المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(مسألة: العموم من عوارض الألفاظ - شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني - جـ ٢

[عضد الدين الإيجي]

فهرس الكتاب

- ‌ ابتداء الوضع

- ‌(مسألة: الواجب على الكفاية

- ‌(مسألة: الأمر بواحد من أشياء

- ‌(مسألة: من أخر مع ظن الموت قبل الفعل

- ‌(مسألة: ما لا يتم الواجب إلا به

- ‌(مسائل الحرام)

- ‌(مسائل المندوب)

- ‌(مسائل المكروه)

- ‌(مسائل المباح)

- ‌(خطاب الوضع)

- ‌(المحكوم فيه)

- ‌(مسألة: لا تكليف إلا بفعل

- ‌(المحكوم عليه)

- ‌(مسألة: يصح التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه

- ‌(مباحث الأدلة الشرعية)

- ‌(مباحث الكتاب)

- ‌(مسألة: العمل بالشاذ غير جائز

- ‌(مباحث السنة)

- ‌(مسألة: إذا علم بفعل ولم ينكره

- ‌(مباحث الإجماع)

- ‌(مسألة: لا يختص الإجماع بالصحابة

- ‌(مسألة: التابعى المجتهد معتبر

- ‌(مسألة: إجماع أهل المدينة من الصحابة والتابعين حجة

- ‌(مسألة: الإجماع لا يكون إلا عن مستند

- ‌(مسألة: المختار امتناع ارتداد كل الأمة

- ‌(مسألة: يجب العمل بالإجماع المنقول بخبر الآحاد

- ‌(مباحث الخبر)

- ‌(مباحث خبر الواحد)

- ‌(مسألة: التعبد بخبر الواحد العدل جائز

- ‌(مسألة: مجهول الحال لا يقبل

- ‌(مسألة: الصحابى من رأى النبى عليه الصلاة والسلام

- ‌(مسألة: الأكثر على جواز نقل الحديث بالمعنى

- ‌(مسألة: إذا كذب الأصل الفرع

- ‌(مسألة: حذف بعض الخبر جائز

- ‌(مباحث الأمر)

- ‌(مسألة: صيغة الأمر بمجردها لا تدل على تكرار

- ‌(مسألة اختيار الإمام والغزالى رحمهما اللَّه أن الأمر بشئ معين

- ‌(مسألة: صيغة الأمر بعد الحظر للإباحة

- ‌(مسألة: إذا أمر بفعل مطلق فالمطلوب الفعل

- ‌(مباحث النهى)

- ‌(مسألة: النهى عن الشئ لعينه يدل على الفساد شرعًا

- ‌(مباحث العام والخاص)

- ‌(مسألة: العموم من عوارض الألفاظ

- ‌(مسألة: الجمع المنكر ليس بعام

- ‌(مسألة: المشترك يصح إطلاقه على معنييه مجازًا

- ‌(مسألة: خطابه لواحد لا يعم

- ‌(مسألة: جمع المذكر السالم

الفصل: ‌(مسألة: العموم من عوارض الألفاظ

قال: ‌

‌(مسألة: العموم من عوارض الألفاظ

حقيقة، وأما فى المعانى فثالثها الصحيح، كذلك لنا أن العموم حقيقة فى شمول أمر لتعدد وهو فى المعانى كعموم المطر والخصب ونحوه وكذلك المعنى الكلى لشموله الجزئيات، ومن ثم قيل العام ما لا يمنع تصوره من الشركة، فإن قيل المراد أمر واحد شامل وعموم المطر ونحوه ليس كذلك، قلنا ليس العموم بهذا الشرط لغة وأيضًا فإن ذلك ثابت فى عموم الصوت والأمر والنهى والمعنى الكلى).

أقول: العموم من عوارض الألفاظ حقيقة فإذا قيل هذا اللفظ عام صدق على سبيل الحقيقة وأما فى المعنى فإذا قيل هذا المعنى عام فهل هو حقيقة؟ فيه مذاهب أولها: لا يصدق حقيقة ولا مجازًا، ثانيها: يصدق مجازًا، ثالثها -وهو المختار-: يصدق حقيقة كما فى الألفاظ لنا أن العموم حقيقة فى شمول أمر لمتعدد وكما يصح فى الألفاظ باعتبار شموله لمعانٍ متعددة بحسب الوضع يصح فى المعانى باعتبار شمول معنى لمعان متعددة بالتحقق فيها، بيانه أنه يتصور شمول أمر معنوى لأمور متعددة كعموم المطر والخصب والقحط للبلاد، ولذلك يقال عم المطر وعم الخصب ونحوه، وكذلك ما يتصوره الإنسان من المعانى الكلية فإنها شاملة لجزئياتها المتعددة الداخلة تحتها، ولذلك يقول المنطقيون: العام ما لا يمنع تصوُّره الشركة فيه والخاص بخلافه، فإن قيل المراد العام أمر واحد شامل لمتعدد وشمول المطر والخصب ونحوهما ليس كذلك إذ الموجود فى كل مكان غير الموجود فى المكان الآخر وإنما هو أفراد من المطر والخصب.

والجواب: لا نسلم أنه يعتبر فى اللغة فى العموم هذا القيد بل يكفى الشمول سواء كان هناك أمرًا واحدًا أو لم يكن، ولئن سلمنا فالعموم بذلك المعنى ثابت فى الصوت يسمعه طائفة وهو أمر واحد يعمهم وكذلك الأمر والنهى النفسيان قد يعمان خلقًا كثيرًا وكذلك المعانى الكلية تتصور لعمومها الآحاد التى تحتها، وأعلم أن الإطلاق اللغوى أمر سهل إنما النزاع فى واحد متعلق بمتعدد وذلك لا يتصوّر فى الأعيان الخارجية، إنما يتصوَّر فى المعانى الذهنية والأصوليون ينكرون وجودها.

قوله: (حقيقة فى شمول أمر لمتعدد) إشارة إلى أن له مفهومًا واحدًا شاملًا لعموم الألفاظ وعموم المعانى فيندفع ما يقال أن مجرد صحة الإطلاق لا يوجب

ص: 587

كونه حقيقة لجواز أن يكون مجازًا هو خير من الاشتراك.

قوله: (بيانه أنه يتصوَّر شمول أمر معنوى) هذا ما قال فى المنتهى وبيان وجود أمر معنوى شامل لمتعدد عموم المطر وكذلك ما يتصوَّره الإنسان من الكليات فإنها شاملة لجزئياتها ولذا قال: (وكذلك) أى: ومثل عموم المطر ونحوه عموم ما يتصوره الإنسان وفيه إشارة إلى أن المعنى المقابل للفظ قد يكون من الموجودات الخارجية عينًا كالمطر أو عرضًا كالخصب وقد لا يكون كالمعانى الكلية، (ولذلك) أى ولأن ما يتصور من المعانى الكلية يتصف بالعموم يقول المنطقيون: العام ما لا يمنع تصوّره الشركة والخاص ما يمنع وما لا يمنع الشركة هو مفهوم الكلى وأنت جبير بأنهم إنما يقولون ذلك للكلى لا للعام بل العام والخاص عندهم إنما يقال لمفهومين يصدق أحدهما على كل ما يصدق عليه الآخر من غير عكس أو يصدق كل منهما على بعض ما يصدق عليه الآخر فقط.

قوله: (وهو أمر أحد يعمهم) بمعنى كونه مسموعًا لهم وإلا فعروض الصوت إنما هو لجوهر الهواء وكذا الأمر والنهى النفسيان أعنى طلب الفعل وطلب الترك يعم الكثير بمعنى تعلقه بهم بمعنى كونهم مأمورين بالفعل أو الترك وقُيد بالنفسيين لأن اللفظى داخل فى الصوت ومن لم يقيد أراد أنهما من كيفيات الصوت لا نفسه.

قوله: (وأعلم) نفى لما زعم الشارحون أن النزاع لفظى لأنه إن أريد بالعموم استغراق اللفظ لمسمياته على ما هو مصطلح الأصول فهو من عوارض الألفاظ خاصة وإن أريد شمول أمر لمتعدد عم الألفاظ والمعانى وإن أريد شمول مفهوم الأفراد كما هو مصطلح أهل الاستدلال اختص بالمعانى يعنى أن ما دل عليه كلام الفريقين هو أن العموم بحسب اللغة هل يطلق على الألفاظ والمعانى وأمره سهل أو يتعين برجوعه إلى أهل اللغة واستعمال الفصحاء وإنما النزاع فى أن أمرًا واحدًا هل يكون متعلقًا لأمور متعددة وذلك إنما يتصوّر فى المعانى الذهنية فمن أثبتها أثبته ومن نفاها نفاه ولا يتصور فى الأعيان الخارجية لأن العرض الواحد لا يحل المحال المتعددة وهذا إنما يستقيم لو أريد بالتعلق الحلول فى المحال ومرادهم أعم من ذلك كالصوت للسامعين واللفظ للمعانى ومن الغلط الفاحش فى هذا المقام ما يقع لبعضهم أن المراد العموم إنما يكون فى الألفاظ الموضوعة بإزاء الأعيان دون الموضوعات بإزاء المعانى.

ص: 588

المصنف: (كعموم المطر) المراد بالمطر أفراده الخارجية وعمومه عبارة عن شمول تلك الأفراد الخارجية للبلاد والأمكنة وكذا يقال فى الخصب.

الشارح: (بالتحقق فيها) أى لكونها جزئيات للمعنى أو متعلقات له كما فى عموم المطر والخصب.

قوله: (يصدق أحدهما على كل ما يصدق عليه الآخر) وذلك فى العام والخاص المطلق وقوله أو يصدق. . . إلخ. أى كما فى العام والخاص من وجه.

قوله: (بمعنى كونه مسموعًا لهم وإلا فعروض الصوت إنما هو لجوهر الهواء) يعنى فليس المسموع فى الحقيقة شيئًا واحدًا يعمهم بل الصوت متعدد وليس قائمًا بالسامعين، بل الذى سمعه زيد مثل الذى سمعه عمرو لأن الهواء الحامل للصوت إذا صادم الهواء المجاور له حدث فيه مثل ذلك الصوت فالمسموع الذى تعلق به استماع زيد مثل المسموع الذى تعلق به استماع عمرو لا عينه.

قوله: (يعنى أن ما دل عليه كلام الفريقين. . . إلخ) أى يقصد الشارح بقوله وأعلم. . . إلخ. أن إطلاق العموم وإن كان مرجعه إلى الاستعمال اللغوى لكن له منشأ وقع الخلاف فيه وهو أن الأمر الواحد هل يكون متعلقًا الأمور متعددة فمن أثبت الوجود الذهنى أثبته ومن نفاه نفاه هذا وقال صاحب التحرير: ومنشأ الخلاف الخلاف فى معناه أى العموم وهو شمول الأمر فمن اعتبر وحدته شخصية منع الإطلاق الحقيقى إذ لا يتصف به إلا الذهنى ولا يتحقق عندهم أى الأصوليين وكان العموم مجازًا فى المعنى كما قال فخر الإسلام ولم يظهر طريق المجاز للقائل بأنه لا يتصف بالحقيقة ولا بالمجاز فمنع وصف المعانى به مطلقًا ومن فهم من اللغة أن الأمر الواحد أعم من الشخصى والنوعى وهو الحق لقولهم مطر عام وخصب عام فى النوعى وصوت عام فى الشخصى بمعنى كونه مسموعًا للسامعين أجازه أى وصف المعانى به حقيقة وكونه مقتصرًا على الذهنى وهو منتف فينتفى الإطلاق ممنوع بل المراد بالشمول التعلق الأعم من المطابقة كما فى الذهنى والحلول كما فى المطر والخصب وكونه مسموعًا كالصوت على أن نفى الذهنى لفظى كما يفيده استدلالهم وقد استبعد هذا الخلاف وإن شمول بعض المعانى لمتعدد أكثر وأظهر من أن يقع فيه نزاع إنما هو هل يصح تخصيص المعنى العام كاللفظ

ص: 589

وهو استبعاد يتعذر فيه القول الثانى إذ لا معنى لجواز التخصيص مجازًا نعم صرح مانعو تخصيص العلة بأن المعنى لا يخص وصرح بعضهم بأنه لا يعم وهو ينافى ما ذكره ويتعذر إرادة أنه يعم ولا يخص من قوله لا يعم. اهـ. وقال الغزالى: الرجل له وجود فى الأعيان ووجود فى اللسان أما الوجود فى الأعيان فلا عموم له إذ ليس فى الوجود إلا زيد وعمرو ولا يوجد رجل مطلق بشملها وأما الوجود فى اللسان فيتحقق فيه العموم وإن لفظ الرجل قد وضع للدلالة ونسبته إلى زيد وعمرو فى الدلالة واحد فسمى عامًا باعتبار نسبة دلالته إلى المدلولات الكثيرة وأما الوجود الذهنى فيتحقق فيه العموم إن قيل به لأن معنى الرجل يسمى كليًا من حيث إن العقل يأخذ من مشاهدة زيد حقيقة الرجل وإذا رأى غيره لم يأخذ منه غير الصورة الأولى. اهـ. وقوله يعنى أن المراد العموم. . . إلخ. تحريف وصوابه حذف المراد.

ص: 590

قال: (مسألة: الشافعى والمحققون للعموم صيغة والخلاف فى عمومها وخصوصها كما فى الأمر وقيل بالوقف فى الأخبار لا الأمر والنهى، والوقف إما على معنى ما ندرى، وإما نعلم أنه وضع ولا ندرى أحقيقة أم مجاز، وهى أسماء الشرط والاستفهام والموصولات والجموع المعرفة تعريف جنس والمضافة واسم الجنس كذلك والنكرة فى النفى لنا القطع فى لا تضرب أحدًا وأيضًا لم يزل العلماء تستدل بمثل: {وَالسَّارِقُ} [المائدة: 38]، و {الزَّانِيَةُ} [النور: 2]، و {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11]، وكاحتجاج عمر فى قتال أبى بكر مانعى الزكاة: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فإذا قالوها حقنوا منى دماءهم وأموالهم"، وكذلك: "الأئمة من قريش"، و"نحن معاشر الأنبياء لا نورث"، وشاع وذاع ولم ينكره أحد، قولهم فهم بالقرائن يؤدى إلى أن لا يثبت للفظ مدلول ظاهر أبدًا، والاتفاق فيمن دخل دارى فهو حر أو طالق أنه يعم وأيضًا كثرة الوقائع واستدل بأنه معنى ظاهر محتاج إلى التعبير عنه كغيره، وأجيب بأنه قد يستغنى بالمجاز وبالمشترك).

أقول: ذهب الشافعى رحمه الله وجميع المحققين إلى أن العموم له صيغة موضوعة له حقيقة وتحرير محل النزاع كما فى الأمر وحاصله راجع إلى الصيغ المخصوصة التى سنذكرها هل هى للعموم أم لا؟ فقال الأكثر له صيغة هى حقيقة فيه وقال قوم الصيغة حفيقة للخصوص وهى فى العموم مجاز، وقال الأشعري: تارة بأنها مشتركة، وتارة بالوقف، وقيل بالوقف فى الأخبار دون الأمر والنهى، وقال القاضى بالوقف إما على أنا لا ندرى أوضع لها أم لا؟ أو ندرى أنه وضع لها ولا ندرى أحقيقة منفردًا أو مشتركًا أم مجاز؟ ثم الصيغة الموضوعة له عند المحققين هى هذه فمنها أسماء الشروط والاستفهام نحو: من، وما، ومهما، وأينما، ومنها الموصولات، نحو: من، وما، والذى، ومنها الجموع المعرفة تعريف جنس لا عهد، والجموع المضافة، نحو: العلماء وعلماء بغداد، ومنها اسم الجنس، كذلك أى معرفًا تعريف جنس أو مضافًا، ومنها النكرة فى سياق النفى دون الإثبات، نحو: ما من رجل، لنا أن السيد إذا قال لعبده لا تضرب أحدًا فهم منه العموم حتى لو ضرب واحدًا عدَّ مخالفًا، والتبادر دليل الحقيقة فالنكرة فى النفى للعموم حقيقة فللعموم صيغة وأيضًا لنا أنا نقطع بأن العلماء لم يزالوا

ص: 591

يستدلون بمثل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا. . .} [المائدة: 38]، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا. . .} [النور: 2]، {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ. . .} [النساء: 11]، ومنه احتجاج عمر فى قضية قتال أبى بكر مانعى الزكاة بقوله عليه الصلاة والسلام:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه فإذا قالوها فقد حقنوا منى ماءهم وأموالهم إلا بحقها"، وهو أنه منعه عن القتال واحتج عليه بذلك وقرره وعدل إلى الاحتجاج بقوله إلا بحقها، والزكاة من حقها، فدل أنهما فهما منه العموم فى وجوب القتال قبل أن يقولوا لا إله إلا اللَّه، وعدمه بعده، ومنه احتجاج أبى بكر بقوله:"الأئمة من قريش" وقرره الصحابة ومنه احتجاج أبى بكر بقوله: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث"، وشاع ذلك وذاع ولم ينكره أحد ولولا أن الصيغة للعموم لما كان فيه حجة فى الصور الجزئية لأنك إذا قلت بعض الأئمة من قريش لم يلزم منه أن يكون من غيرهم إمام فكان ينكر الاحتجاج به عادة، واعترض عليه بأن ذلك إنما فهم بالقرائن.

والجواب: أن فتح هذا الباب يؤدى إلى أن لا يثبت للفظ مفهوم ظاهر لجواز أن يفهم بالقرائن فإن الناقلين لها لم ينقلوا نص الواضع بل أخذوا الأكثر من تتبع موارد الاستعمال والتحقيق أن التجويز لا ينافى الظهور وقد يقال فى مثل: {وَالسَّارِقُ} [المائدة: 38]، أنه فهم العموم لترتب الحكم على الوصف المشعر بالعلية، أو بأنه علم أنه التمهيد قاعدة كما رجم ماعزًا فعلم العموم لأنه شارع، وإما لقوله حكمى على الواحد حكمى على الجماعة، وإما لتنقيح المناط وهو إلغاء الخصوصية وعليه فقس، وأيضًا لنا الاتفاق على أنه إذا قال: من دخل دارى فهو حر أو فهى طالق، أنه يعم العبيد والنساء، وأيضًا لنا كثرة الوقائع التى استعمل فيها الصيغ للعموم واستدل بها على العموم مما ذكرناه وما لم نذكره وهى تفيد لمن تتبعها العلم بأنها ظاهرة فى العموم وذلك نحو قول عثمان (رضى اللَّه عنه) لما سمع:

* وكل نعيم لا محالة زائل *

"كذب فإن نعيم أهل الجنة لا يزول"، ونحو: لا إله إلا اللَّه، فإنه يفهم منه نفى جميع ما سوى اللَّه، ونحو اعتراض ابن الزبعرى على قوله:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98]، بقوله أليس قد عبدت الملائكة والمسيح؟ ورد قول اليهود ما أنزل اللَّه على بشر من شئ، بقوله: {مَنْ أَنْزَلَ

ص: 592

الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} [الأنعام: 91]، وذلك أكثر من أن يحصى مفصلًا، فلذلك أجمل واستدل بأن العموم معنى ظاهر يعقله الأكثر، والحاجة ماسة إلى التعبير عنه فوجب الوضع له عادة ككثير من المعانى التى وضع لها لظهورها والحاجة إلى التعبير عنها مما لا يحصى كالواحد والاثنين والخبر والاستخبار.

الجواب: أنه قد يستغنى عن الوضع لها خاصة بالمجاز وبالمشترك فلا يكون ظاهرًا فى العموم وذلك كخصوص الروائح والطعوم استغنى فيها عن الوضع بالتقييد بالإضافة نحو رائحة العود والمسك ولم يؤد ذلك إلى إهماله.

قوله: (وتحرير محل النزاع كما فى الأمر) شرح لقولها والخلاف فى عمومها وخصوصها كما فى الأمر يعنى أنه لا يتصور نزاع فى إمكان التعبير عن العموم بعبارة مثل كل وجميع الرجال ونحو ذلك وإنما النزاع فى الصيغ المخصوصة التى تدعى عمومها وجمهور الشارحين على أن معناه أن الخلاف ههنا فى أنها للعموم فقط أو للخصوص فقط أو لهما على الاشتراك أو موقوف كالخلاف فى صيغة الأمر أنها للوجوب خاصة أو الندب خاصة أو مشترك أو موقوف إلا أنه لا يتصوّر ههنا اشتراك معنوى ولا قائل به.

قوله: (أوضع) أى لفظ العموم لها أى للإخبار والأمر والنهى يعنى فيها ولأجلها ولا ندرى أن ذلك اللفظ حقيقة فى العموم أو مجاز وعلى تقدير كونها حقيقة لا ندرى أمنفرد أى موضوع بإزاء العموم فقط أم مشترك بين العموم والخصوص وظاهر هذا الكلام فاسد لأنه إذا علم أنه وضع للعموم فقط كيف يتصوّر التردد فى أنه حقيقة أو مجاز اللهم إلا أن يراد مطلق الوضع على ما يتناول النوعى المحقق فى المجاز.

قوله: (نحو من وما) للشرط والاستفهام ومهما وأينما للشرط خاصة.

قوله: (لا تضرب أحدًا) وكذا فى الخبر مثل ما ضربه أحد حتى لو ضربه أحد كان الكلام كاذبًا وكذا لا تضرب رجلًا من النكرات التى تقع فى الإثبات أيضًا بخلاف أحد فإنه إذا لم يكن مبدل الهمزة من الواو لم يكن بمعنى الواحد من العدد بل كان اسمًا لا يصلح أن يخاطب يستوى فيه المذكر والمؤنث والمثنى والمجموع لا يستعمل إلا فى النفى نص عليه أئمة اللغة، وهذا لا يضر بالمقصود

ص: 593

وهو إثبات صيغة العموم وإن جعلنا المقصود إثبات كون الألفاظ المعدودة للعموم انتهض ما ذكر دليلًا على البعض مع الإرشاد إلى طريق إثبات البعض الآخر وهو تتبع موارد الاستعمال.

قوله: (وهو) أى قضيته بالقتال أو احتجاج عمر أن عمر منع أبا بكر عن القتال (واحتج) أى عمر على أبى بكر بقوله عليه السلام: "أمرت أن أقاتل الناس. . " الحديث، وقرر أبو بكر ذلك الاحتجاج والعموم وعدل عنه إلى الاحتجاج بقوله:"إلا بحقه" أى بحق هذا القول الذى هو كلمة الشهادة فدل ما ذكرنا على أن الشيخين فهما من هذا الحديث عموم لفظ الناس فى وجوب قتالهم قبل أن يقولوا "لا إله إلا اللَّه" وعموم ضميره فى عدم جواز القتال بعده، وكذا عموم الجمع المضاف وهو الدماء والأموال.

قوله: (ولم ينكره أحد) قال فى المنتهى: فإن قيل الإجماع السكوتى وإن انتهض دليلًا فى الفروع فلا ينتهض فى الأصول؟ قلنا: شاع ولم ينكر فيقتضى عادة القطع لتحقق الإجماع وجواز الاستدلال به فى الأصول ولو سلم فالمطلوب دلالة اللفظ فيكفى الظن.

قوله: (يؤدى إلى أن لا يثبت للفظ مفهوم ظاهر) وقيده فى المتن بقوله: أبدًا، واعترض بأنه يجوز أن يثبت بنص الواضع عليه، والجواب أنا لا ننفى الجواز بل الوقوع إذ لم ينقل أحد نص الواضع ولو سلم فالمراد أنه لا يثبت أبدًا مفهوم ظاهر لا قطع به وتكون جميع المفهومات قطعية.

قوله: (وعليه فقس) أى يمكن أن يسند العموم فى كل مثال علم عمومه إلى بعض هذه الوجوه لكنه عناد لأنا نقطع أن العموم فى مثل لا تضرب أحدًا ولا تشتم رجلًا إنما يفهم من الصيغة فلا يكون ظاهرًا فى العموم، إما على تقدير المجازية فلأن الظاهر هو الحقيقة وإما على تقدير الاشتراك فلتساوى الدلالتين من غير رجحان وظهور فى أحدهما.

المصنف: (وقيل بالوقف فى الإخبار لا الأمر والنهى) وهذا غير الوقف المطلق الداخل فى قوله كما فى الأمر ولما كان هذا لا يشمله قوله كما فى الأمر زاده المصنف كما زاد قوله والوقف أما على معنى. . . إلخ.

ص: 594

المصنف: (أما على معنى ما ندر) أى وضعت للعموم أو لم توضع قال فى التحرير والتردد الأول يرجع إلى التردد الثانى إذ لا شك فى الاستعمال وبالاستعمال يعلم وضعه فلم يبق إلا التردد فى أنه النوعى فتكون الصيغ مجازًا أو الحقيقى فتكون حقيقة.

المصنف: (وشاع وذاع) دليل آخر أى شاع الاستدلال بتلك الصيغ على العموم.

الشارح: (فللعموم صيغة) هذا على ظاهر أن الخلاف هل للعموم صيغة أو لا مع أنه ليس مرادًا.

الشارح: (والتحقيق أن التجوز لا ينافى الظهور) رد الجواب.

الشارح: (إنه لتمهيد قاعدة) أى أن الحكم خرج مخرج البيان لحكم كلى ينطبق على جزئياته وإن كان جزئيًا باعتبار متعلقه الذى اتفق وقوعه متعلقًا به.

ص: 595

(قال: الخصوص متيقن فجعله له حقيقة أولى رد بأنه إثبات لغة بالترجيح وبأن العموم أحوط فكان أولى، قالوا: لا عام إلا مخصص فيظهر أنها للأغلب، رد بأن احتياج تخصيصها إلى دليل مشعر بأنها للعموم وأيضًا فإنما يكون ذلك عند عدم دليل الاشتراك أطلقت لهما والأصل الحقيقة وأجيب بأنه على خلاف الأصل وقد تقدَّم مثله، الفارق الإجماع على التكليف للعام وذلك بالأمر والنهى، وأجيب بأن الإجماع على الإخبار للعام).

أقول: هذه حجج المخالفين فالقائلون بأن هذه الصيغ حقيقة فى الخصوص قالوا: أولًا: أن الخصوص متيقن لأنها إن كانت له فمراد وإن كانت للعموم فداخل فى المراد وعلى التقديرين يلزم ثبوته بخلاف العموم فإنه مشكوك فيه إذ ربما كان للخصوص فكان العموم غير مراد ولا داخل فيه فلا يثبت فجعله حقيقة للخصوص المتيقن أولى من جعله للعموم المشكوك فيه.

الجواب: أولًا: إنه إثبات اللغة بالترجيح وذلك لا يجوز بل لا يثبت إلا بالنقل كما عرف، وثانيًا: أن العموم أحوط لاحتمال أن يراد العموم فلو حمله على الخصوص أضاع غيره مما يدخل فى العموم فخالف الأمر والأحوط أولى وأعلم أن ذلك مما يختلف فى الإيجاب والإباحة.

قالوا: ثانيًا: مشهور فى الألسن حتى صار مثلًا أنه ما من عام إلا وقد خص منه والظاهر أنه للأغلب حقيقة وفى الأقل مجاز تقليلًا للمجاز.

الجواب: أولًا: إن احتياج خروج البعض عنها إلى التخصيص بمخصص ظاهر فى أنه للعموم ولا يحمل على الخصوص إلا لدليل وهو دليل المجاز فى الخصوص والحقيقة فى العموم، وثانيًا أن ذلك أى ظهور كونها حقيقة للأغلب إنما يكون عند عدم الدليل على أنه للأقل كالغائط والمزادة، وههنا قد دلت أدلتنا عليه.

القائلون بالاشتراك قالوا: قد أطلقت الصيغة للعموم والخصوص، والأصل فى الإطلاق الحقيقة فتكون حقيقة فيهما وهو معنى الاشتراك.

الجواب: الاشتراك خلاف الأصل فيحمل على المجاز فى أحدهما لأنه أولى من الاشتراك وقد تقدَّم مثله فى مسألة تعارضهما، الفارق وهو القائل بأنهما فى الأمر والنهى للعموم، وفى الإخبار متوقف قال الإجماع منعقد على أن التكليف للعام أى لعامة المكلفين والتكليف إنما يتصوّر بالأمر والنهى فلولا أن صيغهما

ص: 596

للعموم لما كان التكليف عامًا.

الجواب: المعارضة بمثله فى الإخبار للإجماع على الإخبار بما ورد فى حق جميع الأمة، وإنا مكلفون بمعرفتها.

قوله: (فخالف الأمر) يعنى فيما إذا قيل أكرم العالم وأريد العموم ولو ترك إكرام البعض خالف مقتضى الأمر وكذا لا تكرم جاهلًا لكن ما ذكر بما يتم فى الإيجاب حيث يأثم بترك البعض، وأما فى مثل الإباحة مثل اشرب الشراب، وكل الطعام، فلا خفاء فى أن الخصوص أحوط، إذ لو عمل بالعموم لربما أثم بتناول محرم من الطعام والشراب.

قوله: (والظاهر أنه) أى العام يكون (للأغلب حقيقة وللأقل مجازًا تقليلًا للمجاز) الذى هو خلاف الأصل وفى هذا إشارة إلى أن هذا الكلام أعنى قولهم ما من عام إلا وقد خص منه وارد على سبيل المبالغة وإلحاق القليل بالعدم إذ لو حمل على ظاهره لكان العام معدومًا مغلوبًا وبهذا يندفع ما يقال إنه فى قوة قولنا كل عام فهو مخصوص فهذا العام إن لم يكن مخصوصًا فقد كذب وعاد على موضوعه بالنقض وإن كان مخصوصًا لم يفد لأنه لا نزاع فى تخصيص العمومات ولم يتم الاستدلال به على أن الخصوص أغلب وأيضًا إما أن يكون شئ من العمومات على عمومه أو لا وأيًا ما كان يكذب عموم هذا الكلام ولقائل أن يقول: قد خص منه البعض الذى هو نفس ذلك العام فلا يكذب ولا يقصر عن إفادة المرام لأن الحكم ههنا تخصيص فإخراج البعض عنه يكون إبقاءً لعمومه لا إعدامًا، وقد يجاب أيضًا بأنه خص منه مثل:{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176]، فيصدق ويبقى حجة فيما عداه، غايته لا يكون قطعيًا ونحن لا ندعى ذلك.

قوله: (ولا يحمل) عطف على للعموم أى ظاهر فى أنه لا يحمل على الخصوص إلا لدليل (وهو) أى الظهور فى العموم وفى عدم الحمل على الخصوص إلا لدليل دليل على أنه مجاز فى الخصوص حقيقة فى العموم على ما هو المدعى وفى تقريره دفع لما ذكره الشارح العلامة من أن الحقيقة قد تحتاج إلى قرينة تعيين المراد كما فى المشترك وإن لم يحتج إلى قرينة فى الدلالة وذلك لأنه عند عدم المخصص يفهم منه الكل وأنه لا يخرج عنه البعض وليس يفهم منه

ص: 597

بعض ما حتى يتعين بالقرينة وحاصل هذا الجواب معارضة والثانى منع أى لا نسلم أن كل لفظ غلب فى معنًى فهو حقيقة فيه وإنما يكون لو لم يقم دليل على كونه حقيقة فى المغلوب وتقرير الشارحين أنه إنما يكون ذلك حقيقة فى الخصوص لو دلت عليه عند عدم الدليل أى القرينة وأما عندها فلا والحق ما ذكره المحقق.

قوله: (لعامة المكلفين) أولى مما فى بعض الشروح أن المراد أن التكليف كما يقع لأجل الخاص يقع لأجل العام.

الشارح: (للإجماع على الإخبار بما ورد فى حق جميع الأمة) أى على قصد الإخبار بذلك فلابد له حينئذ من صيغة خبرية تكون عامة وقوله وإنا مكلفون بمعرفتها أى معرفة ما ورد فى حق الأمة والمعرفة كالعمل الذى أوجبه الأمر فيلزم أن يكون التكليف بها عامًا وهو يقتضى صيغة العموم فى الإخبار.

قوله: (لكن ما ذكر إنما يتم. . . إلخ) شرح لقول الشارح وأعلم أن ذلك مما يختلف. . . إلخ.

قوله: (فقد كذب وعاد على موضوعه بالنقض) أى لأنه لم يصدق كل عام مخصوص لأن كل عام من جملة ماصدقات مدلول اللفظ لأنه يصدق على نفسه وغيره ولم يتخصص.

قوله: (وإن كان مخصوصًا لم يفد لأنه لا نزاع. . . إلخ) يعنى أنه حينئذ ليس قاعدة كلية بل فى حكم المهملة ومدلولها لا يحتاج إلى النص ومع ذلك ينافى قولهم أن من بعد النفى نص فى العموم لا تقبل التخصيص.

قوله: (وأيًا ما كان يكذب عموم هذا الكلام) أما على أن من الأشياء ما هو على عمومه فظاهر وأما على عدم العموم لشئ فكل عام ليس مخصوصًا فيكذب كل عام مخصوص.

قوله: (قد خص منه البعض) أى الذى هو كل عام فليس هناك شئ على عمومه إلا كل عام مخصوص فالقاعدة على عمومها ولم يخرج منها شئ إلا لفظ كل عام.

قوله: (قد يحتاج إلى قرينة معين المراد) يعنى أن الاحتياج إلى الدليل لا يشعر بأن الصيغة للعموم حقيقة وفى الخصوص مجاز لجواز أن تكون مشتركة والدليل

ص: 598

لتعين المراد لا لأصل الدلالة فلا تكون فى الخصوص مجازًا.

قوله: (وذلك. . . إلخ) بيان لوجه دفع ما ذكره العلامة وحاصله أن الصيغ لو كانت مشتركة واردة الخصوص بالقرينة المعينة لكان يفهم منها بعض ما كما يفهم منها الكل ويتعين البعض أو الكل بالقرينة مع أنه ليس كذلك، إذ المفهوم منها إنما هو الكل وعدم خروج شئ منها ولا يفهم البعض إلا بالدليل عليه.

قوله: (والحق ما ذكره المحقق) أى فى فهم معنى كلام المصنف فى الرد وإن كان المآل واحدًا.

ص: 599