المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب استيفاء القصاص - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٦

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌باب استيفاء القصاص

القول الثاني: أن الحديث لا يتناول الجد فإذا قتل الجد حفيده أقدناه به. وذهب إلى هذا القول الحسن بن حيي واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. وكأنه خص الحديث بالوالد المباشر فقط.

يعني كأن اختيار شيخ الإسلام قوي والسبب في هذا أن النصوص الدالة على وجوب القصاص محكمة وواضحة الدلالة فالاستثناء منها ينبغي على مورد النص فقط كما أن العلاقة بين الأب والابن ليست كالعلاقة بين الأب والجد. والحقوق والواجبات تختلف من الأب إلى الجد. ولهذا نقول استثنائه جيد

ثم - قال رحمه الله (ويقتل الولد بكل منهما)

يعني بالأب أو بالأم .. وهذا إجماع. بل قتل الولد لأبيه أشنع من قتله لأجنبي. كما أن حق الأب على الابن أكبر من حقه على أجنبي القول الثاني: أن الابن لا يقتل بالأب وهو قول نستطيع أن نقول عنه أنه ساقط مخالف للنصوص حتى انه مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يقتل والد بولده) وجه المخالفة: أن الحديث نص على الوالد فكأنه يؤكد الوجوب في الولد لأن استثناء البعض يبقي الباقي على الحكم الأول فيتوافق حديث (لا يقتل والد بولده) مع العمومات على وجوب قل الولد بوالده كما انه شنيع وغاية في العقوق فكيف يستثنى من القتل ولهذا كله أقول يمكن أن نقول أنه قول ساقط.

‌باب استيفاء القصاص

لما ذكر في الباب السابق شروط استحقاق القصاص أراد أن يبين هنا أنه إذا ثبتت الشروط وصار الجاني مستحقا للقتل فلابد أيضا للقيام باستيفاء هذا القصاص من تحقق شروط أخرى.

وقبل أن نذكر باب استيفاء القصاص نسينا أن نذكر تعريف القصاص وهو ملحق بباب شروط القصاص.

القصاص في لغة العرب: تتبع الأثر مأخوذ من القص.

وأما في الاصطلاح: أن يُفعل في الجاني مثل ما فعل.

نأتي إلى باب استيفاء القصاص.

- قال رحمه الله (يشترط له ثلاثة شروط أحدهما: كون مستحقه مكلفا فإن كان صبيا أو مجنونا لم يستوف)

ص: 85

الشرط الأول: أن يكون المستحق للقصاص مكلف فإن كان غير مكلف فإنه ينتظر به إلى أن يبلغ الصغير أو يفيق المجنون. ولا يجوز للولي ولو كان الأب أن يستوفي القصاص ، واستدل الحنابلة على هذا بان الغرض من القصاص الردع وأن يحصل التشفي من أولياء الدم. وهذه الحكمة لا تحصل إذا قتل وولي الدم صغيرا أو مجنونا بل ينتظر به إلى أن يبلغ ليحصل له التشفي ودرك الغيظ.

والقول الثاني: أن للأب أن يقتص وأن يستوفي وإن لم يبلغ الصغير أو يفيق المجنون. لأن له ولاية تخوله أن يستوفي القصاص.

الراجح المذهب. لكن لو قيل بقول ثالث لكان قولا حسنا جدا لكني لم أقف عليه لو قيل إذا كان مستحق القصاص مجنون فلوليه أن يستوفيه وإذا كان صغير فليس له أن يستوفيه وإنما ينتظر به إلى أن يبلغ لو قيل بهذا القول لكان قولا متجها جدا لأنّ الصغير يكبر ويستوفي بنفسه وربما صفح. أما المجنون فإنه قد يستمر مجنون وقلما يبرأ المجنون أليس كذلك؟ قلما يبرأ المجنون الذي فقد عقله. لو قيل بهذا القول كان قولا متجها لكني بحثت لم أجد من قال به المهم إذا كان قيل به فهو قول جيد.

قال رحمه الله (فإن كان صبيا أو مجنونا لم يستوف وحبس الجاني إلى البلوغ والإفاقة)

إذا انتظرنا الصبي والمجنون فإنه في حال الانتظار يجب أن نحبس الجاني إلى أن يبلغ الصبي أو يفيق المجنون والدليل على هذا من وجهين: -

الأول: أنه مروي عن معاوية رضي الله عنه

الثاني: خشية أن يهرب فلا يتمكن منه عند بلوغ الصبي وإفاقة المجنون.

مسألة / هل لولي من له الحق في الاستيفاء هل له أن يعفو إلى الدية. الجواب ليس له أن يعفو إلى الدية إلاّ في حال واحدة فقط إذا كان ولي الدم مجنونا فقيرا أما إن كان صغيرا فقيرا فلا يعدل إلى الدية لأنه إذا كان مجنونا وفقيرا فالعدول إلى الدية في هذه الحال يعني مصلحة ولي الدم فيها ظاهرة لأنه مجنون فلا يشعر باستيفاء حقه ولا يشعر بالتشفي كما انه فقير فهو بحاجة إلى الدية. ففرقوا هنا بين ماذا وماذا؟ ففرقوا بين الصغير والمجنون. وهذا القول جيد إذا رأى ولي الدم أنّ المصلحة في هذا وصنع ذلك فتصرفه حسن وهو مذهب الحنابلة وصحيح.

ص: 86

قال رحمه الله (اتفاق الأولياء المشتركين فيه على استيفائه وليس لبعضهم أن ينفرد به)

الشرط الثاني: أن يتفق الأولياء المشتركين فيه على استيفائه ولا يجوز أن ينفرد به أحدهم وهذا يرجع إلى قاعدة أخرى وهي [أنّ حق الاستيفاء موزع على جميع الورثة] فكل من يرث الميت له الحق في الاستيفاء فإذا صفح أحدهم سقط القصاص والدليل على هذا من وجهين الأول" قوله صلى الله عليه وسلم من قتل له قتيل فهو بخير النظرين. إما أن يقتل أو يعفو - وفي رواية صحيحة فأهله بخير النظرين. وكلمة أهله تشمل جميع الورثة فالحديث أسند الحق إلى جميع الورثة.

الوجه الثاني: أنّ هذا مروي عن الصحابة أي أنه إذا عفي واحد من مستحقي الدم سقط القصاص.

القول الثاني: أنّ حق الاستيفاء خاص بالعصبة دون النساء لأنّ المقصود من القصاص التشفي ورد العار وهو يتعلق بالرجال يعني رد العار وإلى هذا القول ذهب شيخ الإسلام.

القول الثالث: عكس المذهب أنه إذا اختار أي واحد من ورثة الدم القصاص فإنه يقتص من الجاني ولو عفي سائر الباقين عكس المذهب واستدل أصحاب هذا القول بأنّ لكل واحد من الورثة الحق في القصاص فإذا أسقط بعضهم حقه بقي حق الباقين بدليل أنّ النفس تأخذ ببعض النفس كما في قتل الجماعة بالواحد فهذا أخذ للنفس ببعض النفس. الراجح المذهب يليه في القوة اختيار شيخ الإسلام والذي يجعل الإنسان لا يقول باختيار شيخ الإسلام أنه صح عن عمر رضي الله عنه أنه درأ القصاص بعفو امرأة وهي أخت المقتول فلما عفت درأ القصاص فأخذ عمر بمحضر من الصحابة بعفو امرأة لولا هذا الأثر لكان اختيار شيخ الإسلام وجيه لكن مع هذا الأثر وعموم

الحديث من قتل له قتيل يكون قول الحنابلة هو أرجح هذه الأقوال.

قال رحمه الله (وإن كان من بقي غائبا ، أو صبيا ، أو مجنونا ، انتظر القدوم والبلوغ والعقل)

يقول المؤلف تفريعا على الشرط الثاني وإن كان من بقي غائبا أو صبيا أو مجنونا ، انتظر القدوم والبلوغ والعقل. إذا كان بعض الورثة غائب أو بعضهم صغير أو بعضهم مجنون فيجب أن ننتظر الغائب والصغير ليبلغ والمجنون ليفيق فهذه مسألتان:

ص: 87

المسألة الأولى: انتظار قدوم الغائب وهي محل إجماع إذا كان أحد أولياء الدم فننتظره بالإجماع.

المسألة الثانية: انتظار بلوغ الصبي أو إفاقة المجنون فالمذهب أنه ينتظر فننتظر إفاقة المجنون وبلوغ الصبي واستدل الحنابلة على هذا بأنه لو عفي عن القصاص إلى الدية لكان لهم حق في الدية فدل هذا على أنّ لهم حقا في القصاص ينتظرون.

الثاني: أنّ هذا الصبي والمجنون لو كان منفردا لانتظرناه أليس كذلك؟ في المسألة السابقة أخذنا إذا كان منفردا ننتظره فكذلك إذا كان مع غيره من أولياء الدم.

القول الثاني: أنه إذا كان الباقون من أولياء الدم كبار بالغون فإنّ لهم الحق في الاستيفاء قبل بلوغ الصبي وإفاقة المجنون واستدلوا على هذا بأنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما قتل كان في ذريته الكبار والصغار ، إلاّ أنّ الحسن رضي الله عنه بادر

بقتله قبل بلوغ الصغار ولم ينتظر فدل هذا على أنه لا يجب أن ننتظر الصغار والراجح المذهب والجواب عن حديث الحسن أنه رضي الله عنه لما قتل علي أصبح الحسن هو الإمام فقتله على سبيل الحرابة لا على سبيل القصاص ولهذا لم ينتظر وهذا القول الثاني هو الراجح

قال رحمه الله (الثالث: أن يؤمن في الاستيفاء أن يتعدى الجاني)

يعني أن يتعدى الجاني إلى غيره ويكاد هذا ينحصر في الحامل ولهذا

قال بعدها (فإذا وجب على حامل أو حائل فحملت لم تقتل حتى تضع الولد)

يجب أن نأمن من أن نتعدى الجاني إلى غيره لأنه عند التعدي ندخل في قوله تعالى {فلا يسرف في القتل} [الإسراء/33] وإذا قتل الحامل وما في بطنها فقد أسرف لأنه أخذ نفسين بنفس واحدة وهذا هو الإسراف ولهذا صارت هذه المسألة محل إجماع لم يختلفوا في أنه يجب أن ننتظر الحامل إلى أن تضع.

قال رحمه الله (وتسقيه اللبأ)

يجب أيضا أن ننتظر بعد الولادة إلى أن تسقيه هذا الحليب اللبأ وهو أول ما يخرج من المرأة وعلل الحنابلة هذا بأنّ فقدان الطفل لأول

حليب يخرج من أمه يلحق به ضررا بالغا كبيرا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا ضرر ولا ضرار) فإذا يجب أن ننتظر إلى أن تسقيه هذا اللبأ ولا نقتلها بعج الولادة مباشرة.

ص: 88

ثم - قال رحمه الله (ثم إن وجد من يرضعه وإلا تركت حتى تفطمه)

مقصود الحنابلة في المسألة السابقة بقوله (تسقيه اللبأ) يعني ويُنتظر إلى أن ينتهي النفاس وليس المقصود فقط أن تسقيه هذا اللبن بل تسقيه هذا اللبن وننتظر إلى أن ينتهي النفاس لأنه إن لم نفعل ذلك أيضا تضرر الطفل لأنه بحاجة ماسة إلى أمه في مدة النفاس.

إذا وضعته وسقته اللبن وانتظرنا إلى أن ينتهي النفاس نظرنا فإن وجد من يكفل الصبي فذاك وإلا فإنه ينتظر لمدة حولين.

استدل الحنابلة على هذا بأنه إذا كان الشرع يراعي الجنين وهو في بطن أمه فلأن يراعيه بعد أن يولد من باب أولى لأن الإنسان بعد الولادة يكون في الشرع محترما أكثر منه بعد الولادة بدليل أمرين:

الأمر الأول: اختلفوا في إسقاطه قبل نفخ الروح.

الدليل الثاني: أن فطرة الجنين لا تجب بينما إذا وُلد فإن فطرته تجب. وفي هذا كله ما يدل على انه بعد الولادة تعظم حرمة الإنسان.

بناء على هذا نقول يجب أن يُنتظر إذا لم يوجد من يكفل هذا لصغير.

ثم - قال رحمه الله (ولا يقتص منها في الطرف حتى تضع)

المؤلف يريد أن يبين أنه كما ننتظر في الجناية على النفس كذلك ننتظر في الجناية فيما دون النفس. في الحالين ننتظر فننتظر المرأة الحامل إلى أن تضع.

والدليل: أن الاقتصاص من المرأة في الأطراف وهي حامل يؤثر على الجنين وربما أسقطه ، بناءا عليه ينتظرونه إلى أن يولد.

وظاهر كلام المؤلف أن الاقتصاص في الأطراف يكون بعد الولادة مباشرة ولا ننتظر كما ننتظر في القصاص في النفس.

والصواب أنه كذلك في القصاص في الأطراف ننتظر إلى أن تسقيه هذا الحليب لكي لا يتضرر من تركه. فننتظر مدة النفاس. ثم نقتص منها في الطرف.

ثم - قال رحمه الله (والحد في ذلك كالقصاص)

يعني حكم الانتظار في الحدود كحكمه في القصاص ، فإن كان الحد يؤدي إلى إتلاف النفس كالرجم فحكمه حكم الاقتصاص من النفس ، وإن كان الحد لا يؤدي إلى إتلاف النفس كحد الجلد فحكمه حكم الاقتصاص في الطرف ونحن أخذنا أن الحنابلة يرون انه بعد الولادة مباشرة يُقتص منها في الطرف كذلك هنا يرون أنه بعد الولادة مباشرة يُقام إليها الحد الذي لا يؤدي إلى إتلاف النفس كالجلد.

ص: 89

والراجح في تلك المسألة هو الراجح في هذه المسألة وهو انه يُنتظر أيضا في إقامة الحد ولو كان بغير متلف للنفس كالجلد ننتظر إلى أن ترضع هذا الطفل لكي لا يتضرر من ذلك.

فصل

- قال رحمه الله (ولا يستوفى القصاص إلا بحضرة سلطان أو نائبه)

يشترط لاستيفاء القصاص أن يحضر السلطان أو يحضر نائب السلطان أي ولا يمكن أهل المجني عليه من إقامة القصاص منفردين. وعلة ذلك انه لا يؤمن إذا انفردوا به من أن يتعدوا عليه أو يعتدوا عليه في كيفية القصاص أو في غير ذلك. ولذلك اشترطوا وجود السلطان أو نائبه.

القول الثاني: أنه لا يُشترط بل إذا أذن السلطان أو الحاكم أو الإمام أذن في القصاص فإن ولي الدم يقتص من الجاني ولو بغير حضرة السلطان. واستدل أصحاب هذا القول: بأن رجلا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قتل آخر فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم إخوة المقتول وقال لهم اذهبوا به فاقتلوه) وهذا الحديث صحيح. ولهذا اختار هذا القول الثاني شيخ الإسلام ابن تيمية.

والراجح والله أعلم: أن يقال إذا امن السلطان من أي يحيف أولياء الدم على المقتول ويعتدوا عليه فلهم أن يقتلوه وله أن يمكنهم من ذلك ، وإذا لم يأمن فإنه لا يجوز.

السبب في هذا: أن أولياء الدم يملكون من الجاني إقامة القصاص فقط. يعني يملكون القصاص فقط فلا يملكون توبيخه ولا شتمه ولا لطمه ولا ركله ولا يملكون أن يؤذوه بأي طريقه إنما يملكون شيء واحد فقط وهو القصاص. ملكهم الشارع هذا الحق.

فإذا أعطينا القاتل لأولياء المقتول ربما قبل القتل اعتدوا عليه قبل أن يقتلوه تشفيا وهذا لا يجوز لأن الشارع لم يبح لأولياء لدم أن يتشفوا إلى بالقتل الذي هو القصاص.

ولهذا نقول قول الحنابلة قوي ووجيه ولولا هذا الحديث الصحيح لكان حسم الباب هو المتعين لكن نقول هذا القول وسط: إذا أُمن من زيادتهم بأن كانوا أخيار وأمانتهم واضحة فإنه يدفع إليهم وإلا فلا.

ثم - قال رحمه الله (وآلة ماضية)

ويشترط في تنفيذ القصاص أن تكون الآلة ماضية فلا يجوز أن يقتل بسيف كال لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة)

ص: 90