الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(مسألة: الجمع المنكر ليس بعام
لنا القطع بأن رجالًا فى الجموع كرجل فى الوحدان ولو قال له عندى عبيد صح تفسيره بأقل الجمع، قالوا صح إطلاقه على كل جمع فحمله على الجميع حمل على جميع حقائقه، ورد بنحو رجل وإنه إنما يصح على البدل، قالوا: لو لم يكن للعموم لكان مختصًا بالبعض، رد برجل وأنه موضوع للجمع المشترك).
أقول: الجمع المنكر نحو رجال ليس من صيغ العموم عند المحققين لنا القطع بأن رجالًا بين الجموع فى صلوحه لكل عدد بدلًا كرجل بين الوحدان فى صلوحه لكل واحد فكما أن رجلًا ليس للعموم فيما يتناوله من الوحدان وجب أن لا يكون رجال للعموم فيما يتناوله من مراتب العدد، وأيضًا لو قال له عندى عبيد صح تفسيره بأقل الجمع، وهو الثلاثة اتفاقًا، ولو كان ظاهرًا فى العموم لما صح، وربما تمنع الملازمة وتسند بقيام القرينة.
قالوا: أولًا: ثبت إطلاقه على كل مرتبة من مراتب الجموع، فإذا حملناه على الجميع فقد حملناه على جميع حقائقه فكان أولى.
الجواب: النقض بنحو رجل فإنه يصح لكل واحد على البدل ولا يوجب ذلك حمله على الجميع، ولا يقال إن ذلك حمل له على جميع حقائقه فكذا ههنا، وقد يفرق بأن جميع الأفراد إحدى حقائقه وهو يتناول سائر الحقائق لأنها مندرجة تحتها فكان الحمل عليه أولى فإنه لما كان مترددًا بين حقائقه كفانا فى الترجيح هذا القدر وأما رجل فليس له حقيقة تتناول البواقى بل الجواب منع كونها حقيقة فى كل مرتبة إنما هى للقدر المشترك بينها فلا دلالة لها على خصوص أصلًا.
قالوا: ثانيًا: لو لم يكن للعموم لكان مختصًا بالبعض واللازم منتف لعدم المخصص وامتناع التخصيص بلا مخصص.
الجواب: أولًا: النقض برجل ونحوه مما ليس للعموم ولا مختصًا ببعض بل شائعًا يصلح للجميع.
وثانيًا: بأنه موضوع للجميع المشترك بين العموم والخصوص ولا يلزم من عدم اعتبار قَيْد هو العموم اعتبار عدمه حتى يلزم اعتبار القيد الآخر وهو الخصوص فلا بلزم من عدم كونه للعموم كونه مختصًا بالبعض.
قوله: (لما صح) أى تفسيره بأقل الجمع لأنه بعض المقر به ظاهرًا لا كله اللهم إلا أن يقال العدول عن الظاهر لقيام القرينة العقلية هو استحالة أن يكون عنده جميع عبيد الدنيا فالملازمة ممنوعة، والجواب أن معنى العموم جميع عبيده كما فى قولنا له عندى العبيد ولا قرينة تنفى ذلك.
قوله: (على جميع حقائقه) أى على جميع الأفراد التى هى حقيقة فى كل منها لكونه من أفراد الموضوع له لا نفس الموضوع له ليلزم الاشتراك اللفظى وبهذا يندفع ما يقال إنه لا حقيقة له إلا القدر المشترك بين المجموع عملًا بالأولى لأنه مثل الجمع فى أنه يصح لكل واحد على سبيل البدل كما أن الجمع يصح لكل مرتبة وقد يفرق بأن جميع الأفراد أى مراتب الجمع إحدى حقائقه وفى قوله: كفانا فى الترجيح هذا القدر دفع لما ذكره الآمدى من أنه على تقدير كونه حقيقة فى كل عدد بخصوصه فحمله على الاستغراق المحتمل ليس أولى من حمله على الأقل المتيقن، وأما الجواب بمنع كونه حقيقة فى كل مرتبة فلا يخفى ضعفه للقطع بأن كل مرتبة فهى من أفراد القدر المشترك فيكون اللفظ حقيقة فيها من حيث كونها من أفراد الموضوع له ولا حاجة إلى الدلالة عليها بخصوصها كما إذا جاءك زيد فقلت: جاءنى إنسان، ثم أعلم أن ضمير وهو وعليه لجميع الأفراد وكذا ضمير تحتها نظرًا إلى المعنى وضمير كونها ولها بصيغة الجمع وضمير بينها للمراتب واعترض فى بعض الشروح على تجويز المصنِّف إطلاق الجمع على كل مرتبة بأن من مراتبه المرتبة المستغرقة وصدقه عليها إن كان بطريق الحقيقة حصل مدعى المستدل، والجواب أن المدعى كونه ظاهرًا فى العموم والاستغراق بحيث لو أطلق على البعض كالجمع المحلى باللام كان مجازًا وأما كونه حقيقة فيه من حيث إنه من أفراد الموضوع له فلا نزاع فيه للقطع بأن جميع الرجال رجال وقد يجاب بأنه لا تتصور مرتبة مستغرقة لأن كل مرتبة تفرض ففوقها مرتبة أخرى ضرورة عدم تناهى المراتب وهذا بخلاف الجمع العام فإنه عبارة عن مفهوم يتناول جميع المراتب تناول الكلى لجزئياته ولا استحالة فى اندراج الجزئيات غير المتناهية تحت كل واحد وإنما المستحيل تناول الكل لأجزاء غير متناهية وتناول المرتبة الواحدة لجميع المراتب من هذا القبيل وفيه نظر لأن المراد بالمرتبة المستغرقة مفهوم الجمع العام ومعناه أن رجالًا كما يصدق على ثلاثة وأربعة يصدق على جميع الرجال.
المصنف: (الجمع المنكر ليس بعام) أى بل هو مطلق يراد به تارة مدلول العموم وتارة مدلول الخصوص.
المصنف: (صح إطلاقه على كل جمع فحمله على الجميع حمل له جميع حقائقه) لا يخفى أن فى هذا الاستدلال تسليم أنه موضوع لأى جماعة كانت والحمل على الكل حمل على بعض أفراده للاحتياط وهو ينافى العموم.
قوله: (اللهم إلا أن يقال العدول عن الظاهر. . . إلخ) هو ما أشار إليه الشارح بقوله وربما تمنع الملازمة ويسند بقيام القرينة.
قوله: (ولا قرينة تنفى ذلك) أى مع أنه يصح التفسير فليس ظاهرًا فى العموم.
قوله: (أى على جميع الأفراد) أى المراتب التى هى أى الصيغة حقيقة فى كل منها.
قوله: (عملًا بالأولى) أى عند تعارض الاشتراك اللفظى والمعنوى.
قوله: (لأنه مثل الجمع) أى لأن صيغة الجمع مثل لفظ الجمع فى أنه للقدر المشترك.
قوله: (وأما الجواب يمنع. . . إلخ) أى الجواب الذى ذكره الشارح بقوله بل الجواب منع. . . إلخ.
قوله: (وفيه نظر لأن المراد. . . إلخ) أى فليس معنى عمومه تناوله لجميع المراتب بل بمعنى شموله لجميع الآحاد.
قال: (مسألة: أبنية الجمع لاثنين يصح وثالثها مجاز، الإمام ولواحد لنا أنه يسبق الزائد وهو دليل الحقيقة والصحة، {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11]، والمراد أخوان، واستدل ابن عباس بها ولم ينكر عليه وعدل إلى التأويل قالوا: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11]، والمراد أخوان والأصل الحقيقة، رد بقضية ابن عباس، قالوا: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشعراء: 15]، ورد بأن فرعون مراد، قالوا الاثنان فما فوقهما جماعة، وأجيب فى الفضيلة لأنه عليه الصلاة والسلام بعث بالشرع لا اللغة، النافون، قال ابن عباس: ليس الأخوان إخوة، وعورض بقول زيد: الأخوان إخوة، والتحقيق أراد أحدهما حقيقة والآخر مجازًا، قالوا: لا يقال جاءنى رجلان عاقلون ولا رجال عاقلان، وأجيب بأنهم يراعون صورة اللفظ).
أقول: أبنية الجمع هل يصح إطلاقها لاثنين فيه مذاهب، أحدها: لا يصح، ثانيها: يصح حقيقة، ثالثها: يصح مجازًا، رابعها: وهو للإمام يصح ويصح للواحد أيضًا، وأعلم أن النزاع فى نحو رجال ومسلمين، وضربوا واضربوا لا لفظ ج م ع ولا فى نحو نحن فعلنا ولا فى نحو {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، فإنه وفاق كذا فى المنتهى، لنا أما أنه ليس حقيقة فى الاثنين فلأنه يسبق إلى الفهم عند إطلاق هذه الصيغ بلا قرينة الزائد على الاثنين وذلك دليل على أنه حقيقة فى الزائد دونه لما علمت أنه من علامة المجاز أن يتبادر غيره وأما أنه صحيح للاثنين فقوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11]، فأطلق الإخوة والمراد أخوان فما فوقهما إجماعًا، ويدل على الأمرين جميعًا أنه قال ابن عباس لعثمان: ليس الإخوان إخوة فى لسان قومك، فقال: لا أنقض أمرًا كان قبلى وتوارثه الناس، واستدل ابن عباس ولم ينكره عثمان عليه بل عدل إلى التأويل وهو الحمل على خلاف الظاهر بالإجماع فدل ذلك على صحته وأنه ليس حقيقة فيه فتدبر الكلام، لنا فى المجاز أنه يسبق وفى الصحة قوله فإن كان.
ولنا استدلال القائلين بكونها للاثنين حقيقة، قالوا: أولًا: قال تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11]، والمراد به ما يتناول الأخوين اتفاقًا، والأصل فى الإطلاق الحقيقة.
الجواب: قصة ابن عباس تدل على أنه مجاز، فارتكبناه وإن كان خلاف الأصل.
قالوا: ثانيًا: قال اللَّه تعالى: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشعراء: 15]، والمراد موسى وهارون.
الجواب: لا نسلم أن المراد هما فقط بل فرعون مراد معهما.
قالوا: ثالثًا: قال عليه السلام: "الاثنان فما فوقهما جماعة" وأنه صريح فى إطلاق لفظ الجمع عليهما لكونه مشتقًا من الجماعة وبمعناها.
الجواب: أن هذا لفظ له محملان لغوى، وهو ما ذكرتم وشرعى وهو انعقاد الجماعة وحصول فضيلتها بهما فوجب حمله على المحمل الشرعى لأنه عليه السلام بعث لتعليم الشرع دون اللغة، وأعلم أن هذا الدليل وإن سلم فليس فى محل النزاع لما مر أنه ليس النزاع فى ج م ع وإنما النزاع فى صيغ الجموع.
القائلون بالنفى وهو أنها لا تصلح للاثنين أصلًا، قالوا: أولًا: قال ابن عباس: ليس الأخوان إخوة.
الجواب: المعارضة بقول زيد: الأخوان إخوة والتحقيق أنه أراد أحدهما، وهو ابن عباس بقوله الإخوان ليس بإخوة أنه ليس بإخوة حقيقة، وأراد الآخر وهو زيد بقوله: الأخوان إخوة أنه إخوة مجازًا جمعًا بين الكلامين، وهو ما ذهبنا إليه.
قالوا: ثانيًا: لو صح لاثنين لجاز أن يقال جاءنى رجلان عالمون، ورجال عالمان، فيجعل عالمون فى الأول ورجال فى الثانى لاثنين.
الجواب: لا نسلم الملازمة لأنهم ربما أرادوا مراعاة صورة اللفظ بأن يكون كلاهما جمعًا أو مثنًى وفيه بعد فإنه يقال جاءنى زيد وعمرو وبكر العالمون ولا يقال العالمان ولا جاء زيد وعمرو العالمون.
قوله: (ويصح للواحد أيضًا) قال الإمام فى البرهان: والذى أراه أن الرد إلى رجل واحد ليس بدعًا أيضًا ولكنه أبعد من الرد إلى اثنين ومثاله أن تقول للمرأة إذا برزت للرجل: أتتبرجين للرجال، لاستواء الواحد والجمع فى استكراه التبرج له وقال مثل الخلاف فى أقل الجمع فى أن الرجل إذا قال لفلان على دراهم وأوصى بدراهم فهو محمول على أقل الجمع إن اثنين فاثنان أو ثلاثة فثلاثة.
قوله: (ولنا استدلال) أى لنا فى الصحة وفى المجازية استدلال ابن عباس وعدول عثمان إلى التأويل فليس هذا دليلًا على مجرد الصحة أو كونه حقيقة فى
الثلاثة على ما فى الشروح.
قوله: (وفيه) أى فى هذا الجواب (بعد) لأنه لو روعيت الصورة لما تغير وصف المفردات المتعاطفة بلفظ الجمع دون التثنية ووصف الفردين المتعاطفين بلفظ التثنية، دون الجمع وفى هذا الاستبعاد بعد لما تقرر عندهم من أن الجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع فتعاطف المفردات بمنزلة الجمع وفى صورته وتعاطف المفردين بمنزلة التثنية وفى صورتها.
المصنف: (الجمع لاثنين يصح) ظاهره أن هناك من يقول بأنه لا يصح للاثنين ولا مجاز أو يلزمه أن لا يصح للواحد ولو مجازًا قال ابن السبكى ولا أعرف قائلًا بذلك.
الشارح: (والصحة فإن كان له إخوة. . . إلخ) أى ودليل الصحة فإن كان له إخوة. . . إلخ.
الشارح: (لا لفظ ج. م. ع) أى لأنه أطلق مجتمع سواء كان اثنين أو أكثر وقوله ولا فى نحو نحن فعلنا أى لأن ذلك موضوع للمتكلم ومعه غيره سواء كان واحدًا أو متعددًا وقوله ولا فى نحو {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، أى مما استكره فيه اجتماع تثنيتين فإنه يصح إرادة الاثنين من الجمع من غير خلاف.
الشارح: (دونه) أى دون الاثنين.
الشارح: (أنه قال ابن عباس لعثمان) أى حيث حجب الأم من الثلث إلى السدس بالأخوين.
الشارح: (بل فرعون مراد معهما) وهو وإن كان غائبًا لكن أدرج فى المخاطبين تغليبًا.
الشارح: (وهو بعيد فإنه يقال: جاءنى زيد وعمرو وبكر العالمون ولا يقال العالمان ولا جاء زيد وعمرو العالمون) الصواب أن يقول لأنه يقال جاء زيد وعمرو وبكر العالمون ولا يقال جاء زيد العالم وعمرو العالم وبكر العالم ويقال جاء زيد وعمرو العالمان ولا يقال جاء زيد العالم وجاء بكر العالم يعنى فلم تراع صورة الإفراد بل روعى المعنى فتأمل ويظهر أن المراد لفظ العالمان فى الأولى لم يتقدمه صيغة جمع حتى يمتنع ولفظ العالمون فى الثانية لم يتقدمه صيغة تثنية حتى يمتنع
فكان حقهما الجواز مع امتناعهما فلا غبار على ما قاله وكان على الشارح أن يقول ويقال جاء زيد وعمرو العالمان ولا يقال. . . إلخ.
قوله: (أتتبرجين للرجال لاستواء الواحد والجمع فى استكراه التبرج له) أى فقد أطلق الجمع على الواحد مجازًا وفيه أن الرجال من صيغ العموم المستعمل فى الخصوص لا من الجمع المنكر الذى الكلام فيه على أنه لا يلزم أن يكون مستعملًا فى الواحد مجازًا بل مستعمل فى الأكثر من الواحد على الأصل والمعنى التبرج للرجال هل هو عادتك حتى تتبرجى لهذا الرجل، ومثله يراد كثيرًا يقول القائل لمن هو مظنة الظلم عند مشاهدته يظلم واحدًا أتظلم المسلمين ثم الحق أن إطلاق الجمع على الواحد مجازًا صحيح متى وجد المصحح كقولك: رأيت رجالًا وقد رأيت رجلًا يقوم مقام الكل وغير صحيح إذا لم يوجد المصحح.
قال: (مسألة: إذا خص العام كان مجازًا فى الباقى الحنابلة حقيقة، الرازى إن كان غير منحصر أبو الحسين إن خص بما لا يستقل من شرط أو صفة أو استثناء، القاضى: إن خص بشرط أو استثناء، عبد الجبار: إن خص بشرط أو صفة، وقيل: إن خص بدليل لفظى، الإمام حقيقة فى تناوله مجاز فى الاقتصار عليه، لنا لو كان حقيقة لكان مشتركًا لأن الفرض أنه حقيقة فى الاستغراق، وأيضًا الخصوص بقرينة كسائر المجاز).
أقول: العلم إذا خصص وأريد به الباقى فهو مجاز أو حقيقة، الجمهور على أنه مجاز، وقالت الحنابلة: حقيقة، وقال أبو بكر الرازى: حقيقة إن كان الباقى غير منحصر، أى له كثرة يعسر العلم بقدرها، وإلا فمجاز، وقال أبو الحسين البصرى: حقيقة إن خصص بمخصص لا يستقل بنفسه من شرط أو صفة أو استثناء أو غاية وإن خصص بمستقل من سمع أو عاقل فمجاز، وقال القاضى أبو بكر: حقيقة إن خصص بشرط أو استثناء لا صفة وغيرها، وقال القاضى عبد الجبار: حقيقة إن خصص بشرط أو صفة لا استثناء وغيره، وقيل حقيقة إن خصص بدليل لفظى اتصل أو انفصل.
وقال الإمام: حقيقة فى تناوله مجاز فى الاقتصار عليه لنا أنه لو كان حقيقة فى الباقى كما فى الكل لكان مشتركًا بينهما واللازم منتف، إما الملازمة فلأنه ثبت للعموم حقيقة والبعض مخالف له فى المعقول والمفروض أنه حقيقة فيه فيكون حقيقة فى معنيين مختلفين وهو معنى المشترك، وإما بطلان اللازم فلأن الفرض وقع فى مثله وأيضًا لو كان حقيقة لكان كل مجاز حقيقة واللازم ظاهر البطلان، بيان الملازمة أنه إنما يحكم بكونه حقيقة لأنه ظاهر فى الخصوص مع القرينة وإن كان ظاهرًا بدونها فى العموم، وكل لفظ بالنسبة إلى معناه المجازى كذلك وقد يقال إرادة الاستغراق باقية إذ المراد بقول القائل أكرم بنى تميم الطوال عند الخصم أكرم بنى تميم من قد علمت من صفتهم أنهم الطوال سواء عمهم الطول أو خص بعضهم ولذلك يقول وأما القصار منهم فلا تكرمهم ويرجع الضمير إلى بنى تميم لا إلى الطوال منهم وأيضًا فلم يرد الباقى بوضع واستعمال ثان بل بالوضع والاستعمال الأول وإنما طرأ عليه عدم إرادة المخرج بخلاف المجاز وبه يعرف الجواب عن الثانى.
قوله: (عبد الجبار حقيقة إن خصص بشرط أو صفة) هذا خلاف ما اختاره فى عمدة الأدلة حيث قال: والصحيح أنه يصير مجازًا بأى شئ خصص لأنه استعمال اللفظ فى غير ما وضع له بقرينة اتصلت أو انفصلت استقلت أم لا.
قوله: (الإمام حقيقة فى تناوله) قال فى البرهان والذى أراه اجتماع جهتى الحقيقة والمجاز فى اللفظ لأن تناوله لبقية المسميات لا تجوّز فيه فهو من هذا الوجه حقيقة فى المتناول واختصاصه بها وقصوره عما عداها جهة فى التجوّز والقول الكامل أن العمل واجب واللفظ حقيقة فى تناول البقية مجاز فى الاختصاص.
قوله: (والبعض مخالف له) أى للعموم (فى المعقول) أى المفهوم يعنى ثبت كونه حقيقة فى العموم من حيث هو عموم وهو لا يصدق على البعض فلا يكون إطلاقه عليه حقيقة باعتبار مفهوم واحد مشترك بين الكل والبعض ليكون الاشتراك معنويًا بل يتعين الاشتراك اللفظى وهو خلاف ما فرض من كونه ظاهرًا فى العموم غير مشترك بينه وبين الخصوص وهذا معنى قوله: (فلأن الفرض وقع فى مثله) أى فيما ليس مشتركًا لفظًا، قال فى المنتهى: والثانية الفرض أو لكونه خلاف الأصل.
الشارح: (وأيضًا لو كان حقيقة لكان كل مجاز حقيقة. . . إلخ) شرح لقول المصنف وأيضًا الخصوص بقرينة كسائر المجاز.
الشارح: (إرادة الاستغراق بقية) اعترض بأن الحكم فى العام المخصوص إنما هو على البعض والمعتبر الاستعمال الذى يكون مناطًا للحكم فلا إرادة للاستغراق استعمالًا على أنه يتضمن لغوًا ضرورة أن الحكم على البعض يتم بإرادة البعض المتعلق للحكم فإرادة البعض الآخر معه لغو وأجيب بأن العام مستعمل فى الكل ثم أخرج منه البعض ثم عرض الحكم فالحكم على البعض الذى بقى بعد الإخراج من الكل ومثله مثل الكناية فإنه يذكر فيها شئ ويكون مناط الحكم شيئًا آخر يكنى به إليه كما تقول فلان طويل النجاد كناية عن طول القامة فكذا هنا المذكور العام والمقصود بالحكم البعض بدلالة المخصص وهذا طريق إلى التعبير غايته أنه أطول من التعبير بمفهوم آخر ولا لغو فيه، وهذا ظاهر فى المخصص المتصل وأما
فى المنفصل فغير ظاهر لأنه ليس مرتبطًا بالعام بل مفيد لحكم معارض لحكم العام فى بعض الأفراد ولدفع المعارضة يصير قرينة على أن الحكم فى العام على البعض غير المتناول له هذا المخصص.
الشارح: (وأيضًا فلم يرد الباقى بوضع واستعمال ثان) رده فى التحرير بأن الحقيقة هى إرادة الباقى بالأول من حيث هو داخل فى تمام الوضعى المراد باللفظ لا بمجرد كونه تمام المراد بالحكم، أما إذا أريد هذا فكونه موضوعًا له إنما هو بالثانى. اهـ. وأعلم أن من فرق بين العام والمخصوص والعام المراد به الخصوص فقال: إن الثانى مجاز لأن عمومه ليس مرادًا لا تناولًا ولا حكمًا، وأما الأول فحقيقة لأن عمومه مراد تناولًا لا حكمًا يقول بأن المخصص بالاستثناء أو الشرط والغاية والصفة من الأول فكون ما ذكر حقيقة منظورًا فيه لاستعمال اللفظ فى الجميع ثم أخرج منه البعض ثم عرض الحكم بعد الإخراج وهناك توجيه آخر لكونه حقيقة هو أن العموم بالنظر إلى المقيد والقيد فالعموم فى مثل أكرم بنى تميم الفقهاء إنما هو باعتبار الموصوف والصفة فالمعنى أكرم جميع الفقهاء من بنى تميم وكذا الباقى فقولك أكرم بنى تميم إن جاءوا فى معنى أكرم جميع الجائين منهم وفى أكرم بنى تميم إلا زيدًا أكرم جميع بنى تميم المخرج منهم زيد وفى التنقيح أن التخصيص هو قصر العام على بعض أفراده بمستقل وهو إما بالكلام أو غيره وهو إما العقل نحو خالق كل شئ يعلم ضرورة أن اللَّه تعالى مخصوص منه وإما الحس وأما العادة وأما غير ذلك مما ذكره وأما قصر العام على بعض أفراده بغير مستقل كالشرط والغاية والصفة فلا يسمى تخصيصًا عنده وهو حقيقة فى الباقى والأول مجاز.
(قال الحنابلة: التناول باق فكان حقيقة وأجيب بأنه وإن مع غيره قالوا يسبق وهو دليل الحقيقة قلنا بقرينة وهو دليل المجاز الرازى إذا بقى غير منحصر فهو معنى العموم وأجيب بأنه كان للجميع أبو الحسين لو كان ما لا يستقل يوجب تجوّزًا فى نحو الرجال المسلمون وأكرم بنى تميم إن دخلوا لكان نحو مسلمون للجماعة مجازًا، ولكان نحو المسلم للجنس أو للعهد مجازًا ونحو ألف سنة إلا خمسين عامًا مجازًا، وأجيب بأن الواو فى المسلمون كألف ضارب وواو مضروب، والألف واللام فى المسلم وإن كان كلمة حرفًا أو اسمًا فالمجموع الدال والاستثناء سيأتى والقاضى مثله إلا أن الصفة عنده كأنها مستقلة وعبد الجبار كذلك إلا أن الاستثناء عنده ليس بتخصيص المخصص باللفظية لو كانت القرائن اللفظية توجب تجوزًا. . . إلخ وهو أضعف. الإمام: العام كتكرار الآحاد وإنما اختصر فإذا أخرج بعضها بقى الباقى حقيقة، وأجيب بالمنع فإن العام ظاهر فى الجميع فإذا خص خرج قطعًا والمتكرر نص).
أقول: الحنابلة وهم القائلون بأنه حقيقة قالوا: أولًا: كان اللفظ متناولًا له حقيقة باتفاق والتناول باق على ما كان لم يتغير إنما طرأ عدم تناول الغير.
الجواب: كان يتناوله مع غيره، والآن يتناوله وحده وهما متغايران فقد استعمل فى غير ما وضع له، وقد يقال كونه لا يتناول غيره أو يتناوله لا يغير صفة تناوله لما يتناول.
قالوا: ثانيًا: يسبق إلى الفهم إذ مع القرينة لا يحتمل غيره وهو دليل الحقيقة.
الجواب: أنه إنما يتبادر مع القرينة إذ دونها يسبق العموم وأنه دليل المجاز، وقد يقال إرادة الباقى معلومة دون القرينة إنما المحتاج إلى القرينة عدم إرادة المخرج، الرازى وهو القائل بأنه حقيقة إن بقى غير منحصر.
قال: معنى العموم حقيقة كون اللفظ دالًا على أمر غير منحصر فى عدد فإذا كان الباقى غير منحصر كان عامًا.
الجواب: منع كون معناه ذلك بل معناه تناوله للجميع وكان للجميع وقد صار لغيره فكان مجازًا ولا يخفى أن هذا منشؤه فاشتباه كون النزاع فى لفظ العام أو فى الصيغ أبو الحسين وهو القائل بأنه حقيقة إن خص بغير مستقل، قال: لو كان التقييد بما لا يستقل يوجب تجوّزًا فى نحو الرجال المسلمون من المقيد بالصفة،
وأكرم بنى تميم، إن دخلوا من المقيد بالشرط لكان نحو مسلمون للجماعة، مجازًا ولكان نحو المسلم للجنس، أو للعهد مجازًا، ولكان نحو ألف سنة إلا خمسين عامًا مجازًا، واللوازم الثلاثة باطلة بالاتفاق بيان الملازمة أن كل واحد من المذكورات مقيد بقيد هو كالجزء له وقد صار به لمعنى غير ما وضع له أولًا وهى بدونه للمنقول عنه ومعه للمنقول إليه ولا يحتمل غيره وقد جعلتم ذلك موجبًا للتجوّز فالفرق تحكم.
الجواب: أن ما ذكرتم من الصور ليس شئ منها عامًا مقيدًا فإن الواو فى مسلمون كألف ضارب وواو مضروب جزء الكلمة والمجموع لفظ واحد والألف واللام فى المسلم وإن كانت كلمة سواء كان اسمًا وهو ما كان بمعنى الذى أو حرفًا وهو ما سواه فالمجموع الدال وهو الجنس والقيد لا أن مسلم للجنس والألف واللام للقيد والاستثناء سيأتى أنه إخراج بعد إرادة العموم من اللفظ وشئ مما ذكرنا لا يتحقق فى العام المخصص فلم يلزم من كون ذلك مجازًا كون هذه مجازات، القاضى أبو بكر قال: مثل ما قال أبو الحسين وهو إلزام أن يكون مسلمون والمسلم وألف سنة إلا خمسين عامًا مجازات إلا أن الصفة عنده كأنها مخصص مستقل فلا يتناولها الدليل ويحققه أن تخصيصها ليست لفظية بدليل أن الصفة قد تشمل أفراد الموصوف نحو الجسم الحادث والصانع القديم وقد لا تشمل إلا أن ذلك يعلم من خارج لا من الصفة. والقاضى عبد الجبار قال مثل ما قالاه إلا أن الاستثناء عنده ليس بتخصيص لما ستعلم أن المستثنى باق على عمومه فى الإرادة والتخصيص إنما هو فى الإسناد، القائل بأن المخصص بالدلائل اللفظية حقيقة قال: لو كانت الدلائل اللفظية توجب تجوّزًا لكان نحو مسلمون والمسلم مجازًا. . إلخ وهذا ضعيف بالمرة لما مر أن المتصل كالجزء من الكلام كما فى صورة الإلزام سيصلح جامعًا وأما تعميمه فى غير المتصل مع ظهور الفرق فلا وجه له.
الإمام قال: العام كتكرير الآحاد المتعددة، قال أهل العربية: معنى الرجال فلان وفلان وفلان إلى أن يستوعب وإنما وضع الرجال اختصارًا وإذا كان كذلك لا شك أنه فى تكرير الآحاد إذا بطل إرادة البعض لم يصر الباقى مجازًا فكذا ههنا.
الجواب: منع كونه كتكرار الأفراد، وإنما يقول أهل العربية ذلك لا لأنه مثله فى جميع أحكامه بل لبيان الحكمة فى وضعه بل العام ظاهر فى الجميع فإذا أخرج
بعض خرج عما هو ظاهر فيه قطعًا، وهو معنى المجاز والمكرر استعمل كل واحد فى كل واحد نصًا، وإذا خرج بعض عن الإرادة بقى الباقى نصًا فيما يتناوله لم يتغير عن وضعه أصلًا.
قوله: (وقد يقال) جواب عن الدليل الأول بوجهين وعن الثانى بوجه واحد، حاصل الأول أنا لا نسلم أن العام بعد التخصيص يراد به خصوص الباقى دون الاستغراق ليكون معنًى آخر ويلزم منه عدم مجازية الاشتراك، وحاصل الثانى أنه لو سلم إرادة الباقى فبالاستعمال الأول الطارئ عليه عدم إرادة القدر الذى أخرج من المجموع وحينئذ يتوجه على الدليل الأول أنا لا نسلم أنه لو كان حقيقة فى الباقى لكان مشتركًا لفظًا وإنما يلزم لو كان ذلك بوضع ثان واستعمال ثان، وعلى الثانى أنا لا نسلم أنا لا نحكم بكونه حقيقة إلا لكونه ظاهرًا فى الخصوص مع القرينة بل لكونه مستعملًا فى معناه الأول غايته أنه طرأ عليه عدم إرادة البعض وهذا بخلاف المجاز فإنه إنما يكون باستعمال ثان ضرورة أن استعمال الحقيقة يكون فى الموضوع له والمجاز فى غيره فقوله لم يرد الباقى بوضع واستعمال ثان يعنى بوضع شخصى ليلزم الاشتراك أو نوعى ليلزم المجاز ولم يقتصر على الاستعمال ملاحظة لجانب الاشتراك.
قوله: (وقد يقال) اعتراض غير متوجه لأن حاصل الجواب أن بقاء التناول لا يوجب كونه حقيقة وإن كون اللفظ حقيقة أو مجازًا أمر إضافى يختلف بالحيثية فكونه حقيقة قبل التخصيص لم يكن من حيث كونه متناولًا للباقى ولا للباقى حتى يكون بقاء التناول مستلزمًا لبقاء كونه حقيقة بل من حيث إنه مستعمل فى المعنى الذى ذلك الباقى بعض منه وبعد التخصيص قد يستعمل فى نفس الباقى فلا يبقى حقيقة والقول بأنه كان متناولًا له حقيقة مجرد عبارة والكلام فى الحقيقة المقابلة للمجاز وهى صفة للفظ وكذا اعتراضه على الجواب عن الدليل الثانى بأن إرادة الباقى معلومة دون القرينة لأن اللفظ إنما يكون حقيقة إذا علم إرادة الباقى على أنه نفس المراد وقبل القرينة إنما يعلم على أنه داخل تحت المراد وجزء منه وإنما يصير تمام المراد بمعونة القرينة وهذا معنى المجاز.
قوله: (ولا يخفى) مثل هذا الاشتباه وقع لكثير من الأصوليين فى كثير من المواضع يكون الأمر للوجوب والجمع للاثنين والعام مجازًا فى الباقى والاستثناء
مجازًا فى المنقطع وهذا من باب اشتباه العارض بالمعروض.
قوله: (أبو الحسين) قد عرفت أن مذهبه أنه حقيقة إن خص بغير مستقل من شرط أو صفة أو استثناء أو غاية وعلى هذا فمثل {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] يكون من صور الدعوى لا من صور الاتفاق وقد يجاب بأن الخلاف فى العام المخصص ومثل: {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14]، ليس منه لأن أسماء العدد ليست من العموم فى شئ فهى بعد الاستثناء حقيقة اتفاقًا أى بينه وبين الخصم لا بين الكل لما سيأتى فى الاستثناء أن بعضهم على أن عمرة إلا ثلاثة مجاز عن السبعة والاستثناء قرينة وعلى هذا كان ينبغى أن يقول بعد قوله وأكرم بنى تميم إن دخلوا من المقيد بالشرط وأكرم بنى تميم إلا الداخلين من المقيد بالاستثناء ولا يخفى عليك أن قوله والاستثناء سيأتى أنه إخراج بعد إرادة العموم مشعر بأن العام الذى أخرج منه البعض بالاستثناء باق على عمومه بحسب الدلالة والإرادة وليس من العام المخصص فى شئ وليس بمجاز فما ذكرنا عند تقرير المذاهب من أن العام المخصص بالاستثناء عند أبى الحسين حقيقة يكون بالنظر إلى الحكم والإسناد على ما سيأتى فى الاستثناء من أنه على المختار يحتمل أن يكون تخصيصًا وأن لا يكون.
قوله: (سواء كان اسمًا) إن كان الكلام فى مطلق المعرف باللام فظاهر أن اللام قد تكون اسمًا، وقد تكون حرفًا، وإن كان فى مثل المسلم فالجمهور على أنه اسم موصول وكونه حرف التعريف إنما هو قول المازنى وأظن أن الخلاف فى الصفات التى تصلح صفة للموصول ويقصد بها معنى الفعل من نحو الضارب والقائم دون مثل المؤمن والكافر والصانع والحائك وما أشبه ذلك وبالجملة فالمجموع يعدّ فى العرف كلمة واحدة ويفهم منه معنًى واحد من غير تجوّز ونقل من معنًى إلى آخر، ولا كذلك الموصوف مع الصفة.
قوله: (فلا يتناولها الدليل) لأن صورة الاتفاق على كونها ليست بمجازات كلها مما يقيد بقيد هو كالجزء لا استقلال له فلا يصح إلحاق المستقل بها ويرد عليه مثل ما سبق أن الاستثناء من صور الدعوى وقد ذكر فى صور الاتفاق.
قوله: (والقاضى عبد الجبار قال مثل ما قالاه) أى أبو الحسين والقاضى أبو بكر وتقريره أنه لو كان التخصيص بالشرط أو الصفة يوجب التجوّز لكان مثل المسلمين والمسلم مجازًا ولم يتعرض لجواب القاضيين اكتفاء بجواب أبى الحسين ثم ظاهر
الكلام أن مذهب القاضى عبد الجبار أن ما أخرج منه البعض بالاستثناء فهو حقيقة وأنه على عمومه بحسب الدلالة والإرادة لم يطرأ عليه نقل ولا استعمال فى الغير وكلام الآمدى صريح فى أن مذهبه أنه يجاز وفى قوله: والتخصيص إنما هو فى الإسناد تصحيح لكون المستثنى منه من البحث أعنى العام المخصص وتوجيه لما وقع فى عبارة عبد الجبار من تخصيص العام بالاستثناء.
قوله: (مع ظهور الفرق) وهو كون القيد فى صورة الاتفاق غير مستقل كما فى المخصص المتصل، ومستقلًا فى المنفصل ولا يلزم من مجازية المقيد بالمستقل مجازية المقيد بغير المستقل وقريب من ذلك ما فى الشروح أن الجامع كما كان أخص كان القياس أقوى لجواز أن تكون علة الأصل هى ذلك الأخص ولا توجد فى الفرع ولا خفاء فى أن القرينة اللفظية غير المستقلة أخص من مطلق القرينة كاللفظية.
قوله: (العام كتكرير الآحاد) اقتصر على بيان كونه حقيقة فى التناول دون كونه مجازًا فى الاقتصار لظهوره حيث كان غير مقتصر فصار مقتصرًا ثم لا يخفى ما فى قوله والمكرر استعمل كل واحد فى كل واحد نصًا والصواب فى واحد.
الشارح: (فالمجموع الدال وهو الجنس والقيد) الأولى وهو مسلم و"ال".
الشارح: (ويحققه أن تخصيصها ليست لفظية) تحريف وحقه أن تخصيصها ليس لفظيًا أى ليس مستفادًا من اللفظ بل يعلم من خارج كما قال.
قوله: (وعلى هذا كان ينبغى. . . إلخ) مردود بأن الاستثناء داخل فى نحو لأنه قال: يوجب تجوزًا فى نحو الرجال المسلمون وقوله: ولا يخفى عليك أن قوله أى الشارح وقوله يكون بالنظر إلى الحكم أى كونه عامًا مخصوصًا إنما هو بالنظر إلى الحكم وإلا فهو بالنظر لذاته باق على عمومه.
قوله: (ويرد عليه مثل ما سبق. . . إلخ) ويجاب عنه أيضًا بمثل ما سبق من أن المذكور فى صور الاتفاق ليس من العام؛ لأن أسماء العدد ليست من العموم فى شئ.
قوله: (لظهوره حيث كان غير مقتصر فصار مقتصرًا) اعترض بأنه لم يستعمل فى الاقتصار حتى يكون مجازًا فيه فإن أريد استعماله فيما اقتصر عليه من العام لم يصح كونه حقيقة وقد قال: إنه حقيقة فى التناول بمعنى المتناول.
قال: (مسألة: العام بعد التخصيص بمبين حجة، وقال البلخى: إن خص بمتصل، وقال البصرى: إن كان العموم منبئًا عنه، كـ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، وإلا فليس بحجة]: كـ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38]، فإنه لا ينبئ عن النصاب والحرز، عبد الجبار إن كان غير مفتقر إلى بيان كالمشركين بخلاف: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43]، فإنه مفتقر قبل إخراج الحائض، وقيل حجة فى أقل الجمع، وقال أبو ثور ليس بحجة لنا ما سبق من استدلال الصحابة مع التخصيص، وأيضًا القطع بأنه إذا قال أكرم بنى تميم ولا تكرم فلانًا فترك عدّ عاصيًا، وأيضًا فإن الأصل بقاؤه واستدل لو لم يكن حجة لكانت دلالته موقوفة على دلالته على الآخر واللازم باطل لأنه إن عكس فدور، وإلا فتحكم، وأجيب بأن الدور إنما يلزم بتوقف التقدم وأما بتوقف المعية فلا، قالوا: صار مجملًا لتعدد مجازه فيما بقى وفى كل منه قلنا لما بقى بما تقدَّم أقل الجمع هو المتحقق وما بقى مشكوك قلنا لا شك مع ما تقدَّم).
أقول: قد اختلف فى العام المخصص هل هو حجة فيما بقى أم لا أما الخصص بمجمل نحو هذا العام مخصوص أو لم يرد كل ما يتناوله فليس بحجة بالاتفاق إنما الكلام فى المخصص بمبين مثل أن يقول: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، ثم يظهر أن الذمى غير مراد والمختار أنه حجة فيما بقى، وقال البلخى إن خص بمتصل فحجة وإن خص بمنفصل فلا، وقال أبو عبد اللَّه البصرى، إن كان لفظ العموم منبئًا عنه قبل التخصيص فحجة وإلا فلا، مثاله:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، فإنه ينبئ عن الحربى إنباءه عن الذمى بخلاف السارق والسارقة فاقطعوا فإنه لا ينبئ عن كون المال نصاب السرقة، وهو الربح ومخرجًا من حرز فإذا بطل العمل به فى صورة انتفائهما لم يعمل به فى صورة وجودهما، وقال عبد الجبار: إن كان قبل التخصيص لا يحتاج إلى بيان فهو حجة وإلا فلا، مثاله:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، فإنه بين فى مراده قبل إخراج الذمى بخلاف:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43]، فإنه مفتقر إلى البيان قبل إخراج الحائض ولذلك بينه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بفعله، فقال:"صلوا كما رأيتمونى أصلى"، وقيل يبقى حجة فى أقل الجمع من اثنين أو ثلاثة على الرأيين، وقال أبو ثور ليس بحجة مطلقًا لنا ما سبق من استدلال الصحابة مع التخصيص، وتكرر وشاع ولم ينكر فكان إجماعًا، ولنا أيضًا أنا نقطع بأنه إذا قال أكرم بنى تميم، وأما فلانًا منهم فلا تكرمه فترك إكرام
سائر بنى تميم عدّ عاصيًا فدل على ظهوره فيه وهو المطلوب، ولنا أيضًا أنه كان متناولًا للباقى والأصل بقاؤه على ما كان عليه واستدل بأنه لو لم يكن حجة فى الباقى لكان إفادته للباقى موقوفة على إفادته للآخر بالضرورة واللازم باطل لأنه إن عكس حتى توقف إفادته للآخر على إفادته له لزم الدور وإلا كان ترجيحًا بلا مرجح، وهو التحكم.
الجواب: أن التوقف ينقسم إلى توقف تقدم كالمعلول على العلة والمشروط على الشرط والتوقف من الطرفين بهذا المعنى محال ضرورة استلزامه تقدم الشئ على نفسه وهو المراد بالدور إذا أطلق وحكم باستحالته وإلى توقف معية كتوقف كون هذا ابنًا لذاك على كون ذاك أبًا لهذا وبالعكس وكتوقف قيام كل من اللبنتين المتساندتين على قيام الأخرى وهذا لا يمتنع من الطرفين وليس دورًا مطلقًا وإن كان يعبر عنه بدور المعية ثم التوقف فيما ذكرتم من الطرفين هو توقف معية فلا يمتنع.
قالوا: أولًا: حقيقته العموم ولم ترد وسائر ما تحته من المراتب مجازاته وإذا لم ترد الحقيقة وتعددت المجازات كان اللفظ محملًا فيها فلا يحمل على شئ منها، وإلا بقى أحد المجازات فلا يحمل عليه فيبقى مترددًا بين جميع مراتب الخصوص فلا يبقى حجة فى شئ منها.
الجواب: إنما ذلك إذا كانت المجازات متساوية ولا دليل على تعيين أحدها، وما ذكرناه من الأدلة دلت على حمله على الباقى فيصار إليه.
قالوا: ثانيًا: أقل الجمع هو المتحقق والباقى مشكوك فيه فلا يصار إليه، وهذا حجة على من قال بأنه حجة فى أقل الجمع.
والجواب: لا نسلم أن الباقى مشكوك فيه لما ذكرنا من الدلائل على وجوب الحمل على ما بقى.
قوله: (أما المخصص بمجمل) أى مبهم غير معين كما إذا قال هذا العام مخصوص أو قال هذا العام لم يرد به كل ما يتناوله أو قال اقتلوا المشركين إلا بعضهم.
قوله: (ثم يظهر) أى بلفظ متصل أو منفصل أو بغيره.
قوله: (منبئًا عنه) أى عما بقى مثل لفظ المشركين فإنه قبل إخراج الذمى ينبئ عن الحربى أى ينتقل الذهن إليه ويعلم حكمه بخلاف السارق إذا أخرج منه السارق لغير النصاب ومن غير الحرز فإنه لا ينبئ عن السابق لربع دينار من الحرز ولا ينتقل الذهن إلى ذلك ما لم ينبه الشارع على التفصيل ولدقة هذا الفرق قال الشارح العلامة كما أن المشركين قبل التخصيص ينبئ عن الذمى، كذلك السارق ينبئ عن السارق لغير النصاب، ومن غير الحرز، وكما لا ينبئ السارق عن النصاب والحرز الذى هو سبب التخصيص، كذلك المشركون لا ينبئ عن سبب تخصيص الذمى وسوق كلامه يشير إلى أن ضمير عنه للقدر المخرج، وقد صرح بأنه لما خص به العام ولا خفاء فى أنه إنما يصدق على الباقى دون المخرج اللهم إلا أن يراد ما خص العام بسببه أى بسبب إخراجه.
قوله: (لنا ما سبق) احتج بوجوه ثلاثة ينتهض بعضها على الكل وبعضها على البعض، وتقرير الثالث على ما فى الشروح أنه قبل التخصيص كان حجة فى كل واحد فتبقى حجيته حتى يظهر المعارض ولم يظهر إلا فى القدر المخصوص فتبقى حجيته حتى يظهر المعارض ولم يظهر إلا فى القدر المخصوص فتبقى فى الباقى.
قوله: (بالضرورة) لأنه لا معنى لتوقف إفادته للباقى على إفادته للآخر إلا إنه إذا أفاد الآخر ودل عليه وكان حجة فيه أفاد الباقى ودل عليه وكان حجة فيه وإذا انتفى ذلك فى حق الآخر انتفى فى حق الباقى.
قوله: (وإلا كان ترجيحًا بلا مرجح) لأن التقديرين كلًا منهما بعض العام ومدلول لضمنى له من غير فرق ولولا هذا التقدير لجاز أن تتوقف إفادة اللفظ لمعنى على إفادته لآخر من غير عكس كما فى المدلول التضمنى أو الالتزامى بالنسبة إلى المطابقى على أنك إذا تحققت بالتوقف فى مثل هذا أيضًا من الجانبين.
قوله: (وهو المراد بالدور إذا أطلق) ربما يشعر بأنه حقيقة الدور والمعية مجاز لا تفهم إلا بقرينة.
قوله: (وما ذكرناه من الأدلة) إشارة إلى أن ما تقدَّم عبارة عن الأدلة الثلاثة السابقة لا عن الآخر منها كما ذكره بعض الشارحين.
قال: (مسألة: جواب السائل غير المستقل دونه تابع للسؤال فى عمومه اتفاقًا والعام على سبب خاص بسؤال مثل قوله عليه الصلاة والسلام -لما سئل عن بئر بضاعة-: "خلق اللَّه الماء طهورًا لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه"، أو بغير سؤال كما روى أنه صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميمونة فقال: "أيما إهاب دبغ فقد طهر"، معتبر فى عمومه على الأكثر، ونقل عن الشافعى خلافه لنا استدلال الصحابة بمثله، كآية السرقة وهى فى سرقة المجن، أو رداء صفوان، وآية الظهار فى سلمة بن صخر وآية اللعان فى هلال بن أمية، أو غيره، ولنا أيضًا فإن اللفظ عام فالتمسك به. قالوا: لو كان عامًا لجاز تخصيص السبب بالاجتهاد، وأجيب بأنه اختص بالمنع للقطع بدخوله على أن أبا حنيفة رحمه الله أخرج الأمة المستفرشة من عموم: "الولد للفراش"، فلم يلحق ولدها مع وروده فى ولد زمعة، وقد قال عبد اللَّه بن زمعة هو أخى وابن وليدة أبى ولد على فراشه، قالوا: لو عم لم يكن فى نقل السبب فائدة، قلنا فائدته منع تخصيصه ومعرفة الأسباب، قالوا لو قال تغد عندى فقال: واللَّه لا تغدّيت لم يعم، قلنا: العرف خاص، قالوا: لو عم لم يكن مطابقًا، قلنا طابق وزاد، قالوا: لو عم لكان حكمًا بأحد المجازات بالتحكم لفوات الظهور بالنصوصية. قلنا: النص خارجى بقرينة).
أقول: الجواب: إن لم يكن مستقلًا بدون السؤال كان فى عمومه وخصوصه تابعًا للسؤال مثل أن يسأل هل يتوضأ بماء البحر فيقول نعم، ولا نزاع فيه وإنما النزاع فيما إذا بنى عام مستقل على سبب خاص سواء كان ذلك السبب سؤالًا أم لا، مثال الأول قوله عليه الصلاة والسلام -لما سئل عن بئر بضاعة-:"خلق اللَّه الماء طهورًا لا ينجسه إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه"، والثانى كما روى أنه مر بشاة ميمونة فقال:"أيما إهاب دبغ فقد طهر"، ففى هاتين الصورتين العبرة بعموم اللفظ فيحكم بطهورية كل ماء وطهر كل إهاب، أو بخصوص السبب فيحكم بطهورية بئر بضاعة وطهر إهاب الشاة.
قال: الأكثر أن المعتبر عموم اللفظ، ونقل عن الشافعى خلافه وهو أنه لا عبرة بعموم اللفظ إنما المعتبر خصوص السبب، لنا أن الصحابة عممت أكثر العمومات مع ابتنائها على أسباب خاصة، فمنها آية السرقة، ونزلت فى سرقة المجن، أو رداء صفوان على الخلاف فيه، ومنها آية الظهار ونزلت فى سلمة بن صخر، ومنها آية
اللعان ونزلت فى هلال بن أمية وكذلك غيره من العمومات لكل سبب خاص، ولنا أيضًا أن اللفظ عام، والعمل به وخصوص السبب لا يصلح معارضًا إذ لا منافاة قطعًا.
قالوا: أولًا: لو كان عامًا للسبب ولغيره لجاز تخصيص السبب عنه بالاجتهاد حتى يجوز فى المثالين الحكم بعدم طهورية بئر بضاعة وطهارة إهاب الشاة وبطلانه قطعى متفق عليه.
الجواب: لا نسلم الملازمة فإنه يختص من بين ما يتناوله العموم بالمنع عن إخراجه للقطع بدخوله فى الإرادة ولا بعد أن يدل الدليل على إرادة خاص فيصير كالنص فيه والظاهر فى غيره فيمكن إخراج غيره دونه ويمكن أيضًا منع بطلان اللازم فإنه نقل عن أبى حنيفة رحمه الله إخراج السبب بالاجتهاد لأن قوله عليه الصلاة والسلام: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" عام فى كل مستفرشة من أمة أو زوجة وأنه ورد فى ولد زمعة وهو ولد أمة مستفرشة، قال عبد اللَّه بن زمعة فى جواب من كان يدعى أنه ابن أخيه: هو أخى وابن وليدة أبى ولد على فراشه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، فالسبب هو الأمة المستفرشة ومع هذا فإن أبا حنيفة يخرجها عن العموم بالاجتهاد فلا يلحق ولدها بسيدها.
قالوا: ثانيًا: لو عمَّ العام فى السبب وغيره كان نسبته إليهما سواء وإذ لا يختص السبب بحكم فلا يكون لذكر السبب فائدة فلم يبالغوا فى بيانه وتدوينه وحفظه متعبين أنفسهم فى ذلك ولم يقع الاختلاف فيه عادة.
الجواب: لا نسلم انتفاء الفائدة حينئذٍ إذ لا يلزم من انتفاء الفائدة المعينة انتفاؤها مطلقًا بل فائدته منع تخصيصه بالاجتهاد ونفس معرفة الأسباب إذ ليس كل معرفة يراد العمل بها.
قالوا: ثالثًا: الاتفاق على أنه لو قال تغدّ عندى فقال واللَّه لا تغدّيت لم يعم قوله لا تغدّيت كل تغدّ ونزل على التغدّى عنده حتى لو تغدّى لا عنده لم يحنث.
الجواب: خرج ذلك من عموم دليلنا لعرف خاص فيه والتخلف لمانع لا يقدح فى الدليل ولا يصرفه عما لا يتحقق فيه المانع.
قالوا: رابعًا: لو عم السبب المسئول عنه وغيره لم يكن الجواب مطابقًا للسؤال وأنه مما يجب نفى مثله من الشارع.
والجواب: منع الملازمة بل قد جاء بالجواب المطابق وزاد عليه ما لم يسأل عنه وذكر الزيادة لا يخرجه عن المطابقة.
قالوا: خامسًا: لو كان عامًا لكان حكمًا بأحد المجازات بالتحكم واللازم منتف بيان الملازمة أن ظهوره فى العموم قد فات بنصوصيته فى صورة السبب حيث يتناولها بخصوصها بعد أن لم يكن فصار مصروفًا عما وضع له إلى غير ما وضع له والسبب خاصة مع سائر الخصوصيات ومع بعضها ودونها مجازات له فكان الحمل على السبب مع سائر الخصوصيات على التعيين تحكمًا.
الجواب: أنه باق على ظاهره لم يفت ظهوره بالنصوصية فى السبب لأنه لم يدل على السبب بل ذلك خارج من مفهوم اللفظ وقد علم بقرينة وهو وروده فيه فعلم أنه لم يخرج عن العموم لا أنه أريد من اللفظ بخصوصه.
قوله: (ولا نزاع فيه) ظاهر الكلام أنه لا نزاع فى كونه تابعًا للسؤال فى العموم والخصوص حتى لو قيل هل يجوز الوضوء بماء البحر فقال: "نعم". كان عامًا، وقيل: هل يجوز لى الوضوء بماء البحر فقال: "نعم"، كان خاصًا به إلا أن صريح كلام الآمدى والشارحين وبه تشعر عبارة المتن أن الاتفاق إنما هو فى العموم وأما فى الخصوص فخلاف الشافعى حيث ذهب إلى دلالة الجواب عن جواز التوضؤ بماء البحر لكل أحد مصيرًا منه إلى أن ترك الاستفصال فى حكاية الحال مع قيام الاحتمال تنزل منزلة العموم فى المقال.
قوله: (عام مستقل) بمعنى أن يكون مع قطع النظر عن السؤال وافيًا بالقصود وقَيَّد السبب بالخاص لأنه إن كان مساويًا فلا خفاء فى كون الجواب تابعًا وإن كان أعم كما إذا سئل عن التوضؤ بماء البحر؟ فقال يجوز، فلا خفاء فى خصوص الحكم إلا أن هذا لا يكون من بناء العام.
قوله: (إذ لا منافاة قطعًا) يشير إلى أن الحكم ضرورى وربما ننبه عليه بأنه لو قال تمسكوا بهذا العموم لم يكن تناقضًا ومخالفة للظاهر وأيضًا الأصل عدم المنافاة فمن ادعاها فعليه البيان.
قوله: (لجاز تخصيص السبب) لأنه بعض الأفراد فحكمه حكم البواقى.
قوله: (أخرج السبب بالاجتهاد) إذ لا خفاء فى أنه لا يتصوّر إخراج السبب
الخاص الذى ورد فيه الحكم وهو ولد زمعة ولم يجوز أبو حنيفة رحمه الله ذلك حتى قال الغزالى: إن أبا حنيفة إنما أخرج السبب عن العموم لأنه لم يبلغه السبب فى قصة عبد بن زمعة، فالأولى تقرير الشارح العلامة وهو أنه إن أريد بالسبب المعين تمنع الملازمة لجواز أن يكون دخوله قطعيًا وإن أريد نوع ذلك نمنع بطلان اللازم بالاتفاق فإن أبا حنيفة رحمه الله أخرج المستفرشة أى ولدها عن عموم الولد للفراش مع وروده فى الأمة على ما روى أنه كان لزمعة أمة يلم بها وكانت له عليها ضريبة، وقد كان أصابها عتبة بن أبى وقاص وظهر بها حمل وهلك عتبة كافرًا فعهد إلى أخيه سعد بن أبى وقاص أن ابن وليدة زمعة منى فاقبضه إليك فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبى وقاص وقال إن أخى كان عهد إلى فيه فقام إليه عبد بن زمعة فقال هو أخى وابن وليدة أبى ولد على فراشه. فقال عليه السلام:"هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر"، فقوله عبد بن زمعة هو المذكور فى كتب الحديث، وعبد اللَّه سهو، وقوله ابن وليدة أبى يعنى أمته فإن الوليدة هى الأمة ووقع فى بعض الشروح ههنا سهو آخر فاحش وهو أن عبد اللَّه ابن زمعة وسعد بن أبى وقاص ترافعا فى ولد أمة مستفرشة لوليد بن زمعة، وبهذا يظهر أن من فوائد معرفة الأسباب الأمن من هذه الأغلاط.
قوله: (تغدى) فى أكثر النسخ بلفظ الأمر لكن الملائم لقوله لا تغديت هو تغدى بلفظ الماضى.
قوله: (لعرف خاص فيه) يعنى قد جرى العرف فى صورة الخلف على مثل هذا الفعل أن يراد بالمطلق التقييد بما ورد فى السؤال بخلاف مثل: "خلق الماء طهورًا"، عند السؤال عن بئر بضاعة، فإنه لا عرف فى تقييده وتخصيصه.
قوله: (وذكر الزيادة لا يخرجه) فإن قيل: ترك الزيادة رعاية لتمام المطابقة، قلنا: المحافظة على الأحكام الشرعية أولى من اللفظية وقد يترك الأولى من جهة لرعاية جهات أخر.
قوله: (قد فمات بنصوصيته) لأن ظهور اللفظ فى العموم عبارة عن تساوى نسبته إلى جميع ما يتناوله من غير تناول للبعض بخصوصه فيفوت ذلك حيث تناول صورة السبب بخصوصها بعد ما لم يكن متناولًا لها بخصوصها بل كان متناولًا لها من حيث اندراجها فى العموم، وإذا فات ذلك انصرف اللفظ عما
وضع له وتحقق هناك مجازات ثلاثة خصوص السبب مع سائر الخصوصيات والفرق بينه وبين العموم أنه لا تعرض فى العموم للخصوصيات خصوص السبب مع بعض الخصوصيات خصوص السبب وحده أى بدون الخصوصيات فالحمل على الأول تحكم بل ترجيح للمرجوح لرجحان الثالث بالنصوصية فى خصوص السبب وتقريرات الشروح ههنا مضطربة منها أن صورة السبب هى إحدى مجازات العام لأن كل بعض منه مجاز مراد من العام قطعًا لفوات الظهور أى احتمال إرادتها منه بسبب كون الخطاب نصًا فيها فيكون تحكمًا لعدم أولوية كونه نصًا فى البعض والجواب أن عدم الأولوية بالنظر إلى العام لا ينافى النصوصية الخارجية بقرينة، ومنها أن ظهور العموم قد فات بالنصوص على السبب فلو حمل على العموم لبطلت لأن النص ما لا يحتمل غير معنى والجواب أن النصوصية بواسطة القرينة الخارجية لا تنافى الحمل على العموم من حيث ما هو هو من غير اعتبار القرينة، ومنها لو حمل على العموم مع ظهور النصوصية فى السبب الخاص لكان مجازًا فيما وراء السبب لفوات ظهور النصوصية فيكون مترددًا بين كل ما وراء السبب وبين أفراده فحمله على البعض تحكم.
المصنف: (وهلال ابن أمية أو غيره) النسخة التى شرح عليها الشارح وغيره بدون همز وجعل الضمير عائدًا على ما ذكر من العمومات وأما على نسخة أو بالهمز فالضمير عائد على هلال ابن أمية وأو للترديد بينه وبين غيره فى سبب نزول آية اللعان.
المصنف: (قلنا النص خارجى بقرينة) اعترض بأن النصوصية دائمًا إنما تكون من خارج فلا تكون من ذات اللفظ إلا إن كان اللفظ علمًا لم يتجوز به فالأولى فى الجواب أن المجاز إنما يتحقق بالاستعمال فى المعنى الذى لم يوضع له لا بكيفية الدلالة من نصوصية أو ظهور.
قوله: (وأما فى الخصوص فخلاف الشافعى. . . إلخ) على هذا ينظر عند الشافعى ما الفرق بين ما إذا كان الجواب مستقلًا عامًا، والسبب خاص حيث جعل اللفظ خاصًا بالسبب ملغًى عمومه وبين ما إذا كان الجواب غير مستقل والسبب خاص حيث جعل الجواب للعموم.
قوله: (وأيضًا الأصل. . . إلخ) تنبيه آخر.
قوله: (ولم يجوز ذلك حتى قال الغزالى. . . إلخ) يعنى أن أبا حنيفة لم يجوز ذلك حتى يقول الغزالى إنه لم يبلغه بل إنما جوز إخراج نوع السبب لا السبب المعين قال فى التحرير والتحقيق إنه لم يخرج نوع السبب أيضًا لأنها ما لم تصر أم ولده عنده فليست بفراش ووليدة زمعة كانت أم ولد.
قوله: (لأن كل بعض منه) أى من العام مجاز أى من حيث إنها أبعاض المعنى المجازى الذى هو جميع أفراد العام الذى بعضها منصوص وقوله فيكون تحكمًا أى كون صورة السبب نصية دون غيره مع كون كل من الأبعاض من المعنى المجازى تحكمًا وهو كلام فاسد لأنه على هذا ليس هناك مجازات متعددة ولا يدل عليه كلام المصنف.
قوله: (ومنها أن ظهور العموم. . . إلخ) هو لا يدل عليه كلام المصنف ولا ينطبق عليه.
قوله: (وبين أفراده) أى أفراد ما وراء السبب.
قوله: (فحمله على البعض) وهو جميع ما وراء السبب تحكم.