المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب القضاء الدرس (1) من القضاء   قال رحمه الله كتاب القضاء. القضاء في - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٦

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌ ‌كتاب القضاء الدرس (1) من القضاء   قال رحمه الله كتاب القضاء. القضاء في

‌كتاب القضاء

الدرس (1) من القضاء

قال رحمه الله كتاب القضاء.

القضاء في اللغة إحكام الأمر وإنفاذه. فيطلق على الإحكام ويطلق الإنفاذ كل على حدة.

وأما في الشرع / القضاء هو تبيّين الحكم الشرعي والإلزام به وفصل الخصومات. والتعريف لخص الحقيقة عمل القاضي.

ثم - قال رحمه الله (وهو فرض كفاية)

القضاء مشروع بالكتاب والسنة والإجماع. من حيث الأصل

أما الكتاب فقوله تعالى. {فاحكم بينهم بما أنزل الله} [المائدة/49]

وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإذا أخطأ فله أجر.

وأما الإجماع فقد حكاه عدد من أهل العلم أنه مشروع من حيث الأصل. والمؤلف يقول أنه فرض كفاية يعني إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين وإلاّ أثموا جميعا. واستدلوا على كونه فرض كفاية بأمور:

ص: 306

الأمر الأول: أنه لو لم يوجد القضاء لأدى ذلك إلى ضياع الحقوق ووقوع الظلم وهذا محرم.

الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب القضاء وأرسلهم.

والقول الثاني: أنه سنة وليس بفرض.

والقول الثالث: أنّ المستحب تركه فرق بين فرض الكفاية والمستحب والترك. واستدل الذين قالوا أنه مستحب تركه. أما الذين قالوا أنه سنة فاستدلوا بأدلة الذين قالوا أنه فرض كفاية. وأما الذين قالوا أنه سنة فقالوا ليخلص نفسه من تبعات تولية القضاء ولئلا يعرض نفسه للفتنة في الدين أو في الدنيا. والراجح الأول أنه فرض كفاية.

ثم - قال رحمه الله (يلزم الإمام أن ينصب في كل إقليم قاضيا)

الحكم الأول: لحكم تولي القضاء. الحكم الثاني " جعل الإمام قاضيا. الإمام يجب عليه وجوبا أن ينصب قاضيا والدليل على هذا وجوه: الوجه الأول: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أرسل عليا قاضيا وأرسل معاذا قاضيا. وعمر أرسل شريحا قاضيا في الكوفة ومازال النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ينصبون القضاة.

الثاني: القياس على وجوب الجهاد والخراج ودفع الجباه إرسال الجباه ونحوها من أعمال ولي الأمر الواجبة عليه.

الأمر الثالث: أنّ تولي القضاء فرض كفاية فيجب على ولي الأمر أن يسد هذا الفرض ولا شك أبدا طرفة عين أنه يجب على الولي أن ينصب القضاة وهذا أمر تتفق عليه جميع الشرائع والعقول والأنظمة والقوانين. ولذلك لا تجد بلدا من البلدان إلاّ وفيه قضاة مهما كانت شريعة البلد ودينهم لأنّ أمر الناس لا يستقيم إلاّ بهذا.

ثم - قال رحمه الله (ويختار أفضل من يجده علما وورعا)

ص: 307

يجب على ولي الأمر إذا أراد أن يختار القاضي أن يراعي هذين الأمرين. الورع والعلم لأنّ العلم يعينه على تحقيق الصواب والورع يحجزه في الوقوع عن في المحرم ، والدليل على الوجوب أنه إذا كان تعيين القاضي واجب فهذا مما يحقق المطلوب من تعيين القاضي وهو إقامة العدل ولا شك أنّ هذا واجب وينبغي عليه أن يحرص على البحث عن العالم الورع فإن عرفه بنفسه فذاك وإلاّ سأل والسؤال حينئذ أيضا واجب لأنه يحقق الوجوب الأول.

ثم - قال رحمه الله (ويأمره بتقوى الله وأن يتحرى العدل ويجتهد في إقامته)

يجب على ولي الأمر أن يأمر القاضي بأمرين الأول: أن يتقي الله. والثاني: أن يتحرى العدل. والدليل على الوجوب أنّ الغرض من القاضي إيصال الحق إلى أصحابه ولا يكون إلاّ بذلك ولا يكون إلاّ بأن يتقي الله ثم يتحرى العدل. وفي الحقيقة التقوى تثمر أن يتحرى. يعني لو كان تقيا فإنه سيتحرى العدل وإنما نص عليه وأكد عليه لأهميته في باب القضاء.

ثم - قال رحمه الله (فيقول وليتك الحكم أو قلدتك ونحوه)

لا يكون القاضي قاضيا إلاّ بتولية ولي الأمر وتولية القاضي لها ألفاظ صريحة وألفاظ كناية. المؤلف ذكر الألفاظ الصريحة فاللفظ الصريح أن يقول ولي الأمر للقاضي وليتك ولا تنعقد الولاية إلاّ إذا قال القاضي قبلت. فإذا قال قبلت فقد أصبح واليا إما ولاية عامة أو خاصة حسب الولاية التي ولاه إياها الحاكم.

القسم الثاني: الألفاظ غير الصريحة الكناية. من أمثلتها أن يقول اعتمدت عليك ، أو أن يقول عولت عليك. حكم هذه الألفاظ أنه لا يكون بها وليا ولا حاكما إلاّ إذا دلت القرينة. وإلاّ فهو ليس بقاضي والتعليل أنّ هذه الألفاظ تحتمل أن يريد تعيينه قاضيا وتحتمل أن يريد استشارته في قضية معينة فقط ولهذا نقول يجب أن توجد هناك قرينة تدل على إرادة توليته القضاء.

ثم - قال رحمه الله (ويكاتبه في البعد)

مراد المؤلف بهذا أنّ التوليه كما تحصل باللفظ للقريب تحصل بالكتابة للبعيد وأنّ الكتابة مجزئة ويحصل بها التولية ولو لم يشافهه بها والدليل على هذا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أرسل كتابا مع عمرو بن حزم.

ص: 308

والدليل الثاني: أنّ عمر لما ولى شريحا أرسل بالكتاب ليقرأ على الناس في المسجد.

والدليل الثالث: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مازال يرسل الكتب لتبليغ الرسالة ولا يشترط في كل ذلك المشافهة.

مسألة هل يشترط أن يشهد؟ فيه خلاف من الفقهاء من قال لابد أن يشهد وأن يجعل شاهدين على هذا الكتاب يذهبان يشهدان أنّ هذا الكتاب صحيح وهو من الحاكم.

القول الثاني: أنه يشترط إلاّ أن يستفاض الأمر فإن استفاض فنكتفي بالاستفاضة.

القول الثالث: أنه لا يشترط مطلقا لأنّا لا نعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل الشهود مع كتبه والأقرب الأخير.

ثم - قال رحمه الله (وتفيد ولاية الحكم العامة)

المؤلف يريد أن يبيّن أنه إذا ثبتت للقاضي ولاية عامة فإنها تفيد الصلاحيات المذكورة وهي العشر هذا إذا ثبتت الولاية العامة.

والقول الثاني: أنّ ما يستفاد بالولاية ليس له حد شرعي بل يرجع في معرفته إلى الأعراف وما جرت العادة به فقد تكون أكثر من هذه العشر وقد تكون أقل من هذه العشر. وهذا القول الثاني اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وهو الصحيح إن شاء الله.

قال رحمه الله (الفصل بين الخصوم)

الولاية العامة أول ما تفيد من الصلاحيات الفصل بين الخصوم وتعليل ذلك أنّ القاضي إنما وضع لهذا الغرض ولهذا بدأ به المؤلف. والفصل بين الخصوم يثمر الصلاحية الثانية وهي

قوله رحمه الله (وأخذ الحق لبعضهم من بعض) لأنّ ثمرة الفصل بين الخصوم هي أخذ الحق من بعضهم لبعض.

ثم - قال رحمه الله (والنظر في أموال غير المرشدين)

يعني النظر في نحو صغير أو يتيم أو مجنون أو معتوه وسبب وجوب ذلك على القاضي من وجهين:

الوجه الأول: إما أن لا يوجد ولي على هؤلاء فهذا يؤدي إلى ضياع أموالهم.

الثاني: أن يوجد ولي على هؤلاء من قبل الحاكم أو من قبل الحاكم السابق فإذا لم يلاحظ هذا القاضي عمل الوالي أدى هذا إلى أن يجترئ على سرقة أموالهم فإذا عليه أن يراعي أموال اليتامى سواء كان يوجد والي عليهم أو لا يوجد والي عليهم وسواء كان هو المنصب لهذا الوالي أو المنصب القاضي السابق له.

ثم - قال رحمه الله والحجر على من يستوجبه لسفه أو فلس)

ص: 309

يعني ويجب على القاضي ومن صلاحياته أن يحجر على من يستحق الحجر سواء كان لفلس أو لسفه وتعليل هذا من وجهين:

الأول: حرصا على نفع المحجور عليه لئلا يتصرف تصرفا يضر بنفسه لاسيما السفيه.

الثاني: حرصا على عدم وقوع الضرر على المتعاملين مع السفيه أو المفلس.

ثم - قال رحمه الله (والنظر في وقوف عمله ليعمل بشرطها)

معنا قوله في وقوف عمله يعني المنطقة التي يعمل فيها والقاضي يجب أن ينظر في أوقاف العمل ولو كان عليها ناظرا يعني وجود الناظر لا يعفي القاضي من التحقق من جريان الوقف حسب الشرط لئلا تضيع حقوق الموقوف عليهم أو حقوق الواقف من حيث ترتب الأجر على الوقف.

ثم - قال رحمه الله (وتنفيذ الوصايا)

لأنّ حاجة الميت إلى ذلك قد أعظم من حاجة الحي في الأعمال السابقة لأنّ الميت لا يوجد من يقوم له بتنفذ وصيته وهذا في الحقيقة من

أوجب واجبات القاضي لأنّه دائما ما يقوم الورثة لاسيما إذا كانوا قليلي الدين بتضييع الوصية لأنها تنقص المال عليهم.

ثم - قال رحمه الله (وتزويج من لا ولي لها)

إذا كانت المرأة لا ولي لها فإنّ القاضي يجب عليه أن يزوجها لإعفافها والقيام على مصالحها وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم فان اشتجروا فالسلطان ولي من ولي له.

ثم - قال رحمه الله (وإقامة الحدود)

إقامة الحدود تقدم معنا بكتاب الحدود أنّ المنوط بإقامة الحدود هو الحاكم أو الوالي فإذا قلنا لا يقيم الحدود إلاّ الحاكم والحاكم صار ليس من مهامه إقامة الحدود صار الأمر ضائعا بين هؤلاء وهؤلاء ولم تقم الحدود ولهذا نقول الواجب على القاضي أن يقيم الحدود لأنه المنوط به هذا العمل.

ثم - قال رحمه الله (وإمامة الجمعة والعيد)

لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان هو والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم يقيمون الجمع والأعياد والمقصود بإقامة الجمعة والعيد أن يكون إماما فيها وأشار الفقهاء إلى أنّ هذا من عمل القاضي ما لم ينيب غيره فإذا أناب غيره صار هذا المناب هو الذي يقوم بالإمامة في العيد والجمعة والإنابة هي عمل المسلمين من قرون متطاولة.

ثم - قال رحمه الله (والنظر في مصالح عمله)

ص: 310

لكف الأذى عن الطرقات وأفنيتها ونحوه. النظر في مصالح المسلمين ومثل عليه بكف الأذى عن الطرقات وكف الأذى عن الأفنية والأفنية هي الأماكن الواسعة أمام الدور لأنّ مصالح الناس تتعلق بهذه الأفنية التي هي أمام الدور ومن المعلوم أنّ هذا انتقل اليوم من القضاة إلى البلديات ومن هنا تعلم أنّ صلاحيات القاضي كانت واسعة جدا والمقصود بالقاضي يعني القاضي الذي له ولاية عامة فالقاضي الذي له ولاية عامة في القديم كان واسع الصلاحيات جدا بشكل كبير به يناط تقريبا جميع الأعمال الشرعية لكن اليوم مع كثرة أصبح لا يمكن أن يناط بالقاضي إلاّ فصل الخصومات وفصل الخصومات أيضا أعمال كثيرة لا يتمكن للقاضي من إنهائها في وقت وجيز ولهذا ناسب جدا إخراج بعض الصلاحيات وإسنادها إلى مرافق أخرى ليتم العمل الوجه المطلوب.

ثم - قال رحمه الله (ويجوز أن يولى في عموم العمل)

لما بيّن الشيخ الولاية العامة أراد أن يبيّن أنه يجوز أن يولى ولاية خاصة أو بعض ولاية وأنه لا يلزم أن يولى ولاية بل له أن يوليه ولاية خاصة فقال ويجوز أن يولى عموم النظر في العمل وهذا هو الولاية العامة التي تقدمت وذلك بأن يوليه سائر الأحكام في كل البلدان وهذا لأظنه وقع إلاّ اللهم أن يريد مثلا قضية قاضي القضاة وهو أنه مسئول عن جميع القضاة في البلدان أما من حيث مباشرة العمل لا يمكن أن يتولى جميع الأعمال في كل البلدان إلاّ بالإنابة.

ثم - قال رحمه الله (وأن يولى خاصا فيهما)

كأن يوليه النظر في الحدود في بلد معين فإذا ولاه النظر في الحدود فقط دون الأنكحة والبيوع فقد ولاه ولاية خاصة ثم إما أن يوليه الحدود في كل البلدان فقد ولاه ولاية خاصة في مكان عام أو يوليه الحدود في بلد معين فيكون ولاه عملا خاصا في بلد خاص ولهذا.

قال المؤلف رحمه الله (أو في أحدهما)

ص: 311

يعني إما أن يكون عموم النظر في عموم العمل ، أو عموم النظر في خصوص العمل. أو خصوص النظر في عموم العمل. وهذا كله وقع في القديم وأما في الحديث فالعمل على توليته عموم النظر في خصوص العمل فكل إنسان مسئول عن القضايا جميعا ولكن في بلد معين إلاّ أنه يبدوا جرى العرف أنه كثير من القضاة يتخصص مثلا في شيء معين فقاضي من القضاة تحال إليه قضايا المعاملات وقاضي من القضاة تحال إليه قضايا الحدود وقاضي آخر قضايا الأحوال الشخصية لإتقانه مثلا لهذا التخصص.

قال رحمه الله (يشترط في القاضي عشر صفات)

يعني أنه لا يجوز أن يولى القاضي إلاّ إذا اتصف بهذه العشر صفات. وإلاّ فإنها لا تنعقد له الولاية فهي شروط صحة وأشار شيخ الإسلام رحمه الله إلى أنّ هذه الشروط شروط في القاضي العام لا فيما يحكم تحكيما خاصا بين شخصين وإن كان ظاهر عبارات الفقهاء أنّ هذه الشروط شروط في الحاكم العام وفي المحكم تحكيما خاصا.

قال رحمه الله (بالغا عاقلا)

كونه بالغا عاقلا مسلما ولو جعل الشيخ المؤلف الإسلام بعد البلوغ والعقل لكان هو المناسب هذه الشروط محل إجماع وذلك لأمرين: الأول: أنّ شروط في العدالة ومنصب القضاء أرفع من العدالة. الثاني: أنّ غير المسلم لا يؤتمن وغير العاقل لا يفهم.

مسألة / نحن نقول يشترط أن يكون بالغا عاقلا أليس كذلك؟ فإذا كان عاقلا جاز أن يولى القضاء قال بعض الفقهاء وهذا ليس على إطلاقه بل المشترط قدر خاص من العقل وهو ما يوجب الفطنة والتنبه. وهذا القول الذي يقول أنّ المشترط ليس مجرد العقل بل قدر زائد يفيد الفطنة والتنبه صحيح وهو أنه يشترط فيه أن يكون ذا فطنة وليس الشرط أن يكون ذكيا بقدر مرتفع لكن الشرط أن لا يكون مغفلا أوساذجا وهذا الذي أشار إليه بعضهم وجيه في الحقيقة.

ثم - قال رحمه الله (ذكرا)

يشترط أن يكون من يتولى القضاء ذكرا والدليل على هذا من وجوه:

الوجه الأول: حكي إجماعا. فقد حكي الإجماع على هذا الشرط.

الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. وسواء كان خبر أو دعاء.

ص: 312

القول الثاني: أنه يجوز أن تولى المرأة مطلقا وإلى هذا ذهب اثنان فقط ابن حزم وابن جرير. أما ابن جرير فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ هذا لا يثبت عنه وممن ذكر ذلك وجزم به ابن العربي وهو عالم محقق ومال إليه أيضا الشيخ العلامة الشنقيطي أنّ مثل هذا القول لا يثبت عن ابن جرير ولا يتصور من مثله مخالفة النص ، أما ابن حزم فهو ثابت عنه واستدل ابن حزم بأمرين: الأول: أنّ الأصل الحل فيجوز أن تولى. الثاني: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها قال ابن حزم فأفاد الحديث أنّ من أهل الولايات فهي والية في بيتها.

القول الثالث: أنه يجوز في غير الحدود وهو هذا القول منسوب إلى الأحناف إلاّ أنّ كثيرا من الأحناف أنكر أن يكون هذا مذهبا لهم وقالوا مقصود الأحناف بهذا أنّ المرأة إذا وليت فإنّ أحكامها تنفذ وإن كان المولي لها آثم ولهذا نجد في بعض كتب الأحناف حكاية الإجماع على عدم جواز تولية المرأة وفي الحقيقة الجزم بأنّ هذا مذهب الأحناف أوليس بمذهب للأحناف والصواب أنهم يقصدون نفوذ الأحكام وإلاّ إن ولاها فهو آثم الجزم بتحديد القولين غير واضح وكتب الأحناف فيها التصريح بهذا والتصريح بهذا. ولكن حكاية هذا الخلاف تنبئك عن أنّ هذا القول الثالث ضعيف بل في ثبوته ضعف يوجد تشكيك في ثبوته من قبل بعض الأحناف أنفسهم والراجح القول الأول بل محكي إجماعا والنص دل عليه. والله أعلم - وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين -

ص: 313

الدرس: (2) من القضاء

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

مازال الحديث في الصفات التي تشترط في القاضي وتوقفنا على شرط أن يكون حرا. ذهب الجماهير إلى اشتراط حرية القاضي وأنه لا يصح تنصيب العبد قاضيا واستدلوا على هذا بأمور:

الأمر الأول: أنه حكي إجماعا الثاني: أنّ العبد لا يقبل في بعض المواضع كشاهد فلئلا يقبل كقاضي كم باب أولى

الأمر الثالث: أنه مشغول بخدمة سيده فكيف يجلس للناس قاضيا.

والقول الثاني: أنّ الحرية ليست بشرط لأنه ليس في النصوص ما يدل على اشتراطها فلو نصب الإمام قاضيا ليس حرا صح ونفذت أحكامه وإلى هذا ذهب بعض محققي الحنابلة واختاره شيخ الإسلام وهو صحيح إن شاء الله إذ لا يوجد ما يمنع أبدا أن يكون العبد قاضيا مادام أعلم وأفقه وأعرف بالأحكام.

ثم - قال رحمه الله (مسلما)

وتقدم معنا الكلام عن اشتراط الإسلام عند الكلام عن الشرط الأول والثاني في قوله بالغا عاقلا.

ثم - قال رحمه الله (عدلا)

يشترط أن يكون القاضي عدل لقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} [الحجرات/1] وإذا اشترطنا التبيّن في كلام القاضي صار القاضي غير مقبول الأحكام لأنّ كلامه غير مقبول وهذا لا يصح ولا يجوز هذا هو الدليل الأول.

الدليل الثاني: أنّ العدالة شرط في الشاهد فكيف بالقاضي ولا شك أنه يشترط أن يكون عدلا وأنّ الفاسق لا تصح توليته.

ثم - قال رحمه الله (سميعا بصيرا متكلما)

يشترط أن يتمتع القاضي بحواسه السمع والبصر والكلام لأنه إذا لم يكن يسمع فكيف يفهم الدعوى ثم يفهم الحجج بعد ذلك فإنه لم يفهم الدعوى ولا الحجج لأنه لا يسمع يشترط أن يكون بصيرا ليفرق بين المدعي والمدعى عليه.

ويشترط أن يكون متكلما ليتمكن من بيان الحكم إذ كيف يتصور بيان الحكم للخصوم وهو لا يتكلم.

والقول الثاني: أنه يشترط سميعا متكلما ولا يشترط أن يكون بصيرا لأنّ الأعمى يتمكن من معرفة الشهود إما بسمعه وتفريقه أو بتعريفه كما يعرف الأدلة إذا كانت بغير اللغة العربية فكذلك يعرف الخصوم بقول من حضر عنده من الثقات هذا فلان وهذا فلان واستقر الأمر على رجحان القول الثاني ومازال قضاة المسلمين منهم الأعمى ومنهم البصير وقد يكون الأعمى أفقه وأقدر في إيصال الحق أحيانا إلى مستحقه لكون سمعه مرهفا يعرف الحجج ولحن القول وهذا هو الراجح.

ثم - قال رحمه الله (مجتهدا)

ص: 314

يشترط أن يكون القاضي مجتهدا ومقصود المؤلف بقوله مجتهدا يعني الاجتهاد المطلق وحكي الإجماع على أن يكون القاضي مجتهدا واستدلوا على هذا بقوله تعالى {فاحكم بينهم بما أنزل الله} [ص/26] وقوله تعالى {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء/59] والرد إلى غير المجتهد لا فائدة فيه لأنه لن يتمكن من التفقه في النصوص فعلى هذا القول يشترط أن يكون مجتهدا اجتهادا مطلقا وهو الذي يتمكن من استنباط الأحكام من النصوص مباشرة والنظر فيها واستكمال آلة ذلك.

ثم - قال رحمه الله (ولو في مذهبه)

قوله ولو في مذهبه المؤلف خالف المذهب لأنّ المذهب يجوزن أن يكون القاضي أن يكون مجتهدا في مذهبه بشرط الضرورة فلا بد أن يقيّد بأنه ضرورة والمجتهد في المذهب هو الذي يعرف أصول الإمام ومتقدم قوله ومتأخره ويتمكن من الترجيح بين الأقوال من هذا عرفنا أنّ الاجتهاد ينقسم إلى أقسام: ذكر المؤلف بعضها. فالقسم الأول: المجتهد المطلق وهو ما تقدم معنا الذي لا يتقيد بأصول إمام من الأئمة بل يتفقه في نصوص الكتاب والسنة مباشرة.

الثاني: مجتهد المذهب وهو من يتفقه في نصوص الكتاب والسنة لكن على أصول إمامه.

القسم الثالث: مجتهد المذهب ويسمى أيضا وهو من يعرف أقوال الإمام المتقدم والمتأخر ويستطيع أن يخرّج أقوال الإمام ويستطيع يرجح بين الأوجه داخل المذهب.

ص: 315

القسم الأخير: هو المقلد فالمقلد هو من يأخذ أقوال إمامه بلا استدلال والمطلع على تقسيمات العلماء للمجتهدين يعرف أنّ هذه التقسيمات متداخلة وأنه لا يوجد حد فاصل بين المجتهد المطلق وبين مجتهد المذهب ويضيف بعضهم مجتهد الباب كالذي يجتهد في الفرائض فقط أو في الحدود فقط وبعضهم يقول مجتهد المسألة وهو من يتمكن من الاجتهاد في مسألة واحدة هذه الأقسام تتداخل مع عدا المجتهد المطلق فهو قسم مستقل واضح المعالم لا يكاد يوجد إلاّ في الرجل بعد الرجل في القرن بعد القرن أما المجتهد داخل المذهب والمجتهد المجزئ فيوجد في كل الأعصار. عرفنا الآن أنه يشترط في الأصل إما أن يكون مجتهدا ويجوز أن يكون مجتهد مذهب لكن عند الضرورة يعني إذا لم يوجد سواه. نبّه شيخ الإسلام إلى مسألة وهي أنه في هذه الشروط وفي اشتراط الاجتهاد ينبغي أن يأخذ الأمثل فالأمثل من الموجود بل إنّ المرداوي في الإنصاف يقول استقر الأمر على تقليد أو تنصيب من يقلد من أزمنة ولو اشترطنا الاجتهاد لأنغلق باب القضاء فمن فترة طويلة وكثير من القضاء يعتبرون من قسم التقليد لعدم وجود المجتهد المطلق أو مجتهد المذهب والخلاصة أنّ اشتراط الاجتهاد إلاّ أنه ينبغي أن يأخذ الأمثل فالأمثل من الموجود من أهل العلم في حال تطلّب الإمام أحدا للقضاء وأنه على هذا أي أخذ الأمثل فالأمثل والتجاوز عن بعض الشروط عليه العمل من قرون كثيرة ولو وقفنا مع هذه الشروط لا تكاد تجد قاضيا يصلح للتنصيب.

ثم - قال رحمه الله (وإذا حكم اثنان بينهما رجلا

الخ)

ص: 316

أفادنا المؤلف أنه يجوز للإنسان مع خصمه أن يحتكم إلى من يرون الاحتكام إليه ولو لم يكن هذا الرجل منّصباً من الإمام فيجوز أن يحتكم الخصوم إلى رجل لم ينصّبه الإمام واستدلوا على هذا بأنّ أبا الحكم أو من كان يكنى بأبي الحكم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم الحكم هو الله فلما سميت أبا الحكم فقال إنّ قومي كانوا إذا اختلفوا جاءوا إليّ فقضيت بينهم فرضوا بما قضيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما أحسن هذا فأقرّ أن يحكم رجل لم ينصب من قبل الإمام بين الناس كما أنّ عمر بن الخطاب وعثمان وعلي كلهم احتكموا إلى غير القاضي فدل النص والأثر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على جواز الاحتكام لغير القاضي المنّصب.

ثم - قال رحمه الله (يصلح للقضاء)

أفادنا المؤلف أنّ هذا الرجل المنصّب يجب أن يصلح للقضاء ومن يصلح للقضاء هو من توفرت فيه الشروط العشرة السابقة فلا يصلح أن نجعل حكما بين خصمين إلاّ وهو مستوفي الشروط السابقة.

والقول الثاني: أنّ الحكم المنّصب من قبل شخصين لا يشترط أن يستوفي هذه الشروط بل هذه الشروط خاصة فيمن يوليه الإمام فقط

وهذا القول الثاني هو الراجح وعليه العمل وإذا كنا نقول القاضي نفسه العمل من قرون على عدم استيفاء الشروط فكيف بالمحكم.

ثم - قال رحمه الله (نفذ حكمه في المال)

إذا حكم خصمان رجلا بينهما فإنّ حكمه نافذ كنفوذ القاضي المحكم وليس لغيره من القضاة حتى الرسميين أن ينقض أحكامه إلاّ في ما يجوز نقض الحكم فيه لأنه حكم أو قاضي شرعي أجاز الشرع تنصيبه ويستثنى من هذا ما إذا رجع الخصوم قبل أن يبّت بالحكم حينئذ لهم أن يرجعوا أما إذا ذكر وبيّن الحكم فإنّ الحكم حينئذ يصبح ملزما للطرفين.

ص: 317