الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الشهادات
الدرس (1) من الشهادات
قال رحمه الله كتاب الشهادات.
مناسبة الإتيان بكتاب الشهادات بعد القضاء من وجهين:
الوجه الأول: أنّ الشهادة لا تقبل إلاّ في مجلس القضاء فشابهت القضاء الذي لا يكون إلاّ في مجلسه.
الثاني: أنّ في كل بين الشهادة والقضاء قاسم مشترك وهو أنه ينتفع بها أحدهما ويتضرر الآخر وهذا قاسم مشترك بين القضاء والشهادة
ولهذين السببين ناسب أن يذكر الفقهاء كتاب الشهادات بعد كتاب القضاء.
والشهادات جمع شهادة. والشهادة في لغة العرب / هي الإخبار بصحة الشيء عن مشاهدة لا عن ظنّ وتخمين وأما في الشرع فهي قريبة من هذا المعنى فالشهادة في الشرع: هي الإخبار بصدق أحدهما في مجلس القضاء بلفظ الشهادة.
والشهادة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع. وستأتي إن شاء الله الأدلة.
قال رحمه الله (تحمّل الشهادة في غير حق الله فرض كفاية)
تحمل الشهادة فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الباقين. والدليل على هذا قوله تعالى {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} [البقرة/282] ومعنى الآية عند الحنابلة إذا ما دعوا ليتحملوا الشهادة واعترض على هذا القول بأنّ الآية إنما هي في الأداء وليست في التحمل ولا يستقيم أن نستدل بها على التحمّل.
والجواب على هذا أنّ الصحيح من أقوال المفسرين الذي ذهب إليه الحسن وغيره أنها في التحمل والأداء فيصلح أن يستدل بها الحنابلة فإذن تحمل الشهادة فرض كفاية إذا لم يقم به من يكفي فإنّ الجميع آثمون فإذا دعي الإنسان إلى أن يشهد واستطاع أن يشهد وعلم أنه لن يشهد معه أحد أو سيتخلف الناس فهو آثم إن لم يشهد مع أخيه.
يقول الشيخ رحمه الله (في غير حق الله)
أفادنا المؤلف أنه في حقوق الله فإنّ الشهادة لا تعتبر فرض كفاية وهي عند الحنابلة مباحة أو يستحب تركها واستدلوا على هذا بأنّ الحدود مبنية على الستر والدرء بالشبهات والنبي صلى الله عليه وسلم يقول من ستر مؤمنا في الدنيا ستره الله في الآخرة. فدلت هذه النصوص على أنّ تحمل الشهادة في باب الحدود مباح أو يستحب تركه. والأقرب والله أعلم أنه يستحب تركه لأنّ النصوص المروية عن الصحابة تميل إلى هذا المعنى في باب الحدود.
مسألة / هو يستحب تركه إذا لم يكن من أتى الحدود معروفا بالفساد والشر والإيذاء فإن كان معروفا بذلك فإنّ التحمل في حقه يعني في الشهادة عليه يدور بين الاستحباب والوجوب فكل ما كان شره أكبر صار واجبا. وكل ما كان شره أقل صار مستحباً.
ثم - قال رحمه الله (وأداؤها فرض عين على من تحملها)
إذا تحمل الإنسان الشهادة فالأداء فرض عين. لقوله تعالى {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} [آل عمران/187] وهذا صريح في أنّ أداء الشهادة فرض عين ومن المعلوم أنّ أداء الشهادة فرض عين على من تحملها.
والقول الثاني: أنّ أداء الشهادة أيضا فرض كفاية. والمسألة تتصور فيما إذا تحمل أكثر من واحد فإذا لم يتحمل إلاّ واحد فإنّ الخلاف يلتغي لأنه إذا كان فرض كفاية ولم يتحمل إلاّ هو أصبح فرض عين عليه إنما يتصور فيما إذا كانوا أكثر من واحد والصواب مذهب الحنابلة وهو انه فرض عين. لأنّ القول بأنه فرض كفاية يؤدي إلى تدافع الشهادة وهي تؤدي بدورها إلى ضياع الحقوق الأقرب إن شاء الله أنه بالنسبة للأداء فرض كفاية ونحن نشاهد في الواقع ونسمع من كثير من الناس أنّ الإشكال في الأداء قد يكون أكبر من الإشكال في التحمل أليس كذلك؟ التحمل ممكن يأتي وينظر في القضية ويتحمل ويشهد. ثم متى طلب منه الأداء حصل التردد والتلكأ والتباطؤ وكثيرا ما يكون هذا التردد سببا في ضياع الحقوق ولذلك نقول أجاد الحنابلة كل إجادة في اعتبار الأداء فرض عين.
قال رحمه الله (متى دعي إليها)
يعني أنه يشترط للوجوب أن يدعى إليها فإن لم يدعى إليها فإنه لا يجب عليه. والدليل على هذا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ذمّ قوما من الناس يأتون آخر الزمان يشهدون ولا يستشهدون. فدل الحديث على أنّ من بذل الشهادة بلا طلب منه فهو مذموم ولهذا اشترط الحنابلة للوجوب أن تطلب منه.
والقول الثاني: أنّ الشهادة إذا لم تكن معلومة للمشهود له فإنّ بذلها واجب ولا ينتظر بها الطلب لأنّ المشهود له لا يعرف أصلا بهذه الشهادة وإذا لم يعرف بها فإنّ بذلها يصبح واجبا لئلا يضيع الحق على أصحابه وهذا القول إن شاء الله هو الراجح ولا يخفى أنّ هذا القول هو الراجح لأنه المشهود له نفترض فيه أنه لا يعرف الشهادة ولا يدري أنّ زيد أنّ زيد يشهد له أو يمتلك معلومة تفيده في القضية حينئذ نقول إذا علمت بهذا فإنه يجب أن تبذل الشهادة وهذا القول هو المتعيّن ويستوي في هذا ما إذا كان الشاهد يعلم أنّ المشهود له لا يعرف عن شهادته شيئا أو إذا كان يجهل هل يعلم أو لا يعلم. فأيضا في هذه الصورة يجب أن يبذل الشهادة لماذا؟ لأنه قلنا نحن أنّ كتاب القضاء كله في الشرع إنما شرعه الله لإيصال الحق إلى أصحابه فكل ما من شأنه أن يؤدي إلى إيصال الحق إلى أصحابه فهو واجب. الشرط الثاني
قال رحمه الله (وقدِر بلا ضرر في بدنه أو عرضه أو ماله أو أهله وكذا التحمل)
يشترط للتحمل والأداء أن لا يترتب على أيّ منهما ضرر فإن ترتب عليه ضرر فإنه لا يكلف لا أن يتحمل ولا أن يشهد لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار. واستدل الحنابلة أيضا بتعليل جميل وهو أنه لا يجب على الإنسان أن ينفع غيره بما يضر به نفسه هذه كالقاعدة. ولهذا نحن نقول يجب على المسلم أن ينقذ الغريق إذا كان يحسن السباحة فإذا كان لا يحسن فإنه لا يجب عليه
وهذه ترجع لهذه القاعدة المذكورة.
ثم - قال رحمه الله (ولا يحل كتمانها)
كأنّ المؤلف ذكر هذا ليرتب عليه ما بعده. وأما تحريم الكتمان فهو مستفاد من ماذا؟ كونها فرض عين فنحن نقول دليل تحريم الكتمان
أنّ الأداء فرض عين لكن لعل الشيخ رحمه الله ذكرها ليرتب عليها ما بعدها.
قال رحمه الله (ولا أن يشهد إلاّ بما يعلمه)
يشترط للشهادة أن يكون الشاهد عالما بما يشهد لقوله تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء/36] ولقوله {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} [الزخرف/86] ولما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أترى الشمس على مثلها فاشهد. وهذا الحديث ضعيف أو ضعيف جدا ولكن لا إشكال في صحة معناه وهو معنى صحيح محفوظ في الشرع. والشهادة بغير علم من شهادة الزور والظلم وصاحبها آثم لأنّ من شروط الأداء وهو شرط صحة لا شرط وجوب أن يشهد بما يعلم.
ثم - قال رحمه الله مرتبا على هذا (برؤية أو سماع)
لما قرر الشيخ أنّ العلم واجب أراد أن يبيّن طريقة العلم. فبيّن أنه لا يمكن أن نعلم عن شيء إلاّ من خلال ثلاثة أمور السمع والبصر والاستفاضة ، لا يمكن للإنسان أن يعرف خبر إلاّ بالسمع أو البصر أو الاستفاضة. بدأ الشيخ بالأصل وهو السمع والبصر والغالب على البصر أن يعلم به الأفعال والغالب على السمع أن يعلم به العقود والأقوال. أليس كذلك؟ والسمع والبصر من أدوات العلم التي أجمع عليها الفقهاء والعلماء والعقلاء لأنّ الإنسان إنما يعرف الأشياء بسمعه أو ببصره.
ثم - قال رحمه الله (أو الاستفاضة)
الاستفاضة في اللغة وفي الاصطلاح / هي ذيوع الشيء وانتشاره. فإذا ذاع وانتشر فهو استفاض هذا في اللغة وفي الاصطلاح.
يقول رحمه الله (أو استفاضة فيما يتعذر علمه بدونها)
إنما تعتبر الاستفاضة بهذا الضابط أو القيد أن يتعذر العلم بالمشهود به بدونها والمقصود بقوله بدونها يعني الضمير يعود إلى الاستفاضة لكن متى يكون متعذرا العلم بدونها إذا تعذر السمع أو البصر لأنّ أقسام الإدراك تنقسم إلى ثلاثة فقط. السمع والبصر والاستفاضة.
الدليل ذهب الحنابلة والجمهور إلى اعتبار الاستفاضة من أدوات الإدراك التي يجوز الاعتماد عليه في الشهادة لأنه إذا لم يمكن إدراك الشيء بالسمع ولا بالبصر فإذا أغلقنا الشهادة عليه بالاستفاضة فقد أدينا إلى الإضرار بالمشهود له. وذلك أنه لن يشهد له باعتبار أنه تعذر السمع والبصر فإذا أغلقنا باب الاستفاضة أيضا أدى هذا إلى عدم الشهادة له. وهذا صحيح ولا إشكال فيه وهو أنه إذا تعذر العلم بالسمع والبصر جاز أن نشهد عليه بالاستفاضة ، ومع كونه وضع ضابطا ذكر أشياء معيّنة يجوز الشهادة بها بالاستفاضة.
يقول الشيخ رحمه الله (كنسب)
النسب ومثله الولادة يجوز الشهادة بالاستفاضة عليها بالإجماع لأنّ العلم بالنسب والولادة مما يتعذر ولأننا لو منعنا الشهادة عليه بالاستفاضة لأدى هذا إلى ضياع الأنساب. فالنسبة للنسب والولادة أمر مفروغ منه وأجمع عليه الفقهاء.
ثم - قال رحمه الله (وموت وملك مطلق ، ونكاح ووقف)
هذه الأشياء محل خلاف فالحنابلة يرون أنّ الشهادة عليها بالاستفاضة صحيح لأنه يتعذر غالبا وليس دائما العلم بها بدون استفاضة.
القول الثاني: أنه لا يجوز الشهادة بالاستفاضة إلاّ على أمرين فقط النكاح والموت.
والقول الثالث: أنّ الشهادة بالاستفاضة تجوز في كل ما لم يطلع عليه إلاّ خواص الناس مما يتعذر معه العلم بالسمع أو البصر وهذا القول الثالث هو الصحيح. مثلا الموت الآن محل خلاف ولا إجماع؟ محل إجماع لأنّ القول الثاني يقول النكاح والموت إذا هو محل إجماع لكن نذكره من باب التمثيل لتقريب الضابط عادة إذا احتضر الإنسان يحضره كل الناس ولا أقربائه؟ أقربائه العامة أو خاصتهم.
الخاصة. خاصة الخاصة. ولهذا نقول الموت من الأمور التي لا يمكن أن يشهد عليها بالسمع والبصر لأنه لا يحضره عادة إلاّ خواص الناس كذلك عقد النكاح من الأمور التي يحضرها عامة الناس ولا الخاصة؟ بل جرى العرف عندنا أنهم يجلسون في مجلس عام فإذا أرادوا عقد القران انتقلوا إلى مجلس خاص إذن كل أمر لا يمكن أن يطلع عليه إلاّ خواص الناس فيجوز الشهادة عليه بالاستفاضة. تقدير هذا الأمر يرجع إلى القاضي. طبعا المالكية هم أكثر الناس توسعا في الشهادة بالاستفاضة توسعوا وذكروا صورا كثيرة في إثبات الشهادة بالاستفاضة وهذا من وجهة نظري من محاسن مذهب المالكية.
قال رحمه الله (ومن شهد بنكاح أو غيره من العقود فلا بد من ذكر شروطه)
في هذه المسألة خلاف يشبه تماما الخلاف في مسألة سابقة وهي أنهم رأوا أنّ من ادعى بشيء من العقود فعليه أن يذكر شروطه فالخلاف في تلك المسألة كالخلاف في هذه المسألة تماما.
قال رحمه الله (وإن شهد برضاع ، أو سرقة ، أو شرب ، أو قذف ، فإنه يصفه ويصف الزنا ..... ثم قال ويذكر ما يعتبر للحكم ويختلف به في الكل)
أفادنا المؤلف مسألتين: المسألة الأولى أنه إذا شهد برضاع أو سرقة إلى آخره. فإنه يجب أن يصف هذا الرضاع أو السرقة وأفادنا أيضا أنّ الوصف يجب أن يشتمل على ما ذكره في الأخير وهو أن يشتمل على كل ما يعتبر للحكم ويختلف الحكم باختلافه فإذا شهد بالرضاع يجب أنّ يبيّن عدد الرضعات وكيفية الرضعة وسن الرضيع وكل ما يختلف الحكم به وإذا شهد بالسرقة فيجب أن يذكر الحرز وأنه حرز شرعا والمال وأنه بلغ نصابا ويجب أن يذكر كل ما يتعلق بالحكم لأنه قد يرى هو سرقة ما ليس بسرقة في الشرع. الدليل على وجوب ذكر هذه الأشياء هو أنّ اعتبار هذا العمل سرقة واعتبار أخذ الطفل رضاع مما يختلف فيه العلماء فعليه أن يبيّن ليتبيّن للقاضي هل ما يشهد به يعتبر صحيح أو ليس بصحيح. وهذا صحيح ولا تشبه هذه المسألة المسألة السابقة وهي أن يذكر شروط العقد بل هنا ما يتعلق بالرضاع والسرقة ونحوها أمور حساسة ويترتب عليها أمور كبيرة فيجب عليه أن يبيّن بالضبط ويصف كل ما يشهد به لكن المؤلف يقول رحمه الله (ويصف الزنا بذكر الزمان والمكان)
وهذا تقدم معنا في حد الزنا.
ثم - قال رحمه الله (والمزني بها)
يعني ويجب أيضا أن يبيّن في جملة ما يبيّن المرأة المزني بها وعللوا هذا بأنّ المرأة المزني بها ربما تكون ممن يحل للزاني أن يطأها فعلى الشاهد أن يبيّن من هي المرأة لتزول هذه التهمة أو ليزول هذا الاحتمال.
والقول الثاني: أنه لا يجب عليه أن يبيّن من هي المزني بها وأنّ الشهادة تامة وكافية بذكر ما يتعلق بالزنا دون هذا الأمر واستدلوا على هذا بأمرين: الأمر الأول" أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل ماعزا عن المزني بها.
الثاني: أنه لا تعلق لهذا بحد الزنا فإنّا الزنا معلوم عند الناس أنه أن يطأ أجنبية.
الثالث: أنّ في هذه فضحا للمرأة وهتكاً لسترها والشارع يتشوف إلى عدم ذلك ولا إشكال أنّ هذا هو الراجح وما ذكره الحنابلة ضعيف جدا وغريب وهو أنه يلزم الشاهد من هي المرأة إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم الزاني بذكر المرأة فكيف نلزم الشاهد بذكر المرأة وعلى هذا جرى عمل المسلمين فيما أعلم من شهد بزنا فإنه لا يكلف باسم المرأة وكذلك من زنى لا يكلف بذكر اسم المزني بها يستثنى من هذا مسألة وهي ما إذا علم القاضي او مباشر القضية أنّ المزني بها مشتهرة بالفساد وداعية له فمثل هذه المرأة
ينبغي على القاضي ومن تولى القضية أن يهتك سترها وأن يوقفها عند حدها لأنّ مشهورة بالفساد والجلب للناس من نساء المسلمين ليزنى بهن هذه شرّها لم يتوقف عليها وإنما تعداها إلى غيرها فمثل هذه لا يحسن أبدا أن يستر عليها.
فصل
قال المؤلف رحمه الله (شروط من تقبل شهادته ستة: البلوغ فلا تقبل شهادة الصبيان)
الشرط الأول: في الشاهد أن يكون بالغا فإن لم يكن بالغا ولو كان مراهقا من أعقل الناس فإنها لا تقبل له شهادة واستدلوا على هذا بقوله تعالى {ممن ترضون من الشهداء أ} [البقرة/282] والصبي لا يرضى وقوله تعالى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [البقرة/282] فنص على من رجالكم.
والقول الثاني: أنه تقبل شهادة ابن العشر في غير الحدود لأنه مميز ويعقل ويعرف ما يقول أشبه بذلك البالغ.
القول الثالث: أنها تقبل من الصبيان مطلقا فيما يقع بينهم.
القول الرابع: أنها تقبل من الصبيان مطلقا فيما يقع بينهم بشرطين: أن يكون في الجراح ، وقبل أن يتفرقوا. واستدل أصحاب القول الرابع بأنّ هذا هو المروي عن علي أبي طالب فإنه قبل شهادة الصبيان بينهم قبل أن يتفرقوا في الجراح ولأنهم قبل أن يتفرقوا يوثق بكلامهم وبعد أن يتفرقوا لا يوثق من جهتين. الأولى " قد يهموا وينسوا لصغرهم. والثانية وهي التي قد تقع قد يلقنوا. فلأجل هذا نشترط أن يكون قبل التفرق. والقول الراجح إن شاء الله هو الأخير وفهم من ترجيح هذا القول أنّ الصبي في غير ما يقع بين الصبيان
لا تقبل شهادته مطلقا لكن تقدم معنا أنّ القاضي له أن يعزر إذا نقصت الشهادة عن الحكم الشرعي مثل أن تشهد المرأة فيما لا يقبل به إلاّ الرجال أو أن يشهد الصبي فيما لا يقبل به إلاّ الكبار فمثل هذا القاضي وإن لم يعتبر الشهادة إلاّ أنه ينبغي أن يعزر تعزيرا بليغا وإن لم يصل إلى إقامة الحد.
ثم - قال رحمه الله (الثاني: العقل فلا تقبل شهادة مجنون ولا معتوه)
شهادة المجنون لا تقبل بالإجماع لأنه لا يفقه ما يقول ولا يعي ولا يضبط فشهادته ملغاة ولا قيمة لها شرعا وهو أمر محل إجماع وبدهي.
ثم - قال رحمه الله (وتقبل ممن يخنق أحيانا في حال إفاقته)
الشهادة تقبل ممن يغيب عقله ويحضر ونشترط لهذا أن يشهد حال إفاقته لأنه حال إفاقته عاقل شهد بما يعلم فاستوفى الشروط وهل مقصودهم أن يشهد حال إفاقته أو أن يتحمل حال إفاقته؟ يعني إذا جاءنا رجل يجّن ويصحوا جاءنا حال الصحوا والإفاقة وعقله على أكمل ما يكون فهل نقول له هل تحملت وأنت في حال الجنون أو نقبل شهادته؟ نقبل شهادته وهذا كلام المؤلف دقيق يقول أن يشهد حال إفاقته فإذا شهد قال اشهد أنّ فلان باع على فلان شهادته ولا نسأل كان حاضر أثناء العقد. لماذا لا نسأل هذا السؤال؟ لماذا نفترض لن يشهد إلاّ وهو عالم؟ لأنّا نفترض أنه عدل والعدل لن يكذب مادام هو الآن عاقل سيأتينا الآن أناّ نفترض أنه عدل أليس كذلك؟ فهذا هو السبب فقط ما عداه ليس بسبب ولا نفترض أنه لن يتحمل إلاّ وهو عاقل لأنه قد يتحمل وهو مجنون ويكذب أليس كذلك؟
ثم - قال رحمه الله (الثالث: الكلام فلا تقبل شهادة الأخرس)
الأخرس الذي لا يتكلم ولا تفهم إشارته لا تقبل شهادته عند الأئمة الأربعة لأنّ مثله لا يتمكن من الأداء بحال فليست له إشارة تفهم ولا يتمكن من الكلام وهذا واضح.
ثم - قال رحمه الله (ولو فهمت إشارته)
يعني أناّ لا نقبل منه ولو فهمنا إشارته إلى هذا ذهب الحنابلة واستدلوا على هذا بأنّ الأخرس وإن فهمت الإشارة إلاّ أنّ يبقى واردا فلا نقبل منه الشهادة.
والقول الثاني: أنّ شهادة الأخرس المفهوم الإشارة مقبولة لأنّا تمكنّا من فهم ما يريد فحصل الأداء بهذا وهذا اختيار ابن المنذر وهذا هو الراجح إن شاء الله ولاشك ويتحقق هذا جدا في وقتنا فإنّ إشارة الأخرس اليوم أصبحت كالنطق فيؤدي بها جميع المعاني ولو كانت دقيقة فلا مجال اليوم للقول بأنّ من يستطيع أن يتفاهم مع غيره بالإشارة لا تقبل شهادته فالحقيقة يكاد يكون قول شاذ وضعيف لأنّ اليوم الأخرس بالإشارة يصل إلى ما يصل به المتحدث تماما ولو دقت المعاني لأنه أصبح علم يدرس بدقة وتوضع لكل معنى دقيق عند المتكلم ما يقابله إشارة.
ثم - قال رحمه الله (إلاّ إذا أداها بخطه)
فإذا أداها بخطه قبلت لأنّ التوهم والإشكال زال تماما فإنه سيكتب ما في نفسه.
والقول الثاني: التوقف وإلى هذا ذهب الإمام أحمد فإنه توقف في كتابة الأخرس وهي غريبة من الإمام رحمه الله فإنه إذا كتب لا أدري ما معنى أو ما هو سبب التوقف إذا كتب فإنه لن يكتب إلاّ ما شاهد وأصبحت الكتابة تقوم مقام النطق تماما لاسيما والحنابلة يرون أنّ الكتابة في الطلاق من الصرائح ، الحنابلة لا حرج عليهم. لكن الإمام أحمد لا أدري لماذا توقف! في مثل هذه المسألة إذا كتب فكتابته واضحة.
قال رحمه الله (الرابع: الإسلام)
يشترط في الشاهد أن يكون مسلما فإن كان كافرا فلا تقبل شهادته على مسلم ولا على كافر لأنّ الكافر أبعد ما يكون عن العدالة والعدالة شرط كما سيأتينا والفقهاء يقولون الكافر أفسق الفساق فلا تقبل منه الشهادة مطلقا.
القول الثاني: أنّ شهادة الكافر على الكافر تقبل ولا تقبل على المسلم واستدلوا على هذا بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قبل شهادة الذميين بعضهم على بعض. وهذا الحديث ضعيف والراجح أنّ القاضي المسلم لا يقبل شهادة الكافر على كافر ولا على مسلم
وهذه المسألة تحتاج في الحقيقة إلى مزيد تأمل لكن اللي يظهر لي الآن هو أنها لا تقبل لأنها تنافي تماما العدالة والكافر يكذب على الله أليس كذلك؟ فكيف نستجيز كلامه وهو يكذب على الله فعلى خلقه من باب أولى. لكن مع ذلك المسألة تحتاج إلى أكثر ربما بحث.
يستثنى من شهادة الكافر على الكافر شهادة الذمي على المسلم في الوصية في السفر وتقدمت معنا في الوصية وهذه من مفردات الحنابلة
والأئمة الثلاثة لا يقبلونه في الوصية ولا في غيرها واستدلوا على هذا بأنّ من لا يقبل في الوصية لا يقبل في غيرها وأما الإمام أحمد فهو ذهب إلى قبولها قال شيخ الإسلام رحمه الله ومذهب أحمد نص القرآن. صدق رحمه الله
قال رحمه الله (الخامس: الحفظ)
الحفظ هو أن لا يكثر منه السهو والغلط فإن كثر منه أحد هذه الثلاثة لم يقبل واستدلوا على هذا بأنه لا يأمن مع كثرة غلطه أن يخطأ في أداء الشهادة وهذا صحيح وشهادة المغفل غير مقبولة بل لكونه ضعيف الذاكرة ومن الناس من يكون قوي الذاكرة ولكنه مغفل يعني لا يفهم فلا يقبل لأنه مغفل ، بعض الناس يضبط ولكنه مغفل لا يفهم مجريات القضية فمثل هذا ينبغي للقاضي أن لا يقبله والإنسان إذا تحدث مع أيّ شخص عرف مستوى تفكيره لاسيما القاضي الذي مارس الشهود والقضايا والخصوم فبمجرد ما يأخذ ويعطي مع الشاهد يعرف أنّ هذا الشاهد مغفل وربما ضحك عليه من المشهود له. ولهذا قال الحنابلة وغيرهم من الفقهاء أنه على القاضي إذا لم يقبل شهادة الشاهد لكونه مغفلا أو لكونه فاسقا عليه أن يقول نريد مع هذا الشاهد شاهد ولا يقول لم نقبل شهادة الشاهد وهذا من حسن الخلق ومن الابتعاد عن جرح مشاعر الشاهد فيقول نريد مع شهادة هذا الشاهد شاهد ، وبإمكانه أن يقول قبلنا شهادة الشاهد لكن مع شاهد ، وشهادة هذا الشاهد مع شاهد تكون مقبوله لماذا؟ لأنّّ الشاهد الثاني يؤكد شهادة هذا الشاهد وينفي عنه الوهم والغلط أليس كذلك؟ فبإمكانه أن يستخدم إحدى العبارتين ولا يقول يا أخي أنت مغفل لا نقبل شهادتك هذا غير مقبول مطلقا ولا يتناسب مع أخلاق المسلم.
ثم - قال رحمه الله (السادس: العدالة)
العدالة شرط بالإجماع من حيث الجملة. لقوله تعالى {ممن ترضون من الشهداء} [البقرة / 282] والفاسق غير مرضي ونحن نقول في الجملة لأنه سيأتينا الآن عند بيان حد العدالة والخلاف بين أهل العلم.
والعدالة في لغة العرب / هي الاستقامة. وأما في الشرع / فقد أطال المؤلف في بيانها.
قال رحمه الله (الصلاح في الدين وهو أداء الفرائض بسننها)
العدالة عند الفقهاء تحصل بأمرين: اجتناب المحرمات وفعل الأوامر والالتزام بالمروءة سيأتينا.
يقول الشيخ رحمه الله (ويعتبر لها شيئان: الأول الصلاح في الدين)
الصلاح في الدين يعتبر للشهادة وذلك بأن يأتي بالواجبات ويبتعد عن المحرمات لكن الشيخ يقول رحمه الله (أداء الفرائض بسننها الراتبة) اشتراط أداء الفرائض ليتصف الشاهد بالعدالة عليه الجماهير ولم أقف فيه على خلاف لأنه إذا ترك الفرائض فهو على قسمين:
إما أن يترك تركا مطلقا. فانتقل من الإسلام إلى الكفر ، أو أن يترك تركا مقيدا فصار بترك الفرائض فاسقا.
يقول الشيخ رحمه الله (بسننها الرواتب)
يشترط أن يلتزم بالرواتب مع النوافل وإلاّ لا يعتبر مستقيما واستدل الحنابلة على هذا بأنّ المداومة على ترك الرواتب تشعر بضعف الدين ورقته. مما لا يوثق مع بكلام الشاهد ومقصود الحنابلة بالرواتب هو أن لا يداوم على ترك الرواتب وليس مقصودهم انه بترك أي نوع من الرواتب يعتبر خرج من العدالة هذا ليس بمقصود لهم.
القول الثاني: أنّ المحافظة على الرواتب لا تشترط جملة وتفصيلا لأنّ الرواتب ليست بواجبة وترك غير الواجب لا يخل بالعدالة وهذا القول هو الصحيح إن شاء الله.
ثم - قال رحمه الله (واجتناب المحارم بأن لا يأتي كبيرة ولا يدمن على صغيرة)
المؤلف قال اجتناب المحارم ثم فسّر اجتناب المحارم بأن لا يأتي كبيرة ولا يداوم على صغيرة والكبائر في عرف الشرع هو كل عمل توعد عليه بالنار أو بالعذاب أو ترتب عليه حد في الدنيا. فهم من كلام المؤلف أنّ الإلمام أحيانا بالصغائر لا يخل بالعدالة لأنه اشترط الكبائر أو المداومة على الصغائر فإن دوام على الصغائر أو أتى شيئا من الكبائر فإنها لا تقبل شهادته بناء على هذا في وقتنا المعاصر كل من يشرب الخمر لا تقبل شهادته كل من يزني لا تقبل شهادته كل من يداوم على مشاهدة القنوات لا تقبل شهادته كل من يداوم على حلق اللحية لا تقبل شهادته كل من يداوم على الإسبال لا تقبل شهادته أليس هذا هو مقتضى؟ كل من لا يطيع والديه لا تقبل شهادته كل امرأة لا تتستر ولا تتحجب لا تقبل شهادتها ، وبهذا صار تسعين بالمئة من الناس لا تقبل شهادتهم لهذا
القول الثاني في هذه المسألة / أنّ العدالة في كل وقت بحسبها فما اعتبر عند أهل العصر من أهل العدالة فهو عدل وما لا فلا وهذا القول فيه غرابة ، وجه الغرابة أنه جعل مناط العدالة مرتبط بالعرف وهذا غريب لأنّ العدالة وصف شرعي اسم شرعي يحتاج لتطبيقه إلى أدلة شرعية لكن هذا القول دليله الوحيد من وجهة نظري الضرورة لأنه لو لم نقل بهذا القول لأدى إلى ضياع حقوق الناس جملة وتفصيلا لأنّ اشتراط مثل هذا الشاهد يندر وإذا منعنا شهادة غيره صار هذا سببا في ضياع الحقوق وأنا أقول أنّه هذا في الحقيقة القول مع وجاهته وقوته إلاّ أنّ دليله الوحيد الضرورة لولا الضرورة لقلنا أنه مادام الشارع دلت النصوص على اعتبار هذا الشخص فاسق فإنها لا تقبل شهادته لكن الضرورة دلت على صحة هذا القول يستثنى من هذا على جميع الأقوال وعلى جميع التفريعات من فسقه بالكذب فمن فسقه بالكذب فإنا لا نقبل منه الشهادة لأنها تخل بالمقصود الأساسي من الحكم.
ثم - قال رحمه الله (فلا تقبل شهادة فاسق)
سواء كان فسقه بالعمل أو بالاعتقاد ، ويخرج من هذا أن يرتكب محرما يعتبر من محل الخلاف يعني من الأشياء التي اختلف فيها فإنّ ارتكابه لهذا المحرم لا يجعله فاسقا وإن ارتكب محرما فإذا الأشياء المختلف فيها لا تدخل ضمن الأشياء التي يفسق بها الإنسان.
قال رحمه الله (الثاني: استعمال المروءة ، وهو فعل ما يجمله ويزينه ، واجتناب ما يدنسه ويشينه)
يشترط لصحة الشهادة أن يستعمل المروءة ، فإن لم يستعمل المروءة فإنّ شهادته لا تقبل والدليل على هذا أنّ المروءة تمنع صاحبها من الدناءة والكذب نوع من الدناءة فصارت المروءة تمنع الكذب والمروءة في عرف الفقهاء هي ترك كل ما يذم فاعله عرفا وفعل كل ما يذم تاركه عرفا فهي أفعال وتروك.
يقول المؤلف رحمه الله (استعمال المروءة وهو فعل ما يجمله ويزينه واجتناب ما يدنسه ويشينه)
المروءة تسقط بأمرين: الأول: أفعال. والثاني: صنائع. فالأفعال هو أن يفعل كل ما من شأنه أن يشينه عند الناس. طبعا لا يوجد ضابط غير هذا الضابط ولهذا تجد جميع الفقهاء يذهبون إلى التمثيل فإذا أكل في مكان لا يعهد الأكل فيه أو كشف شيئا من جسده لم يعهد كشفه في هذا المقام ، أو تحدث وهذا يحصل من بعض الناس تحدث مع زوجته بما لا يناسب أن يتحدث معها فيه في مثل هذا المكان سقطت مروءته ولهذا نقول ما يفعله بعض الناس من إذا اتصلت عليه زوجته وهو بين أصحابه تكلم معها بما لا ينبغي أن يتكلم به الرجل مع زوجته إلاّ إذا انفردا سقطت مروءته بهذا حتى في وقتنا. كذلك لو وجدنا شخص أخرج سفرة الطعام على الرصيف وجعل هو وأولاده يأكلون وجبة كاملة فإنّ هذا يسقط المروءة كذلك يقولون كشف الرأس في مكان لا يكشف فيه الرأس أو كشف الظهر في مكان لا يكشف فيه الظهر أو كشف البطن في مكان لا يكشف فيه البطن يعتبر من مسقطات المروءة ونحن نقول في تعريف المروءة [أنه فعل كل ما يذم صاحبه عرفا] إذا كان لا يذم صاحبه عرفا فإنه لا حرج عليه فأشياء كثيرة بناء على هذا تختلف باختلاف الأعراف. الثاني: الصناعات: الصناعات الدنيئة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الصناعات الدنيئة المحرمة شرعا فهذه الصناعات تسقط المروءة بالإجماع.
القسم الثاني " الصناعات الدنيئة الجائزة شرعا المذمومة عرفا ، مثل الحجام والكناس فهذا القسم الثاني فيه خلاف فالحنابلة يرون أنه لا يسقط المروءة واستدلوا على هذا بأمرين: الأمر الأول" أنه إذا أسقطنا مروءة الكناسين والحجامين فمن يشهد على ما يقع بينهم.
الأمر الثاني: أنّ هذه الصنائع بالمسلمين حاجة إليها فإسقاط المروءة بها يؤدي إلى الإضرار به.
القول الثاني: أنّ هذه الأعمال المذمومة عرفا الجائزة شرعا تسقط المروءة بها لأنّ صاحبها مذموم عرفا وأنتم تقولون أنّ كل عمل يذم صاحبه عرفا فإنه يسقط المروءة. والراجح؟ أنّ الحاجة ما الناس إليه بحاجة يسقط اعتبار العرف.