الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والدليل الثاني: أن الواجب هو القصاص لا التعذيب بتطويل مدة قطع الرقبة. وهذا لا خلاف فيه إن شاء الله.
ثم - قال رحمه الله (ولا يستوفى في النفس إلا بضرب العنق بسيف ولو كان الجاني قتله بغيره)
لا يجوز استيفاء القصاص إلا بالسيف ولا يجوز بغير السيف ولو كان الجاني استخدم طريقة بشعة في قتل المجني عليه.
واستدل الحنابلة على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا قود إلا بالسيف) وهذا حديث ضعيف. وهذا من مفردات الحنابلة.
القول الثاني: وهو للأئمة الثلاثة: أن يُفعل بالجاني كما فعل. واستدلوا بدليلين:
الأول: قوله تعالى {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [النحل/126]. والآية نص في المقصود.
الدليل الثاني: أن اليهودي لما قتل الجارية برض رأسها بين حجرين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله بنفس الطريقة.
وهذا القول الثاني هو الراجح بلا إشكال إن شاء الله فيُقتل كما قتل. إلا انه يستثنى من هذا إذا قتل بطريقة محرمة كأن يقتله بتجريعه الخمر فإن الجاني لا يُقتل بهذه الطريقة لأن شرب الخمر محرم ، أو قتله باللواط فإن الجاني لا يقتل بهذه الطريقة.
والضابط: أنه لا يُقتل بطريقة محرمة.
باب العفو عن القصاص
قال رحمه الله (يجب بالعمد: القود أو الدية فيخير الولي بينهما)
هذه المسألة مسألة مهمة يقول رحمه الله باب العفو عن القصاص وبدأ في هذا الباب بمسألة مهمة وهي موجب القتل العمد يعني ما هو الشيء الذي يجب لأولياء الدم إذا قتل وليهم عمدا في هذه المسألة ثلاث أقوال للفقهاء هي ثلاث روايات عن الإمام أحمد.
القول الأول: وهو المذهب أنه مخير بين القتل والعفو إلى الدية. واستدلوا على هذا بالحديث السابق من قتل له قتيل فهو بخير النظرين فأسند الاختيار إلى أولياء الدم.
القول الثاني: أنّ موجَبه القود فقط ، ولا ننتقل إلى الدية إلاّ برضا الجاني لأنّ حق أولياء الدم هو في القتل فقط. واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم من قتل عمدا فهو قود. وهذا الحديث إسناده حسن.
القول الثالث: أنّ موجب القتل العمد هو القود فقط إلاّ أنّ أولياء الدم لهم أن يختاروا الدية وليس للجاني أن يرفض واستدلوا بدليلين:
أما أنّ موجبه القود فدليلهم هو دليل القول الثاني. وأما أنه لا يشترط رضا الجاني إذا أرادوا الانتقال إلى الدية فلقوله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء/29] وإذا لم يرض بالدية فقد قتل نفسه والراجح المذهب.
والقول الثالث من حيث الخلاصة والثمرة كالقول الأول تماما لكن تفقهم في المسألة يختلف ولا النتيجة أنّ أولياء الدم لهم الحق بين القتل أو أخذ الدية.
قال رحمه الله (وعفوه مجانا أفضل)
بلا نزاع كونه يعفو إلى غير شيء أفضل لقوله تعالى {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى/40]
وذهب شيخ الإسلام إلى أنّ العفو أفضل إذا كان في العفو مصلحة وإلا فإنّ الاستيفاء أفضل واستدل على هذا بأنّ الله سبحانه وتعالى قال {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى/40] فقرن العفو بالإصلاح فليس من الإصلاح أن يعفى عن مفسد في الأرض لم يظهر توبة هذا ليس من الإصلاح في شيء بل الإصلاح أن يستوفى منه ليكون عبرة لغيره.
قال رحمه الله (فإن اختار القود ، أو عفى عن الدية فقط فله أخذها)
إذا عفى عن القود يعني إلى الدية أو عفى عن الدية فقط يعني دون القصاص فله أن يأخذ الدية وإذا أخذ الدية في هذه الحال فهذه الدية دية جديدة مقابل القصاص وليست هي الدية التي نقول هو مخير بين أمرين وهذا الفرق بين قول المؤلف هنا له أن يختار بين الأمرين وبين هذه المسألة التي نتكلم عليها. بعبارة أخرى إذا قيل لولي الدم أنت مخير بين القصاص والدية فهو إما أن يختار الدية حينئذ يكون له الدية والأمر واضح. أو يختار العفو عن الدية دون القصاص فحينئذ يكون حقه في القصاص فله أن يتنازل عن هذا القصاص الذي اختاره إلى الدية وهذه الدية ليست هي الدية التي للتخيير وإنما بديل عن القصاص الذي اختاره ولولا هذا لكان كلام المؤلف ليس له معنى لأنّ التخيير سبق. وهو يقول في أول الباب [يجب بالعمد القود أو الدية] إذا هذا ليس هو من باب التخيير ولكن ليبيّن أنّ الإنسان له أن ينتقل من القصاص إلى الدية وهذا معنى قوله [فله أخذها]
قال رحمه الله (والصلح على أكثر منها)
هذا الاختيار الثالث وهو أن يختار الدية أو القصاص أو أن يختار أكثر من الدية ذهب الحنابلة إلى أنّ لأولياء المقتول أن يختاروا أكثر من الدية واستدلوا على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم إن شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية وما اصطلحوا عليه فهو لهم. وهو حديث صحيح.
الدليل الثاني: أنّ الشارع متشوف لحقن الدماء والعفو.
الثالث: أنّ هذا مروي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعني الأخذ أكثر من الدية.
والقول الثاني: أنه ليس له إلاّ أن يقتص أو يأخذ الدية فقط واستدل أصحاب هذا القول بقول النبي صلى الله عليه وسلم ليس له إلاّ أن يقتص أو يعفو أو يأخذ الدية فإنّ اختار الرابعة فخذوا على يده. [أي ولي الدم] ماذا بقي؟ أن يأخذ أكثر من الدية وهذا الحديث ضعيف. من وجهين:
الوجه الأول: أنه ضعيف لضعف إسناده.
الوجه الثاني: أنه يخالف متن الحديث السابق وهو أصح منه وهذا يشعر بالنكارة في المتن لمخالفته الأحاديث التي هي أصح منها وربما نضيف وجها ثالثا: وهو مخالفته لعمل الصحابة. ولهذا نقول إن شاء الله الراجح كما هو عليه العمل الآن أنه لهم أن يأخذوا أكثر من الدية ولو بأضعاف مضاعفة.
قال رحمه الله (وإن اختارها)
يعني فليس له غيرها إذا اختار الدية فإنه لا يتمكن من الرجوع إلى القصاص لأنه يكون رجع من الأدنى إلى الأعلى وإنما أجزنا له أن يرجع من القصاص إلى الدية لأنه رجوع من الأعلى إلى الأدنى فإذا اختار الدية انتهى الأمر وليس له أن يرجع بل يلزم بأخذ الدية مهما كان الأمر.
قال رحمه الله (أو عفا مطلقا)
يقول الشيخ فليس له غيرها يعني إذا عفا مطلقا فله الدية فإذا قال ولي الدم عفوت عنك ما نقول قوله عفوت عنك يعني عن القصاص والدية. بل نقول عليك الدية لماذا؟ لأنّ العفو المطلق ينصرف إلى القصاص لأنه المقصود الأعظم وعلى هذا عمل الناس فإذا قال عفوت يقصد عن القصاص وإذا أراد أن يعفو عن القصاص والدية فهو يؤكد هذا ويقول عفوت مجانا أو عفوت بلا مقابل ويؤكد هذا المعنى أما كلمة عفوت فبلا إشكال أنها لا تتناول الدية لأنّ المقصود الأعظم هو العفو عن القصاص.
قال رحمه الله (أو هلك الجاني فليس له غيرها)
إذا هلك الجاني ليس له إلاّ الدية لأنّ الجاني هلك فإن كان الجاني لا مال له سقط ليس له شيء.
والقول الثاني: أنه بمجرد موت الجاني لا شيء لأولياء الدم وهذا القول اختاره شيخ الإسلام والراجح إن شاء الله المذهب أنه إذا مات الجاني فإنه ننتقل إلى الدية تكون في ماله.
قال رحمه الله (وإذا قطع أصبعا عمدا)
المؤلف مقصوده بقوله إذا قطع أصبعا عمدا التمثيل والضابط هو [أن يحصل جرح في الطرف دون النفس مما فيه قصاص] مقصود المؤلف أن يتكلم عن الجروح التي في الأطراف التي فيها قصاص دون التي ليس فيها قصاص إذا يريد المؤلف أن يتكلم عن هذه المسألة
ولهذا لو أنه رحمه الله بيّن أنه يريد التمثيل فقط باستخدام حرف الكاف أو كلمة مثل لكان أوضح. نأتي إلى الحكم.
قال رحمه الله (وإذا قطع أصبعا عمدا فعفا عنها ثم سرت إلى الكف أو النفس وكان العفو على غير شيء فهدر وإن كان العفو على مال فله تمام الدية)
هذه مسألة واحدة إذا قطعت أصبع شخص فعفا ثم سرت الجناية إلى النفس فإما أن يعفو على غير شيء أو يعفو على مال ، فإن عفا على غير شيء فهدر نفسه كلها هدر ، وإن عفا على مال استحق بقية الدية أو بتعبير المؤلف تمام الدية ما المقصود بتمام الدية؟
المقصود بتمام الدية أن يأخذ الدية كاملة محذوفة منها قدر دية الأصبع أو العضو المعفو عنه. فمثلا في المثال الذي ذكره المؤلف كم سيأخذ؟ دية الأصبع عشرة من الإبل سيأخذ تسعين من الإبل. هذا مقصود المؤلف بقوله تمام الدية. والمؤلف رحمه الله في هذه المسألة خالف المذهب ولكنه تابع الأصل أي المقنع يعني تابع ما ذكره ابن قدامة رحمه الله
القول الثاني: أنه إذا عفى على مال أو على غير مال وسرت الجناية فإنّ له تمام الدية في الحالين وهذا هو المذهب لا يفرقون بين أن يكون عفا على مال أو عفا مجانا.
والقول الثالث: أنه إذا عفا على مال أو على غير مال ثم سرت الجناية إلى النفس فله كمال الدية كلها. لأنّ هذه الجناية أصبحت جناية على النفس وهو إنما عفا عن جناية الأصبع فهذه الجناية الجديدة لم يعفو عنها وهذا القول في الحقيقة وجيه وجيد. لأنه هو عفا عن شيء والجناية أصبحت شيئا آخر إذ سرت إلى النفس كلها. إذا عرفتا الآن حكم هذه المسألة في المذهب وعند المؤلف وعلى القول الصحيح.
قال رحمه الله (وإن وكل من يقتص ثم عفا فاقتص وكيله ولم يعلم فلا شيء عليهما)
إذا وكل من يقتص ثم عفا ولم يعلم الموكل فاقتص فلا شيء عليهما أما الموكل فلأنه لا تفريط منه فهو يعمل بأمر الموكِل. وأما الموكِل
فلأنه عفا والقاعدة [أنّ الإحسان لا يوجب الضمان] فهو محسن ولا نوجب عليه الضمان.
والقول الثاني: أنه على الموكِل الضمان لأنه فرط في المبادرة بإعلام الموكَل والراجح المذهب لأنه في الحقيقة ما على المحسنين من سبيل.
قال رحمه الله (وإن وجب لرقيق قود أو تعزير قذف فطلبه وإسقاطه إليه)
إذا وجب الحق للرقيق سواء جناية عليه أو قذف فإنّ الحق هو لنفس الرقيق سواء أراد أن يطالب أو يعفو واستدلوا على هذا بأنّ المقصود من إقامة الحدود والقصاص هو أخذ حق المجني عليه وأن يتشفى من الجاني وهذا المعنى يختص ويتعلق بالنفس.
والقول الثاني: أنّ العبد له أن يقتص أو يعفو إلى المال وليس له أن يعفو مجانا لأنه إذا عفا مجانا فقد أدخل الضرر على سيده أليس كذلك؟ لأنّ المال إذا جاء سيكون لمن للسيد فهو مخير بين أمرين إما أن يقتص وليس للسيد أن يلزمه أن يعفو ، أو يعفو إلى المال وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.