الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(مسألة: صيغة الأمر بعد الحظر للإباحة
على الأكثر لنا غلبتها شرعًا {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا. .} {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ. .} [النساء: 103]، قالوا لو كان مانعًا لمنع من التصريح، وأجيب بأن التصريح قد يكون بخلاف الظاهر).
أقول: من قال بأن صيغة الأمر للوجوب اختلفوا فيها إذا وردت بعد الحظر فالأكثر على أنها للإباحة، وقيل للوجوب، ولا أثر لتقدم النهى وتوقف إمام الحرمين، وقيل إذا علق الأمر بزوال علة عروض النهى كان كما قبل النهى وهو غير بعيد لنا غلبته فى الإباحة فى عرف الشارع فيقدم على الوجوب الذى عليه اللغة وذلك لأن الإباحة هى السابقة إلى الفهم فى نحو قوله تعالى:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} [الجمعة: 10]، "كنت نهيتكم عن ادّخار لحوم الأضاحى ألا فادخروها". قالوا: لو كان وروده بعد النهى مانعًا من الوجوب لامتنع بعد التصريح بالوجوب ولا يمنع إذ لو قال: حرمت عليك ذلك ثم قال: أوجبته عليك لم يلزم منه محال وكما يمكن الانتقال من الحرمة إلى الإباحة يمكن الانتقال منه إلى الإيجاب فقد ثبت أنه غير مانع وصيغة الأمر مقتضية فوجب حمله على الوجوب عملًا بالمقتضى السالم عن المعارض. والجواب: منع الملازمة بأن قيام الدليل الظاهر على معنى لا يمنع التصريح بخلافه وبأن الظاهر غير مراد، إذ قد يكون التصريح قرينة صارفة عما يجب العمل عليه عند التجرد عنها.
بقضاء فلا يخفى ما فيه.
المصنف: (لنا غلبتها شرعًا) أى مع كون ما غلبت فيه لم يعلم أنه مجاز فلا يرد أن المجاز إذا كان غالبًا يحمل عليه لأن ذلك حيث علم المعنى الحقيقى والمعنى المجازى ولكن غلب المعنى المجازى على المعنى الحقيقى فى الاستعمال.
المصنف: (قد يكون بخلاف الظاهر) أى وحينئذ فلا مانع من أن يرد أمر بعد نهى ومع ذلك يصرح بالوجوب لأن ذلك التصريح قرينة على حمل الأمر الذى هو ظاهر فى الإباحة عند التجرد عن القرينة على غير ظاهره وهو الوجوب.
الشارح: (لأن الإباحة هى السابقة إلى الفهم) أى مع كون الموضوع أنه لم يعلم مجازيته كما مر.
الشارح: (وبأن الظاهر غير مراد) بيان لما قبله ولو قال: وإن الظاهر بحذف الباء لكان أظهر.
قال: (مسألة: القضاء بأمر جديد وبعض الفقهاء بالأول، لنا لو وجب به لاقتضاه وصم يوم الخميس لا يقتضى يوم الجمعة، وأيضًا لو اقتضاه لكان أداء ولكانا سواء، قالوا: الزمان ظرف فاختلاله لا يؤثر فى السقوط ورد بأن الكلام فى مقيد لو قدم لم يصح، قالوا كأجل الدين، رد بالمنع وبما تقدم، قالوا: فيكون أداء، قلنا: سمى قضاء لأنه يجب استدراكًا لما فات).
أقول: الأمر بفعل فى وقت معين لا يقتضى فعله فيما بعد ذلك الوقت لا أداء ولا قضاء فلو ثبت قضاء فبأمر مجدد نحو: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها". وقال بعض الفقهاء: يجب القضاء بالأمر الأول. لنا لو وجب القضاء بالأمر الأول لكان هو مقتضيًا للقضاء واللازم منتف، أما الملازمة فبينة إذ الوجوب أخص من الاقتضاء وثبوت الأخص يستلزم ثبوت الأعم، وأما انتفاء اللازم فلأنا قاطعون بأن قول القائل: صم يوم الخميس لا يقتضى صوم يوم الجمعة بوجه من وجوه الاقتضاء ولا تعرض له به ولا تناول أصلًا، ولنا أيضًا أنه لو وجب به لاقتضاه ولو اقتضاه لكان أداء وكان بمثابة أن بقول صم إما يوم الخميس وإما يوم الجمعة، وهو تخيير بينهما، والثانى أداء برأسه لا قضاء للأول، ولنا أيضًا يلزم أن يكونا سواء فلا يعصى بالتأخير وللخصم أن يقول إنى أدعى أنه أمر بالصلاة وبإيقاعها فى يوم الخميس فلما فات إيقاعها فيه الذى به كمال المأمور به بقى الوجوب مع نقص فيه فلا يلزم اقتضاء خصوص الجمعة، ولا كونها أداء ولا كونهما سواء.
قالوا: أولًا: الزمان ظرف من ضرورة المأمور به غير داخل فى المأمور به فلا يؤثر اختلاله فى سقوطه.
الجواب: أن الكلام فى الفعل المقيد بوقته بحيث لو قدم لم يعتدّ به كالصلاة والوقت فى مثله داخل فى المأمور به وقَيْد له وإلا لجاز التقديم.
قالوا: ثانيًا: الوقت للمأمور به كالأجل للدين فكما أن الدين لا يسقط بأن لا يؤدى فى أجله ويجب الأداء بعده فكذا المأمور به إذا لم يؤد فى وقته وجب الأداء بعده.
الجواب: لا نسلم كونه كأجل الدين لما تقدَّم أنه لو قدّم لم يعتد به بخلاف أداء الدين.
قالوا: ثالثًا: لو وجب بأمر جديد لكان أداء لأنه أمر بالفعل بعد الوقت فيكون مأتيًا به فى وقته لا بعده وهو الأداء.
الجواب: إنما سمى قضاء لأن فيه استدراك مصلحة ما فات أوّلًا وحاصله منع الملازمة إذ يشترط فى الأداء أن لا يكون استدراكًا لمصلحة فاتت، واعلم أن هذه المسألة مبنية على أن المقيد هو المطلق والقيد وهما شيئان كما فى التعقل والتلفظ، أو ما صدقا عليه وهو شئ واحد يعبر عنه بالمركب من متعدد وهو ينظر إلى أن التركيب من الجنس والفصل وتمايزهما فى العقل أو فى الخارج.
قوله: (فيقدّم على الوجوب) لأن الكلام فى أوامر الشرع فعرفه هو المقدّم.
قوله: (فى وقت معين) لأن ما لا يعين وقته لم يتصوّر قضاؤه اللهم إلا على رأى من يجعل الأمر للفور وهو فى التحقيق من قبيل تعيين الوقت.
قوله: (فلو ثبت قضاء) احتراز عن مثل الجمعة والخطبة إذ لا قضاء لها بل للظهر.
قوله: (إذ الوجوب أخص) لأنه اقتضاء مع المنع من النقيض وفى هذا رد لما فى الشروح من أنه لا معنى للوجوب سوى الاقتضاء والحق أن معنى الاقتضاء دلالته عليه واستفادته منه بوجه من الوجوه.
قوله: (من وجوه الاقتضاء) يريد بالاقتضاء مفهومه اللغوى من أقسام المنطوق والمفهوم لا الأصولى الذى هو أحد أقسام المنطوق على ما سيجئ لأن نفيه لا يستلزم نفى الدلالة مطلقًا.
قوله: (وللخصم) اعتراض على الوجوه الثلاثة إلا أن الأول مدفوع لأنا لا ندعى اقتضاء خصوص يوم الجمعة بل القطع بأنه لا تعرض لغير يوم الخميس ولا دلالة.
قوله: (من ضرورة المأمور به) يعنى أن المأمور به فعل يأتى به المكلف فبالضرورة يكون فى الوقت وليس الوقت من ذاتياته حتى يكون أصلًا له مؤثرًا فى سقوطه وحاصل الجواب أن المأمور به فعل واقع فى ذلك الوقت فإيقاعه فى ذلك الوقت مأمور به فعند اختلاله لا يبقى الأمور به وتقرير الشروح أن الوقت ليس من فعل المكلف بل من ضروراته فلا يكون مأمورًا به لأن الأمر لا يتعلق إلا بفعل المكلف فاختلاله لا يؤثر فى سقوط المكلف به.
قوله: (لما تقدَّم) مشعر بأن نسخته وردّ بالمنع لما تقدَّم على أن ما تقدَّم سند للمنع وفى بعض النسخ وبما تقدَّم بالواو أى ورد بمنع كونه كأصل الدين كيف والتأخير عن وقت الأداء إثم وعن أصل الدين ليس بإثم، ولأن الكلام فى المقيد بوقت لو قدم الفعل عليه لم يعتد به ولا كذلك أصل الدين ولا خفاء فى أن هذا ليس إلا سند المنع فالوجه ما اختاره المحقق.
قوله: (إنما سمى قضاء) لا خفاء فى أن هذا لا يتأتى على ما سبق من أن القضاء هو الذى فعل بعد وقت الأداء وأن الأداء هو الذى فعل فى وقته المقدر له أوّلًا من غير اشتراط أن لا يكون استدراكًا لمصلحة فاتت.
قوله: (واعلم أن) لا خفاء فى أنا إذا تعقلنا صومًا مخصوصًا وقلنا صوم الخميس فقد تعقلنا أمرين وتلفظنا بلفظين فإما أن المأمور به هو هذان الأمران أو شئ واحد يصدقان عليه ويعبر عنه باللفظ المركب عنهما مثل صوم الخميس مثلًا فمختلف فيه فمن ذهب إلى الأول جعل القضاء بالأمر الأول لأن المأمور به شيئان فإذا انتفى أحدهما بقى الآخر ومن ذهب إلى الثانى جعل القضاء بأمر جديد لأنه ليس فى الوجود إلا شئ واحد، فإذا انتفى سقط المأمور به، ثم اختلافهم فى هذا الأصل وهو أن المطلق والمقيد بحسب الوجود شيئان أو شئ واحد يصدق عليه المعنيان ناظر إلى الاختلاف فى أصل آخر وهو أن تركب الماهية من الجنس والفصل وتمايزهما هل هو بحسب الخارج أم بمجرد الفعل؟ فإن قلنا بالأول كان المطلق والمقيد شيئين لأنهما بمنزلة الجنس والفصل وإن قلنا بالثانى وهو الحق كانا بحسب الوجوب شيئًا واحدًا.
المصنف: (القضاء بأمر جديد وبعض الفقهاء بالأول) قال فى التحرير: ثمرة هذا الخلاف فى الصيام المنذور المعين إذا فات وقته يجب قضاؤه على أن القضاء بالأمر الأول لا على أنه يجب بأمر جديد لعدم ورود دليل مقصود فيه كالوارد فى قضاء الصلاة وهو: "من نسى الصلاة فليصلها إذا ذكرها"، وقيل القضاء متفق عليه فلا ثمرة للخلاف وانظر كلام شارحه هناك والذى فى ميرزاجان: أن موضوع النزاع أن مقتضى صيغة الأمر الإتيان بعد الوقت بهذا الفعل كاقتضائها الإتيان به فى الوقت عند عدم القرينة على أن الغرض لم يتعلق بخصوص الوقت أو تعلق
به، أما إذا قامت قرينة على أن الغرض خصوص الوقت فلا يدل الأمر الأول على القضاء قطعًا أو قامت على أن الغرض الفعل ولم يتعلق الغرض بخصوص الوقت كان القضاء بأمر جديد قطعًا، وفائدة الخلاف أن من قال القضاء يجب بالأول فإذا صدر أمر من الشارع فالأصل فيه وجوب القضاء فيعمل به حتى يظهر دليل من خارج على أنه لا قضاء له ومن قال بأن القضاء بأمر جديد فالأصل فيما صدر عن الشارع عدم وجوب القضاء حتى يظهر دليل من خارج على وجوبه كحديث: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها.
الشارح: (واعلم أن هذه المسألة. . . إلخ) الأوضح أن يقال: هذه المسألة مبنية على أن المطلوب هو المقيد لأن المطلوب بالأمر ليس إلا الأمر الوجودى لكن النزاع فى أن ذلك المقيد هل هو فى الخارج شيئان كما فى اللفظ والعقل أو شئ واحد، وأما بناؤها على ما ذكره ففيه أن ذلك من تدقيقات الفلاسفة وأيضًا يكون الحق بناء عليه أن القضاء بأمر جديد إذ قد تقرر فى الحكمة أنه لا تمايز بين الجنس والفصل فى الخارج وإلا لم يصح الحمل.
قوله: (لا خفاء فى أن هذا لا يتأتى. . . إلخ) فيه أن المصنف اعتبر فى تعريف القضاء أن يكون الإتيان استدراكًا لما فات، وأما فى تعريف الأداء وإن لم يعتبر نقيضه فيه لكنه يفهم من المقابلة.
قال: (مسألة: الأمر بالأمر بالشئ ليس أمرًا بالشئ. لنا لو كان لكان أمر عبدك بكذا تعديًا ولكان يناقض قولك للعبد لا تفعل. قالوا فهم ذلك من أمر اللَّه تعالى رسوله، ومن قول الملك لوزيره: قل لفلان افعل، قلنا للعلم بأنه مبلغ).
أقول: أمر الآمر المكلف بأن يأمر غيره بشئ ليس أمرًا من الآمر لذلك الغير بذلك الشئ مثاله قوله صلى الله عليه وسلم: "مروهم بالصلاة لسبع" ولا آمر للصبى من قبل الشارع بالصلاة. لنا لو كان الأمر بالأمر أمرًا لكان قولك للغير: مر عبدك أن يتجر تعديًا لأنه أمر لعبد الغير ولكان ذلك مناقضًا لقولك للعبد: لا تتجر لأنه أمر له ونهى واللازم منتف للقطع والاتفاق. قالوا: فهم ذلك من أمر اللَّه رسوله أن يأمرنا، ومن قول الملك لوزيره: قل لفلان افعل كذا.
الجواب: أن الفهم ثم لقرينة تدل عليه وهو العلم بأنه مبلغ لأمر اللَّه وأمر الملك وليس الغرض أمرهما بالأمر من قبل نفسه الذى هو محل النزاع.
قوله: (بالأمر بالشئ) سواء كان بلفظ الأمر كما فى قوله عليه السلام: "مروهم بالصلاة. . " أو بصيغته كما فى قول الملك لوزيره: قل لفلان افعل كذا وقد سبق إلى بعض الأوهام أن المراد هو الأول فقط.
قوله: (لأنه أمر لعبد الغير) هذا هو الظاهر ولما صرح فى المنتهى بقوله: مر عبدك بأن يتجر فى مالك، ذهب الشارح العلامة إلى أن أمر غلام الغير بأن يتجر فى مال سيده من غير إجازة من السيد تعد، والظاهر أنه أراد أن الأمر بالظلم ظلم وتعد.
قوله: (ولكان ذلك مناقضًا) لأنه بمنزلة قولك للعبد أنت مأمور بهذا ولست بمأمور وهذا واجب عليك وليس بواجب وما يقال: إن التناقض إنما يلزم لو تساوت الدلالتان وليستا كذلك لاختلافهما منطوقًا ومفهومًا ليس بشئ لأنه لا مدخل لذلك فى لزوم التناقض غاية ما فى الباب أنه يترجح أحدهما بقوة دلالته على أن هذا ليس اختلافًا بالمنطوق والمفهوم بل بالذات وبالواسطة.
قوله: (وليس الغرض أمرهما) أى أمر اللَّه وأمر الملك إضافة إلى الفاعل أو أمر الرسول وأمر الوزير إضافة إلى المفعول بالأمر أى بأن يأمر الرسول أو الوزير من قبل نفسه.
المصنف: (لكان مر عبدك بكذا تعديًا) رد بأنه إنما يكون تعديًا لو لم يكن أمر الآمر العبد بواسطة وهنا قد جعل الآمر السيد سفيرًا له فهو إذن دلالة وقوله: ولكان يناقض. . . إلخ. رد بمنع بطلان التالى لجواز النسخ وفيه أن الكلام مفروض فى المقارنة.