المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب النفقات الدرس (1) من النفقات قوله كتاب النفقات جمع نفقة ، - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٦

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌ ‌كتاب النفقات الدرس (1) من النفقات قوله كتاب النفقات جمع نفقة ،

‌كتاب النفقات

الدرس (1) من النفقات

قوله كتاب النفقات جمع نفقة ، والنفقة اسم بمعنى الإنفاق وإنفاق المال في لغة العرب / يعني صرفه وصرفه يعني إهلاكه فيما يراد الانتفاع به وسميت النفقة نفقة لأنها مشتقة من النفوق وهو الهلاك. وجه التسمية أنّ الإنسان أنفق ماله فقد أهلكه.

وأما في الشرع / فإنّ النفقة كفاية من يمونه كسوة وسكنا وأكلا وشربا. هذه أصول النفقة وسيأتينا أشياء أخرى قد تخرج عن مسمى السكن والكسوة والطعام والشراب لكن أصول النفقة ترجع إلى هذه الأشياء.

والنفقة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع ولم يختلفوا فيها ولله الحمد.

فمن الكتاب قوله تعالى {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله} [الطلاق/7]

وأما من السنة فأحاديث منها حديث جابر رضي الله عنه فعليكم نفقتهن وكسوتهن بالمعروف.

وأما الإجماع فهو محكي ولم يختلف الفقهاء في وجوبه في الجملة سيأتينا خلاف في بعض المفردات لكن في الجملة هو محل إجماع.

يقول المؤلف رحمه الله (يلزم الزوج نفقة زوجته)

ص: 23

بدأ المؤلف بنفقة الزوجة لأنها آكد أنواع النفقات ونفقة الزوجة تختص بأنها لا تسقط بالتقادم ، يعني لو أنّ الإنسان لم ينفق على زوجته لمدة يوم وشهر وسنة فإنّ النفقة لا تسقط بل تبقى في ذمته بخلاف نفقة الأقارب فإنها تسقط بالتقادم فلو أنّ الإنسان لم ينفق على قريب من أقاربه الذين يلزمهم أن ينفق عليهم لمدة سنة فبعد هذه السنة لا يجب عليه أن يدفع له ما لم ينفقه ولا يبقى هذا أو هذه النفقة في ذمته. دليل التفريق أنّ النفقة على الزوجة من باب المعاوضة ، بينما النفقة على الأقارب من باب الصلة والإحسان ومن هنا افترقا ، وهذا يدل على تأكد نفقة الزوجة.

يقول المؤلف رحمه الله (يلزم الزوج نفقة زوجته)

وجوب نفقة الزوجة محل إجماع يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف

وحديث جابر السابق عليكم نفقتهن وكسوتهن بالمعروف

فلا شك أنه يجب على الزوج أن ينفق على زوجته لاشك في هذا وهو محل إجماع وتدل عليه النصوص.

يقول رحمه الله (قوتا وكسوة وسكناها بما يصلح لمثلها)

قوله قوتاً إلى آخره في هذه العبارة دليل على أنّ الحنابلة يرون أنّ النفقة تقدر بالمعروف يعني يجب عليه أن ينفق عليها كفايتها بالمعروف واستدلوا على ذلك بالحديث السابق وهو قوله صلى الله عليه وسلم خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف

فدل على أنه يجب على الزوج يدفع كفاية الزوجة بالمعروف يدفع ما يكفيها بالمعروف.

والقول الثاني: أنّ نفقة الزوجة مقدرة تقديرا وليست كفاية بالمعروف. وقدّروها بتقديرات منها ثلاثة أرطال من الخبز واستدلوا على هذا بأن هذا القدر مذكور في الكفارات فنقيس عليها النفقة ، والراجح المذهب الأول بلا إشكال إن شاء الله وهو أنه مقدرة بالكفاية وليست مقدرة بقدر محدد إذا ليس في النصوص أبدا ما يدل على أنّ نفقة الزوجة مقدرة بشيء محدد. وكل حديث فيه تقدير نفقة الزوجة بقدر محدد فهو ضعيف.

قال رحمه الله (ويعتبر الحاكم ذلك بحالهما عند التنازع فيفرض للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها ..... إلى آخره)

ص: 24

لما قرر المؤلف أنّ الواجب على الزوج أن ينفق على زوجته قد كفايتها بالمعروف انتقل إلى بيان هل المعتبر بقدر الكفاية بالمعروف حال الزوج أو حال الزوجة؟ وقبل أن ذكر الخلاف في هذه المسألة نذكر تحرير محل النزاع.

إذا كان كل من الزوجين موسرا أو كان كل من الزوجين معسرا ، فلا خلاف أنه في الحالة الأولى نفقة موسر وفي الحالة الثانية نفقة معسر لأنه لا يختلف حال الزوجة عن حال الزوج. لكن الخلاف إذا كان أحد الزوجين موسرا والآخر معسرا!! في هذا خلاف اختلفوا في هذه المسألة على أقوال:

القول الأول: وهو المذهب أنّ المعتبر حال الزوجين معا فإذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا فنأخذ بالوسط واستدل الحنابلة على هذا الحكم بالجمع بين أدلة القول الثاني والثالث التي ستأتينا.

القول الثاني: أنّ المعتبر حال المرأة بناء عليه إذا كانت المرأة موسرة والزوج فقير فيجب عليه أن ينفق عليها النفقة التي تصلح للموسرين لأنّ الاعتبار بحال الزوجة واستدلوا على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف

فعلق الكفاية بالمرأة.

والقول الثالث: أنّ المعتبر حال الزوج واستدلوا على هذا القول بالآية الكريمة السابقة {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله} [الطلاق/7] الآية كأنها نص في أنّ المعتبر حال ماذا؟ فهو يقول انفق إن كنت موسرا من إيسارك وإن كنت فقيرا بحسب مقدرتك لا يكلف الله نفسا إلاّ ما أتاها.

ولهذا الراجح والله أعلم القول الأخير ، وهو أنّ المعتبر حال الزوج لأنه هو المنفق ، ويليه في القوة المذهب ، وأضعف الأقوال القول الثاني. لما قرر المؤلف قاعدة وهو أنه للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها وتقدم معنا أنّ هذا محل إجماع أنّ للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها أراد أن يذكر أحكاما هي في الواقع من باب التمثيل.

فيقول رحمه الله (لها من أرفع خبز البلد وأدمه ولحما عادة الموسرين بمحلهما)

ص: 25

يعني أنها تأكل من أرفع ما يأكل أهل البلد فمثلا اليوم الخبز ليس من أرفع ما يأكل أهل البلد ، وإن كان اللحم الذي يسمونه سيد الطعام يعتبر من أرفع الأطعمة في كل زمان ومكان لكن الخبز قد يعتبر من أرفع الأطعمة في زمان دون زمان. والمقصود الآن أنّ الموسرة تطعم بما يتناسب وضعها من الإيسار وبما يتناسب مع وضع الزوج.

طيب إذا كانت الزوجة موسرة والزوج موسر لكنها أغنى منه بكثير فسينفق باعتبار حال من؟ حال الزوج إذا نستطيع أن نقول على القول الراجح دائما المعتبر حال الزوج. وظاهر كلام الفقهاء أنه إذا كان الزوج موسر والزوجة موسرة فإنه لا يجوز للزوج أن ينفق نفقة فقير وهذا صحيح ويظهر لي أنه محل إجماع فإذا وجد زوج عنده مال وهو موسر وأنفق نفقة فقير فهو آثم ولها أن تطالبه بالفرق بين النفقتين في المحاكم الشرعية لأنّ الواجب عليه أن ينفق نفقة موس.

(ما يلبس مثلها من حرير وغيره) لأنّ الحرير يعتبر من أفخر الثياب وأغلاها ثمنا.

(للنوم فراش ولحاف وإزار ومخدة) لأنها كذلك تعتبر في وقتهم من أفخر أنواع الفرش التي تتخذ للجلوس والنوم وهذه الأمور أمثلة تختلف اختلافا بيّنا كثيرا جدا من إلى زمان ومن مكان إلى مكان.

ويقول (وللجلوس حصير جيد وزلي)

الفرق بين الحصير والزل ، من جهة المادة والحجم فكل منهما سجاد إلاّ أنّ الحصير صغير ومنخوس أو من مادة صلبة نباتية.

وأما الزل فإنه كبير ويكون من القطن ونحوه وإلاّ كل منهما يعتبر بساط.

ثم - قال رحمه الله (وللفقيرة تحت الفقير من أدنى خبز البلد وأدم يلائمه)

ما يناسب حال الزوج من الفقر فلها من أدنى خبز البلد وأدم يلائمه يعني تجمع بين الخبز الذي يعتبر من أدنى أنواع الخبز في البلد وأيضا الإدام الذي يؤتدم به هذا الخبز يكون مما يلائم هذا الخبز. وإذا كان الخبز من أدنى أنواع الخبز في البلد فسيكون الإدام أيضا من أدنى أنواع الأدم في البلد.

(ما يلبس مثلها ويجلس عليه)

ص: 26

تقدم معنا أنّ الاعتبار دائما بحال الزوج فهو يقول وما يلبس مثلها وما يجلس عليه فإذا كانت هي فقيرة جدا وهو فقير فقط فعليه أن يلبسها لباس الفقير لا لباس الفقير جدا ، ففي الحقيقة لو قال (وما يُلبس مثله) لكان أقرب إلى القول الراجح.

ثم - قال رحمه الله (وللمتوسطة مع المتوسط

ما بين ذلك)

وهذا صحيح

ثم - قال رحمه الله (والغنية مع الفقير وعكسها .. ما بين ذلك)

وهي محل النزاع والاختلاف كذلك هي عند الحنابلة لها ما بين ذلك وتقدم معنا أنّ مذهب الحنابلة إذا اختلف الزوج عن الزوجة في الفقر والغنى فيرون أنه يطعمها الوسط ، فإذا كان هو فقير وهي غنية فسيطعمها الوسط وكلما كانت هي غنية كلما كان الوسط شاق على من؟ الزوج وبهذا نكون كلفنا الزوج ما لا طاقة به ، هو فقير فكيف نلزمه أن ينفق عليها نفقة متوسط الأغنياء ، لأنه المتوسط سيكون بينها إذا كانت غنية جدا وهو فقير المتوسط سيكون متوسط الأغنياء ، وأيضا في المقابل إذا كانت هي فقيرة جدا وهو غني جدا فله أن يسكنها وأن يطعمها وأن يكسوها في المتوسط فسينفق عليها نفقة لا تتناسب مع وضعه المادي وفي هذا نوع من الظلم لها.

وهذا كله يبيّن أنّ هذا القول فيه ضعف.

قال رحمه الله (وعليه مؤنة نظافة زوجته)

فعليه أن يأتي بكل أداة تساعد على النظافة من صابون أو أدوات للتنظيف والدلك أو ما يغسل به الرأس أو الجسد إلى آخره ،تعليل ذلك أنّ أدوات النظافة من النفقة بالمعروف فعليه أن يجلب لها هذا الذي هو من نفقة المعروف.

قال رحمه الله (دون خادمها)

أي لا يلزمه نفقة نظافة الخادم لأنّ الخادم لا يراد للزينة والنظافة وإنما يراد للعمل بخلاف الزوجة فإنها تتخذ للزينة والنظافة. تحدث المؤلف عن نفقة نظافة الخادم لكنه لم يتحدث عن نفقة الخادم. فالحنابلة يرون أنه يجب على الزوج أن ينفق على خادم الزوجة وهذه مسألة تختلف عن مسألة هل يجب على الزوج أن يحضر خادم للزوجة لكن إذا وجد الخادم فإنّ على الزوج أن ينفق عليها.

ص: 27

نأتي إلى مسألة تأمين الخادم للزوجة. ذهب الحنابلة بلا نزاع إلى أنه إذا كانت الزوجة مثلها يخدم فإنه يجب على الزوج أن يحضر خادما للزوجة واستدلوا على هذا بأنّ هذا من جملة النفقة بالمعروف لأنّ مثلها يخدم والزوج قادر فعليه أن يخدمها.

والقول الثاني: أنه لا يجب عليه أن يخدمها ، وأنتم تعلمون أن هذه المسألة مفروضة فيما إذا كانت الزوجة مثلها يخدم والزوج قادر على إحضار الخادم أي القولين أرجح؟ هل يجب عليه أن يخدمها؟ في الحقيقة يبدو لي أنه يجب عليه أن يحضر بهذين الشرطين. لاحظ يعني لا تكون الزوجة في بيتها ولا يخدم مثلها وإنما تشتغل طيلة النهار ثم إذا جاءت إلى الزوج قالت أريد خادمة لكن إذا كان مثلها يخدم عادة من بنات الأشراف التي يخدم مثلها وهو يتمكن من إحضار الخادم فالقول وجوبه ليس ببعيد عن نصوص النفقة بالمعروف.

وجوب إحضار الخادم يقول عنه المرداوي ليس فيه خلاف أعلمه ، أو لا أعلم فيه خلافا. وعادة يعبر بقوله بلا نزاع يعني في المذهب في هذه المسألة عبر بهذا التعبير لا أعلم فيه خلافا فلعله يقصد الخلاف العالي لأنه بدل عبارته المعتادة لعله يقصد هذا الأمر.

يقول المؤلف رحمه الله (لا دواء وأجرة طبيب)

يعني أنه لا يجب على الزوج أن يدفع أجرة الطبيب ولا قيمة الدواء وإلى هذا ذهب الجمهور واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

واستدلوا بدليلين: الأول" أنّ هذه النفقة ليست نفقة معتادة فلا تدخل في النفقة بالمعروف.

الثاني: وهو دليل شيخ الإسلام أنّ التداوي ليس واجبا بل غاية ما هنالك أنه مباح.

القول الثاني: أنه يجب على الزوج أن ينفق في علاج زوجته وقيمة الدواء ما كان يسيرا معتادا دون ما كان كثيرا خارجا عن العادة وإلى هذا القول ذهب شيخنا محمد العثيمين رحمه الله ولا أدري هل سبق أو لا لم أقف على أحد سبقه إلى هذا القول ولعله يريد أن يجمع بين الأقوال.

القول الثالث: وهو لبعض المعاصرين أيضا أنه يجب على الزوج نفقة العلاج والدواء إذا كان غنيا وهي فقيرة. واستدل على هذا بأنّ تركها وهي فقيرة لا تستطيع أن تنفق على نفسها ليس من العشرة بالمعروف.

ص: 28

الإشكال في هذه المسألة أنّ عامة المتقدمين على عدم الوجوب ولذلك تلاحظ أنّ الإنسان يحكي خلاف عن المعاصرين والمتأخرين لا يكاد يجد خلافا عند المتقدمين ومن هنا صار في هذه المسألة إشكال كبير في الحقيقة ولو أردنا أن نرجح فسنجد إذا أردنا أن نتجاوز قضية عدم وجود خلاف عند المتقدمين ونرجح بين الأقوال فسنجد أنّ أقرب الأقوال ما اختاره شيخنا وهو قول وجيه جدا وقوي وسديد يتوافق مع أصول الشرع. إذا كان مبلغ العلاج كبير خرج عن المعروف ولم يلزم به الزوج وإذا كان يسيرا فليس من العشرة بالمعروف أن يتركها تتألم وهو يستطيع لزهادة ثمن الدواء أو أجرة الطبيب لو أردنا أن نرجح لكان هذا القول أرجح الأقوال لكن يشكل على المسألة برمتها عدم وجود الخلاف فإذا وجد خلاف فهذا هو الراجح وإذا كانت المسألة إجماع ولا يوجد خلاف بين المتقدمين فالراجح ما ذهبوا إليه وهو عدم وجوب النفقة مطلقا.

ص: 29

الدرس: (2) من النفقات

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله:

فصل

لما قرر المؤلف وجوب نفقة الزوجة عقد هذا الفصل ليبيّن أنواع خاصة من الزوجات وهي الرجعية والبائن والمتوفى عنها. كما أنه عقد هذا الفصل ليبيّن مسقطات النفقة فهو فصل في الحقيقة مفيد ومهم في باب النفقات.

يقول المؤلف رحمه الله (ونفقة المطلقة الرجعية ، وكسوتها ، وسكناها كالزوجة ، ولا قسم لها)

الرجعية هي الزوجة التي يملك الزوج أن يردها إلى النكاح بلا رضا ولا عقد جديدين فهذه الرجعية لها النفقة كاملة كما في الزوجة يعني كنفقت الزوجة والدليل على ذلك قوله تعالى {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} [البقرة/228] ووجه الاستدلال أنه تعالى سماه بعلا وإذا سماه بعلا فهي زوجة ، والزوجة في الشرع لها النفقة.

ثم - قال رحمه الله (ولا قسم لها)

ص: 30

تقدم لنا في باب الرجعة أنّ الرجعية زوجة في كل شيء إلاّ أنه لا قسم لها والسبب في ذلك أنها مطلقة وإذا طلقت سقط حقها فالمبيت وقد تقدم معنا هذا في كتاب النكاح.

قال رحمه الله (والبائن بفسخ ، أو طلاق لها ذلك إن كانت حاملا)

قوله والبائن يشمل البينونة الكبرى والبينونة الصغرى فإذا كانت بائنة بينونة كبرى كمن طلق ثلاثا ، أو صغرى كالمخالعة فإنها كما قال المؤلف رحمه الله لها ذلك إن كانت حاملا. البائن بفسخ أو طلاق مثلنا على الفسخ ومثلنا على الطلاق الثلاث والفسخ كالمخالعة على القول بأنّ الخلع فسخ أو المخالعة بسبب عيب ونحوه. هذه الزوجة لها النفقة إن كانت حاملا بالإجماع لقوله تعالى {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} [الطلاق/6] والآية صريحة في وجوب النفقة على الحامل.

مسألة / فإن كانت البائن حائلا وليست حاملا فمفهوم عبارة المؤلف أنه لا نفقة لها ولا سكنى وهذا مذهب الحنابلة وهو القول الأول في المسألة أنه لا نفقة لها ولا سكنى فإذا كانت بائنة من غير حمل ، واستدل الحنابلة بدليلين:

الأول: حديث فاطمة بنت قيس فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم أفتاها لما طلقت ثلاثا أنه لا نفقة لها ولا سكنى.

الدليل الثاني: أنها بعد الطلاق أصبحت أجنبية عنه والأجنبية لا نفقة لها.

القول الثاني: أنّ لها النفقة والسكنى ، واستدل هؤلاء أيضا بدليلين:

الأول: قوله تعالى {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} [الطلاق/1]

الثاني: صح عن عمر رضي الله عنه أنه كان يرى وجوب النفقة والسكنى للمطلقة البائن ولم يقبل من فاطمة ما حدثت به وقال رضي الله عنه لا نترك ظاهر كتاب ربنا لقول امرأة لا ندري أحفظت أم نسيت.

القول الثالث: أنّ لها السكنى دون النفقة. ودليل هؤلاء واضح وهو الجمع بين أدلة القولين. والراجح بلا إشكال إن شاء الله المذهب لأنّ حديث فاطمة في مسلم وليس للإنسان أن يترك هذا الحديث مهما كان ولو نقل خلافه عن عمر فالمطلقة البائن بناء على هذا لا نفقة لها ولا سكنى.

ثم - قال رحمه الله (والنفقة للحمل لا لها من أجله)

ص: 31

لما قرر المؤلف رحمه الله أنّ البائن لها النفقة إذا كانت حاملا بيّن مسألة أخرى وهي هل هذه النفقة للحمل أو لها من أجل الحمل فالمذهب كما ترى أنه للحمل. واستدلوا على هذا بأنّ النفقة تثبت بوجود الحمل وتنتفي بعدمه فدل ذلك على أنّ النفقة له.

القول الثاني: أنّ النفقة لها من أجله واستدلوا بدليلين: الأول: الآية {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن} [الطلاق/6] فأضاف النفقة إلى المرأة.

الثاني: أنّّ هذه النفقة تثبت في الإعسار والإيسار ، فدل ذلك على أنّ النفقة لها من أجله لا له.

القول الثالث: أنّ النفقة له ولها من أجله وهذا القول اختاره شيخ الإسلام ولم أقف على دليله يغلب على الظن أنه أراد أن يجمع بين أدلة القولين. لهذا الخلاف فروع وثمار كثيرة تنبني على الراجح في هذه المسألة نذكر مثالا واحدا يدل على أهمية المسألة.

إذا حملت المرأة الموطوءة بشبهة أو بعقد فاسد من الرجل فإنه إذا كانت النفقة للحمل فيجب أن ينفق عليها وإذا كانت النفقة للمرأة فإنه لا يجب أن ينفق عليها لأنها ليست زوجة وإنما موطوءة بشبهة إذا هذه المسألة تبيّن أنه يترتب على هذا الخلاف الفقهي آثار كثيرة.

الراجح المذهب وشيخ الإسلام قوله رحمه الله من حيث التفريع يتوافق مع المذهب فنستطيع أن نقول أنه في الحقيقة لا فرق كبير بين اختيار شيخ الإسلام وبين المذهب من حيث الثمرة لأنّ الشيخ رحمه الله ابن تيمية لما أراد أن يمثل فإذا هو يمثل كما مثل الحنابلة فيقول في الموطوءة بشبهة أنه تجب النفقة للحمل لا للموطوءة بشبهة بناء على هذا نستطيع أن نقرر قاعدة وهي [أن نفقة الرجل على البائن الحامل هي من باب نفقة الرجل على ابنه وليست من باب نفقة الرجل على زوجته] وإذا قررت هذه القاعدة استطعت أن تعرف جميع الفروع التي تنبني على هذه المسألة المهمة.

ثم - قال رحمه الله (ومن حبست ولو ظلما)

بدأ المؤلف في بيان الأسباب التي تسقط النفقة بها ، وقد وضع شيخ الإسلام ابن تيمية ضابطا عاما مفيدا لطالب العلم. وهو يقول [كل أمر تجب طاعة الزوج فيه إذا عصته الزوجة سقطت نفقتها] وسيأتينا أنّ الأمثلة تقرر وتبيّن وتوضح هذا الضابط الذي ذكره شيخ الإسلام رحمه الله -

ص: 32

يقول المؤلف رحمه الله ومن حبست ولو ظلما)

حبست المرأة فإما أن تحبس ظلما أو تحبس بحق ، فإن حبست بحق سقطت النفقة بالإجماع. لأنّ سبب النفقة التمكين من الاستمتاع وقد فات بحبسها.

ثانيا" إذا حبست ظلما على المذهب كذلك ، تسقط النفقة لأنه وإن حبست ظلما إلاّ أنّ الزوج لا علاقة له بفوات الاستمتاع ولا سبب منه في سقوطه.

والقول الثاني: أنه إذا حبست ظلما فإنّ النفقة تبقى ولا تسقط ، لأنّ المرأة لم تتمكن من تقديم حق الزوج الواجب بعذر خارج عن قدرتها كما لو أنها مرضت فإنها إذا مرضت فإنّ الأئمة الأربعة يتفقون على أنّ النفقة لا تسقط بالمرض مع أنّ المريضة لا يتمكن الزوج من الاستمتاع بها فكذلك إذا حبست ظلما وهذا القول الثاني أقرب إن شاء الله.

ثم - قال رحمه الله (أو نشزت)

تقدم معنا في آخر كتاب النكاح قبل باب الخلع الفصل المتعلق بالنشوز والكلام عن حد النشوز وبماذا تصبح المرأة ناشز الذي يعنينا الآن أنّ المرأة إذا حكمنا عليها شرعا أنها ناشز سقطت النفقة لأنها امتنعت عن تقديم الحق الواجب فسقطت نفقتها.

والقول الثاني: أنّ الناشز تبقى نفقتها ولو نشزت ، وهو مذهب الظاهرية واستدلوا على هذا القول بالعمومات فقالوا إنّ النصوص عامة لم تفرق بين الناشز وغيرها. وهو نوع من الجمود الذي لا يوافق عليه عامة الفقهاء ابن حزم فالراجح إن شاء الله مذهب الجماهير وهو سقوط النفقة إذا نشزت الزوجة.

ثم - قال رحمه الله (أو تطوعت بلا إذنه بصوم أو حج)

إذا تطوعت الزوجة بصوم أو حج فإما أن يكون بإذن الزوج أو بغير إذنه. فإن كان بغير إذنه سقطت النفقة بلا إشكال لأنها بصيامها وحجها فوتت على الزوج حقه في الاستمتاع ، وإن كان بإذنه سقطت النفقة عند الحنابلة لأنّ الاستمتاع فات وإن كان بإذن الزوج فهو محسن بالإذن ولكنه لم ينل حقه الشرعي. والراجح أنه إذا كان بإذنه فإنّ النفقة لا تسقط لأنه أسقط حقه باختياره.

ثم - قال رحمه الله (أو أحرمت بنذر حج أو صوم (

ص: 33

إذا أحرمت المرأة للوفاء بنذر حج أو صوم فإنّ النفقة تسقط سواء أذن الزوج بالنذر أو لم يأذن والخلاف في هذه المسألة قريب من الخلاف في المسألة السابقة. والراجح فيها كالراجح في المسألة السابقة ، وهو التفريق بين أن يكون بإذن الزوج أو بغير إذنه.

قال رحمه الله (أو صامت عن كفارة)

إذا صامت المرأة عن كفارة فإنّ حقها في النفقة يسقط لأنّ وجوب الكفارة إنما كان بسبب من الزوجة فصارت هي المتسببة في فوات حق الزوج من الاستمتاع فسقطت النفقة لذلك على هذا عامة أهل العلم.

والقول الثاني: أنه لا تسقط نفقة الزوجة بأداء الكفارة لأنه من المعتاد أن يقع الإنسان في الخطأ ويحتاج إلى أن يكفر وهي حال التكفير تؤدي حقا واجبا لله ، وهذا القول ذهب إليه شيخنا رحمه الله ولا أدري هل سبق إلى هذا القول أو لم يسبق لأني بحثت عن سابق له بحثا غير مطول ولم أجد فإن كان سبق الشيخ فهو قول محرر وكل ابن آدم خطاء وإنما انشغلت بأداء كفارة أداء للواجب فهو قول وجيه وإن كان لم يسبق فمعلوم أنه إذا كانت المسألة محل اتفاق فإنه يتعيّن أن تسقط النفقة بسبب أداء الكفارة.

ثم - قال رحمه الله (أو قضاء رمضان مع سعة وقته)

إذا أرادت المرأة أن تقضي رمضان مع وجود سعة في الوقت بحيث تتمكن من قضاء هذا اليوم في يوم آخر ومع ذلك أقدمت على قضائه فإنّ النفقة تسقط. لما تقدم من فوات حق الزوج بالاستمتاع مع تمكن المرأة من قضاء الواجب عليها في يوم آخر.

ص: 34

والقول الثاني: أنّ المرأة إذا صامت صياما واجبا كقضاء رمضان فإنّ النفقة لا تسقط ولو مع سعة الوقت لأنّ المسلم مأمور بالمبادرة بإبراء ذمته ، والراجح ...... الذي يظهر لي أنه تسقط النفقة إذا قال الزوج لزوجته أو إذا أمرها أن تقضي يوما من رمضان في يوم آخر غير الذي أرادت هي أن تقضيه وأبت وصامت فإنّ النفقة تسقط. يعني في ذلك اليوم لأنّ حق الزوج واجب ومقدم والمبادرة في قضاء صيام رمضان نفل يعني المبادرة به نفل وقد وسع الله الأمر بأن تقضي في أي وقت آخر ولذلك كانت عائشة يكون عليها القضاء ولا تقضيه إلاّ قريب من رمضان الآخر وعللت ذلك بقولها لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة امرأة فقيهة وتعرف تتعامل مع النصوص تعاملا صحيحاً ولهذا عرفت أنّ حق الزوج مقدم على القضاء مادام فيه سعة.

قال رحمه الله (أو سافرت لحاجتها ولو بإذنه سقطت)

إذا سافرت المرأة لحاجتها فإنّ النفقة تسقط ولو كان السفر بإذن الزوج لأنها لما سافرت فوتت على الزوج حقه من الاستمتاع.

والقول الثاني: أنه إذا كان بإذنه فإنّ النفقة لا تسقط لأنه رضي هو بإسقاط حقه وهذه المسألة تشبه المسائل السابقة التي نفرق فيها بين إذن الزوج وعدمه والراجح فيها هو أنّ النفقة تسقط مادام بإذنه. فهم من كلام المؤلف أنها إذا سافرت لحاجة الزوج لا لحاجتها فإنّ النفقة لا تسقط مطلقا لأنها سافرت في حاجته ففوات الاستمتاع كان بسببه فتبقى النفقة كما هي ولا تسقط.

قال رحمه الله (ولا نفقة ولا سكنى لمتوفى عنها)

المتوفى عنها لا نفقة لها ولا سكنى إذا كانت حائلا بالإجماع ، لأمرين: - الأمر الأول" أنه بالموت سقط سبب وجوب النفقة وهو الاستمتاع. الأمر الثاني: أنه بموت الزوج انتقل المال إلى الورثة ، والورثة لا يجب عليهم أن ينفقوا على الزوجة المتوفى عنها. إذا مات الزوج والزوجة حائل لا إشكال في سقوط النفقة والسكنى.

ص: 35

مسألة/ إذا مات الزوج والزوجة حامل فترجع المسألة إلى لمسألة السابقة هل النفقة على الحمل لها من أجله أو له؟ فإذا قررنا أن النفقة له فإنّ النفقة تسقط لماذا؟ لأنه بموت الأب صار لهذا الجنين مال ينفق عليه منه ولا يجب أن ننفق من التركة لأنّ التركة أصبحت مالا موروثا للورثة. والورثة لا يجب عليهم أن ينفقوا على الحمل ولهذا مذهب الحنابلة أنه لا نفقة لها لأنه يرون أنّ النفقة للحمل لا لها من أجله وهذا القول الثاني أنه لها من أجله تجب النفقة وهؤلاء قاسوا المتوفى عنها على الزوجة المفارقة في الحياة وتقدم معنا أنّ الزوجة المفارقة في الحياة تجب لها النفقة أليس كذلك؟ والراجح المذهب وهو أنه لا يجب النفقة ولو كانت حاملا ، فإذا توفي الزوج والزوجة حامل وليس للزوج مال فنفقة الحمل على من؟ فنفقة الحمل على من تجب عليه نفقته بعد الولادة أليس كذلك؟ فننظر أي الأقارب عليه نفقة هذا الحمل فنلزمه بالنفقة أثناء مدة الحمل وسيأتينا من الأقارب يجب عليه أن ينفق.

قال رحمه الله (ولها أخذ نفقة كل يوم من أوله)

للزوجة أن تأخذ نفقة كل يوم من أوله يعني من أول اليوم والمقصود بأول اليوم عند الحنابلة ليس طلوع الفجر وإنما طلوع الشمس لأنه بطلوع الشمس تحتاج المرأة إلى النفقة ، وطلوع الشمس هو أول وقت الوجوب فيجب على الزوج أن يعطي زوجته نفقة كل يوم بطلوع شمسه.

قال رحمه الله (ليس لها قيمتها ولا عليها أخذها)

يعني أنه لا يجب على المرأة أن تقبل القيمة إذا بذلها الزوج وليس على الزوج أن يبذل القيمة إذا طلبتها الزوجة. يعني بعبارة أخرى لا يجب على كل من الزوجين أخذ القيمة أو بذل القيمة بالنسبة للزوجة والزوج عند طلب أحدهما لأنّ بذل القيمة إنما هو من أو المعاوضات لا تكون إلاّ بالرضا ، فإذا قالت الزوج أن تنفق علي طعاما وكسوة في كل يوم مائة ريال فأعطني مائة ريال نقدا فهل يجب على الزوج أن يعطيها؟ لا يجب كذلك العكس. إذا قال هو أنا أنفق عليك كل يوم مائة فسأعطيك المائة فإنه لا يجب عليها أن تقبلها لما تقدم من أنّ المعاوضات يشترط فيها الرضا.

قال رحمه الله (فإن اتفقا عليه ، أو على تأخيرها ، أو تعجيلها مدة طويلة أو قليلة جاز)

ص: 36

إذا اتفقا على أخذ القيمة أو على تأجيل النفقة أو على تقسيطها أو على أي صفة فيها جاز. لأنّ الحق لا يخرج عنهما فإذا رضي بشيء جاز فعله والنفقات إنما هي من باب المعاوضات وكل شيء من باب المعاوضات فإنه يصح برضا الطرفين ، ولهذا يقول فإن اتفقا عليه أي على أخذ القيمة أو على التأخير أو على التأجيل سواء كان التأجيل مدة قليلة أو قصيرة جاز مادام برضا الطرفين.

قال رحمه الله (ولها الكسوة كل عام مرة في أوله)

لها الكسوة في كل عام ثم بيّن وقت الوجوب وهو في أوله ، فللزوجة أن تأخذ الكسوة في أول كل عام علمنا من هذا أنّ المؤلف حين تحدث عن وجوب النفقة في أول كل يوم فهو يتحدث عن ماذا؟ الطعام. والسكن أنه معلوم أنه من أول السنة.

أما الكسوة فليست في كل يوم لن يأتي لها بكسوة كل يوم وإنما في السنة مرة واحدة ،استدل الحنابلة على هذا بأنه جرى العرف بوجوب النفقة في كل سنة مرة واحدة وإنما عيّن الحنابلة أول السنة لأنه وقت والوجوب.

والقول الثاني: أنه يجب عليه أن يعطيها كسوة الشتاء في أوله وكسوة الصيف في أوله ، ويظهر لي أنه لا فرق بين القولين لأنّ الذين يرون أنه يعطي الكسوة في أول السنة يعني كسوة تصلح لكل السنة ولا يظهر أنّ مقصودهم أن يعطيها كسوة تكفي للستة الأشهر الأولى التي تتسم مثلا ببرودة الجو دون الستة الأشهر الأخيرة التي تتسم بحرارة الجو. فليس بين القولين فرق. والخلاصة من هذا أنه يجب أن يعطيها كسوة الشتاء وكسوة الصيف.

قال رحمه الله (وإذا غاب ولم ينفق لزمته نفقة ما مضى)

يشير المؤلف بهذه العبارة وهي قوله وإذا غاب إلى آخره يشير إلى مسألة تحدثت عنها الدرس السابق وهي أنّ نفقة الزوجة لا تسقط بالتقادم وأخذنا علة عدم سقوط النفقة بالتقادم وهي أنّ سبب وجوب نفقة الزوجة هو المعاوضة. وإذا وجب الشيء على سبيل المعاوضة فإنه لا يسقط بالتقادم بينما نفقة الأقارب إنما وجبت على سبيل المواساة والصلة فهي تسقط بالتقادم تقدمت معنا هذه المسألة فهو يشير المؤلف رحمه الله إليها بقوله (وإذا غاب ولم ينفق لزمته نفقة ما مضى)

قال رحمه الله (وإن أنفقت في غيبته من ماله فبان ميتا غرمها الوارث ما أنفقته بعد موته)

ص: 37

إذا غاب الزوج وأنفقت الزوج من ماله سواء استطاعت أن تأخذ من ماله مباشرة أو اقترضت عليه فإنه إذا تبيّن أنّ الزوج مات في مدة هذه النفقة فإنّ الورثة يرجعون على الزوجة ويأخذون ما أخذت من مال زوجها الذي تبيّن أنه مات وعلة ذلك أنه بموته تبيّن أنها أخذت مالا لا تستحقه لماذا؟ لأنه تقدم معنا أنه بموت الزوج تسقط النفقة فإذا تبيّن أنّ الزوج مات فإنّ الورثة يرجعون على الزوجة بما أخذت من مال هذا الميت.

فصل

قال رحمه الله (ومن تسلم زوجته ، أو بذلت نفسها ومثلها يوطأ وجبت نفقتها)

بيّن المؤلف أنّ النفقة تجب بشرطين. أي نفقة الزوجة: - الشرط الأول: أن تبذل نفسها. الشرط الثاني: أن تكون هذه الزوجة مثلها يوطأ. نبدأ بالشرط بالأول: الزوجة لا تستحق النفقة إلاّ إذا تسلمها الزوج تسلما حقيقيا أو حكميا. والتسلم الحقيقي أن تذهب إلى بيته. والحكمي أن تبذل نفسها فإذا بذلت نفسها استحقت النفقة سواء أخذها حقيقة أو بقيت في بيت أهلها مادامت الزوجة بذلت نفسها فإنها تستحق النفقة بالشروط التي ستأتينا. وهذا أمر واضح وهو أن يتسلم الزوج زوجته.

الثاني: أن تكون هذه الزوجة مما يوطأ مثلها ، والزوجة التي يوطأ مثلها هي بنت تسع.

والقول الثاني: أنّ الزوجة التي يوطأ مثلها تختلف باختلاف النساء فمن النساء من يوطأ مثلها وإن كانت دون التسع ومنهن من لا يوطأ مثلها وإن كانت بنت تسع وهذا يختلف بوضع المرأة وجسمها وملابسات أخرى وهذا القول الثاني أنّ المرأة التي يوطأ مثلها يرجع في تحديدها إلى العرف ويرجع إلى طبيعة المرأة اختيار العلامة المرداوي وهو الصحيح ولا نحدد هذا بسن معيّن بل نقول ينظر إلى المرأة بحيث تنظر النساء التي لهن خبرة هل مثل هذه المرأة توطأ أو لا توطأ. عرفنا الآن أنه يشترط لوجوب النفقة أن تكون الزوجة ما يوطأ مثلها ، في هذه المسألة يعني في اشتراط هذا الشرط خلاف.

ص: 38

فذهب الأئمة الأربعة إلى أنّ الزوجة وإن استلمها الزوج إذا كان مثلها لا يوطأ فإنه لا يجب عليه النفقة. ولو كانت مما يمكن أن يستأنس بها بالحديث أو تقوم بخدمته. يعني الأئمة الأربعة يشترطون لوجوب النفقة أن يوطأ مثلها ولو كانت امرأة كبيرة يمكن أن يستأنس بها الزوج بوجودها في البيت ويمكن أن تقوم بخدمته بإعداد الطعام وغسل الثياب وتنظيف البيت وغيره من الأشياء ولو كانت هذه صفتها لا تجب لها النفقة مادام مثلها لا يوطأ.

القول الثاني: أنه إذا كانت المرأة يمكن للزوج أن يستأنس بها بالحديث أو بالخدمة فإنه يجب عليه أن ينفق عليها وإن كان لا يوطأ مثلها إذا سلمت نفسها له. واختار هذا القول أبو يوسف من الأحناف.

والقول الثالث: أنّ المرأة إذا سلمت نفسها للزوج وتسلمها فإنه يجب أن ينفق عليها مطلقا بلا شرط ولا قيد. والراجح مذهب أبي يوسف فإنّ كلامه في هذه المسألة وجيه مادام الزوج أخذ زوجته إلى بيته وأمكن الانتفاع بها بالاستئناس والخدمة فإنه ينفق عليها نظير الاستئناس والخدمة.

قال رحمه الله (ولو مع صغر زوج ومرضه وجبه وعنته)

يقول المؤلف ولو مع صغر زوج ..... إلى آخره إذا تحقق الشرطان سلمت الزوجة للزوج وأمكن أن يطأها فإنه يجب عليه أن ينفق ولو لم يتمكن من الجماع لسبب فيه ، سواء كان هذا السبب مرض أو كان عنينا أو لأي سبب من الأسباب لأنّ المرأة بذلت نفسها البذل الواجب وترك الاستمتاع بسبب الزوج فلا تسقط النفقة.

مسألة / إذا تسلم الزوج زوجته بالشرطين السابقين فيجب أن ينفق ولو كانت لا يمكن أن توطأ الآن لكونها حائض أو مريضة لأنّ البذل الواجب حصل وهذا السبب سبب عارض وتقدم معنا أن الزوجة المريضة عند الأئمة الأربعة يجب على الزوج أن ينفق عليها وإن لم يتمكن من الاستمتاع بها.

قال رحمه الله (ولها منع نفسها حتى تقبض صداقها الحال)

ص: 39

للمرأة أن تمتنع من الانتقال إلى بيت الزوج حتى تقبض الصداق الحال يعني وتجب لها النفقة في هذه الحال لأنّ المؤلف لا يتحدث عن مسألة استلام الزوجة أو تمكين الزوجة من نفسها أو عدمه إنما يتكلم عن ماذا؟ عن النفقات أما مسألة تمكين الزوجة نفسها للزوج وانتقاله البيت فتحدث عنها في موضع سابق بالتفصيل أين؟ تحدث في باب الصداق تحدث متى يجب أن تسلم نفسها ومتى يجوز لها أن تمتنع هو لا يتحدث عن هذه المسألة هو يتحدث عن النفقات. فالمرأة إذا جاز لها أن تمتنع من تسليم نفسها بسبب شرعي فإنّ النفقة تجب في هذه الحال فهنا نقول إذا امتنع الزوج من تسليم الصداق الحال فلها أن تمتنع ولها النفقة ، السبب قالوا أنّ عدم الاستمتاع في هذه الصورة هو في الحقيقة بسبب الزوج لأنه امتنع عن تسليم الصداق وليس بسبب الزوجة لأنها امتنعت من الانتقال إلى بيت الزوج لأنها امتنعت بسبب امتناعه عن أداء الواجب وهذا صحيح.

قال رحمه الله (فإن سلمت نفسها طوعا ثم أرادت المنع لم تملكه)

ص: 40

إذا سلمت المرأة نفسها طوعا يعني قبل أن تقبض الصداق الحال فإنها بعد التسليم ليس لها أن تمتنع من تسليم نفسها للزوج ، وليس لها أن تمتنع من الوطء بل يجب عليها أن تبقى وأن تمكنه فإنّ امتنعت سقط حقها في النفقة لماذا؟ لأنها امتنعت عن تسليم نفسها امتناعا غير شرعي قدرنا أو وضعنا ضابط في الأول أنها إذا امتنعت من تسليم نفسها امتناعا شرعيا لم تسقط النفقة عكسه إذا امتنعت امتناعا غير شرعي فإنها تسقط نفقتها ، لكن تقدم معنا في باب الصداق أنّ المرأة إذا سلمت نفسها للزوج قبل أن يسلم الصداق ضانة أنه سيبذل الصداق ثم امتنع عن بذل الصداق فإنّ لها أن تمتنع من الوطء ولها أن ترجع إلى بيتها فعلى هذا القول الراجح إذا سلمت نفسها ثم تبيّن لها أنه لن يبذل الصداق فلها أن ترجع والنفقة تسقط أو لا تسقط؟ على هذا القول الثاني لا تسقط لأنه رجحنا هناك أنّ لها أن تمتنع مادام امتنع عن أداء الصداق إذا هذه المسألة مبنية على هل الامتناع شرعي أو ليس بشرعي؟ إذا قررت وقدرت أنه شرعي فلها النفقة وإلاّ فليس لها النفقة. ومما يقوي وجوب النفقة إذا امتنعت أنّ المرأة إذا سلمت نفسها ومكنت الزوج من الوطء فإنه بعد الوطء لن تتمكن من استرجاع ما بذلته أليس كذلك؟ ما هو الذي بذلته؟ البكارة والبضع. وليس الذي بذلته التمكين من الوطء حتى نقول

ترجع ولا تمكنه من الوطء الذي بذلته هو البكارة وهذا لا يمكن أن ترجع به ولهذا لها أن تمتنع حتى لا تفقد أمرا لا يمكن الرجوع فيه

ولهذا الراجح إن شاء الله كما تقدم لها أن تمتنع وتجب عليه النفقة

قال رحمه الله (وإذا أعسر بنفقة القوت ، أو الكسوة ، أو بعضها ، أو المسكن ، فلها فسخ النكاح)

الزوج المعسر هو الزوج العاجز عن بذل الواجب عليه من نفقة الزوجة إذا صار عاجزا حكمنا عليه أنه من المعسرين وترتبت عليه الأحكام التي ذكرها المؤلف. يقول (وإذا أعسر بنفقة القوت والكسوة أو بعضها ...... إلى آخره

إذا أعسر الزوج فللمرأة الخيار بين الفسخ أو الصبر فلها الحق أن تفسخ ولها الحق أن تصبر ، واستدل الحنابلة على هذا بأمرين: -

الأول: أنّ المرأة إنما سلمت نفسها وبذلت المنفعة مقابل النفقة فإذا لم يتمكن استحقت الفسخ.

ص: 41

الثاني: وهو الأقوى كان ينبغي أن نبدأ به ، هو أنه صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أرسل لأمراء الأجناد أنّ من كان من الجند له زوجة فإما أن يرسل بالنفقة أو يرسل بالطلاق ، قال رضي الله عنه وإذا أرسل بالطلاق فليرسل بنفقة ما مضى] فهذه الفتوى من عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيها أنّ الزوجة لها حق الطلاق إذا لم يتمكن من النفقة.

الدليل الثالث: حديث أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال أنفق أو فارق - والصواب في هذا الحديث أنه موقوف ولا يصح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإذا كان موقوفا فقد صح عن عمر وعن أبي هريرة ولا يعلم لهما مخالف.

القول الثاني: أنّ المرأة لا تملك الفسخ بل تملك أن تستدين على الزوج أو يرسلها لتكتسب ولا تملك الفسخ بل عليها أن تنظر الزوج واستدل هؤلاء بقوله تعال {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة/280] وهذه الآية في الديون والنفقات من جملة الديون.

القول الثالث: فيه تفصيل إذا دخلت الزوجة على الزوج وهي عالمة بعسره أو كان موسرا فأعسر فإنها لا تملك الفسخ. وإن كان الزوج غرّها بإيهامه إياها أنه موسر ثم تبيّن أنه معسر أو كان موسرا وامتنع عن النفقة فلها الفسخ استدل أصحاب هذا القول بأنه إذا كانت الزوجة تعلم بإعساره فقد دخلت على بصيرة فلا حق لها بالفسخ ، وإذا كان موسرا ثم أعسر فإنه مازال الصحابة الواحد منهم يصيبه العسر وقلة ذات اليد ولم ينقل أنّ زوجات الصحابة كن يطالبن بالفسخ. كما أنّ عائشة رضي الله عنها وحفصة لما طلبا من النبي صلى الله عليه وسلم النفقة همّ أبو بكر وعمر بضربهما مما يدل على أنّ المطالبة كانت غير شرعية وأنه يجب على حفصة وعائشة الصبر وهذا القول اختاره العلامة ابن القيم وهذا القول صحيح إلاّ أني لا أراه صحيحا في نقطة واحدة وهي إذا كان الزوج موسرا ثم أعسر هذه النقطة الراجح فيها أنها تملك الفسخ وقول ابن القيم أنه لم يعهد في الصحابة بل عهد فهذه فتوى عن عمر وعن أبي هريرة.

ص: 42