الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس: (1) من الرضاع
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
كتاب الرضاع
المقصود بهذا الكتاب الكلام عن أحكام التحريم بالرضاع ، ولا يقصد الكلام عن أحكام إرضاع الزوجة لولدها بل الكلام عن التحريم بالرضاع.
والرضاع في لغة العرب / هو مص الثدي واستخراج اللبن منه.
وأما في الشرع / فالرضاع هو حصول اللبن في معدة الطفل. فإذا أيهما أخص وأيهما أعم؟ اللغة أخص والشرع أعم لأنّه في اللغة لا يسمى رضاع إلاّ في صورة واحدة وهي دخول اللبن عن طريق المص ، بينما في الشرع يعتبر رضاع إذا وصل اللبن إلى المعدة بأي طريق عرفنا إذا الآن معنى الرضاع في اللغة والشرع.
والأصل في التحريم بالرضاع الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} [النساء/23]
وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. وفي السنة أحاديث كثيرة تتعلق بالرضاع.
والتحريم بالرضاع محل إجماع.
مسألة / التحريم في الشرع يكون بأحد ثلاثة أسباب: - السبب الأول بالنسب كالأم والأخت.
السبب الثاني "للتحريم المصاهرة كأم الزوجة وبنت الزوجة المدخول بها ونحوهما.
السبب الثالث هو ما نحن بصدده وهو الرضاع. التحريم لا يكون إلاّ بأحد هذه الثلاث أسباب.
قال رحمه الله (والمحرم خمس رضعات)
هذه المسألة كبيرة ومهمة جدا وهي عدد الرضعات المحرمات فالمذهب أنّ المحرم خمس رضعات واختار هذا القول مع الحنابلة أيضا الشيخ الفقيه ابن حزم واستدل هؤلاء بقول عائشة. كان فيما يتلى أنه عشر رضعات معلومات محرمات ، فنسخن بخمس رضعات محرمات. وهذا الحديث صحيح وهو نص بأنّ التحريم يكون بكم رضعة؟ بخمس رضعات.
الدليل الثاني: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر المرأة أن ترضع من أرادت إرضاعه خمس رضعات. وهو صحيح إن شاء الله أمرها أن ترضعه بخمس رضعات فقال أرضعيه خمس رضعات تحرمي عليه. وهو سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه -
القول الثاني: أنّ عدد الرضعات المحرمة ثلاث فقط وإلى هذا ذهب داود الظاهري فتكون هذه المسألة من المسائل التي اختلف من داود مع ابن حزم استدل داود رحمه الله بقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الإملاجة ولا الإملاجتان.
مفهوم الحديث أنّ الثلاث يحرمن.
القول الثالث: وهو منسوب للجمهور أنّ قليل الرضاع وكثيره يحرم. ولو رضعة واحدة واستدل هؤلاء بأنّ النصوص الدالة على مشروعية الرضاع عامة [وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم] ولم يذكر عددا. [يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب] ولم يذكر عددا.
والراجح المذهب لصحة الدليل الدال على اشتراط خمس رضعات ، يليه في القوة الجمهور وهو أنه لا عدد والسبب في قوة القول الثالث وضعف القول الثاني أنه تقدم معنا مرارا أنّ دلالة المفهوم تضعف إذا كانت في مقابلة المنطوق، فدلالة لا تحرم المصة ولا المصتان تتعارض مع أدلة القول الأول ومع أدلة القول الثالث ، مما يدل على أنّ مفهوم هذا الحديث غير مراد فالراجح إن شاء الله والأحوط هو القول الأول ولا أقول الأحوط أنّ أرجح احتياطا بل أنا أرجحه استلالا لقوة أدلته. لكن هو مع ذلك أحوط الأقوال.
مسألة / ذكر المؤلف عدد الرضعات ولم يذكر حد الرضعة ، وهي أيضا مسألة مهمة اختلف الفقهاء في حد الرضعة.
فذهب الحنابلة إلى أنّ حد الرضعة هو أن يمسك الطفل بالثدي ويمصه ثم يتركه باختياره وهذا قيد مهم سواء كان تركه لينتقل إلى ثدي آخر أو ليتنفس أو لأي سبب فإنّ هذه تعتبر رضعة. وإلى هذا القول كما قلت ذهب الحنابلة واختاره شيخ الإسلام واختاره أيضا ابن حزم. الدليل استدل هؤلاء بأدلة: الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم لا تحرم المصة ولا المصتان. وجه الاستلال من الحديث أنّ المصة في لغة العرب هو أخذ الشيء اليسير.
الدليل الثاني: أنّ الوجور والسعوط يحرم. وقد تكون كميته يسيرة ستأتينا هذه المسألة لكن المقصود الآن الاستدلال بها.
القول الثاني: أنّ الرضعة هي الرضعة الكاملة إلى أن ينتهي في مجلس واحد. وبعبارة أخرى يشترط في الخمس رضعات أن تعدد المجالس بأن ترضعه في مجالس مختلفة خمس مرات. واستدل هؤلاء على قولهم بأنّ الرضعة في العرف لا تكون إلاّ الرضعة المشبعة كالأكلة فلو قال الإنسان وهو يأكل والله لا آكل أكلة أخرى ثم أكل واستمر في أكله الذي هو عليه لم يعد حانثا ، لأنّ هذه الأكلة ليست أكلة أخرى أليس كذلك وإلى هذا ذهب العلامة ابن القيم أنه يشترط تعدد المجالس استنادا إلى العرف. أي القولين أرجح. مسألة غاية في الأهمية ينبني عليها أن يكون الطفل ابن من الرضاع في مجلس واحد أو في خمس مجالس؟ المسألة فيها إشكال لكن الراجح إن شاء الله المذهب وهو القول الأول وإن كانت المسألة فيها إشكال. لكن أولا يعضد هذا القول حديث.
ثانيا: يعضده وبقوة القياس على السعوط والوجور لأنّ أصحاب القول الثاني يقولون بتحريم السعوط والوجور وهو كمية قليلة لذلك نقول إن شاء الله الراجح هو القول الأول.
قال رحمه الله (في الحولين)
لما بيّن المؤلف عدد الرضعات المحرمات انتقل إلى الزمن ، فقال (في الحولين)
يعني أنه يشترط في تأثير الرضاع أن يكون في الحولين ، فإذا استمر الطفل في الرضاع بعد الحولين فإنه إذا رضع بعدهما فإنّ هذا الرضاع لا يؤثر واستدل هؤلاء بقوله تعالى {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة/233]
فدلت الآية على أنه بمضي السنتين تتم الرضاعة فالرضاعة بعد السنتين بعد تمام الرضاعة وإذا جاء الشيء بعد تمامه فإنه لا ينفع.
الدليل الثاني: لهذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة إنما الرضاعة من المجاعة. يعني أنها تؤثر في وقت المجاعة إذا الطفل يعتمد في غذائه على لبن الأم وهو في الحولين.
الدليل الثالث: أنه صح عن ابن عباس أنه أفتى بهذا.
القول الثاني: أنّ مناط تأثير اللبن الفطام وعدمه ، فإذا فطم ولو في الحولين فإنّ اللبن لا يؤثر ، ومعنى أن يفطم أي يعتمد في الغذاء على غير اللبن وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله ومذهب لبعض الفقهاء واستدل رحمه الله بقول النبي صلى الله عليه وسلم {إنما الرضاعة ما فتق الأمعاء وكان في الثدي قبل الفطام] ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم وكان في الثدي يعني في الحولين لأنّ معنى في الثدي يعني في مدة الإرضاع والمدة الشرعية هي الحولين. ومن هنا نستطيع أن نستنبط من الحديث أنه يشترط لتأثير اللبن شرطان. الشرط الأول" أن يكون في الثدي يعني كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الثدي يعني في الحولين.
الثاني: أن يكون قبل الفطام. وهذا القول الثاني هو الصحيح لدلالة الحديث عليه ولأنّ الطفل إذا فطم ولو قبل مضي الحولين لم يعد يعتمد على اللبن فلا ينشأ اللحم ولا ينشز العظم بناء على هذا الحليب لأنه يعتمد على الطعام الآخر.
مسألة / أخيرة رضاع الكبير. أولا المقصود بالكبير عند الفقهاء هو من تجاوز السنتين ، اختلف الفقهاء في تأثير رضاع الكبير على ثلاثة أقوال: - القول الأول" وهو مذهب الجماهير وحكي إجماعاً أنه لا يؤثر مهما كانت الظروف.
والقول الثاني: أنّ رضاع الكبير يؤثر مطلقا.
والقول الثالث: أنّ رضاع الكبير يؤثر عند الحاجة الماسة وإذا دعت إليه الضرورة ، وهو مذهب شيخ الإسلام رحمه الله واستدل على هذا بالقصة المشهورة أنّ سالم مولى أبي حذيفة لما كبر شق على أبي حذيفة أن يدخل بيته فاستفتوا النبي صلى الله عليه وسلم وزوجة أبي حذيفة سألته فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم[أرضعيه تحرمي عليه] فدل هذا الحديث على أنه إذا دعت الحاجة كما في حديث سالم إلى هذا الحكم فإنه يجوز أن نرضع الكبير ويؤثر ، وأما دليل ابن حزم الذي يرى أنّ تأثير الرضاع مطلقا في أي كبير في جميع الأحوال فهو يستدل بهذا الحديث ويقول هذا الحديث دليل على تأثير رضاع الكبير ولا يأخذ بملابسات الحديث والأحوط مذهب الجماهير وهو أنّ رضاع الكبير لا يؤثر مطلقا
انتهى الدرس
الدرس: (2) من الرضاع
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله (والسعوط والوجور)
أي والسعوط والوجور يحرم فإذا وصل اللبن إلى معدة الطفل عن طريق السعوط أو الوجور فإنه يحرم.
والسعوط: هو أن يصب اللبن في أنف الصبي فيصل إلى حلقه. ولا بد من هذا القيد وهو أن يصل إلى حلقه.
والوجور: هو أن يوضع اللبن في الفم وضعا بدون رضاع فيبتلعه الصبي. ذهب الجماهير من أهل العلم إلاّ أنّ السعوط والوجور يحرم لأنه ينبت العظم واللحم. ولأنّ الجسم ينتفع به كما ينتفع بوصوله عن طريق الرضاع.
والقول الثاني: للظاهرية هو أنّ السعوط والوجور لا يؤثر تحريما يعني لا يحرم إذا كان عن طريق السعوط والوجور واستدل الظاهرية على هذا بأنّ الله علق أحكام الرضاع على الرضاع ولم يوجد رضاع هنا ، والصحيح مع الجمهور وما ذكره الظاهرية نوع من الجمود والوقوف مع ظاهر اللفظ دون تجاوزه إلى المعنى الذي شرع الحكم من أجله.
يقول رحمه الله (ولبن الميتة)
يعني ويحرم لبن الميتة وإلى هذا ذهب الجمهور واستدلوا على هذا بأنّ لبن الميتة يدخل في عموم النصوص. فلو رضع الطفل من امرأة ميتة واستوفى الشروط فإنه يؤثر تحريما.
والقول الثاني: أنّ لبن الميتة لا يؤثر لأنه نجس ، وأجاب الجمهور عن هذا الدليل بأنّ الآدمية الميتة طاهرة ، والقاعدة الفقهية تقول بعض الطاهر طاهر ، واللبن بعض من هذه الميتة فإذا كانت طاهرة فهو طاهر وقول الجمهور هو الصواب.
ثم - قال رحمه الله (والموطوءة بشبهة ، أو بعقد فاسد)
يعني إذا وطئت المرأة بشبهة أو بعقد فاسد وثاب عن هذا لبن ورضع الطفل فإنه يحرم ، والقاعدة التي تندرج تحتها هاتان المسألتان هو أنه أي لبن وجد بسبب حمل ينسب إلى الأب فهو محرم ، والحمل الذي ينشأ عن الوطء بشبهة أو بعقد فاسد يصح نسبه إلى أبيه فيكون اللبن الناشئ عنه محرما.
ثم - قال رحمه الله (أو باطل أو زنا محرم)
اللبن الذي وجد بسبب الزنا أو بسبب العقد الباطل محرم لكنه يثبت الأمومة دون الأبوة فيكون الطفل ابن للمرأة والواطئ ليس أبا له يعني من الرضاع ، استدل الجمهور على هذا بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول يثبت من الرضاع ما يثبت من النسب ، أو يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. وهذا الطفل لا يثبت نسبه للواطئ فلا يثبت تحريمه بلبنه.
القول الثاني: أنّ اللبن الذي ثاب عن زنا أو عقد باطل يثبت في الأمومة والأبوة في الرضاع واستدلوا على هذا بأنه وطء ثاب عنه حمل ولبن فيقاس على الوطء الصحيح وهو قياس ضعيف جداً لأنه قاسوا في الشكل الظاهر فقط بينما حقيقة المعنى أنّ هذا عقد محرم أي الباطل أو الزنا ، وهذا عقد مشروع ولا يقاس مشروع على الممنوع ولهذا نقول الراجح مذهب الحنابلة وهو ثبوت الأمومة دون الأبوة.
قال رحمه الله (وعكسه البهيمة)
لما انتهى من الأنواع التي يثبت فيها التحريم انتقل إلى بيان الأنواع التي لا يثبت فيها التحريم فقال (وعكسه البهيمة) مقصود المؤلف بقوله (وعكسه البهيمة) يعني أنّ التحريم لا يكون إلاّ بلبن المرأة ويخرج بهذا لبن البهيمة والخنثى والرجل. ولهذا لو أنّ المؤلف عبر بتعبير آخر فقال (ولا يثبت إلاّ بلبن المرأة) لكان أجود ليخرج كل ما عداه البهيمة وغير البهيمة التعليل عللوا هذا بأنّ أحكام الرضاع إنما تثبت أصالة في الأم ويتبعها الآخرون فإذا لم يثبت في الأم لم يثبت فيما عداه. ولهذا لو أنّ البهيمة أرضعت طفلا فلا تسمى أمه من الرضاع أو تسمى؟ لا تسمى لأنّ لفظ الأمومة يتعلق ببني آدم كذلك لو أرضع رجل طفلا إذا قدرنا وجود اللبن في الرجل فإنه هل يكون أمه من الرضاع لأنّ الأمومة تتعلق بجنس الإناث من بني آدم.
ثم - قال رحمه الله (وغير حبلى ، ولا موطوءة)
ذهب الحنابلة إلى أنّ اللبن المؤثر لا يكون مؤثرا إلاّ إذا كان بسبب الحمل ، وظاهر عبارة المؤلف أنه يكون بسبب الحمل أو الوطء بلا حمل وقد خالف بذلك المذهب ، والمذهب أنه لا يكون إلاّ بحمل فإذا وجد لبن في المرأة من غير حمل فإنه لا يؤثر واستدلوا على هذا بأنه خلاف المعتاد.
والقول الثاني: أنّ المرأة البالغة إذا وجد فيها اللبن وأرضعت صار محرما ، ولا يشترط أن يكون من حمل ، وابن المنذر يحكي الإجماع هذا القول الثاني مع أنّ مذهب الحنابلة الاصطلاحي على خلافه مع ذلك يحكي الإجماع على هذا القول الثاني ودليله ظاهر وهو أنّ الله علق أحكام الرضاع على أن يرضع الطفل لبن المرأة بغض النظر عن سبب وجود اللبن هل هو من حمل أو بغير سبب. وهذا القول الثاني هو الصحيح إن شاء الله لأنّ النص الدال على تحريم الرضاع عام.
قال رحمه الله (فمتى أرضعت امرأة طفلا صار ولدها في النكاح والنظر والخلوة والمحرمية)
يريد المؤلف أن يبيّن أنّه إذا وجد الرضاع الصحيح المكتمل الشروط. فإنه يكتسب هذه الأحكام من أحكام النسب دون بقية الأحكام فلا يثبت الإرث ولا يثبت وجوب النفقة ولا يثبت أي حكم من أحكام النسب إلاّ هذه الأحكام الأربعة.
الحكم الأول: في النكاح يعني تحريم النكاح. والحكم الثاني: النظر يعني جواز نظر المرتضع لمن أرضعته ومن يجوز ممن سيبيّن المؤلف جواز النظر إليهم. (والخلوة والمحرمية) الخلوة يعني يبقى هو وهي بلا ثالث. والمحرمية يعني في السفر. فهذه أربعة أحكام تترب على الرضاع الصحيح دون بقية أحكام النسب. والدليل على هذا الحديث [يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب]
قال رحمه الله (وولد من نسب لبنها إليه بحمل أو وطء)
قوله وولد هذا عطف على قوله في الأول (صار ولدها) يعني صار ولدها وولد من نسب لبنها إليه بحمل أو وطء هذه المسألة تسمى لبن الفحل ، يعني أنّ المحرمية لا تقتصر على المرضعة بل تتعداه إلى صاحب اللبن أي الشخص الذي وجد الحمل والحليب بسببه وهو من ينسب إليه الحمل والدليل على أنّ الرجل أيضا يصبح أبا للرضيع أو للمرتضع ما ثبت أنّ عائشة رضي الله عنها رضعت من امرأة فجاء أخو زوجها ليدخل فمنعته فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعيه يدخل فإنه عمك. وصار عماً باعتبار أنه أخ لمن؟ لأبيها من الرضاع رضي الله عنها فهذا الحديث نص في المقصود ..... انتقل المؤلف لبيان من يحرم بسبب الرضاع
قال رحمه الله (ومحارمه في النكاح محارمها ومحارمها محارمه)
المحقق اختار نسخة محارمها ، والنسخة الأخرى كما يشير هو في الهامش (محارمه) وهي أجود فتكون العبارة (ومحارمه في النكاح محارمه ومحارمها محارمه) ومعنى العبارة ومحارمه في النكاح محارمه أي محارم الواطئ اللاحق به النسب محارم لهذا الرضيع ولذلك لا معنى للهاء معنى لمحارمها ، فتكون العبارة ومحارمه يعني محارم الواطئ يعني محارم الأب من الرضاع محارمه يعني محارم للرضيع أو المرتضع.
ثم قال ومحارمها محارمه. يعني ومحارم المرضعة محارم لمن؟ للمرتضع محارمها ومحارمه يعني الأب والأم تقدم ذكرهم مفصلا في النكاح وهم الآباء والأمهات والأبناء والأعمام والعمات والإخوة والخوال والخالات ، الحواشي والأصول والفروع. هؤلاء هم محارمها ومحارمه وهم أيضا محارم لمن؟ لهذا الرضيع. إذا عرفنا الآن انتشار المحرمية من قبل الأب والأم وأنها تشمل جميع المحارم من النسب. ثم لما ذكر انتشار المحرمية من جهة الأب والأم من الرضاع. أراد أن ينبه إلى أنّ هذا الانتشار لا يوجد من جهة المرتضع.
فيقول رحمه الله (دون أبويه وأصولهما وفروعهما)
يعني أنّ المحرمية بالنسبة للمرتضع لا تنتشر في الأصول ولا في الحواشي وإنما فقط في الفروع ولهذا يقول هنا الشيخ رحمه الله دون أبويه وأصولهما وفروعهما. أصول الأبوين الأجداد وفروع الأبوين ، الحواشي وهم الأعمام والخوال ،هؤلاء لا تنتشر المحرمية معنى هذا الكلام وسيذكر المؤلف أمثلته. إذا ارتضع زيد من خديجة فإنّ آباء زيد وإخوان زيد وأعمام زيد لا علاقة لهم بأمه من الرضاع إنما الذين لهم علاقة هم أبناءه فقط ، ولما قرر المؤلف هذا الحكم أراد أن يبيّنه بالتمثيل والتوضيح.
فقال رحمه الله (فتباح المرضعة لأبي المرتضع وأخيه من النسب)
يعني أخو المرتضع من النسب وأبو المرتضع من النسب تباح لهم أمه من الرضاعة لماذا؟ لما تقدم معنا أنّ المحرمية لا تنتشر في أصول الرضيع إذا تباح لهم ما لم يمنع منه بسبب آخر إذا منع منه بسبب آخر هذا حكم آخر لكن من حيث الرضاع يجوز لأبي المرتضع من النسب أن يتزوج بأمه من الرضاع.
قال رحمه الله (وأمه وأخته من النسب لأبيه وأخيه)
يعني من الرضاع فيجوز لأبيه من الرضاع أن يتزوج بأمه وأن يتزوج بأخته من النسب هذا الحكم محل إجماع أي عدم انتشار المحرمية في أصول الرضيع محل إجماع لم يختلفوا فيه ولله الحمد لأنّ الحديث نص المحرمية على الرضيع فقط.
قال رحمه الله (ومن حرمت عليه بنتها فأرضعت طفلة حرمتها عليه)
هذه المسألة تشير إلى قاعدة وهي أنّ كل امرأة يحرم عليك ابنتها فإنها إذا أرضعت طفلة صارت هذه الطفلة أيضا محرمة عليك. مثال المرأة التي تحرم عليك بنتها من أمثلة هذه المرأة أمك لأنّ بنت أمك تعتبر أختك ، مثالها أيضا أختك لأنّ بنت الأخت محرمة باعتبار أنها بنت أختك. الأم والأخت إذا أرضعنا فإنها هذه الطفلة تعتبر أيضا محرمة عليك لأنها أختك إذا كانت المرضعة أمك أو تكون بنت أختك يعني أنت خالها إذا كانت المرضعة أختك. وهذا ظاهر لكن يريد الحنابلة أن يبينوا الحكم بالتفصيل.
قال رحمه الله (وفسخت نكاحها منه إن كانت زوجته)
يعني إذا أرضعت هذه الأم أو الأخت طفلة صغيرة وهذه الطفلة هي ماذا؟ زوجتك فإنّ النكاح ينفسخ في هذه الصورة لماذا؟ لأنها أصبحت محرمة عليك إما أن تكون أختك أو أن تكون أنت خالها إلى آخره فإذا بسبب هذا الرضاع انفسخ لأنها أصبحت من المحرمات لكن بقينا في مسألة وهي أنّ هذه الطفلة الصغيرة إذا انفسخ نكاحها بسبب الإرضاع بقي عليك أن تعطيها نصف المهر لأنه انفسخ النكاح قبل الدخول ولماذا نفترض أنّ انفساخ النكاح كان قبل الدخول. لأنها صغيرة لا يوطأ مثلها ولا يوجد رجل يدخل على زوجته وعمرها أقل من سنتين. ولذلك نفترض دائما في هذه الصورة أنّ لها نصف المهر بناء على أنه لم يدخل بها.
قال رحمه الله (وكل امرأة أفسدت نكاح نفسها برضاع قبل الدخول فلا مهر لها)
صورة المسألة. أن تتزوج بامرأة كبيرة وقبل أن تدخل بها ترضع هذه المرأة الكبيرة زوجة لك صغيرة ، حينئذ صارت هذه الزوجة الكبيرة تسببت في فسخ نكاحها لأنها أصبحت أم زوجتك. وبهذا انفسخ نكاحها. ما هو الحكم
يقول الشيخ رحمه الله (فلا مهر لها)
لماذا لأنها تسببت في فسخ النكاح ، وإذا انفسخ النكاح بسبب من الزوجة قبل الدخول فلا مهر لها وقد تقدمت معنا هذه القاعدة في باب الصداق أنه إذا انفسخ النكاح بسبب من المرأة قبل الدخول فلا مهر لها إنما تقدم معنا الخلاف فاعتبار هل هذا سبب من الزوجة أو ليس بسبب من الزوجة في مسألتنا هذه إذا أرضعت هو بسبب من الزوجة ، ولذلك فلا مهر لها.
قال رحمه الله (وكذا إن كانت طفلة فدبت فرضعت من نائمة)
يعني إذا تزوج الإنسان بطفلة فدبت هذه الطفلة ورضعت من أمك أصبحت حينئذ أختك فإنّ النكاح ينفسخ ولا مهر لها لماذا؟ لأنّ النكاح انفسخ بسبب من هذه الطفلة الصغيرة ولا عمل للزوج مطلقا فلا مهر عليه. وهذا صحيح. فإذا حصلت هذه الصورة فالعقد ينفسخ ولا مهر لها. في المسألة السابقة إذا أرضعت الزوجة الكبيرة قبل الدخول زوجة صغيرة انفسخ نكاحها أليس كذلك؟
انتهينا من الكبيرة لكن ما حكم الصغيرة؟ التي ارتضعت من الزوجة الكبيرة. هل تبقى زوجة أو أيضا ينفسخ نكاحها.؟
الجواب تبقى زوجة لماذا؟ لأنّ أمها حرمت لكن قبل الدخول ، وبنات الأمهات لا يحرمن إلاّ بعد الدخول وهنا لا يوجد دخول فتبقى الصغيرة زوجة.
قال رحمه الله (وبعد الدخول مهرها بحاله)
يعني إذا تزوج الإنسان بامرأة ودخل بها ثم ارضعت زوجة صغيرة له فإنّ النكاح ينفسخ ولا يرجع الزوج على زوجته بالمهر لأنها أي الزوجة الكبيرة استحقت المهر بالدخول وتقدم معنا في باب الصداق أنّ من مقررات المهر الدخول. إلى هذا ذهب الجماهير وحكي إجماعا لأنّ الدخول من مقررات المهر.
والقول الثاني: أنه يرجع عليها بمهره. لأنها تسببت في إفساد النكاح. وإلى هذا القول ذهب شيخ الإسلام وأثبت وجود الخلاف.
شيخ الإسلام رحمه الله عنده قاعدة في هذا الباب وهي [أنّ البضع متقوم على الزوج مطلقا ولو بسبب خارجي أو بسبب من المرأة] ما معنى هذه القاعدة. يعني أنه إذا تسبب أجنبي أو تسببت المرأة في فسخ النكاح فإن للزوج الحق في قيمة البضع ، الأدلة استدل بأدلة قوية. الدليل الأول: تقدم معنا أنّ الصحابة في امرأة المفقود حكموا أنه إذا رجع ولم يختر الزوجة فله المهر وفي هذه الصورة سيرجع المهر إلى الزوج بعد الدخول ولا قبل الدخول؟ بعد الدخول لأنّ هذه الزوجة زوجة المفقود إنما فقد بعد الدخول. فأثبت الصحابة إرجاع المهر بعد الدخول وهو دليل قوي جدا لشيخ الإسلام.
دليله الثاني: أنّ المهر إنما هو دفع على سبيل المعاوضة ، فاستحق الزوج إرجاعه إذا خرج البضع بسبب من غيره وكلام شيخ الإسلام قوي جدا ولا يعكر عليه إلاّ حكاية الإجماع التي لم يثبتها هو رحمه الله وذكر أنّ في المسألة خلافا بين الفقهاء على كل حال من حيث الدليل أرجح الأقوال قول شيخ الإسلام رحمه الله.
قال رحمه الله (وإن أفسده غيرها فلها على الزوج نصف المسمى قبله وجميعه بعده ويرجع الزوج به على المفسد)
يعني إذا أفسد النكاح غير الزوجة فإنّ النكاح يفسد ولها نصف المهر قبل الدخول والمهر كاملا بعد الدخول لأنّ الإفساد ليس من قبل الزوجة فيجب أن تأخذ حقها كاملا لكن يرجع الزوج على من أفسد النكاح.
صورة المسألة أن يتزوج الإنسان بزوجة كبيرة وزوجة صغيرة فتدب الزوجة الصغيرة فترضع من الزوجة الكبيرة ، وبهذا الرضاع صارت الزوجة الكبيرة أم زوجة بالنسبة للزوج فينفسخ النكاح فهنا انفسخ النكاح بسبب ليس من المرأة يعني الزوجة الكبيرة فاستحقت كامل المهر بعد الدخول والنصف قبل الدخول ، وهذا صحيح ويرجع الزوج على من أفسد عليه زوجته.
قال رحمه الله (ومن قال لزوجته أنت أختي لرضاع بطل النكاح)
بلا نزاع عند الحنابلة لأنه أقر بما يوجب فساد العقد وهذا الإقرار إقرار عليه ، وإقرار الإنسان على نفسه مقبول فإن كان صادقا فيما يقول فهي ليست زوجة له في الظاهر والباطن ، وإن كان كاذبا فيما يقول فهي ليست زوجة له في الظاهر وهي زوجته في الباطن ،فإن تزوجت فإثم الزواج الثاني عليه يحاسب به يوم القيامة لأنّا نتكلم الآن عن أحكام الباطن فهي في الظاهر ليست زوجة له.
قال رحمه الله (فإن كان قبل الدخول فصدقته فلا مهر)
أيضا بلا نزاع عند الحنابلة لأنها أقرت واتفقا على بطلان النكاح من أصله ، فلا تستحق شيء قبل الدخول.
قال رحمه الله (وإن أكذبته فلها نصفه)
إذا كذبته فإنّ النكاح يفسد وينفسخ العقد لكن لها نصف المهر لماذا؟ لأنّ إقراره عليها لا يجوز أن يسقط حقا من حقوقها فيقبل إقراره على نفسه ويرد على غيره فهو مقبول على نفسه لأنّا نفسد النكاح ومردود على غيره لأنّا نثبت الحق للزوجة في المهر لئلا يؤدي إقراره إلى إسقاط حق غيره وهذا صحيح.
قال رحمه الله (ويجب كله بعده)
إذا كذبته أو إذا صدقته. لأنّ المهر يتقرر بالدخول ويصبح حقا من حقوق الزوجة سوء صدقته أو كذبته.
قال رحمه الله (وإن قالت هي كذلك وأكذبها فهي زوجته حكما)
إذا قالت هي أنت أخي من الرضاع وكذبته فهي زوجته حكما ، لأنّ القاعدة تقول [لا يقبل إقرار الشخص فيما يسقط حق غيره] فإقرارها بأنه أخوها فيه إسقاط لحقه وهو حق الزوجية ، لكن إن طلقها بعد هذا الإقرار فإن كانت قبضت المهر فهو لها ، وإن كانت لم تقبض المهر فليس لها شيء لأنها تقر أنه لا حق لها هذا كله إذا كان قبل الدخول ، أما إذا طلقها بعد الدخول فإن أقرت على نفسها بأنها أخته وأنها عالمة بذلك قبل الدخول فلا مهر لها لماذا؟ لأنها زانية. فإنها أطاعت زوجها أن يطأها وهي تعلم أنه أخته. وأما إن كانت علمت بعد الدخول فلها المهر لأنّ المهر يتقرر بالدخول.
قوله (حكما) يعني في الظاهر فهي زوجته في الظاهر ومع ذلك نأمر المرأة التي ترى أنّ زوجها أخ لها بأن تسعى بالتخلص منه بكل ما تستطيع نثبت الحق ولكن في نفس الوقت نقول للمرأة إذا كنت تعلمين حقاً أنه أخ لك في الرضاع فيجب أن تسعي في التخلص منه بكل ممكن لماذا؟ لأنها تعلم أنها لا تحل له في الباطن وتشبه هذه المسألة مسألة أخرى وهي ما إذا طلق الرجل زوجته ثلاثا ثم أنكر وهي تعلم أنه طلق ثلاثا تعلم علم اليقين أنه طلق ثلاثا. كذلك هي في الظاهر والحكم زوجة له لأنه لا نستطيع أن نثبت أن الزوج طلق ثلاثا ولكن نأمر هذه المرأة أن تفتدي منه وأن تتخلص بكل ممكن. والجامع بين الحكمين جمع صحيح ولا حرج فيه لأنه من جهة العقد صحيح ومن جهتها العقد باطل.
قال رحمه الله (وإذا شك في الرضاع أو كماله أو شكت المرضعة ولا بيّنة فلا تحريم)
إذا حصل الشك في أي شرط من شروط الرضاع ، شكوا في عدد الرضاع شكوا في وقت الرضاع شكت المرضعة هل أرضعت أو لم ترضع فإنّ لا تحريم والدليل أنّ الأصل عدم التحريم فنبقى مع هذا الأصل إلى أن يأتي ما يدل على خلافه.
بهذا تكون انتهت مباحث الرضاع باقي مسألة. لم يتطرق لها المؤلف وهي هل [يحرم من الرضاع ما يحرم من المصاهرة أو من النسب فقط] المحرمات بالمصاهرة الرضاعية أربعة: أم الزوجة ، وبنت الزوجة ، وأب الزوج ، وابن الزوج من الرضاع. يعني أب الزوج من الرضاع ، وأم الزوجة من الرضاع ، وبنت الزوجة من الرضاع. هذه الأربع نساء هن فقط المحرمات بالمصاهرة. فهل يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب والمصاهرة أو ما يحرم من النسب فقط؟ المسألة فيها خلاف.
صورة المسألة أو مثال للمسألة. هل يحرم على أب الإنسان من الرضاع زوجته ، أو هل تحرم زوجة الإنسان على أبيه من الرضاع. أو لا تحرم ، يعني إذا أنت رضعت من امرأة سيكون لك أب من الرضاع أليس كذلك هذا الأب هل هو من محارم زوجتك وهل يجوز له بأن يتزوج بزوجتك فيما لو طلقت أو مت هذا محل خلاف:
ذهب الأئمة الأربعة والجماهير وحكي إجماعا أنه يحرم. واستدلوا بالعمومات كقوله تعالى {وأمهات نسائكم} [النساء/23] فإنّ أم الزوجة من الرضاع أم ، فتدخل في التحريم.
وذهب شيخ الإسلام وابن القيم ونصراه بأدلة إلى أنها لا تحرم واستدلوا على هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ونحن أخذنا أنّ المحرمات في الشرع ثلاثة أقسام أليس كذلك؟ في بداية كتاب الرضاع.
1ـ محرمات بالنسب 2 - محرمات بالمصاهرة 3 - محرمات بالرضاع. فتلاحظ أنّ الرضاع قسيم للنسب وأنّ النسب قسيم للرضاع الحديث تحدث عن أمرين فقط النسب والرضاع فبيّن أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب يعني فقط كما ترى استدلال شيخ الإسلام وجيه نستطيع أن نقول منطوق الحديث يؤيد ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله كما مرّ معنا مرارا أنه مثل هذه المسائل
التي يخالف فيها شيخ الإسلام الجماهير أو ما حكي إجماعا الإحتياط فيها متعين فلو احتاط الإنسان وأخذ بمذهب الجمهور لكان هذا شيئا حسنا.
وبهذا انتهى كتاب الرضاع ولله الحمد