الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا كان موجب هذه الأيمان مختلف كفارات مختلفة كأن يظاهر من زوجته ويقتل خطأ ويحلف يمينا فكل واحد من هذه الأمور أوجبت كفارة مختلفة فلا تتداخل. قال الشيخ المرداوي بلا نزاع لأنها أجناس مختلفة فلم تتداخل وهذا صحيح ولا أظن أنّه هناك خلافا خارج المذهب. بهذا انتهى هذا الفصل. ولله الحمد.
باب جامع الأيمان
هذا الباب باب مهم جدا لأنه يعين المحلوف عليه والترتيب عند الحنابلة ترتيب رباعي نرجع إلى النية ثم إلى السبب ثم إلى التعيين ثم إلى الاسم سيأتينا خلاف في هذا الترتيب لكن الحنابلة هكذا يرتبون الأولويات في حمل اليمين على المقصود ولما كانت النية هي الأولى وهي مجمع على البدء بها بدأ بها المؤلف.
يقول رحمه الله (يرجع في الأيمان إلى نية الحالف إذا احتملها اللفظ)
يرجع في الأيمان إلى نية الحالف بشرطين: الشرط الأول" أن يحتملها اللفظ فإذا قال والله لا آكل لحما ثم رأيناه يأكل فقال نويت أي خبزا لفظ اللحم يتحمل الخبز؟ لا يحتمل. فإذا نقول هذا لا يحتمل وأنت حانث. إذا يجب أن يحتمل اللفظ فأخذنا مثال عدم الاحتمال أما أمثلة الاحتمال فكثيرة مثل أن يقول والله لا آكل لحما ونراه يأكل دجاجا يحتمل أو لا يحتمل؟ ومثل أن يقول والله لا آكل لحما ونراه يأكل من أجزاء الذبيحة الأخرى من الكبد أو من الرئة فهذا يحتمل أو لا يحتمل؟ يحتمل.
الشرط الثاني: أن يكون محقا لا ظالما فإن كان ظالما فإنه يأخذ بلفظه ولا تعتبر نيته فإذا اكتملت الشروط فإناّ نبدأ ونأخذ بالنية لقول النبي صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات. وإلى هذا ذهب الجماهير من أهل العلم أنّ المعتبر والضابط الأول في معرفة مقصود الحالف النية إذا وجدت لهذا الحديث.
والقول الثاني: أنا لا ننظر إلى النية لأنّ اليمين مرتبطة باللفظ فنآخذه بلفظه. وهذا القول فيه بعد وضعف ظاهر جدا وقاعدة الشرع انه إنما الأعمال بالنيات.
ثم - قال رحمه الله (فإن عدمت النية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها)
المرتبة الثانية السبب وغالبا ما يكون السبب مخصص لا معمم فإذا عرفنا من السبب أنّ مقصوده أخص من لفظه حملنا اليمين على هذا الخاص فإذا قال والله لا أدخل دار فلان وعلمنا قطعا أنّ ما سبب اليمين وهيجها أنّ في الدار منكرات فإنّ الدار إذا خليت من المنكرات ودخلها فإنه لا يحنث. بالنظر إلى أي شيء إلى سبب اليمين وفي الحقيقة السبب إذا تأملت تجده يرجع إلى النية فإنه نوى لما حلف أن لا يدخل الدار نوى أي لوجود المنكرات على كل حال المرتبة الثانية هي السبب وقد تكون من حيث التقسيم أوضح.
والخلاف في السبب كالخلاف في النية.
ثم - قال رحمه الله (فإن عدم ذلك رجع إلى التعيين)
إذا لم تكن هناك نية ولا سبب فإنّا نرجع إلى التعيين والتعيين أن يعين ويستخدم لفظ الإشارة هذا كأن يقول والله لا آكل هذا الجدية والله لا آكل هذه الجبنة ، فإنّ اليمين تتعين إذا لم توجد نية ولا سبب.
مسألة / فإن تغيرت صفة المعين واسمه كأن حلف على بيضة فصارت دجاجة فالمذهب أنه يحنث إذا أكل الدجاجة لأنه أكل ما عينه واختار ابن قدامة أنه لا يحنث لأنّ اسم المعين وصفته اختلفتا.
القسم الثاني: أن تختلف صفة المعين واسمه وتذهب أجزاءه كأن يحلف أن يكلم صبيا فيصبح الصبي شيخا أو أن لا يأكل تمرا فيصبح دبسا فالمذهب وابن قدامة يرون أنه يحنث لأنه لما عدمنا النية والسبب رجعنا إلى التعين والمعين موجود وإن اختلفت صفته.
والقول الثاني: أنه لا يحنث فإذا حلف أن لا يكلم صبيا فصار شيخا وكلمه فإنه لا يحنث لأنّ صفة المحلوف عليه واسمه وحقيقته اختلفت والراجح؟ أيهم أقرب؟ لا يحنث لأنه المحلوف عليه اختلف واختلاف الصفات نحن وجدنا من خلال دراسة الفقه أنّ اختلاف الصفات يؤثر أو لا يؤثر على الأحكام؟ يؤثر تأثيرا بيّنا فالخل إذا انقلب خمرا والخمر إذا انقلب خلا بغير قصد ولا فعل أبيح والذي تغير أجزاء الشيء أو صفته؟ صفته أما أجزاءه موجودة نفس الأجزاء موجودة لكن صفته تغيرت فلما وجدنا الشرع دائما تختلف الأحكام عنده إذا اختلفت الصفات والأسماء عرفنا أنه أيضا في هذا الباب يجب أن نأتي بالقاعدة فلا يحنث بذلك.
ثم - قال رحمه الله ممثلا على التعين الأمثلة القادمة كلها على التعين.
قال رحمه الله (فإذا حلف لا لبست هذا القميص فجعله سراويل ، أو رداء أو عمامة ، ولبسه)
فإنه يحنث إذا حلف لا لبست هذا القميص فجعله سراويل أو رداء أو عمامة ولبسه فإنه يحنث لماذا؟ لأنّ الحنابلة يقدمون التعين على الاسم والقميص إذا صار سراويل إنما اختلف فيه اسمه ووجه تقديم التعين على الاسم عند الحنابلة أنّ التعين أبلغ في ذهاب الإبهام ورفع الإبهام يعني أنه إذا عينت لم يعد هناك إشكال أنّ المقصود هذا الشيء لكن إذا سميت هل يحتمل أن تقصد شيئا آخرا؟ نعم فرأوا أنّ التعين من هذا الوجه أقوى من الاسم. مثال الثاني:
قال رحمه الله (أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخا أو زوجة فلان هذه أو صديقه فلانا أو مملوكه سعيدا فزالت الزوجية والملك والصداقة ثم كلمهم) إذا قال والله لا كلمت صديق فلان أو زوجة فلان أو هذا الصبي فصار شيخا فالذي زال الآن ثم صار ليس بصديق وطلقت الزوجة وصار الصبي شيخا فالذي زال هو الإضافة والقاعدة عند الفقهاء أنّ الإضافة أضعف من الاسم فإذا كنا نقدم التعين على الاسم فتقديمه على الإضافة من باب أولى وكل هذا يرجع إلى نفس القاعدة وهي أنّ التعين مقدم على الاسم.
قال رحمه الله (أو لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشا ......... )
المجموعة الثالثة. لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشا وهذا الرطب فصار تمرا أو دبسا أو خلا وهذا اللبن فصار جبنا أو كشكا ونحوه ثم أكل المجموعة الثالثة هي ما تحدثنا عنه وهي إذا اختلفت اسمه وصفته.
أما المجموعة الثانية فاختلفت الإضافة. وأما المجموعة الأولى فاختلف الاسم فقط. فإنّ القماش إذا فصلته قميصا أو فصلته سراويل أو رداء إنما اختلف الاسم أما حقيقة القماش موجودة ويجمع الأمثلة أو المجموعات الثلاثة أنّ التعين مقدم على الاسم ففي الأمثلة الأخيرة اختلف الاسم لاختلاف الحقيقة فإنّ الحمل إذا صار كبشا فقد اختلفت حقيقته وانتقل إلى سن آخر وكذا التمر واللبن وما مثل به.
قال رحمه الله (إلاّ أن ينوي ما دام على تلك الصفة)
لأنه تقدم معنا أنه إذا وجد في الحلف نية فالنية مقدمة على التعين فإذا قال قصدت ما دامت هذه الصفة موجودة قدمت النية طبعا هذه المباحث قد تكون قليلة النفع في أحيان كثيرة لأنه يندر أن تخلوا اليمين من النية لأنّ اليمين إنما تخرج من الإنسان بناء على معطيات في الواقع توجب عنده نية وعزم على اليمين فإذا لا بد من وجود نية تحدد لكن لو افترضنا وجود يمين بدون نية فعلى هذا الترتيب.
فصل
قال رحمه الله (فإن عدم ذلك رجع إلى ما يتناوله الاسم)
قوله فإن عدم ذلك يعني عدمت النية والسبب والتعين حينئذ نرجع إلى الاسم وهو آخر المراحل عند الحنابلة فهو أضعف المدلولات.
والقول الثاني: أنّ الاسم يقدم على التعين لأنّ العرف غالبا ما يتطابق مع الاسم لا مع التعين.
قال رحمه الله (وهو ثلاثة: شرعي وحقيقي وعرفي)
سيبيّن المؤلف تعريف كل واحد من هذه الثلاثة وهي أقسام للاسم لكن يؤخذ على المؤلف أنه رحمه الله لم يرتب الحقائق الثلاثة للاسم شرعي وعرفي وحقيقي. لم يرتب بشكل واضح بماذا نبدأ وماذا نؤخر؟ وخالف بهذا لا أقول الأصل حتى الأصل عنده نوع من عدم الوضوح في الترتيب وهو خلل من وجهة نظري غير مقبول ولهذا لو رجعت إلى المنتهى وإلى الإقناع وإلى غيرهما من كتب الحنابلة ستجد أنهم أول ما يبدءون يبيّنون الترتيب وأناّ نأخذ بهذا أولا ثم يليه كذا ثم يليه كذا لأنّ هذا الباب معقود لهذه القضية بماذا نبدأ ولهذا لما جاء في الفصل السابق باب جامع الأيمان مباشرة بدأ بالترتيب فقال يرجع إلى كذا فإن لم يمكن فإلى كذا فإن لم يمكن فإلى كذا هنا لو قرأت أنت هذا الفصل كاملا ربما لا يتبيّن لك كيف ترتب الحقائق وأيها أولى بالتقديم بينما في المنتهى في الحقيقة كانت عبارته محررة
جدا وقال يبدأ بكذا ثم بكذا ثم بكذا وكذلك في الإقناع. بدأ المؤلف بالشرعي:
فقال رحمه الله (فالشرعي ماله موضوع في الشرع وموضوع في اللغة)
اللفظ أو الاسم الشرعي هو كل اسم له معنى في الشرع ومعنى في اللغة فإذا كان له معنى في الشرع ومعنى في اللغة فهو اسم شرعي ويقصد بهذا بطبيعة الحال وله معنى في اللغة يختلف عن معناه في الشرع مثل الصلاة والزكاة والحج والصيام ، فالصلاة في اللغة الدعاء وفي الشرع أقوال وأفعال مبتدأه بالتكبير مختتمة بالتسليم. الصيام هو الإمساك وعرفتم معناه في الشرع الحج في اللغة هو القصد وعرفتم معناه في الشرع وهكذا إذن هذه الألفاظ أو هذه بعبارة أدق هذه الأسماء لها معنى شرعي ولها معنى لغوي فكل اسم له معنى شرعي ولغوي فهو من الأسماء الشرعية.
قال رحمه الله (فالمطلق ينصرف إلى الموضوع الشرعي الصحيح)
الاسم إذا أطلق فإنه ينصرف إلى الموضوع الشرعي ، والدليل على هذا من وجهين:
الأول: أنّ تقديم المعنى الشرعي محل إجماع فقد أجمعوا على أنه إذا كان للاسم معنى شرعي فإناّ نبدأ به.
الثاني: أنّ الأصل في إطلاق الأسماء بين المسلمين إرادة المعنى الشرعي فإذا قال والله لا أصومن يوم الخميس هل يمكن أن نحمل هذا على الإمساك عن الكلام؟ وإذا نوى ويقول والله لا أصومن يوم الخميس قلنا الصيام هو الصيام الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فقال أنا أريد الإمساك عن الطعام؟ يقبل منه أو لا يقبل؟ ينبغي أن تقولوا يقبل ألم نجعل النية هو رقم واحد أليس كذلك؟ ثم في المرتبة الأخيرة الاسم فإذا قال أنا أريد أن أمسك عن الكلام ما أردت الصيام ولا نويت الصيام نقول إنك لا تحنث إذا تركت الصيام وتحنث إذا تكلمت.
ثم - قال رحمه الله (فالمطلق ينصرف إلى الموضوع الشرعي الصحيح)
يشترط أن نحمله على المعنى الشرعي أيضا الصحيح فإذا قال والله لا أبيعن هذه السيارة ثم باعها بيعا فاسدا فإنه لا يحنث والدليل على هذا أنّ الله تعالى قال {وأحل الله البيع} [البقرة/275] وجه الاستدلال؟ أنّ الآية سمت البيع الصحيح فقط هو البيع فإذا باع بيعا فاسدا فإنه لا يحنث.
والقول الثاني: أنه يحنث لأنه أتى بصورة المحلوف عليه والصواب الأول لأنّ مادمنا نحمله على المسمى الشرعي فأيضاً لا بد أن نحمله على التصحيح الشرعي.
ثم - قال رحمه الله (فإذا حلف لا يبيع أو لا ينكح فعقد عقدا فاسدا لم يحنث)
تقدم معنا أنه إذا عقد عقدا فاسدا لم يحنث إلاّ أنّ بعض الفقهاء فرق بين البيع والنكاح فقال إنه يحنث في البيع ولا يحنث في النكاح فإذا نكح نكاحا فاسدا بعد أن أقسم أن لا يفعل فإنه لا يحنث وإن باع بيعا فاسدا بعد أن أقسم أن لا يفعل فإنه يحنث يعني فرقوا بين البيع والنكاح والصواب أنه لا تفريق بين العقود الشرعية. وأنّ الجميع لا يحصل به الحنث.
ثم - قال رحمه الله (وإن قيّد يمينه بما يمنع الصحة كأن حلف لا يبيع الخمر أو الحرحنث بصورة العقد)
إذا أنشأ اليمين على عقد فاسد فإنه إذا خالف يمينه فإنه يحنث وعللوا هذا بأنه لا يتصور البر بهذه اليمين إلاّ بذلك ولا يتصور الحنث بها إلاّ بمخالفته.
والقول الثاني: أنه لا يحنث حتى في هذه الصورة لأنّ أيمان المسلمين تحمل على العقود الصحيحة ولو حلف على عقد فاسد بناء على هذا إذا قال والله لا أبيعن هذه الجارية والجارية أم ولد فهو حلف على بيع فاسد او صحيح؟ بيع فاسد على القول بتحريم بيع أمهات الأولاد فحينئذ عند الحنابلة يحنث إذا باعها وعلى القول الثاني متى يحنث؟ لا يحنث لأنه لا يمكن أن يبيعها بيعا صحيحا أليس كذلك؟
يمكن للإنسان أن يبيع البيع الفاسد بيعا صحيحا لا يمكن لو قال والله لا أبيعن الخمر كيف يحنث على القول الثاني؟ لا يحنث لأنهم يقولون انه لا يحنث لأنّ هذه اليمين لا يمكن أن يحنث بها إلاّ ببيع صحيح ولا يمكن البيع الصحيح والراجح المذهب وأنه لو باع فإنه آثم والبيع باطل ولكن عليه كفارة يمين. وانتقل إلى الحقيقي.
قال رحمه الله (والحقيقي: هو الذي لم يغلب مجازه على حقيقته كاللحم)
هنا ننبه لشيء أولا الحقيقي يعني اللغوي والتعبير باللغوي أوضح. ثانيا صنيع المؤلف يوهم أنّ الحقيقي يأتي في المرتبة الثانية بعد الشرعي أليس كذلك؟ والواقع أنّ الحنابلة يرون أنّ العرفي مقدم على الحقيقي وهذا مما أشرت إليه آنفا أنّ الشيخ في الحقيقة المؤلف رحمه الله لم يرتبها على المطلوب.
اللفظ الحقيقي هو اللفظ المستعمل في حقيقته اللغوية المؤلف يقول كاللحم. فاللحم إذا قال والله لا آكل لحما فقد حلف على مسمى لغوي صحيح فإنّ اللحم ليس له مجاز فإذا أكل شحما فإنه لا يحنث لأنه حلف على أكل اللحم وهو لم يأكل الآن لحما وإنما أكل شحما
والقول الثاني: أنه إذا حلف على ترك اللحم وأكل شحما يحنث. وقالوا لأنّ الشحم مع بقية أجزاء الجسد تسمى لحما والصحيح المذهب وهذه الأجزاء وإن سميت لحما فإنما تسمى على سبيل الإجمال لا التفصيل.
قال رحمه الله (فإن حلف لا يأكل اللحم فأكل شحما أو مخا أو كبدا ونحوه لم يحنث، وإن حلف لا يأكل أدما حنث بأكل البيض والتمر والملح والزيتون ونحوه)
إن حلف لا يأكل أدما حنث بأكل البيض والتمر والملح والزيتون قلنا أنّ الإدام في العرف وفي مقاصد الشرع هو كل ما يأكل بالخبز وما يأكل بالخبز على نوعين: إما أن يأخذ به أخذا. أو أن يغمس فيه غمسا. هو بدأ بالقسم الأول وهو ما يأخذ فيقول حنث بأكل البيض والتمر والملح والزيتون ونحوه. إذ هذه الأشياء تأكل عادة بالخبز ومثلها اللحم وفي الحديث سيد الأدم اللحم؟ وفي الحديث الآخر نعم الإدام الخل إذا هذه الأشياء ونحوها تأكل بالخبز فتعتبر إدام فإذا على أن لا يأكل أدما وأكلها حنث.
القسم الثاني: ما يصطبغ به.
قال رحمه الله (وكل ما يصطبغ به)
يعني ما يغمس مثل ماذا؟ مثل العسل وزيت الزيتون والسمن فإنه هذه تأكل بالخبز عن طريق الغمس الذي هو الاصطباغ فأيضاً يحنث.
قال رحمه الله (ولا يلبس شيئا فلبس ثوبا أو درعا أو جوشنا أو نعلا حنث)
إذا حلف أن لا يلبس شيئا وأطلق فإنه يتناول كل ما يلبس في اليد والرجل والبدن والرأس لأنّ ما يوضع على هذه الأجزاء يسمى لبسا في الشرع وفي اللغة وفي العرف فإذا إذا لبس أي شيء فإنه يعتبر حانثا فإذا لبس ما يلبس على الرأس في قدمه أو لبس ما يلبس في اليد في قدمه فإنه لا يحنث لماذا؟ لأنّ هذا لا يسمى في العرف ولا في اللغة لبسا ولو لبسه إلاّ أنه لا يسمى لبسا.
قال رحمه الله (وإن حلف لا يكلم إنسانا حنث بكلام كل إنسان)
إذا حلف لا يكلم إنسانا حنث بكلام أي إنسان لماذا؟ لأنه فعل ما حلف على تركه وإذا فعل ما حلف على تركه فهو حانث.
قال رحمه الله (ولا يفعل شيئا فوكل من فعله حنث)
إذا حلف أن لا يفعل شيء فوكل شخصا آخر ليفعله حنث والسبب في هذا أنّ حقيقة الفعل تنسب للموكِل لا للموكَل ولهذا في الآية
{يا هامان ابن لي صرحا} [طه/92] اعتبرت دليل على أنّ الفعل ينسب الموكِل لا الموكَل وجه الاستدلال؟ لأنه اعتبر البناء بأمره
أيضا وجه آخر اللي بيبني هو هامان من؟ وهو نسب البناء لمن؟ لهامان مع أنه لن يبني إذا ممكن نقول وجه الاستدلال فيها من جهة هامان ومن جهة فرعون. فإذا قال والله لا أبني بيتا وبنا أو وكل أحدا فهو حانث.
قال رحمه الله (إلاّ أن ينوي مباشرته بنفسه)
إذا نوى بقوله والله لا أفعل كذا يعني أن لا أباشره ثم وكل غيره فإنه لا يحنث وهذا معلوم من اشتراط أن لا توجد في القضية نية.
مسألة / إذا حلف أن لا يفعل شيئا فوكل في فعله. يعني قال والله لا أقود السيارة فوكل في قيادتها أو قال والله لا أبني فوكل في بناءه أو قال والله لا أبيع فوكل في البيع؟ لأنه كما نقول في العكس أنّ الفعل بنسب للآمر به كذلك إذا وكل فالفعل هذا ينسب للموكِل لا لمن حلف فإذن لا يحنث.
قال رحمه الله (والعرفي: ما اشتهر مجازه فغلب على الحقيقة)
العرفي ما غلب مجازه على حقيقته كما أنّ الحقيقي ما غلبت حقيقته على مجازه. إذن العرفي هو ما اشتهر مجازه يعني ما غلب على حقيقته.
يقول رحمه الله (كالراوية والغائط)
الراوية في لغة العرب / يطلق على الجمل لكن بشكل خاص وهو الذي يستسقى عليه وفي العرف يطلق على المزادة.
يقول رحمه الله (والغائط)
فالغائط في لغة العرب / هو المنخض من الأرض وفي العرف يطلق على ماذا؟ على الفضلات الخارجة من الإنسان.
من أمثلته أيضا. العيش. فالعيش في اللغة يطلق على الحياة الهنيئة أو الحياة الدنيا. وفي العرف يطلق على ما يأكل من خبز ونحوه إذن يوجد كثير من الألفاظ لها معنى في العرف ولها معنى في اللغة العربية ، أحيانا يغلب المعنى العربي وأحيانا يغلب المعنى العرفي.
قال رحمه الله (فتتعلق اليمين بالعرف)
اليمين تقدم في العرف على اللغة واستدلوا على هذا بأنّ مقاصد عامة الناس في حديثهم إرادة المعنى العرفي لا اللغوي. وإلى هذا تقديم العرفي على اللغوي ذهب الأئمة الثلاثة والجماهير.
والقول الثاني: أنّ المعنى الحقيقي يعني اللغوي يقدم على العرفي واستدلوا على هذا بأنّ المعنى الحقيقي هو الأصل واعتبار الأصل أولى من اعتبار الفرع والراجح القول الأول وهو المذهب لأنّ القاعدة في الأيمان الرجوع لمقصود الحالف وإذا كان غالبا سيقصد المعنى العرفي فاعتباره أولى.
قال رحمه الله (فإذا حلف على وطء زوجته)
فقوله والله لا أطأن زوجتي له معنى لغوي وله معنى عرفي فالمعنى اللغوي هو أن يطأ عليها بقدمه هذا الوطء في اللغة والمعنى العرفي هو أن يجامعها فإن جامعها حنث لأنّ المعنى العرفي مقدم على المعنى اللغوي. المثال الثاني
يقول رحمه الله (أو وطء دار تعلقت يمينه بجماعها وبدخول الدار)
فقال إذا قال والله لا وطئت هذه الدار فالمعنى اللغوي أن يطأ الدار بقدمه والمعنى العرفي أن يمتنع عن دخول الدار بأي شكل من الأشكال ولو محمولا ولو راكبا ولو على يديه ولو على أربع أليس كذلك؟ فإذا حملنا لفظه على المعنى اللغوي نقول إذا حمل ثم دخل به الدار لم يحنث لأنه حلف أن لا يطأ وهو لم يطأ وعلى المعنى العرفي إذا دخل الدار بأي طريقة فإنه يحنث ومن المعلوم أنّ الإنسان إذا قال والله لا أطأ دار فلان فهو يريد الامتناع عن أصل الدخول لا عن صفته.
قال رحمه الله (وإن حلف لا يأكل شيئا فأكله مستهلكا في غيره) لم يحنث
إذا حلف لا يأكل شيئا فأكله مستهلكا المؤلف يشير إلى قاعدة [وهي أنّ م حلف على ترك أكل شيء فإنه إذا استهلك في غيره بحيث لم يبقى له طعم ولا رائحة ولا لون فإنه لا يحنث بأكل هذا الغير] واستدل الحنابلة على هذه القاعدة بأنّ المستهلك في غيره كالمعدوم.
والدليل الثاني: أنه إذا أكل المستهلك فهو لم يأكل المحلوف على تركه وهذه المسألة تقترب من مسائل التعيين إلى حد كبير.
يقول الشيخ رحمه الله (كمن حلف لا يأكل سمنا فأكل خبيصا فيه سمن)
الخبيص هو عبارة عن حلوى تصنع من التمر والسمن واشتهر أنّ أول من صنع هذه الحلوى هو عثمان بن عفان رضي الله عنه لقصد إكرام النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حلف لا يأكل سمنا فأكل خبيصا فيه سمن بشرط لا يظهر فيه طعمه فإنه لا يحنث لأنه أكل السمن مستهلكا في الخبيص إذن المثال واضح لكن أنا أقول أني أستغرب أن يوجد خبيص لا يظهر فيه أثر السمن أليس كذلك؟
هم تواترت عباراتهم على التمثيل بهذا فلا أدري هل يوجد مثلا أكلة عندهم يوضع فيها مواد تذهب بطعم السمن لأنّ السمن أقوى من التمر فأين يذهب أليس كذلك؟ لكن المثال واضح من حيث هو واضح.
يقول رحمه الله (أو لا يأكل بيضا فأكل ناطفا لم يحنث)
الناطف: أيضا حلوى يصنع من البيض فإذا صنع البيض ناطفا فإنّ طعمه ورائحته ولونه يذهب ، أما الناطف فلا أعرفه. أماالخبيص موجود عندنا خلطة سمن بالتمر موجود معروف لكن الناطف لا أعرفه لا أتصوره حتى أتمكن من تبيّين كيف ذهب طعم ولون ورائحة البيض لكن المثال واضح إذا ذهب لونه وطعمه ورائحة البيض فقد استهلك في هذه الحلوى فإذا أكلها لا يعتبر آكلا للبيض فلا يحنث.
قال رحمه الله (وإن ظهر طعم شيء من المحلوف عليه حنث)
أيضا يشير إلى قاعدة أخرى جميلة جدا [وهي أنّ أكل المحلوف عليه يحصل به الحنث مستقلا أو تبعا] لأنه إذا أكل المحلوف على تركه مع غيره فهو كما لو أكله منفردا وأي فرق بين أن يأكل المحلوف عليه مع غيره أو أن يأكله منفردا لا فرق أبدا ولذلك فإنه يحنث.
فصل
يقول المؤلف رحمه الله (وإن حلف لا يفعل شيئا ككلام زيد ودخول دار ونحوه ففعله مكرها لم يحنث)
تقدمت هذه المسألة معنا وذكرنا الخلاف فيها وتعليل الحنابلة.
قال رحمه الله (وإن حلف على نفسه أو غيره ممن يقصد منعه كالزوجة والولد ألاّ يفعل شيئا ففعله ناسيا أو جاهلا حنث في الطلاق والعتاق فقط)
يقول إذا حلف على نفسه أو على غيره يقول ممن يقصد منعه ويشترط في هذا الغير أن يكون ممن يمتنع بيمينه كالزوجة والولد فالحكم كالتالي إذا حلف على نفسه أو على غيره ممن يمتنع بيمينه أنه إن فعله ناسيا أو جاهلا فلا حنث عليه ولا إثم ولا كفارة إلاّ في الطلاق والعتاق فإذا حلف بالله أو نذر نذرا أخرجه مخرج اليمين فإنه إذا حنث ناسيا أو جاهلا فلا كفارة. الدليل أنّ الكفارة إنما يراد منها رفع الإثم ومع النسيان والجهل لا إثم.
ثم - قال رحمه الله (حنث في الطلاق والعتاق فقط)
أفادنا المؤلف أنه في اليمين والنذر كما تقدم معنا أنه لا يحنث لكنه يحنث في الطلاق والعتاق فإذا حلف بالطلاق والعتاق على نفسه أو على غيره ثم وقع المحلوف عليه فإنه يقع الحنث استدلوا بدليلين:
الدليل الأول: أنّ الحلف بالطلاق كالتعليق والتعليق لا يشترط فيه القصد بدليل لو قال أنت طالق إذا قدم فلان فإنه إذا قدم فلان لا قصد من المعلق ومع ذلك تطلق المرأة إذا الدليل الأول أنّ الحلف بالطلاق إنما هو تعليق والتعليق لا يحتاج إلى قصد.
الدليل الثاني: أنه إذا حلف بالطلاق والعتاق فإنه اشتمل على حق غيره وهو المعتق والمطلق فنفذ الحكم كالإتلافات فإنه إذا أتلف مال غيره فإنه يضمن ولو جاهلا أو ناسيا لماذا يضمن؟ لأنه يتعلق به حق للغير كذلك هنا يحنث لأنه يتعلق به حق للغير.
والقول الثاني: أنه لا يحنث في كل الأنواع بلا فرق لأنّ النصوص المستثنية للجاهل والناسي عامة تشمل أن يحلف بالطلاق أو العتاق أو بغيرهما وهذا هو الصحيح. ثم المسألة الأخيرة
قال رحمه الله (أو على من لا يمتنع بيمنه من سلطان وغيره ففعله حنث مطلقا)
إذا حلف على من لا يمتنع بيمينه ففعله هذا الذي لا يمتنع بيمينه فإنه يحنث مطلقا وقوله مطلقا يعني ولو ناسيا أو جاهلا لأنه حلف على من لا يمتنع بيمينه.
ثم - قال رحمه الله (وإن فعل هو أو غيره ممن قصد منعه بعض ما حلف على كله لم يحنث ، ما لم تكن له نية)
إذا فعل بعض المحلوف على تركه لم يحنث لأمرين: الأول" أنه في حقيقة الأمر لم يفعل المحلوف عليه وإنما فعل بعضه.
الدليل الثاني: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان وهو معتكف يخرج رأسه إلى عائشة فدل هذا على أنّ إخراج البعض ليس كإخراج الكل.
والقول الثاني: أنه إذا فعل بعض المحلوف على تركه فإنه يحنث لأنّ مقصود الحالف الامتناع عن أصل هذا الفعل بجزئه وكله فإذا قال والله لا أخرج من البيت وأخرج رجله فعلى المذهب لا يحنث وعلى القول الثاني يحنث. والراجح المذهب.
ثم - قال رحمه الله (ما لم تكن له نية)
إذا كان ينوي أثناء الحلف ألاّ يفعل كل المحلوف على تركه وبعضه فإنه إذا فعل البعض حنث ويضاف مسألة أخرى تستثنى وهي إذا ما دلت القرائن على أنه أراد البعض كما إذا قال والله لا أشرب هذا النهر فمن المعلوم أنّ القرينة دلت على أنه أراد من هذا النهر لأنه لا يمكن أن يشرب كل النهر فبمجرد ما يشرب أي جزء من هذا النهر فإنه يحنث لدلالة القرينة لا النية.