الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مباحث النهى)
قال: (النهى اقتضاء كف عن فعل على جهة الاستعلاء، وما قيل فى حد الأمر من مزيف وغيره فقد قيل مقابله فى حد النهى والكلام فى صيغته والخلاف فى ظهور الحظر لا الكراهية وبالعكس أو مشتركة أو موقوفة كما تقدَّم وحكمها التكرار والفور، وفى تقدُّم الوجوب قرينة، نقل الأستاذ الإجماع، وتوقف الإمام، وله مسائل مختصة).
أقول: حدّ النهى أنه اقتضاء كف عن فعل على جهة الاستعلاء والقيود قد عرفت فائدتها فى الأمر وما قيل فى حد الأمر من تعريف وغيره قيل مقابله فى حد النهى مثل أنه القول المقتضى طاعة المنهى بترك النهى عنه أو قول القائل لمن دونه لا تفعل أو لا تفعل مجردة عن القرائن الصارفة عن النهى أو صيغة لا تفعل بإرادات ثلاث: وجود اللفظ، ودلالته، والامتثال، والاعتراضات ما مرت هناك والخلاف فى أنه هل له صيغة وفى صيغته أهى ظاهرة فى الحظر دون الكراهية أو بالعكس أو مشتركة أو للمشترك أو موقوفة كما تقدَّم فى صيغة الأمر وتخالف الأمر فى أن حكمها حكم التكرار فينسحب حكمها على جميع الأزمان والفور فيجب الانتهاء فى الحال، وفى تقدُّم الوجوب قرينة دالة على أنه للإباحة، نقل الأستاذ الإجماع على أنه للحظر ولم يقل أحد إنه للإباحة كما فى الأمر، وتوقف الإمام فيه لقيام الاحتمال فهذه من المسائل المشتركة وللنهى مسائل مختصة لا يوجد مثلها فى الأمر وها هى نذكرها.
قوله: (اقتضاء كف) احترز بالكف عن الأمر وبقيد الاستعلاء عن الدعاء والالتماس، قال الشارح العلامة: والجواب عن لزوم كون مثل كف عن الزنا نهيًا، هو أن المراد كف عن فعل هو مأخذ اشتقاق المقتضى وقد سبق للمحقق فى بحث الوجوب والتحريم ما يشير إلى اختلافهما باختلاف الحيثيات والاعتبارات وأن مثل كف عن الزنا باعتبار الإضافة إلى الكف أمر وإلى الزنا نهى.
قوله: (ومن تعريف وغيره) قد عرفت أن ما عدا اقتضاء فعل غير كف على جهة
الاستعلاء كله مزيف عند المصنِّف ومن سبقه فكذا مقابلها فالأربعة مذكورة فى الشرح والثلاثة الباقية خبر عن العقاب على الفعل؛ خبر عن استحقاق العقاب على الفعل إرادة ترك الفعل والاعتراضات ما مر فى باب الأمر مثل أن المنهى مشتق من النهى فيجئ الدور وأن الخبر يحتمل الصدق والكذب بخلاف النهى فإنه يرد التحقير ونحوه والمبلغ والحاكى والأدنى فإن أخذ النهى فى تعريف النهى دور وأن فيه تهافتًا وأنه يستلزم ترك المنهيات كلها.
قوله: (هل له صيغة) يعنى هل لاقتضاء الكف على سبيل الاستعلاء صيغة تخصه بمعنى أنها لا تستعمل فى غيره.
قوله: (أو مشتركة) أى لفظًا بين التحريم والكراهة (أو للمشترك) أى موضوعة للقدر المشترك بينهما وهو طلب الكف استعلاء (أو موقوفة) أى متوقف فيها بمعنى لا ندرى أنها لأى معنى وضعت.
قوله: (وفى تقدم الوجوب) قد يتوهم أنه عطف على قوله: فى أن حكمها وليس كذلك بل هو ابتداء كلام كما فى المتن والظرف متعلق بقوله: نقل الأستاذ والمعنى أن تقدم التحريم على صيغة افعل كان عند البعض قرينة على أنها للإباحة كما سبق من أن القائلين بكون صيغة افعل للوجوب، قد اختلفوا فيها إذا وردت بعد الحظر فذهب الأكثرون إلى أنها للإباحة وأما فى النهى فنقل الأستاذ إجماع القائلين بكون لا تفعل للتحريم على أنها قبل الإيجاب وبعده سواء فى كونها للحظر وأن ليس تقدم الإيجاب قرينة كونها للإباحة كما قالوا فى الأمر بأن صيغته بعد الحظر للإباحة، فقوله:(ولم يقل) معناه وقال لم يقل أحد (إنه) أى النهى بعد الوجوب للإباحة كما قال الأكثرون فى الأمر إنه بعد الحظر للإباحة، وتوقف إمام الحرمين فى أنه بعد الإيجاب هل للتحريم أو لا لقيام احتمال الإباحة ولما كان ظاهر عبارة المتن مشعرًا بأن الأستاذ نقل الإجماع على أن تقدم الوجوب قرينة ذهب الشارحون إلى أن المعنى أنه قرينة كون النهى الوارد بعده للحظر وأنت خبير بأنه لا معنى لكون تقدُّم الوجوب قرينة ذلك فالحق ما ذكره المحقق.
المصنف: (النهى اقتضاء كف عن فعل) أى طلب كف غير مستقل بالمفهومية بل لوحظ لغيره وهو المتعلق وذلك الكف هو الكف الجزئى المدلول لـ"لا" الناهية
فخرج كف فإن المطلوب فيه نفس الكف وخرج كف عن الزنا فإن المقصود أيضًا نفس الكف وأما كونه عن الزنا فمستفاد من الحرف لا من كف.
المصنف: (على جهة الاستعلاء) تقدم أن الشارح لم يرتض هذا القيد فى الأمر فكذا لا يرتضيه فى النهى.
المصنف: (من مزيف) هو سبعة تعاريف ذكر الشارح فى مقابلها من النهى أربعة وذكر الثلاثة الباقية المحشى.
المصنف: (وحكمها التكرار والفور) قد يقال: إن التكرار يغنى عن الفور لأن الفور لازم له.
المصنف: (نقل الأستاذ الإجماع) أى على نفى كونه قرينة للإباحة فليس صيغة لا تفعل بعد الوجوب كصيغة افعل بعد النهى.
المصنف: (وتوقف الإمام) أى حيث قال فى البرهان: ذكر الأستاذ أبو إسحاق أن صيغة النهى بعد تقدم الوجوب محمولة على الخطر والوجوب السابق لا ينتهض قرينة على حمل النهى على رفع الوجوب وادعى الوفاق فى ذلك ولست أرى ذلك مسلمًا أما أنا فأسحب زيل الوقف عليه كما قدمته فى صيغة الأمر بعد الحظر، وما أرى المخالفين يسلمون ذلك. اهـ. وهذا لا يرد نقل الإجماع لأنه مجرد تخمين وإنما يرده نقل الخلاف.
قوله: (مثل أن المنهى مشتق من النهى فيجئ الدور) هذا وارد على تعريف النهى بأنه القول المقتضى طاعة المنهى بترك المنهى عنه، وقوله: وإن الخبر يحتمل الصدق والكذب بخلاف النهى هذا وارد على تعريفه بأنه خبر عن العقاب على الفعل، أو خبر عن استحقاق العقاب على الفعل وقوله: فإنه يرد التحقير ونحوه كالإرشاد والمبلغ والحاكى والأدنى وارد على تعريفه بأنه قول القائل لمن دونه لا تفعل فيرد نحو: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [طه: 131]، ونحو:{لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]، مع أن الأول للتحقير والثانى للإرشاد وقد شملهما التعريف وليسا من المعرف ويرد قول الحاكى والمبلغ لمن دونه لا تفعل مع أنهما ليسا نهيا ويرد قول الأدنى لمن هو أعلى منه: لا تفعل فلا يشمله التعريف مع أنه من المعرف فيكون التعريف غير جامع.
قوله: (وإن أخذ النهى فى تعريف النهى دور) وارد على تعريفه بأنه صيغة لا
تفعل مجردة عن القرائن الصارفة عن النهى.
قوله: (وإن فيه تهافتًا) وارد على تعريفه بأنه صيغة لا تفعل بإرادات ثلاث: إرادة وجود اللفظ، وإرادة دلالته على النهى، وإرادة الامتثال فإنه لا معنى لإرادة دلالة لفظ: لا تفعل على لفظ لا تفعل وهذا إن أريد من النهى الصيغة.
قوله: (وأنه يستلزم ترك المنهيات كلها) هذا وارد على تعريفه بأنه إرادة ترك الفعل.
قوله: (أو مشتركة) أى اشتراكًا لفظيًا بين اثنين فقط هما الحظر والكراهة لا أكثر كما فى الأمر، أو اشتراكًا معنويًا أى للقدر المشترك بين اثنين فقط لا أكثر كما فى الأمر.