المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب الحضانة - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٦

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌ باب الحضانة

ومن هنا نقول لا يجوز له أن يحلبها بما يضر بولدها من هذا الباب انه يجب عليه هو نفقة الولد ونفقة الولد تتعين بأن يرضع من أمه.

فإن حلب من لبنها ما لا يضر ولدها بأن تمكن من إرضاع ولدها من بهيمة أخرى فهو جائز .. إذ الواجب على مالك الولد أن يكفله وان يطعمه.

ثم قال رحمه الله: (فإن عجز عن نفقتها اجبر على بيعها أو إجارتها أو ذبحها إن أكلت)

إذا عجز عن النفقة فإنه يجبر بأحد هذه الثلاثة أمور. وتعليل ذلك: أنه لو تركها بلا نفقة فإن في هذا هلاك البهيمة وهو محرم. فنخيره بين أن يبيع أو يؤجر أو يذبح إن كان الحيوان مما يؤكل ، وإن كان مما لا يؤكل تعين إما البيع أو الإجارة. بهذا انتهى الباب المتعلق بالنفقات وننتقل إلى‌

‌ باب الحضانة

.

باب الحضانة

قوله باب الحضانة. الحضانة مشتق في لغة العرب من الحضن وهو الجنب.

وأما في الشرع: فهو رعاية الطفل وحفظه والقيام عليه بما يصلحه. والحضانة واجبة إجماعا وممن حكى الإجماع ابن رشد.

ووجه الوجوب: أنه إذا كان يجب على الإنسان أن ينفق على من تحت يده فلأن يقوم بالحضانة والحفظ والرعاية من باب أولى.

ثم قال رحمه الله: (تجب لحفظ صغير ومعتوه ومجنون)

الحضانة تجب لهؤلاء وهم الصغير والمعتوه والمجنون لأن هؤلاء لا يتمكنون من رعاية أنفسهم. وفي تركهم بلا حضانة ورعاية هلاك لهم وضياع لمصالحهم.

وكما قلت إذا وجب على الولي أن ينفق فمن باب أولى أن يجب عليه الحضانة أي الرعاية والقيام على الطفل بما يصلحه. وقد ثبت بالتجربة أن ترك الطفل بلا حضانة مؤد في الغالب إلى ضياعه وهلاكه إما في بدنه أو في دينه. فلا شك في الوجوب إن شاء الله.

ثم قال رحمه الله: (والأحق بها أم)

لما قرر المؤلف وجوب الحضانة انتقل إلى الأحق بالحضانة عند التنازع ، وترتيب الأحق بالحضانة فيه أقوال بين الفقهاء وصفها شيخ الإسلام بقوله (وفي الأقوال في ترتيب الحضانة من التناقض والتعارض ما لا يوجد في غير باب الحضانة من جنسه) فالأقوال في ترتيب من يجب له ومن يؤخر فيها من التعارض والتناقض والتداخل وعسر الترتيب وفهم التعليل ما جعل الشيخ يصفها بهذا الوصف وهو يعتبر أنها من أعظم الأبواب تعارضا يعني من جنسها.

ص: 59

سنأخذ مذهب الحنابلة إلى نهاية ترتيب الحنابلة ثم نرجع إلى اختيار شيخ الإسلام. وهو يخالف مذهب الحنابلة تماما ، ويضع ثلاث ضوابط تضبط للإنسان من يقدم ومن يؤخر من أقارب المحضون لكن نبقى الآن مع ترتيب وأدلة الحنابلة.

يقول رحمه الله (والأحق بها أم)

الأم هي الأحق بالحضانة بالإجماع. لا يقدم على الأم أحد يعني ما دامت لم تتزوج. وسيذكر المؤلف الحكم إذا تزوجت.

الدليل على هذا من وجوه الوجه الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: (أنتِ أحق به ما لم تنكحي)

الدليل الثاني: أن عمر بن الخطاب تنازع مع زوجته في عاصم ابنه وارتفعوا إلى أبي بكر رضي الله عنه فحكم أبو بكر الصديق بعاصم لأمه وقال لعمر ريحها وشمها ولطفها خير له منك) فهذه السنة وفتاوى الصحابة .. ونستطيع أن نقول اتفق على هذا أبو بكر وعمر لأن عمر لم يعترض. وتقديم الأم أمر ظاهر لمزيد عناية وشفقة الأم.

ثم قال رحمه الله: (ثم أمهاتها القربى فالقربى)

علمنا من هذا أن أم الأم مقدمة على الأب لأنه لم يذكر الأب إلى الآن. عند الحنابلة.

التعليل: قالوا أن أم الأم لها ولادة حقيقية وللأب ولادة حكمية ..

ما الفرق بين الولادة الحقيقية والولادة الحكمية .. ؟

الولادة الحقيقية: هي أن تلد المرأة الابن ولادة حقيقية ..

الولادة الظاهرة: هي ولادة الأب .. لأنه لم يلد حقيقة ولكنه والد .. ولهذا نحن نسمي الأب والد .. ونقصد بكلمة والد ولادة ظاهرة .. قالوا أن أم الأم لها ولادة حقيقية لأنها ولدت الأم والأم ولدت الابن .. بينما الأب له ولادة ظاهرة فنقدم الأم على الأب.

ثم قال رحمه الله: (ثم أب ثم أمهاته كذلك)

يعني بعد الأم وأمهاتها يأتي الأب .. التعليل لهذا أن الأب هو الأصل في النسب كما أنه له ولاية مقدمة في المال. فلأجل هذين السببين جعلوا الأب يأتي في المرحلة الثالثة بعد أمهات الأم.

ثم قال رحمه الله: (ثم أمهاته كذلك)

علمنا من هذا أن أم الأب مقدمة على أب الأب .. واستدلوا على هذا بأمرين:

الأول: أنها تدلي بالعصبات .. والعصبة: هو كل من ليس بينه وبين الميت أنثى .. وفيها وصف آخر مع كونها تدلي بالعصبة أنها أنثى .. والنساء في باب الحضانة مقدمات على الرجال.

ص: 60

ثم قال رحمه الله: (ثم جد ثم أمهاته كذلك)

الجد: لأنه في معنى الأب .. ثم أمهاته: لنفس السبب في تقديم أمهات الأب ..

وكل شخص يأتي بعد قوله ثم تفترض أنت في المسألة أن السابقين غير موجودين .. فإذا قال ثم جد .. إذا نفترض أن هذا الطفل ليس له أب ولا أمهات أب ولا أم ولا أمهات أم. وهكذا كل شخص يأتي تفترض أن السابقين غير موجودين.

ثم قال رحمه الله: (ثم لأخت لأبوين)

يعني إذا انتفت الأصول انتقلنا إلى الأخوات .. فنقدم الأخت لأبوين ثم نقدم الأخت لأم ثم الأخت لأب ، وقدمنا الأخت لأم على الأخت لأب لأنها تدلي بالأم والأم لها ولادة حقيقية.

ثم قال رحمه الله: (ثم الخالة)

إذا الخالة مقدمة على العمة. لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين (الخالة بمنزلة الأم) فالخالة مقدمة على العمة لهذا الحديث

ثم قال رحمه الله: (ثم عمات كذلك) يعني لأبوين ثم لأم ثم لأب

ثم قال رحمه الله: (ثم خالات أمه ثم خالات أبيه)

قدم خالات الأم على خالات الأب لأن خالات الأب يديلين بالأم والأم لها ولادة حقيقية يعني نفس السبب الذي نقدم فيه الأخت لأم على الأخت لأب.

ثم قال رحمه الله: (ثم عمات أبيه ثم بنات إخوته وأخواته)

بعد خالات أبيه عمات أبيه ثم بنات إخوته وأخواته ثم بنات أعمامه وعماته ثم بنات أعمام أبيه وبنات عمات أبيه .. وفي هؤلاء جميعا نقول تقدم من لأبوين ثم من لأم ثم من لأب.

ثم قال رحمه الله: (ثم لباقي العصبة الأقرب فالأقرب)

إذا المذكورات في السابق كلهن إناث ولا يأتي دور الذكور إلا بعد ألا يوجد جميع هذه الإناث.

يقول رحمه الله: (ثم لباقي العصبة)

باقي العصبة يأتون بعد هؤلاء فنبدأ بالابن ثم الأخ ثم العم وهكذا كما نقدمهم في الميراث فالعصبات تقديمهم هنا كتقديمهم في الميراث ولكن لا يأتون معنا إلا بعد ألا يوجد إناث.

ثم قال رحمه الله: (فإن كانت أنثى فمن محارمها)

ص: 61

هذا القيد متعلق بقوله (ثم لباقي العصبة) يعني أن المحضونة إذا كانت بنت فإنه يشترط في الحاضن من العصبات أن يكون من المحارم فإذا وجد من العصبات قريب ليس من المحارم وبعيد من المحارم فمن يكون من محارمها مقدم على من لا يكون من محارمها. فإن لم يوجد من العصبات إلا من ليس من محارمها فماذا نصنع.؟.

قال الفقهاء رحمهم الله: إذا لم يوجد إلا هذا فإنا ندفع المحضونة إلى امرأة ثقة تجاه هذا القريب ، أو وهو أحسن ندفع المرأة إلى امرأة قريبة من هذا العاصب الذي ليس من محارمها فتعطى إلى زوجته أو إلى أخته أو إلى ابنته.

ثم قال رحمه الله: (ثم لذوي ارحامه ثم للحاكم)

ثم لذوي أرحامه بعد ألا يوجد أي نوع من النساء القريبات ولا من العصبات ننتقل إلى ذوي المحارم كأبي الأم ويكون له الحق في الولاية بعد ألا يوجد أحد من الأقارب ثم الحاكم لأن لو تركنا الطفل بلا رعاية لأدى هذا إلى هلاكه فيجب على الحاكم وجوبا أن يتولى حضانة هذا الطفل وسيتولى كما هو معلوم بإسناد هذا الأمر إلى الثقات ولن يتولى هو بنفسه حضانة أولاد المسلمين الذين ليس لهم أقارب وإنما يقوم بحضانتهم عن طريق تكليف من يثق بهم.

الآن انتهى تفصيل الحنابلة وشيخ الإسلام له تفصيل آخر بينه من خلال ثلاث ضوابط.

الضابط الأول: إذا اتفقت الجهة والدرجة فإنا نقدم النساء على الرجال فإذا اجتمع أب وأم فالحضانة للأم. وإذا اجتمع خال وخالة فالحضانة للخالة وإذا اجتمع عم وعمة فالحضانة للعمة.

الضابط الثاني: إذا اتفقت الجهة واختلفت الدرجة. فإنا نعطيه للأقرب: كأن يكون للمحضون أخت وبنت أخت.

الضابط الثالث: إذا اختلفت الجهة كأقارب الأم وأقارب الأب فالقاعدة عند شيخ الإسلام (أن نقدم أقارب الأب ما لم تكن أقارب الأم أقرب) فإذا اجتمعت أم الأم وأم أبي الأب من نقدم.؟ .. نقدم أم الأم .. وإذا اجتمعت أم الأم وأم الأب. القاعدة تقول (أنه إذا اجتمعوا من جهتين فالمقدم الأصل أقارب الأب)

ص: 62

فأم الأم وأم الأب نعطي الطفل لأم الأب. هكذا قرر الشيخ رحمه الله وهذه القواعد أو الضوابط الثلاث أرجح من الضوابط التي ذكرها الحنابلة لا سيما فيما يتعلق بالأب فإن الأب عند الحنابلة مؤخر ، فيكون الراجح ماذكره شيخ الإسلام على ان المسألة ليس فيها دليل واضح ولهذا نقول أنه ينبغي للقاضي إذا اراد أن يحكم ألا يتمسك كثيرا بالترتيب الذي ذكره الفقهاء ، وأن يرجع إلى المصلحة التي تكمل للطفل ، فينظر في واقع أهل الأم وينظر في واقع أهل الأب وأيهما أصلح للطفل ويعمل بموجبه ، ومن هنا نرى في واقعنا المعاصر أنه أحيانا تكون الأم أنفع للطفل بكثير وأحيانا يكون الأب أنفع للطفل بكثير. فقول الحنابلة والفقهاء جميعا أن تقدم الأم دائما ليس بصحيح ، لأن نرى في الواقع أن أحيانا إسناد الطفل للأم يؤدي إلى هلاكه لاسيما ما يتعلق بأخلاقه ودينه فضلا عن النفقة فإن النفقة أمرها سهل لكن الإشكال بما يتعلق بدينه كذلك ..

ص: 63

الدرس: (4) من النفقات

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال رحمه الله (وإن امتنع من له الحضانة)

يعني انتقلت إلى من بعده إذا امتنع من له الحضانة صار وجوده كعدمه فانتقلت الحضانة إلى من بعده بحسب الترتيب الذي ذكره المؤلف وهذا مبني على أصل آخر وهو أنّ الحضانة عند الحنابلة حق للشخص وليس عليه.

والقول الثاني: أنّ الحضانة حق عليه ، فيجب أن يقوم بما عليه من الحقوق وليس له أن يمتنع.

والقول الثالث: أنه حق له وعليه ومعنى هذا القول أنه لا يجوز أن يمتنع إلاّ إذا وجد البديل فإذا وجد من يريد الحضانة جاز لمن الحق أن يتنازل لتكون الحضانة لمن بعده. وهذا القول الثالث هو الراجح

مسألة / إذا تنازل الإنسان عن حقه في الحضانة ثم أراد أن يعود إليه فله ذلك لأنّ الحضانة حق متجدد وكل حق متجدد يجوز للإنسان أن يرجع إليه كما قلنا في الزوجة إذا تنازلت عن حقها في المبيت فلها أن ترجع وتطلب أن يقسم لها في المبيت.

ص: 64

يقول المؤلف رحمه الله (أو كان غير أهل انتقلت إلى من بعده)

إذا كان من له الحق ليس بأهل للحضانة انتقلت إلى من بعده لأنّ من ليس بأهل وجوده كعدمه ، ومن ليس بأهل عند الحنابلة هم الرقيق والكافر والزوجة إذا أسلمت والفاسق ، هؤلاء الأربع هم من ليس أهلا. وسيذكرهم المؤلف رحمه الله.

قال رحمه الله (ولا حضانة لمن فيه رق)

الرقيق ليس له حق في الحضانة لأنّ الحضانة نوع ولاية كولاية النكاح فليس للعبد حق فيها كما أنه مشغول بخدمة سيده عن أداء واجبات الحضانة.

والقول الثاني: أنّ الرقيق له حق في الحضانة كما في الحر لأنه ليس في النصوص ما يدل على منع الرقيق من اخذ حقه بالحضانة وإلى هذا القول يميل العلامة ابن القيم وهو القول الراجح إن شاء الله لأنّ الحضانة مبناها على الشفقة والقرب وهي تتحقق في الحر والعبد.

قوله رحمه الله (ولا لفاسق)

الفاسق ليس له حق في الحضانة لأنه لا يأمن على المحضون وقد يعلمه ما يكره الله ورسوله فليس له الحق في الحضانة لهذه الأسباب وتقدم معنا من هو الفاسق عند الفقهاء.

قوله رحمه الله (ولا لكافر على مسلم)

ليس للكافر حق في الحضانة على مسلم واستدل الحنابلة على هذا بأنّ الكافر أبعد من الفاسق وأشد أذى وضررا.

ثانيا: أنّ الكافر قد يعلم المحضون الكفر ولهذا فهو ليس أهلا للحضانة.

القول الثاني: أنّه له الحق في الحضانة واستدل أصحاب هذا القول بأنّ رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم طلق زوجته وهو مسلم وهي كافرة ، وتنازعوا في ولدهما فخيره النبي صلى الله عليه وسلم فهم بالذهاب إلى أمه يعني الكافرة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أهده. فذهب إلى أبيه وانصرف به أبوه. فهذا الحديث دليل على جواز ولاية الحضانة للكافر لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم خيره ، ولو كانت الأم ليست أهلا للحضانة لم يخيره وإنما صرفه إلى أبيه من الأصل. هذا الحديث فيه خلاف في تصحيحه وتضعيفه. فالمتأخرون من المحدثين يصححونه. وذهب ابن المنذر إلى أنه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتسنى لي دراسة الحديث دراسة مفصلة للوقوف على أي القولين أصح فإن كان الحديث ضعيفا فالراجح مذهب الحنابلة.

ص: 65

قال رحمه الله (ولمزوجة بأجنبي من محضون من حين عقد)

الرابع ممن تسقط حضانتهم الأم إذا تزوجت من أجنبي واستدل الحنابلة بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنت أحق به ما لم تنكحي.

والقول الثاني: أنّ المحضون إذا تزوجت أمه إن كان ذكرا سقط حقها في الحضانة وإن كانت أنثى ثبت حقها للحضانة واستدل هؤلاء بالجمع بين الأخبار. فقالوا إنّ النبي صلى الله عليه وسلم أنت أحق به ما لم تنكحي. وقال في مسألة التنازع في ابنة حمزة لما أخذها جعفر قضى النبي صلى الله عليه وسلم لجعفر بها لأنّ زوجة جعفر خالة لهذه البنت فدل الحديث على أنّ حضانة الأم لا تسقط إذا كانت المحضونة أنثى وتسقط إذا كان ذكرا جمعا بين النصوص. والراجح مذهب الحنابلة.

والجواب عن حديث ابنة حمزة أنّ جعفر رضي الله عنه ليس بأجنبي عن البنت فهو ابن عمها ، والحنابلة يشترطون في سقوط الحضانة أن يكون أجنبيا ولهذا لاحظ معي أن المؤلف يقول ولا لمزوجة بأجنبي من محضون فإذا الجواب عن حديث ابنة حمزة رضي الله عنه أن جعفر ليس بأجنبي ولهذا لم تسقط حضانة خالة ابنة حمزة وصارت إليها.

وقوله (بأجنبي من محضون) تقدم معنا أنه من شط سقوط حق الحضانة أن يكون زوج الأم أجنبي فإن كان زوج الأم ليس بأجنبي فإنه لا يسقط حق الأم في الحضانة لأن الأجنبي يكمل الرعاية والتأديب لهذا المحضون.

في مسألة (ولا لمزوجة) ذكرنا قولين .. أنها تسقط مطلقا والقول الثاني أنها تسقط إذا كان المحضون ذكرا وتبقى إذا كانت أنثى.

وبقي قول ثالث وهو انه لا تسقط إذا رضي الزوج وتسقط إذا لم يرض. سواء كان الزوج أجنبيا او من قرابتها.

واستدل أصحاب هذا القول: أن الحق للزوج فإذا رضي بقي الحق للأم في الحضانة اختاره الشيخ العلامة ابن القيم.

ويظهر لي أن الراجح القول الأول.

ثم - قال رحمه الله (من حين عقد)

أي ولو قبل الدخول واستدل الحنابلة على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (أنتِ أحق به ما لم تنكحي) وإذا عقدت فقد نكحت ، فيصدق عليها الحديث ويسقط حقها في الحضانة.

ثم - قال رحمه الله (وإذا زال المانع رجع إلى حقه)

ص: 66

إذا زال المانع بان أسلم الكافر وعتق العبد وصار الفاسق عدلا رجع حقهم في الحضانة لأن سبب الحق موجود فإذا زال المانع وجد الحكم لبقاء سببه وهذا لا إشكال فيه. وهذا يرجع إلى مسألة سابقة وهي أن الحضانة حق متجدد وأن الحقوق المتجددة تبقى لأصحابها.

ثم - قال رحمه الله (وإن أراد أحد أبويه سفرا طويلا إلى بلد بعيد ليسكنه وهو وطريقه امنان فحضانته لأبيه)

إذا أراد أحد أبويه سواء كان الأم أو الأب السفر ويشترط في هذا السفر أن يكون سفرا طويلا وأن يكون القصد من السفر الانتقال النهائي فإنه في هذا الحال إذا توفر أيضا شرط الأمن في الطريق والبلد ينتقل الحق للأب سواء كان هو المسافر أو الأم. إذا ينتقل الحق للأب إذا أراد أحدهما أن ينتقل إلى بلد على سبيل السكنى فيه وليس سفرا عارضا.

والقول الثاني: أن الحق للأم.

والقول الثالث: أن الحق للأصلح منهما .. وهذا القول اختاره ابن القيم وهو الراجح إن شاء الله.

وقوله الأصلح: لأنا نفترض أن كل منهما صالح لأن لو كان أحدهما ليس بصالح لكان له الحق ابتداء لكن لما كان كل منهما صالحا وأراد أحدهما أن يسافر صار الحق للأصلح منهما يعني الأكثر قياما بحق الحضانة.

ثم - قال رحمه الله (وإن بعد السفر لحاجة أو قرب لها ، أو للسكنى فلأمه)

يعني إذا سافر لحاجة سفرا طويلا أو قصيرا فالحق عند المؤلف للأم ، وقد خالف المؤلف هذه المسألة المذهب فإنه على المذهب الحق للمقيم منهما. والفرق بين المسألتين أن السفر في المسألة الأولى يراد منه الانتقال والإقامة ، بينما السفر في المسألة الثانية سفر عارض لقضاء حاجة. عند الحنابلة الحق للمقيم منهما. وعند المؤلف الحق للأم.

والراجح أن الحق للمقيم منهما لأن السفر متعب ويسبب تشتيتا للمحضون وقلقا وتعبا ، فيبقى عند المقيم منهما ويسافر المسافر ويرجع فيكون له الحق بعد الرجوع.

ثم - قال رحمه الله (أو للسكنى فلأمه)

ص: 67

إذا سافر سفرا قريبا للسكنى فالحق للأم عند المؤلف والمذهب. فالمؤلف خالف المذهب في مسألتين فقط: إذا سافر سفرا قصيرا لحاجة أو سافر سفرا طويلا لحاجة. أما إذا سافر سفرا قصيرا للسكنى فكما قال المؤلف أن الحق للأم ، لأنه إذا كان الأب من الابن استطاع أن يرعاه وأن يقوم على حوائجه وأن ينتبه له لأن السفر قصير بإمكانه الاستمرار في مراعاته فيبقى الحق للأم.

انتهى هذا الفصل وينتقل المؤلف للفصل الأخير الذي يريد أن يبين فيه متى تنتهي ولاية الحضانة.

فصل

- قال رحمه الله (وإذا بلغ الغلام سبع سنين عقلا خير بين أبويه فكان مع من اختار منهما)

إذا بلغ الغلام سبع سنين فالحكم عند الحنابلة انه يخير بين أبويه ، واستدل الحنابلة على هذا بثلاث أدلة: الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم (خير غلاما بين أبويه)

الدليل الثاني: أن هذا قضى به اثنان من الخلفاء الراشدين عمر وعلي رضي الله عنهما

الدليل الثالث: أن هذا مروي عن أبي هريرة.

فتكون الآثار ثلاثة وينتج عندنا الدليل الذي يستعمله ابن قدامة وهو انه نقل عن الصحابة ولم يعلم لهم مخالف فصار إجماعا.

القول الثاني للأحناف: أن يكون مع الأب ولا يخير. القول الثالث للمالكية: أن يكون مع الأم ولا يخير.

وعلمنا من سياق الخلاف أن الأحناف والمالكية يتفقون على قضية وهي عدم التخيير.

واستدلوا على هذا: بأن الصبي الذي بلغ تسع سنين إذا خير فسيختار من أبويه الأسهل الذي يمكنه من اللعب وترك الأمر الجاد فإذا لا تخيير عندهم. وكما ترون دليلهم قوي في الحقيقة ووجيه. لكن يجاب عنه بأمرين: الأمر الأول: أن الحنابلة الذين قالوا بالتخيير قالوا أن الصبي لا يقر في يد من لا يصلحه ، فإذا تبين أن هذا الذي اختاره الصبي اختاره ليلعب عنده ويترك الأمر الجاد من التعليم والتربية نزعت منه. الأمر الثاني: أن الحنابلة يستدلون على آثار صحيحة بعضها عن النبي - صلى الله عليه وبعضها عن الصحابة لا يمكن العدول عنها لمجرد دليل عقلي ولو كان قويا. بهذا القول - إن شاء الله - الراجح مذهب الحنابلة.

ثم - قال رحمه الله (ولا يقر بيد من لا يصونه ويصلحه)

ص: 68

يعني ولو كان هو الاحق. لأن من لا يصونه وجوده كعدمه إذا المقصود من الحضانة التربية والرعاية والصيانة وهي مفقودة في حق من لا يصونه. فتنتقل الولاية إلى من بعده.

ثم - قال رحمه الله (وأبو الأنثى أحق بها بعد السبع)

وهذا من مفردات الحنابلة. فإذا بلغت السابعة صارت عند أبيها ليقوم عليها بالحفظ والصيانة.

القول الثاني: أنها تبقى عند الأم. لأنها أشكل لها وأقرب إلى تربيتها.

القول الثالث: أنها تبقى عند الأم إلى أن تحيض. قال ابن القيم معلقا على هذا القول (وهو الأشهر عن احمد والأقوى دليل) وما ذكره ابن القيم لعله أقرب الأقوال لأنه بعد الحيض أصبحت امرأة وتحسن نفع نفسها. فتنتقل إلى الأب قبل ذلك تبقى عند الأم هذا إذا افترضنا أنّ الجميع يقوم بما عليه سواء كانت عند الأب أو الأم أما إذا كان أحدهما يفرط فالقاعدة عند الحنابلة [أنه لا يبقى في يد من لا يصونه]

قال رحمه الله (ويكون الذكر بعد رشده حيث شاء)

إذا رشد الذكر وبلغ وأصبح يعرف ما فيه نفع له فيعمله وما فيه مضرة فيتركه فإنه يكون حيث يشاء ، إن شاء استقل وإن شاء صار عند الأم وإن شاء صار عند الأب ، إلاّ أن الحنابلة قالوا لا ينبغي له أن يستقل بنفسه ليتمكن من بر أبويه فليس من البر أن يترك الإنسان أباه ويترك أمه وحدها بلا خدمة ويستقل ببيت.

قال رحمه الله (والأنثى عند أبيها حتى يتسلمها زوجها)

هذا بناء على ما تقدم من أنها إذا بلغت السابعة انتقلت إلى الأب وإذا انتقلت إلى الأب فإنّ الولاية له تبقى إلى أن يتسلمها الزوج فتنتقل الولاية إلى الزوج فهذه المسألة مبنية على المسألة السابقة وهي متى تنتقل الأنثى إلى الأب.

ص: 69