الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم الثالث: أنّ ما أتلفه أهل العدل على أهل الظلم فإنه لا يضمن بالإجماع من الأموال والأنفس. وما كان باقيا بعينه لشخص معلوم فإنه يرد. ولهذا لما انتهت المعركة قال أمير المؤمنين علي لأهل الظلم الذين خرجوا عليه من وجد ماله فليأخذه وكان أحد أصحاب علي رضي الله عنه يطبخ في قدر لهذا الرجل فجاء ليأخذها ، فقال لو تنتظر إلى أن ينضج الطعام فقط فضرب القدر وسكب ما فيه وأخذ القدر وذهب ، وإنما كان ذلك بحزم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنّ كل من وجد ماله بعينه
فإنه يأخذه.
المسألة الثالثة: ما أفسده أهل البغي على المسلمين فهو لا يضمن على الصحيح. والدليل على هذا أنه لما وقعت الفتنة بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنهم - لم ينقل قط أنّ أحدا من الذين دخلوا في القتال ضمن شيئا من المال أو من الدم
والقول الثاني: أنّ أهل الظلم يضمنون لأهل العدل ما أفسدوه عليهم ويضمنون الأنفس كذلك لأنهم ظالمون والأصل وجوب الضمان على من أتلف مال المسلم أو نفسه ، والصحيح كما قلت إن شاء الله الأول لأنّ هذا مروي عن الصحابة فهذه الأحكام الثلاثة أو الأربعة هي التي أسقطها المؤلف وهي كما ترون هي ثمرة الحكم على قوم أنهم من البغاة أو من قطاع الطرق أو إلى آخره. تقدم معنا في قطاع الطرق أنهم يضمنون أو لا يضمنون؟ وإذا تابوا هل يضمنون؟ تقدم معنا أنّ ضمانهم دائما وأبدا ثابت. تابوا قبل القدرة أو لم يتوبوا قبل القدرة. وهذا فرق كبير بين قطاع الطرق وأهل البغي.
قال رحمه الله (وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو رياسة فهما ظالمتان وتضمن كل واحدة ما أتلفت على الأخرى)
إذا حصل قتال بين طائفتين ليس مع أحدهما الإمام وكان سبب القتال كما قال المؤلف عصبية أو رياسة فإنه لا تأتي معنا الأحكام السابقة من عدم الضمان من قبل الجهتين بل يجب الضمان على الجهتين وعلل الحنابلة هذا بأنّ هذا القتال لم يأذن فيه الشارع بل هو معصية وإذا كان الشارع لم يأذن به فإنّ الأصل فيمن أتلف مالا أو نفسا أن يضمنها ولهذا جعلوا الضمان عليهم وهذا صحيح إذا اقتتلت طائفتان.
باب حكم المرتد
قال رحمه الله باب حكم المرتد
الردة لغة / الرجوع.
وأما في الاصطلاح / فهو الإتيان بما يخرج عن الملة. وهذا تعريف الردة.
أما تعريف المرتد / فذكره المؤلف رحمه الله بقوله (وهو الذي يكفر بعد إسلامه)
المرتد هو الذي يكفر بعد إسلامه ، والكفر قد يكون بالقول أو بالفعل أو بالاعتقاد أو بالشك. ولا يخرج عن هذه الأنواع.
فالقول بالكفر. بأن يسب الله أو يسب رسوله أو يسب الدين من حيث هو دينه.
وأما بالاعتقاد. فكأن يعتقد أنّ لله شريكا يدبر الكون معه.
وأما بالفعل. فكأن يسجد للصنم أو يهين القرآن إهانة لا تصدر عن مسلم.
وأما الشك فكأن يشك بخبر الله الذي جاء في القرآن أو أن يشك بكفر من أجمعت الأمة على كفره كالمشرك العابد للوثن واليهودي والنصراني. فهذه أجناس الكفر لا تخرج عنها وإنما تتعدد الأمثلة. المؤلف سيذكر جملة من الأمثلة هي تعتبر كالأصول في المكفرات.
يقول رحمه الله (فمن أشرك بالله)
يعني فهو مرتد والدليل على هذا أدلة كثيرة منها قوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء/116] وعدم المغفرة تكون مع الخروج عن دين المسلمين وما عداه فيغفر إما من الله أو بالتوبة. والشرك مناقض لأصل الدين الذي أرسلت من أجله الرسل ولهذا لا شك في كفر من أتى بخصلة من خصال الشرك الأكبر.
ثم - قال رحمه الله (أو جحد ربوبيته)
إذا جحد أنّ الله هو الخالق البارئ المصور المدبر لهذا الكون فهو كافر ، ودليل كفره أنه مكذب لما تواتر في كتاب الله وسنة رسوله وأجمع عليه المسلمون من أنّ الله سبحانه وتعالى هو الرب المدبر.
ثم - قال رحمه الله (أو وحدانيته)
كلمة الوحدانية أحيانا نجد أنّ العلماء يطلقونها على الربوبية فيقولون الوحدانية التفرد بالربوبية ، وأحيانا يطلقونها على الإلوهية وإن كان كأنه يعني يبدوا لي أنّ استعمالها في الربوبية أكثر منه في الإلوهية لكنهم يستعملونها في الإلوهية ولهذا نقول الوحدانية هي التفرد بالربوبية والإلوهية. فكأنه جمع بين الأول والثاني لأنّ الأول يتعلق بالإلوهية والثاني يتعلق بالربوبية.
ثم - قال رحمه الله (أو صفة من صفاته)
إذا جحد وأنكر صفة من صفات الله فهو كافر لكن يشترط لهذا أن لا ينكرها بتأويل سائغ أو ينكرها ومثله يجهل هذه الصفة يعني بتأويل أو جهل يقبل من مثله إذا أنكرها بغير تأويل ولا جهل فهو كافر فإذا جاء شخص وقال الله سبحانه وتعالى ليس بصيرا ولا سميعا ولا يتكلم ولا ينزل وليس له يد ولا عين ولا قدم فإنكاره لهذه الصفة إن كان جهلا ومثله يجهل هذه الصفة فلا يكفر لحديث الذي أنكر صفة القدرة حين أمر أولاده أن يحرقوه ثم ينثروه في الريح.
وأما إن كان يعلم هذه الصفة ومثله لا يجهلها فإن كان بتأويل سائغ مقبول له وجه من اللغة فإنه لا يكفر وإلاّ فإنه يكفر وهذه الشروط تقلص ولا توسع التكفير بإنكار الصفات؟ يصعب أن تكفر بإنكار صفة لأنّ غالب الذين ينكرون الصفات عندهم تأويل سائغ إما من اللغة او من ظواهر النصوص فإن جاء أحد ينكر صفة بغير تأويل سائغ ففي الغالب ستجد أنّ فيه من المكفرات سوى إنكار الصفات شيء كثير مثل الصوفية الحلولية أو الملحدة أو المستهزئين بالكتاب الذين ينكرونه على صفة الاستهزاء فلا تجد إنسان لا يُكَفر إلاّ بمجرد إنكار الصفة إلاّ بنطاق ضيق جدا في الحقيقة.
ثم - قال رحمه الله (أو اتخذ لله صاحبة أو ولدا)
إذا زعم أنّ الله اتخذ صاحبة أو ولدا فإنه يكفر لأنّ القرآن مليء بنفي الصاحبة والولد {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله} [المؤمنون/91] وإذا أثبت هو أنه لله ولد أو له صاحبة فإنه يكفر ولا نقول هنا بتأويل أو بغير تأويل لأنه لا يوجد تأويل سائغ في إثبات الولد لله ولا في إثبات الصاحبة. فبمجرد ما يعتقد أنّ لله ولدا فهو كافر أو له زوجة فهو كافر.
ثم - قال رحمه الله (أو جحد بعض كتبه أو رسله)
إذا جحد بعض الكتب أو بعض كتاب أو جحد أحدا من الرسل فإنه يكفر ، أولا لأنه مكذب لما جاء في الكتاب والسنة.
وثانيا: لقوله تعالى {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} [البقرة/85] فالكفر ببعض الحق كفر بكل الحق.
المكفر هذا والذي قبله لا يكاد يوجد بين المسلمين. لا زعم أنّ لله صاحبة ولا إنكار صفة بغير تأويل وبغير جهل.
ثم - قال رحمه الله (أو سب الله أو رسوله فقد كفر)
سواء سبهما على سبيل الاستحلال أو ليس على سبيل الاستحلال، والسب في اللغة/هو التنقص والشتم.
وأما في الاصطلاح فالسب يرجع فيه إلى العرف فما اعتبر سبا فهو سب وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام رحمه الله وهو ضابط وتعريف متقن جدا لأنّ السب يختلف جدا باختلاف الأوقات والأعراف والأزمان فما اعتبر في عرف من الأعراف سبا فهو سب ، وسب الله وسب رسوله من المكفرات بل هو أعظم وأشنع مكفر على الإطلاق ، يعني المكفرات القولية ، والدليل على كفر صاحبه مع ظهوره وجلائه من وجهين: الأول: أنه لا يسب الله سبحانه وتعالى أو رسوله إلاّ وقد خرج من قبله التعظيم الواجب. وإذا لم يعظم الله ولم يعظم رسوله فهو كافر.
الدليل الثاني: قوله تعالى {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون} [التوبة/65]{لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [البقرة/190] وجه الاستدلال أنّ الآية دلت على كفر المستهزئ والساب أشنع منه بمراحل فمن سب الله أو سب رسوله نسأل الله السلامة والعافية فهو كافر خارج عن الملة.
قال رحمه الله (ومن جحد تحريم الزنا أو شيئا)
جحد المحرمات الظاهرة كفر والجحد هو الإنكار ، والمحرمات الظاهرة هي المحرمات المعلومة من دين الإسلام بالضرورة سواء أنكر تحريم شيء محرم أو أنكر وجوب شيء واجب ، ويلتحق بما علم من الدين بالضرورة كل ما أجمع عليه العلماء إجماعا عاما لا إجماعا خاصا فما أجمع عليه إجماعا عاما يعني معلوم للعامة فإنكاره كفر كتحريم الخمر ووجوب الصلاة والزكاة ووجوب بر الوالدين وتحريم الشرك هذه إجماعات عامة. أما الإجماعات الخاصة كتحريم جواز الجمع بين المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها ونظائر هذه المسائل التي هي إجماعات خاصة يعلمها الفقهاء فإنكارها ليس بكفر لأنه يتصور ممن أنكرها الجهل.
يقول المؤلف رحمه الله (ومن جحد تحريم الزنا أو شيئا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها بجهل عرف ذلك وإن كان مثله لا يجهله كفر)
إذن إذا أنكر شيئا من المحرمات الظاهرة إما أن يكون جاهلا فيعرف فإنّ أقر فذاك وإلاّ فهو كافر أو يكون عالما فيكفر مباشرة من دون تعريف وهذا صحيح إذا أنكر الإنسان شيئا معلوما من الدين بالضرورة فهو كفر لأنه تكذيب للكتاب وتكذيب للسنة فيعرف فإن رجع وإلاّ أتممنا عليه الكفر إلاّ إذا كان عالما فيكفر ابتداء بلا تعريف. ثم عقد المؤلف فصلا لبيان حكم المرتد.
…
فصل
يقول المؤلف رحمه الله (فمن ارتد عن الإسلام وهو مكلف)
سيأتينا أنّ الحكم أنّ من ارتد عن الإسلام فهو كافر لكن اشترط المؤلف بعض الشروط. فيقول وهو مكلف فبيّن المؤلف أنّ غير المكلف ارتداده لا يعتبر فإذا ارتد فلا نقيم عليه الحد ولا نعتبره في أحكام الدنيا ولا في أحكام الآخرة مرتدا وهذا أمره واضح بالنسبة للصغير دون التمييز وبالنسبة للمجنون.
مسألة / داخل هذا الشرط المميز. المميز هل تعتبر ردته أو لا تعتبر؟ فيه خلاف بين الفقهاء.
القول الأول: أنها لا تعتبر ردته لقول النبي صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة. وإقامة حد الردة من جملة العقوبات وهي مرفوعة عن من لم يكلف.
القول الثاني: أنّ إسلامه معتبر وردته معتبرة ، فإن ارتد قتل واستدل هؤلاء بأنّ علي رضي الله عنه والزبير بن العوام رضي الله عنه اسلموا ولهم ثمان سنين. عقول كبيرة في الحقيقة طفل عمره ثمان سنوات دين جديد في قريش مع الأهوال الموجودة في أول البعثة يسلم عقل كبير بمعنى الكلمة لا ينتهي عجب الإنسان من طفل يكون بهذا التفكير والمستوى ولهذا لم يسلم إلاّ طفلان علي والزبير لأنه بعض الكبار ما أسلموا إللي عقولهم كبيرة ما أسلموا فكيف. دليل على انه رضي الله عنهم لهم عقول راجحة فاستدل الحنابلة وهو وجه عند الحنابلة أنه إذا دلت النصوص على اعتبار إسلامه فنعتبر ردته فنصحح الإسلام والردة.
والقول الثالث: أنّ إسلامه صحيح وردته لا تعتبر ، جمعا بين النصوص وهذا القول اختاره ابن مفلح ومال إليه ابن قدامة ولا شك أنه أقوى الأقوال المذكورة وهو إن شاء الله الراجح.
تنبيه!! وعلى جميع الأقوال إذا ارتد المميز فإنه لا يقتل ولو اعتبرنا ردته صحيحة وإنما ينتظر به إلى أن يكلف وننتظره بعد التكليف لمدة ثلاثة أيام على المذهب ثم إذا لم يرجع أقيم عليه حد الردة وهذا بلا خلاف واستدلوا على هذا بأنّ الصبي ليس من أهل العقوبات فلا نقيم عليه الحد إلاّ بعد أن يبلغ.
ثم - قال رحمه الله (مختارا)
يشترط للردة أن يأتي بهذه الردة قولا أو عملا أو اعتقادا مختارا فإن كان مكرها فإنه لا يكفر لقوله تعالى {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} [النحل/106] ولقول النبي صلى الله عليه وسلم عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. وهذا محل إجماع أنه إذا أكره على الكفر فإنه لا يكفر.
ثم - قال رحمه الله (رجل أو امرأة)
إذا ارتد الرجل فحكمه إذا استوفى الشروط القتل بالإجماع ، وإذا ارتدت المرأة ففيها خلاف. فالمذهب وهو مذهب الجماهير أنّها تقتل لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه. ولأن امرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ارتدت فقتلها.
والحديث الأول في الصحيح والحديث الثاني ضعيف.
القول الثاني: أنّ المرأة إذا ارتدت فإنها تسبى وتكون أمة واستدلوا على هذا بأنّ أمير المؤمنين أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما ارتدت بنو حنيفة وقاتلهم سبى النساء وعاملهم معاملة الإماء. وأهدى علي رضي الله عنه إحدى نساء بنو حنيفة وهي أم محمد بن الحنفية ، وجه الاستدلال أنّ الصحابة أقرّوه على هذا العمل ولم ينقل إنكار فهو إجماع من الصحابة على طريقة ابن قدامة.
القول الثالث: أنها تحبس أبدا حتى تسلم أو تتوب وتضرب لترجع واستدل هؤلاء بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء فقال ولا تقتل امرأة. والجواب أنّ هذا الحديث في الكافرة الأصلية أما المرتدة فليست كذلك والراجح المذهب لكن لم أجد جوابا عن عمل أبي بكر الصديق ، الراجح المذهب لعموم الأدلة ووضوحها ليس في ذهني ولم أجد جوابا كيف يخرج أهل العلم صنيع أبي بكر الصديق ، ربما تحتاج مراجعة أكثر المهم أنا لم أجد وليس في ذهني بعد التأمل ما يجاب به عن مثل هذا العمل إلاّ أن يقال هناك فرق بين الردة الجماعية والردة الفردية ولكن هذا لم أرى أحدا أشار إليه وإلاّ لو قيل هناك فرق بين الردة الجماعية والفردية لكان وجيه لأنه كما سيأتينا حصلت ردة كثيرة في زمن الصحابة في زمن عمر وعثمان ما نقل أنه سبيت النساء إلاّ أنّ الردة التي حصلت في زمن الصحابة هي من قبل الرجال على كل حال الراجح المذهب ولكن نلتمس لاحقا الجواب عن أثر أبي بكر الصديق رضي الله عنه
ثم - قال رحمه الله (دعي إليه ثلاثة أيام)
يشترط قبل قتل المرتد أن يدعى إلى الدين لمدة ثلاثة أيام ، والدليل على هذا أنّ رجلا قدم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسأله كعادته عمر رضي الله عنه عن أخبار القوم الذين جاء منهم فقال حصل وحصل وارتد رجل وقتلناه ، فقال عمر بن الخطاب أفلا حبستموه وأطعمتموه كل يوم رغيفا ثلاثة أيام ثم قتلتموه اللهم إني لم أشهد ولم أحضر ولم أرضى فدل هذا الأثر أنّ عمر رضي الله عنه يرى أنّ صنيعهم منكر وأنه كان يجب عليهم وجوبا الانتظار.
الدليل الثاني: روي نحوه عن علي رضي الله عنه وفيه ضعف.
الدليل الثالث: روي نحوه عن عثمان.
الدليل الرابع: روي في الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ينتظر بالمرتد ثلاثة أيام وهذا الحديث معلول بالإرسال فقط مرسل وأنتم تعرفون أنّ المراسيل ليست في الضعف كغيرها وأنها تصلح للاستئناس والاحتجاج متى احتفت بفتاوى وقد احتفت الآن بفتاوى عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة.
القول الثاني: أنه يستحب ولا يجب الانتظار ثلاثة أيام فلولي الأمر أن يقتله بمجرد ما يرتد واستدلوا على هذا بأنّ أبا موسى الأشعري رضي الله عنه لما ذهب إلى اليمن أرسل له النبي صلى الله عليه وسلم معاذ فلما قدم ودخل المجلس ثنى له أبو موسى الوسادة فرأى رجلا مربوطا فقال ما بال هذا قال إنه ارتد قال لا أجلس حتى يقتل فلم يجلس حتى قطعت رقبته فقالوا في هذا الحديث أنه لم ينتظر به لمدة ثلاثة أيام وإنما قتل في المجلس.
والجواب على هذا الحديث. أولا أنّ سنة عمر المؤيدة بفتاوى غيره من الصحابة وبالحديث المرسل أولى من فتوى معاذ وفتوى أبي موسى الأشعري.
ثانيا: أنه يحتمل وليس احتمالا بعيدا أنّ هذا المرتد بقي عند أبي موسى الأشعري لمدة ثلاثة أيام.
الدليل الثاني لأصحاب القول الثاني: عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه. ولم يقل استتيبوه ثلاثة أيام. والراجح الأول إن شاء الله لأنّ القاعدة عند الفقهاء تقول لأن يخطئ الوالي بترك العقوبة خير من أن يخطئ بظلم المعاقب. لا نقول ينتظر ثلاثة أيام لاسيما مع هذا الأثر الصحيح الصريح من أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه
ثم - قال رحمه الله (وضييق عليه)
يعني أنه يجب في أثناء الثلاثة أيام أن يضييق عليه إما في المكان أو المطعم أو في المشرب أو في الجميع لقول عمر رضي الله عنه أطعمتموه كل يوم رغيفا. فهذا دليل على أنه يجب أن يضييق عليه ولا ينتظر بالمرتد لمدة ثلاثة أيام ويوضع في المكان المريح وإنما يوضع في مكان يحصل عليه فيه ضيق ليراجع نفسه.
ثم - قال رحمه الله (فإن لم يسلم قتل)
لعموم النصوص السابقة لقوله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه ولقتل معاذ ولقتل الصحابة الذين نقلوا إلى عمر فإنّ عمر لم ينكر القتل وإنما أنكر عدم الانتظار ثلاثة أيام فقتل المرتد يشبه أن يكون متواتر.
ثم - قال رحمه الله (بالسيف)
يعني أنه يجب أن يقتل بالسيف لا بغيره لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال من بدل دينه فاقتلوه ولا تعذبوه بعذاب الله. وفسروا العلماء جميعا عذاب الله النار. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم إنّ الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة والقتل بالسيف من الإحسان فلا يجوز أن يقتل إلاّ بالسيف.
ثم - قال رحمه الله (ولا تقبل توبة من سب الله ..... ألخ)
بدأ المؤلف ببيان من لا تقبل منهم التوبة فإذا ارتد فلا نقبل منه الرجوع ومقصود المؤلف بقوله لا تقبل منه التوبة يعني في أحكام الدنيا، أما في أحكام الآخرة فإن صدقت توبته فهي مقبولة بالإجماع إنما نحن نتحدث عن أحكام الدنيا أما في بينه وبين الله فهي مقبولة وهذا بلا خلاف.
قال رحمه الله (من سب الله)
من سب الله ثم قال تبت فإناّ نقول التوبة غير مقبولة لأنّ الذنب الذي اقترفته عظيم يدل على أنّ فيك من الخبث والفساد ما لا يتصور الرجوع عنه فلا نقبل منه ونقتله ولو زعم أنه تاب توبة نصوح.
القول الثاني: أنّ من سب الله تقبل توبته ويقبل منه ويرفع عنه الحد أولا لعموم النصوص الدالة على قبول توبة التائب.
الثاني: أنّ الذين استهزءوا بالله وبرسوله قبلت توبة بعضهم لقوله تعالى {إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة} [التوبة/66] وقوله إن نعف عن طائفة منكم هذا العفو بالتوبة لأنّ الكافر لا يعفى عنه والمسلم لا يعفى عنه بالكبائر إلاّ بالتوبة فدل على قبول توبته.
الدليل الثاني: أنه جاء في بعض النصوص أنّ فريقا من الذين استهزءوا قبل منهم النبي صلى الله عليه وسلم التوبة لكن لم يظهر لي صحة هذا الأثر وهي مروية ذكرها الحنابلة لكن يغلب على ظني أنها ليست بصحيحة يعني أنه لم يثبت أنه رضي النبي صلى الله عليه وسلم وقبل توبة أحد من الذين استهزءوا لكن هو مروي أنه قبل والآية واضحة في تقوية هذا الأثر لكنه من حيث الإسناد لا أظن أنه يصح يحتاج إلى مراجعة لم أرجع إسناده لكن لا أظنه يصح. والراجح أنّ التوبة مقبولة.
قال رحمه الله (أو رسوله)
لا تقبل توبة من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفس الدليل السابق أنّ توبة الرسول وهو سيد الخلق ونبي الله دليل على أنه فسد قلبه بما لا يصلح بعده أضف إلى هذا أنّ في سب الرسول حقا للرسول ولا نعلم هل صفح عنه أو لا.
والقول الثاني: أنّ ساب الرسول صلى الله عليه وسلم تقبل توبته ويرفع عنه الحد.
والقول الثالث: أنّ ساب الرسول صلى الله عليه وسلم تقبل توبته ويعتبر من المسلمين يرث ويورث ويغسل ويكفن ويدفن مع المسلمين إلاّ أنه مع ذلك يقتل لحق رسول صلى الله عليه وسلم لأنه سب الرسول ولا نعلم هل صفح عنه الرسول أو لا فصارت الأقوال ثلاثة ، أنها لا تقبل توبته مطلقا. أنها تقبل مطلقا. أنها تقبل لكن مع ذلك يقتل. هذا القول الثالث نصره شيخ الإسلام بأدلة كثيرة جدا متنوعة بطرق مختلفة في الصارم المسلول حتى قال البعلي وهو اختصر الصارم المسلول كما تعلمون في الكتاب اختصره وقال أتى بأنواع وأصناف من الأدلة لا يمكن للمنصف إذا رآها إلاّ أن يقرّ بصحتها وهو كذلك استدل بأدلة كثيرة رحمه الله وأثبت أنه سب الرسول فلا مناص من قتله لكن إن تاب قبلت توبته ودفن مع المسلمين وإن لم يتب قتل ردة وصار مع الكافرين.
ثم - قال رحمه الله (ولا من تكررت ردته)
من تكررت ردته ولو لمرة واحدة كما هو ظاهر كلام المؤلف أنها لا تقبل توبته لقوله تعالى {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا} [النساء/137] فقالوا الآية حكمت عليه بالمرة الثانية أنه لن تقبل توبته.
القول الثاني: أنه إذا ارتد مرة تقبل وإذا ارتد الثانية لم تقبل واستدل هؤلاء بالآية واستدلوا أيضا بأنّ ابن مسعود رضي الله عنه أوتي برجل ارتد فعفا عنه فلما أوتي به المرة الثانية مع جماعة عفا عمن معه وقتله وقال قد جئت قبل هذه مرة. لكن هذا الأثر عن ابن مسعود فيه ضعف.
القول الثالث: أنّ من تكررت ردته فإنه تقبل توبته لكن ينبغي بالنسبة لمن تكررت ردته أن يستقسي الإمام وأن يعاقبه عقوبة بليغة حتى يتبيّن له أنه تائب وليس متلاعب لكنه إذا تبيّن أنه تاب فإنه يقبل منه لاسيما إذا كانت الردة سببها الشهوة وليست الشبهة فإنّ من ردته بسبب الشهوة قد تتكرر لكن يتوب توبة نصوح ،أما من كانت ردته بسبب الشبهة فهذا الذي ينبغي أن يتثبت في حاله الإمام
ثم - قال رحمه الله (بل يقتل بكل حال)
هذه ثمرة عدم قبول التوبة أنّ مصيره القتل بكل حال مهما أظهر من الرجوع والتوبة.
قال رحمه الله (وتوبة المرتد وكل كافر إسلامه بأن يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا رسول الله)
توبة كل مرتد مهما كان نوع الردة إسلامه ثم بيّن بماذا يكون الإسلام فقال بأن يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا رسول الله. الدليل على هذا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله ومفهوم كلام المؤلف أنه إذا ارتد ثم شهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا رسول الله فإنه لا ينبغي الكشف عن حقيقة سبب الردة وهل رجع عنها وهل تاب وأقلع وإنما نكتفي منه بالتوبة فإذا أشرك صار يسجد للأصنام ثم تاب فإنّا نقبل منه ولا نقول هل ترى الآن أنّ السجود للصنم شرك أو لا وإنما نقبل منه ونكل باطنه إلى الله. ثم لما بيّن المؤلف رحمه الله أنّ التوبة تقبل بمجرد الشهادتين أراد أن ينبه إلى مسألة وهي قسم من المرتدين لا تقبل توبتهم بمجرد الشهادتين.
يقول رحمه الله (ومن كان كفره بجحد فرض ونحوه)
إذا جحد فرض بأن قال الصلاة ليست بواجبة أو الحج ليس بواجب أو جحد نحو الفرض كأن يجحد أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رسالته عامة للثقلين فهذا له توبة خاصة.
يقول فيها رحمه الله (فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به)
توبة الجاحد لا تحصل إلاّ بأن يأتي بأمرين: الشهادتين وأن يقر بالذي جحد لأنه إذا لم يقر بالمجحود فإناّ لا نعلم هل رجع عنه أو لم يرجع ولهذا يجب أن يشهد ويجب أن ينطق ويقول رجعت عن جحد وجوب كذا وكذا وأنا أرى الآن أنه واجب أو رجعت عن تحريم كذا وكذا وأنا أرى الآن أنه محرم تصريحا ولا نكتفي منه أنه يقول تبت وأشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله بل يجب مع الشهادتين أن يقر بما جحد أو بطريقة أخرى.
قال رحمه الله (أو قوله: أنا بريء من كل دين يخالف الإسلام)
يعني مع الشهادتين فالشهادتان ثابتتان لكن إما أن يقر بالمجحود أو يقول أنا بريء من كل دين يخالف دين الإسلام إلى هذا ذهب الحنابلة.
والقول الثاني أنّ الجاحد لا تقبل توبته إلاّ بالشهادتين وأن يقر ولا تقبل توبته بمجرد أن يقول أنا بريء من كل دين يخالف دين الإسلام.
والقول الثالث: أنه إن كان كفره بإنكار أصل من أصول الإسلام ظاهر فإنه يكتفى من أن يقول أنا بريء من دين يخالف دين الإسلام وإلاّ فإنه يجب أن يقر بما جحد وإلى هذا القول مال الشيخ العلامة ابن قدامة وعلل هذا بأنه يوجد من المبتدعة من الذين يكفرون ببدعتهم من يرى أنّ الإسلام هو الملة التي هو عليها فلا ينفعه أن يقول أنا بريء من كل دين يخالف دين الإسلام لأنّ دين الإسلام عنده هو ما هو عليه ولا شك أنّ هذا التنبيه من ابن قدامة جيد وأنا ما نقبل من المنكر إذا كان لم ينكر شيئا ظاهرا من الإسلام إلاّ إذا أقر واعترف بما جحده من دين الإسلام وغالب الكفر بالجحود غالبا يكون من القسم الثاني وهو إنكار شيء غير معلوم من الدين بالضرورة ولهذا الأقرب والأحسن أن يقال أنّ الكافر جحودا لا يقبل منه إلاّ بالشهادتين وأن يقر بما جحد مطلقا فنقول أقرّ بما جحدت واشهد الشهادتين ويكون هذا مقبولا منك.