المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(مسألة: الإجماع لا يكون إلا عن مستند - شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني - جـ ٢

[عضد الدين الإيجي]

فهرس الكتاب

- ‌ ابتداء الوضع

- ‌(مسألة: الواجب على الكفاية

- ‌(مسألة: الأمر بواحد من أشياء

- ‌(مسألة: من أخر مع ظن الموت قبل الفعل

- ‌(مسألة: ما لا يتم الواجب إلا به

- ‌(مسائل الحرام)

- ‌(مسائل المندوب)

- ‌(مسائل المكروه)

- ‌(مسائل المباح)

- ‌(خطاب الوضع)

- ‌(المحكوم فيه)

- ‌(مسألة: لا تكليف إلا بفعل

- ‌(المحكوم عليه)

- ‌(مسألة: يصح التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه

- ‌(مباحث الأدلة الشرعية)

- ‌(مباحث الكتاب)

- ‌(مسألة: العمل بالشاذ غير جائز

- ‌(مباحث السنة)

- ‌(مسألة: إذا علم بفعل ولم ينكره

- ‌(مباحث الإجماع)

- ‌(مسألة: لا يختص الإجماع بالصحابة

- ‌(مسألة: التابعى المجتهد معتبر

- ‌(مسألة: إجماع أهل المدينة من الصحابة والتابعين حجة

- ‌(مسألة: الإجماع لا يكون إلا عن مستند

- ‌(مسألة: المختار امتناع ارتداد كل الأمة

- ‌(مسألة: يجب العمل بالإجماع المنقول بخبر الآحاد

- ‌(مباحث الخبر)

- ‌(مباحث خبر الواحد)

- ‌(مسألة: التعبد بخبر الواحد العدل جائز

- ‌(مسألة: مجهول الحال لا يقبل

- ‌(مسألة: الصحابى من رأى النبى عليه الصلاة والسلام

- ‌(مسألة: الأكثر على جواز نقل الحديث بالمعنى

- ‌(مسألة: إذا كذب الأصل الفرع

- ‌(مسألة: حذف بعض الخبر جائز

- ‌(مباحث الأمر)

- ‌(مسألة: صيغة الأمر بمجردها لا تدل على تكرار

- ‌(مسألة اختيار الإمام والغزالى رحمهما اللَّه أن الأمر بشئ معين

- ‌(مسألة: صيغة الأمر بعد الحظر للإباحة

- ‌(مسألة: إذا أمر بفعل مطلق فالمطلوب الفعل

- ‌(مباحث النهى)

- ‌(مسألة: النهى عن الشئ لعينه يدل على الفساد شرعًا

- ‌(مباحث العام والخاص)

- ‌(مسألة: العموم من عوارض الألفاظ

- ‌(مسألة: الجمع المنكر ليس بعام

- ‌(مسألة: المشترك يصح إطلاقه على معنييه مجازًا

- ‌(مسألة: خطابه لواحد لا يعم

- ‌(مسألة: جمع المذكر السالم

الفصل: ‌(مسألة: الإجماع لا يكون إلا عن مستند

قال: ‌

‌(مسألة: الإجماع لا يكون إلا عن مستند

لأنه يستلزم الخطأ ولأنه مستحيل عادة، قالوا: لو كان عن دليل لم يكن له فائدة، قلنا: فائدته سقوط البحث وحرمة المخالفة وأيضًا فإنه يوجب أن يكون عن غير دليل ولا قائل به).

أقول: لا يجوز الإجماع إلا عن مستند من دليل أو أمارة لأن عدم المستند يستلزم الخطأ فلو أجمع لا عن مستند اجتمع الأمة على الخطأ ولأن اتفاق الكل لا لداعٍ يستحيل عادة كالاجتماع على أكل طعام واحد.

قالوا: لو كان عن مستند لاستغنى به عن الإجماع، فلم يكن للإجماع فائدة؟

الجواب: أولًا منع الملازمة إذ فائدته سقوط البحث وحرمة المخالفة، وثانيًا: أنه يقتضى أنه يجب أن يكون لا عن دليل وذلك مما لم يقل به أحد.

قوله: (لأنه يستلزم الخطأ) قيل لأن القول فى الدين بلا دليل وأمارة خطأ ورد بالمنع لجواز أن يوفقهم اللَّه تعالى لاختيار الصواب وقيل المراد جواز الخطأ فإن القول بلا دليل قد لا يكون حقًا واللازم باطل لأنه يقدح فى عصمة أهل الإجماع عن الخطأ على ما ثبت بالأدلة السمعية واعترض بأنه إنما يلزم جواز الخطأ لو لم يقع الإجماع وأما إذا وقع فاللَّه سبحانه يوفقهم لاختيار الصواب قطعًا بحيث يستحيل الخطأ على ما دلت عليه الأدلة السمعية وأيضًا لو صح هذا لزم أن لا يصح الإجماع عن سند ظنى لاستلزامه جواز الخطأ.

قوله: (فلم يكن للإجماع فائدة) يعنى لإثبات كون الإجماع حجة على ما صرح به فى الأصل واللازم باطل لأن العلماء اشتغلوا بذلك وبالغوا فيه إثباتًا ونفيًا فلا يكون عبثًا أما إذا حمل على أنه لم يكن لنفس الإجماع على المسألة فائدة فيتعذر إبطال اللازم كما فى الاتفاق على موجب الدليل القاطع الظاهر.

قوله: (كما فى الاتفاق على موجب الدليل القطعى الظاهر) أى فإنه لا فائدة فى ذلك الاتفاق مع ذلك الدليل القطعى الظاهر ولا يتأتى منع عدم الفائدة.

ص: 353

قال: (مسألة: يجوز أن يجمع عن قياس ومنعت الظاهرية الجواز، وبعضهم الوقوع. لنا القطع بالجواز كغيره، والظاهر الوقوع كإمامة أبى بكر رضى اللَّه عنه، وتحريم شحم الخنزير، وإراقة نحو الشيرج).

أقول: قد علمت وجوب مستند للإجماع فذلك المستند هل يجوز أن يكون قياسًا؟ الصحيح جوازه، ومنعه الظاهرية، فبعضهم منع الجواز، وبعضهم جوزه، ومنع الوقوع. لنا القطع بجوازه لأنه لو فرض لم يلزم منه محال لذاته، وذلك كغيره من الأمارات من الخبر الواحد والتواتر الظنى الدلالة، إذ لا مانع يقدّر إلا كونه مظنونًا والظاهر الوقوع كإمامة أبى بكر رضى اللَّه عنه، أجمع عليها بقياسها على إمامته فى الصلاة فقيل:"رضيك لأمر ديننا، أفلا نرضاك لأمر دنيانا"، وكتحريم شحم الخنزير قياسًا على لحمه، وإراقة نحو الشيرج إذا وقعتا فيه فأرة قياسًا على السمن وكحد شارب الخمر، وقد أثبته على بالقياس حيث قال:"إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فأرى عليه حد المفترين"، وقال عبد الرحمن: هذا حدّ وأقل الحدّ ثمانون.

قوله: (وبعضهم الوقوع) قال العلامة: الضمير للمجوزين دون الظاهرية وهو الموافق لأحكام الآمدى، بل للمتن حيث جعل الظاهرية مانعين للجواز.

قوله: (قال العلامة: الضمير للمجوزين. . . إلخ) أى وعليه فقول الشارح بعد قوله ومنعه الظاهرية فبعضهم منع الجواز بالفاء التفصيلية ليس على ما ينبغى.

ص: 354

قال: (مسألة: إذا أجمع على قولين وأحدث قول ثالث منعه الأكثر كوطء البكر، قيل يمنع الرد وقيل مع الأرش، فالرد مجانًا ثالث وكالجد مع الأخ، قيل المال كله، وقيل: المقاسمة، فالحرمان ثالث، وكالنية فى الطهارات، قيل: تعتبر، وقيل فى البعض، فالتعميم فى النفى ثالث، وكالفسخ بالعيوب الخمسة، قيل: يفسخ بها، وقيل: لا، فالفرق ثالث، وكأم مع زوج أو زوجة وأب قيل الثلث، وقيل ثلث ما بقى، فالفرق ثالث والصحيح التفصيل إن كان الثالث يرفع ما اتفقا عليه فممنوع كالبكر والجد والطهارات وإلا فجائز كفسخ النكاح ببعض وكالأم فإنه يوافق فى كل صورة مذهبًا لنا أن الأول مخالفة الإجماع فمنع بخلاف الثانى، كما لو قيل: لا يقتل مسلم بذمى، ولا يصح بيع الغائب، وقيل: يقتل ويصح لم يمنع، يقتل ولا يصح، وعكسه باتفاق، قالوا: فصل ولم يفصل أحد فقد خالف الإجماع، قلنا عدم القول به ليس قولًا بنفيه وإلا امتنع القول فى واقعة تتجدد وتتحقق بمسألتى الذمى والغائب فلا يستلزم تخطئة كل فريق وهم قال الأمة، قلنا المتنع تخطئة كل الأمة فيما اتفقوا عليه، الآخر اختلافهم دليل أنها اجتهادية. قلنا: ما منعناه لم يختلفوا فيه ولو سلم فهو دليل قبل تقرر إجماع مانع منه، قالوا: لو كان لأنكر لما وقع وقد قال ابن سيرين فى مسألة الأم مع زوج، وأبى بقول ابن عباس، وعكس آخر، قلنا لأنها كالعيوب الخمسة فلا مخالفة لإجماع).

أقول: إذا اختلف أهل العصر على قولين لا يتجاوزونهما ثم أحدث من بعدهم قولًا ثالثًا فقد منعه الأكثرون وجوزه الأقلون، وله أمثلة:

أحدها: أن يطأ المشترى البكر ثم يجد بها عيبًا فقيل الوطء يمنع الرد، وقيل بل يردها مع أرش النقصان، وهو تفاوت قيمتها بكرًا وثيبًا، فالقول بردها مجانًا قول ثالث.

ثانيها: الجد مع الأخ قيل يرث المال كله ويحجب الأخ، وقيل بل يقاسم الأخ فالقول بحرمانه قول ثالث.

ثالثها: النية فى الطهارات تيممها ووضوئها وغسلها، قيل: تعتبر فى الكل وقيل فى البعض، فالقول بأنها لا تعتبر فى شئ منها قول ثالث.

رابعها: فسخ النكاح بالعيوب الخمسة: الجنون، والجب، والعنة، والرتق،

ص: 355

والقرن، قيل يفسخ بها كلها، وقيل لا يفسخ بشئ منها، فالفرق وهو القول بأنه يفسخ بالبعض دون البعض قول ثالث.

خامسها: أم مع أب وزوج أو زوجة قيل لها الثلث من أصل المال فى مسألتى الزوج والزوجة، وقيل ثلث ما بقى فيهما، فالفرق وهو القول بأن لها الثلث فى مسألة وثلث الباقى فى مسألة قول ثالث.

والصحيح عند المصنِّف التفصيل فقال: إن كان الثالث يرفع شيئًا متفقًا عليه فممنوع وإلا فلا، فالأول كمسألة البكر للاتفاق على أنها لا ترد مجانًا، وكمسألة الجد للاتفاق على أنه يرث، وكالنية للاتفاق على أنها تشترط فى الجملة، والثانى كمسألة فسخ النكاح ببعض العيوب ومسألة الأم لأنه وافق فى كل مسألة مذهبًا، لنا أما أن الأول ممنوع فلأنه إذا رفع مجمعًا عليه فقد خالف الإجماع فلم يجز، وأما أن الثانى غير ممنوع فلأنه لم يخالف إجماعًا ولا مانع سواه فجاز ويوضحه مثال: وهو أنه لو قال بعضهم لا يقتل مسلم بذمى ولا يصح بيع الغائب، وقال الآخرون يقتل، ويصح، فلو جاء ثالث وقال يقتل ولا يصح أو لا يقتل ويصح لم يكن ممتنعًا بالاتفاق لأنهما مسألتان خالف فى إحداهما بعضًا وفى الأخرى بعضًا، وإنما الممنوع مخالفة الكل فيما اتفقوا عليه المانعون مطلقًا.

قالوا: أولًا: اتفق الأولون على عدم التفصيل فى العيوب ومسألتى الأم والمحدث للقول الثالث يفصل، فقد خالف الإجماع فلا يجوز.

الجواب: لا نسلم اتفاقهم على عدم التفصيل لأن عدم القول بالتفصيل ليس قولًا بعدم التفصيل وإنما يمتنع القول بما قالوا بنفيه لا بما لم يقولوا بثبوته، ولو امتنع لامتنع القول فى كل واقعة تتجدد إذ لم يقولوا فيها بحكم ويتحقق ذلك بمسألتى الذمى والغائب.

قالوا: ثانيًا: فيه تخطئة كل فريق فى مسألة وفيها تخطئة كل الأمة، والأدلة السمعية تنفيها.

الجواب: أن المنفى تخطئة كل الأمة فيما اتفقوا عليه، وأما فيما لم يتفقوا عليه بأن يخطئ كل بعض فى مسألة غير ما أخطأ فيه الآخر فلا المخالف الآخر وهو القائل بالجواز مطلقًا.

قالوا: اختلافهم دليل على أن المسألة اجتهادية، يسوغ فيها العمل بما يؤدى إليه

ص: 356

الاجتهاد، فكيف يجعل مانعًا منه؟

الجواب: أن ما قلنا فيه بالمنع اتفقوا على أمر يرفعه القول الثالث، وذلك لم يختلفوا هم فيه فلا تكون اجتهادية ولو سلم فهو دليل على جواز الاجتهاد ما لم يتقرر إجماع مانع عنه، كما لو اختلفوا هم ثم أجمعوا، وقد تقدَّم.

قالوا: ثانيًا: لو لم يكن جائزًا لأنكر لما وقع وقد وقع ولم ينكر وذلك لأنه قال الصحابة للأم ثلث ما بقى فى المسألتين، وقال ابن عباس: ثلث الأصل، فأحدث ابن سيرين وغيره قولًا ثالثًا، فقال ابن سيرين فى مسألة الزوج بقول ابن عباس، لها ثلث الأصل، وفى مسألة الزوجة بقول الصحابة لها ثلث الباقى، وعكس تابعى آخر الحكم فيهما ولم ينكر عليهما أحد وإلا لنقل.

الجواب: أن ذلك من قسم الجائز ولذلك لم ينكر، فإنه من قبيل الفسخ بالعيوب الخمسة مما لا مخالفة فيه للإجماع.

قوله: (بالعيوب الخمسة: الجنون إلخ) ليس على ما ينبغى للاتفاق على أن الاثنين ههنا البرص والجذام، فالمراد خمس فى جانب الزوج البرص والجذام والجنون والجب والعنة وخمس فى جانب الزوجة الثلاثة الأول والرتق والقرن.

قوله: (المانعون مطلقًا) أى سواء رفع متفقًا عليه أم لا لم بحتاجوا فيما يرفع متفقًا عليه إلى الدليل لظهوره وكونه مسلمًا عند الخصم فاقتصروا على الدليل فيما لا يرفع متفقًا عليه.

قوله: (ويتحقق ذلك) أى ما ذكرنا من أن عدم القول بالتفصيل ليس قولًا بعدم التفصيل وأن الممتنع هو القول بما قالوا بنفيه لا بما لم يقولوا بثبوته بمسألتى أن المسلم لا يقتل بالذمى، وأن بيع الغائب لا يصح، فإنهم لم يقولوا بالفصل ومع ذلك فالتفصيل والقول بأحدهما دون الآخر جائز بالاتفاق وإنما الخلاف فيما إذا أجمعوا على قولين فى مسألة لا فى مسألتين.

قوله: (وأما فيما لم يتفقوا عليه فلا) لأن الأدلة لم تقم على ذلك.

قوله: (كما لو اختلفوا هم) أى أهل العصر الأول على قولين فإن المسألة اجتهادية ثم إذا أجمعوا أى أهل ذلك العصر على قول ثالث لم تبق اجتهادية وقد تقدَّم فى آخر مسألة التابعى المجتهد بأن تسويغ الصحابة اجتهادهم معهم إنما كان مع اختلافهم.

ص: 357

قوله: (لو لم يكن جائزًا لأنكر) لأن عادة السلف ترك المسكوت على الباطل ولو أنكر لنقل لتوفر الدواعى على مثله، قال العلامة: هذه الشبهة إنما ترد على الأكثرين، والجواب إنما يتم على رأى القائلين بالفصل، وأما جواب الأكثرين فهو أنه يجوز أن يكون إحداث القول الثالث قبل استقرار الصحابة على القولين أو بعده لكن المخالفة إنما وقعت وقت اتفاقهم على القولين فلم يلزم مخالفة الإجماع فلم ينكر ولو سلم فلا نسلم توفر الدواعى بحيث يلزم النقل البتة.

المصنف: (كما لو قيل لا يقتل مسلم. . . إلخ) أى مما كان الخلاف فيه فى مسألتين لا يقال إن مسألة الأم مع زوج وأب أو زوجة وأب مسألتان فلم وقع الخلاف فى إحداث قول ثالث فيها دون الإحداث فى مسألتى لا يقتل مسلم بذمى ولا يصح بيع الغائب، قلت لما كانت الأم فى الصورتين موجودة ولكن تارة معها زوج وتارة زوجة كانت صورة واحدة وهى الأم مع التزوج بخلاف لا يقتل مسلم بذمى ولا يصح بيع الغائب لأنه لا رابط بينهما.

المصنف: (وقد قال ابن سيرين فى مسألة الأم مع زوج وأب بقول ابن عباس) أى أن لها ثلث الأصل، قال ابن السبكى: إن هذا أمر يرده العقل والناقل لأنه إذا أعطاها فى مسألة الزوج ثلث الأصل مع أنها تأخذ ضعف الأب لزمه أن يعطى لها ثلث الأصل أيضًا فى مسألة الزوجة بالأولى لأنها إذا أخذته لم تأخذ ضعف الأب ولا مثله بل أنقص بسهم فإذا جاز أن تأخذ ضعف الأب مراعاة لظاهر قوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11]، كان أخذها الثلث كاملًا إذا كان أنقص أولى.

ص: 358

قال: (مسألة: يجوز إحداث دليل آخر أو تأويل آخر عند الأكثر. لنا لا مخالفة لهم فجاز، وأيضًا لو لم يجز لأنكر ولم يزل المتأخرون يستخرجون الأدلة والتأويلات. قالوا: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115]، قلنا: مؤول فيما اتفقوا وإلا لزم المنع فى كل متجدد. قالوا: يأمرون بالمعروف، قلنا معارض بقوله: {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104]، فلو كان منكرًا لنهوا عنه).

أقول: إذا استدل أهل العصر بدليل أو أوّلوا تأويلًا فهل لمن بعدهم إحداث دليل أو تأويل آخر لم يقولوا به؟ الأكثرون على أنه جائز وهو المختار، ومنعه الأقلون، هذا إذا لم ينصوا على بطلانه، وأما إذا نصوا فلا يجوز اتفاقًا. لنا قول بالاجتهاد ولا مخالفة فيه لإجماع؛ لأن عدم القول ليس قولًا بالعدم فكان جائزًا، وأيضًا لو لم يكن جائزًا لأنكر لما وقع، واللازم باطل، وذلك أن المتأخرين فى كل عصر لم يزالوا يستخرجون الأدلة والتأويلات المغايرة لما تقدَّم شائعًا ذائعًا ولم ينكر عليهم وإلا لنقل بل يتمدحون به ويعدّون ذلك فضلًا.

قالوا: أولًا: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115]، لأن سبيل المؤمنين ما تقدَّم وهذا غيره فلا يجوز بالآية.

الجواب: أنه وإن كان ظاهرًا فيما ذكرتموه لكنه مؤول بأن المراد واتبعوا غير ما اتفقوا عليه لا ما لم يتعرضوا له وإلا لزم المنع عن الحكم فى كل واقعة تتجدد وأنه باطل بالضرورة والاتفاق، وقد يفرق بأن ما نحن فيه سبيل لهم، ولا سبيل لهم هناك.

قالوا: ثانيًا: قال اللَّه تعالى: {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} [آل عمران: 104]، والمعروف عام لأنه مفرد محلى باللام، فيأمرون بكل معروف فلا يكون معروفًا وإلا لأمروا به فلا يجوز المصير إليه.

والجواب: المعارضة بقوله وينهون عن المنكر فلو كان منكرًا لنهوا عنه بعين ما ذكرتم واللازم منتف.

قوله: (مؤول فيما اتفقوا) يعنى أن المراد التهديد على اتباع سبيل غير ما اتفقوا عليه وليس هذا إحداث تأويل ليكون من صور محل النزاع بل هو ابتداء تأويل من السلف لئلا يلزم مخالفة الضرورة والمتفق عليه إلا أنه يردّ اعتراضه بأن ههنا

ص: 359

للمؤمنين سبيلًا هو استدلالهم وتأويلهم السابق فإحداث الآخر يكون اتباعًا لغيره، وأما فى الواقعة المتجددة فإحداث القول إحداث السبيل لا اتباع لغير سبيلهم إذ لا سبيل لهم فيها.

قوله: (والجواب المعارضة) والحل بعد تسليم العمومين أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إنما يكون بعد العلم بهما وأما بدون العلم فلا.

المصنف: (إحداث دليل آخر) أى إظهاره يريد حيث لم يلزم منه إبطال ما أجمعوا عليه، وقوله أو تأويل آخر أى لا ينافى تأويلهم.

المصنف: (قالوا اتبع غير سبيل المؤمنين) أى المحدث لذلك اتبع غير سبيل المؤمنين لأنهم لم يفعلوا ذلك فلا يجوز.

المصنف: (قلنا مؤول فيما اتفقوا) أى اتباع سبيلهم يؤول باتباعهم فيما اتفقوا عليه.

المصنف: (قالوا تأمرون بالمعروف) أى قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} [آل عمران: 109]، أى فلو كان ما أحدث معروفًا لأمروا به.

قوله: (وليس هذا) أى تأويل اتباع غير سبيل المؤمنين باتباع غير ما اتفقوا عليه إحداث تأويل.

قوله: (إلا أنه يرد اعتراضه) أى اعتراض الشارح الذى ذكره بقوله وقد يفرق بأن ما نحن فيه. . . إلخ. ردًا لقوله وإلا لزم مخالفة الضرورة والاتفاق فيما يتجدد.

قوله: (إنما يكون بعد العلم) أى وهم لم يعلموا هذا الدليل والتأويل اللذين ظهرا بعدهم.

ص: 360

قال: (مسألة: اتفاق العصر الثانى على أحد قولى العصر الأول بعد أن استقر خلافهم، قال الأشعرى وأحمد والإمام والغزالى رحمهم الله ممتنع، وقال بعض المجوزين حجة والحق أنه بعيد إلا فى القليل كالاختلاف فى أم الولد ثم زال، وفى الصحيح: أن عثمان رضى اللَّه عنه كان ينهى عن المتعة، قال البغوى ثم صار إجماعًا، الأشعرى العادة تقضى بامتناعه وأجيب بمنع العادة وبالوقوع. قالوا لو وقع لكان حجة فيتعارض الإجماعان لأن استقرار اختلافهم دليل إجماعهم على تسويغ كل منهما، وأجيب بمنع الإجماع الأول، ولو سلم فمشروط بانتفاء القاطع كما لو لم يستقر خلافهم المجوّز وليس بحجة لو كان حجة لتعارض الإجماعان، وقد تقدَّم. قالوا: لم يحصل الاتفاق وأجيب بأنه يلزم إذا لم يستقر خلافهم. قالوا: لو كان حجة لكان موت الصحابى المخالف يوجب ذلك لأن الباقى كل الأمة الأحياء. وأجيب بالالتزام والأكثر على خلافه الآخر لو لم يكن حجة لأدى إلى أن تجتمع الأمة الأحياء على الخطأ والسمعى يأباه، وأجيب بالمنع والماضى ظاهر الدخول لتحقق قوله بخلاف من لم يأت).

أقول: إذا اختلف أهل العصر الأول على قولين واتفق أهل العصر الثانى على أحدهما بعد ما استقر خلافهم، وقال كل بمذهب فقد اختلف فيه، فقال الأشعرى وأحمد والإمام الغزالى أنه يمتنع حصوله وجوزه بعضهم ثم اختلف فيه فقال بعضهم حجة وبعضهم ليس بحجة والحق أنه بعيد إلا فى القليل من المسائل يعنى أنه وإن بعد فلا يمتنع مثله وقد يقع قليلًا أنها بعده فلأنه لا يكون إلا عن جلى ويبعد غفلة المخالف عنه، وأما أنه قد وقع فكاختلاف الصحابة فى بيع أمهات الأولاد ثم أجمع من بعدهم على المنع منه، وفى الصحيح أن عمر كان يمنع عن المتعة، أى: متعة الحج إلى العمرة، قال البغوى: ثم صار إجماعًا، أى: صار جوازه مجمعًا عليه. قال الأشعرى: العادة تقضى بامتناع الاتفاق على ما استقر فيه الخلاف إذ لا يزال إحدى الطائفتين تصر على مذهبها.

الجواب: منع قضاء العادة فيه ولو امتنع لم يقع، وقد وقع المانعون لوقوعه، قالوا: لو وقع كان حجة لتناول الأدلة له فيتعارض الإجماعان، إجماع هؤلاء على عدم تسويغ الآخر، وإجماع الأولين على تسويغ كل منهما، وأنه محال عادة.

ص: 361

والجواب: لا نسلم الإجماع الأول، أى اتفاق الأولين على تسويغ كل منهما إذ كل فرقة تجوز ما تقول به وتنفى الآخر ولو سلم فربما أجمعوا على تسويغ كل منهما ما لم يوجد قاطع يمنع ذلك، وقد وجد القاطع، وهو الإجماع فلا تعارض، وهذا كما لو لم يستقر خلافهم إذ فى زمن الخلاف يجوزون الأخذ بكل واحد، وما ذكرتم يجرى فيه بعينه فما هو جوابكم فهو جوابنا، ولهم أن يفرقوا بأن ذلك تجويز ذهني بأنه يمكن أن يكون ما يجب العمل به هذا وذاك مع تجويز أن يظهر بطلان أحدهما، وهذا تجويز وجودى، بمعنى أنه يجوز العمل بهما معًا.

والمجوزون لوقوعه المانعون لحجيته قالوا: أولًا: لو كان حجة لتعارض الإجماعان، وقد تقدَّم تقريرًا وجوابًا.

قالوا: ثانيًا: لم يحصل اتفاق الأمة لأن فيه قولًا مخالفًا لأن القول لا يموت بموت صاحبه فلا إجماع.

الجواب: أنه منقوض بما إذا لم يستقر خلافهم فإنه يجرى فيه وهو حجة اتفاقًا، وقد يجاب بأن ما لم يستقر عليه رأى فليس قولًا لأحد عرفًا.

قالوا: ثالثًا: لو كان حجة لكان موت بعض الصحابة المخالفين للنافين القائلين بقول واحد يوجب ذلك أى إجماعًا هو حجة وذلك لأن الباقين كل الأمة الأحياء فى ذلك العصر وهو المعتبر إذ لا عبرة بالميت، واللازم باطل اتفاقًا.

الجواب: الالتزام بحقية اللازم، وإن كان الأكثر على خارفه، وأما على رأى الأكثر فالجواب أن قول النافين قول من قد خولف فى عصرهم بخلاف صورة النزاع والمخالف الآخر وهو القائل بحجيته، قالوا لو لم يكن حجة لأدى إلى أن يجتمع كل الأمة الأحياء فى عصر على الخطأ واللازم منتف للأدلة السمعية.

والجواب: بمنع انتفاء اللازم لأن الأحياء ليسوا كل الأمة ومن مضى من الأمة ظاهر الدخول فى الأمة، لأن له قولًا محققًا لا يموت بموته، فإن قلت: فليدخل من لم يأت أيضًا، قلنا: الفرق ظاهر فإن من لم يأت لا هو متحقق ولا قوله فلا

قوله: (إلا فى القليل) من المسائل هذا هو الظاهر من وضع التمثيل ببيع أمهات الأولاد، وما ذكر فى الصحيح وأكثر الشارحين على أن المراد إلا فى المخالف القليل، فإن قيل هذا الاتفاق إنما يكون عن جلى أو قاطع ويمتنع عادة غفلة الكثير

ص: 362

عنه بخلاف ما إذا كان المخالف قليلًا فإنه ليس حينئذٍ مما غفل عنه الكثير وربما يعترض على ما ذكره المحقق بمنع غفلة المخالف عن ذلك الجلى مطلقًا بل إذا كان كثيرًا.

قوله: (ثم أجمع من بعدهم على المنع منه) اعترض الآمدى بأن مذهب على رضى اللَّه عنه جواز بيعهن وهو لم يزل بل عليه جميع الشيعة وهو أحد قولى الشافعى، والجواب: أن هذا إنما يرد لو لم يكن عصرًا خاليًا عن مجتهد قائل بجوازه وفى شرح السنة ما يشير إلى أنه وقع الاتفاق من على أيضًا على عدم جواز بيعهن.

قوله: (وفى الصحيح أن عمر) فى نسخ المتن أن عثمان وجمهور الشارحين على أن المراد نكاح المتعة وهو أن تنكح المرأة إلى مدة فإذا انقضت بانت، وأن قول البغوى هو أن تحريمه صار إجماعًا على ما قال فى شرح السنة اتفق العلماء على تحريم نكاح المتعة وهو كالإجماع بين المسلمين، وذهب بعضهم إلى أن قوله ثم صار إجماعًا من كلام المصنِّف وقول البغوى هو أن فى الخبر الصحيح أن عثمان كان ينهى عن المتعة هو بعيد جدًا وليس يوجد هذا فى شئ من كتب البغوى والمذكور فى كتاب الصحيح وشرح السنة أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء رواية عن على رضى اللَّه عنه وغيره من الصحابة وليس فيهما أن عثمان أو عمر كان ينهى عن ذلك فذهب الشارح المحقق إلى أن المراد متعة الحج وهو الحق لما ذكر فى صحيح البخارى أن مروان بن الحكم قال شهدت عثمان وعليًا رضى اللَّه عنهما وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما فلما رأى على أهل بهما لبيك بعمرة وحجة، قال:"ما كنت لأدع سنة النبى بقول واحد"، وأن سعيد بن المسيب قال: اختلف على وعثمان وهما بعسفان فى المتعة فقال على: "ما نريد أن ننهى عن أمر فعله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم"، فلما رأى ذلك على رضى اللَّه عنه أهل بهما جميعًا، وقال الإمام البغوى فى شرح السنة: هذا اختلاف محكى وأكثر الصحابة على جوازهما واتفقت الأمة عليه، وقال أيضًا: اتفقت الأمة فى الحج والعمرة على جواز الإفراد والتمتع والقران، فظهر أن الصواب أن عثمان كان ينهى على ما فى المتن دون عمر على ما فى الشرح، وكأنه اعتبر ما يروى أن عمر رضى اللَّه عنه كان يقول: "ثلاث كن على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أنا أحرمهن، وأنهى عنهن: متعة

ص: 363

الحج، ومتعة النكاح، وحى على خير العمل" وما ذكر فى شرح السنة أنه روى عن عمر النهى أيضًا لكن على هذا لا يكون المراد كتاب الصحيح إذ لا يوجد هذا فيه ثم فى قوله: متعة الحج إلى العمرة حزازة، والصواب: متعة العمرة إلى الحج، قال اللَّه تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196]، وهو أن يحرم من مسافة القصر من الحرم بالعمرة من ميقات ثم بعد الإتيان بأعمال العمرة يحرم بالحج فى تلك السنة من مكة بلا عود إلى ميقات.

قوله: (ولهم) أى للمانعين (أن يفرقوا) بين التجويزين بأن تجويز الأخذ بكل واحد قبل استقرار الخلاف تجويز ذهنى بمعنى أن العقل يجوز أن يكون ما يجب العمل به هذا كما يجوز أن يكون ذلك مع تجويز أن يظهر بطلان أحدهما بالكلية وحقية الآخر على القطع بخلاف التجويز بعد استقرار الخلاف فإنه وجودى، بمعنى أن للعامل أن يعمل بهذا كما أن له أن يعمل بذاك وأن تعمل طائفة بهذا وطائفة بذاك فحيث جاز ظهور بطلان العمل بأحدهما جاز الاتفاق على الطرف الآخر وحيث لم يجز لم يجز.

قوله: (لتعارض الإجماعان) أى الإجماع على جواز الأخذ بكل من القولين والإجماع على تعين أحدهما وتحقيق الجواب: أى جواب الأخذ بكل منهما مشروط بعدم ظهور القاطع فى أحدهما وهذا الشرط لا يوجد بعد تحقيق الإجماع الثانى لكونه قاطعًا.

قوله: (قالوا ثانيًا) صريح المتن أن هذا دليل ثان وإن كان ظاهره نقضًا ومنعًا لا سبق من تعارض الإجماعين وحاصله أن اتفاق العصر الثانى ليس اتفاق كل الأمة لبقاء القول المخالف وإن لم يبق قائله، فلا يكون إجماعًا فلا يكون حجة لأن الحجة عندهم ما لا يكون له مخالف ولو نادرًا، والجواب: أنه لو صح هذا لزم أن لا يكون اتفاقهم قبل استقرار الخلاف حجة لبقاء القول المخالف، وقد يدفع هذا الجواب بأنه لا قول لأحد قبل استقرار الخلاف إذ يقال عرفًا لم يقولوا بشئ بل بقوا متوقفين فلا يتحقق مع الاتفاق قول مخالف وذلك لأن معنى عدم استقرار الخلاف أن يكون خلافهم وأقوالهم على طريق البحث عن المأخذ كما جرت به عادة النظار قبل اعتقاد حقية من الطرفين.

قوله: (بخلاف صورة النزاع) فإنه قول جماعة لم يخالفهم فى عصرهم أحد إذ

ص: 364

بحث المخالف إنما كان فى العصر السابق ومبنى ذلك على أن لا عبرة بالميت وأن القول يموت بموت صاحبه وإلا فالمخالف وهو القول موجود فى عصرهم وإذا لم يعتبر بالميت فقد تم الإلزام والحاصل أنه إن اعتبر بالميت لم يتم الجواب وإن لم يعتبر لم يتوجه الجواب لعدم القدح فى شئ من المقدمات.

(*)

المصنف: (بعد أن استقر خلافهم) أى خلاف أهل العصر الأول.

المصنف: (إلا فى القليل) استثناء منقطع أى لكن وقع قليلًا والوقوع قليلًا لا ينافى البعد.

قوله: (وما ذكر فى الصحيح) عطف على قوله من وضع التمثيل.

قوله: (فإن قيل هذا الاتفاق) تحريف وصوابه فإنه قبل هذا الاتفاق.

قوله: (بأن مذهب على رضى اللَّه عنه جواز بيعهن وهو لم يزل. . . إلخ) يعنى أن دعوى إجماع من بعد العصر الأول على المنع من البيع ممنوع للقول بالجواز الذى عليه جمع من الشيعة.

قوله: (والحق أن هذا إنما يرد لو لم يكن عصر خال عن مجتهد قائل بجوازه) أى حتى لا يتحقق إجماع على عدم الجواز أما إن كان عسر خال عن ذلك فقد تحقق الإجماع على عدم الجواز وقوله وفى شرح السنة ما يشير إلى أنه وقع الاتفاق من على أيضًا على عدم جواز بيعهن تأييدًا لمنع الاعتراض بعدم الإجماع لكن يرد عليه أن المجمعين عليه هم أهل الصدر الأول بعد استقرار خلافهم وهى المسألة الآتية بعد.

قوله: (فحيث جاز ظهور بطلان العمل بأحدهما) أى كما فيما لم يستقر فيه خلافهم وقوله وحيث لم يجز أى كما فيما استقر خلافهم فيه.

قوله: (فقد تم الإلزام) أى إلزام الإجماع والحجة لقول الباقين من الصحابة بعد موت المخالف لهم منهم على تقدير أن اتفاق أهل العصر الثانى على أحد القولين اللذين استقر الخلاف عليهما من أهل العصر الأول إجماع وحجة.

قوله: (لم يتم الجواب) أى لأن صورة النزاع يقال فيها إن قول المخالف موجود فى عصرهم.

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في المطبوع، عُزيت هذه الحاشية للتفتازاني، وهو غلط

ص: 365

قوله: (لم يتوجه الجواب) أى الجواب من طرف الأكثرين عن احتجاج القائل بنفى الحجة.

قوله: (لعدم القدح فى شئ من المقدمات) أى مقدمات دليل القائل بنفى الحجة وهو أنه لو كان حجة لكان موت بعض الصحابة المخالف للباقين القائلين بقول واحد يوجب الإجماع والحجة، واللازم باطل فالجواب لا يتوجه على هذا الدليل ولا يقدح فى شئ من مقدماته حيث كان لا عبرة بالميت وإنما يكون الجواب بأن اللازم ليس بباطل بل حق ونلتزم ذلك اللازم.

ص: 366

قال: (مسألة: اتفاق العصر عقيب الاختلاف إجماع وحجة ليس ببعيد، وأما بعد استقراره فقيل ممتنع، وقال بعض المجوزين حجة وقال من اشترط انقراض العصر قال إجماع، وهى كالتى قبلها إلا أن كونها حجة أظهر لأنه لا قول لغيرهم على خلافه).

أقول: إذا اختلف أهل العصر ثم اتفقوا هم بعينهم عقيب الاختلاف من غير أن يستقر الخلاف فإجماع وحجة، وأنه ليس ببعيد، وأما بعد استقرار الخلاف فقيل: إنه ممتنع وقيل إنه جائز والمجوزون قد اختلفوا فقيل حجة وقيل ليس بحجة، وكل من اعتبر فى الإجماع انقراض العصر جوزه، وقال إنه إجماع إذا انقرض عصرهم، وهذه المسألة كالتى قبلها استدلالًا وجوابًا إلا أن كونه حجة ههنا أظهر مما قبلها لأن ههنا لا قول لغيرهم مخالفًا لهم، وقولهم بعد ظهور خطئه والرجوع عنه لم يبق معتبرًا فهو اتفاق كل الأمة بخلاف ما قبلها فإنه إذا اعتبر من خالفهم من الموتى فهم بعض الأمة.

قوله: (وقال من اعتبر) يعنى لما وقع منهم الاتفاق فى العصر الذى استقر فيه الاختلاف لم يكن اختلافهم إجماعًا على تجويز الأخذ بكل من القولين لعدم انقراض العصر فلم يكن اتفاقهم رفعًا لمجمع عليه.

ص: 367

قال: (مسألة: اختلفوا فى جواز عدم علم الأمة بخبر أو دليل راجح إذا عمل على وفقه المجوز ليس إجماعًا كما لو لم يحكموا فى واقعة النافى اتبعوا غير سبيل المؤمنين).

أقول: هل يجوز أن لا يعلم جميع أهل العصر خبرًا أو دليلًا راجحًا على حكم ما، أما إذا لم يعملوا على وفقه لمعارض فلا لأنه اجتماع على الخطأ، وأما إذا عملوا على وفقه مصيبين فى الحكم فقد اختلف فى جوازه فقال المجوز ليس بإجماع على عدمه فيكون خطأ فإن عدم القول غير القول بالعدم وذلك كما لم يحكموا فى واقعة فإنه لا يكون قولًا بعدم الحكم فيها، وقال النافى للجواز الدليل الراجح هو سبيل المؤمنين وقد عملوا بغيره فقد اتبعوا غير سبيل المؤمنين.

الجواب: تأويله بما اتفقوا فيه كما تقدَّم وقل يقال ليس هو سبيل المؤمنين بل من شأنه أن يكون سبيلهم.

قوله: (على حكم ما) متعلق بقوله خبرًا أو دليلًا وقوله راجحًا صفة لكل منهما ومعنى الرجحان عدم المعارض له على ما صرح به فى المنتهى يعنى معارضًا يساويه ويكافئه وهذا لا ينافى قوله إذا لم يعملوا على وفقه لمعارض لأن معناه ما يدل على نفى ذلك الحكم وإن كان مرجوحًا وكأنه أراد بدليل القياس والاجتهاد أو ما يفيد العلم القطعى فلا يتناول الخبر وقوله فيكون خطأ منصوب على أنه جواب النفى أى إذا عملوا على وفق الخبر أو الدليل لكن بدليل آخر من غير اطلاع على ذلك الخبر أو الدليل فهذا ليس إجماعًا على عدمه ليكون خطأ.

قوله: (وقد عملوا بغيره) أى غير ذلك الدليل الراجح الذى هو سبيل المؤمنين وإن كان عملهم على وفقه فإن مجرد موافقة الحكم للدليل ليس اتباعًا له بل إذا أخذوه منه، والجواب: أن السبيل الذى يحرم اتباع غيره هو ما اتفقوا فيه وهذا الدليل الراجح ليس كذلك وقد يقال أيضًا إن هذا الراجح إنما يكون سبيلًا للمؤمنين إذا سلكوه وعملوا به وأما قبل ذلك فهو بصدد أن يصير سبيلًا لهم وبهذا التقرير سقط ما ذكره العلامة فى تقرير الدليل الثانى من أنه لو جاز عدم علمهم بالراجح لحرم عليهم تحصيل العلم به لأن عدم العلم حينئذٍ يكون سبيل المؤمنين والعلم غيره فيحرم طلبه وتحصيله فاعترض بأن عدم العلم ليس سبيلًا بل السبيل ما اختاره الإنسان من قول أو عمل.

ص: 368