الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(المحكوم عليه)
قال: (المحكوم عليه: المكلَّف، مسألة: الفهم شرط التكليف، وقال به بعض من جوّز المستحيل لعدم الابتلاء. لنا لو صح لكان مستدعى حصوله منه طاعة كما تقدَّم ولصح تكليف البهيمة لأنهما سواء فى عدم الفهم. قالوا: لو لم يصح لم يقع، وقد اعتبر طلاق السكران وقتله وإتلافه وأجيب بأن ذلك غير تكليف بل من قبيل الأسباب كقتل الطفل وإتلافه، قالوا: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43]. قلنا: يجب تأويله إما بمثل لا تمت وأنت ظالم، وإما على أن المراد الثمل لمنعه التثبت كالغضب).
أقول: شرع فى المحكوم عليه وهو المكلَّف وذكر مباحثه فى مسائل هذه أولاها وهى: أن فهم المكلف للتكليف شرط لصحة التكليف عند المحققين وقد قال به كل من منع تكليف المحال لأن الامتثال بدون الفهم محال، وقد قال به بعض من جوّز تكليف المحال أيضًا لأن تكليف المحال قد يكون للابتلاء وهو معدوم ههنا لنا لو صح تكليف من لا يفهم لكان مستدعى حصول الفعل منه على قصد الطاعة والامتثال كما تقدَّم وأنه محال إذ لا يتصوّر ممن لا شعور له بالأمر قصد الفعل امتثالًا للأمر، قوله: امتثالا لأن الغافل عن الأمر بالفعل قد يصدر عنه الفعل اتفاقًا فنبه أن ذلك غير كافٍ فى سقوط التكليف بل لا بد من قصد الامتثال لئلا يتوهم أن ذلك إذا جاز فربما علم اللَّه منه ذلك فكلف به ولا يكون تكليف محال ولنا أيضًا لو صح لصح تكليف البهائم إذ لا مانع يُقَدَّر فى البهيمة إلا عدم الفهم وأنه ليس بمانع لتحققه فى صورة النزاع مع التكليف.
قالوا: أولًا: لو لم يصح تكليف الغافل لم يقع وقد وقع لأنه اعتبر طلاق السكران وقتله وإتلافه فكلف بموجبها.
الجواب: أنه ليس من قبيل التكليف بل من قبيل ربط الأحكام بأسبابها كاعتبار قتل الطفل وإتلافه، فإنه سبب لوجوب الضمان والدية من ماله على وليه وهو غير مكلف به قطعًا بل كربط وجوب الصوم بشهود الشهر.
قالوا: ثانيًا: قال اللَّه تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا
تَقُولُونَ} [النساء: 43]، فهذا أمر لن يعلم ما يقول ومثله لا يفهم ما يقال له قطعًا فقد كلف من لا يفهم التكليف.
الجواب: أنه ظاهر فى مقابلة قاطع، فيجب تأويله وله تأويلان، أحدهما: أنه نهى عن السكر عند إرادة الصلاة، نحو: لا تمت وأنت ظالم، إذ معناه لا تظلم فتموت وأنت ظالم، ثانيهما: أنه نهى الثمل الثابت العقل سمى سكرًا لأنه يؤدى إلى السكر غالبًا وحكمة نهيه أنه يمنعه التثبت كالغضب وقد يقال للغضبان اسكت حتى تعلم ما تقول أى حتى تعلم علمًا كاملًا وليس الغرض نفى العلم عنه بالكلية.
قوله: (الفهم شرط التكليف) بأن يفهم الخطاب قدر ما يتوقف عليه الامتثال لا بأن يصدق بأنه مكلف وإلا لزم الدور وعدم تكليف الكفار، فعلى هذا لا حاجة إلى استثناء التكليف بالمعرفة أو النظر، أو قصد النظر، وأمثال ذلك.
قوله: (امتثالًا) نقل بالمعنى وإلا فالمذكور فى المتن: طاعة.
قوله: (إذ لا مانع يقدر فى البهيمة) يعنى أن هذا معلوم بالضرورة فلا يرد المنع بأنه لم لا يجوز أن يكون بانتفاء شرط آخر واعلم أن فى قيام الدليلين على من جوّز تكليف المحال نظر.
قوله: (فهذا أمر): يعنى أن النهى عن مقاربة الصلاة أمر باجتنابها لمن لا يفهم الخطاب.
المصنف: (لكان مستدعى حصوله) أى حصول الفعل وقوله: كما تقدم أى من أن التكليف هو الطلب وهو استدعاء الحصول.
الشارح: (فهذا أمر لمن لا يعلم ما يقول) أى لأنه خطاب أضيف إلى حال السكر فيكون متحققًا حاله.
قوله: (وإلا لزم الدور) أى لأن التكليف يتوقف على التصديق بأنه مكلف وهو يتوقف على التكليف.
قوله: (وعدم تكليف الكافر) لأن تكليفه بالإيمان على هذا يتوقف على التصديق بأنه مكلف به لكونه شرطًا فيه وهو غير متحقق منه لأنه غير مصدق بأنه
مكلف فلا يكون مكلفًا.
قوله: (فلا حاجة إلى استثناء التكليف بالمعرفة) أى كما قيل به لما ورد أن التكليف بمعرفة اللَّه شرطه العلم به والعلم به هو التصديق بأنه مكلف وهو يتوقف على معرفة المكلف بكسر اللام فيتوقف الشئ على نفسه وهو باطل مع أن الاستثناء فى العقليات لا يصح.
قوله: (واعلم أن فى قيام الدليلين على من جوز تكليف المحال نظرًا) النظر إنما يتوجه إذا كان المجوز للتكليف بالمحال لا يشترط وجود الابتلاء فى التكليف والمجوز للتكليف بالمحال هم فرقتان؛ فرقة تشترط فى التكليف الابتلاء وهؤلاء يوافقون على اشتراط الفهم فى التكليف وأخرى لا تشترط وهم المخالفون ولا ينهض عليهم.
قال: (مسألة: قولهم: الأمر يتعلق بالمعدوم ولم يرد تنجيز التكليف وإنما أريد التعلق العقلى. لنا لو لم يتعلق به لم يكن أزليًا لأن من حقيقته التعلق، وهو أزلى، قالوا أمر ونهى وخبر من غير متعلق محال، قلنا محل النزاع وهو استبعاد، ومن ثمة قال ابن سعيد: إنما يتصف بذلك فيما لا يزال، وقال القديم الأمر المشترك وأورد أنها أنواعه فيستحيل وجوده. قالوا يلزم التعدد. قلنا: التعدد باعتبار المتعلقات لا يجوب تعددًا وجوديًا).
أقول: اختص أصحابنا من بين الناس بأن الأمر يتعلق بالمعدوم حتى صرح بأن المعدوم مكلف وقد شدد سائر الطوائف النكير عليه قالوا: إذا امتنع فى النائم والغافل ففى المعدوم أجدر وإنما يرد ذلك لو أريد به تنجيز التكليف فى حال العدم بأن يطلب منه الفعل فى حال العدم بأن يكون الفهم أو الفعل فى حال العدم ولم يرد به ذلك بل أريد به التعلق العقلى وهو أن المعدوم الذى علم اللَّه أنه يوجد بشرائط التكليف يوجد عليه حكم فى الأزل بما يفهمه ويفعله فيما لا يزال. لنا لو لم يتعلق التكليف بالمعدوم لم يكن التكليف أزليًا واللازم باطل، أما الملازمة فلأن من حقيقة التكليف التعلق إذ لا يتحقق حقيقة التكليف إلا به فإذا كان التعلق حادثًا كان التكليف حادثًا وأما بطلان اللازم فلأن كلامه أزلى لامتناع قيام الحوادث بذاته ومنه أمر ونهى وخبر وغيرها، والأمر والنهى تكليف، قالوا: يلزم أمر ونهى وخبر من غير متعلق وأنه محال.
الجواب: لا نسلم أنه محال فإنه نفس محل النزاع وما ذكرتموه مجرد استبعاد فى محل النزاع، وأنه لا يجدى نفعًا ولأجل أنه مستبعد أو لأجل لزومها من غير متعلق.
قال عبد اللَّه بن سعيد: ليس كلامه فى الأزل أمرًا ونهيًا وخبرًا واستخبارًا، وإنما يتصف بذلك فيما لا يزال، وقال القديم هو المشترك بين هذه الأقسام وهذه الأقسام حادثة ولو رد عليه أن هذه الأقسام أنواع لجنس الكلام، والجنس لا يوجد إلا فى ضمن نوع ما فيستحيل وجود الكلام بدون هذه الأقسام، واعلم أن ابن سعيد يمنع كونها أنواعه بل عوارضه بحسب التعلق، ويجوز خلوه عن التعلق ولا يجعل التعلق من حقيقته، وله تحقيق وتدقيق فى الكلام.
قالوا: ثانيًا: الأمر بالمعدوم فرع قدم الكلام بأقسامه، وأنه محال لأنه يلزم تعدد
القديم باعتبار أنواعه وأفراده، فإن المتعلق بزيد غير المتعلق بعمرو.
الجواب: أن التعدد ههنا بحسب تعدد المتعلقات وأنه تعدد اعتبارى لا يوجب تعددًا وجوديًا وذلك هو المحال ومثاله الإبصار فإنه وصف واحد لا يتعدد فى الوجود بكثرة المبصرات إنما يتعدد تعلقه والوصف واحد.
قوله: (وأما بطلان اللازم) توجيهه: كل كلامه أزلى وبعض كلامه أمر ونهى وبعض الأزلى أمر ونهى وكل أمره ونهيه تكليف فبعض الأزلى تكليف وقد كان اللازم لا شئ من التكليف بأزلى.
قوله: (وهذه الأقسام حادثة) لتوقفها على التعلقات الحادثة وهذا ما يقال: إن حدوث الحكم والخطاب لا ينافى قدم الكلام لكون الحدوث باعتبار قيده الحادث.
قوله: (وله تحقيق) هو أن الكلام صفة واحدة أزلية لا تدخل فى حقيقة التعلق ثم يتكثر تكثرًا اعتباريًا بحسب اعتبار التعلقات فمن حيث تعلقه بما لو فعل يستحق فاعله المدح وتاركه الذم، يسمى أمرًا، وبالعكس نهيًا، وعلى هذا القياس، ولا يكون هذا تنوعًا له، كالعلم يتعلق بالمعلومات المختلفة، ولا يصير باعتباره أنواعًا متعددة، وكذا القدرة.
قوله: (يلزم تعدد القديم) وجه استحالته ما ذكر فى القدرة من أنها صفة واحدة وإلا لاستندت إلى الذات إما بطريق القدرة والاختيار وهو ينافى القدم وإما بطريق الإيجاب ونسبة الموجب إلى جميع الأعداد سواء لا أولوية لصدور البعض على البعض، فلو تعددت لزم ثبوت قدرة غير متناهية وهذا مع ابتنائه على أن الواحد الموجب لا يصدر عنه إلا الواحد منقوض يإثبات الصفات القديمة السبعية وأما على ما ذهب إليه الشارحون من أنه يلزم تعدد الكلام الأزلى واللازم باطل بالإجماع على أن كلامه فى الأزل واحد فلا إشكال.
المصنف: (لم يرد تنجيز التكليف) أى لم يرد به ذلك حتى ينافى ما تقدم من أن الفهم شرط التكليف والمراد بتنجيز التكليف المنفى كون المعدوم مأمورًا بالإتيان بالفعل حال عدمه.
المصنف: (وإنما أريد التعلق العقلى) أى أريد بتعلق الأمر التعلق المعنوى وهو
تكليف عقلى ومعناه على ما قال الشارح: أن المعدوم الذى علم اللَّه أنه يوجد بشرائط التكليف مأمور فى الأزل بأن يفعل فيما لا يزال بعد فهمه ذلك فيما لا يزال وعلى ذلك عبارة السعد فى التلويح حيث قال: جوزوا خطاب المعدوم بناء على أن المطلوب صدور الفعل حالة الوجود قال ابن السبكى فى شرحه على هذا المتن: واعلم أن شيخنا إنما أراد التنجيز والتعلق عنده قديم ولا يلزم من تنجيز تكليف المعدوم أن يكون المعدوم مكلفًا بأن يوجد الفعل حالة عدمه بل يكون التكليف به على صفة وهى أنه لا يوقع الفعل إلا بعد وجوده واستجماع الشرائط وذلك لا يوجد عدم التنجيز، بل التنجيز واقع وهذا معناه ومن ظن أنه يلزم من كونه مأمورًا فى العدم أن يوجد الفعل فى حالة عدمه فقد زل، مثال ذلك الوكالة فإن تعليقها باطل ولو نجز الوكالة وعلق التصرف على شرط صح وهو الآن وكيل وكالة منجزة، ولكنه لا يتصرف إلا إذا وجد الشرط هذا ما قاله الوالد ونادى به جهارًا وقد فاه به الإمام فى مكان من المحصول وبه يتضح أن التعلق قديم، ثم قال: وعندى أن التعلق نسبة بين شيئين لا يوصف بقدم ولا حدوث. اهـ. باختصار وعليه فليس هناك إلا تعلق واحد تنجيزى قديم وللتعلق المعنوى معنى آخر درج عليه المحلى فى شرحه على جمع الجوامع: وهو أنه بمعنى أن المعدوم إذا وجد متصفًا بشرائط التكليف كان مأمورًا بذلك الأمر الأزلى وعليه لا يكون مأمورًا فى الأزل ولا مكلفًا به وهو خلاف المدعى.
المصنف: (وهو أزلى) أى التكليف أزلى بيان لبطلان اللازم.
المصنف: (من غير متعلق) أى من غير متعلق موجود.
المصنف: (محال) أى لأنه نظير من جلس وحده ينادى يا زيد افعل كذا ويا عمرو اترك كذا وهذا عين السفه فيستحيل على البارى.
المصنف: (قلنا محل النزاع) أى الاستحالة محل النزاع.
المصنف: (وهو استبعاد) أى فلا يلزم منه الامتناع وإنما بعد لقياسكم الغائب على الشاهد والنفسى على اللفظى وأنَّى يستويان.
المصنف: (قال ابن سعيد) هو من أئمة أهل السنة وقال هذا تخلصًا من إلزام المعتزلة له القول بحدوث الكلام لأن الأمر والنهى والخبر من أقسام الكلام وهى حادثة لئلا يلزم الأمر بلا مأمور والنهى بلا منهى والخبر بلا مخبر وهو محال
فأثبت الكلام الأزلى ونفى تنوعه أزلًا إلى الأمر والنهى ونحو ذلك.
الشارح: (واعلم أن ابن سعيد. . . إلخ) رد للإيراد على ابن سعيد.
الشارح: (وله تحقيق وتدقيق فى الكلام) أما التحقيق: فهو ما ذكره المحشى بقوله: هو أن الكلام إلى قوله: وعلى هذا القياس، وأما التدقيق: فهو ما أشار إليه بقوله: ولا يكون هذا تنوعًا له كالعلم. . . إلخ.
قوله: (كل كلامه أزلى وبعض كلامه أمر ونهى) قياس مركب من الشكل الثالث نتيجته هى قوله: وبعض الأزلى أمر ونهى المجعولة صغرى لكبرى قياس من الشكل الأول وكان الأولى أن يقول فبعض الأزلى أمر ونهى بالفاء.
قوله: (وهذا مع ابتنائه على أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد. . . إلخ) نظر فيه بأن ابتناء الوجه المذكور على أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد غير مسلم، لأن ثبوت أمور غير متناهية باطل عند المتكلمين سواء ترتبت واجتمعت أم لا، فلو قرر هكذا لو تعددت ولا يمكن استنادها إلى غير الذات ولا إليها بطريق الاختيار فتسند الأمور المتعددة إلى الذات وهو باطل لأن الواحد. . . إلخ. كان مبنيًا على تلك المقدمة ثم يرد بأنه يجوز تعددها واستنادها إلى الذات بواسطة بعض صفاتها الأخرى لا إلى الذات وحدها وأما إذا بنى على أن نسبة الموجب إلى جميع الأعداد على السواء فكل عدد يفرض يجوز أن يصدر أكثر منه فيلزم لا تناهى القدر وهو باطل بدليل إبطال التسلسل عندهم فلا يحتاج إلى تلك المقدمة ويرد على هذا الثانى أنه لو تم لدل على عدم صدورها عن الذات فتأمل.