المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الديات الدرس: (1) من الديات الديات: جمع دية ومعنى وداه يعني - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٦

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌ ‌كتاب الديات الدرس: (1) من الديات الديات: جمع دية ومعنى وداه يعني

‌كتاب الديات

الدرس: (1) من الديات

الديات: جمع دية ومعنى وداه يعني دفع ديته.

وأما في الشرع: هو المال المدفوع للمجني عليه أو لوليه مقابل الجناية. للمجني عليه: في الأطراف والجروح ، ولوليه: يعني في النفس والدية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع. ولم يختلف الفقهاء في وجوب الديات لصراحة الأدلة فيها كقوله {فدية مسلمة إلى أهله} [النساء/92] وكما سيأتينا في قصة الهذليتين فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالدية على العاقلة.

وأما الإجماع فهو محكي من أكثر من واحد أنه أجمعوا على وجوب الديات إنما الخلاف في التفاصيل.

قال رحمه الله (كل من أتلف إنسانا)

مقصود المؤلف بالإنسان هنا يعني معصوم الدم كالمسلم والذمي والمعاهد والمستأمن. ولا يدخل فيه الحربي ومقصود المؤلف كل من أتلف نفسا يعني أو بعض نفس ولو صرح به لكان أوضح يعني أو بعض نفس فإنّ الدية كما تجب في النفس تجب في بعضها.

قال رحمه الله (بمباشرة أو سبب)

أفادنا المؤلف أنّ الجناية قد تكون بمباشرة وقد تكون بسبب فمن أمثلة المباشرة أن يطعنه بسكين أو يقطع طرفه بسيف وأما السبب فكأن يحفر له حفرة فيها حية أو فيها أسد. فالقتل إذا كان بمباشرة أو بتسبب فعلى القاتل الضمان.

ص: 107

مسألة / فإذا اجتمع مباشر ومتسبب فالقاعدة العامة ويستثنى منها صور ستأتينا [أنه إذا اجتمع مباشر ومتسبب فالضمان على المباشر] فإذا حفر زيد حفرة ودفع عمرو خالدا فالضمان على عمرو لأنه المباشر. إذا القاعدة العامة أنه إذا اجتمع مباشر ومتسبب فالضمان على من على المباشر دون المتسبب ويستثنى من هذا صورة هي قاعدة [أنه إذا لم يمكن تضمين المباشر] وقول بعض الفقهاء إذا لم يمكن تضمين المباشر خير من التفصيلات التي تشتت الذهن وإذا تأملت في هذه التفصيلات تجد أنّ جميع هذه التفصيلات ترجع إلى هذه القاعدة لا يمكن أن تخرج عن هذه القاعدة وهي أنه لا يمكن تضمين المباشر. ذكر الشيخ الحافظ العلامة الفقيه الكبير ابن رجب. في القواعد هذه القاعدة إذا اجتمع مباشر ومتسبب وذكر أيضا الاستثناء وهي الصور التي لا نضمن فيها المباشر وذكر بحث طويل فيها خلاصة هذا البحث أنه لا يمكن أنه يستثنى من هذه القاعدة الصور التي لا يمكن فيها تضمين المباشر. من أمثلة عدم التضمين أن يدفع شخص شخصا في حفرة أسد فالمباشر للإهلاك هو الأسد ، لكن لا يمكن تضمين الأسد لأنه بهيمة وكأن يربط الإنسان شخصا ويلقيه في البحر فالموت الآن كان بسبب الغرق ولا يمكن تضمينه من البحر لأنه جماد ، وهكذا كل مسألة لا يمكن فيها تضمين المباشر فالضمان على ماذا؟ على المتسبب.

قال رحمه الله (لزمته ديته)

للأدلة السابقة فإنّ الأدلة السابقة دالة على وجوب الدية وهي عامة تشمل المباشر والمتسبب.

قال رحمه الله (فإن كانت عمدا محضا)

إذا كانت الجناية عمدا محضاً يعني وعفا المجني عليه أو وليه فالواجب حينئذ الدية.

يقول الشيخ رحمه الله (ففي مال الجاني)

إذا كانت الدية عن جناية عمد فهي في مال الجاني لأمرين: الأمر الأول: أنّ الأصل في الإتلافات أنّ الضمان فيها على المباشر.

الثاني: أنّ الدية إنّما كانت على العاقلة في الخطأ وشبه العمد لمناسبة التخفيف لعدم وجود القصد وهذا المعنى مفقود في العمد ولهذا صارت الدية في مال الجاني.

يقول الشيخ رحمه الله (حالة)

ص: 108

الدية حالة في مال الجاني ولا تؤجل كما في العمد فكما في الخطأ وشبه العمد وسيأتينا الكلام عنها. تكون حالة لما تقدم أنّ التأجيل في الخطأ وشبه العمد كان لمعنى المراعاة للعاقلة حيث أنّ العاقلة هذا إحسان منهم وصلة كما أنّ فيه مراعاة للجاني لأنه لا قصد له في الجناية وهذان المعنيان مفقودان في العمد لأنّ الذي يدفع هو الجاني وليس العاقلة ولأنه قصد إيقاع الجناية ولم تقع منه خطأ ولهذا تكون حالة.

قال رحمه الله (وشبه العمد)

شبه العمد تكون الدية على العاقلة وإلى هذا ذهب الحنابلة والمالكية والشافعية. واختاره أيضا ابن المنذر وهو مذهب الجمهور واختيار بعض المحققين. واستدلوا على هذا بأنّ في قصة الهذليتين أنّ إحداهما رمت بحجر على بطن الأخرى فقتلت الأخرى وما في بطنها فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدية على العاقلة وهذا الحديث صحيح وإشكال فيه. فالقتل الذي في هذا الحديث هو من باب شبه العمد لماذا؟ لأنه لا قصد وأن يكون بآلة لا تقتل غالباً ، فالحجر هل يقتل غالبا؟ لا يقتل غالبا فإذا تبيّن أن الجناية في الحديث شبه عمد ومع ذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدية على العاقلة.

والقول الثاني: للأحناف ومال إليه ابن القيم أنّ الدية في مال الجاني في شبه العمد واستدل على هذا بأنّ شبه العمد يشترك مع العمد في ماذا؟ في القصد فناسب أن تكون الدية على الجاني لا على العاقلة، وكلامه وجيه لولا النص الصحيح الذي جعل الدية على العاقلة ولهذا نقول الراجح إن شاء الله مذهب الجمهور.

قال رحمه الله (والخطأ)

أيضا الدية فيه على العاقلة وهذا محل إجماع لم يختلفوا فيه ولله الحمد إنما الاختلاف في شبه العمد.

يقول رحمه الله (على عاقلته)

سيخصص المؤلف باب كامل للعاقلة سيأتينا من هم العاقلة ولماذا سموا بهذا؟ وكيف تجعل عليهم الدية لكن الذي يعنينا الآن أنّ الدية على العاقلة مؤجلة إجماعاً والتأجيل لمدة ثلاث سنوات ، والدليل على هذا أنهم حكم به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

وأيضا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فالدية مؤجلة بالنسبة للقتل الخطأ وشبه العمد.

قال رحمه الله (فإن غصب حرا صغيرا)

ص: 109

قوله فإن غصب حرا صغيرا خرج به العبد والحر الكبير ، أما العبد فهو خارج لأنه مضمون على كل حال صغيرا كان أو كبيرا لأنّ العبد هو مال والمال مضمون بالغصب مطلقا.

أما الكبير فإنه لا يضمن لأنّ الكبير يتمكن من تخليص نفسه ويتمكن من الفرار ولهذا انحصر الحكم في الحر الصغير.

يقول رحمه الله (فإن غصب حرا صغيرا)

المقصود بالغصب هنا أن يأخذه إلى منزله ولو بغير قيد ، فإذا أخذ صغيرا ووضعه في غرفة فهو حينئذ غصبه يعني أخذه غصبا ولو تركه بغير قيد في البيت فإذا هذا مقصود الحنابلة لأنه سيأتينا إذا قيّد الرِجل أو اليد له حكم آخر.

يقول الشيخ رحمه الله (فنهشته حية أو أصابته صاعقة)

إذا نهشته حية أو أصابته صاعقة فإنّ الضمان هنا على الغاصب لماذا؟ لأنّ الوفاة كانت بسببه ونحن نقول أنّ الجناية إذا كانت بمباشرة أو تسبب فإنّ الضمان يكون على المتسبب وهنا كان سببا لأنّ الصغير لا يتمكن من الفرار عن الحية أو تفادي الصاعقة وحينئذ نقول الضمان على المتسبب. ووضع شيخ الإسلام رحمه الله قاعدة وهي [أنه إذا مات الإنسان بسبب يتعلق بالبقعة فالضمان على من حبسه فيها] فإذا حبسه في هذه البقعة وأصابه حية كما قال المؤلف رحمه الله أو صاعقة أو كان هذا المكان معروفا بوباء فتاك يقتل بني آدم وأصيب به فإنه يضمنه أيضا.

قال رحمه الله (أو مات بمرض)

ص: 110

يقول الشيخ إذا مات بمرض فهذه البقعة المغصوب بها فإنّ الضمان على الغاصب وعللوا هذا بأنه مات تحت يده العادية يعني مات بسببه فكان الضمان عليه والمؤلف خالف المذهب في هذه المسألة فالمذهب أنه لا ضمان عليه لماذا؟ لأنّ الموت بسبب المرض لا يتعلق بالبقعة فقد يموت في هذه البقعة أو في غيرها ويستثنى من هذا ما تقدم معنا وهو إذا كان المرض خاص بهذه البقعة وهذا القول الثاني هو الراجح وبهذه المناسبة المحقق وفقه الله استدرك على الشيخ علي الهندي والشيخ علي الهندي له نسخة حقق فيها الزاد وذكر فيها أنّ هذه المسألة من المسائل التي خالف فيها المؤلف المذهب وتعقبه المحقق وفقه الله بأنه لم يخالف والواقع أنّ الصواب مع الشيخ علي الهندي فيما يظهر لي لأنّ الشيخ علي يقصد أنّ المؤلف خالف المذهب في مسألة مات بمرض صحيح هذا خالف فيه المذهب وهذه المسألة خالف فيها المذهب ولو رجع الإنسان إلى المنتهى والإقناع والإنصاف والمبدع وغيرها من كتب الحنابلة لعلم أنّ الصواب مع الشيخ علي وهو أنّ المؤلف خالف المذهب ولا يريد أنه خالف المذهب في مسألة (غلّ حرا مكلفا وقيّده) هذه ليست هي المقصودة المقصود إذا مات بمرض وفعلا المؤلف خالف المذهب وهذا يؤيد أنّ الشيخ المؤلف له اختيارات لكن هنا في الحقيقة لم يوفق فالمذهب في هذه المسألة أصح وهي أنه إذا مات بمرض لا يختص بالبقعة فلا ضمان.

قال رحمه الله (أو غلّ حرا مكلفاً وقيّده)

القيد ما وضع في الرجِل ، والغّل ما وضع في اليد. يقول الشيخ إذا غل حرا مكلفا وقيّده فمات بالصاعقة أو الحية وجبت الدية فيهما.

فهم من كلام المؤلف أنه يجب ليكون الضمان على الجاني أن يربط يده ورجله فإن ربط إحداهما فلا ضمان وهذا في مسألة الحية والصاعقة والتعليل أنه بربطه يدي ورجلي المجني عليه صار سببا في موته لأنه مع الربط لن يتمكن من تفادي الحية ولا الصاعقة وقول الشيخ رحمه الله فيهما أي دون المرض فالمرض لا يجب ضمانه ، لأنه إذا ربط يده ورجله وأصيب بمرض فإنه مات لا بسبب الربط ولو أنّ الحنابلة ذكروا قاعدة أسهل من هذا فقالوا إذا مات بسببه فإنّ الضمان عليه وهذا يتناول المرض والحية وغيرها مثال هذا.

ص: 111

من أصيب بربو مزمن والدواء على الطاولة وهو مربوط إلى الجدار بيده ورجله ثم مات بسبب الأزمة فهل مات بحية أو صاعقة أو مرض

مقتضى كلام الحنابلة لا ضمان والواقع أنّ الضمان واضح لأنّ الموت كان بسبب الربط لا بسبب المرض مجردا.

أي قضية أنه يشترط ربط اليد والرجل أيضا منازعة فيها إذ قد يموت بسبب ربط اليد فقط وقد يموت بسبب ربط الرجل فقط ، فإذا جاءت الحية فتفادي الحية باليد وبالرجل؟ باليد والرجل لكن الغالب في تفاديها يعتمد على الرجل لأنه يهرب عنها أنت تهرب بأي وسيلة. الحريق إذا شبّ في الغرفة فتفادي الحريق غالبا باليد أو بالرجل؟ باليد لأنه يستطيع أن يفتح الباب بينما لو ترك رجليه بغير قيد

وقيّد يديه فإنه لا يستطيع أن يفتح الباب مهما كان حاذقا برجله. إذا لو قال المؤلف قاعدة أنه إذا مات بسببه يعني بسبب حجزه في هذه البقعة صغيرا كان أو كبيرا فعليه الضمان ولسنا بحاجة إلى هذا التفصيل أليس كذلك؟ وهذا ما جنح إليه شيخ الإسلام في المسألة الأولى وهي أنه وضع ضابط [أنه الموت إذا كان بسبب البقعة فالضمان على الحابس] الصور لا تنتهي.

فصل

هذا الفصل خصصه المؤلف للكلام عن مجموعة من المسائل الأخرى تتعلق غالبا بأفعال مؤذون فيها. في بعضها تجب الدية وفي بعضها لا تجب الدية يعني الضمان حسب ملابسات القضية.

قال رحمه الله (وإذا أدب الرجل ولده ، أو سلطان رعيته أو معلم صبيَّه ولم يسرف لم يضمن ما تلف به)

القاعدة أنه إذا مارس من له الحق في التأديب حقه في التأديب وترتب على هذا التأديب تلف فإنّ المؤدب لا يضمن.

يقول المؤلف رحمه الله (ولم يسرف لم يضمن)

إذا لا يضمن لأنّ له الحق في ممارسة هذا التأديب إلاّ إذا أسرف والإسراف يكون بأحد أمرين:

1 -

إما أن يزيد عن الحد المعقول في طريقة التأديب من حيث العدد والآلة.

ص: 112

2 -

أو أن يستمر في التأديب مع حصول المطلوب بدونه. مثال هذا وهذا المثال للتوضيح ، إذا كان هذا الصبي يحتاج في التأديب إلاّ أن يضرب ثلاث مرات فالإسراف يكون بأحد أمور. إما أن يستخدم آلة عنيفة في للضرب أو أن يضربه كم؟ أكثر من ثلاث أو أن يستخدم آلة مناسبة إلاّ أنه يشدد في الضرب فالخلل يكون بأحد هذه الثلاثة أمور فإذا حصل منه خلل فإنه يضمن لأنه جاوز حقه إلى ما لا يجوز له فيه فضمن وإنما الشارع أباح له قدرا معينّا فقط.

قال رحمه الله (ولو كان التأديب لحامل فأسقطت جنينا ضمنه المؤدب)

إذا كان التأديب لحامل وأسقطت فإنّ المؤدب يضمن وظاهر كلام المؤلف يضمن مطلقا ولو لم يتعدى لأنّ التأديب تجاوز الأم إلى الولد وهذا من الإسراف ولأنّ عمر بن الخطاب دعا بامرأة فلما بلغها أنّه يريدها عمر بن الخطاب أسقطت فاستشار عمر رضي الله عنه الصحابة فأفتوه بأنّ عليه الدية فدل على وجوب الضمان في مسألة الحامل. الأثر والتعليل فالحقيقة لم أرى في هذه المسألة خلاف لكن لو قيل أنه إذا أدبّها تأديبا يتناسب مع الحامل من غير زيادة فإنه لا ضمان كان هذا القول هو المتناسب مع تقريرات الفقهاء الباقية ونحن نشترط أن يكون التأديب يتناسب مع الحامل فإذا أدبّها مثله لا تسقط معه الحامل فأي جناية من المؤدب لكن كأنّ الفقهاء يرون أنه إذا تجاوزت الجناية إلى غير المؤدَب فهنا حصل إسراف هكذا يرون لكن إن قيل بهذا القول فهو القول الراجح إن شاء الله.

ص: 113

الدرس: (2) من الديات

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله في مسائل الفصل الذي عقده في بعض التصرفات التي تكون في بعض الصور المضمونة والتي في بعضها لا تضمن يقول (ولو كان التأديب لحامل فأسقطت جنينا ضمنه المؤدب) هذه انتهينا منها.

ثم - قال رحمه الله (وإن طلب السلطان امرأة لكشف حق الله)

أي فأسقطت فإنه يضمن إذا طلب السلطان المرأة لحق الله أو لحق آدمي ثم أسقطت فإنه يضمن هذا الجنين وعلة التضمين الأثر المروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استدعى امرأة فأسقطت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واتفقوا على التضمين ، فهذا الدليل يدل على تضمين السلطان ويستوي في هذا ما إذا كانت المرأة ظالمة أو مظلومة.

ص: 114

ثم - قال رحمه الله (أو استعدى عليها رجل بالشُرط في دعوى له فأسقطت)

إذا استعدى رجل على امرأة ورفع عليها دعوى وطلبت في مجلس الحكم فإنها إذا أسقطت بسبب هذه الدعوى فإنّ المدعي يضمن واشترط المؤلف شرطا وهو أن يصاحب الدعوى من القرائن ما يدخل خوف على المرأة وهذا الذي عبر عنه بقوله بالشُرط. وهذا القيد ذكره الشيخ المجد ابن تيمية وعنه نقل المؤلف وغيره من الحنابلة لم يذكر هذا القيد بل بمجرد أن تدعى إلى مجلس الحكم بسبب دعوى

فإنّ مقيم الدعوى يضمن والذي يظهر أنّ ماذكره الشيخ المجد أولى لأنّ مجرد الدعوى عادة لا تسبب الإسقاط. لكن إذا كان مع هذه الدعوى شُرط وهيئة تدخل الخوف على نفس المرأة ثم أسقطت بسبب هذا فإنه يضمن.

يقول رحمه الله (ضمنه السلطان والمستعدي)

ضمنه السلطان يعني في الصورة الأولى والمستعدي يعني في الصورة الثانية هذا هو الحكم وقد ذكرناه أنه عند الحنابلة يضمن لأنّ الإسقاط صار بسبب هذه الدعوى.

ثم - قال رحمه الله (ولو ماتت فزعا لم يضمنا)

لما بيّن المؤلف أنها إذا أسقطت فإن الجنين يضمن أراد أن يبّين أنها لو ماتت هي بنفسها فإنها لا تضمن واستدل الحنابلة على هذا بأنّ مثل هذه الدعوى لا تقتل عادة والمؤلف رحمه الله خالف المذهب في هذه المسألة والمذهب وهو القول الثاني: أنها تضمن لأنها ماتت بسبب الدعوى فصار الداعي سواء كان الحاكم أو المستعدي سببا في الموت فضمن.

والقول الثالث: أنّ هذه المرأة تضمن إذا كانت مظلومة إذا دعيت وهي مظلومة ، ولا تضمن إذا دعيت وهي ظالمة. واستحسن هذا القول بعض محققي الحنابلة كالشيخ ابن قدامة وهو قول قوي ووجيه تفريق بين أن تكون ظالمة أو مظلومة.

قال رحمه الله (ومن أمر مكلفا أن ينزل بئرا ، أو يصعد شجرة فهلك به لم يضمنه)

ص: 115

إذا أمر شخص آخر وكان المأمور مكلفا بأن يصعد إلى الشجرة أو فوق الشجرة أو ينزل في البئر فإنه إذا صار الصعود أو النزول سببا في هلاكه فإنّ الآمر لا يضمن والسبب في هذا من وجهين: الأول: القياس على الاستئجار فإنه إذا استأجر شخص شخصا وهلك المستأجر فإنه لا ضمان على المستأجِر.

الدليل الثاني: أنه ليس من الآمر جناية ولا تعدي غاية ما هنالك أنه أمره أن يصعد الشجرة وهو مكلف بالغ عاقل يعرف ما يضره فيجتنبه فلم يحصل منه تعدي فهم من كلام المؤلف انه لو كان المأمور غير مكلف صغير فإنّ الآمر يضمن لأنه بأمره للصغير في صعود الشجرة عرضه للهلاك فصار سببا في الجناية. صحيح لأنّ هذا نوع من التغرير بالصغير ، ويستثنى من هذا الأوامر التي تعورف عليها اعتاد الناس عليها عرفا فإنه إذا أمر الطفل بشيء جرى العرف بأمره به فإنه إذا هلك الطفل فإنه لا يضمن أي الآمر. وإلاّ فالأصل الضمان.

قال رحمه الله (ولو أنّ الآمر سلطان)

حتى لو كان الآمر هو السلطان يعني الحاكم بسلطته فإنه لا يضمن والسبب في هذا هو التعليل الأول: أنه ليس من السلطان جناية ولا تعدي وإنما أمره فأطاع وهو كبير ومكلف.

والقول الثاني: أنه إذا كان الآمر هو السلطان أي الحاكم فإنّ المأمور إذا أصيب بجناية فعلى الحاكم الضمان واختار هذا القول من الحنابلة الشيخ الكبير الفقيه القاضي أبو يعلى وتعليل ذلك أنّ في أمر السلطان من حيث هو نوع من الإجبار ، إذ جرت العادة أنّ السلطان لا يخالف أمره هيبة أو رغبة فصار في هذا الأمر نوع من الإجبار فضمن.

والقول الثالث: أنه يضمن أي الحاكم إن أجبره ولا يضمن إن لم يجبره ، وفي الحقيقة أقرب الأقوال والله أعلم اختيار القاضي أبي يعلى والسبب في هذا أنّ الأصل في أمر الحاكم أنه غالبا ما يكون على سبيل الإلزام ويندر ويبعد ويكاد لا يوجد أن يأمر السلطان أحدا ثم لا يستمع لهذا الأمر أو ينقاد فصار في هذا نوع من الإجبار فيكون عليه الضمان ، لكن هل الضمان في مال الحاكم أو في بيت المال.

الصواب أنه إن كان الأمر لقضية تتعلق بمصالح المسلمين فالضمان في بيت المال وإذا كان الأمر لشيء شخصي فالضمان في مال الحاكم

ص: 116