المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٦

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم

وأيضا ثبت في مراسيل ابن المسيب جواز فسخ المرأة بالإعسار ، ومراسيل سعيد من أقوى المراسيل ففي هذا الباب توجد آثار عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنحن لا نوافق ابن القيم على مسألة إذا كان موسرا ثم أعسر أما باقي الذي ذكره فهو سديد

وقوي وفيه من التحرير والمتانة ما لا يخفى. فهو الراجح باستثناء مسألة إذا كان موسرا ثم أعسر.

قال رحمه الله (لا في الماضي)

هذه العبارة وهي قوله [لا في الماضي] ليست في كل النسخ وإنما في بعضها ومعنى هذه العبارة أنّ الزوج إذا أعسر في وقت من الأوقات ثم زال عسره وأصبح موسرا وأنفق فإنّ الزوجة لا تملك المطالبة بالفسخ باعتبار أنه أعسر في وقت من الأوقات وهذا واضح ولهذا لعل هذه العبارة لم توجد في كل النسخ لأنّ هذا الحكم واضح أنها لا تملك الفسخ إلاّ بإعسار حاضر.

قال رحمه الله (فإن غاب ولم يدع لها نفقة وتعذر أخذها من ماله واستدانتها عليه فلها الفسخ بإذن الحاكم)

إذا غاب الزوج فإنّ حكم الزوج الغائب كحكم المعسر وذلك بالقياس على المعسر بل الغائب أعظم من المعسر لأنّ المعسر قد يجد وينفق والغائب لا يمكن أن ينفق لأنه ليس موجودا أصلا فإذا غاب الزوج فإنّ المرأة تملك الفسخ عن طريق الحاكم لكن اشترط المؤلف شروطا: الشرط الأول: أن لا يدع لها نفقة. الشرط الثاني: أن يتعذر عليها الأخذ من ماله. يعني الموجود في البلد.

الثالث: أن يتعذر عليها أن تستدين عليه. إذا وجد الشروط الثلاث فللمرأة أن تطلب الفسخ من الحاكم قياسا على المعسر بل هو أولى لما سبق. وإذا تمكنت من أخذ ماله والاستدانة عليه أو ترك لها نفقة فليس لها ولا للحاكم أن يفسخ.

‌باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم

لما انتهى المؤلف في الكلام عن نفقة الزوجة انتقل إلى الكلام عن نفقات الأقارب والمماليك والبهائم وبدأ بنفقة الأقارب.

يقول المؤلف رحمه الله (تجب أو تتمتها لأبويه وإن علوا ، ولولده وإن سفل)

ص: 43

يجب على الإنسان أن ينفق على أبويه وأن ينفق على ولده وإن علوا وإن سفل ووجوب نفقة الوالدين والأولاد محل إجماع بلا خلاف لشدة القرب ولظهور النصوص فيه كقوله تعالى {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} [الإسراء/23] والنفقة من الإحسان وكقول النبي صلى الله عليه وسلم خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. وكقوله صلى الله عليه وسلم إنّ أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإنّ ابنه من كسبه. وهذا محل إجماع أنه يجب عليه أن ينفق على والديه وأبنائه.

* مسألة / / فإذا كان للإنسان أم وليس له أب. أو كان له أم غنية والأب فقير فإنه يجب على الأم أن تنفق لأنه يصدق على الابن أنه ابن لها وهذا واضح أنه يجب على الأم أن تنفق واضح. لكن هل يجب على الأم أن ترجع إلى الأب إذا أيسر أو لا ترجع؟ فيه خلاف

الراجح في ما يبدوا لي أنها لا ترجع إذا أنفقت حال إعسار الأب فإنها لا ترجع إذا أيسر وعلة ذلك ما تقدم معنا أنّ نفقة الأقارب من باب ماذا؟ المواساة والصلة فإذا لا ترجع بها ثم سيذكر المؤلف التفصيل المتعلق بنفقة الوالدين والأبناء.

قال رحمه الله (حتى ذوي الأرحام منهم حجبه معسر أو لا)

مقصود المؤلف بقوله (حتى ذوي الأرحام منهم .... إلخ) أنه لا يشترط في نفقة عمودي النسب أن يكون المنفق وارثا لهما. بل يجب عليه أن ينفق ولو لم يرث. وذكر المؤلف صورتين لعدم الإرث الأولى" ذوي الأرحام. والثانية" المحجوب.

فإذا كان للإنسان ابن من ذوي الأرحام أو أب من ذوي الأرحام فإنه يجب عليه أن ينفق على هذا الأب والابن وإن لم يرث. مثاله. مثل أب الأم. ومثل ابن البنت. فهؤلاء من ذوي الأرحام يعني لا يرثهم هو ومع ذلك يجب عليه أن ينفق عليهم.

المثال الثاني: الحجب أن يكون للشخص أب فقير وجدّ فقير فهذا الابن محجوب بالأب فإنه لا يرث هذا الجد ومع ذلك يجب عليه أن ينفق عليه ونحن نقول أب فقير لماذا؟ لأنه لو كان غني لأنفق هو على أبيه. إذا صلة الإنسان بعمودي النسب قوية جدا ولذلك لا يشترط أن يرث.

قال (وكل من يرثه بفرض ، أو تعصيب لا برحم ....

ص: 44

قوله وكل يعني ويجب أن ينفق على كل من يقول يرثه بفرض أو تعصيب لا برحم يجب على الإنسان أن ينفق على كل شخص يرثه بفرض أو تعصيب وإلى هذا ذهب الجمهور واستدلوا على هذا بقوله تعالى {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة/233] فأوجب النفقة على المولود له ثم عطف عليه قوله وعلى الوارث مثل ذلك.

الدليل الثاني: أنّ صلة القرابة بينهما قوية. بسبب الإرث يعني علامة قوة القرابة أنه يرث.

القول الثاني: أنه لا يجب على الإنسان أن ينفق إلاّ على الوالدين والأولاد فقط. دون بقية الأقارب ولو كان يرثهم استدل هؤلاء بأنّ رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم عندي دينار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنفقه على نفسك. قال عندي آخر قال أنفقه ولدك. قال عندي آخر. قال أنفقه على زوجك. قال عندي آخر قال أنفقه خادمك. قال عندي آخر. قال أنت أبصر به.

وفي لفظ تقديم الزوجة على الولد. استدل أصحاب هذا القول بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر الأقارب في الحديث.

والجواب عليه أنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل من أولى بصحابتي. فقال أمك. ثم أمك. ثم أمك. ثم أبيك. ثم أدناك أدناك وهذا اللفظ في مسلم يعني إلى أبيك في الصحيحين وزيادة ثم أدناك في مسلم فدل الحديث على وجوب النفقة على الأقارب.

القول الثالث: أنه تجب النفقة على كل ذي رحم من محرم مسلم في غير عامودي النسب ، يعني لا يشترط الإسلام في عامودي النسب

ولو لم يكن بينهما توارث. واستدل أصحاب هذا القول بأنّ الله سبحانه وتعالى أمر بالإحسان إلى الوالدين ثم عطف عليه بقوله وبذي القربى. واستدلوا بعموم الحديث السابق الذي في مسلم ثم أدناك أدناك. فهو عام وحقيقة هذا القول أنهم يرون أنّ النفقة تجب بسببين: السبب الأول: الإرث وهو المذكور في القرآن. السبب الثاني: الرحم وهو المذكور في السنة.

ص: 45

وذهب إلى هذا القول ابن القيم وانتصر له بقوة وأطال في تقريره ، وبعد التأمل في المسألة كثيرا في الحقيقة وينبني على مسألة وجوب النفقة مسائل كثيرة وهي مسألة مهمة. بعد التأمل ظهر لي أنّ قول الجمهور أرجح لأنه وإن ودلت السنة على وجوب النفقة على ذوي الأرحام إلاّ أنه مفسر بالكتاب بأنه لمن يرث. والجمع بين النصوص وحمل بعضها على بعض طريقة الأئمة أضف إلى هذا لأدري هل سبق ابن القيم أو لا هل يوجد أحد أنا لا يحضرني الآن هل هو سبق أو لا. لا شك أنّ الجماهير على القول الأول الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة وغيرهم من فقهاء المسلمين على هذا القول الأول ولكن يبقى هل قيل به من غير ابن القيم أو لا ومع أنّ الإنسان يرجح القول الأول إلاّ أني أقول مسألة فيها تردد وتحتاج إلى تأمل لكن هذا الذي يظهر الآن يعني بعد التأمل وإن كانت تحتاج إلى مزيد تأمل وأيضا مزيد طلب أدلة إذا في المسألة أدلة غير ما ذكر.

قال رحمه الله (لا برحم سوى عمودي النسب)

إذا كنت ترث الإنسان برحم فلا يجب عليك أن تنفق عليه مثل الخال والخالة. فهم من ذوي الأرحام. إذا كان الإنسان يرث هذا الخال أو الخالة بالرحم فإنه لا يجب عليه أن ينفق عليه. لأنه ليس من العصبات ولا من الأقارب الذين يرثهم إرثا مباشرا وإنما الخال والخالة يورث إذا لم يوجد معصب ولا صاحب فرض.

القول الثاني: أنّ ذوي الأرحام إذا كان الإنسان يرثهم فإنه يجب أن ينفق عليهم وهذا القول اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وهذا القول وجيه لأنّ الله سبحانه وتعالى مادام ربط الأمر بالإرث فإنه إذا كان الإنسان يرث أحدا من ذوي أرحامه فإنه يجب عليه أن ينفق على هذا الذي يرثه.

ثم - قال رحمه الله (سوى عمودي النسب)

عمودي النسب لا يشترط فيهم الإرث كما تقدم معنا لا يشترط أن يكون المنفق وارثاً واستدلوا على هذا بأنّ الوالد والولد يدخل في مطلق اسم الوالد والولد فتجب نفقته.

الثاني: أنّ هذه قرابة توجب العتق فيستوي فيها إذا كان وارثا أو لم يكن وارثا.

القول الثاني: أنه يشترط حتى في عمودي النسب الإرث. فمن كان من عمودي نسبه لا يرثه فإنه لا يجب عليه أن ينفق عليه والراجح الأول انه لا يشترط في عمودي النسب الإرث.

ص: 46

ثم - قال رحمه الله (سواء ورثه الآخر كأخ أو لا كعمة وعتيق)

مراد المؤلف بهذا انه لا يشترط أن يكون الإرث من الطرفين بل يشترط أن يكون الإرث من طرف واحد وهو طرف المنفق إذا كان المنفق وارثا يجب عليه أن ينفق ولو كان المنفق عليه لا يرث من المنفق. وذكر المؤلف المثال بقوله كعمة. فالعمة يرثها المنفق لأنه يعتبر ابن أخ بينما هي لا ترثه لأنّ العمة من الأرحام فلا ترث. إذا في العمة الإرث من جهة واحدة وهي من جهة المنفق ولا المنفق عليه؟

من جهة المنفِق. يعني أنّ المنفِق هو الوارث فيجب عليه أن ينفق. وكذلك العتيق لا يرث معتقه بينما معتقه يرثه.

ثم قال رحمه الله (بمعروف)

قوله بمعروف يعني النفقة تجب بالمعروف وليس لها حدا وقدرا معيّنا بل يرجع في تحديدها إلى المعروف لقوله تعالى {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة/233]

ولقوله في حديث جابر الذي تقدم معنا [فلهن عليكم كسوتهن ونفقتهن بالمعروف] فإذا لا شك أنّ النفقة بالمعروف.

ثم - قال رحمه الله (مع فقر من تجب له وعجزه عن كسبه)

بدأ المؤلف بذكر شروط النفقة فالشرط الأول: تقدم معنا وهو أن يكون المنفق وارثا.

الشرط الثاني: أشار إليه بقوله [مع فقر من تجب له وعجزه عن كسبه] يشترط لوجوب النفقة أن يكون القريب المنفق عليه فقيرا عاجزا عن التكسب فإن كان غنيا أو فقيرا لكن يستطيع أن يتكسب فإنه لا يجب على المنفق أن ينفق عليه. الدليل قالوا إنّ النفقة إنما وجبت على سبيل البر والصلة. وإذا كان غنيا أو ممتنعا عن التكسب فليس محلا للبر والصلة. وهذا الشرط صحيح أنه يشترط لوجوب النفقة أن يكون فقيرا وعاجزا عن التكسب.

يقول رحمه الله (إذا فضل عن قوت نفسه وزوجته ورقيقه يومه وليلته وكسوة وسكنى)

هذا هو الشرط الثالث أن يكون مع المنفق قوتا فاضلا عن قوت نفسه وزوجته وعن الكسوة وعن السكن فإذا فضل عند شيء وجب عليه حينئذ أن ينفق وإذا لم يفضل فإنه لا يجب عليه أن ينفق بل يبدأ بنفسه ثم بزوجه ثم بولده ووالده.

ثم - قال رحمه الله (من حاصل أو متحصل)

ص: 47

يعني يجب عليه أن ينفق سواء كان المال حاصل وهو الموجود بيده الآن أو متحصل وهو الذي يحصل عليه بصنعة أو براتب يأتي مقدرا كل شهر سواء كان المتحصل يأتي بصنعة وتجارة أو براتب مقرر من وظيفة ونحوها فيجب عليه إذا وجد الحاصل أو المتحصل أن ينفق.

إذا لا يشترط في وجوب النفقة أن يوجد المال الآن بل إذا كان متحصل فيجب عليه أن ينفق منه.

ص: 48

الدرس: (3) من النفقات

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

ثم قال رحمه الله: (لا من رأس مال)

معنى قول المؤلف يعني لا يجب على المنفق إذا لم يجد إلا رأس ماله أن ينفقه على من تلزمه نفقته من الأقارب لأن رأس المال إذا هلك لم يكن له مصدر للرزق كما أن رأس المال إذا نقص نقص الربح فدخل النقص على الزوجة والنفس والأولاد وحقهم مقدم على الأقارب ولهذا فإنه لا نوجب على المنفق أن ينفق على أقاربه من نفس المال.

ثم قال رحمه الله: (وثمن ملك وآلة صنعة)

لا يجب على المنفق إذا لم يجد نقدا أن يبيع الملك سواء كان هذا الملك بيتا أو أرض أو مزرعة أو سيارة فإنه لا يلزم ببيع هذه الأعيان لأنه أمره بالبيع فيه ضرر وفيه مشقة وكذلك لا نلزمه ببيع الآلة للسبب نفسه وتحصل من هذا أنه ينفق مما يجد لا يُلزم ببيع ملكه والته التي يعمل بها ولا بالإنفاق من رأس مال.

ثم قال رحمه الله: (ومن له وارث غير أب فنفقته عليهم على قدر إرثهم)

إذا كان للإنسان أكثر من وارث سوى الأب فإن النفقة تجب على هؤلاء الوارثين على قدر إرثهم لأن سبب وجوب النفقة هو الإرث وإذا كان هو السبب فإنه تقسم النفقة عليهم على قدر إرثهم مراعاة لسبب الوجوب ولما قرر المؤلف القاعدة ذكر مثالين.

ثم قال رحمه الله: (وعلى الأم الثلث والثلثان على الجد)

ص: 49

إذا كان للإنسان أم موسرة وجد موسر فالنفقة عليهما على قدر إرثهما ولهذا يقول المؤلف (فعلى الأم الثلث والثلثان على الجد) لأنه لو مات لورثت الأم الثلث والجد الباقي وهو الثلثان ، فثلث النفقة على الأم وثلثي النفقة على الجد ، كما تقسم المواريث تقسم النفقة تماما ، يعني والمسألة مفروضة على أساس انه لا يوجد من يرثه إلا الأم والجد.

ثم قال رحمه الله: (وعلى الجدة السدس والباقي على الأخ)

لو مات ميت عن جدة وأخ فللجدة السدس والباقي للأخ ، كذلك نفقته عليهم هكذا ،فعلى الجدة أن تنفق سدس النفقة والباقي على الأخ.

ثم قال رحمه الله: (والأب ينفرد بنفقة ولده)

إذا كان يرث الإنسان عدد من أقاربه منهم الأب فإن النفقة على الأب وينفرد بتحمل النفقة. وهذه المسألة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: ألا يكون مع الأب ابن ، والقسم الثاني: أن يكون مع الأب ابن ..

بالنسبة للقسم الأول إذا لم يكن مع الأب ابن فإنه يجب عليه النفقة بالإجماع لقوله تعالى {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة/233]

وإذا كان مع الأب ابن فقد اختلف الفقهاء فمنهم من قال النفقة على الأب ولا شي على الابن لظاهر الآية. ومنهم من قال بل النفقة عليهما على قدر الإرث. ومنهم من قال بل النفقة على الابن لأن حق الأب على الابن أعظم من حق الابن على الأب ، وحملوا الآية على أن المولود له هذا الابن لن يكون له ابن لأنه يفترض أنه صغير.

ثم قال رحمه الله: (ومن له ابن فقير وأخ موسر فلا نفقة له عليهما)

ص: 50

إذا لم يكن للإنسان إلا ابن فقير وأخ موسر فإنه لا يجب عليهما أن ينفقا عليه .. أما الابن فلأنه فقير ، وتقدم معنا من شروط وجوب النفقة القدرة ، وأما الأخ الموسر فلأنه لا يرث ، وتقدم معنا أن من شروط وجوب النفقة على الأقارب من غير عامودي النسبة أن يكونوا وارثين ، وفي هذه الصورة الأخ لا يرث لأنه محجوب بالابن ، ويبقى هذا الشخص فقيرا معدما لأن ابنه فقير وأخوه غني لكنه محجوب بالابن. هذه المسألة التي جعلت ابن القيم رحمه الله ينتصر للقول الثالث في ضابط وجوب النفقة لأنه يقول لا يُعقل أن هذا الشخص يبقى جائعا عريانا فقيرا معدما وأخوه من أغنى الأغنياء لمجرد أنه لا يرث ، فهو يقول في مثل هذه الصورة ينكشف ضعف قول الجمهور في مثل هذه الصورة ، فيستأنس بمثل هذه الأمثلة على ضعف قول الجمهور. وتقدمت معنا هذه المسألة لكن احببت أن أشير إلى ما يتعلق بها في هذا المثال.

ثم قال رحمه الله: (ومن أمه فقيرة وجدته موسرة فنفقته على جدته)

لأنه في عامودي النسب لا يشترط الإرث. نرجع فنقول ومن أمه فقيرة وجدته موسرة فنفقته على جدته وان كانت محجوبة بالأم لأنه لا يشترط في عامودي النسب أن يكون وارثا ، بل يجب عليه أن ينفق ولو لم يكن وارثا.

ثم قال رحمه الله: (ومن عليه نفقة زيد عليه نفقة زوجته)

مقصود المؤلف الإشارة إلى قاعدة وهي (كل من وجبت عليه نفقته فيجب عليه إعفافه) يعني كل شخص يجب على الإنسان أن ينفق عليه يجب عليه أن يعفه، ولا يتمكن من الإعفاف بدون أن ينفق على زوجته ولهذا أوجبنا عليه أن ينفق على زوجته.

ثم قال رحمه الله: (كظئر لحولين)

معنى عبارة المؤلف إذا وجب على الإنسان أن ينفق على طفل فإنه يجب عليه أن ينفق على ظئر هذا الطفل وهي المرضع لمدة حولين لأن نفقة الطفل تستلزم النفقة على الظئر لتتمكن من إرضاعه فإذا زاد الأمر على الحولين فإنه لا يجب عليه أن ينفق على الظئر ولو كان الطفل بحاجة إلى الحليب.

والقول الثاني أن الوجوب لا يتحدد بالحولين بل بالحاجة فمادام الطفل محتاجا للحليب فإنه يجب على من ينفق عليه أي الطفل أن ينفق عليها أي الظئر

ثم قال رحمه الله: (ولا نفقة مع اختلاف دين)

ص: 51

هذه قاعدة عن المؤلف إذا اختلف الدين فلا نفقة ، فإذا كان للإنسان ابن كافر فلا يجب عليه أن ينفق عليه وكذا أخ وأخت وابن وابنة ، وهذا الضابط كما تعلمون يتعلق بنفقة الأقارب لا بنفقة الزوجة لأنه ذكر هذا الحكم في باب نفقة الأقارب ، إذا .. إذا اختلف الدين فلا نفقة. السبب: أنا نقرر انه من شروط النفقة التوارث ولا توارث بين الكافر والمسلم ،فإذا لم يتوارثا فلا نفقة ، القول الثاني: أن اختلاف الدين لا يمنع من وجوب النفقة. واستدل هؤلاء بالعمومات فإن الأدلة العامة الدالة على وجوب النفقة لم تفرق بين أن يكون المنفق عليه يتحد مع المنفق في الدين أو يختلف ، القول الثالث: أنه يشترط اتحاد الدين إلا عامودي النسب. واستدل هؤلاء بأن صلة القرابة في عامودي النسب قوية يُتجاوز معها اختلاف الدين ، أما القول الثاني فهو أضعف الأقوال ، والإنسان يتردد بين القول الأول وهو المذهب وبين القول الثالث الذي يجعل للوالدين خصوصية في اختلاف الدين .. في الحقيقة فيه تردد ، لا يظهر أيهما أرجح.

ثم قال رحمه الله: (إلا بالولاء)

فلا يشترط اتفاق الدين بل يجب النفقة على الوارث وان اختلف الدين ، لأن سبب الوجوب هو الولاء فلا يشترط معه اتفاق الدين.

ثم قال رحمه الله: (وعلى الأب أن يسترضع لولده ويؤدي الأجرة)

هذه المسألة مفروضة فيما إذا لم يكن للطفل أم أو كان له أم وامتنعت عن الإرضاع ، فيجب على ولي الطفل على أبيه أن يسترضع يعني أن يطلب له امرأة ترضعه بأجرة لأن هذا من النفقة الواجبة ولأن الله سبحانه وتعالى يقول:{وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة/233]

فيجب عليه أن يسترضع لأن هذا من النفقة الواجبة ولأن الطفل لو لم يسترضع له لمات فتعين الوجوب على الأب وهو أمر واضح.

ثم قال رحمه الله: (ولا يمنع الأم من الإرضاع)

إذا طلبت الأم أن ترضع الطفل فهي الأحق به سواء كانت متزوجة بأبيه أو مطلقة منه وسواء طلبت الإرضاع بأجرة أو مجانا فالأم أحق بإرضاع الطفل مطلقا.

واستدل الحنابلة على هذا بقوله - تعالى - {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة/233]

ص: 52

واستدلوا أن من مصلحة الطفل العظمية أن يرضع من أمه فإنها احن عليه وأكثر شفقة وهذا لا إشكال فيه أن الام أحق بالإرضاع ، لكن سيأتينا بعد قليل مسألة إذا كانت الأم طلبت الأجرة سيأتينا حكم هذه المسألة. لكن الذي يعنينا الآن أن الأم أحق بالطفل من غيرها وتُقدم على الأخريات ولو بأجرة.

ثم قال رحمه الله: (ولا يلزمها)

قوله ولا يلزمها: أي لا يلزم الأم أن ترضع الطفل.

وهذه المسألة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن تكون الأم مع الأب ولم تطلق ، والمسألة الثانية: أن تكون الأم ليست مع الأب.

فإذا كانت الأم ليست مع الأب فلا يلزمها الإرضاع بالإجماع ، وإذا كانت مع الأب فذهب الجماهير إلى أنه لا يلزمها أن ترضع واستدلوا على هذا بقوله {وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى} [الطلاق/6]. ومعنى فسترضع: أي فاسترضعوا له أخرى. وإذا اختلفت الزوجة مع الزوج فقد تعاسرا وإذا تعاسرا فسترضع له أخرى. والدليل الثاني: أن الرضاع إما أن يكون حق للزوج أو للزوجة أو للابن ، ولا يمكن أن يكون حقا للزوج ولا يمكن حقا للابن لأنه لا يلزم الزوجة أن ترضع الابن إذا كانت مطلقة بالإجماع. ولو كان حقا له للزمها أن ترضعه ولو كانت مطلقة. فلم يبقى إلا أن يكون حقا للزوجة وإذا كان حقا لها فلها أن ترضع ولها أن تترك.

والقول الثاني: أنه إذا كانت المرأة مع الزوج فإنه يلزمها أن ترضع وجوبا وليس لها أن تمتنع. لقوله تعالى {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} [البقرة/233]. ولأن الطفل يتضرر بترك أمه إرضاعه. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا ضرر ولا ضرار). ولأن امتناع الزوجة عن الإرضاع ليس من العشرة بالمعروف إذا طلبها الزوج. ولعل الأقرب الوجوب وإن كان قول الجمهور فيه وجاهة. لكن الأقرب إن شاء الله الثاني وهو المتوافق مع قواعد الشرع من حيث أن من أعظم مهام الأم أن ترضع ابنها.

ثم قال رحمه الله: (إلا ضرورة كخوف تلفه)

إذا خيف على الابن التلف بأن لا يقبل إلا من أمه حينئذ تعين عليها ووجب أن ترضعه لا نزاع لأنه انتقلت المسألة إلى حال الضرورة.

ثم قال رحمه الله: (ولها طلب أجرة المثل)

ص: 53

يعني وللزوجة وإن كانت في عهدة الزوج ألا ترضع إلا بأجرة. واستدلوا بقوله تعالى {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} [الطلاق/6]. والآية نص في أن للمرأة أن تطلب الأجرة إذا أرضعت للزوج.

القول الثاني: أنه ليس للمرأة أجرة إذا كانت مع الزوج إذا أرضعت الطفل. واستدل هؤلاء بقوله تعالى {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة/233]. فأوجب على الأب إذا أرضعت الزوجة فقط الرزق والكسوة بالمعروف. ولم تذكر الآية الأجرة فدل هذا على انه لا يجب على الأب إلا النفقة المعتادة. فإن زادت النفقة بسبب الإرضاع فهو داخل في الآية وليس من الأجرة. ويجب على الزوج أن يبذله. لكن لا يجب عليه أن يبذل أجرة زائدة منفصلة. والآية التي استدل بها الحنابلة تحمل على المطلقة. لأن الآية الثانية {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة/233]. صريحة في عدم وجوب الأجر وأنه لا يجب لها إلا الرزق والنفقة بالمعروف الذي يتناسب مع مصاريف إرضاع الطفل ومصاريف الزوجة.

ثم قال رحمه الله (ولو أرضعه غيرها مجانا بائنا كانت أو تحته)

هذه المسألة تكملة للمسألة السابقة يعني أنه للمرأة أن تطلب الأجرة ولو وجد من يرضع الطفل مجانا ولو كانت بائنة أو مع الزوج. بعبارة أخرى: لها أن تطلب الأجرة مطلقا. ولو وجد - لا حظ – ولو وجد من يرضع الطفل مجانا. فإذا وجد من يرضع الطفل مجانا وقالت الأم أنا سأرضعه ولن أرضعه إلا بأجرة فهي أحق من المرأة التي طلبت إرضاعه مجانا. وتقدم معنا أن كون الأم أحق بالإرضاع هذا لا إشكال فيه وهو الراجح. لكن كون الأم تطلب الأجرة هذا محل نظر والراجح أنه ليس لها أن تطلب الأجرة. بناءا على هذا يكون القول الراجح أن للزوج أن يلزمها بالإرضاع بلا أجرة. لكن عرفنا أن مذهب الحنابلة أن للأم أن تطلب الأجرة مقابل الإرضاع وإن وجد من يرضع الطفل مجانا.

ثم قال رحمه الله: (وإن تزوجت آخر فله منعها من إرضاع ولد الأول)

ص: 54

إذا تزوجت آخر فله: أي فلهذا الآخر أن يمنع الزوجة من الإرضاع أي من إرضاع الولد من الزوج الأول. والعلة في ذلك: أن الزوج الثاني له الحق في الاستمتاع بالزوجة في كل الأوقات. وإرضاع الزوجة ولدها يحول بين الزوج وبين حقه في الاستمتاع يعني في مدة الإرضاع ، وحق الزوج الثاني مقدم على حق الولد.

يقول الشيخ (ما لم يضطر إليها)

وجب على الزوج الثاني أن يمكنها من الإرضاع ، لأنه صارت من مسائل الضروريات. وهذا أمر واضح ولا أظن أن فيه خلاف.

فصل

هذا الفصل مخصص لنفقة الرقيق وما يتعلق بتكليفهم ما لا يطيقون.

ثم قال رحمه الله: (وعليه نفقة رقيقه)

نفقة المملوك واجبة بالسنة والإجماع.

أما السنة فأحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم (وللملوك نفقته ورزقه وكسوته بالمعروف وألا يكلف ما لا يطيق)

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم (من كان أخوه تحت يده فلينفق عليه مما ينفق وليكسه مما يكسوا وليطعمه مما يطعم ولا يكلفه ما لا يطيق فإن كلفه فليعينه) فدلت الأحاديث على أن السيد يجب عليه أن ينفق على سيده. وهذا كما قلت أمر لم يختلف فيه العلماء ولله الحمد.

ثم قال رحمه الله: (طعاما وكسوة وسكنى)

المقصود بالطعام والكسوة والسكنى يعني ما يكفيه من هذه الأمور.

والنفقة على الرقيق على قسمين: النفقة التامة والنفقة الواجبة.

النفقة التامة: أن ينفق عليه من جنس ما ينفق على نفسه في المطعم والملبس والمسكن.

والنفقة الواجبة - القدر الواجب منها -: أن ينفق عليه ما يكفيه وإن كان دون ما يأكل هو ويلبس ويسكن.

الدليل على هذا التفصيل: الأحاديث السابقة .. ففي الحديث الأول: أوجب على السيد مطلق نفقة المملوك.

وفي الحديث الثاني: أمره أن يطعمه مما يطعم ويكسوه مما يسكوا.

فالجمع بين الأحاديث: أن الأكمل ما في الحديث الثاني والواجب ما في الحديث الأول.

ثم قال رحمه الله: (وألا يكلفه مشقا كثيرا)

ص: 55

عليه ألا يكلفه مشقا كثيرا لما تقدم من الأحاديث ولا يكلفه مالا يطيق. وذكر الفقهاء أن ضابط المشقة: أن يعجز عن العمل ، ويبدو لي أن هذا الضابط فيه نوع إجحاف لأنه لا يجب أن ننتظر إلى أن يعجز العبد عن العمل. بل تعرف المشقة بالعرف وسؤال أهل الخبرة فإذا بلغ هذا العمل أن يوصف بأنه مشقة فإنه لا يجوز على السيد أن يكلفه إياه وإن لم يعجز عنه. فربما يتمكن الإنسان من أداء بعض الأعمال بالمشقة والعسر وإن كانت توصف بالمشقة والضرر ولكنه لا يعجز عنها ، يتمكن بالقيام بها. ولهذا الأولى أن نرجع في مسالة التكليف بما لا يطاق إلى العرف وسؤال أهل الخبرة.

ثم قال رحمه الله: (وإن اتفقا على المخارجة جاز)

المخارجة: هي أن يتفق السيد والعبد على أن يؤدي العبد للسيد قدرا معلوما في وقت معلوم وما زاد من الكسب فهو له أي للعبد.

المخارجة جائزة بالنص والقياس. أما القياس فتقاس على المكاتبة بجامع أن في كل منهما عقد بين السيد والعبد.

وأما النص: فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما احتجم طلب من موالي الحجام أن يضعوا عنه من خراجه. وفي هذا إقرار للمخارجة. كما انه ثبت أن عددا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عاملوا عبيدهم بالمخارجة. فلا شك في مشروعية المخارجة.

ثم قال رحمه الله: (ويريحه وقت القائلة والنوم والصلاة)

أي في هذه الأوقات الثلاثة: وقت القائلة والنوم والصلاة. والدليل على انه يريحه في هذه الأوقات أن العرف جرى بهذا. كما أن ترك الإراحة في هذه الأوقات

يدخل على العبد المشقة والضرر ، والشارع نفى الضرر عن المسلمين. فيجب عليه أن يريحه في الأوقات الثلاثة. ومن المعلوم أن الإراحة في هذه الأوقات الثلاثة يرجع فيها للعرف فقد يطلب من السيد أن يريحه في وقت آخر يكون العرف أنه هو وقت الإراحة المهم يرجع في تحديد ما عدا الصلاة إلى العرف في البدن.

ثم قال رحمه الله: (ويركبه في السفر عقبى)

ص: 56

يعني تارة يركب السيد وتارة يركب العبد أثناء السفر ، والدليل على هذا: أنه لو لم يفعل لوصف بأنه كلفه ما لا يطيق. لأن تكليف العبد أن يسير المسافة كاملة في السفر بين البلدان من التكليف بما لا يطاق ، وتقدم معنا أن الأحاديث نهت عن تكليف العبد ما لا يطيق ، فيجب عليه وجوبا أن يركبه عقبى.

ثم قال رحمه الله: (وإن طلب نكاحا زوجه او باعه) يعني وجوبا.

لقوله تعالى {وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم} [النور/32]

فالآية نصت على وجوب الإنكاح وتمكين العبد من قضاء الوطر.

ويضاف إلى الآية دليل آخر: أن ترك العبد بلا زواج مع حاجته ورغبته إليه من إدخال الضرر عليه وتكليفه بالمشقة. فلا شك إنه يجب عليه إما أن يزوجه أو يبيعه.

ثم قال رحمه الله: (وإن طلبته الأمة وطئها أو زوجها أو باعها)

إذا طلبته الأمة فالسيد مخير بين هذه الثلاثة أمور: إما أن يطأ أو يزوج أو يبيع. لأن الواجب على السيد أن يرفع المشقة الحاصلة بالرغبة في النكاح ، ورفع هذه المشقة يكون بأحد هذه الأمور إما الوطء أو التزويج أو البيع ، وكذلك هذا على سبيل الوجوب.

بهذا انتهى الفصل المتعلق بالمماليك وانتقل إلى نفقة البهائم.

فصل

(وعليه علف بهائمه وسقيها وما يصلحها)

على مالك البهيمة وجوبا أن ينفق عليها وليس له أن يتركها عنده بلا نفقة فإن فعل فهو آثم.

والدليل على هذا حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت جوعا ، فلاهي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) فهذه المرأة جمعت بين حبس هذا الحيوان وتركه يموت جوعا وعدم إطعامه مع أن هذا الحيوان ليس بمأكول اللحم فهو أقل حرمة من أكول اللحم ومع هذا دخلت هذه المرأة النار بهذا السبب مما يدل على انه يجب على الإنسان إذا امتلك الحيوان أن ينفق عليه فإن تركه بلا نفقة وأجاعه فهو آثم.

ص: 57

يقول: وعليه علف بهائمه وسقيها وما يصلحها .. ذكر ثلاثة أشياء: العلف والسقي: وهي الأكل والشرب. وما يصلحها: مثل إكنانها عن المطر وعن الحر الشديد وعن البرد الشديد. ومثل علاجها. فإنه ليس من الرأفة بالحيوان أن يترك مريضا حتى يهلك مع إمكانية معالجته.

لكن هل يجب عليه وجوبا مداواة الحيوان.؟

ذكرنا في مسألة تداوي الزوجة أن شيخ الإسلام يقول (أن التداوي ليس بواجب) إذا كان التداوي ليس بواجب في الآدمي ففي الحيوان من باب أولى.

إذا ما يصلحها يستثنى منه مسألة المداواة وإنما ما يقصد بما يصلحها ما ذكرت من إكنانها وتجنيبها المطر والحر الشديد والبرد الشديد.

ثم قال رحمه الله: (وألا يحملها ما تعجز عنه)

لا يجوز على مالك البهيمة تحميلها ما لا تطيق ، والسبب في ذلك أنه في الشرع للبهيمة حرمة. فيجب أن يراعي حرمة البهيمة بأن لا يؤذيها أو يحملها ما لا تطيق.

مسألة: وليس من تحميل البهيمة ما لا تطيق أن يكلفها عملا لا تُستخدم في مثله عادة. هذا ليس من المشقة. وأما حديث (أن رجلا هم بركوب بقرة فقالت ما خلقنا لهذا) فالجواب عليه أنه ما خلقنا لهذا عادة. ولا يدل على المنع. فإذا أراد الإنسان أن يستخدم الخيل للحرث أو البقر للركوب فإنه لا حرج عليه في هذا ، لكن إذا كان استخدامه في غير ما خلق له يؤدي إلى المشقة عليه وتحميله ما لا يستطيع فهم ممنوع من هذه الجهة لا من جهة انه استخدمه في غير ما خلق له.

بناءا على هذا ما حكم المسابقة إجراء المسابقة بين ذكور الغنم أو بين الديكة.؟

لا شك أن هذا سفه وأنه محرم .. جعل التيوس يضرب بعضها بعض والديكة ينقر بعضها بعض يدخل دخولا أولويا في قول المؤلف (ألا يحملها ما تعجز عنه) أيهم أشق على البهيمة أن تحمل عليها ما تعجز عنه أو أن تجعلها في معركة مع ند لها. ويزداد الأمر سوءا إذا وضعوا الضعيف مع القوي. ما عندي شك أنه محرم وأنه نوع من السفه وأنه جرأة وجريمة في حق الحيوان وهو يدخل في كلام الفقهاء.

ثم قال رحمه الله: (ولا يحلب من لبنها ما يضر ولدها)

تعليل هذا الحكم: أن على مالك الولد كفايته من النفقة - ولد البهيمة - وإذا حلب الأم بما يضر بالولد فقد قصر بالنفقة الواجبة للولد ، أليس كذلك.؟

ص: 58