الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقول الثالث: أنه لا يجب إضافة الضيف مطلقا وإنما يستحب وفي الحقيقة الحديث الصحيح يدل على الوجوب ثلاثة أيام وليس للحنابلة دليل على التفريق بين اليوم والليلة والثلاثة أيام فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم نص على الثلاثة أيام ثم أمره أن يغادر حتى لا يؤثم صاحبه بعد الثلاثة أيام فإذا قلنا بوجوب الضيافة فالقول بأنه لمدة ثلاثة أيام هو الأقرب المتوافق مع ظاهر الحديث.
باب الذكاة
الذكاة من التذكية والتذكية هي الذبح فإذا قالوا ذكاه أي ذبحه.
يقول رحمه الله (لا يباح شيء من الحيوان المقدور عليه بغير ذكاة)
أجمع الفقهاء أنّ الحيوان المقدور عليه لا يباح إلاّ بالتذكية لقوله تعالى {إلا ما ذكيتم} [المائدة/3] وأجمعوا على أنّ مكان الذبح هو الحلق أو النحر بالنسبة للإبل هذا محل إجماع إنما اختلفوا فيما يجب أن يقطع لتحل الذبيحة وهذه مسألة أخرى بناء على هذا الإجماع لو طعن الإنسان الذبيحة مع فخذها أو مع معدتها أو مع الرأس في غير الحلق فإنها ميتة ولا تحل.
يقول المؤلف رحمه الله (إلاّ الجراد والسمك)
الجراد والسمك تحل ميتتهما بإجماع العلماء لقول النبي صلى الله عليه وسلم أحلت لنا ميتتان السمك والجراد ولأنّ أصحاب أبي عبيدة رضي الله عنه ورضي الله عنهم أكلوا من الحوت الذي لقوه على ساحل البحر وهو ميت فميتة السمك والجراد مباحة بالإجماع.
ثم - قال رحمه الله (وكل ما لا يعيش إلاّ في الماء)
كل ما لا يعيش إلاّ في الماء يعني ولو لم يكن من السمك فإنه مباح ولا يشترط له التذكية واستدلوا على هذا بالقياس على السمك وبالآية {أحل لكم صيد البحر} [المائدة/96]
والقول الثاني: أنّ ما يعيش تارة في الماء وتارة في البر كالسلحفاة لا تحل إلاّ بالتذكية لأنها ليست من صيد البحر فهي تعيش تارة في البحر وتارة في البر والراجح أنّ ما يعيش تارة هنا وتارة هنا يشترط له التذكية كالسلحفاة
ثم - قال رحمه الله (ويشترط للذكاة أربعة شروط: الأول أهلية المذكي بأن يكون عاقلا مسلما أو كتابيا ، ولو مراهقا ، أو امرأة أو أقلف أو أعمى)
بدأ بالشروط الخاصة بالمذكي. فالشرط الأول أن يكون أهلا للذكاة وذكر الشروط التي يكون بها الإنسان أهلا للذكاة. الشرط الأول أن يكون عاقلا فلا تصح ذبيحة المجنون ولا الصغير دون التمييز ولا السكران وإلى هذا ذهب الجماهير من أهل العلم واستدلوا على هذا بقوله تعالى {إلا ما ذكيتم} [المائدة/3] فدلت الآية أنه يشترط للذكاة وجود القصد والقصد معدوم في هؤلاء.
والقول الثاني: أنّ تذكية السكران والمجنون صحيحة لأنّ لهم قصدا في الجملة وهذا المذهب ضعيف جدا الصحيح أنّ ذبيحتهم لا تحل لأنه ليس لهم قصد ولا نية.
الشرط الثاني: (مسلما أو كتابيا)
ذبيحة المسلم والكتابي تحل بالإجماع لقوله تعالى {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم} [المائدة/5] وهي نص في جواز أو حل ذبيحة الكتابي. والكتابي هو من يتدين بدين اليهود أو النصارى واشترط الحنابلة أن يكون من أبوين ذميين فإن كانت أمه ذمية وأبوه مجوسي فإنّ ذبيحته لا تحل ولو كان هو كتابي واستدلوا على هذا بأنه اجتمع فيه مبيح وحاضر فأمه كتابية وأبوه مجوسي مثلا فاجتمع فيه مبيح وحاضر.
والقول الثاني: أنّ الكتابي تحل ذبيحته ولا ينظر لأبيه ولأمه لأنّ الشارع الحكيم أجاز ذبيحة الكتابي مطلقا ولم يشترط لها النظر إلى أبويه.
قال رحمه الله (ولو مراهقا)
المراهق هو من قارب البلوغ مفهوم عبارة المؤلف أنّ المميز لا تحل ذبيحته وخالف المؤلف بهذا المذهب فإنّ الحنابلة يرون صحة ذبيحة المميز ولو قال ولو مميزا لدخل المراهق فيه واستغنينا عن عبارة ولو مراهقا فالمميز تصح ذبيحته واستدلوا على هذا بأمرين:
الأول: أنّ المميز له قصد معلوم وتصح منه العبادات الصلاة والصيام والحج والعبادات يشترط لها قصد فدل هذا على صحة قصده.
الدليل الثاني: أنه جاء في مجموعة من الآثار أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أجاز ذبيحة الغلام.
ثم - قال رحمه الله (أو امرأة)
ذبيحة المرأة جائزة بالاتفاق ولو كانت حائض والدليل على هذا من وجهين الأول للعموم فإنّ المرأة مسلمة والشارع أجاز ذبيحة كل مسلمة. الثاني: أنّ جارية كانت ترعى فعدى الذئب على الشاة فلما قاربت الموت أخذت حجرا حادا وذبحتها فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بأكلها وهو نص في المسألة.
ثم - قال رحمه الله (أو أقلف أو أعمى)
الأقلف هو من لم يختن. وذبيحة الأقلف والأعمى جائزة بلا إشكال لدخولهما في عمومات النصوص.
ثم - قال رحمه الله (ولا تباح ذكاة سكران ومجنون ووثني ومجوسي ، ومرتد)
السكران والمجنون والوثني والمجوسي. تقدم الكلام عليهم. أما السكران والمجنون فتقدم.
وأما الوثني والمجوسي فلا تجوز ذبيحتهما بالإجماع بلا خلاف لأنه ليس بمسلم ولا كتابي.
ثم - قال رحمه الله (ومرتد)
المرتد ينقسم إلى قسمين: أن يخرج من دين الإسلام إلى غير اليهودية والنصرانية. فهذا لا تباح ذبيحته بالإجماع. إذا خرج من الإسلام إلى غير دين اليهودية والنصرانية فلا تباح ذبيحته بالإجماع لفقد شرط الإسلام وكونه ليس من أهل الكتاب.
القسم الثاني: أن ينتقل من الإسلام إلى اليهودية أو النصرانية فهذا فيه خلاف:
القول الأول: أنّ ذبيحته ميتة ولا تحل لأنه انتقل إلى دين لا يقر عليه فهو يجب أن يقتل يستتاب فإن تاب وإلاّ قتل ولا تقبل منه الجزية فدل على أن أحكام أهل الكتاب لا تنطبق عليه.
القول الثاني: انه إذا انتقل إلى دين أهل الكتاب جازت ذبيحته لقوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} [المائدة/51] فقوله فإنه منهم يدخل في هذا من جملته أحكام الذبح. والراجح بلا إشكال أنّ ذبيحته ميتة وأما الآية فإنه منهم أي في الولاء والبراء والنصرة والكفر لا في الأحكام المتعلقة بحل الذبائح وكيف نقبل ذبيحته ولا نأخذ منه جزية لا إشكال إن شاء الله أنّ ذبيحته ميتة.
ثم - قال رحمه الله (الثاني: الآلة: فتباح الذكاة بكل محدد)
الشرط الثاني لحل الذبيحة الآلة يشترط وجود الآلة بصفات مخصوصة سيذكرها المؤلف ومقصود المؤلف بقوله محدد أنه لا تحل الذبائح إلاّ إذا استخدمت الآلات التي من شأنها إنهار الدم فإن استخدم آلة لقرض ودق العروق وماتت بسبب ذلك فلا تباح فإذا يشترط في الآلة أن تكون محددة تقتل بالقطع وإنهار الدم فهذا مقصود المؤلف رحمه الله بقوله تعالى فتباح الذكاة بكل محدد. والدليل على هذا النص الذي هو في الحقيقة عمدة في هذا الباب وهو قوله صلى الله عليه وسلم ما أنهر الدم وذكر فيه اسم الله فكل ليس السن والظفر فهذا الحديث سيأتينا أنه مدار مباحث هذا الباب عليه فقوله ما أنهر الدم دليل على أنّ الآلة يجب أن تنهر الدم وإلاّ فإنه لا يجوز أن نأكل الذبيحة التي ذبحت بها.
ثم - قال رحمه الله (ولو مغصوبا)
يجوز أن نأكل الذبيحة المذبوحة بآلة مغصوبة لأنها تدخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم ما أنهر الدم وقياسا على ما لو ذبح الذبيحة الحلال في أرض مغصوبة وقياسا على ما لو ذبح الذبيحة المغصوبة.
والقول الثاني: أنّ ما ذبح بآلة مغصوبة فهو ميتة لقول النبي صلى الله عليه وسلم من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وذبحه بهذه الآلة ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم والصحيح أنّ ذبيحته حلال لأنّ الذي ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم
هو استخدام هذه الآلة الغير المملوكة أما أنها قطعت وأنهرت الدم فهذا عليه أمر الله وأمر رسوله.
الدرس: (2) من الأطعمة
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله: (من حديد وحجر وقصب .. )
مقصود المؤلف أنّ الشرط في الآلة أن تنهر الدم من أي مادة كانت وأنه لا يشترط أن تكون من الحديد لا من الألمنيوم بل من أي مادة كانت واستدل الحنابلة على هذا بدليلين: الأول" قوله صلى الله عليه وسلم ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل. وإنهار الدم يحصل بأي مادة
الدليل الثاني: أنه في حديث الجارية التي تقدمت معنا لما عدا الذئب على الشاة فأدركتها وبها الحياة فذبحتها بحجر حاد. فدل على أنه يجوز أن يذبح الإنسان بالمحدد الذي ينهر الدم من أي مادة كانت.
ثم - قال رحمه الله (إلاّ السن والظفر)
لا يجوز للإنسان أن يذبح بالسن ولا بالظفر ولو أنهر الدم فإنه في الحديث ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ليس السن والظفر. والحديث نص على السن والظفر فدل على أنه لا يجزئ أن يذبح بهما وعلل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله ، أما السن فهو عظم وأما الظفر فمدى أهل الحبشة. وإلى هذا ذهب الجماهير أنه لا يجوز الذبح بالسن والظفر مطلقا واستدلوا بما سمعت.
والقول الثاني: أنّ السن والظفر إذا كانا منفصلين جاز الذبح بهما وأنّ الممنوع منه هو المتصل فقط واستدلوا على هذا بأنّ الظفر والسن المنفصل ينهر الدم كما تنهره الآلات الأخرى والحديث عام ما أنهر الدم فيتناولهما إذا كانا منفصلين وهذا القول ضعيف جدا مخالف للنص وليس في النص ما يفرق بين اتصال وانفصال السن والظفر.
مسألة/ ما حكم الذبح بالعظام سوى السن؟ فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال أما السن فعظم ، اختلف الفقهاء في هذا فذهب الجمهور إلى أنه يجوز للإنسان أن يذبح بكل عظم إلاّ الظفر واستدلوا على هذا بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أنهر الدم وهذا الحديث منطوقه يدل على جواز الذبح بكل آلة إلاّ السن فقط وأما حديث ليس السن فمفهومه لأنه علل المنع من السن بأنه عظم مفهومه أنه لا يجوز الذبح بكل عظم والمنطوق مقدم على المفهوم.
القول الثاني: أنه لا يجوز الذبح بأي عظم واستدلوا على هذا بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال أما السن فعظم فعلل المنع من الذبح بالسن بأنه عظم يتناول هذا كل عظم ومال إلى الحافظ ابن القيم وأيضا رجحه ابن عبدوس من كبار الحنابلة والراجح إن شاء الله المذهب الأول وهو جواز الذبح بأي عظم ووجه الترجيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أنّ السن عظم قال أيضا أنّ الظفر مدى الحبشة. ومن المعلوم أنّ لو أهل الحبشة لو اتخذوا سكاكين خاصة بهم وأصبحت مدى خاصة بهم لم يدل هذا على المنع من الذبح بها مما يدل أنّ الحديث خرج مخرج الخصوص وهو أنه لا يجوز الذبح بخصوص هذين الآلتين وهو السن والظفر كما أنّ القاعدة التي تقدمت معنا مرارا وهي تقديم المنطوق على المفهوم تأتي معنا في هذه المسألة وتدل على رجحان قول الجمهور ولو أراد الإنسان أن يحتاط بأن لا يذبح بالعظم فباب الاحتياط واسع وهو أمر آخر يختلف عن مناقشة المسائل والترجيح والمدارسة فلو احتاط فالاحتياط في هذه المسألة متوجه ولكن الراجح إن شاء الله الجواز.
ثم - قال رحمه الله: (الثالث قطع الحلقوم والمريء).
أي الشرط الثالث من شروط جواز الذبيحة قطع الحلقوم والمريء وتفصيل هذا الشرط كما يلي:
الذبيحة تحل بأحد ثلاثة أمور إما ذبح أو نحر أو عقر ، فأما الذبح فهو ما يكون في الحلق وأما النحر فهو ما يكون في الوهدة التي في أصل العنق بين العنق والصدر وهي تكون في الإبل ، وأما العقر فهو يتناول ما لا يمكن ذبحه من الحيوانات البرية إذا توحشت أو من الحيوانات المتوحشة أصلا وسيأتينا الحديث عن هذه الأمور. وتقدم معنا أنّ الفقهاء أجمعوا على أنّ الذبح لا يحل إلاّ في هذا الموضع وهو الحلق أو الوهدة وأنه لو ذبح من البطن والرأس والفخذ فإنّ الذبيحة ميتة ولا تحل وإنما اختلف الفقهاء في أمر آخر وهو القدر الذي يجب قطعه لتحل الذبيحة فذهب الحنابلة كما ترون إلى أنه قطع الحلقوم والمريء فالحلقوم مجرى النفس والمريء مجرى الطعام والشراب ذهب الحنابلة إلى أنه لا تحل الذبيحة إلاّ بقطع الحلقوم والمريء فإذا قطعهما فإنّ الذبيحة حلال ولو لم يقطع الودجين. والودجان عرقان غليظان محيطان بالحلقوم واستدلوا على هذا بأنه إذا قطع المريء والحلقوم فقد قطع من الذبيحة ما لا تبقى معه الحياة
فأجزأ.
والقول الثاني: أنه يشترط أن يقطع الحلقوم والمريء والودجين.
والقول الثالث: أنه يجزء إذا قطع الودجين ولو لم يقطع الحلقوم والمريء.
والقول الرابع: أنّّ المجزئ قطع الحلقوم والمريء مع أحد الودجين. وهو رواية عن الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية واستدل أصحاب هذا القول بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أنهر الدم فاشترط إنهار الدم وهذا لا يكون بالقطع المريء فقط ولا الحلقوم فقط بل لا بد من قطع أحد الودجين أو قطع الودجين جميعا لكي ينهر الدم من هذا العرق المحيط بالحلقوم وهذا القول الرابع الذي هو قطع الحلقوم والمريء مع أحد الودجين هو الراجح إن شاء الله فإذا قطع الحلقوم فقط ولم يقطع أيا منهما فهي ميتة وإن كان تصور هذا في الذبح بعيد جدا لأنه إذا قطع الحلقوم فبمجرد ما يجري السكين إجراء بسيطا سيأتي على العرقان المحيطان بالحلقوم المقطوع
لكن لو فرضنا أنه تعنت وتنطع وقطع الحلقوم بلا قطع الودجين فإنّ ذبيحته ميتة فلا بد من قطع أحدهما.
ثم - قال رحمه الله (فإن أبان الرأس بالذبح لم يحرم المذبوح)
مقصود الشيخ إذا أبان الرأس جملة واحدة سواء أبانه من الأمام أو أبانه من الخلف ، فإنّ الذبيحة حلال واستدلوا على هذا بأمرين:
الأمر الأول: هو أنه إذا قطع الرأس فقد قطع ما يجب أن يقطع وزيادة.
الثاني: أنّ الجواز مروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكن ينبغي أن يتنبه الذابح من الخلف إلى قيد أشار إليه الفقهاء وهو أنه إذا ذبحت الذبيحة من القفا فالذبيحة حلال بشرط أن لا تموت قبل أن تصل إلى الودجين فإن ماتت قبل أن تصل إلى الودجين فهي ميتة لأنها ماتت قبل أن تقطع ما يجب أن يقطع شرعا وهذا قد يتصور متى؟ إذا تأخر في القطع أو تلاعب أو عبث فإنها قد تزهق روحها بسبب قطع أعلى الرقبة قبل أن يصل إلى الودجين المهم هذا القيد ينتبه إليه ومن الخطأ الفادح أن يقطع الإنسان من مخالفة السنة وتعريض الذبيحة للفساد أن يقطعها من الخلف لكن الحكم الشرعي هو ما سمعت.
ثم - قال رحمه الله (وذكاة ما عجز عنه من الصيد والنعم المتوحشة ، والواقعة في بئر ونحوها ، بجرحه في أي موضع كان من بدنه)
القاعدة أنّ أي حيوان يتوحش وينفر من الناس فإنّ حكمه حكم الصيد أيّ أنه يجوز أن يذبح في أي موضع من جسده واستدلوا على هذا بأنّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هموا بناقة ليذبحوها فهربت وأعيتهم وكانت الأفراس معهم قليلة فعمد إليها أحدهم فحبسها بسهم رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنّ لهذه الأنعام أوابد كأوابد الوحوش فإذا أعجزتكم فاصنعوا هكذا وفي هذا دليل على أنه إذا هرب وتوحش ولم يمكن منه فإنه يقتل في أي موضع لأنّ حكمه صار كحكم الهارب. وفي هذه المسألة عن الإمام مالك الإمام مالك في هذا الباب كأنه لم تبلغه النصوص فإنه قال إذا هربت الذبيحة المستأنسة فإنه لا يجوز أن تذبح إلاّ كما تذبح باقي البهائم. فإن قتلت كما يقتل الصيد فهي ميتة وهو غريب جدا لأنّ الحديث الذي معنا حديث أبي واقد صريح في المسألة ولهذا احتاج الإمام أحمد أن يعتذر عن الإمام مالك فقال لعل مالكا لم يبلغه حديث أبي واقد وهذا أحسن ما يحمل عليه قوله لأنه فيه مخالفة صريحة للنص الصحيح
ثم قال رحمه الله (إلاّ أن يكون رأسه في الماء ونحوه فلا يباح)
أي إذا كان هذا الحيوان الهارب رأسه في الماء فإنه لا يباح واستدل الحنابلة على هذا بدليلين: الأول: أنه إذا هرب وكان رأسه أثناء الهرب في الماء كما إذا سقط في البئر فإنه يكون مات بسببين بسبب الطعن وبسبب الماء ونحن نقول أنه في كتاب الأطعمة إذا اجتمع مبيح وحاضر فإناّ نغلب الحاضر.
الدليل الثاني: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا وجدت صيدك في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري اسهمك قتله أو الماء. فهذان دليلان صريحان فإنه إذا هربت ووجدنا رأسها في الماء بعد الطعن فإنها لا تأكل.
والقول الثاني: أنه إذا كان الجرح موحيا قاتلا مميتا فإنها تجوز ولو كان رأسها في الماء لأناّ علمنا حينئذ أنّ الذي قتلها هو الجرح لا الماء وربما يستأنس بهذا القول بأنّ بعيرا ند عن أهله وسقط في البئر وطعنوه في فخذه وقتلوه واستخرجوه فأكلوا وأكل ابن عمر معهم وجه الإستئناس بهذا الحديث أنه في الغالب الحديث ليس فيه أنّ البعير لما سقط في الماء كان رأسه في الماء هذا لم أجده في رواية لكن يستأنس أنه ربما لما سقط لكان رأسه في الماء لأنّ غالبا سيسقط على رأسه فيكون رأسه هو الذي في الماء فربما يستأنس بهذا الأثر والراجح إن شاء الله هو هذا القول الثاني. متى علمنا أنّ الجرح قاتل وموحي فإنه حلال إن شاء الله لأنه الآن تبيّن لنا أنّ الذي قتله الجرح وليس الماء.
ثم - قال رحمه الله (الرابع: أن يقول عند الذبح بسم الله)
ذهب الجماهير الأئمة الثلاثة مالك وأحمد وأبو حنيفة. إلى أنه لا يجوز أكل الذبيحة إلاّ إذا سمي عليها واستدلوا على هذا بقوله تعالى {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} [النساء/2] واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل. وهي أدلة صريحة جدا في اشتراط التسمية على الذبيحة لتكون حلالا.
القول الثاني: للإمام الشافعي فالإمام الشافعي يرى أنّ التسمية سنة واستدل على هذا بدليلين: الأول: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم إذا لم يتعمد. وهذا الحديث الصواب فيه أنه مرسل.
الدليل الثاني: استدل بحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله يأتينا اللحم من قوم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أو لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم سموا أنتم وكلوا وهو حديث صحيح فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم الأكل من الذبيحة مع عدم العلم بالتسمية.
والجواب عن هذا الحديث الثاني أنّ النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر ما ذكرته عائشة مجرد شك والأصل في ذبيحة المسلم أنها حلال بدليل قوله سموا أنتم وكلوا ولو كانت الذبيحة لم يسم عليها لم يحل أن تُأكل ، وإن كان هذا عكس استدلال الشافعي لكن نقول أنه النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بذلك لأنّ الأصل في ذبيحة المسلم أنها حلال وانه سمى ، الدليل على حمل الحديث هذا المحمل هو النصوص المحكمة الأخرى ولهذا يعتبر هذا القول للإمام الشافعي ضعيف جدا في الحقيقة مخالف للنصوص والراجح أنّ الذبيحة إذا تركت التسمية عليها فإنها ميتة.
ثم - قال رحمه الله (لا يجزيه غيرها)
يعني أنه لا جزء فالتسمية إلاّ أن يقول بسم الله فإن قال الله أكبر أو سبحان الله فهي ميتة واستدلوا على هذا بأنّ التسمية عند الإطلاق تنصرف إلى بسم الله.
والقول الثاني: أنه إذا ذكر الله على الذبيحة بأي اسم من أسمائه فهي حلال واستدلوا على هذا بالنصوص فإنّ فيها إذا ذكرت اسم الله {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله} [النساء/2] ومن قال الله أكبر أو سبحان الله فقد ذكر اسم الله والراجح هو القول الثاني والمذهب هنا في هذه المسألة ليس بقوي وإن كان الاحتياط في مثل هذه المسائل متوجه جدا.
ثم - قال رحمه الله (فإن تركها سهوا أبيحت لا عمدا)
إذا ترك الذابح التسمية على الذبيحة سهوا فإنها تحل وإذا تركها عمدا فهي ميتة.
بقي قسم ثالث لم يتطرق إليه المؤلف وهو إذا تركها جهلا فالحنابلة يعذرونه في صورة واحدة وهو إذا تركها سهوا فإن تركها عمدا أو جهلا فإنهم لا يعذرونه وفي هذا يفرقون بين مسائل النسيان ومسائل الجهل وهي من المواضع القليلة جدا في الفقه الذي يفرق فيها بين الجهل والنسيان لأنّ النصوص لم تفرق بينهما ، ووجه التفريق عند الحنابلة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال ذبيحة المسلم حلال وإن لم يذكر اسم الله إذا لم يتعمد والجاهل تعمد لكنه جاهل بخلاف الناسي فإنه لم يتعمد والصواب إن شاء الله أنّ الجهل والنسيان حكمهما واحد نأتي إلى النسيان وهو مسألة الباب إذا نسي أن يبسمل فذهب الأئمة الأربعة أنه ذبيحته حلال ونحن نقول الأئمة الأربعة لأنّ الشافعي يرى أنها أصلا سنة ، واستدلوا على هذا بالنصوص العامة فإنّ الله سبحانه وتعالى رفع المؤاخذة عنه {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة/286] عفي عن أمتي الخطأ والنسيان. واستدلوا بالنصوص العامة هذا الدليل الأول.
الدليل الثاني: صح عن ابن عباس أنه أجاز ذبيحة المسلم إذا نسي بسم الله هذا بإسناد صحيح.
الثالث: الحديث السابق ذبيحة المسلم حلال وإن لم يذكر اسم الله إذا لم يتعمد قلنا أنه حديث ماذا؟ مرسل. والحديث المرسل يستأنس به بقوة ولاسيما إذا دعمته وقَوَتهُ آثار الصحابة وقد صح عن ابن عباس ما يوافقه.
القول الثاني: وهو مذهب الظاهرية ورواية عن الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام أنه إذا نسي فهي ميتة واستدل على هذا بدليلين:
الدليل الأول: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أنهر الدم وذكر اسم الله فجعل لجواز الذبيحة شرطين. إنهار الدم وذكر اسم الله ولو نسي أن ينهر الدم لكانت ميتة فكذلك البسملة.
الثاني: القياس فقالوا البسملة هي من شروط صحة الذبح وجواز أكل الذبيحة والشروط في الفقه لا تسقط بالنسيان كما لو صلى بلا وضوء وهذه المسألة تحتاج في الحقيقة إلى استقصاء للآثار فإن وجدنا أنّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعذرون بالبسملة فالقول قولهم يعني ولا نكتفي بأثر ابن عباس لأنّ النصوص واضحة في اشتراط البسملة واختيار شيخ الإسلام في هذه المسألة قوي فنحتاج أن يكون هذا يصل إلى مستوى أن يكون عمل عند الصحابة أو عرف عند الصحابة بأن نجد أكثر من أثر أثرين ثلاثة أو نجد وهو يفيد جدا تعبير عام عن واحد من كبار التابعين مثل الزهري وسعيد بن المسيب أنّ عمل الصحابة على الجواز ، إن وجدنا مثل هذا مع الحديث المرسل فلا شك أنه هو الراجح وإن لم يوجد فاختيار شيخ الإسلام وجيه ولا يمكن الحقيقة عن أدلته بسهولة فيبقى أنّ قوله أرجح من قول الأئمة الأربعة في مثل هذه المسألة ولكن طالب العلم إذا عرف أنّ جماهير أهل العلم الأئمة الأربعة أئمة المسلمين يرون أنّ ترك التسمية لا يفسد الذبيحة لا ينبغي عليه الإنكار في هذه المسائل إنما يكتفي بالبيان وأنه يرى أنّ الراجح أنّ هذه الذبيحة ميتة
لكن بعض الناس ينطلق من المسائل الخلافية ليجعلها مسائل إنكار فيقول للذابح أنت تأكل ميتة وتطعم أهلك ميتة وهي مسألة خلافية والأئمة الأربعة فإذا كان هو استفتى من يرى أنّ البسملة تسقط نسيانا فيكتفى بمثل هذا وليست المسائل على درجة واحدة حتى الإنسان ينكر على المخالف فيها المسألة تحتمل وفيها آثار عن الصحابة بخلاف مثلا مسألة تارك الصلاة فإنّ الآثار متفقة على أنه كافر فمثل هذه المسألة ينبغي تبيينها بخلاف مثل ما قلت مثل هذه المسألة التي فيها الآثار متعارضة.
ثم - قال رحمه الله (ويكره أن يذبح بآلة كالة)
يكره للإنسان أن يذبح بآلة كالة لأمرين الأمر الأول: أنه جاء عن عمر رضي الله عنه النهي عن الذبح بآلة كالة.
الأمر الثاني: أنّ الذبح بها تعذيب للبهيمة ولهذا جعلها الحنابلة مكروهة.
والقول الثاني: أنّ الذبح بآلة كالة محرم والذبيحة حلال أما أنه محرم فلأنّ فيه تعذيبا للذبيحة بلا حاجة وأما أنّ الذبيحة حلال فلوجود الشروط فإنه أنهر بها الدم وهذا القول الثاني هو الصحيح أنه آثم إن ذبح بآلة كالة.
ثم - قال رحمه الله (وأن يحدها والحيوان يبصره)
وعللوا هذا بأمرين: الأول: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال أميطوا أو أخفوا شفاركم عن الذبائح. وهذا حديث ضعيف.
الثاني: أنّ في هذا تعذيبا للبهيمة ووجد في الواقع العملي أنّ الحيوانات إذا رأت الدماء وإذا رأت الذابح يسن السكاكين فإنها تثور بقوة لاسيما الإبل ما يعني أنها تأثرت وأنها تألمت في هذا المرأى ولهذا نقول أنه إن قيل بأنه أيضا محرم لكني لم أجد أحدا أو لا أذكر أنّ أحدا قال أنه محرم فإن قيل به فهو تماما يشبه الذبح بآلة كالة وقد يكون أحيانا أشد إيلاما للذبيحة.
ثم - قال رحمه الله (وأن يوجهه إلى غير القبلة)
يسن للإنسان إذا أراد أن يذبح أن يذبح إلى القبلة واستدلوا على هذا بأمرين الأول: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يضحي وجهها إلى القبلة.
الثاني: أنه صح عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يوجهون الذبائح إلى القبلة. فهذا دليل على أنه سنة وهذا صحيح. الأمر الآخر يكره. واستدلوا على أنّه يكره أنّ التوجيه إلى القبلة سنة وتقدم معنا مرارا أنّ الاستدلال على الكراهة بمخالفة السنة ليس بصحيح لأنّ مخالف السنة لا يزيد على أنه ترك السنة وترك السنة شيء والوقوع في المكروه شيء آخر ولهذا نقول أنه ليس بمكروه.
ثم - قال رحمه الله (وأن يكسر عنقه أو يسلخه قبل أن يبرد)