المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب القطع في السرقة - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٦

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌باب القطع في السرقة

فالحنابلة يرون أنّ الاستمناء محرم إلاّ لحاجة واستدلوا بالآية {والذين هم لفروجهم حافظون} [المؤمنون/5]{إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} [المؤمنون/6]{فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} [المؤمنون/7] واستخراج المني باليد خارج عن ذلك فصاحبه من العادين.

القول الثاني: أنه يجوز مطلقا لأنه ليس في الأدلة الشرعية ما يدل على منعه.

القول الثالث: أنه يكره.

والقول الرابع: أنه يجوز للضرورة لأنّ ممارسته خير من الوقوع في الزنا وهذا الأخير هو الراجح وهو قريب من المذهب إلاّ أنّ المذهب عبارتهم يعني بغير حاجة خفيفة. والنص دل على المنع لذلك نقول أنّه الراجح محرم إلاّ للضرورة. ويلحق بالضرورة الحاجة الماسة التي تقرب من الضرورة لأنّ كثيرا من الفقهاء يلحق الحاجة الماسة جدا بالضرورة. على كل حال أنه لا يجوز إلاّ للضرورة. والدليل على ذلك أما المنع فالآية. وأما الجواز لأنه خير من الوقوع في الزنا. والضرورة هنا الوقوع في الزنا أو الضرورة القسم الثاني احتباس المني بما يتحقق معه مضرة الجسم مضرة بالغة.

‌باب القطع في السرقة

بيّن المؤلف في العدوان أنّ السرقة فيها القطع ، وقطع السارق من حيث هو دل عليه الشارع الكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب فقوله: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة/38]

وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تقطع يد في أقل من ربع دينار". وأحاديث كثيرة ستأتي معنا.

وأما الإجماع فلم يختلفوا ولله الحمد أنّ على السارق القطع إذا استكمل الشروط.

والمؤلف رحمه الله (إذا أخذ الملتزم)

يعني أنّ الحد إنّما يقام على الملتزم وهو المنقاد لأحكام الشرع وهو المسلم والذمي والمستأمن والمعاهد.

ثم - قال رحمه الله (نصابا من حرز مثله من مال معصوم)

خالف الشيخ المؤلف الأصل ، فهنا ذكر الشروط التي إذا تحققت وجب القطع ثم سيرجع في الصفحة القادمة ويذكر الشروط مرتبة وفي صنعه هذا ماذا؟ تكرار. الشيخ ابن قدامة صاحب الأصل لم يصنع هذا وإنما بدأ بتعريف السرقة ثم انتقل إلى الشروط بلا تكرار وهذا هو المنهج الصحيح. ولهذا سنمر بسرعة على هذه الشروط التي ذكرها لأنه سيرجع ويذكرها واحدا واحدا.

ص: 197

(نصابا) والنصاب هنا ثلاثة دراهم أو ربع دينار وسيأتي ما يتعلق فيه من خلاف. (من حرز مثله) الحرز هو ما يحفظ فيه المال وهو من شروط القطع (من مال معصوم) وتقدم معنا من هو المعصوم (لا شبهة فيه) كسرقة الإنسان من مال ابنه وأيضا ستأتينا.

ثم - قال رحمه الله (على وجه الاختفاء قطع)

هنا عرّف الشيخ السرقة. فالسرقة هي أخذ المال على وجه الاختفاء بغير علم المسروق. وهذا التعريف ضروري جدا لأنه يخرج أعمال كثيرة لا قطع فيها لأنها لا يصدق عليها التعريف.

قال رحمه الله (فلا قطع على منتهب)

المنتهب هو الذي يأخذ المال على وجه القهر والغلبة اعتمادا على قوته. فهذا الأخذ يسمى نهب.

ثم - قال رحمه الله (ولا مختلس)

الاختلاس هو خطف الشيء اعتمادا على أمرين: السرعة والغفلة.

ثم - قال رحمه الله (ولا غاصب)

الغصب هو أخذ المال قهرا وبهذا يكون قريب من النهب ولهذا يقولون النهب والغصب كأنّ معناهما واحد أو متقارب ولاشك أنه في لغة العرب يوجد فرق بين النهب والسرقة لأنّ القول الصحيح أنه لا يوجد في لغة العرب لفظان لهما نفس المعنى تماما لكن أنا لم أقف على معنى واضح للتفريق وهو يوجد يحتاج فقط إلى بحث.

ثم - قال رحمه الله (ولا خائن)

الخائن هو المفرط بالأمانة على أي وجه كان فإذا فرط في الأمانة فهو خائن.

ثم - قال رحمه الله (ولا خائن في وديعة)

جاحد الوديعة لا قطع عليه بالإجماع لأنّ جحد الوديعة وما تقدمه من النهب والغصب والاختلاس لا يصدق عليه حد السرقة.

ثم - قال رحمه الله (أو عارية أو غيرها)

كذلك لا قطع في العارية ولا قطع في غيرها والمقصود بغيرها يعني جميع الأمانات ، والمؤلف خالف في هذه المسألة المذهب فالمذهب يرون وجوب القطع في العارية. أولا نبقى مع المؤلف فالمؤلف يرى أنه لا قطع في العارية ويستدل على هذا بالقياس على الأمانات فإنّ الوديعة لا قطع فيها إجماعا والتعليل أنها من الأمانات فالعارية كذلك من الأمانات.

والقول الثاني: أنّ جحد العارية يوجب القطع ، واستدل أصحاب هذا القول بأنّ امرأة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تستعير المتاع ثم تجحده فقطعها النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 198

وأجاب القائلون بعدم القطع عن هذا الحديث بأنّ هذه المرأة قطعت لأنها سرقت وأما وصفه إياها في الحديث بأنها تجحد المتاع فهو وصف تعريفي يعني المرأة التي من شأنها أنها كانت تجحد العارية. والراجح أنه يجب فيها القطع لأنّ النص لا يمكن الخروج عنه فإنه ذكر أنّ المرأة كانت تجحد وتقطع يعني لذلك والفرق بين العارية والوديعة. أنّ العارية لا يمكن التحرز منها بخلاف الوديعة فإنها تكون بإرادة المودع فهو الذي بإرادته وضع المتاع عند الشخص الآخر فهو يستطيع أن يمتنع بخلاف العارية لأنّ الناس تعارفوا على عيب وذم من يمتنع عن إعارة جيرانه. إذا هذا هو الفرق بين العارية والوديعة والراجح كما قلت المذهب وهو وجوب القطع بجحد العارية.

قال رحمه الله (ويقطع الطرار الذي يبط الجيب أوغيره ويأخذ منه)

عرّف الشيخ رحمه الله الطرار بأنه الذي يبط ، والبط في لغة العرب/ هو الشق فإذا شق جيبه وأخذ ما فيه فإنه يقطع وعللوا هذا بأنها سرقة من حرز فإنه جرى العرف أن يضع الإنسان ماله في جيبه.

والقول الثاني: أنه لا قطع على الطرار لأنه أشبه بالمختلس منه بالسارق والراجح؟ لأنه شبهه بالسارق من البيوت أكبر من المختلس لأنّ المختلس يعتمد على الغفلة والسرعة. وهذا لا يسرع وإنما ببطء يأخذ ما يريد ويذهب خفية ومع هذا تبقى المسألة مترددة ليست بذاك الوضوح لكن الأقرب أنه سارق تقطع يده لذلك واليوم أصبحت هذه الصنعة حرفة مما يتأكد معها القول بالقطع حتى يرتدع الناس فإنّ غالب السرقات لا سيما في الحرمين تكون عن طريق إما شق الشنط أو شق الجيوب والقطع الذي يحصل أحيانا يكون من أكبر الأسباب في ردع مثل هؤلاء.

قال رحمه الله (ويشترط أن يكون المسروق مالا محترما)

بدأ المؤلف بالشروط بدأ بالشرط الأول:

وهو أن يكون المال المسروق محترما شرعا ، فإذا لم يكن محترما فإنه لا يقطع بسرقته وهذا من حيث هو في الجملة محل إجماع. فإنهم أجمعوا لوجوب القطع أن يكون المال المسروق محترما لكن اختلفوا في مسألة أخرى وهي هل يشترط في المال المحترم أن لا يكون من الأموال التي يسرع إليها الفساد أو لا يشترط؟ على قولين:

ص: 199

فالجمهور لم يشترطوا هذا الشرط فسرقة أي مال محترم ولو كان مما يسرع إليه الفساد يوجب القطع واستدلوا على هذا بعموم الأدلة.

وذهب الأحناف إلى أنه إذا سرق مالا يسرع إليه الفساد فلا قطع واستدلوا على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ من ثمر الحائط بفيه من غير أن يأخذ خبنة فلا حرج عليه ومن أخذ فإنه عليه قيمته مثلين ومن أخذ المال بعد وضع الثمر في الجرين فعليه القطع. فالنبي صلى الله عليه وسلم قسم الثمار إلى ثلاثة ، إن أخذ من الشجرة ولم يتزود فلا شيء عليه. وإن تزود وأخذ وخرج بلا إذن فعليه ضعفي قيمة ما أخذ ، وإن أخذ بعد أن وضع في الجرين وهو مخزن الطعام للتيبيس فعليه القطع. فالأحناف فهموا من هذا الحديث أنه لم يقطع في الصورة الأولى والثانية بسبب أنّ الثمرة كانت رطبة يسرع إليها الفساد وقطع في الصورة الثالثة لما كان في الجرين لأنه يبس وصار لا يسرع إليه الفساد هكذا هم فهموا الحديث. والجمهور لم يفهموا الحديث كهذا الفهم وإنما قالوا إنما لم يقطع النبي صلى الله عليه وسلم في الصورة الأولى لأنه ليس من حرز وقطع في الصورة الثالثة لأنه من حرز فالمناط هو كونه في حرز أو ليس في حرز وليس المناط أن يكون يابسا أو رطبا والراجح إن شاء الله مذهب الجمهور وأنه لا يشترط في المال أن يسرع إليه الفساد بل من سرق أي مال محترم بشرطه فإنه يقطع.

ثم - قال رحمه الله (فلا قطع بسرقة آلة لهو)

آلة اللهو من الأعيان التي لا قيمة لها شرعا فلا يقطع بسرقتها. مسألة ولو إذا كسرت صارت قيمتها تبلغ نصابا فكذلك لا قطع في سرقتها.

ثم - قال رحمه الله (ولا محرم كالخمر)

الخمر يقاس على الخنزير عين لا قيمة لها شرعا فلا يقطع بسرقتها وإنما يعزر كما تقدم معنا.

ثم - قال رحمه الله (ويشترط أن يكون نصابا)

ذهب الجماهير من الأئمة إلى أنه يشترط في المال المسروق أن يبلغ نصابا واستدلوا بالأدلة التي ستأتينا في تحديد النصاب وهي أدلة صريحة وواضحة.

والقول الثاني: أنه يقطع في القليل والكثير لعموم الآية والراجح مذهب الجماهير من الأئمة بلا إشكال لوضوح النصوص في تحديد نصاب معيّن لا يقطع في أقل منها.

ص: 200

ثم - قال رحمه الله مبيّنا النصاب (وهو ثلاثة دراهم أو ربع دينار أو عرض قيمته كأحدهما)

ذهب الحنابلة إلى أنّ النصاب مقدر بأصلين الفضة والذهب وأنه إذا بلغت قيمة العرض أيّا منهما فإنه يقطع بأخذه ولهذا يقول رحمه الله وهو ثلاثة دراهم أو ربع دينار واستدل الحنابلة على هذا بأنّ رجلا سرق مجن والمجن هو الترس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت يده لأنه قوّم المجن فبلغ ثلاثة دراهم.

والدليل الثاني لهم: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لا قطع في أقل من ربع دينار فجاءت النصوص باعتبار الذهب والفضة.

القول الثاني: أنّ الأصل في النصاب هو الفضة ويقدر به الذهب والمتاع لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما سرق الرجل المجن قدره بالفضة ولم يقدره بالذهب.

القول الثالث: أنّ الذهب أصل بنفسه لنفسه فقط ، والفضة أصل لنفسها وتقوّم بها الأعيان.

والقول الأخير: أنّ الأصل هو الذهب فقط وما عداه يقوّم به. والراجح المذهب لأنّ النصوص اعتبرت الذهب والفضة فنقدر المتاع بهما فإذا صار قيمة المتاع إذا اعتبرناه بالدراهم نصابا وإذا اعتبرناه بالذهب ليس بنصاب يقطع أو لا يقطع؟ يقطع عند الحنابلة ولا يقطع عند القائلين بأنّ الأصل في التقويم هو الذهب فهذه المسألة ينبني عليها الحكم بشكل واضح بأنّا نقدر الأعيان المروقة إما بالذهب أو بالفضة والراجح كما قلت إن شاء الله المذهب.

ثم - قال رحمه الله (وإن نقصت قيمة المسروق أو ملكها السارق لم يسقط القطع)

معنى هذا الكلام أنّ السارق إذا سرق المتاع ثم لما سرقه نقصت قيمته فإنه لا يسقط القطع ، لأنّ الشرط هو أن يخرج المسروق بقيمته من حرزه ثم نقصه بعد ذلك لا قيمة له بدليل أنه لو أخرجه ثم استعمله فإنّ القيمة ستنقص بهذا الاستعمال والقطع لابد منه.

ثم - قال رحمه الله (أو ملكها السارق)

ص: 201

إذا ملكها السارق بهبة أو ببيع أو بإرث فإنّ القطع لا يسقط مقصود المؤلف يعني إذا وصلت إلى الحاكم فإنه إذا ملكها بعد وصولها إلى الحاكم فإنّ القطع لا يسقط فإذا قال السارق للمسروق سأشتري منك السلعة بعد أن وصلت إلى الحاكم فإنه لو اشترى لا يسقط القطع أما إذا اشتراها قبل أن تصل القضية إلى الحاكم وترفع إليه فإنّ القطع يسقط حينئذ.

ثم - قال رحمه الله (وتعتبر قيمتها وقت إخراجها من الحرز)

تعتبر القيمة وقت الإخراج من الحرز لأنه وقت السرقة والسرقة هي سبب القطع فلما كانت السرقة هي سبب القطع اعتبرنا وقتها ففي الوقت الذي يخرج فيه المتاع من الحرز نعتبر القيمة في ذلك الوقت لا قبل ولا بعد فإذا أخرج السلعة من الحرز فلما أخرجها وصارت خارج الحرز ارتفعت وبلغت نصابا فلا قطع ولو أخرجها ثم نزلت وصارت أقل من النصاب فيجب القطع.

ص: 202

الدرس: (4) من الحدود

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال رحمه الله (وتعتبر قيمتها وقت إخراجها من الحرز)

هذا تقدم معنا وأنّ سببه أنّ الإخراج هو سبب وجوب القطع فاعتبرنا وقته وتقدم في الدرس السابق.

ثم - قال رحمه الله مفرعا على هذا القيد (فلو ذبح فيه كبشا أو شق فيه ثوبا فنقصت قيمته عن نصاب ثم أخرجه)

هذه المسائل مفرعة أنّ الوقت الذي يعتبر فيه القيمة هو الإخراج من الحرز فإذا ذبح الكبش قبل أن يخرجه من الحرز فإنّ هذا الكبش بذبحه تنزل قيمته فإذا نزلت قيمته عن النصاب فإنه لا قطع فيه فإذا ذبحه ثم أخرجه فلا قطع قيمة الكبش بسبب الذبح قبل إخراجه كذلك إذا شق فيه ثوبا يعني في الحرز قبل أن يخرجه ونقصت قيمته عن النصاب ثم أخرجه فلا قطع للسبب ذاته وهو أنه نقصت قيمته عن النصاب ويستوي في هذا ما إذا صار النقص أو وقع النقص بفعل السارق أو بغير فعله مثل أن يسقط الشيء بلا سبب من السارق ثم تنقص قيمته ومثل أن يقوم هو بتكسير الشيء وتنقص قيمته فالصورتين لهما نفس الحكم. يستثنى من هذا ما إذا صنع هذا الصنع حيلة لأنّ الحيل لا تسقط الواجبات ولا تبيح المحرمات فإذا فعل هذا حيلة ليتخلص من القطع فإنه لا تنفعه هذه الحيلة ويقطع.

ثم انتقل الشيخ رحمه الله إلى الشرط الثالث من شروط وجوب إقامة حد السرقة.

فقال رحمه الله (وأن يخرجه من الحرز)

ذهب الحنابلة بل الأئمة الأربعة إلى أنّ الحرز شرط فإذا سرق من غير حرز فلا قطع والأئمة الأربعة بل الجماهير استدلوا على هذا بالحديث السابق فيمن أخذ من ثمر الحائط وفي آخر الحديث فإذا أواه الجرين ثم أخذ فإنه يقطع فجعل النبي صلى الله عليه وسلم القطع في صورة واحدة وهي ما إذا وصلت الثمرة إلى الجرين لأنه حرز ولم يجعل القطع فيما دون ذلك لما إذا أخذ من الشجرة وأخرجه خارج البستان أو أكل منه داخل البستان فلا قطع لعدم تحقق شرط الحرز.

والقول الثاني: أنّ السارق يقطع وإن أخرجه من غير حرز لأنه أخذ المال بغير حق والصواب مع القول الأول. بل القول الثاني فيه شذوذ والعمل على خلافه بين قضاة المسلمين على مدار الأعصار فهو شاذ في الحقيقة.

ثم - قال رحمه الله مبيّنا الحرز (وحرز المال ما العادة حفظه فيه)

لما بيّن أنّ الحرز شرط لوجوب القطع انتقل إلى بيان ماهية الحرز. والحرز هو ما يحفظ فيه الشيء وتحديد كون المكان المأخوذ منه حرزا أو لا يرجع فيه إلى العرف والسبب في هذا أنّ الشارع لما بيّن وجوب اعتبار الحرز ولم يبيّن حد الحرز رجعنا فيه إلى العرف.

ص: 203

يقول الشيخ رحمه الله (ويختلف باختلاف الأموال والبلدان وعدل السلطان وجوره)

فذكر عدة اعتبارات يختلف فيها اعتبار الشيء حرزا أو لا. الأول" طبيعة المال فمن الأموال ما يوضع في صندوق ومنها ما يوضع في البيت بلا صندوق ومنها ما يوضع في الدكان ومنها ما يوضع في الشارع فهو يختلف باختلاف طبيعة المال ويختلف باختلاف طبيعة البلدان وطبيعة البلدان تختلف باعتبارين ، باعتبار طبيعة الناس وخفة الدين وكثرة السرقة أو باعتبار السلطان وهو الذي أشار إليه في قوله وعدل السلطان وجوره فكلما كان السلطان عادلا مقيما للحدود انتشر الأمن وخفت السرقة وكلما كان العكس حصل عكسه.

ثم - قال رحمه الله (وقوته وضعفه)

هناك بين عدل السلطان وجوره وبين قوته وضعفه فقد يكون عادلا ضعيفا وقد يكون صاحب جور وقوي والحقيقة المؤثر في الحكم هنا المؤثر الأول القوة ، والضعف أكثر منه في العدل والجور فإنّ السارق يخشى السلطان القوي أكثر من خشيته للسلطان العادل لكن بطبيعة الحال أنّ غالب السلاطين إذا كانوا أهل عدل فإنهم سيقومون بما أوجب الله عليهم من حفظ الأموال والأنفس والأعراض ويكون في هذا كف للسارق على كل حال الأموال تختلف بهذا الاعتبار ولهذا قال كأنه مبيّنا للقيد الأول كأنه يشرح قوله باختلاف الأموال.

ولهذا يقول رحمه الله (فحرز الأموال والجواهر والقماش في الدور والدكاكين والعمران وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة)

ص: 204

هذا النوع من الأموال وهي الجواهر والنقود والأقمشة يكون حفظها بأمرين: أن تكون خلف الأبواب وخلف الأغلاق فيشترط أن تكون الأبواب مغلقة وأن تكون أيضا محكمة بالأقفال بلا هذين القيدين يكون المال ليس في حرز مثله ، وفهم من كلام المؤلف أنّ المال إذا كان داخل بيت والباب مقفل ومغلق لا يشترط مع هذا أن نضع المال في صندوق بل صرح الحنابلة بما يدل على أنهم لا يرون هذا صراحة في مسألة أخرى وهي قولهم فإذا كان الباب مفتوحا فإن كانت الأموال في الصناديق فهي حرز وإلاّ فلا ، فهم من مجموع هذه المسائل أنّ الحنابلة يرون أنّ الباب المغلق والمقفل بقفل أنّ هذا حرز ولا يشترط أن يكون في صندوق وما دام المؤلف أرجع أو أحال على العرف فعندنا الأعراف لا تكتفي في النقود بوضعها داخل المنازل ولو أغلقت الأبواب بل جرت العادة أن تحفظ داخل المنزل في وعاء خاص إما في صندوق أو تجوري أو دولاب المهم أن توضع في مكان خاص وليست توضع في البيت هكذا بدون حفظ ربما في القديم كانت العادة أن توضع الأشياء في البيوت بلا حفظ ربما ولكن العرف الآن أنه لا بد أن توضع في صندوق. فمثلا لو كان صاحب البيت تاجر مجوهرات فليس من المنطق أبدا أن يأتي بكراتين من المجوهرات ويضعها في مجلس الرجال كمستودع للمجوهرات ثم إذا سرقت يقول أنها سرقت من حرز لأنّ وضعها في هذا المكان ليس وضعا لها في الحرز بل لا بد أن تكون في مكان آمن يأمن معه عليها من السراق.

ص: 205

المهم أنّ هذا يرجع إلى الأعراف وقضية حساسة وتستحق في الحقيقة تطويل وتوضيح لأنه غالب الشروط التي تختل هو الحرز فمثلا السيارات هي إذا وضعت بجوار البيت حرز؟ أو لا بد تدخل في البيت هذه مسألة؟ من المعاصرين من يقول وضعها في الشارع أي مال في الشارع ليس في حرز في أردت أن تحفظ السيارة لابد أن تدخلها في داخل البيت فهذه المسألة ترجع إلى قضيتنا وهي هل هذا حرز أو ليس بحرز فمثلا في السيارات يبدوا لي أنا بوضوح وجلاء بدون خفاء أنّ وضعها في الشارع بجوار البيت حرز وأنّ هذه السيارة إنما تحفظ في مثل هذا والناس إنما اعتادوا إدخال السيارات في البيوت في وقت قريب قبل مثلا عشر سنوات أو قبل عشرين سنة كان الناس لا يعرفون أو غالب الناس لا يعرفون إدخال السيارة إلى داخل المنزل فوضع السيارة في الشارع مع إقفال السيارة وإحكام قفلها يعتبر حرز فإذا سرق يجب أن يقطع هذه مسألة على سبيل التمثيل لتعرف أهمية معرفة الحرز وما يعتبر حرزا تقطع به اليد وما لا يعتبر. ثم انتقل المؤلف إلى الأموال الأخرى.

فقال رحمه الله (وحرز البقل)

البقل يقول الخليل هو كل نبات ليس من الشجر ، أي نبات لا يعتبر شجرة فهو من البقل وقيل أنّ البقل هو ما تخضر به الأرض ومفهوم هذا يعني سواء كان يأكل أو لا يأكل وقيل إنّ البقل هو كل نبات لا ساق له وهذه الأقوال كما لا يخفى متقاربة ومعناها واحد

من أمثلة البقل الخس والبصل والجرجير ونحوها.

يقول رحمه الله (وقدور الباقلاء)

الباقلاء اختلفوا فيه ، فالقول الأول: أنه الفول الأخضر.

والقول الثاني: أنّ الباقلاء شيء والفول بنوعيه شيء آخر وأما الراجح فلم أستطع أن أرجح لأني ما أعرف الباقلاء يعني شكله ولا طريقته وأما الكتب فهم مختلفون ويبدوا لي أنّ الباقلاء قريب من الفول وإن كان يختلف عنه. على كل حال لو قال الشيخ والفول لكان أشهر لكن ربما كان الباقلاء أشهر في زمنهم والفول أشهر في زماننا.

ثم - قال رحمه الله (ونحوهما)

يعني نحو هذه البقول والشجر.

قال رحمه الله (وراء الشرائج)

هي أعواد إما أن تكون من القصب أو من الخشب ويشترط أن تصف بجوار بعضها وتربط وبهذا تكون حرزا لما ورائها.

ص: 206

يقول الشيخ رحمه الله (إذا كان في السوق حارس)

فتبيّن معنا أنها لا تكون حرز إلاّ بأمرين: وجود الشرائج ، ووجود الحارس. وهذا عرف في زمنهم أنها لا تحفظ إلاّ بمثل هذا في زمننا لا يشترط وجود لا الشرائج ولا الحارس بل وجود في مكانها في السوق الذي تباع به عادة يعتبر حرز تحفظ الأموال في مثله ولا يعتبر التاجر مفرط إذا وضعها فيه فإن سرقت قطع السارق متى بلغ قيمة المسروق النصاب.

قال رحمه الله (وحرز الحطب والخشب الحظائر)

الحظائر هي الأماكن التي تعد لبهيمة الأنعام ويشترط الحنابلة مع وضع الخشب في الحظائر أن يكون الخشب مربوط بعضه إلى بعض فإذا ربط المالك الخشب بعضه إلى بعض ووضعه في حظيرة فهذا يعتبر حرز فإن ألقى الحطب في الحظيرة بلا ربط بعضه إلى بعض فليس بحرز لأنه مع الربط يصعب مع السارق إخراجه وبلا ربط يسهل على السارق إخراجه هكذا قرر المؤلف وكأنهم كانوا يضعون الخشب في أحواش البهائم وأما الآن فإنّ الحطب لا توضع في أحواش البهائم وإنما لها أماكن خاصة وهذا يعود بنا إلى قضية العرف.

ثم - قال رحمه الله (وحرز المواشي الصير)

الصير هي حظائر الغنم معنى هذا أنّ وضع البهائم في الحظائر المعتادة يعتبر حرز وإذا لا يشترط في المزارع لكي نقطع السارق أن يكون على المزرعة جدار مبني وأن يكون لها باب مغلق. إنما إذا وضعنا الأغنام في حظائر معتادة فإنّ السرقة منها تعتبر سرقة يقطع بمثلها.

حرز البهائم إذا خرجت من الحظائر لترعى يحصل بأمرين: أن يوجد الراعي وأن يكون الراعي غالبا وليس دائما ينظر إليها فإذا عرف عن الراعي الإهمال وأنه نصف الوقت ينظر إليها ونصفه لا ينظر إليها فإنّ السارق منها لا يقطع وإذا عرف أنّ الراعي ينظر إليها غالبا ويحرص على حمايتها مع وجوده في الوقت كله فإنّ هذا يعتبر حرز ويقطع السارق بسرقة ما يوازي النصاب وكما قلت مرارا أنّ هذا يرجع إلى العرف واليوم مثلا يكثر من بعض الشباب الفارغ سرقة الأغنام لبيعها والانتفاع بثمنها فهل يشترط أنا نقول لصاحب المزرعة

أغلق بابك وأحكم جدارك ولا تكتفي بوضع مثل هذه الأغنام في الحظائر أو لا يقال مثل هذا. من وجهة نظري أنه في وقتنا هذا تنقسم الأغنام إلى قسمين:

ص: 207

القسم الأول: الأغنام مرتفعة الثمن يعني يوجد من الأغنام ما قيمته خمسمائة ألف ستمائة ألف الواحدة بغض النظر عن مشروعية هذه الأسعار نحن نتحدث عن السرقة ولسنا نتحدث عن البيع والشراء بأسعار مرتفعة مثل هذه الأغنام ومثل هذه الإبل المرتفعة في الحقيقة حرزها لا يكون بوضعها في الحظيرة فقط بل يجب أن يحترز المالك وأن يضعها خلف جدار مغلق باب مغلق لارتفاع ثمنها لأنها أصبحت الآن بمعنى الأثمان التي الحنابلة يشترطون أن تكون خلف الأبواب المغلقة الآن أصبحت بمعناها بل أكثر أحيانا قيمتها ما يمكن أن يخزن في البيت من الأثمان والأموال. أما سائر الأغنام التي تباع في الأسواق واعتاد الناس على وضعها في الحظائر سواء حظائر خاصة أو الحظائر العامة التي توجد في المبيعة العامة هذه تعتبر حرز ويقطع بها.

قال رحمه الله (وأن تنتفي الشبهة)

ثم انتقل الرابع من الشروط. الشبهة مرت معنا كثيرا والشبهة عبارة عن نقص في الجناية يوجب منع إقامة الحد وهذا النقص قد يكون له أسباب كثيرة والشبهة تدرأ الحدود وأخذنا الخلاف فيما سبق على قولين وأنهم استدلوا بآثار الصحابة وبقول النبي صلى الله عليه وسلم ادرءوا الحدود بالشبهات. وأنّ القول الثاني أنّ الحد لا يدرأ بالشبهة لأنّ النصوص الآمرة بإقامة الحدود عامة وأنّ الراجح بلا إشكال إن شاء الله الدرء الشبهات حسب نظر القاضي لورود ذلك عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

قال رحمه الله (فلا يقطع بالسرقة من مال أبيه وإن علا)

إذا سرق الابن من مال أبيه فإنه لا يقطع التعليل من هذا أنّ النفقة واجبة على الأب للابن ولهذا إذا سرق فقد سرق من مال له فيه حق فصارت هذه شبهة تمنع القطع.

والقول الثاني: أنه إذا سرق تقطع وأصحاب هذا القول استدلوا بالعمومات على المذهب إذا قتل الابن الأب يقتل. لكن إن سرقه لا يقطع ففرقوا بين القصاص والسرقة وهو في الحقيقة تفريق وجيه وهو الراجح والقول الثاني فيه ضعف. لأنّ سرقة الابن من مال أبيه فيها شبهة كبيرة.

قال رحمه الله (ولا من مال ابنه وإن سفل)

ص: 208

السرقة من مال الابن لا توجب القطع لقول النبي صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك. والشبهة فيها واضحة وهي أقوى بكثير من المسألة السابقة فإذا سرق فإنه لا يقطع لكونه سرق مالا جعل له فيه الشارع حظا وحقا. طبعا في قول ثاني أنه يقطع والغريب أنه هذا القول الثاني اختاره ابن المنذر مع أنّ ابن المنذر مع الذين يرون دفع الحدود بالشبهات ودرءها بها لكن في مثل هذه المسألة الواضحة وهي أخذ الأب من مال الابن يرى القطع وهو عجيب كيف نقطع الأب وهو له أن يتملك من مال ابنه ابتداء فربما قال الأب لم أسرق وإنما نويت التملك قبل أن آخذ أليس كذلك؟ فقطع الأب في الحقيقة فيه بعد ولولا أنّ ابن المنذر من المحققين المتأنيين في اختياراتهم لقلنا أنّ هذا قول منكر أو ضعيف جدا لأنه يخالف قواعد الشرع.

قال رحمه الله (والأب والأم في هذا سواء)

يريد المؤلف أن يبيّن أنّ الأم لا تنقص عن الأب في هذا الباب والسبب في هذا أنّ حق الأم على الابن أكبر من حق الأب على الابن فلا أقل من أن تساويه في درء العقوبة بالشبهة وهذا صحيح فالأم في هذا الباب كالأب ولا ينبغي أن يختلف في هذه المسألة كما اختلف في مسألة هل لها أن تتملك في مال ابنها أو لا فإنّ في هذه المسألة بر الأم يقتضي أن لا تقطع. وهذا الابن الذي يضيق على أمه إلاّ أن تسرق هو يحتاج من يعزره ويعاقبه لأنّ الأم لم تسرق إلاّ بعد أن ضيق عليها الابن.

قال رحمه الله (ويقطع الأخ وكل قريب بسرقة مال قريبه)

يعني أنّ سائر الأقارب بما فيهم الأخ لا يساوي الأب ولا يساوي الأم لأنّ هذه القرابة قرابة لا تمنع الشهادة فلا تقاس على قرابة الأب

الدليل الثاني: العمومات.

والقول الثاني: أنه لا يقطع لأنّ نفقة الأقارب قد تجب على المسروق منه وهذه شبهة تؤدي إلى درء الحدود. والراجح القول الأول لأنّ هذه الشبهة في الحقيقة ضعيفة.

قال رحمه الله (ولا يقطع أحد من الزوجين بسرقته من مال الآخر)

إلى هذا ذهب الحنابلة واستدلوا بدليلين: الدليل الأول" أنه جرت العادة أنّ كل من الزوجين يتبسط بمال الآخر وهذه العادة تؤدي إلى شبهة تمنع إقامة الحد.

ص: 209

الدليل الثاني: أنّ عبدا سرق مال زوجة سيده فرفعه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلم يقم عليه الحد. وإذا كان عمر لم يقم الحد على عبد الزوج فكيف بالزوج.

والقول الثاني: إقامة الحدود بين الزوجين يعني في السرقة ، وهؤلاء يستدلون بالعمومات.

والقول الثالث: إقامة الحد على الزوج دون الزوجة ، لأنّ للزوجة حق في مال الزوج وليس للزوج حق في مال الزوجة. والقول الثالث فيه قوة لأنه في الحقيقة إذا أخذ هذا الزوج من مال زوجته فلا شبهة ، ويليه في القوة المذهب.

قال رحمه الله (ولو كان محرزا عنه)

ولو كان محرزا عنه ، أما إذا لم يكن محرزا عنه فلا قطع بالإجماع لتخلف شرط الحرز سواء كان زوج وزوجة أو غيرهما وإنما ذكر المؤلف هذا القيد لعله لوجود الزوج والزوجة في بيت واحد دائما مما يتعذر معه وجود المال في الحرز وإلاّ لنا أن نقول لماذا لم يقل ولو كان محرزا عن الأم ولو كان محرزا عن الأب ولو كان محرزا عن الأخ ، يعني المسائل هذه من باب واحد ، خص الزوجين بلو كان محرزا عنه لعله لهذا السبب.

قال رحمه الله (وإذا سرق عبد من مال سيده)

إذا سرق العبد من مال سيده لم يقطع بالإجماع وهو مروي عن عمر وابن مسعود ، ولما أقل لم يقطع بالإجماع يعني الإجماع المحكي.

والقول الثاني: أنه يقطع وهو مذهب الظاهرية وهذا القول نوع من الشذوذ وتمسك بالعمومات مع وجود الآثار عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واجتماع العلماء على عدم القول بالقطع.

ثم - قال رحمه الله (أو سيد من مال مكاتبه)

إذا سرق السيد من مال المكاتب فلا قطع لأمرين: الأمر الأول" أنّ المكاتب عبد ما بقي عليه درهم.

الثاني: أنّ السيد يتمكن. وأبطل العقد الذي بين العبد والسيد. ولهذا لا قطع بينهما.

قال رحمه الله (أو حر مسلم من بيت المال)

فلا قطع لأنّ لكل مسلم حق في بيت المال فإذا سرق فقد سرق من مال له فيه حق وهذا شبهة وفهم من كلام المؤلف أنّ العبد لو سرق فإنه يقطع لأنّ العبد ليس له حق في بيت المال وإنما حقه على السيد يعني من جهة النفقة.

ص: 210

والقول الثاني: أنّ العبد المملوك لسيد مسلم لا يقطع لأنّ لسيده حق في بيت المال ، ستأتينا قاعدة أنّ من سرق من مال من لو سرق من مال من يملك منه من لو سرق منه لم يقطع لم يقطع كما سيأتينا قاعدة في آخر هذا الباب. والعبد لو سرق من مال السيد لم يقطع فإذا سرق من مال لسيده فيه حق أيضا لم يقطع وهذا صحيح ولا معنى للتفريق بين العبد والحر لأنّ لكل منهم حق في بيت المال هذا حق مباشر وهذا حق من طريق سيده.

قال رحمه الله (أو غنيمة لم تخمس)

إذا سرق الإنسان سواء اشترك في المعركة أو لم يشترك من الغينمة قبل التخميس فلا قطع. والخمس هو المال الذي يكون لله ولرسوله يعني لبيت المال من مجموع الغنيمة فإذا سرق من الغنيمة قبل أن تخمس فقد سرق من مال له فيه حق باعتبار أنّ له حق في بيت المال فلا يقطع وفي الحقيقة الشبهة درء الحدود بالشبهات الشبهات أحيانا تكون قوية ، يعني مثل هذه الشبهة فيها ضعف لأنّ الغنيمة الذي يكون لبيت المال وسيصرف من بيت المال على جميع المسلمين عن طريق. يعني الشبهة هذه فيها ضعف كما أنّ فيها .... الذين جاهدوا

تحت راية الإمام لأنّ الغنيمة ..... وتقدم معنا مرارا أنه يوجد في الأعيان ما يكون له نفس القيمة وخير من بعضه أليس كذلك

هنا في هذه المسألة تداخل .....

قال رحمه الله (أو فقير من غلة وقف على الفقراء)

إذا سرق من غلة جاءت من وقف موقوف على الفقراء وهو فقير فلا قطع لأنه يستحق بالوصف من هذه الغلة وهذا الاستحقاق هو الشبهة التي دُرِء بها عنه الحد.

قال رحمه الله (أو شخص من مال فيه شركة له)

يعني إذا سرق أحد الشركاء من مال الشركة فلا قطع وإن كان الملك فيه على سبيل الشيوع أو بعبارة أدق إن كان الملك فيه على سبيل الشيوع لأنّ له حق في هذا المال فلا قطع.

قال رحمه الله (أو لأحد ممن لا يقطع بالسرقة منه لم يقطع)

ص: 211

إذا سرق من مال لأحد ممن لا يقطع من السرقة منه حق فيه لم يقطع ، فإذا سرق من مال أبوه شريك فيه لم يقطع لأنّ السرقة من مال الأب لا توجب القطع ، وإن سرق من مال لسيده فيه شركة لم يقطع وهكذا وهي قاعدة عند المؤلف. أو لأحد مما لا يقطع بالسرقة منه ، يعني أو سرق من مال مشترك لأحد لا يقطع بالسرقة منه. بهذا انتهى الشرط الرابع وتلاحظ أنه أطال الشيخ في الشرط الرابع في الشبهات وأنواعها وتفصيلها لأنه ليس لها ضابط معين فأراد أن يبيّن المسألة بكثرة الأمثلة.

قال رحمه الله (ولا يقطع)

فيه دليل على أنّ السرقة لا تثبت إلاّ بأحد أمرين: الشهادة أو الإقرار. ولا يوجد سبيل ثالث لإثبات أنّ فلانا سرق هذه العين تبيّن من كلام المؤلف أنّ وجود العين المسروقة في بيت شخص من الأشخاص لا يعني أنه السارق ولا يقام عليه الحد بهذا السبب مهما كانت الملابسات لأنه يحتمل أن يوضع فيه هذه العين ليتهم ويحتمل أن تسقط من صاحبها ويوجد احتمالات كثيرة فلا يتعيّن أن يكون سارقا فلا يقطع.

يقول الشيخ رحمه الله (إلاّ بشهادة عدلين)

أي أنه لا يمكن أن نقيم الحد إلاّ بشهادة عدلين فلا يقام بشهادة امرأتين ولا بشهادة رجل وامرأة ويشترط في هذين الرجلين ما يشترط في باب الزنا أن يكون مسلم حر عدل وإلاّ لم تقبل شهادته.

قال رحمه الله (أو إقرار مرتين)

يشترط في الإقرار أن يكون مرتين استدل الحنابلة على هذا بأنّّ النبي صلى الله عليه وسلم اعترف عنده رجل بسرقة فأعاد عليه مرتين فدل هذا على اشتراط التكرار في إثبات حد السرقة وهذا الحديث ضعيف.

والقول الثاني: أنه لا يشترط أن يعترف مرتين بل إذا اعترف مرة واحدة كفى وأقيم عليه الحد وهذا هو القول الراجح لعدم وجود أي دليل يدل على أنه ينبغي تكرار الاعتراف.

قال رحمه الله (ولا ينزع عن إقراره حتى يقطع)

هذا هو الشرط الثاني في الإقرار وهو أن يستمر على إقراره إلى أن يقطع فإن رجع في أي مرحلة من المراحل قبل أن يتم القطع فإنّ الحد يدرأ بذلك تقدمت معنا هذه المسألة في الزنا وقلنا إنّ الإقرار يقبل الرجوع عنه لدليلين: الأول قوله صلى الله عليه وسلم:" ادرؤوا الحدود بالشبهات".

ص: 212

والثاني: القياس على الزنا عند من يرون أنّ ماعز أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبول رجوعه.

والقول الثاني: أنّ الإقرار لا يمكن الرجوع فيه ولا يقبل من صاحبه الرجوع لأنه ليس في الأدلة ما يدل على قبول الرجوع ممن اعترف ولأنّ هذا قد يؤدي إلى تعطيل الحدود لأنه كلما اعترف إنسان لقن الرجوع ثم يرجع ولا يقام الحد والمسألة فيها احتمال كبير والقول الذي عليه الجمهور كما قلت لكم في الزنا قول قوي وهو أنه الرجوع عن الإقرار يعتبر ويدرأ به الحد وذلك لوجود عدد كبير من الآثار عن علي وعثمان وبعضها مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكن المرفوع قد لا يصح لكن الآثار كثيرة جدا ولم أتمكن من الوقوف على أسانيدها لكنها كثيرة بشكل ملفت للانتباه وهو أنهم رأوا رضي الله عنهم أنّ الحد يدرأ بالشبهة وأحيانا يكتفون بشبهة بسيطة جدا وروي عن بعضهم تلقين الرجوع عن الإقرار لكن كما قلت لم أقف على صحة هذا الإسناد. فروي عن علي أنه أوتي بسارق. فقال له أسرقت؟ قل لا. وروي عن عثمان أنه جيء بزاني فقال له أزنيت؟ قل لا. فمثل هذه الآثار والمطلع على مجموع الآثار يقوم عنده ظن قوي أنّ هذا موجود بين الصحابة وهو درء الحدود بالشبهات ولو قيل أنه يختلف باختلاف المجرم أو من أتى بجناية فأحيانا ينبغي أن يقبل منه وأحيانا أن لا يقبل لكان هذا أيضا له وجه.

قال رحمه الله (وأن يطالب المسروق منه بماله)

الشرط السادس لإقامة الحد أن يطالب المسروق منه بماله بأن يأتي إلى القاضي ويطلب استرداد المال فإن اعترف السارق أو شهد عليه شاهدان ولم يطلب المسروق منه ماله فلا يقام الحد لأنّ الحد أقيم لحق الله ومراعاة للمسروق منه ولأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قطع رجلا بطلب المسروق منه.

والقول الثاني: أنه لا يشترط أن يطالب بماله بل إذا ثبت بالأدلة الشرعية أنه سرق أقيم عليه الحد وإلى هذا ذهب عدد من المحققين منهم ابن المنذر ومنهم شيخ الإسلام وغيرهم رحمهم الله أنه لا يشترط أن يطالب المسروق منه بماله بل متى ثبتت السرقة أقيم الحد وهذا القول هو الراجح.

قال رحمه الله (وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى من مفصل الكف وحسمت)

ص: 213

إذا استوفت الجناية الشروط السابقة فإنّ السارق تقطع يده اليمنى من مفصل الكف ولا خلاف في هذا وهو أنه يبدأ باليمنى وتقطع من مفصل الكف وقد اتفقوا على البداية باليمنى. ثم إذا سرق مرة أخرى وهذا لم يذكره المؤلف ولعله تركه لندرته وإلاّ فهو مهم في الحقيقة ثم إذا سرق مرة أخرى فإنها تقطع رجله اليسرى روي هذا عن الصحابة وفيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تقطع اليد اليمنى ثم الرجل اليسرى. وهذا الحديث لا يسلم إسناد من أسانيده من ضعف إلاّ أنه يتقوى بمجموع الطرق فيما يبدوا لي

ويصل إلى الحسن.

القول الثاني: أنه إذا قطعت يده اليمنى ثم سرق مرة أخرى تقطع يده اليسرى لقوله تعالى {فاقطعوا أيديهما} [المائدة/38] وهذا القول ضعيف جدا أولا مخالف للآثار وثانيا مخالف للحديث الذي يمكن تحسينه. وثالثا لا ينسجم بطبيعة الشرع بأنه يقيم الحدود بما لا يخل بالمقاصد الأساسية. والإنسان إذا قطعت منه اليدين أصبح عاجز عن أداء مهامه.

مسألة / إذا سرق الثالثة عند الحنابلة لا يقطع منه شيء وإنما يحبس حتى يتوب. ودليل الحنابلة أنه روي عن علي أنه أوتي بالثالثة يعني بسارق سرق المرة الثالثة فحبسه ولم يقطع منه شيئا.

والقول الثاني: وهو مذهب الجمهور أنه إذا قطعت في المرة الثانية الرجل اليسرى تقطع في الثالثة اليد اليسرى وبالرابعة الرجل اليمنى.

واستدل الجمهور على أنّ هذا صح عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما واستدلوا أيضا بحديث أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقطعه على هذا التوالي وهذا الحديث أيضا يمكن تحسينه والراجح إن شاء الله مذهب الجمهور وهو الذي جنى على نفسه بتكرار السرقة وإذا قطعت منه الأربع في الغالب لن يسرق. ولا لا لأنه ما يستطيع أن يسرق لأنه انتهى الجوارح فإن سرق قتل لأنه تبيّن أنّ هذا فاسد الطبع لا يمكن كف شره إلاّ بالقتل ويقتل تعزيرا في المرة الخامسة.

يقول رحمه الله (وحسمت)

ظاهر عبارة المؤلف أنّ الحسم واجب والحسم هو أن تغمس اليد في الزيت الحار لتمتلئ العروق من الزيت فينحبس الدم.

ص: 214

والقول الثاني: أنّ الحسم سنة وليس بواجب وربما كانت هذه الطريقة في السابق وأما اليوم فالطبيب يتمكن من إيقاف الدم بغير الحسم ولا أدري اليوم كيف هل في الساحة بعد القطع يوقفون الدم. ما عندي علم بهذا أما في القديم فكانوا يحضرون إقامة الحد ثم بمجرد ما يقطع تغمس يده في هذا الزيت الحار وفي الحقيقة غمس اليد ربما يكون أصعب بلحظة وإذا كان السيف حاد وسحبت اليد بقوة وبان المفصل بشكل واضح سيكون القطع سهل بخلاف الغمس اليد في الزيت الحار لأنه إذا غمسها في الزيت الحار ينبغي أن ينتظر قليلا إلى أن يعمل الزيت عمله يعني ما يغمسها ويخرجها بسرعة وفيه ألم واضح في الحقيقة المهم أنه غمس اليد في الزيت إذا لم يتمكنوا من إيقاف الدم إلاّ به فقول الحنابلة أنه واجب صحيح لأنه به تنحفظ النفس وإذا تمكنوا من إيقاف الدم بغيره فهو سنة وعليهم أن يوقفوا الدم بطريقة أخرى.

قال رحمه الله (ومن سرق شيئا من غير حرز ثمرا كان أو كثرا أو غيرهما أضعفت عليه القيمة ولا قطع)

الكثر هو جمار النخل ، المؤلف يريد أن يبيّن أمرين: الأمر الأول أنّ السرقة من غير الحرز لا يوجب القطع وهذا تقدم معنا شرط مستقل. المسألة الثانية التي يريد المؤلف أن يبيّنها أنّ من سرق ثمرا أو نحو الثمر فإنه تضاعف عليه القيمة فيدفع القيمة ومثلها ، والحنابلة ذهبوا إلى أنه تضاعف القيمة في نوعين من المال فقط الثمر والماشية فقط واستدلوا على هذا بأنّ الثمر فيه الحديث المتقدم من أخذ ثمرا من حائط فإن أكل منه بفيه فلا حرج عليه وإن أخذ منه فعليه القيمة مضاعفة واستدلوا على الماشية أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال من أخذ شاة من غير مراحها فعليه القيمة ومثلها فقال الحنابلة جاء النص في هذين النوعين فمن سرق شيئا من هذين النوعين من غير حرزه فعقوبته أن تضاعف عليه القيمة وإن سرق من غيره فلا يعاقب بمثل هذا وإنما يعزر بأمر آخر.

والقول الثاني: أنّ من أخذ أي مال من غير حرز فإنّه يعقب بمثل هذا وأنّ هذا الحكم لا يختص بالثمر والماشية بل هي قاعدة عند هؤلاء

أنّ من سرق من غير حرز يعاقب بمثل هذا وهذا القول الثاني أحسن وأقوى وهو أنّ هذا الحكم عام لا يختص بالثمر ولا بالماشية.

ص: 215