المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب حد الزنا - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٦

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌باب حد الزنا

الدرس: (2) من الحدود

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

‌باب حد الزنا

في الدرس السابق تكلمنا عن باب العاقلة وما تحمله وبقي علينا مسألة نتحدث عنها وهي مسألة إذا لم يكن له عصبة إذا كان القاتل خطأ لم يكن له عصبة وهذه المسألة يعبر عنها بالترتيب فيمن يدفع الدية فالآن إذا قتل الإنسان شخصا قتلا خطأ فقلنا أنّ الدية تكون على العاقلة حسب التفصيل السابق. فإذا لم يكن له عاقلة يعني لم يكن له عصبة فينتقل بعد ذلك الوجوب إلى بيت المال فإذا لم يؤدي بيت المال الدية فاختلف حينئذ الفقهاء هل تجب على القاتل أو لا تجب. فمن الفقهاء من قال تجب القاتل لأنه إنما اسقط عنه لأنّ العاقلة سيحملون الدية مواساة فإذا لم يحملوها بقي الأصل وهو وجوب الضمان على الجاني ومن الفقهاء من قال بل لا يحمله القاتل لأنّ الشارع جعل الدية واجبة على العاقلة والراجح أنه يجب على القاتل إذا لم تحمل العاقلة أو لم توجد أن يؤدي الدية فصار الترتيب حينئذ

العاقلة. بيت المال. القاتل. العاقلة فإن لم يمكن أو لم يدفعوا أو لم يوجدوا ، فبيت المال فإن لم يدفع ، انتقل حينئذ إلى القاتل.

نعود إلى درس اليوم الذي توقفنا عنده وهو قوله باب حد الزنا.

قال المؤلف رحمه الله باب حد الزنا.

الزنا هو الوطء في القبل أو في الدبر بغير نكاح ولا ملك ولا شبهة. وهذا التعريف عند الجماهير واشترط الأحناف أن يكون الوطء في القبل ليسمى زنا. والأقرب إن شاء الله مع الجمهور وهو أنه يطلق على الوطء في القبل والدبر زنا. هذا أولاً.

ثانيا" الزنا بهذا التعريف المتقدم محرم بإجماع الأمة وهو من كبائر الذنوب كما قال تعالى {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا} [الإسراء/32] واعتبره النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر وهو أمر مجمع عليه بين الأمة.

قال رحمه الله باب حد الزنا. (إذا زنى المحصن رجم حتى يموت)

ص: 168

إذا زنى المحصن وسيأتي في كلام المؤلف من هو المحصن ، فإنّ حكمه الرجم حتى الموت فتبيّن بهذا أنّ مقصود الفقهاء بكلمة الرجم أن يستمر إلى الموت وليس المقصود مجرد رميه بالحجارة. واعتبار عقوبة الزاني المحصن الرجم محل إجماع بين الأمة لم يختلفوا فيه قط وإنما خالف فيه الخوارج فقط ولا عبرة بقولهم وخالفوا أي الخوارج مستدلين بأنّ الله لم يذكر الرجم فيي القرآن.

والصواب ولا نحتاج نقول الصواب وقول الإجماع هو الحق إن شاء الله والرجم جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا بما يشبه أن يكون متواترا فلا شك في ثبوته وأنّ قول الخوارج شاذ لا عبرة به وستأتي الأدلة التفصيلية في مسائل الباب.

لما قرر المؤلف أنّ حد المحصن الرجم أراد أن يبيّن من هو المحصن

فقال رحمه الله (والمحصن: من وطئ امرأته المسلمة)

المحصن له شروط لا يكون الإنسان محصنا إلاّ بها ذكرها المؤلف في هذه العبارة وما يليها سنأتي عليها واحدا واحدا.

الأول: الوطء فيشترط لثبوت الإحصان في حق المسلم أن يطأ والمقصود بالوطء هنا يعني في القبل فقط والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم الثيب بالثيب جلد مائة والرجم. وجه الاستدلال أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال الثيب. والثيب في لغة العرب لا تكون إلاّ على الوطء في القبل ، فالوطء في غير القبل لا يعتبر وطأ يحصل به الإحصان وهذا القدر لا خلاف فيه ولله الحمد إذا لا إحصان بلا وطء.

* مسألة / يشترط في هذا الوطء أن لا يقل عن تغييب الحشفة أو تغييب قدرها لمن لم تكن له حشفة ، وما دون ذلك لا يعتبر وطء لأنّ الشارع الحكيم علقّ الأحكام على تغييب الحشفة في باب الغسل وغيره وكذلك هنا لا يعتبر وطأ يحصل به الإحصان إلاّ إذا غيّب الحشفة فهذا هو الشرط الأول. إذا الشرط الأول من وطء امرأته المسلمة أو الذمية. ثم انتقل إلى الشرط الثاني

فقال رحمه الله (في نكاح)

ص: 169

يشترط في الوطء أن يكون في نكاح فإن كان الوطء في شبهة أو في زنا يعني وطأ يحكم عليه بأنه زنا أو بسبب الشبهة فإنه لا يحصل به الإحصان وهذا أيضا محل إجماع إذا لا بد أن يكون الوطء في نكاح. أما كون صحيح أو غير صحيح فسيتطرق لها المؤلف المهم الآن الذي يعنينا أنه لابد أن يكون في نكاح ، أما في الزنا ووطء الشبهة فلا.

ثم - قال رحمه الله (صحيح) الشرط الثالث.

يشترط في النكاح أن يكون صحيحا ، فإن كان نكاحا فاسدا أو باطلا أو وطء شبهة فإنه لا يعتبر وطأ يحصل به الإحصان.

وقبل أن ننتقل للقول الثاني دليل القول الأول القياس على وطء الشبهة وتقدم معنا أنّ وطء الشبهة هذا لا يعتبر وطأ يحصل به الإحصان.

والقول الثاني: أنّ الوطء في العقد الفاسد يحصل به الإحصان واستدل أصحاب هذا القول بأنه وطء في نكاح يصح عن بعض العلماء.

ويثبت به النسب فصار سببا في الإحصان وفي الحقيقة المسألة هذه فيها تردد يحتمل أن نقول يشترط أن يكون وطأ صحيحا بالإجماع لأنّ الشارع الحكيم كما سيأتينا يتشوف إلى درء الحدود بالشبهات وهذه شبهة ويحتمل أن نقول نحن نعامل العقد الفاسد معاملة الصحيح في أشياء كثيرة منها مر معنا الطلاق ومر معنا إثبات النسب كما أنّ العاقد في العقد الفاسد يعتقد صحة العقد وهذا يجعله قريب من العقد الصحيح وفي المسألة تردد وإن كان الإنسان يميل نوعا ما إلى أنه يحصل الإحصان بالعقد الفاسد لأنه يطأ وهو يرى أنه يطأ زوجته.

ثم - قال رحمه الله (وهما بالغان عاقلان)

يشترط للإحصان أن يكون الوطء من مكلف فإن كان الواطئ ليس مكلفا فلا يعتبر هذا الوطء محصنا وإلى هذا ذهب الجماهير عامة الأمة على هذا القول أنه يشترط في الإحصان أن يكون الواطئ مكلفا لأنّ غير المكلف وطئه لا يساوي وطء المكلف ولأنّ غير المكلف مرفوع عنه القلم والمؤاخذة فلا يعتبر وطئه حينئذ وطأ يحصل به الإحصان.

ثم - قال رحمه الله (حُرَان)

ص: 170

اشترط الفقهاء جميعا ولم يخالف إلاّ أبو ثور فقط اشترطوا أن يكون الواطئ حرا ليحصل الإحصان فإن كان الواطئ عبدا فوطئه لا يثمر الإحصان واستدلوا على هذا بقوله تعالى {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} [النساء/25] والرجم لا يتجزأ إذاً بناء على هذا الأمة لا تدخل في الرجم وهذا القول هو الصحيح إن شاء الله وقول أبي ثور ضعيف أو ضعيف جدا لأنه من بداية الفقه ونحن نرى أنّ قاعدة الشارع تنصيف العبد في العدد والطلاق وأشياء كثيرة فعلمنا أنّ الشارع الحكيم جعل العبد على النصف من الحر.

ثم - قال رحمه الله (فإن اختل شرط في أحدهما فلا إحصان لواحد منهما)

لما أنهى المؤلف شروط الإحصان أراد أن يبّن أنّ هذه الشروط تشترط في كل واحد من الزوجين حال الوطء. بناء على هذا إذا وطئ من لم تكتمل فيها الشروط فلا إحصان ، وإذا وطئت أي المرأة وقد اكتملت فيها الشروط لكن الواطئ لم تكتمل فيه الشروط فلا إحصان وعللوا هذا بأنّ الوطء الكامل إنما يكون إذا استوفى الزوجان الشروط.

والقول الثاني: أنّ هذه الشروط تشترط في أحدهما لا في كليهما ، فمن اكتملت فيه الشروط فهو محصن بغض النظر عن الموطوء.

ثم - قال رحمه الله (وإذا زنا الحر غير المحصن جلد مائة جلدة)

أنهى المؤلف الكلام عن زنا المحصن وانتقل إلى الكلام عن زنا غير المحصن وبيّن أنّ حده هو الجلد مائة جلدة وكون الزاني غير المحصن يجلد مائة جلدة محل إجماع لقوله تعالى {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور/2] فدل على هذا الحكم النص والإجماع وهو أمر ظاهر في غير المحصن.

ثم - قال رحمه الله (وغرّب عاما)

يعني أنه يجب في غير المحصن مع الرجم التغريب وإلى هذا ذهب الجمهور وأنّ التغريب جزء مكمل للحد واستدلوا على هذا بالأحاديث الصحيحة المشتهرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك. ففي حديث العسيف قال [وعلى الغلام مائة جلدة وتغريب عام] وفي حديث البكر بالبكر. قال [جلد مائة وتغريب سنة] وفي حديث أبي هريرة وفي البخاري ومسلم قال عليه أي المحصن [الجلد والتغريب] هذه الأحاديث كلها في الصحيح وهي ثابتة ثبوتا قطعيا ولهذا ذهب الجمهور إلى أنّ التغريب جزء من الحد.

ص: 171

والقول الثاني: أنّ التغريب عقوبة تعزيرية وأنّ الحد هو الجلد فقط. واستدل هؤلاء بأنّ الصحابة غربوا تعزيرا ، واستدلوا بدليل آخر وهو أنّ الآية لم يذكر فيها التغريب أنّ الآية فيها الجلد دون التغريب. وهذا القول ضعيف والأحاديث ظاهرة جدا ولا يمكن العدول عنها مطلقا ولو لم يذكر في الآية فإنّ السنة جاءت مكملة للقرآن ومبيّنة له ومفصلة لأحكامه.

مسألة / نص عبارة المؤلف أنّ المرأة كذلك ولذلك قال رحمه الله (ولو امرأة)

يعني تغرّب ولو كانت امرأة وإلى هذا أيضا ذهب الجمهور لعموم الأدلة وهو أمر واضح.

والقول الثاني: أنه لا تغريب على المرأة لأنّ المرأة إذا غرّبت خشي أن تقع في الزنا مرة أخرى لاسيما مع البعد عن عصبتها ومحارمها.

والقول الثالث: أنها تغرّب كالرجل إلاّ إن خيف عليها الفتنة ، والراجح إن شاء الله القول الأخير إلاّ أنه ينبغي أن تحمل المرأة جميع النفقات التي ترتب على ما يستدعي الأمن عليها فمثلا نفقة المحرم الذي يصونها وما يتعلق به من نفقات السفر والسكن والأكل كلها تحمل على هذه الزانية ولا تحمل على بيت المال على الصحيح من قولي الفقهاء. فإذا نغرّبها كما في النصوص ونلزمها بما يترتب على الأمن من فتنتها في مالها. فإذا لم نتمكن من ذلك لعدم وجود المحارم أو لرفض المحارم السفر معها وغلب على الظن أنها إن سافرت ستقع في الفتنة فالشرع جاء بتحصيل المصالح ودفع المفاسد فلا تغرّب.

ثم - قال رحمه الله (والرقيق خمسين جلدة)

الرقيق عليه نصف ما على الحر فيجلد خمسين جلدة لقوله تعالى {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} [النساء/25] ولأنّ الصحابة أفتوا في أبواب كثيرة بأنّ العبد على النصف من الحر.

ثم - قال رحمه الله (ولا يغرّب)

العبد لا يغرّب وإنما يكتفى فيه بحد الجلد واستدلوا على هذا بدليلين: الأول" أنّ تغريبه يضر بسيده ويمنع عنه منافعه.

الثاني: ما جاء في حديث أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا زنت أمة أحدكم فاجلدوها ، ثم إذا زنت فاجلدوها ، ثم قال في الثالثة أو في الرابعة شك الراوي فإن زنت فبيعوها ولو بضفير. ففي الحديث لم يذكر التغريب وإنما ذكر الحد وهو الجلد فقط.

ص: 172

وأنها في الرابعة أو في الثالثة تباع.

والقول الثاني: أنها تغرب ستة أشهر.

ثم - قال رحمه الله (وحد لوطي كَزَان)

قوله وحد لوطي فهم من كلام المؤلف أنّ العقوبة التي نوقعها على اللوطي حد وليس تعزيرا ، وإلى هذا ذهب الجمهور أنها حد وإنْ اختلفوا في حده إلاّ أنه حد. لأنّ اللواط فاحشة فهو يستوي في هذا مع الزنا.

والقول الثاني: أنّ اللواط عقوبته التعزير بحسب ما يرى الإمام لأنه ليس في النصوص الدلالة الواضحة على حد اللواط. والأقرب والله أعلم أنه حد.

واللواط: هو أن يأتي الرجل الرجل.

ثم - قال رحمه الله (كزان)

لما قرر أنّ اللواط عقوبته على سبيل الحد يعني أنها من الحدود أراد أن يبيّن ما هو الحد فقال كزان يعني أنّ عقوبة اللوطي كعقوبة الزاني إن كان محصنا رجم ، وإن كان غير محصن جلد ، واستدلوا أي أصحاب هذا القول وهم الحنابلة على قولهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان. وهذا الحديث ضعيف. واستدلوا بدليل آخر أنّ الصحابة حكموا بهذا.

والجواب عليه: أنّ الصحابة لم يحكموا بهذا عينا وإنما اختلفوا كما سيأتينا.

القول الثاني: أنّ حد اللوطي القتل مطلقا ، محصنا كان أوغير محصن. واستدل أصحاب هذا القول بأدلة:

الأول: قوله صلى الله عليه وسلم:" من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به". هذا الحديث ضعفه الأئمة ولكن احتج به أحمد تقدم معنا هذا مرارا أنّ الإمام أحمد قد يحتج بحديث ولا يعني هذا أنه يصحح الحديث.

الدليل الثاني: إجماع الصحابة على قتله وإنما اختلفوا في كيفية القتل حكى هذا الإجماع ابن القيم رحمه الله وغيره لكن في حكاية الإجماع هذا إشكال وهو أنه روي عن بعض الصحابة كعبد الله بن الزبير أنه قال حد اللوطي حد الزاني. فكأنه ألحقه به. لكن جمهور الصحابة على أنه يقتل. والراجح القول الثاني أنه يقتل وترجيح هذا القول ظاهر جدا لأنه عليه أبو بكر وعمر وعلي وعثمان ولا مجال للخروج عن فتوى الأئمة الأربعة إذن الراجح أنه ليس كزان وإنما يقتل مطلقا.

ص: 173

مسألة/ اختلف الصحابة في كيفية القتل فمن الصحابة من قال يحرق. وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ومنهم من قال يرجم يعني ولو لم يكن محصنا وهذا معلوم من الخلاف السابق وعلى رأس هؤلاء عمر رضي الله عنه ومنهم من قال يلقى من أعلى بناية في البلد ويتبع بالحجارة. ومنهم من قال رضي الله عنهم يوضع تحت الحائط ويهدم عليه وممن قال بهذه الطريقة علي رضي الله عنه وقال بها عمر أيضا. والراجح أنّ كيفية القتل يرجع فيها إلى رأي الإمام والدليل على هذا أنّ الواحد من الخلفاء رضي الله عنهم كأبي بكر وعمر روي عنه القتل بأكثر من طريقة ما يدل على أنها تخضع لرأيه ونظره بحسب الظروف وأنه ليس شيئا محددا أو طريقة معيّنة للقتل ويلاحظ أنّ أحكام الصحابة جميعا قاسية وفيها شدة لا تخفى وهذا يتناسب مع الجرم لأنّ هذه الجريمة أيضا جريمة شنيعة فلهذا جعل الصحابة فيها القتل بطريقة غير طبيعية كما أنّ الجاني هنا أتى جريمة تخرج عن الفطرة والطبيعة.

ثم - قال رحمه الله (ولا يجب الحد إلاّ بثلاثة شروط)

بدأ المؤلف بشروط وجوب حد الزنا وسيبيّن هذه الشروط بتفصيل الشرط الأول

قال رحمه الله (أحدها: تغييب حشفته الأصلية كلها في قبل أو دبر)

الشرط الأول لوجوب حد الزنا أن يقع الوطء. سواء كان الوطء في قبل أو في دبر فبمجرد حصول الوطء يتحقق الشرط وهذا بخلاف الإحصان. لذلك كثير من الناس يخلط بين شروط الإحصان وشروط وقوع الحد العقوبة. بينهما فرق نحن نتحدث الآن عن شروط وقوع العقوبة. كذلك هنا لا يكتفى بالوطء بما دون تغييب الحشفة فلا بد من تغييب الحشفة وأشار المؤلف إلى أنّ الوطء سواء كان في القبل أو في الدبر ، أما في القبل فهو إجماع وأما في الدبر فذهب الحنابلة كما ترون إلى أنه وطء يوجب العقوبة واستدلوا على هذا بأنه وطء في فرج أصلي فأوجب العقوبة.

ص: 174

والقول الثاني: أنّ الوطء في الدبر يأخذ حكم اللواط لا حكم الزنا فإذا جامع امرأة في دبرها فإنّا نعتبره لوطي نقيم عليه الحد المذكور في الخلاف السابق وهذه مسألة مهمة جدا لأنه ينقل الإنسان من حد الزنا إلى حد اللواط. وهذه المسألة أيضا فيها نوع من الإشكال لكن الأقرب والله أعلم أنه زنا لأنه وطء لإمرأة يختلف عن اللواط.

مسألة / علم من كلام المؤلف أنّ السحاق وهو إتيان المرأة المرأة ، وأنّ الجماع بين الفخذين ، وأنواع الاستمتاعات ليست من الزنا الذي يوجب الحد لماذا؟ لتخلف شرط الوطء لأنه لا يوجد في هذه الأشياء وطء وهذا صحيح وإنما من فعل ذلك يعزر تعزيرا ولا يقام عليه حد الزنا.

قال المؤلف رحمه الله (تغييب حشفته الأصلية كلها في قبل أو دبر أصليين)

أخرج المؤلف بهذا الحشفة والقبل والدبر أو الزوائد. فالوطء في القبل أو الدبر الزائد لا يعتبر زنا وإنما اشترط أن يكون في الأصلي لأنّ الوطء عند الإطلاق ينصرف إلى هذا أي الأصلي ولأنّ الاستمتاع لا يكمل إلاّ به.

ثم - قال رحمه الله (حراما محضا)

هذا القيد لا حاجة إليه لأنه يشير به إلى انتفاء الشبهة وهو الشرط الثاني وهو شرط مستقل برأسه.

ثم - قال رحمه الله (انتفاء الشبهة)

ذهب الجماهير إلى أنه يشترط لإقامة الحد انتفاء الشبهة واستدلوا على هذا بأمرين: الأول" أنّ هذا حكي إجماعا حكاه ابن المنذر.

الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم:" ادرءوا الحدود بالشبهات". وهذا الحديث ضعيف ، لكن درء الحدود بالشبهات في الحقيقة لا شك فيه أولا للآثار المتكاثرة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الدالة بمجموعها على أنهم يحبون درء الحد ما أمكن.

الثالث: هذا الإجماع المحكي. وإذا كنا نقول أنه يشترط لإقامة الحد عدم وجود الشبهات فهذا لا يعني أن نقبل بكل شبهة ولهذا سيأتينا أنّ ابن المنذر وهو ممن حكى الإجماع على درء الحدود بالشبهات ينازع في بعض المسائل التي ستأتينا ويرى وجوب إقامة الحد مع وجود هذه الشبهة التي يعتبرها الحنابلة من الشبهات.

قال رحمه الله (فلا يحد بوطء أمة له فيها شرك أو لولده)

ص: 175

لا يحد إذا وطئ أمة له فيها شرك ، لأنه بشركه في هذه الأمة يعتبر مالكا لبعض الفرج. وهذا هو وجه الشبهة ونحن نقول في تعريف الزنا من غير نكاح ولا ملك ولا شبهة وهذا يملك بعض الفرج فصار في هذا شبهة. (أو لولده) أي أو كان لولده شرك في هذه الأمة، فلو كان ابنه يملك بعض هذه الأمة ووطئ الأب الأمة فإنه لا حد لقول النبي صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك. وإلى هذا ذهب الجمهور.

والقول الثاني: وإليه ذهب أبو ثور وابن المنذر أنه يحد وأنّ هذا لا يعتبر شبهة والراجح مذهب الجماهير.

ثم - قال رحمه الله (أو وطئ امرأة ظنها زوجته أو سريته)

إذا وطئ امرأة ظنها أنها زوجته إما لوجود ظلمة أو لكونه أعمى أو لأي سبب من الأسباب وكذلك إذا وطئ أمة يظن أنها من سرياته فإنه لا حد عليه وهذا قد يكون قليل الوقوع لكن المثال الكثير الوقوع أو الذي قد يقع أكثر من مثال المؤلف أن تقدم له المرأة على أنها زوجة له وهي ليست بزوجة له كأن يحصل خطأ في تعيين الزوجة وهذا يحصل كثير إذا تزوج اثنان أختين في ليلة واحدة فقد تدخل عليه من ليست بزوجته وهذا الوطء وطء شبهة ولا يحد به لأنه يظن أنّ هذه المرأة زوجته.

ثم - قال رحمه الله (أو في نكاح باطل اعتقد صحته)

إذا وطئ في نكاح باطل كأن يتزوج امرأة في عدتها وهو يظن أنّ هذا النكاح صحيح ، ويوجد شرط آخر ومثله يجهل هذا الأمر إذا اجتمعت هذه الأمور درءنا عنه الحد لأمرين: الأول" لوجود شبهة وهي الجهل ونحن نشترط أن يكون مثله يجهل هذا الأمر.

الثاني: أنّ رجلا تزوج امرأة في عدتها فدرء عمر رضي الله عنه الحد عنه. وهذا لا إشكال فيه إذا تحققنا وعلمنا أنّ مثله يجهل مثل هذا الحكم.

ثم - قال رحمه الله (أو نكاح او ملك مختلف فيه ونحوه)

إذا وطئ في نكاح مختلف فيه فإنه لا يحد سواء كان يرى هو صحة النكاح أو لا يرى صحة النكاح فإذا تزوج بلا ولي وهو يرى أنّ النكاح بلا ولي لا يصح فإناّ لا نقيم عليه الحد لوجود الشبهة وهو الإختلاف في هذا العقد.

ص: 176

والقول الثاني: أنّّ النكاح الفاسد أي المختلف فيه يكون شبهة إذا كان الزوج يظن صحة هذا النكاح وإذا كان لا يظن الصحة وإنما يرى الفساد فإنه يحد لأنه في الواقع لا عذر له. وهذا القول الثاني هو الصحيح.

المسألة الثانية: في ملك مختلف فيه يعني أن يشتري أمة بعقد مختلف في تصحيحه فحينئذ لا يحد لوجود الشبهة والشبهة هي الاختلاف في تصحيح العقد وفساده. وهذه الشبهة شبهة صحيحة بل إنّ الجهل ببعض الشروط المتعلقة بالبيع أكثر منه في بعض أحكام النكاح فإنّ أحكام النكاح معلومة لغالب الناس لكن أحكام البيوع مجهولة لكثير من الناس.

قال رحمه الله (أو أكرهت على الزنا)

إذا أكرهت المرأة على الزنا فإنها لا تحد وهذا لا إشكال فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم عفي لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ، فالزنا الواقع عليها هي معفو عنها فيه بسبب الإكراه وفهم من كلام المؤلف أنّ الرجل ليس كذلك وهو مذهب الحنابلة أنّ الإكراه ليس بعذر ولا شبهة في حق الرجل واستدلوا على هذا بأنّ الإكراه ينافي الانتشار فإذا تمكن من الوطء علمنا أنه لا يوجد إكراه لأنّ الانتشار والإكراه لا يجتمعان.

والقول الثاني: أنّ الإكراه يتصور في حق الرجل وهو متصور في صورتين أو في حالين:

الحال الأولى: لا إشكال فيه وذلك بأن يكره بأمر خارج عن الجسد كأن يمنع عنه الطعام فإذا منع عنه الطعام فهذا إكراه أليس كذلك؟

فيقول إما أن تطأ أو تبقى بلا طعام فهذا إكراه يتصور معه الانتشار.

الحال الثانية: أن يكون إكراه مع الإيذاء الجسدي وهذا قد يتصور إذا قيل له إما أن تطأ أو تضرب أو ضرب فعلا أو مس بعذاب فإنه قد يتمكن من الانتشار والجماع ليتفادى هذا الضرر الواقع عليه. والراجح هو القول الثاني وهو أنه يتصور وقوع الزنا مع الإكراه في حق الرجل.

قال رحمه الله (الثالث: ثبوت الزنا ولا يثبت إلاّ بأحد أمرين)

الشرط الثالث أن يثبت الزنا وعبر عنه الشيخ بقوله الثالث. ثبوت الزنا ولا يثبت إلاّ بأحد أمرين إلى آخره ....

ص: 177

الزنا لا يثبت إلاّ بأحد أمرين: إما الإقرار أو الشهادة وبدأ بالإقرار لأنه أقوى فإذا أقّر الإنسان على نفسه بأنه زنى ثبت الحكم في حقه وأقيم عليه الحد لكن ذكر المؤلف رحمه الله ثلاثة شروط لهذا الإقرار:

الشرط الأول: (أن يقر به أربع مرات في مجلس أو مجالس).

فالشرط الأول أن يقر أربع مرات فإن أقر مرة أو مرتين أو ثلاث فإنه لا يقام عليه الحد واستدلوا على هذا بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم الحد على ماعز إلاّ لما اعترف أربع مرات. وروي أنه ردد المرأة التي اعترفت أربعا لكن حديث ماعز في التكرار أصح.

واستدلوا على هذا بأنّ الحدود تدرأ بالشبهات وفي تكرار الاعتراف أربع مرات ما ينفي الشبهة.

القول الثاني: أنه لا يشترط أربع مرات بل لو اعترف مرة واحدة قبل منه وأقيم عليه الحد واستدلوا على هذا بأنّ زوجة الرجل الذي زنى بها العسيف أقيم عليه الحد باعتراف مرة لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال واغدوا يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ولم يطلب منه أن يعترف أكثر من أربع مرات.

والقول الثالث: أنّ هذا يرجع فيه إلى الإمام فإن رأى أنه لابد من التكرار في حق رجل فيكرر وله أن لا يقيم الحد بعد الاعتراف الأول وإن رأى أنه يكتفي بمرة فله ذلك وله أن يقيم الحد بعد الاعتراف الأول وهذا القول تجتمع به الأدلة وهو القول الراجح إن شاء الله.

ثم - قال رحمه الله (في مجلس أو مجالس)

الاعتراف لا يشترط أن يكون في مجلس واحد بل يمكن أن يكون في مجلس ويمكن أن يكون في مجالس واستدلوا على هذا أنّ ماعزا رضي الله عنه اعترف في مجلس والمرأة الغامدية في مجالس ولكن الإمام أحمد روي عنه أنه يشترط في الاعتراف أن يكون في مجلس واحد وأشار إلى تضعيف الأحاديث التي فيها الاعتراف في أكثر من مجلس.

ثم - قال رحمه الله (ويصرح بذكر حقيقة الوطء)

يشترط في الاعتراف بعد أن يصدر أربع مرات أن يكون في الاعتراف التصريح بحقيقة الوطء واستدلوا على هذا بأنّ اسم الزنا قد يطلقه بعض الناس على ما ليس بزنا فيظن هو أنه زنا وليس كذلك فلا نكتفي منه بكلمة زنيت بل لابد من التصريح.

ص: 178

الثاني: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز: لعلك قبلت أو غمزت قال رضي الله عنه لا يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفنكتها ، لا يكني قال ماعز رضي الله عنه نعم ، وهذا اللفظ في صحيح البخاري وهو ثابت لا شك فيه إن شاء الله.

فإذا لا بد أن يصرح بحقيقة الوطء ولو قيل أنّ هذا يختلف باختلاف المعترف والألفاظ عند الناس فاليوم الزنا أصبح يطلق على الزنا الذي هو الوطء لا ينصرف إلى شيء سواه فإذا كان هذه الحقيقة العرفية موجودة في زمن فلو قيل يكتفى بكلمة زنيت عن التصريح بحقيقة الوطء لكان هذا القول له وجه من القوة.

ثم - قال رحمه الله (ولا ينزع عن إقراره حتى يتم عليه الحد)

هذا هو الشرط الأخير وهو الثالث في الإقرار أن يقر وأن تكون أربع في مجالس وأن يصرح بحقيقة الوطء وأن لا يرجع والدليل على هذا أنّ ماعزا لما هرب رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم أفلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه. وفي قوله أفلا تركتموه يتوب دليل على أنّ رجوعه مقبول.

والقول الثاني: أنه لا يشترط الرجوع ولا يقبل منه لأنه لما هرب رضي الله عنه لحقه الصحابة وأجهزوا عليه. وجه الاستدلال أنّ رجوعه لو كان صحيحا للزم الصحابة الدية لأنه يعتبر قتل بالخطأ ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزمهم بالدية والراجح الأول وهو المذهب فإذا رجع يقبل منه.

ثم - قال رحمه الله (الثاني: أن يشهد عليه في مجلس واحد)

الطريقة الثاني ة لإثبات جريمة الزنا الشهود أن يشهد عليه أربعة كما قال تعالى [النور/35]{لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء} [النور 13] وهذا الأمر وهو إثباته بشهادة أربعة مجمع عليه.

ثم - قال رحمه الله (في مجلس واحد)

يشترط أن تكون الشهادة في مجلس واحد فإن شهدوا في مجلسين لم يقبل منهم وأقيم عليهم حد القذف. والدليل على هذا أنّ ثلاثة شهدوا على المغيرة رضي الله عنه وتطلبوا الرابع فلم يشهد فأقام عمر رضي الله عنه عليهم الحد. وجه الاستدلال. نحن نتكلم أن يكون الشهادة في مجلس واحد ، أنّ عمر رضي الله عنه لم ينتظر إكمال الرابع ففي هذا دليل على أنّ شهادته في غير هذا المجلس لا عبرة بها.

ص: 179

والقول الثاني: أنه لا يشترط أن تكون الشهادة في مجلس واحد لعموم الآية فإذا شهد عليه أربعة أقيم عليه الحد.

والجواب عن أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّ عمر علم أنه لا يوجد شاهد رابع أو أنهم هم لم يقولوا لدينا شاهد رابع والجواب عليه ظاهر لهذا لو شهد عليه أربعة ولو في مجالس قبل منهم.

يقول رحمه الله (بزنا واحد)

يعني يجب أن يشهدوا على المجرم بزنا واحد ، والزنا الواحد يتحقق أنه زنا واحد إذا شهدوا عليه في زمان ومكان واحد فإن شهد عليه بعضهم في يوم والآخرون في يوم آخر أو بعضهم في مكان والآخرون في مكان آخر فإنّ الشهادة لم تكتمل إذا يجب أن يجتمع الأربعة على زنا واحد ولا يجوز أن يجتمعوا على أكثر من زنا ولو كان الواقع أنهم شهدوا عليه أربعة أنه زنا لكن الشارع متشوف لدرء الحدود ولهذا اشترطوا أن يكون بزنا واحد.

ثم - قال رحمه الله (يصفونه أربعة)

معنى يصفونه أي يصرحون بالوطء فيقولون رأينا ذكره في فرجها ، ولا يكتفى أن يقولوا رأيناه يزني بل يجب أن يقولوا ذكره في فرجها

كالرشاء في البئر ، وهل يجب أن يقولوا كالرشاء في البئر بعبارة أخرى هل يجب أن يمثلوا يضربوا مثال أو لا يجب. الصواب أنه لا يجب وأنّ هذا من باب التأكيد فإن ذكروا المثل فذاك وإلاّ فالواجب أن يصرحوا بالوطء فيقولوا رأينا ذكره في فرجها هذا هو الواجب فقط الدليل استدل الحنابلة على هذا بأنه إذا كان المعترف يطلب منه أن يصرح بحقيقة الوطء فالشهود من باب أولى وهذا صحيح.

ثم - قال رحمه الله (ممن تقبل شهادتهم)

ومن تقبل شهادته هو المسلم العدل الحر الذكر ، فمن اتصف بهذه الصفات قبل منه وإلاّ فلا وسيأتينا باب خاص بالشهادات في آخر كتاب القضاء.

ثم - قال رحمه الله (سواء أتوا الحاكم جملة أو متفرقين)

ص: 180