الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الأيمان
الدرس (1) من الأيمان
الأيمان جمع يمين وهي في اللغة تطلق على عدة معان منها اليد اليمنى ومنها العهد ومنها القوة ومنها وهو المراد الحلف والقسم وكأنهم يفهم من عبارات أهل اللغة أنها تطلق على هذه الأشياء وليس لها أصل ترجع إليه هكذا يفهم من عباراتهم وإن كان لو قيل أنّ أصلها أي هذه المعاني أصلح؟ القوة لماذا؟ لأنك تستطيع أن تبرر التسمية الأخرى يد اليمنى لأنها أقوى من اليسرى واليمين لأنّك تقوي كلامك والعهد لأنك تقوي ما بذلته أليس كذلك؟ لو قيل بهذا كان متوجه.
وأما شرعا فهو توكيد الحكم بذكر معظم على وجه مخصوص.
يقول رحمه الله (واليمين التي تجب بها الكفارة إذا حنث هي اليمين بالله .... الخ)
اليمين مشروعة يعني من حيث الأصل مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع. وسيأتينا الأدلة التفصيلية في مباحث الكتاب وكان أكثر قسم النبي صلى الله عليه وسلم ومقلب القلوب ومصرف القلوب. ومصرف هو الذي في الصحيح ومقلب أيضا صحيح كان هذا غالب قسمه وكونه هذا غالب القسم دليل على مشروعية القسم من حيث الأصل.
قال رحمه الله (هي اليمين بالله تعالى أو صفة من صفاته)
أجمع الفقهاء على أنّ من حلف بالله أو باسم من أسماء الله أو بصفة من صفات الله فهو يمين شرعية منعقدة بلا خلاف.
ثم - قال رحمه الله (أو بالقرآن أو بالمصحف)
ذهب الجماهير الأئمة الثلاثة مالك وأحمد والشافعي. إلى أنّ اليمين بالقرآن أو بالمصحف يمين شرعية منعقدة بشرط أن لا ينوي المداد والورق واستدلوا على هذا بأنّ القرآن والمصحف هو كلام الله وكلام الله صفة من صفاته وهم أجمعوا على أنّ اليمين بصفة من صفات الله أنه يمين شرعية.
القول الثاني: أنّ الحلف بالمصحف والقرآن لا يجوز ولا ينعقد واستدلوا على هذا بأمرين: الأمر الأول" أنّ القرآن مخلوق.
والدليل الثاني: لهم أنه لم يعهد الحلف بالمصحف والقرآن ولم يقولوا لم يعهد عند من؟ لكن من الواضح أنّ مقصودهم عند السلف وهذا القول الثاني مذهب الحنفية أو لبعض الحنفية وهو ضعيف جدا وأدلته أضعف منه ، أما الدليل الأول أنه مخلوق فهو قول باطل والقرآن كلام الله منه بدأ وإليه يعود وليس بمخلوق بل صفة من صفات الله. وأما أنه ليس بمعهود فلا يشترط في اليمين لتكون شرعية أن تكون معهودة فالراجح أنه قسم مشروع ومنعقد ويحنث إذا خالفه.
ثم - قال رحمه الله (والحلف بغير الله محرم)
الحلف بغير الله هو توكيد الأمر بذكر مخلوق معظم. يقول رحمه الله وهو محرم الحلف بغير الله محرم عند الجماهير واستدلوا على هذا بنصوص صريحة ، الأول قوله صلى الله عليه وسلم ألا لا تحلفوا بآبائكم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت.
الثاني قوله صلى الله عليه وسلم من حلف بغير الله فقد أشرك. وهي نصوص واضحة.
القول الثاني: أنّ الحلف بغير الله مكروه وليس بمحرم واستدلوا على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله عن شرائع الإسلام فلما خرج قال أفلح وأبيه إن صدق. فقال هذا فهذا النبي صلى الله عليه وسلم حلف بأبي الرجل مما يدل دلالة واضحة على أنه ليس بشرك ولا بمحرم.
والجواب على هذا الحديث. الحديث صحيح والجواب عليه بأحد جوابين أجابوا عليه بسبعة أوجه فيها ضعف وأحسن الأجوبة أن يجاب بأحد أمرين: الأول" أنّ هذا مما يجري على الألسن وما يجري على الألسن فهو من اللغو واللغو ليست من الأيمان المنعقدة. يعني من لغو اليمين.
الثاني: أنه منسوخ وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا في أول التشريع ثم نسخ بالأحاديث الدالة على تحريم الحلف بغير الله.
والثالث: الجواب الثالث وهو كالسابقين في القوة محكم وترك المتشابهه وتلك النصوص محكمة جدا فالنهي عن الحلف بغير الله وهذا متشابهه فاحتمل أنه قبل المنع ويحتمل أنه من لغو اليمين ويحتمل أنه أمر جاء على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وورود مثل هذه الاحتمالات تضعف الاستدلال به وبكل حال الحلف بغير الله محرم بل نوع من الشرك وقد يكون شرك أكبر وقد يكون شرك أصغر بحسب ما يقوم بقلب الحالف.
ثم - قال رحمه الله (ولا يجب به كفارة)
لا يجب بالحلف بغير الله كفارة لأنّ هذا الحلف لم ينعقد والحلف الذي يوجب الكفارة هو المنعقد وهذا بطبيعة الحال مذهب الجماهير الذين يرون أنه محرم ، أما من يرى أنه منعقد فاليمين عند كل العلماء إذا انعقدت فيها كفارة.
قال رحمه الله (ويشترط لوجوب الكفارة ثلاثة شروط: الأول" أن تكون اليمين منعقدة)
الأيمان إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: اليمين المنعقدة. والقسم الثاني: اليمين الغموس. والقسم الثالث: لغو اليمين.
وسيتحدث المؤلف رحمه الله عن كل واحدة على حدة من حيث الانعقاد ومن حيث الكفارة.
يقول رحمه الله (ويشترط لوجوب الكفارة ثلاثة شروط أن تكون اليمين منعقدة وهي التي قصد عقدها مستقبل ممكن).
ذهب الجمهور إلى أنّ اليمين لا تنعقد إلاّ إذا اتصفت بصفتين. الأول أن يقصد عقد اليمين. الثاني: أن تكون على مستقبل. واستدلوا على الشرط الأول بقوله تعالى {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} [المائدة/89] وفي الآية الأخرى {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم} [البقرة/74] ومفهوم الآيتين. أنّ اليمين لا ينعقد إلاّ إذا قصد عقد قلبه عليه.
أما الشرط الثاني فهو أن يكون على مستقبل واستدلوا على قوله تعالى {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} [المائدة/89] وجه الاستدلال أنه قوله إذا حلفتم يعني إذا حلفتم فحنثتم في المستقبل واليمين المنعقدة فيها الكفارة بالإجماع ولهذا سيخصص المؤلف لكفارة اليمين المنعقدة كلاما مستقلا.
ثم - قال رحمه الله (على مستقبل ممكن)
اشترط المؤلف أن يكون على مستقبل ممكن. وقوله ممكن يخرج المستحيل والمستحيل ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يحلف على ترك على المستحيل كقوله والله لا أصعد السماء ، حلف على فعل أو ترك المستحيل؟ على ترك المستحيل فإذا حلف على ترك المستحيل فإنّ اليمين لا تنعقد ولا كفارة فيها بالإجماع لأنّ هذا اليمين عبث وعدم حصول مقتضى اليمين معلوم.
القسم الثاني: أن يحلف على فعل المستحيل ليس على ترك المستحيل كأن يقول والله لأصعدن السماء ، وفي الأول قلنا والله لا أصعد إلى السماء فهذا الثاني ذهب الجماهير إلى أنه منعقد وفيه الكفارة واستدلوا على هذا بأنّ الحلف على مستحيل يدخل في عموم الأدلة فهو حلف على أمر مستقبل.
والقول الثاني: أنه لا ينعقد لأنه حلف على أمر يتعذر البر به وقياسا ما لو حلف على ترك المستحيل والأقرب مذهب الجمهور وإن كانت المسألة تحتاج إلى مزيد تأمل.
ثم - قال رحمه الله (فإن حلف على أمر ماض كاذبا عالما فهي الغموس)
اليمين الغموس هي أن يحلف على أمر في الماضي كاذبا. فهم من كلام المؤلف أنه لا يشترط أن يكون الحلف يقتطع مال أمر مسلم بل يشمل ما لو أراد ذلك وغيره وهو كذلك وهو الراجح أنه لا يشترط أن يكون المقصود من اليمين الغموس أن يقتطع مال امرئ مسلم واليمين الغموس من الكبائر التي تحتاج إلى توبة والدليل على هذا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم جعلها كما في صحيح البخاري من الكبائر والدليل الثاني: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال من حلف ليقتطع مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه عضبان فدلت النصوص على أنه من الكبائر وهو محرم.
مسألة / بعد التقرر أنه محرم هل فيه كفارة اختلف الفقهاء ، فذهب الجمهور إلى أنه لا كفارة فيه واستدلوا على هذا بأمرين: الأمر الأول أنّ الأحاديث التي فيها تحريم اليمين الغموس لم يأتي فيها ذكر الكفارة.
الدليل الثاني: أنّ الأدلة الدالة على اشتراط الاستقبال دالة على عدم وجود الكفارة في اليمين الغموس لأنّها تتعلق بالأمر الماضي وهذا القول هو الراجح واليمين الغموس أعظم من أن تكفرها كفارة اليمين.
القول الثاني: أنها فيها كفارة واستدلوا بالعمومات وعلمنا أنّ هذه العمومات مخصوصة بأدلة اشتراط الاستقبال.
ثم - قال رحمه الله (ولغو اليمين الذي يجري على لسانه بغير قصد كقوله لا والله وبلى والله وكذا يمين عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلافه)
القسم الثاني لغو اليمين وهي تصدق على أمرين: عند الحنابلة الأمر الأول: ما يجري على لسانه من غير قصد.
الثاني: إذا حلف يظن صدق نفسه فهذا يعتبر من لغو اليمين فإذا تصدق على صورتين: أما الدليل على الصورة الأولى فمن وجهين الوجه الأول: أنه تقدم معنا أنه يشترط في اليمين المنعقدة أن تكون مقصودة من كسب القلب وعقده وما يجري على اللسان ليس كذلك.
الدليل الثاني: ما جاء في حديث عائشة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال قول الرجل لا والله وبلى والله من لغو اليمين وكفارة فيه وهذا الحديث منهم من جعله مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من أوقفه على عائشة والمتأخرون يرفعونه كما هي عادة كثير من المتأخرين يرفعون الموقوفات.
والقول الثاني: للدار قطني وهو يرى أنه حديث موقوف وهذا هو الصحيح أنه موقوف على عائشة ولكن وإن كان موقوفا على عائشة فيصلح الاستدلال به لأنه يتوافق مع النصوص العامة.
القسم الثاني: إذا حلف يظن صدق نفسه والدليل على أنّ هذا من لغو اليمين أيضا من وجهين الوجه الأول: أنّ الرجل الذي طلب منه النبي صلى الله عليه وسلم كفارة الجماع في نهار رمضان قال في آخر الحديث فلا والله ليس بين لابتيها أفقر مني! وهذا ظن لأنه لم يقف على كل بيت حتى يعلم من هو أفقر منه أو لا مع ذلك أقسم وأقّره النبي صلى الله عليه وسلم.
الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من أولياء المقتول في حديث القسامة التي تقدم معنا أن يحلفوا وهو حلف على الظن وذهب الجماهير إلى أنّ لغو اليمين لا كفارة فيه واستدلوا على هذا بأنه يمين ليس بمنعقدة لعدم وجود القصد واليمين المكفرة هي اليمين المنعقدة فقط.
الدرس: (2) من الأيمان
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
كنا تحدثنا عن قول المؤلف رحمه الله (ولغو اليمين الذي يجري على لسانه بغير قصد كقوله: لا والله ، وبلى بالله وكذا يمين عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلافه) وذكرت حد لغو اليمين وحكمه من حيث الكفارة وأحب أن أنبه أنّ قوله تعالى {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} [البقرة/225] يفيد عدم الكفارة لكن لا دخل له في تحديد اللغو فإنّ الآية أثبتت عدم المؤاخذة ولكنها لم تبيّن ما هو لغو اليمين فهو يكتسب من أدلة أخرى وهو ما شرحناه في الدرس السابق. ثم قال مبيّنا الشرط الثالث. من شروط وجوب الكفارة
قال رحمه الله (الثاني: أن يحلف مختارا فإن حلف مكرها لم تنعقد يمينه)
الشرط الثاني لوجوب الكفارة أن يحلف مختارا فإن حلف مكرها لم تنعقد اليمين وإلى هذا ذهب الجمهور عدم انعقاد اليمين إذا أكره عليها وعدم وجوب الكفارة تبعا لذلك إذا حنث فيها واستدلوا بالأدلة العامة الدالة على رفع المؤاخذة إذا تم العمل إكراها. تقدمت معنا مرارا من الكتاب والسنة.
والقول الثاني: أنها تنعقد ويؤاخذ بها نظرا لأنه أتى باليمين فتترتب على اللفظ أحكامه والراجح إن شاء الله أنها لا تنعقد.
بيّن المؤلف ما هو الحنث أو كيف يحصل الحنث قبل هذا أريد أن أنبه إلى أنّ بعض الذين ذهبوا إلى انعقاد اليمين كرها استدلوا بحديث من باب التنبيه وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث جدهن جد وهزلهن جد. اليمين والطلاق والنكاح. فوضعوا اليمين في هذا الحديث وهذا الحديث لا أصل له ولذلك أعرضنا عنه لأنه لا أصل له أصلا وليس بحديث ضعيف لكن أحببت أن أنبه إلى أنّ بعضهم استدل به وأنه ليس له أصل نرجع إلى الشرط الثالث. الشرط الثالث شرحه المؤلف
ثم - قال رحمه الله (الحنث في يمينه بأن يفعل ما حلف على تركه أو يترك ما حلف على فعله مختارا ذاكرا)
بيّن المؤلف كيف يحصل الحنث. الحنث يحصل بمخالفة مقتضى اليمين فإن حلف أن لا يفعل ففعل أو أن يفعل فلم يفعل فقد حنث أي فقد خالف ما عقد اليمين عليه والحنث من شروط وجوب الكفارة لأنه إذا لم يحنث فإنه لم يهتك حرمة اليمين وإذا لم يهتك حرمة اليمين فلا كفارة وهذا مجمع عليه.
ثم - قال رحمه الله (فإن فعل مكرها أو ناسيا فلا كفارة)
الإكراه في الشرط الثاني إكراه على. ما الفرق بين هذا وبين الشرط الثاني.؟ الشرط الثاني إكراه على نفس اليمين. وهذا الشرط إكراه على الحنث في اليمين. إذا أكره على الحنث في اليمين فإنه لا يعتبر حنث ولا تعتبر يمينه انتهكت والإكراه على اليمين ينقسم إلى قسمين: القسم الأول" أن يلجأ إلى مخالفة اليمين إلجأً كأن يحلف أن لا يدخل البيت فيحمل ويدخل به البيت فهذا لا حنث عليه بلا إشكال. القسم الثاني: أن يكره إكراها على فعل اليمين بلا إلجاء يعني أن يكره بالضرب والتهديد والإيذاء فهذا ذهب الأئمة الثلاثة وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم وغيرهم إلى أنه لا يحنث. واستدلوا بالعمومات.
والقول الثاني: أنه يحنث واستدلوا بعموم قوله تعالى {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} [البقرة/225] وهذه الأيمان معقودة وقد خالفها والراجح مع الجمهور وهو انه لا يحنث.
ثم - قال رحمه الله (أو ناسيا)
الخلاف في الناسي كالخلاف في المكره تماما من حيث القائلين والأدلة.
مسألة / الجاهل ما حلف على تركه جهلا أو ترك ما حلف على فعله جهلا فالخلاف فيه كالخلاف في السابق تماما أيضا والراجح فيه هو الراجح فيه فإذا الآن عرفنا حكم من فعلها مكرها أو ناسيا أو جاهلا.
ثم - قال رحمه الله (ومن قال في يمين مكفرة إن شاء الله لم يحنث)
إذا حلف الإنسان واستثنى بقوله إن شاء الله فإنه إذا خالف ما حلف عليه لم يحنث والدليل على هذا من ثلاثة أوجه:
الأول: ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث وهذا الحديث اختلفوا في رفعه ووقفه فذهب الأئمة إلى وقفه وذهب كثير من المعاصرين إلى رفعه والصواب إن شاء الله أنه موقوف لكن مثله يصلح للاستدلال.
الدليل الثاني: قصة سليمان وفيها النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخرها ولو قال إن شاء الله لم يحنث وهو نص في رفع الحنث والمؤاخذة إذا اقترن اليمين بأن شاء الله.
الدليل الثالث: الإجماع فإنهم أجمعوا على أنّ الاستثناء من حيث الجملة يرفع الحنث ووجوب الكفارة.
مسألة / وقول إن شاء الله مع اليمين لا يشترط له أي شرط فلا يشترط الاتصال ولا أن ينوي أن يقولها قبل أن يبدأ باليمين ولا يشترط له أي شرط فإذا حلف وقال إن شاء الله فإنه لا يحنث مطلقا.
ثم - قال رحمه الله (ويسن الحنث في اليمين إذا كان خيرا)
إذا حلف الإنسان على شيء وكان ترك الحلف خير من الالتزام به فإنه يسن ولا يجب أن يحنث في يمينه والدليل على هذا من وجهين:
الأول: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال إني إن شاء الله لا أحلف على يمين فأجد غيرها خيرا منها إلاّ أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني. وهو نص في المطلوب.
الدليل الثاني: أنهم لم يختلفوا في أنّ هذا مستحب وهو أولى وأفضل من الاستمرار في اليمين.
ثم - قال رحمه الله (ومن حرم حلالا سوى زوجته أو أمة أو طعام ، أو لباس أو غيره لم يحرم)
إذا حرم الإنسان على نفسه شيئا مباحا فإنّ الجماهير من الأئمة الثلاثة ذهبوا إلى أنه لا يحرم مطلقا كفر أو لم يكفر واستدلوا على هذا بقوله تعالى {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب} [النساء/171] واستدلوا أيضا بدليل آخر وهو أنّ التحليل والتحريم إلى الله.
والقول الثاني: أنه يحرم إلى أن يكفر فإذا حرم على نفسه شيئا فإنه يحرم إلى أن يكفر وهذا مذهب الأحناف واستدلوا بقصة تحريم النبي صلى الله عليه وسلم العسل وأنّ الله تعالى قال {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم} [التحريم/1]{قد فرض الله لكم تحلت أيمانكم} [التحريم/1] فهم فهموا من قد فرض الله لكم تحلت أيمانكم يعني إحلال أيمانكم.
والجواب على الاستدلال بهذا الآية. أنّ المقصود بالآية بتحلت هنا ليس التحليل وإنما إحلال اليمين يعني فك اليمين وحلها فهو من الحَلْ وليس من الحِل [يعني من فك العقدة وليس من الحِل الذي هو ضد التحريم] والراجح مذهب الأئمة الثلاثة إن شاء الله.
ثم - قال رحمه الله (وتلزمه كفارة يمين إن فعله)
لإشكال في وجوب كفارة اليمين فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما حرم على نفسه كفّر كفارة يمين ونحن حملنا الآية على حلها وحل اليمين يكون بالكفارة فلا إشكال في وجوب الكفارة إذا حرم على نفسه شيئا.
فصل
هذا الفصل في كفارة اليمين وكفارة اليمين فيها تخيير وترتيب وبدأ المؤلف بالتخيير فهو
يقول رحمه الله (يخير من لزمته كفارة يمين بين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة)
فالتخيير بين الإطعام والكسوة والعتق ، فإن شاء أطعم وإن شاء كسا وإن شاء أعتق والتخيير تخيير تشهي وليس تخيير مصلحي فيختر ما يناسبه ويكون أسهل عليه. وهل ينبغي للمفتي أن يبيّن أو أن يرشد السائل إلى الأسهل أو يخيره فقط يظهر لي بعد التأمل ينبغي للمفتي أن يبيّن للسائل الأسهل السبب في هذا أنه يظهر والله أعلم من تخيير الله في هذه الأجناس أنه أراد التوسعة على المكفر ولهذا خيره بين عدة أشياء وتعلمون أنّ هذه الأصناف أحيانا ترتفع وأحيانا تنخفض فقد يكون الشيء بعضه أغلى من بعض ففي الحج مثلا الإطعام أرخص بكثير من الذبيحة مهما رخصت الذبيحة فكون المفتي يبيّن للسائل أنه مخير في كفارة الأذى وأنّ الإطعام هو أسهل الخصال الثلاث هذا جيد هنا في اليمين غالبا الأسهل من الخصال الثلاث هو كذلك الإطعام.
يقول المؤلف رحمه الله (إطعام عشرة مساكين)
لم يبيّن المؤلف الجنس ولا المقدار والسبب في هذا أنّ الجنس والمقدار تقدم معنا في ثلاثة أبواب في كتاب الصيام وفي كتاب الحج وفي كتاب الظهار وهو أنهم يرون أنه مد من بر أو نصف صاع من غيره من الأطعمة. والمد تقريبا 600 غرام فنصف الصاع ألف ومائتين غرام من الحبوب من الأرز أو القمح وما شاكلها مما يطعم الناس فإذا عرفنا الآن المقدار والنوع حسب المذهب.
القول الثاني: أنه لا حد لمقداره ولا نوعه وأنه من أوسط ما تطعمون أهليكم فالإنسان يطعم بحسب الطعام الموجود والذي يأكل من أهله ثمينا كان أو رخيصا أو وسطا وهذا الثاني هو المتوافق مع ظاهر الآية والأول هو الأسهل تطبيقا والأضبط بين الناس فلا شك أنّ صدقة من أوسط ما تطعمون أهليكم يستمر في السؤال ماذا يعني هذا؟ وكيف أطعم أوسط أهلي ومرة نأكل كذا ومرة نأكل كذا
فتدخل أنت وأياهم في برنامجهم العائلي وتكون مشكلة يعني بينما على المذهب نصف صاع وانتهت المشكلة وهو في الحقيقة أضبط للمفتي وأضبط المستفتي.
مسألة / هل يجب إذا أخرج مد من البر أو نصف صاع من غيره أن يخرج معه الإدام في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه يجب وجوبا أن يخرج مع ما يخرجه في كفارة اليمين إداما. واستدلوا على هذا بأنّ العادة جرت بأنّ الطعام لا يخلو من الإدام.
القول الثاني: أنه لا يجب وهو ظاهر المذهب واستدلوا على هذا بأنّ من أطعم نصف صاع أو مد بر فإنه يسمى مطعم ولو لم يخرج إدام.
والقول الثالث: التفصيل إن كان يطعم أهله مع الإدام فيكفر مع الإدام ، وإلاّ فلا. وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله والإدام يطلق على كل ما اعتاد الناس أكله مع الخبز تناولا أو تغميسا وعلى رأسه اللحمة فاللحمة من أشرف أنواع الإدامات في عرف اللغة والشرع فإذا كان يطعم أهله مثل هذا الشيء فإنهم ينبغي إذا أراد أن يخرج مثلا ستمائة غرام من الأرز أن يجعل معه ماذا؟ لحم سواء كان لحم حيوان أو من الدجاج.
ثم - قال رحمه الله (أو كسوتهم)
كذلك لم يبيّن المؤلف قدر الكسوة والمذهب أنّ قدر الكسوة هو ما يجزئ في الصلاة بحسب المعطى فقد يكون امرأة وقد يكون رجلا.
القول الثاني: أنه يكسى ما يصدق عليه اسم الكسوة ولو كانت أقل مما يلبسه المسلم في الصلاة وإلى هذا ذهب ابن حزم.
والقول الثالث: أنّ الكسوة يرجع في تحديدها إلى العرف فما اعتبر عرفا كسوة فهو الواجب ولو لم يجزئ في الصلاة وهذا القول الثالث هو المتوافق مع ظاهر الآية.
ثم - قال رحمه الله (أو عتق رقبة)
تقدمت معنا في كتاب الظهار مباحث كثيرة في عتق الرقبة فجميع المباحث بدون استثناء التي تقدمت في عتق الرقبة في الظهار تأتي معنا هنا في عتق الرقبة في كفارة اليمين وعلى رأس هذه المسائل قضية هل يشترط أن يكون مؤمنا أو لا تقدم معنا أنّ الجماهير والجم الغفير يرون اشتراط هذا الشرط وأنه هو الأقرب.
وأنّ القول الثاني أنه لا يشترط وهو مرجوح.
ثم - قال رحمه الله (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة)
انتقل من التخيير إلى الترتيب فإذا لم يتمكن من الإطعام والكسوة وعتق الرقبة حينئذ ينتقل إذا لم يستطع إلى الصيام ويشترط في الصيام أن يكون متتابعا واستدلوا على هذا بقراءة ابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعة وهو بإسناد صحيح واستدلوا أيضا بأنّ أبي بن كعب قرء مثل قراءة ابن مسعود تماما.
والقول الثاني: أنه لا يشترط التتابع فإنّ الله أمر بالصيام فأطلق ولا يمكن أن نقيّد بغير القرآن والراجح إن شاء الله وجوب التتابع في صيام كفارة اليمين فإنّ قراءة ابن مسعود إما أن تكون قراءة من القرآن فهي حجة وإلاّ فلا تنزل عن أن تكون خبر آحاد وخبر الآحاد حجة ولو فرضنا وليس كذلك أنه موقوف على حكمه حكم الموقوف على ابن مسعود فكذلك له حكم الرفع لأنه مما لا مجال للرأي فيه لكنه ليس بموقوف لأنّ ابن مسعود ذكره كقراءة فلا ينزل عن مرتبة المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم.
ثم - قال رحمه الله (ومن لزمته أيمان قبل التكفير موجبها واحد فعليه كفارة واحدة)
من حلف على أكثر من يمين لكن موجبها والمقصود بموجبها يعني ما توجبه يعني الكفارة فإذا حلف على أيمان كفارتها واحدة هذا معنى كلام المؤلف ولم يكفر فتجزؤه كفارة واحدة. مثاله كأن يقول والله لا أكلم عمروا والله لا آكل خبزا فهاتان يمينان كفارتهما واحدة لأنها يمين كفارة اليمين واحدة. أفادنا المؤلف أنه يكفر كفارة واحدة إذا لم يكفر فالمسألة الأولى أنه إذا كفر فإنه يلزمه كفارة أخرى بلا خلاف فإذا قال والله لا أكلم زيدا والله لا أكلم عمروا ثم كلم زيدا وكفر ثم كلم عمروا فإنه يجب أن يكفر كفارة أخرى بلا خلاف نأتي إلى مسألة ما إذا لم يكفر فالمذهب على أنه كفارة واحدة. لأنها أيمان لها كفارة من جنس واحد فتتداخل قياسا على الحدود. فلو زنا ثم زنا فإنه يقام عليه حد واحد.
والقول الثاني: أنه يجب عليه كفارة لكل يمين كفر عن التي قبلها أو لم يكفر واستدل هؤلاء بأنّ هذه أيمان مختلفة مخرجها مختلف والآية أو جبت في كل عقد يمين كفارة والراجح بوضوح القول الثاني. فيجب عليه كفارات لأنّ هذه أيمان مختلفة.
ثم - قال رحمه الله (وإن اختلف موجبها كظهار ويمين بالله لزماه ولم يتداخلا)