: 293

(قال: الموجب: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ} [الحشر: 7]، أجيب بأن المعنى ما أمركم لمقابلة: {وَمَا نَهَاكُمْ} [الحشر: 7]. قالوا: {فَاتَّبَعُوهُ} [سبأ: 20]. أجيب فى الفعل على الوجه الذى فعله أو فى القول أو فيهما. قالوا: {لَقَدْ كَانَ. . .} [الأحزاب: 21] إلى آخرها، أى: من كان يؤمن فله فيه أسوة حسنة. قلنا: معنى التأسى إيقاع الفعل على الوجه الذى فعله. قالوا: خلع نعله فخلعوا، وأقرهم على استدلالهم وبين العلة. قلنا: لقوله عليه الصلاة والسلام: "صلوا" أو لفهم القربة. قالوا: لما أمرهم بالتمتع تمسكوا بفعله. قلنا: لقوله عليه الصلاة والسلام: "خذوا" أو لفهم القربة. قالوا: لما اختلفوا فى الغسل بغير إنزال سأل عمر عائشة رضى اللَّه عنهما، فقالت: (فعلت أنا ورسول اللَّه فاغتسلنا، قلنا: إنما استفيد من: "إذا التقى الختانان، فقد وجب الغسل"، أو لأنه بيان: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6]، أو لأنه شرط الصلاة، أو لفهم الوجوب. قالوا: أحوط كصلاة ومطلقة لم تتعينا، والحق أن الاحتياط فيما ثبت وجوبه أو إن كان الأصل كالثلاثين، وأما ما احتمل لغير ذلك فلا).

أقول: القائلون بوجوب مثل ما فعل على الأمة:

قالوا: أولًا، قال اللَّه تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7]، وما فعله فقد آتاه والأمر للوجوب.

الجواب: أن المراد بما آتاكم ما أمركم، وهو السابق إلى الفهم، حيث قابله بقوله:{وَمَا نَهَاكُمْ} [الحشر: 7]، ليتجاوب طرفا النظم، وهو اللائق بالفصاحة الواجبة رعايتها فى القرآن.

قالوا: ثانيًا: قال تعالى: {فَاتَّبَعُوهُ} [سبأ: 20]، وقال:{فَاتَبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، والأمر للوجوب.

الجواب: أن المتابعة فعل مثل فعله على الوجه الذى فعله، أو متابعته فى القول إذا أمر بشئ أو نهى فقط، أو فى الفعل على الوجه الذى فعله وفى القول معًا، وعلى التقديرات فلا يلزم وجوب مثل فعل كل ما فعله، أما إذا خصصناه بالفعل أو عممناه فيهما فلأنه لا يتعين وجوبه ما لم يعلم أنه فعله على وجه الوجوب والمفروض خلافه ثم يلزم من وجوب مثل فعل كل ما فعل الضدان بالنسبة إلينا إذا فعله على وجه الإباحة أو الندب، وأما إذا خصصناه بالقول فظاهر.

قالوا: ثالثًا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ

ص: 294

الْآخِرَ} [الأحزاب: 21]، معناه من كان يؤمن باللَّه فله فيه أسوة حسنة، ويستلزم أن من ليس له فيه أسوة حسنة فهو لا يؤمن باللَّه، وملزوم الحرام حرام، ولازم الواجب واجب، وأيضًا فهو مبالغة فى التهديد على عدم الأسوة فتكون الاسوة واجبة.

الجواب: أن معنى التأسى إيقاع الفعل على الوجه الذى فعله، فيتوقف إثبات الوجوب علينا على العلم بالوجوب عليه وهو خلاف المفروض.

قالوا: رابعًا: جاء فى الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام خلع نعله فى الصلاة فخلعوا، فسألهم عن ذلك؟ فقالوا:"خلعت فخلعنا"، فأقرهم على ذلك وأخبرهم أن جبريل عليه الصلاة والسلام أخبره أن فى نعله أذًى أى نجاسة (*)، ولولا وجوب الاتباع لأنكر عليهم ذلك.

الجواب: الوجوب لم يستفد من فعله بل لأنه من هيئات الصلاة، وقد قال:"صلوا كما رأيتمونى أصلى" أو لأنهم فهموا منه القربة وإلا لحرم فى الصلاة أو كره فرأوه ندبًا لا واجبًا.

قالوا: خامسًا: لما أمرهم بالتمتع بالعمرة إلى الحج ولم يتمتع هو لم يتمتعوا فقد تمسكوا فى ذلك بفعله، وإلا لعصوا ثم لم ينكر عليهم ذلك وبين لهم العلة فى عدم الفعل مما يختص به، فقال:"لو استقبلت ما استدبرت من أمرى لما سقت الهدى" أى لولا أن معى الهدى لأحللت، ولكن لا يحل حرام حتى يبلغ الهدى محله، فدل ذلك على وجوب اتباعه.

الجواب: أن وجوب المتابعة لم يستفد من فعله فقط، بل من قوله:"خذوا عنى مناسككم" أو لأنهم فهموا القربة فرأوه ندبًا لا واجبًا.

قالوا: سادسًا: لما اختلف الصحابة رضى اللَّه عنهم فى وجوب الغسل عند إدخال قدر الحشفة من غير إنزال بعث عمر إلى عائشة يسألها عن ذلك فقالت: "فعلت أنا ورسول اللَّه فاغتسلنا"(**)، فأوجبوا الغسل بمجرد فعله.

(*) أخرجه ابن خزيمة فى صحيحه (1/ 384)(ح 786)، والبيهقى فى الكبرى (1/ 113)(ح 3886).

(**) أخرجه ابن حبان (3/ 458)(ح 1185)، والترمذى (108)، والبيهقى فى الكبرى (746)، والدارقطنى (1/ 111)(ح 1)، وابن ماجه (608)، والإمام أحمد فى مسنده (6/ 161).

ص: 295

الجواب: لم يوجب بمجرد فعله بل إما بقوله: "إذا التقى الختانان وجب الغسل"، وذلك ظاهر فى العموم فانتفى بعدم مخالفته وهم التخصيص، وإما لأنه بيان لقوله:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، والأمر للوجوب، ومثله ليس من محل النزاع فى شئ، وإما لأنه شرط الصلاة فقد تناوله قوله:"صلوا كما رأيتمونى أصلى"، وإما لفهم الوجوب من قولها بقرينة وهى أنهم سألوها عنه بعد الخلاف فيه أيجب أم لا؟ فلولا إشعار الجواب به لما تطابقا.

قالوا: سابعًا: حمله على الوجوب أحوط لنا من الإثم قطعًا فيجب الحمل عليه كما فى صلاة نسيها ولم تتعين عنده فإنه يجب عليه الخمس احتياطًا وكما لو طلق واحدة من نسائه لا بعينها فإنه يجب عليه ترك الجميع احتياطًا إلى أن يعين. وقد أجيب عنه بأن الاحتياط فيما لا يحتمل التحريم ورد بوجوب صوم الثلاثين إذا غم الهلال.

والجواب: منع كون كل احتياط واجبًا بل الحق أن الاحتياط إنما شرع فيما ثبت وجوبه كما فى الصلاة المنسية أو كان ثبوته هو الأصل كصوم ثلاثين إذ الأصل بقاء رمضان وأما ما احتمل لغير ذلك ولا وجوب ولا أصل فيه فلا يجب فيه احتياط كالصوم عند الشك فى هلال رمضان.

قوله: (ثم يلزم من وجوب مثل كل ما فعل الضدان) إن أراد بالضدين الوجوب مع الإباحة أو الندب فتقريره أنه إذا فعل فعلًا على وجه الإباحة أو الندب فمن حيث إنه فعله يكون علينا واجبًا ومن حيث إنه علينا أن يكون على الوجه الذى فعله يكون مباحًا أو مندوبًا وكل منهما ضد للوجوب لكن يرد حينئذ منع كونه مباحًا على تقدير أن لا يعلم جهته، ومنع كونه واجبًا على تقدير أن تعلم وإن أراد أنه يجب علينا الضدان كالقيام والقعود مثلًا إذا فعلهما جميعًا إباحة صح فى الإباحة دون الندب لأن تركه كراهة لا ينبغى أن يفعله قصدًا.

قوله: (وملزوم الحرام) يعنى أن أصله حاصل مفهوم الآية شرطية دالة على لزوم التأسى للإيمان ويلزمه بحكم عكس النقيض لزوم عدم الإيمان لعدم التأسى وعدم الإيمان حرام فكذا ملزومه الذى هو عدم التأسى والإيمان واجب وكذا لازمه الذى هو التأسى وإلا ارتفع اللزوم.

ص: 296

قوله: (أن معنى التأسى) لا خفاء فى أن قَيد الحيثية مراد وقد صرح به فى المنتهى إيقاع الفعل على الوجه الذى فعله من أجله ليخرج ما إذا اتفقوا على أداء الظهر امتثالًا لأمر اللَّه تعالى.

قوله: (وقد أجيب) لما أجاب فى المتن بقوله: والحق أن الاحتياط فيما ثبت وجوبه أو كان أى ثبوت الوجوب هو الأصل، دل ذلك على أن هنا جوابًا مردودًا فأورده مع رده بلفظ "قد" تنبيهًا على ما ذكرنا إلا أن رده فى التحقيق كلام على السند لأن تقرير الجواب هو أنا لا نسلم أن الوجوب أحوط، وإنما يكون الاحتياط فيما لا يحتمل التحريم كما فى الصورتين، وأما فى فعل النبى عليه الصلاة والسلام، فيحتمل حرمة مثله على الأمة ووجه الرد أن صوم الثلاثين من رمضان إذا غم الهلال يحتمل الحرمة بأن يكون يوم عيد ومع هذا فقد وجب وهم يفعلون قبل ذلك إذا لم يظهر للمنع سند آخر ويقولون إذا كان السند مساويًا للمنع صح الكلام عليه.

المصنف: ({وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7]) أى ومن جملة ما آتانا الفعل الذى لم نعلم صفته فتكون الأمة مأمورة بأخذه أى امتثاله.

المصنف: (بأن المعنى ما أمركم) أى والفعل ليس أمرًا.

المصنف: (معنى التأسى إيقاع الفعل. . . إلخ) قيل ممنوع بل هو فى اللغة مطلق الاقتداء.

المصنف: (قلنا: لقوله عليه الصلاة والسلام رد بان قوله: صلوا أمر بافعل الصلاة كما فعل ولِمَ قلتم: إن خلع النعل من الصلاة بل هو ليس من أفعال الصلاة فى شئ وأيضًا فلم قلتم: إن هذا كان بعد قوله: صلوا.

المصنف: (تمسكوا بفعله) هو الكف عن التمتع.

المصنف: (أو لأنه بيان لقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]) أى والبيان يجب فيه المتابعة.

المصنف: (أو لأنه شرط الصلاة) أى ففهم اتباعه من قوله: صلوا.

المصنف: (فأما ما احتمل لغير ذلك) أى احتمل الوجوب وغيره بغير أن يكون واجبًا أو يكون الأصل وجوبه.

ص: 297

الشارح: (فانتفى بعدم مخالفته) أى حيث فعله النبى صلى الله عليه وسلم مع عائشة رضى اللَّه عنها ففعلهما لدفع وهم التخصيص وأصل الوجوب حاصل من غيره.

الشارح: (بغير ذلك ولا وجوب ولا أصل فيه) عطف قوله: ولا وجوب ولا أصل فيه على قوله: بغير ذلك عطف تفسير.

قوله: (صرح به فى المنتهى إيقاع الفعل. . . إلخ) فيه حذف والأصل حيث قال: إيقاع الفعل. . . إلخ. وقوله: من أجله أى من أجل أنه فعله وقوله: ليخرج ما إذا اتفقوا. . . إلخ. أى لأنه لم يفعل الواحد منهم لأجل أن الآخر فعله.

قوله: (وهم يفعلون ذلك إذا لم يكن. . . إلخ) أى وهنا ليس كذلك؛ لأن هنا سندًا آخر للمنع وهو الذى اختاره المصنف فاعتراض الشارح على السند غير مسلم فقوله: وهم يفعلون اعتراض على رد السند.

ص: 298

قال: (الندب، الوجوب يستلزم التبليغ والإباحة منتفية بقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ. . .} [الأحزاب: 21]، وهو ضعيف).

أقول: القائلون بدلالة فعله على الندب قالوا: هو إما للوجوب أو للندب أو للإباحة لانتفاء المعصية، والوجوب باطل لأنه يستلزم التبليغ دفعًا للتكليف بما لا يطاق والفرض أن لا تبليغ إذ الكلام فيما وجد فيه مجرد الفعل وكذا الإباحة؛ لقوله:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، فى معرض المدح، ولا مدح على المباح فتعين الندب، وهو المطلوب، وهذا ضعيف؛ لأن الندب والإباحة أيضًا يستلزم التبليغ، فإن وجوب التبليغ يعم الأحكام فلو انتفى الوجوب لذلك لانتفى الندب والإباحة فدليله مقلوب عليه، وأيضًا فلا مذكور فى الآية إلا حسن الأسوة، وقد علمت أن المباح حسن.

قال: (الإباحة هو المتحقق فوجب الوقوف عنده، أجيب إذا لم يظهر قصد القربة).

أقول: القائلون بدلالة فعله على الإباحة قالوا: الإباحة متحققة لانتفاء المعصية والوجوب والندب لم يثبتا لعدم الدليل والوقوف عند ما هو المتحقق أى إثباته ونفى ما لم يتحقق هو الواجب.

الجواب: أن ذلك حق فيما لم يقصد فيه القربة، ونعم الوفاق، وأما فيما ظهر فيه قصد القربة، وهو محل النزاع بيننا وبينكم فلا نسلم أنه لم يثبت الندب بل ثبت كما مر.

قوله: (أى إثباته ونفى ما لم يتحقق) تفسير للوقوف عند ما هو المتحقق.

ص: 299