الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الأطعمة
الدرس: (1) من الأطعمة
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الأطعمة جمع طعام وطعام اسم لكل ما يأكل ويشرب ، أما أنه اسم لكل ما يأكل فهو أمر ظاهر لا يحتاج إلى استدلال وفيه قوله تعالى {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم} [المائدة/5] أي ذبائحهم
وأما أنّ الشراب يطلق عليه طعام فأيضاً جاء في الكتاب والسنة ففي قوله {فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني} [البقرة/249] فعبر عن الشرب بالطعام.
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم عن ماء زمزم إنها طعام طعم وشفاء سقم. فعبر عن الماء بأنه طعام طعم وقد يعبر الفقهاء أحيانا بقولهم الأطعمة والأشربة فإذا عبروا بهذا فمن الظاهر أنّ مقصودهم بالأطعمة. أي ما يأكل وبالأشربة أي ما يشرب.
يقول الشيخ رحمه الله (الأصل فيها الحل ، فيباح كل طاهر ، لا مضرة فيه ، من حب وثمر وغيرهما)
الأصل العام في المطعومات الحل لقوله تعالى {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} [البقرة/29] ولقوله تعالى {ويحل لهم الطيبات} [الأعراف/157] ويستدل أيضا على أنّ الأصل في المطعومات الحل أنّ النصوص الخاصة جاءت بمنع أشياء معينة فدل على أنّ ما عداها فهو حلال وكون المطعومات الأصل فيها الحل كما دل عليه الكتاب فهو أيضا محل إجماع من الفقهاء وذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أنها حلال خالصة للمؤمنين فقط {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة} [الأعراف/32] فدلت الآية على أنها حل للمؤمنين فقط دون الكافرين وفي الواقع أنّ هذا الخلاف لا يترتب عليه أثر من حيث الأحكام الفقهية التفريعية.
والفقهاء رحمهم الله انقسموا في الأطعمة والأشربة إلى ثلاثة أقسام أو ثلاث مذاهب عموما:
المذهب الأول: مذهب أهل الكوفة وعندهم اتساق مع النصوص في المطعومات ومخالفة للنصوص في المشروبات.
المذهب الثاني: مذهب أهل المدينة والحجاز وعندهم اتفاق وانسجام مع النصوص في المشروبات واختلاف معها في الجملة في المطعومات
المذهب الثالث: مذهب أهل الحديث الذين أخذوا بالآثار وجمعوا بينها وعلى رأسهم الإمام الكبير الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فهو أخذ بالنصوص في المطعومات والمشروبات. وشيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى الكبرى وفي مجموع الفتاوى تكلم عن هذه الاتجاهات بكلام كثير مفيد لطالب العلم.
يقول رحمه الله (ولا يحل نجس كالميتة والدم)
لما بيّن أنّ الأصل في المطعومات الحل انتقل إلى بيان ما يحرم من المطعومات والآية تقول {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} [لأعراف/157] فالأصل أنّ كل طيب حلال وكل خبيث حرام هذا هو الأصل العام والخبائث تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الخبائث العينية يعني ما خبث بعينه كالدم والميتة والخنزير.
القسم الثاني: ما خبث لكسبه ، كالربا والميسر والمكاسب المحرمة. وهذا الباب كما هو معلوم يتحدث عن القسم الأول.
يقول رحمه الله (ولا يحل نجس كالميتة والدم)
أشار المؤلف إلى ضابطين من ضوابط التحريم في جملة واحدة. الضابط الأول" أنّ كل ما نص عليه الشارع أنه محرم فهو محرم يعني الأعيان المنصوصة عليها. وهذا يتناول الميتة والدم والخنزير ، ولهذا كان يحسن بالمؤلف جدا أن يضيف إلى الميتة والدم هنا الخنزير لكنه أخره أن ذكره مع محرمات أخرى فخالف الصواب في موضعان كان ينبغي أن يذكره هنا وكان ينبغي أن لا يذكره كما سيأتينا مع القسم الثالث من المحرمات فالميتة والدم محرم بالنص والإجماع كما قال تعالى {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به} [الأنعام/145] وقوله في الآية فإنه رجس الأقرب إن شاء الله أنّ الضمير يعود إلى الثلاثة فصارت الآية دلت على الحكم وعلى التعليل فالحكم أنها محرمة والعلة أو السبب أنها نجسة. وبهذا نكون عرفنا أنّ الضابط الأول من المحرمات الأشياء التي نص الشارع على تحريمها بأسمائها وأعيانها والأصل الثاني أو الضابط الثاني في المحرمات الأعيان النجسة فكل الأعيان النجسة محرمة لهذه الآية فإنه يقول فإنها رجس ويلحق بالأعيان النجسة الأعيان المتنجسة.
والأعيان المتنجسة هي الأعيان التي في أصلها حلال طاهرة ثم طرأت عليها النجاسة لاختلاط أو غيره والدليل على تحريم الأعيان المتنجسة من وجهين:
الوجه الأول: أنّ الشارع حرم الجلالة وسيأتينا أنها التي تأكل النجاسات.
الثاني: أنّ الأعيان المتنجسة فيها نجاسة وإذا كانت النجسات محرمة للنجاسة فالمعنى الموجود في النجسات موجود في المتنجسات.
ثم - قال رحمه الله (ولا ما فيه مضرة كالسم ونحوه)
الثالث مما يحرم على الإنسان كل ما فيه مضرة فجميع الأطعمة والأشربة التي فيها مضرة فهي محرمة ومثل عليه بالسم والدليل على تحريمها قوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة/195] والقاعدة العامة أنّ بدن الإنسان أمانة عنده لا يجوز له أن يتصرف فيه بما يضره. وقول الشيخ (كالسم) يشير المؤلف إلى أنّ تحريم السم سببه أنه مضر وهو على المذهب محرم لأمرين لأنه مضر ولأنه عندهم نجس ، والصواب أنّ السم ليس بنجس وإنما طاهر وحرم لمضرته. والمضرات تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ما الأصل فيها الضرر في أي حال أخذت. فهذه محرمة وهي كالسم والمخدرات وكل المواد الضارة.
القسم الثاني: ما هو مضر ضرر عارض كأن يكون هذا الطعام لا يناسب الإنسان من أمثلته المشهورة المعاصرة والأمثلة التي تتنافى الأطعمة التي تتنافى مع مرض الحساسية فهذه دلت النصوص على أنّها محرمة فإذا كان الإنسان إذا تناول طعاما معينا سبب له حساسية ضارة فإنه محرم لا من حيث أصل الطعام ولكن من حيث أنه مضر ببدنه هذا الضرر العارض. وكذلك من ابتلوا بمرض السكري أو الكولسترول أو الضغط أو جميع الأمراض المعروفة التي غالبا ما تكون بأسباب الأطعمة.
ثم - قال رحمه الله (وحيوانات البر مباحة إلاّ)
قوله وحيوانات البر مباحة إنما ذكره ليعطف عليه بما بعده وإلاّ فإنّ قوله في أول الكتاب أنّ الأصل الحل يشمل الحيوانات والمطعومات إلاّ أنّ تصرف المؤلف كأنه يشعر وإن كان ليس بذاك الوضوح كأنه يشعر أنه في المقدمة الأولى يتحدث عن غير الحيوانات يعني عن الحبوب والثمار. ثم الآن انتقل إلى ما يأكل من اللحوم وهذا منسجم تماما مع تصرف المؤلف إلاّ أنه يشكل عليه شيء واحد أنه تطرق لتحريم الميتة والدم. وإلاّ لكان القسم الأول عن الحبوب والثمار ثم الآن ينتقل إلى الكلام عن الحيوانات البرية. بيّن المؤلف أنّ الأصل فيها الحل وكما قلت دلت عليها النصوص السابقة.
ثم - قال رحمه الله (إلاّ الحمر الإنسية)
الحمر الإنسية محرمة عند الجماهير من السلف والخلف. واستدلوا على هذا بآثار واضحة وصريحة فاستدلوا بحديث ابن عمر في الصحيحين أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر. واستدلوا أيضا بحديث أنس وهو أيضا في الصحيح قريب من حديث ابن عمر وفيه أنّ الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس. وهذه النصوص صريحة جدا.
القول الثاني: وهو إحدى الروايات عن الإمام مالك ومذهب ابن عباس أنها حلال واستدلوا على هذا بالآية فإنّ الآية لم تذكر الحمر مع أنّ فيها نفيا وإثباتا {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به} [الأنعام/145] ففيها النفي والإثبات والنفي والإثبات علامة الحصر وأشرت في أول الباب إلى أنّ المالكية عندهم إشكال في الأطعمة وهذا من شواهد هذا الإشكال فإنه يستكثر على إمام مثل الإمام مالك أن يذهب إلى مثل هذا القول وإن كان إحدى الروايات عنه.
أما ابن عباس فروي أنّ علي بن أبي طالب ناظره وذكر له الأحاديث فلما بلغته رجع. ولهذا ذهب كثير من الأئمة إلى أنّ عذر الإمام مالك وعذر ابن عباس رضي الله عنهما عدم بلوغهما الخبر والراجح كما هو ظاهر إن شاء الله أنّ الحمر محرمة.
وقوله (الحمر الإنسية) أخرج الحمر الوحشية وسيأتي نصوصا عليها في كلام الماتن رحمه الله.
ثم - قال رحمه الله (وما له ناب يفترس به)
الناب هو السن الذي يقع خلف الرباعية ومقصود الفقهاء بما له ناب يفترس به بتحريم كل ذي ناب مقصود الفقهاء كل حيوان اتصف بصفتين. الصفة الأولى أنّ له نابا ، والصفة الثانية أنه يفترس بهذا الناب. والدليل على هذا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ذي ناب من السباع وأخذنا الضوابط من الحديث. أما الضابط الأول فمن قوله كل ذي ناب ، فإذن لابد أن يكون له ناب.
وأما أنه يفترس به فلقوله من السباع فإنّ طبع السباع الإفتراس فكل حيوان له ناب يفترس به فإنه محرم بنص هذا الحديث الصحيح.
ثم ذكر الشيخ رحمه الله أمثلته:
فقال رحمه الله (وما له ناب يفترس به غير الضبع)
قبل أن يذكر الأمثلة ذكر المستثنيات والضبع محل خلاف بين الفقهاء فذهب الحنابلة إلى أنه حلال واستدلوا على هذا بما صح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل الضبع صيدا. وكون الضبع صيد هذا القدر من الحديث صححه البخاري وإطلاق وصف الصيد يدل على أنه مأكول.
القول الثاني: أنه محرم لأنه يدخل في عموم حديث النهي.
والقول الثالث: أنه مكروه لما فيه من خبث والراجح القول الأول وهذا مثال يضاف إلى الأمثلة السابقة أنّ أهل الحديث وسط والوسطية تعني إتباع الآثار.
ثم - قال رحمه الله (كالأسد ، والنمر ، والذئب ، والفيل ، والفهد ، والكلب ، والخنزير ، وابن آوى ، وابن عرس ، والسنور ، والنمس ، والقرد ، والدب) هذه الحيوانات معروفة.
وابن عرس نوع من الفأر ، والسنور هو القط بريا كان أو أهليا. والنمس نوع من القطط لكنه كبير. وباقي المذكورات معروفة هذه الأمثلة أمرها ظاهر لأنها من السباع التي لها ناب فهي محرمة لكن في بعضها خلاف قوي نعرض للحيوانات التي فيها خلاف والباقي فأمرها ظاهر واندراجها تحت الحديث واضح:
الأول قال رحمه الله:"والفيل "
الفيل اختلف فيه الفقهاء فذهب الحنابلة إلى أنه محرم لأنّ له ناب بل ناب كبير.
والقول الثاني: أنه مباح لأنّ له نابا لكنه لا يفترس به.
والقول الثالث: أنه مكروه لإستقذاره وكراهيته ومن حيث القواعد لا يوجد دليل على التحريم ما دام الأصل الحل ولا يوجد دليل واضح ناقل فإنّ الأصل الحل.
قال رحمه الله (والخنزير)
ذكر الخنزير مع ما له ناب يفرس به خطأ ، لأنّ الخنزير ليس له ناب يفرس به وإنما الخنزير حرم لقاعدة أخرى يندرج تحت قاعدتين أنه منصوص عليه وأنه رجس. إذن إيراده هنا أقرب ما يكون وهم.
ثم - قال رحمه الله (والدب)
الدب أيضا فيه خلاف فالحنابلة يرون أنه محرم لأنّ له نابا يفترس به.
والقول الثاني: أنّ الدب ينقسم إلى قسمين: القسم الأول ما له ناب. فهذا محرم.
والقسم الثاني: ما ليس له ناب ويقصدون بما ليس له ناب يعني من أصل الخلقة ولا يقصدون بطبيعة الحال الصغير فهذا مباح. وهذا التفصيل روي عن الإمام أحمد نصا رحمه الله ولا يظهر لي أنّ هذا التفصيل صحيح والسبب أنه لا أعلم أنه يوجد دب لا يفترس فيما أعلم أنّ جميع الدببة تفترس فإن وجد دب لا يأكل إلاّ العشب فالخلاف في هذا النوع من الدب كالخلاف تماما في الفيل إذا وجد ويبدوا أنه يوجد لكنه غير معروف نوع نادر جدا من أنواع الدببة التي أو شكت على الانقراض هي التي توصف بأنها لا تأكل اللحوم
وإلاّ الأصل في الدب أنه يأكل اللحم إذن هذا هو الخلاف والراجح أنّ الدب له ناب يفترس به فهو محرم إلاّ إن وجد نوع لا يأكل إلاّ العشب فالخلاف فيه كالخلاف في الفيل.
ثم - قال رحمه الله (وماله مخلب من الطير يصيد به)
ماله مخلب من الطير محرم ويشترط فيه أن يكون له مخلب وأن يكون يصيد به. أما اشتراط أنه أن يكون له مخلب فلقوله نهى عن كل ذي مخلب من الطير ، وأما أنه يصيد فمن أين؟ لأنه يقول من الطير. أخذنا هذا القيد من فائدة جميلة جدا لابن حزم وهو أنه يقول [العرب لا تسمي الطير بذي مخلب إلاّ وهو يصيد] ما تسمي باقي الطيور أنها ذي مخلب وإن كان لها مخلب لكن العرب لا تطلق هذا الاسم إلاّ على ما يصيد من الطيور وهذه فائدة جليلة فيها الدليل على الشرط الثاني ، فكل ذي مخلب من الطيور فإنه لا يحل أكله.
ثم - قال رحمه الله (كالعقاب ، والبازي ، والصقر ، والشاهين ، والباشق ، والحدأة ، والبومة)
هذه الحيوانات لها مخالب تصيد بها وهي محرمة بنص الحديث ولا أعلم في الأمثلة الأولى خلاف فهي محرمة بنص الحديث.
ثم - قال رحمه الله (وما يأكل الجيف)
ذكرت في أول الكتاب أنّ قاعدة المحرمات أنها {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} [الأعراف/157] فكل خبيث في الشرع فهو محرم ويبقى علينا أن نثبت أنه خبيث فما يأكل الجيف اعتبره الفقهاء يأكل الخبائث وإذا كان يأكل الخبائث فهو محرم بالإضافة إلى أنّ هذه الطيور لها مخالب تصيد بها وقد ذكر الشيخ الأمثلة.
فقال رحمه الله (كالنسر ، والرخم ، واللقلق ،والعقعق ، والغراب الأبقع ، والغداف - وهو أسود صغير أغبر - والغراب الأسود الكبير)
النسر والرخم واللقلق والعقعق. هذه أمرها واضح وهي تأكل الجيف فهي أولى بالتحريم من الجلالة كما أنّ لها مخالب تصيد بها ، أما الغراب فقسم المؤلف الغراب إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الغراب الأبقع وهو الذي يسمى غراب البين فهذا محرم بالإجماع.
الثاني: الغداف وهو أسود صغير أغبر ، الغراب الأسود الصغير هو الذي يسمى غراب الزرع فالحنابلة يرون أنه محرم لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الغراب وما أمر بقتله كما سيأتينا فهو محرم فأخذوا منه العموم.
والقول الثاني: أنّ الغراب الصغير غراب الزرع جائز لأنه يأكل ما تأكل الحمامة ولا يأكل من الجيف والراجح إن شاء الله أنّ الصغير جائز وحلال ليس بحرام.
الثالث: الغراب الأسود الكبير هذا محرم وهو مقيس على غراب البين ويأكل الجيف ولا إشكال في تحريمه إذا صارت الأنواع ثلاثة للغراب وعرفنا حكم كل واحد منها.
ثم - قال رحمه الله (وما يستخبث كالقنفذ ، والنيص ، والفأرة ، والحية ، والحشرات كلها ، والوطواط)
من القواعد المتقررة عند الحنابلة أنّ كل ما يستخبث فهو حرام وضبطوا ما يستخبث بأهل الغنى والمروءة من أهل الأمصار دون الفقراء من أهل القرى. وعللوا هذا بأنّ الفقراء من أهل القرى لا يستخبثون إلاّ الأشياء القليلة لفقرهم.
والقول الثاني: أنّ الضابط في ما يستخبث ما تستخبثه العرب من قريش ، واستدلوا على هذا بأنّ قريش نزل عليها الوحي ونزل القرآن بلسانها وهم أولى الناس بضبط الخبائث على أعرافهم لأنه لو لم تضبط بذلك لصار الحلال والحرام يتفاوت من بلد لآخر.
والقول الثالث: أنّ هذا الضابط وهو ما يستخبث ليس بصحيح وأنّ الشارع لا يحرم ما يستخبثه أحد وإنما يحرم ما دل النص على تحريمه صراحة فقط واستدل أصحاب هذا القول بأنّ قريش وهم أرفع من قيل يرجع إلى طبائعهم في استخباث الأطعمة كانوا يستطيبون الخبائث فهم يأكلون الميتة والدم ، ويستخبثون الطيبات فهم لا يأكلون الضب فدل هذا على أنّ الشرع لم يجعل استخباثهم معتبرا.
وهذا القول الأخير هو الراجح بلا شك إن شاء الله ، وأنه لا يحرم شيء من الأطعمة بناء على مجرد الاستخباث الذي لا يسنده دليل من النص.
قال رحمه الله (كالقنفذ)
القنفذ محرم وهو من أمثلة ما يستخبث عند الحنابلة ودليل التحريم عندهم أنه يستخبث.
والقول الثاني: للجمهور أنّ القنفذ حلال ولا بأس بأكله واستدل الجمهور بالعمومات والراجح مذهب الجمهور إلاّ إن صح ما ذكره بعض الفقهاء أنّ القنفذ يأكل الخبائث إن صح أنه يأكل الحشرات الخبائث وما يستقذره الناس مما في الشوارع فيلحق بما يأكل الخبائث
وهو القسم السابق كالنسر إن صح هذا لأنه لم يذكره إلاّ عدد قليل من الفقهاء إن صح هذا فهو محرم لكونه يأكل الخبائث.
ثم - قال رحمه الله (والنيص)
النيص هو القنفذ إلاّ أنه كبير ويدافع عن نفسه بإطلاق الشوك بخلاف القنفذ فهو يدافع عن نفسه بالتكور على نفسه.
ثم - قال رحمه الله (والفأرة والحية)
الفأرة والحية محرمات ، أما الفأرة فلأنها نجسة ولأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها. وكل ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله فهو ليس مطعوما لأنّ في الحديث قتلها في الحل والحرم ولو كانت صيدا لم يجز أن تقتل في الحرم.
وأما الحية فكذلك لما تقدم من أنها تستخبث وأمر بقتلها إلاّ أنه في الحية يوجد خلاف فذهب بعض الفقهاء وهو القول الثاني: في المسألة إلى أنّ الحية يجوز أن تأكل لأنه لا دليل على تحريمها والأمر بقتلها لا يمنع من أكلها والراجح بلا إشكال أنها تحرم إن شاء الله أولاً لأنه أمر بقتلها وقاعدة أنّ كل ما أمر بقتله فهو حرام صحيحة.
ثانيا: أنها تأكل كما تأكل السباع فهي تصيد الحيوانات الصغيرة كالأرنب الصغير والفأر واليربوع ونحوها وتأكله كما تأكل السباع الحيوانات الكبيرة فشأنها شأن السباع ليست من السباع لكنها تقاس على السباع فإن شاء الله لا إشكال عندي في أنها محرمة.
ثم - قال رحمه الله (والحشرات كلها)
الحشرات محرمة عند الجمهور لاستخباثها وقذارتها ولأنها تأكل الخبائث ومن أمثلتها الجعل والخنافس والصراصير ونحوها.
القول الثاني: أنها جائزة وهو مذهب منسوب للمالكية لأنه لا دليل على التحريم والراجح التحريم والمنع فهي أولى بالمنع من بعض ما يأكل الخبائث فهي أخبث منه أخبث من القنفذ لو افترضنا أنه يأكل الخبائث.
ثم - قال رحمه الله (والوطواط)
الوطواط سئل عنه الإمام أحمد فقال ومن يأكل الخفاش والوطواط محرم لأمرين: الأمر الأول" أنه مستخبث.
الأمر الثاني: أنه جاء في الحديث النهي عن قتله وروي ذلك مرفوعا وموقوفا. والصحيح الموقوف وهو جاء عن أكثر من صاحبي موقوفا النهي عن قتله وإذا كان منهيا عن قتله فكل ما نُهي عن قتله أيضا فهو لا يجوز أكله والسبب في ذلك أنّ الحيوان لا يأكل إلاّ بعد القتل فإذا نهي عن قتله صار هذا إشارة إلى أنه لا يأكل إذ كيف يجمع الشارع بين إجازة أكله والمنع من قتله فإذا هذه القاعدة الخامسة وهي [أنّ كل ما نهي عن قتله فإنه لا يجوز أن يأكل] ويظهر علة ثالثة في المنع من الخفاش الوطواط وهو أنه يأكل أو يشرب الدماء فهو معروف بمص الدماء من الحيوانات فهو يأكل الخبائث وإن كانت هذه العلة لم أر أحدا من الفقهاء ذكرها لكن لعلهم استغنوا عنها بأنه من الخبائث فإنه جعلوه من قسم الخبائث.
ثم - قال رحمه الله (وما تولد من مأكول وغيره كالبغل)
ما تولد من المأكول وغير المأكول فإنه يحرم وعلة ذلك أنّ كل عين اجتمع فيها مبيح وحاضر فإنه يغلب الحاضر والمقصود بالبغل هنا المتولد من الخيل والحمار الأهلي ، أما البغل المتولد من الخيل والحمار الوحشي فهو جائز لكن غالب البغال من القسم الأول.
فصل
لما بيّن المحرمات أراد أن يبّين الأشياء المباحة أو الحلال:
فقال رحمه الله (وما عدا ذلك فحلال)
أشار المؤلف بهذا إلى أنّ المحصورات هي المحرمات وما عداها فهو حلال وعلى هذا دلت النصوص المتقدمة أنّ الأصل في الأعيان الحل.
يقول رحمه الله (كالخيل)
الخيل اسم جنس لا واحد له من لفظه ويقصد بالخيل جماعة الأفراس ، والخيل مباح عند الجمهور واستدلوا على هذا بأدلة صحيحة
الدليل الأول: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحمر الأهلية يوم خيبر وأباح الخيل. وهذا في الصحيح
والدليل الثاني: أنهم نحروا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلوه وهذا في الصحيح.
والقول الثاني: الخيل يكره أن تأكل وعللوا في هذا بأنّ في أكلها إضرار بالجهاد فإنها وسيلة الجهاد الأعظم تأثيرا فلم يجعلوها محرمة للنصوص وإنما اكتفوا بالكراهة للتعليل.
والقول الثالث: أنها محرمة وهذا من الغرائب مذهب الإمام مالك فهو يمنع الحلال ويجيز الحرام. ما أقول يجيز الحرام أقصد أنّ الإمام مالك في الحيوانات التي النصوص فيها دالة على الجواز بوضوح يخالف وفي الحيوانات التي النصوص دالة على المنع يخالف. استدل الإمام مالك بقوله تعالى {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون} [آل عمران/14] فقال امتن الله علينا بالخيل بأنها للركوب والزينة ولو كانت ينتفع بها في الأكل لذكر في الآية لأنها في مساق الامتنان وهذا القول ضعيف جدا وأخذنا قاعدة مرارا وتكرارا أنه لا يمكن أن نقابل المنطوق بالمفهوم لاسيما إذا كان المنطوق مباشر في القضية وهي جواز الأكل كيف نقدم عليه مفهوم آية أخرى ولكن كما سبق لعل الإمام الكبير مالك بن أنس رضي الله عنه وجعل مثواه الجنة لعله لم تبلغه النصوص.
ثم - قال رحمه الله (وبهيمة الأنعام)
البقر والإبل والغنم. حلال بالإجماع بلا مخالف من أمة محمد وتحليلها يكاد يكون من المعلوم من الدين بالضرورة.
ثم - قال رحمه الله (والدجاج)
الدجاج مباح وقد ثبت في الحديث الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أكل الدجاج كما أنّ النصوص العامة دالة على حلها.
ثم - قال رحمه الله (والوحشي من الحمر)
الوحشي من الحمر جائز لأمرين: الأمر الأول أنّ النص جاء بتحريم الحمر الأهلية بالنص على كلمة الأهلية فدل على أنّ ما عداها ليس بمحرم. الثاني: أنّ الصحابة أكلوا لحوم الحمر الوحشية. والشيء الثالث" أنّ الأحاديث دلت على أنها صيد يعني في باب الإحرام فهي حلال بلا إشكال إن شاء الله.
ثم - قال رحمه الله (والبقر والظباء والنعامة)
هذه مباحات وحلال من النصوص العامة وبخصوص النعامة جعل النبي صلى الله عليه وسلم فيها بعير فدل على أنها صيد حلال أكلها
ثم - قال رحمه الله (والأرنب)
الأرنب مباح بالإجماع وجاء فيما أخرجه البخاري ومسلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم تناول الأرنب وأكلها ويوجد خلاف قديم بين الصحابة فروي عن عمرو بن العاص أنه منعها لكن هذا الخلاف انتهى واستقر الأمر على الجواز وكأنه رضي الله عنه لم يبلغه النص.
ثم - قال رحمه الله (وسائر الوحش)
جميع الوحوش التي لا تندرج تحت القواعد والضوابط المذكورة في الفصل الأول فالأصل فيها أنها حلال ويجوز أن تأكل وقوله سائر الوحوش استغنى بهذا عن السرد والتعداد لأنّ الحيوانات البرية المأكولة الخارجة عن الضوابط الخمس السابقة كثيرة جدا. ثم انتقل المؤلف إلى البحر.
قال رحمه الله (ويباح حيوان البحر كله)
الأصل في حيوان البحر أنه مباح كله سواء منه الجميع حلال وسيذكر المؤلف الميت إلاّ أنه استثنى أشياء سيأتينا الكلام عنها.
يقول رحمه الله (ويباح حيوان البحر كله إلاّ الضفدع ، والتمساح والحية)
حيوان البحر الأصل فيه الحلال بدليل أنّ المؤلف استثنى حيوانات ثلاثة والله تعالى يقول {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة} [المائدة/96] ولهذا لما صار الأصل في البحر أنه حلال استثنى أشياء منه وترك أشياء أيضا محل خلاف لكن نبقى مع ما ذكره المؤلف رحمه الله يقول الضفدع. لا يجوز لأنه نهي عن قتله وتقدم معنا أنّ كل ما نهي عن قتله فإنه لا يجوز أن يأكل للتعارض بين إباحة أكله والنهي عن قتله وأمر الضفدع واضح.
ثم - قال رحمه الله (والتمساح)
لا يجوز أن يأكل وعللوا ذلك بأنّ له نابا يفترس به فيقاس على السباع ولا يمكن أن نسميه سباع لأنّ السباع تختص بحيوانات البر لكنه يقاس على السباع فهو محرم.
والقول الثاني: أنّ التمساح من حيوانات البحر التي تعيش فيه والأصل في كل حيوانات البحر الإباحة والراجح إن شاء الله أنه محرم بل هو أخبث وأشنع من بعض حيوانات البر المحرمة فإنه يفترس بطريقة وحشية ويبتلع الحيوان كاملا فطبائعه خبيثة فهو أولى بالتحريم من بعض سباع البر.
ثم - قال رحمه الله (والحية)
المقصود بالحية هنا حية البحر فإنّ حية البر تقدم الكلام عنها حية البحر محرمة واستدلوا على تحريمها بأنها خبيثة.
والقول الثاني: أنها حلال لأنّ جميع حيوانات البحر حلال. والأقرب أنّ حية البحر التي لا تخرج إلى البر مطلقا حلال والذي يظهر لي أنّ حية البحر لا تدخل في الحديث الآمر بقتل الحيات لأنّ الحديث يتناول حيات البر دون حيات البحر هكذا يبدوا لي وهي مسألة محل خلاف. مسألة / علم من عموم كلام المؤلف أنّ ماله اسم نظير في البر أنه أيضا مباح مثل كلب البحر وخنزير البحر وإنسان البحر
فهذه الأصل فيها الإباحة لأنها من حيوانات البحر.
والقول الثاني: أنها محرمة لأنّ خنزير البحر خنزير وكلب البحر كلب والنص جاء بتحريم الخنزير والكلب فتخص من عمومات جواز أكل حيوانات البحر والراجح؟ أنّ هذه الأسماء ما هي إلاّ أسماء أحدثوها فليس بكلب وليس بخنزير وإنما لما رأوا الشبه ألحقوه والقاعدة أنّ مجرد التسمية التي ليست شرعية ولا من لغة العرب لا توجب التحريم وهذا صحيح بناء على هذا يكون كلب البحر وخنزير البحر جائز لأنه من حيوانات البحر.
قال رحمه الله (ومن اضطر إلى محرم - غير السم - حل له منه ما يسد رمقه)
أما استثناء السم فلئن تناول المضطر له لا ينفعه شيء بل يزيده عطبا وهلاكا ، وأما إباحة المحرمات عند الضرورة فللنصوص المتكاثرة الدالة على جواز الأكل من المحرمات عند الضرورة كقوله {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه} [البقرة/173] وكقوله {إلا ما اضطررتم إليه} [الأنعام/119] لكن المؤلف قيد هذا بأن لا يشبع منه وإنما يأكل ما يسد الرمق فقط وهذه المسألة محل خلاف أما أكل ما يسد الرمق فهو مباح بالإجماع فهو خارج محل الإجماع. وأما أكل أكثر من هذا وهو إلى الشبع فهو محل الخلاف.
فالحنابلة يرون انه لا يجوز أن يأكل أكثر مما يسد الرمق واستدلوا على هذا بأنّ هذه الأعيان إنما جازت للضرورة والضرورة تقدر بقدرها والضرورة تندفع بأكل ما يسد الرمق.
والقول الثاني: أنه يجوز أن يأكل إلى أن يشبع واستدلوا على هذا بأنّ رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نفق فرسه فاستفتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال كل حتى تشبع.
والقول الثالث: أنّ الأكل من الميتة ينقسم إلى قسمين: -
القسم الأول: إن ظن أنّ ضرورته ستستمر فله أن يأكل إلى أن يشبع. وإن ظن أنّ ضرورته تنجلي وتنكشف عن قرب فلا يجوز له أن يأكل إلاّ ما يسد الضرورة وإلى هذا القول مال الشيخ الفقيه ابن قدامة وهو قول محرر وصحيح.
ثم - قال رحمه الله (ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه لدفع برد أو استسقاء ماء ونحوه ، وجب بذله له مجانا)
إذا اضطر الإنسان إلى مال غيره لينتفع به مع بقاء عينه كأن يأخذ ثوبا عن البرد أو حبلا ودلوا ليستسقي أو ليسقي به الماء فإنه إذا كان مضطرا وجب على المالك وجوبا أن يبذله ويجب أن يبذله مجانا. والدليل على هذا أنّ الله سبحانه وتعالى ذم الذين يمنعون الماعون وإذا ذم الشارع على منع شيء دل على أنه يجب أن يبذل مجانا.
والقول الثاني: أنه يجب أن يبذل لكن ليس مجانا لأنّ المنافع كالأعيان متقومة فيجب أن يبذل ثمنا لهذه المنفعة والراجح فيما يبدوا لي القول الثاني إذ لا معنى لإخراج المال من صاحبه من غير رضاه لأنّ الضرورة تندفع بالشراء ولهذا نقول فإن كان مضطرا لهذه العين ولا يملك ثمنها وجب بذلها مجانا. المؤلف رحمه الله يقول (ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه) ولم يبيّن الحكم فيما إذا اضطر إلى
مال الغير الذي لا تبقى عينه مع الانتفاع كالطعام والشراب مع أنه أولى بالبيان من هذه المسألة لأنّ الضرورة إلى الأعيان غالبا ما تكون أعظم من الضرورة إلى المنافع فالحنابلة يرون أنه إذا اضطر الإنسان إلى طعام الغير اضطرارا وكان هذا الغير لا يحتاج إليه فإنه يجب وجوبا أن يبذله فإن منعه المالك منع المضطر فللمضطر أن يقاتله مقاتلة دفع الصائل لكن ليأخذ قدر ما يسد الرمق فقط وهذا صحيح بدليل أنّ الفقهاء أوجبوا على الإنسان المستطيع أن ينقذ الغريق وهذا أولى من إنقاذ الغريق وبذله أسهل من بذل المنفعة الحاصلة بإنقاذ الغريق.
ثم - قال رحمه الله (ومن مر بثمر بستان في شجرة أو متساقط عنه ولا حائط عليه ولا ناظر فله الأكل منه مجانا من غير حمل)
المؤلف رحمه الله يقول من مر بثمر بستان. أفادنا المؤلف أنه يجوز للإنسان أن يأخذ من الثمار التي يمر عليها لكن بهذه الشروط التي ذكرها المؤلف. الشرط الأول" يقول في شجرة أو متساقط عنه. يعني يأخذ من الشجر أو من المتساقط دون الذي جمعه صاحب البستان أو حازه إلى مخزنه فإنّ هذا لا يجوز.
الشرط الثاني: ولا حائط عليه يشترط أن لا يكون على البستان حائط فإن كان عليه حائط فلا يجوز أن يأخذ.
الثالث: لا ناظر عليه يشترط أن لا يوجد ناظر يقف للحماية.
الشرط الرابع: أن يأكل منه من غير حمل. الدليل استدلوا على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر من مر على حائط فلا حرج أن يأكل غير متخذ لخبنة. وهذا الحديث إسناده ضعيف.
الدليل الثاني: أنّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا مروا بالبساتين أكلوا بأفواههم ومعلوم أنهم يأكلون بأفواههم ولكن معنى الحديث أنهم لا يأخذون شيئا.
القول الثاني: أنه لا يجوز للإنسان أن يأخذ شيئا من البستان لا قليل ولا كثير لقول النبي صلى الله عليه وسلم إنّ دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم.
والقول الثالث: الجواز مطلقا ولا يشترط أن يكون حائط ولا يشترط أن لا يوجد ناظر الجواز بالأكل أن يأكل منه بدون أخذ فصارت الأقوال ثلاثة. الجواز بشروط. المنع مطلقا. الجواز مطلقا بالنسبة للأكل دون الحمل. والراجح القول الأخير إن صحت الآثار فإنّ هذه الآثار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع ما عرف عنهم من ورع وتقوى وزهد واحتياط دليل على أنّ الأكل من البستان مستثنى من النصوص العامة فإن لم تصح الأحاديث ولا الآثار فلا إشكال بالقول بأنه يحرم ولا يجوز أن يأكل لأنّ النصوص العامة واضحة.
ثم - قال رحمه الله (وتجب ضيافة المسلم المجتاز به في القرى يوما وليلة)
يجب على الإنسان أن يضيف الضيف بشروط:
الشرط الأول: أن يكون مسافرا.
الشرط الثاني: مدة يوم وليلة.
الشرط الثالث: في القرى دون الأمصار. وعللوا هذا أنه في القرى لا يكاد يجد المسافر ما يأكل منه أو يبيت فيه بخلاف الأمصار فإنّ المطاعم والفنادق فيها كثيرة فيستطيع أن يجد ما يسكن فيه أو يبيت فيه واستدل الحنابلة على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه. ثم قال في الحديث الآخر فليكرم ضيفه جائزته ثلاثة أيام ولا يحل له أن يبقى بعد الثلاثة حتى يؤثم أخيه. وفي لفظ ذكره الحنابلة انه قال بعد الثلاثة قال وما بعده فهو بالخيار أو وما بعده فهو سنة. الحنابلة يرون أنّ الوجوب هو اليوم الأول وما عداه من أيام ليس بواجب وعللوا هذا بأنّ الإمام أحمد قال معنى قوله جائزته يعني كالمؤكد لهذا اليوم بالنسبة للأيام الأخرى.
والقول الثاني: أنه يجب عليه أن يضيفه ثلاثة أيام لأنه في الحديث على المسلم أن يضيف ضيفه ثلاثة أيام.