المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الدرس: (3) من الأيمان   قال شيخنا حفظه الله: بسم الله الرحمن الرحيم - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٦

[أحمد الخليل]

الفصل: الدرس: (3) من الأيمان   قال شيخنا حفظه الله: بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس: (3) من الأيمان

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

‌باب النذر

النذر هو إلزام النفس نفسه عبادة لله.

قال المؤلف رحمه الله (لا يصح إلاّ من بالغ عاقل ولو كافر)

قوله لا يصح بيان للحكم الوضعي ولم يتطرق المؤلف للحكم التكليفي وغيره من الحنابلة تطرقوا وكان ينبغي أن يتطرق لأنّ بيان حكم التكليفي أهم من بيان الحكم الوضعي واختلف الفقهاء في حكم النذر على أقوال:

الأول" وهو المذهب وإليه ذهب الجماهير أنه مكروه وصحيح واستدل الجمهور بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى النذر وقال إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل. وجه الاستدلال من وجهين: الأول: أنه نهى والأصل في النهي التحريم.

الثاني: أنه إذا كان لا يأتي بخير فبذل المال ففيه من بذله في غير فائدة شرعية فهو إسراف وتبذير والإسراف والتبذير محرم.

ص: 296

القول الثاني: وهو مذهب بعض السلف واختاره الصنعاني ومال إليه شيخ الإسلام أنه محرم وإن كان صحيحا لكن يحرم على الإنسان أن يعقد النذر واستدل بالدليل السابق وقال دلالته على التحريم لأنّ النهي الأصل فيه التحريم والأصل في الإسراف والتبذير أيضا التحريم.

القول الثالث: أنه يستحب لأنّ الله تعالى مدح الذين يوفون بالنذر وجه الاستدلال أنّ الإيفاء بالنذر ممدوح ولو كان النذر محرما لم يمدح لأنّ سيئة التحريم تفوق الوفاء بالنذر. وأجابوا عن الأحاديث الناهية عن النذر أنّ المقصود بها تأكيد الوفاء بالنذر وليس النهي عنه.

والقول الرابع: أنه مباح جمعا بين النصوص. والراجح أنه مكروه لصريح النهي عنه.

ثم - قال رحمه الله (لا يصح إلاّ من بالغ عاقل)

قوله لا يصح إلاّ من بالغ عاقل يعني لا يصح إلاّ من المكلف وفهم من كلام المؤلف أنه لا يجب على المميز ولا على المراهق وإنما يجب على المكلف فقط وهذا صحيح وهو محل وفاق بين الفقهاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة. والإنسان قبل التكليف لا يجب عليه شيء من الواجبات في أصل الشرع ولا بفرعه.

ثم - قال رحمه الله (ولو كافرا)

يعني ويصح ويلزم ولو من كافر لأنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه استفتى النبي صلى الله عليه وسلم بأنه نذر أن يعتكف يوما

في المسجد الحرام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك. والمقصود بقوله بنذرك يعني الذي كان حال الكفر. فدل هذا الحديث على أنه يصح من الكافر.

ثم - قال رحمه الله (والصحيح منه خمسة أقسام)

النذر لا ينعقد بمجرد النية بل يحتاج إلى قول فلا يصح إلاّ بقول وإلى هذا ذهب الجماهير وإذا ثبت أنه لا يصح إلاّ بقول فهل له ألفاظ مخصوصة أو يصح بكل قول فيه خلاف فمن الفقهاء من قال له ألفاظ مخصوصة أو له لفظ مخصوص وهو أن يقول لله علي كذا وكذا.

أو يقول علي كذا وكذا. ولو بلا لله وإذا لم يستخدم هذا اللفظ فإنه لا يصح.

القول الثاني: أنه ليس لفظ محدد بل ينعقد بكل ما دل عليه.

ص: 297

والقول الثالث: أنه لا ينعقد إلاّ بلفظه الخاص إلاّ إذا دل عليه قرينة أو حال المتكلم فإنه ينعقد بكل لفظ. والراجح القول الثالث إن شاء الله ويختص بلفظ معين ما لم تدل القرائن على أنه ينعقد بكل لفظ وهذا القول الثالث الخلاف أو الفرق بينه وبين القول الثاني محدود

جدا في مسائل قليلة.

قال رحمه الله (المطلق: مثل أن يقول لله علي نذر ، ولم يسم شيئا فليزمه كفارة يمين)

المطلق يعني القسم الأول النذر المطلق هو كما قال المؤلف أن يقول لله علي نذر ولم يقيد هذا النذر بعمل معين فحكمه على كلام المؤلف أنه صحيح وفيه كفارة وإلى هذا ذهب الجمهور جماهير العلماء على هذا واستدلوا بأمرين: الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين وهذا الحديث فيه ضعف.

الثاني: أنه صح عن ابن عباس وغيره من الصحابة أنهم أفتوا بذلك.

والقول الثاني: أنه يعني النذر الذي لم يسم لا ينعقد وليس فيه كفارة واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم إنما النذر ما ابتغي به وجه الله. وهذا لم يقيد الفعل أصلا والراجح الأول لأنه مروي عن الصحابة وليس في الباب ما يدفعه بل فيه حديث ضعفه يسير.

قال رحمه الله (الثاني: نذر اللجاج والغضب وهو تعليق نذره بشرط يقصد المنع منه أو الحمل عليه أو التصديق أو التكذيب)

المقصود بنذر اللجاج والغضب هو النذر الذي خرج مخرج اليمين ولم يقصد صاحبه الطاعة والتبرك وإنما قصد أمرا من أربعة إما الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب. فإذا خرج هذا المخرج فهو نذر لجاج وغضب وحكمه قال فيه المؤلف حكمه أنه يخير بين أن يفعل النذر أو يكفر كفارة يمين وإلى هذا ذهب الجمهور ومقصودهم إذا حصل الشرط فإذا قال لله علي نذر أن أصوم إن خرجت أو إن دخلت ثم خرجت أو دخلت فإنه مخير بين أن يصوم وبين أن يكفر كفارة يمين واستدل الجمهور بقول النبي صلى الله عليه وسلم لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين. وهذا الحديث أيضا في البخاري.

الدليل الثاني: أنّ هذا مروي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

الدليل الثالث: أنّ نذر اللجاج والغضب فيه معنى النذر وفيه معنى اليمين فيبرأ من العهدة بأداء أي منهما.

ص: 298

القول الثاني: أنّ فيه كفارة يمين فقط يعني تلزمه كفارة اليمين ولو أدى المنذور ولو صام في المثال السابق واستدلوا بأنّ الحديث يقول لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين.

والقول الثالث: أنه لا يبرأ إلاّ بالوفاء بالنذر للعمومات الآمرة بالوفاء بالنذر ولا يخفاكم أنّ الراجح المذهب إن شاء الله. لقوة أدلتهم ولأنّ معهم الآثار.

قال رحمه الله (الثالث: نذر المباح كلبس ثوبه ، وركوب دابته)

معنى النذر المباح أي التزام المكلف فعلا مباحا فإذا التزم فعلا مباحا لا يوصف بأنه معصية ولا بأنه طاعة فهو من هذا القسم الثالث وهو النذر المباح.

يقول رحمه الله (فحكمه كالثاني)

يعني حكمه حكم نذر اللجاج فيكون مخير بين أن يفعل وبين أن يكفر ولا يجب عليه أن يفعل واستدلوا بأدلة الدليل الأول: أنّ جارية نذرت إن قدم النبي صلى الله عليه وسلم سالما أن تضرب على رأسه بالدف فقال النبي صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك.

الثاني: القياس على القسم السابق.

القول الثاني: أنّ النذر المباح لا ينعقد وليس فيه كفارة يمين واستدلوا هؤلاء بدليلين: الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما النذر ما ابتغي به وجه الله ، هذا الحديث صححه ابن الملقن وتقريبا جميع المعاصرين.

والدليل الثاني: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صعد على المنبر ليخطب فرأى رجلا واقفا فقال ما بال هذا فقالوا إنه نذر أن يقوم فلا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم وأن يصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه.

وجه الاستدلال أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بكفارة مع أنه نذر أن يقوم ، هذا القول الثاني مال إليه ابن عبدوس وهو قول في الحقيقة يعني الآثار تقويه لكن يشكل عليه ما سيأتينا بعد قليل في مسألة نذر المعصية. والقول اللي هو المذهب رجحه شيخ الإسلام رحمه الله وقال [من نذر أن يفعل مباحا فقد حلف على فعله أو كأنه حلف على فعله]

ثم - قال رحمه الله (وإن نذر مكروها من طلاق أو غيره استحب أن يكفر ولا يفعله)

ص: 299

قوله نذر مكروها إن نذر فعلا مباحا لكنه مكروه ففي هذه الحال أيضا يخير لكن يستحب أن لا يفعل المكروه. والدليل على هذا القياس على اليمين وتقدمت معنا قياس على لو حلف على أمر غير مستحب.

والثاني: أنّ فعل المكروه لا يستحب ولذلك استحببنا له أن يكفر وأن لا يفعل.

قال رحمه الله (الرابع: نذر المعصية كشرب خمر ، وصوم يوم الحيض ، والنحر)

نذر المعصية أن يلتزم بالنذر فعل محرما كأن يقول لله علي نذر أن أشرب الخمر وأن أصوم يوم الحيض أو النحر. وهذه المسائل التي ذكرها المؤلف نادرا أو لا تكاد تقع لكن من أشهر صور نذر المعصية أن ينذر نذرا يشتمل على قطيعة الرحم المحرمة هذا موجود كثير.

يقول الشيخ رحمه الله (فلا يجوز الوفاء به)

نذر المعصية لا يجوز الوفاء به إجماع لقول النبي صلى الله عليه وسلم من نذر أن يعصي الله فلا يعصه. فلا إشكال في أنه لا يجوز الوفاء به

ثم - قال رحمه الله (ويكفر)

إذا نذر نذر المعصية صار ملزما بكفارة اليمين بخلاف الأنواع السابقة التي يخير فيها هنا لا تخيير بل هو ملزم بالكفارة واستدلوا بأدلة

الدليل الأول: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين. هذا صححه المتأخرون وضعفه جمهور الأئمة والراجح أنه لا يصح لكن مع ذلك الإمام أحمد احتج به وتقدم معنا أنّ احتجاج الإمام أحمد بنص لا يلزم منه التصحيح.

الدليل الثاني: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال النذر يمين وكفارته كفارة اليمين.

الدليل الثالث: أنه صح عن ابن عباس أنه قال من نذر نذر معصية فعليه كفارة اليمين.

والقول الثاني: أنّ من نذر نذر معصية فإنه لا شيء عليه وهو لغو باطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا نذر إلاّ فيما ابتغي به وجه الله. ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم لا نذر في معصية. والأصل في النفي أنه نفي للحقيقة الشرعية. يعني أنه لم ينعقد وإذا لم ينعقد فهو عبث ولغو. مسألة نذر المعصية ونذر المباح يعني مسألتان قريبتان من بعض. الراجح فيهما اعتمادا على الآثار وجوب الكفارة وإلاّ في الحقيقة من حيث النظر القول بأنه لا ينعقد وجيه جدا لولا الآثار ومال إليه أي إلى هذا الأمر كثير من المحققين

ص: 300

وهو مذهب الشافعي الذي نصره ونصره تبعا لنصره البيهقي فهو مذهب قوي وحديث الجارية التي نذرت أن تضرب على رأسه صلى الله عليه وسلم لا يدل على تصحيح نذر المباح لأنّ الضرب على رأس النبي فرحا بقدومه نوع من العبادة فلا يصدق عليه أنه نذر مباح صحيح الأصل في ضرب الدف أنه مباح في الأحوال التي يجوز فيها لكن في هذه الصورة هو يعتبر طاعة وقربة مقصودي أنه لا يوجد دليل واضح على تصحيح نذر المباح ونذر المعصية وإيجاب الكفارة سوى الآثار. الآثار هي التي جعلت الإنسان يتوقف ويرجح مذهب الجمهور الذين قالوا بوجوب الكفارة.

ثم - قال رحمه الله (الخامس: نذر التبرر)

نذر التبرر هو كل نذر قصد به الإنسان التقرب إلى الله بعبادة مشروعة فإذا قصد بالنذر التقرب إلى الله فهو نذر تبرر.

ثم - قال رحمه الله (مطلقا أو معلقا)

يعني سواء كان النذر نذر الطاعة طاعة مطلقا أو معلقا ، فالمطلق وهو أفضل النوعين أن يبتدئ النذر من غير مقابلة نعمة كأن يقول ابتداء لله علي نذر أن أصوم يوما في سبيل الله. والنذر المعلق هو كل نذر نذره الإنسان في مقابل نعمة أو اندفاع نقمة ، كأن يقول لله علي نذر إن حفظت بلوغ المرام أن أصوم لله أو أن أتصدق أو أن أذبح وكان يقول هذا بالنسبة للنعمة ، وكأن يقول بالنسبة للنقمة لله علي نذر إن شفيت أو إن شفي مريضي أن أفعل كذا وكذا من العبادات فالنذر بنوعيه صحيح ومنعقد. ثم بيّن حكمه ومثّل

فقال رحمه الله (كفعل الصلاة والصيام والحج ونحوه)

نذر الطاعة ينقسم إلى قسمين: القسم الأول أن ينذر واجبا له نظير في أصل الشرع يعني من حيث الوجوب.

القسم الثاني: أن ينذر نذرا ليس له نظير في أصل الوجوب من حيث الشرع فإذا قال لله على نذر أن أصلي فالصلاة تجب بأصل الشرع وإذا قال لله علي نذر أن أزور المريض أو أن أعتكف فقد نذر نذرا ليس له أصل في الوجوب شرعا. المؤلف مثل على القسم الأول ولم يمثل على القسم الثاني ولو أنه شكل ونوّع على كل قسم لكان أوفى.

يقول رحمه الله (كقوله إن شفى الله مريضي أو سلم مالي الغائب فلله علي كذا)

ص: 301

كذلك مثّل دفع نقمة ولم يمثلّ على جلب نعمة ، ولو أنه مثلّ على النوعين لكان أوفى فقوله إن شفى الله مريضي هذا نذر تبرر مطلق ولا معلق؟ معلق. وكذلك إن سلم مالي الغائب فلله علي كذا نفس الشيء.

يقول المؤلف رحمه الله في بيان الحكم (فوجد الشرط لزمه الوفاء به)

عرفنا من هذا أنّ بعض أنواع النذر يخير وبعض أنواع النذر يلزم بالكفارة وبعض أنواع النذر يلزم بالوفاء ولزوم الوفاء بنذر التبرر ينقسم إلى قسمين: إن كان في طاعة أصلها واجب في الشرع فهو واجب إجماعا لقول النبي صلى الله عليه وسلم من نذر أن يطيع فليطعه. وإن كان التزاما لأمر لم يجب لأصل الشرع كالاعتكاف وزيارة المريض والصدقة ونحوها فإنه والحالة هذه يجب عند الجماهير لكن ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يجب لأنه لم يجب بأصل الشرع فلا يجب بالنذر وهذا القول الثاني ضعيف جدا لأنه مخالف لنص الحديث بلا مبرر فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول من نذر أن يطيع الله فليطعه. ولم يفرق بين أنواع النذر والوجوب في النذر مستفاد من النذر لا من الأدلة الدالة على وجوب العبادات في أصل الشرع.

ثم - قال رحمه الله (إلا إذا نذر الصدقة بماله كله)

لما قرر وجوب الوفاء بالنذر أراد أن يبيّن المستثنيات ، المستثنى الأول: أن ينذر التبرع بماله كله هذه المسألة اختلف فيها الفقهاء على نحو عشرة مذاهب: يعني الإنسان لا يتصور أن يكون في هذه المسألة هذه المذاهب. لكنهم اختلفوا على القدر نحن نذكر الأقوال القوية من هذه العشر:

القول الأول: أنه لا يجب عليه أن يوفي بنذره ، وإنما يحب عليه أن يخرج الثلث واستدلوا بأنّ أبا لبابة رضي الله عنه نذر أن يتصدق بماله كله فقال النبي صلى الله عليه وسلم يجزيك الثلث.

الدليل الثاني: أنّ كعب رضي الله عنه لما جاءت توبته قال لله علي نذر أن أتصدق بمالي فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبق عليك بعض مالك. وهذا في الصحيحين والأول ضعيف.

القول الثاني: أنه يجب عليه أن يوفي بما نذر وأن يتصدق بجميع ماله لعموم من نذر أن يطيع الله فليطعه. وعلى هذا يتصدق بالنقد والأعيان والبيوت وجميع أنواع الأموال.

ص: 302

القول الثالث: أنه يتصدق بكل المال ويبقي عليه ما يكفيه وولده بالمعروف بلا تحديد قدر معين من المبقى وإلى هذا ذهب عدد من السلف من المتقدمين واختاره ابن حزم واختاره ابن القيم واستدل هؤلاء بالحديث حديث كعب فإنه أمره بأن يبقي بعض المال وهذا القول الأخير وجيه وفيه جمع بين الأدلة إلاّ أنه يشكل عليه شيء واحد وهو أنّ حديث كعب ليس فيه لفظ النذر مطلقا وإنما فيه الصدقة فالاستدلال له قاصر نوعا ما لكن مع ذلك الاستئناس به إلى أنه يجب أن يخرج جميع المال ويبقي ما يكفيه وولده جيد وفيه نوع من الجمع بين الأدلة. يليه في القوة القول أنه يجب أن يخرج جميع ماله لأنه لا يوجد مقيد للحديث من نذر أن يطيع الله فليطعه. فبأي شيء نخرج عن هذا الحديث إذا كان حديث أبي لبابة ضعيف والحديث الآخر ليس في النذر بأي نخرج عن هذا الحديث. هناك قول رابع جيد ما أقول راجح لكن فيه وجهة نظر. أنه عليه أن يخرج جميع ماله النقدي دون ما سواه من الأعيان ودليل هؤلاء أنّ أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما أخرج ماله سمي بأنه تبرع بكل ماله مع أنّ بيته الذي يسكن فيه بقي له وهذا القول أيضا جيد المهم الراجح القول الثالث يليه القول الثاني.

ثم - قال رحمه الله (أو بمسمى منه يزيد على ثلث الكل)

يعني كذلك إذا نذر أن يتبرع بقدر من المال يزيد هذا القدر على ثلث المال فكذلك لا يجب عليه إلاّ الثلث قياسا على المسألة السابقة فقاسوا ما إذا زاد القدر المتبرع به على أكثر المال ما إذا تبرع بكل المال والراجح أنه يجب عليه أن يتبرع بكل ما نذره إذا كان أقل من كل المال يعني إذا لم يكن من كل المال يعني إذا لم يكن كل المال والمؤلف خالف المذهب في هذه المسألة إذا هو يقول أو بمسمى منه يزيد على ثلث الكل ويجعل ما زاد على الثلث حكمه حكم الكل مع العلم إنما زاد على الثلث قد يكون زيادة قليلة وحينئذ يكون الباقي أكثر من أيش؟ يبقى الثلثان إلاّ قليلا. ففي هذا القول ضعف ظاهر جدا لو كان القول أنه إذا زاد على الثلثين يعني إذا نذر أن يتبرع بثلثي ماله لكان هذا القول وجيه لكن هم يقولون منه ما يزيد على ثلث الكل فقط. ثلث الكل يسير ولا يوجد أي مبرر للخروج عن الحديث.

ص: 303

ثم - قال رحمه الله (فإنه يجزيه قدر الثلث)

يعني في المسألة الأولى وفي المسألة الثانية. ومفهوم عبارة المؤلف أنه يجزيه قدر الثلث بلا كفارة وهو كذلك لأنه إنما نقص عن كل المال بالأدلة الشرعية فلا يجب عليه مع ذلك أن يكفر.

ثم - قال رحمه الله (وفيما عداها يلزمه المسمى)

فإذا تصدق بالثلث فأقل فليزمه أن يخرج ما سمى بلا نزاع لعموم من نذر أن يطيع الله فليطعه فهذا القدر لا إشكال في وجوبه فيجب عليه أن يخرجه طاعة لله.

ثم - قال رحمه الله (ومن نذر صوم شهر لزمه التتابع)

إذا قال الإنسان لله علي نذر أن أصوم شهرا فيجب عليه بمجرد اللفظ أن يصومه متتابعا واستدلوا على هذا بأنّ المتبادر لإطلاق كلمة الشهر التتابع فليزمه أن يصومه متتابعا.

والقول الثاني: أنّ له أن يصومه ولو بغير تتابع واستدلوا على هذا بأنّ الشهر يطلق على معنيين في الشرع على ما بين الهلالين وعلى الثلاثين يوما ولو نذر أن يصوم ثلاثين يوما فإنه لا يلزمه التتابع فكذلك إن نذر شهرا لأنه أحد معنييه وهذا صحيح وعرفنا الآن الفرق بين أن يقول الإنسان لله علي نذر أن أصوم ثلاثين يوما وبين أن يقول لله علي نذر أن أصوم شهرا بينهما فرق لأنه بالعبارة الثانية يلزمه على المذهب التتابع.

ثم - قال رحمه الله (وإن نذر أياما معدودة لم يلزمه إلاّ بشرط ونية)

إذا نذر أياما معدودة يعني سواء كانت أقل من الشهر أو أكثر من الشهر أو بعدد أيام الشهر فإنه لا يلزمه إلاّ أن يصومها ولو بغير تتابع

كأن يقول لله علي نذر أن أصوم ستة أيام فله أن يصوم متتابعة وله أن يصومها متقطعة والدليل على هذا أنّ هذه الصيغة لا توجب التتابع فإنه نذر صيام أيام فلا يلزمه التتابع. واستدلوا أيضا بقوله تعالى فعدة من أيام أخر وقضاء صوم رمضان لا يجب فيه التتابع بالإجماع فكذلك الأيام المنذورة لأنها أيام هنا وأيام هناك.

قال رحمه الله (إلاّ بشرط أو نية)

ص: 304

قوله إلاّ بشرط أو نية يعني إلاّ أن ينوي التتابع في الأيام أو يشرط على نفسه التتابع في الصيام ، والفرق بين الشرط والنية أنّ النية بلا نطق والشرط بالنطق فإذا شرط أو نوى لزمه التتابع. وقبل أن نختم من خلال النظر في أحوال الناس تجد أنّ كثير من الناس يسارع في النذر وغالبا ما يجعل على نفسه نذرا صعبا جدا لأنه يتحمس عند النذر طالبا تحقيق مراد أو دفع فساد فيذكر نذرا فيه تصعيب سواء كان في العبادات او في التبرعات والواجب على الإنسان أن يتأنى كما أنّ الواجب على طالب العلم أن ينبه الناس على أنّ النذر مكروه ولا يحبه الله وأنه إذا أراد الإنسان أن ينذر فينبغي أن يقصد النذر المطلق لا المعلق. الثاني أن يتأنى وأن لا يلزم نفسه بشيء يشق عليه في الحال أو المآل. توجد امرأة نذرت أن تصوم يوما وتفطر يوما وحال النذر كانت امرأة قد جاوزت الخمسين سنة لماذا؟ لأنّ ابنها كان مريضا مرضا شديدا وكانت نفسها رقيقة ومتعلقة به فنذرت أن تصوم يوم وتفطر يوم فلما شفي وقعت في إشكال عظيم والإشكال بالنسبة للناذر لاسيما إذا كان شخصا صالحا وتقيا أنه حتى إذا أفتي بالكفارة لعجزه تبقى القضية في نفسه حرجة ويستمر متردد وحرج من هذا الأمر وتعلمون أنّ حتى عائشة رضي الله عنها دخلت في إشكال بسبب النذر أليس كذلك لأنها نذرت أن تكلم عبد الله بن الزبير رضي الله عنه فلما دخل عليها وقبلها يدها ورجلها. وقالت إنما النذر أمر شديد يعني كأنها تقول إشكال ولكن النذر أمره شديد فما زالوا بها حتى كلمته فصارت تعتق تقريبا إلى أن توفيت وهي تعتق عن هذا النذر لأنها دخلت في حرج شرعي بسبب النذر.

ص: 305