الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا باعه ودفع الثمن فقد برئت ذمته لأنه باع العين التي تعلق بها الحق فبرئت ذمته بذلك لأنه كما تقدم فعل ما عليه ببيع العين التي تعلقت به الجناية. إذا السيد مخير بين ثلاثة أمور دفع الأرش أو بعبارة أسهل دفع الدية. الثاني: تسليم العبد للمجني عليه. الثالث: أن يبيع والخيار في ظاهر كلام المؤلف لمن للسيد فهو مخير بين أي من هذه الأمور.
مسألة / لو سلم العبد وكانت قيمة العبد أكثر من الجناية كأن تكون الجناية تقدر بألف ريال وقيمة العبد ألف وخمسمائة ريال فإنه لا يلزم ولي الجناية أن يعطي السيد الفرق لماذا؟ لأنّ الجناية تعلقت بكامل الرقبة.
والقول الثاني: أنه يجب عليه أن يدفع الفرق لأنّ الجناية إنما تعلقت بالرقبة لأداء الدية ليس إلاّ فإذا أمكن أداء الدية ببعض قيمة العبد وجب أن يرد الباقي للسيد لأنه ملك للسيد. لكن في الحقيقة أنا أرى أنه لا يجب عليه لأنه لو شاء السيد لتولى هو البيع فنقول تولى أنت البيع وخذ ما تشاء وادفع قيمة الدية.
باب ديات الأعضاء ومنافعها
قال رحمه الله باب ديات الأعضاء ومنافعها لما ذكر دية النفس انتقل إلى دية ما دون النفس.
يقول الشيخ رحمه الله (ومن أتلف ما في الإنسان: منه شيء واحد كالأنف واللسان والذكر ففيه دية النفس)
الإنسان إما أن يتلف ما في الإنسان منه شيء واحد أو ما في الإنسان منه شيئان أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة. بدأ المؤلف بالأول فإذا أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد كالأنف واللسان والذكر ففيه دية النفس وعلى هذا دل النص والإجماع. إذا ما في الإنسان منه شيء واحد ففيه الدية وهذا دل عليه النص والإجماع والمؤلف ذكر ثلاثة الأول الأنف واللسان والذكر. والأنف واللسان والذكر مذكور في حديث عمرو بن حزم وأجمع عليه الفقهاء وتعليله أنه أذهب منفعة الجنس. فإذا قطع لسانه فليس في البدن من جنس اللسان عضو آخر يأتي بهذه المهمة أليس كذلك؟ فبقطعه أذهب منفعة الجنس جملة وتفصيلا ولهذا جعل الشارع الحكيم فيه دية كاملة قياسا على النفس لأنه أزهق النفس فقد أذهب كل النفس. وهذا كما قلت دل عليه النص والإجماع فلسنا بحاجة إلى مزيد تأكيد عليه ومن هنا ممكن أن يدفع الإنسان في شخص ثلاث ديات أليس كذلك؟ بأن يقطع لسانه وذكره وأنفه. فيدفع ثلاث ديات مع بقاء النفس.
ثم - قال رحمه الله (وما فيه منه شيئان: كالعينين)
ما فيه منه شيئان كالعين هذا في الدية يعني إذا أذهب الشيئين ولا حظ معي أنّ المؤلف سيقول بعد هذا البحث وفي أحدهما نصفها إذا في العينين الدية وفي أحدهما نصفها وهذا أيضا دل عليه النص والإجماع فذكر دية العينين مذكور موجود في حديث عمرو بن حزم وكذلك أجمع عليه الفقهاء وكذلك أجمعوا على أن في النصف الدية كاملة. فدية العينين ودية النصف محل إجماع ، لأنه سيأتينا في بعض هذه الأشياء خلاف في النصف لكن في العينين لا يوجد خلاف لا فيهما ولا في النصف منهما ويجب أن تستحضروا هذا لأنه إذا قال وفي أحدهما نصفها سنكون شرحنا النصف عند كل واحدة منهما.
ثم - قال رحمه الله (والأذنين)
الأذنان فيهما الدية كاملة والتعليل أنه بإذهاب الأذنين أذهب جنس المنفعة ولأنه لا يوجد في البدن ما يقوم مقام الأذنين.
القول الثاني: أنّ في الأذنين حكومة ومعنى الحكومة سيأتينا سيصرح المؤلف بتعريفها في آخر هذا الفصل واستدل الذين قالوا في الأذنين
حكومة أنه ليس فيها نص من الشارع ولا قياس في الديات والراجح أنّ فيهما الدية ،لأنه لا فرق لأبدا بين العينين والأذنين لا من حيث المنفعة ولكن من حيث إذهاب شيء ليس في البدن منه إلاّ اثنين. نأتي إلى النصف. النصف يعني نصف الدية في الأذنين محل إجماع عند الذين قالوا أنه في الأذنين الدية. النصف يعني إذهاب أذن واحدة فيها نصف الدية بالإجماع لكن عند الذين قالوا أنّ في الأذنين الدية أما الذين قالوا أنّ فيها حكومة فهذا لايوجد عندهم نصف أصلا لأنهم لا يوجبون الدية.
الدرس: (3) من الديات
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال المصنف رحمه الله: (والشفتين)
الشفتين فيهما الدية وفي أحدهما نصفها. أما أنّ فيهما الدية فهذا دل عليه النص والإجماع فإنّ الفقهاء أجمعوا على أنّّ في الشفتين الدية كاملة وهو أي هذا الحكم مذكور في حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه
المسألة أنّ في إحداهما نصف الدية إلى هذا ذهب الجمهور.
والقول الثاني: أنّ في السفلى الثلثين والعليا الثلث. لأنّ منفعة الشفة السلفى أكبر من منفعة العليا والراجح القول الأول لأنّ النص جعل فيهما الدية ففي أحدهما نصفها ، وأيضا يعني في الجواب نحن نجعل في اليدين الدية وفي إحداهما نصف الدية مع أنّ منفعة اليمنى أعظم من منفعة اليسرى مع ذلك لم يراعي الشارع هذا الفرق فكذلك في الشفتين.
ثم - قال رحمه الله (واللحيين)
اللحيين هما العظمان اللذان ينبت عليهما أو تنبت عليهما الأسنان السفلية. ففيهما الدية لأنه ليس في البدن من جنسهما شيء يعني ليس في البدن إلاّ هذان العظمان. وفي أحدهما نصف الدية إلى هذا ذهب الجمهور.
والقول الثاني: أنّ في اللحيين حكومة وكما قلت سيأتي معنى الحكومة مصرحا به في كلام المصنف استدل أصحاب القول الثاني بأنه ليس في النصوص ما يدل على أنّ اللحيين الدية والأصل في التقدير أن يأتي عن الشارع فلما لم يأتي عرفنا أنّ فيهما حكومة.
ثم - قال رحمه الله (وثديي المرأة)
ثدي المرأة فيه نصف الدية وفي الثديين الدية كاملة ، وهذا محل إجماع لأنّ في الثدي منفعة عظيمة جدا في إرضاع الولد واستمتاع الزوج كما أنه ليس في البدن من جنسهما شيء آخر ولهذا أجمع الفقهاء على أنّ فيهما الدية.
المسألة الثانية / في أحدهما نصف الدية وهو أيضا محل إجماع.
ثم - قال رحمه الله (وثندؤتي الرجل)
ثندؤتي الرجل فيهما الدية عند الجمهور في أحدهما وفي إحداهما النصف والدليل للجمهور أنه ليس في البدن منهما إلاّ اثنان وقد دلت النصوص على أنهما ليس في البدن منه إلاّ واحد أو اثنان فيه الدية.
والقول الثاني: أنّ فيهما حكومة لأنهما لا نفع فيهما إنما فيهما جمال فقط ففيهما حكومة. والمسألة محل تأمل وتردد ولكن مع ذلك الأقرب إن شاء الله مذهب الجمهور لأنه يبدوا أنّ الشارع يجعل في كل ما ليس في البدن منه إلاّ اثنان الدية.
ثم - قال رحمه الله (واليدين والرجلين)
اليدان والرجلان فيهما الدية يعني في كل من اليدين والرجلين الدية كاملة بالإجماع وهما من أنفع أعضاء الجسم وقد دل على وجوب الدية فيهما مع الإجماع النص ففي حديث عمرو بن حزم أنه جعل في اليدين الدية وفي الرجلين الدية وأمرهما واضح ولله الحمد أنّ فيهما الدية وفي أحدهما نصف الدية يعني في كل منهما ففي اليد والواحدة نصف الدية وفي الرجل الواحدة نصف الدية.
ثم - قال رحمه الله (والإليتين)
ذهب الجماهير إلى أنّ في الإليتين الدية وفي إحداهما نصف الدية لأنّ فيهما نفعا لا يقوم غيرهما فيه مقامهما. ولأنه ليس في البدن منهما إلاّ اثنان وهذا القول هو الراجح بالنسبة للإليتين الأمر فيهما واضح إن شاء الله. وهو رجحان مذهب الجمهور لعظم نفعهما.
ثم - قال رحمه الله (والأنثيين)
الأنثيين يعني الخصيتين فيهما الدية وفي إحداهما نصف الدية وهذا أيضا دل عليه النص والإجماع فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل
فيهما في حديث عمرو بن حزم الدية وقد أجمع على ذلك الفقهاء وأهمية الخصيتين لا تخفى إذ منهما ينتج الحيوانات المنوية وهي سبب حصول على الذرية فلا شك أنّ نفعهما جدير يإيجاب الدية في إتلافهما مع أنّ المسألة محل إجماع وفيها نص.
ثم - قال رحمه الله (وإسكتي المرأة)
إسكتي المراة هما اللحمان المحيطان بالفرج إحاطة الشفتين بالفم. بالنسبة للمرأة وفيهما الدية وإلى هذا ذهب الأئمة الأربعة لما فيهما من نفع ولما فيهما من جمال ولما فيهما من وقاية وما ذهب إليه الأئمة الأربعة هو الراجح إن شاء الله والأمر فيهما واضح لنفعهما.
قال المؤلف رحمه الله (ففيهما الدية)
يعني في ما ليس في الإنسان منه إلاّ شيئان الدية. (وفي أحدهما نصفها) تقدم معنا الحديث عن كل واحدة على حدة من جهة أنّ فيها النصف. ثم انتقل إلى قسم آخر.
قال رحمه الله (وفي المنخرين ثلثا الدية وفي الحاجز بينهما ثلثها)
انتقل المؤلف إلى الكلام عن ما في البدن منه ثلاثة. وهو الأنف. فإنّ الأنف يشتمل على ثلاثة أشياء على المنخرين والحاجز بينهما فإذا أتلف الأنف ففيه الدية وهذا حكم إذا أتلف الأنف ما الحكم من أي قسم؟ ما فيه شيء واحد.
قال الفقهاء إذا كان الأنف فيه الدية كاملة وهو ينقسم إلى ثلاثة أشياء علمنا أنّ كل واحد من هذه الثلاثة أشياء فيه ثلث الدية وقاسوا هذا على الأصابع وعلى كل ما فيه تعدد في البدن كالعينين والشفتين وما تقدم معنا مما فيه أكثر من واحد وهذا صحيح أنّ في كل من أجزاء الأنف الثلاثة ثلث الدية.
قال رحمه الله (وفي الأجفان الأربعة الدية)
في الأجفان الأربعة الدية عند الجماهير الأئمة الأربعة وغيرهم سواء كان الذي جني عليه أعمى أو بصير. ففي الأجفان الأربعة الدية لأنه لا يوجد منها في الجسم إلاّ أربعة وهذا هو القسم الرابع ما لا يوجد في الجسم منه إلاّ أربعة وهي هذه الأجفان وإنما ذهب الجماهير إلاّ أنّ فيها الدية لنفعهما العظيم في وقاية العين وتجميلها وهذا أمره واضح.
قال رحمه الله (وفي كل جفن ربعها)
الدليل على هذا هو الدليل السابق وهو أنه لما رأينا الشارع جعل فيها الدية علمنا أنّ في كل واحد منها ربع الدية.
والقول الثاني: أنّ في الجفن الأعلى ثلثي الدية والأسفل ثلث الدية لأنّ نفع الأعلى أعظم من نفع الأسفل عكس الشفتين والراجح مذهب الجمهور والجواب على هذا الدليل هو الجواب على الدليل السابق في الشفتين وهو أنّا نجد أنّ الشارع في اليدين لم يفرق بين اليمنى واليسرى كذلك في القدمين لم يفرق بين اليمنى واليسرى.
قال رحمه الله (وفي أصابع اليدين الدية كأصابع الرجلين ، وفي كل أصبع عشر الدية)
انتقل المؤلف إلى ما في الجسم منه عشرة ولهذا يقول وفي أصابع اليدين الدية كأصابع الرجلين في كل أصبع من أصابع اليدين والرجلين
عشر الدية ولهذا نجد في حديث عمرو بن حزم. وفي كل أصبع من الأصابع عشر من الإبل وهذا ينسجم مع القاعدة العامة وهي أنّ الشارع إذا جعل على جزء دية كاملة فإنّ هذه الدية تنقسم على أجزاء هذا العضو وهذا الذي ذهب إليه الحنابلة وما ذهب إليه الحنابلة هو مذهب الجماهير والجم الغفير من أهل العلم.
والقول الثاني: أنّ دية الأصابع ليست على حد سواء بل تتفاوت فدية الإبهام أعظم مما يليه ودية السبابة أعظم من الوسطى وهكذا الخنصر والبنصر فتنقص كلما ذهبنا إلى الأصغر لأنّ نفع الإبهام أعظم نفع مما يليه ونفع ما يليه أعظم مما يليه وهكذا. وهذا القول قول ضعيف لأنه مصادم للنص فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل في كل أصبع عشر الدية كما أنه تقدم معنا أنّ الشارع لا ينظر دائما إلى المفاضلة بين منافع العضو الواحد بل تكاد تكون القاعدة أنّ الشارع لا يفاضل بين منافع العضو الواحد وإنما يفاضل بين منافع العضوين.
قال رحمه الله (وفي كل أنملة ثلث عشر الدية)
لما كان كل أصبع عدا الإبهام فيه ثلاث مفاصل قسمنا العشر من الإبل على كل مفصل من مفاصل الأصبع فستكون دية المفصل الواحد ثلاث من الإبل وربع لكل واحد يعني نقسم العشر من الإبل على مفاصل الأصبع باعتبار أنّ قاعدة الشرع تقسيم دية العضو على أجزائه وهذا صحيح.
قال رحمه الله (والإبهام مفصلان ، وفي كل مفصل نصف عشر الدية)
الفقهاء يرون أنّ الإبهام فيه مفصلان فقط. ويجعلون الثالث في ما يبدوا للإنسان تابع للراحة وكف اليد إذا كان الإبهام ليس فيه إلاّ مفصلان فستقسم العشر على قسمين لكل مفصل كم؟ خمس من الإبل وهذا واضح وعند الذين يرون أنّ الإبهام ثلاث كباقي الأصابع
تقسم العشر على ثلاث ويكون لكل مفصل ثلاث من الإبل وربع. وكان ينبغي في الحقيقة أن نسأل الأطباء هل يعتبر الإبهام فيه ثلاث مفاصل ولا فيه مفصلان فقط مع أنّ الظاهر أنه فيه مفصلان فقط. ما في الوسط وما في الأسفل كما قال الحنابلة.
يقول الشيخ رحمه الله (كدية السن)
الشارع جعل في السن نصف العشر لقوله في حديث عمرو بن حزم وفي السن خمس من الإبل فالسن فيه نصف العشر كما أنّ المفصل الواحد من الإبهام فيه أيضا نصف العشر وهي خمس من الإبل. بهذا نكون انتهينا من الباب الثاني وهو المتعلق بديات الأعضاء ننتقل إلى الفصل الثاني منه وهي دية المنافع.
فصل
يقول المؤلف رحمه الله فصل (وفي كل حاسة دية كاملة: وهي السمع والبصر)
في كل حاسة في الجسم إذا أذهبها الجاني الدية كاملة لأنه ليس في الجسم منها إلاّ شيء واحد وقد ذكر المؤلف الحواس جميعا فقال في السمع والبصر. السمع والبصر يجب في كل واحد منهما الدية بالإجماع وفيه حديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل في السمع والبصر الدية لكنه ضعيف. لكن عندنا الإجماع وأيضا روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّ رجلا ضرب رجلا بحجر على رأسه فذهب منه العقل والنكاح والبصر واللسان فأوجب عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أربعة ديات قال الراوي وما يزال الرجل حيا فأوجب فيه عمر أربع ورأينا أنه أوجب هذه الأربع في البصر واللسان يعني الكلام فإذا السمع والبصر محل إجماع.
مسألة / إذا ضربه ضربة واحدة ذهبت بالأذنين والسمع فعليه ديتان دية للأذنين ودية لحاسة السمع.
قال رحمه الله (الشم)
الشم الدية كاملة وإلى هذا ذهب الجماهير بل حكي إجماعا وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وفي الشم الدية.
والقول الثاني: أنّ في الشم الحكومة وليس فيها دية وعللوا هذا بأنّ منفعة الشم ضعيفة لأنه إنما تراد منفعة الشم ليشم بها والأرواح الكريهة في بعض الأماكن قد تكون أكثر من الأرواح الزكية فإذا قالوا بناء على هذا منفعة الشم ضعيفة. أليس كذلك؟ ماذا ترون بهذا الكلام هذا ذكره فقهاء كبار وجه الضعف من حيث التعليل إذا كنا سنعلل بالحواس أنها قد تلتقط ما يكره إذا قد يسمع ما يكره أليس كذلك؟ وقد يرى ما يكره من الحوادث المؤلمة والمفجعة ومن المناظر التي لا يحب أن يراها إذا التعليل بهذه العلة عليل في الواقع والشارع وهب الإنسان وأنعم عليه بالشم فإذا هو يستحق مقابل هذه النعمة إذا فقدها أن يأخذ العوض وهي الدية كاملة فالتعليل في الحقيقة ضعيف جدا.
ثم - قال رحمه الله (والذوق)
الذوق الخلاف فيه كالخلاف في الشم فذهب الجماهير إلاّ أنّ فيه الدية لمنفعته.
والقول الثاني: أنّ فيه حكومة لأنه لا دليل عليه ولأنّ منفعته أقل من منفعة السمع والبصر والراجح والله أعلم أنّ فيه الدية لأنه حاسة قائمة بنفسها كاملة ولهذا فيها الدية انسجاما مع تقرير الشارع الدية في الحواس الأخرى.
قال رحمه الله (وكذا في الكلام)
وقوله وكذا في الكلام يعني إذا جنا عليه جناية منعته من الكلام وأصبح لا يستطيع أن ينطق ففيه الدية وهذا الحكم محل إجماع فإن تسببت الدية بذهاب بعض النطق فإنّ الدية تقسم على الحروف الهجائية وما نقص أخذ ديته.
قال رحمه الله (والعقل)
إذا جنا عليه جناية ذهبت بالعقل فإنه يعطى الدية كاملة ودل على هذا النص والإجماع ففي حديث عمرو بن حزم وفي العقل الدية وأيضا أجمع الفقهاء على هذا والعقل لا شك من أهم ما منّ الله به على الإنسان بل به فضل على البهائم فإذهابه فيه الدية كاملة بلا إشكال فإن صارت الجناية سببا في إذهاب بعض العقل فما الحكم؟ يمكن هذا؟ ممكن إما بما ذكر أنه يفيق أحيانا أو يكون بعد الحادث
تصوره للأشياء ضعيف وإدراكه للحقائق ضعيف وهذا موجود كثير بعد الجناية يكون عقله وإدراكه وتصوره أضعف منه قبل الجناية فالحكم أنه يعطى من الدية بقدر النقص فإن كان عقله من الأصل قليل قبل الجناية ماذا نصنع؟ أو لا يوجد هذا إنسان يكون عقله ضعيف من الأصل فما الحكم؟ كون المجني عليه من الأصل عقله ضعيف في باب الدية. وهذا من باب التمرين ولا نسأل الله سبحانه وتعالى الشفاء وعدم إصابة أي إنسان ، في باب الدية هل هو أنفع له أو أضر له. لماذا؟ لأنه هو أصلا ناقص فالنقص لن يؤثر عليه فسيأخذ الدية كاملة بينما عند التفاوت قد ينقص عنه من الدية إذا العقل لا إشكال أنّ فيه الدية وفي نقصه مقداره من الدية لأنه من أهم ما منّ الله به على بني آدم.
قال رحمه الله (ومنفعة المشي)
منفعة المشي فيها الدية كاملة لأنها منفعة مقصودة ولا يقوم غيرها مقامها وبعد البحث لم أر فيه خلاف في أنّ فيه الدية ربما يوجد لكن بعد البحث لم أر خلافا فيه ومع ذلك لم أر حكاية إجماع ولكن يتوجه أنّ فيه إجماع لأنّ منفعة المشي منفعة عظيمة ومقصودة ومنفعة المشي أعظم أحيانا من بعض الأجزاء التي فيها الدية كاملة.
قال رحمه الله (والأكل)
بأن تسبب الجناية بعدم مقدرته على الأكل أي أن يصبح بعد الجناية لا يستطيع يأكل لماذا؟ لأي سبب إما بأن يفقد الشهوة أو أن لا يستطيع البلع المهم أن لا يستطيع الأكل بعد الجناية فحينئذ فيه الدية لأنه أذهب عليه منفعة كاملة.
قال رحمه الله (والنكاح)
إذهاب النكاح المراد به إذهاب القدرة على الجماع وفيه الدية كاملة عند الأئمة الأربعة أولا لأنها بمعنى إذهاب الخصيتين.
وثانياً: لأنه أتلف عليه منفعة لا يوجد لها نظير في الجسد.
وثالثا: لعظم منفعة القدرة على الإنجاب ويقاس على إذهاب القدرة على الجماع ما لو سقاه دواء يجعله عقيما ففيه الدية ولو كان هذا الرجل يستطيع أن يجامع ولهذا عبر الفقهاء بالنكاح تمشيا مع أثر عمر رضي الله عنه فإنّ الرجل الذي رمى رجلا كما تقدم معنا قال وذهب نكاحه. فإذا إذا ذهب النكاح وذهب ما يحصل به الإنجاب ولو بقي الجماع ففيه الدية.
قال رحمه الله (وعدم استمساك البول ، أو الغائط)
عدم استمساك البول أو الغائط فيه الدية بلا إشكال وهي محل إجماع والدليل على هذا المنفعة العظيمة في القدرة على التحكم بخروج البول والغائط فإذا ضربه ضربة أفقدته التحكم فإنّ فيه الدية وهذا لا إشكال فيه لعظم منفعة هذه الحاسة ولهذا صارت محل إجماع.
قال رحمه الله وفي كل واحد من الشعور الأربعة الدية وهي شعر الرأس ، واللحية ، والحاجبين ، وأهداب العينين)
في كل واحد منها الدية لأنّ فيها جمالا مقصودا.
والقول الثاني: أنّ فيها حكومة لأنه لم يدل على وجوب الدية فيها نص وليس فيها إلاّ جمال بلا منفعة. والراجح القول الأول لأمرين
الأمر الأول: أنّ الشارع يوجب الدية في إتلاف الأذنين من الأصم مع أنّ الأذنين في الأصم ليست إلاّ زينة.
ثانياً: أنه قولهم ليس فيها نفعا بل هي للجمال ليس بصحيح بل جميع هذه الشعور فيها نفع عظيم للعينين والرأس وجلدة الرأس بالحماية والوقاية من الشوائب التي تدخل العين أو من البرد الذي يصيب الرأس صحيح أنّ نفعها قليل ولا يقارن ببعض الأعضاء لكن نفي النفع منها جملة وتفصيلا ليس بصحيح.
قال رحمه الله (فإن عاد فنبت سقط موجبه)
دل كلام المؤلف على أنّه ينبغي إذا جني على الإنسان في شعره أن ننتظر ولا نبادر بالدية ولا بالقصاص لأنه ربما عاد الشعر وقدر الفقهاء مدة الانتظار بسنة وقالوا أنه إذا لم يخرج بعد السنة ففي الغالب لن يخرج فإن انتظرنا سنة وخرج فسقطت الدية. والصحيح أنّ مدة الانتظار يرجع فيها إلى أهل الخبرة وفي وقتنا هذا يرجع فيها إلى الطبيب فإن قال لا يمكن أن يخرج مرة أخرى فإناّ لا ننتظر وإن قال يخرج أو يمكن أن يخرج فإناّ ننتظر.
قال رحمه الله (وفي عين الأعور الدية كاملة)
المقصود بهذه المسألة إذا جنا إنسان على عين أعور. والأعور هو الذي لا يبصر إلاّ بعين واحدة فإذا جنا عليه جناية أذهبت هذه العين التي يبصر بها ففيه الدية كاملة الدليل استدلوا بدليلين: الأول: أنّ هذا مروي عمر وعلي وعثمان ولا يعلم لهم مخالف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
الثاني: أنه بإذهاب العين والواحدة هو في الحقيقة أذهب حاسة كاملة وهي البصر.
القول الثاني: أنّ في إذهاب عين الأعور نصف الدية فقط. لقول النبي صلى الله عليه وسلم وفي العين نصف الدية وهذه عين وإن كانت في أعور وهذا القول الثاني هو نوع من الجمود على النص ولهذا لم يرتضه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واتفقوا على وجوب الدية كاملة وهذا هو الراجح إن شاء الله.
قال رحمه الله (وإن قلع الأعور عين الصحيح المماثلة لعينه الصحيحة عمدا فعليه دية كاملة ولا قصاص)
هذا هو الحكم إذا قلع الأعور عين الصحيح فلا قصاص وهذا هو الأهم وعليه الدية كاملة يعني لا نصف الدية. الدليل قالوا أو لا قصاص لأنّ الصحابة حكموا بهذا.
ثانياً: لأنّ لو حصل القصاص لأخذ المجني عليه أكثر من حقه فإنه أتلف حاسة كاملة من الجاني بقي علينا دليل على مسألة وهي لماذا عليه الدية كاملة وهو لم يتلف إلاّ عين واحدة أليس كذلك؟ قالوا عليه الدية كاملة لأنه أفتدى بذلك من نفسه حاسة كاملة وهي الإبصار.
القول الثاني: أنّ المجني عليه مخير بين نصف الدية أو القصاص لقوله تعالى {والعين بالعين} [المائدة/45]
ولقوله صلى الله عليه وسلم وفي العين نصف الدية. فهؤلاء بقوا مع النصوص على ظاهرها نقول للمجني عليه إما أن تقتص أو تأخذ نصف الدية كما في النصوص.
القول الثالث: انه ليس للمجني عليه إلاّ نصف الدية وتلاحظ أنّ الأقوال فيها طرفا وسط وأنّ الوسط هو مذهب الحنابلة فلا نقتص ولا نكتفي بمجرد نصف الدية وإنما نعفيه من القصاص لئلا تذهب حاسة البصر ومع ذلك نأخذ منه كامل الدية في الحقيقة هذا قول فيه العدل للطرفين. كما أنه مقتضى فتاوى الصحابة. وقول الشيخ رحمه الله وإن قلع الأعور عين الصحيح المماثلة لعينه الصحيحة.
أفادنا أنّ الأعور لو قلع عين الصحيح غير المماثلة لعينه بأن كانت عين الصحيح أقل من عينه بأن تكون عين الصحيح مريضة أو معيبة وهو يبصر بها لكنها معيبة وعين الأعور صحيحة وقوية حينئذ ليس بينهما مماثلة وحينئذ لا قصاص وله نصف الدية.
يقول الشيخ رحمه الله (لعينه الصحيحة عمدا)