الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة / لم يذكر المؤلف ما إذا قذف جماعة إلاّ أنه يتصور وقوع الزنا منهم فإذا قذف جماعة يتصور وقوع الزنا منهم فإنه يحد لأنه يلحقهم العار بهذا القذف وهذه المسألة أولى من المسألة التي ذكرها المؤلف لأنه في المسألة الثانية إثبات حد القذف ونحن في باب حد القذف لكن يبقى النظر هل يحد بعدد أهل المجلس أو يحد مرة واحدة وهذا يختلف باختلاف القذف فإن قذف بألفاظ متعددة كل واحد من أهل المجلس فإنه يحد بعدد أهل المجلس لأنّ لكل واحد منهم حقا فله أن يستوفيه وإن قذف أهل المجلس بكلمة واحدة بأن قال أنتم زناة أو أنتم لوطية أو نحو هذه الألفاظ فإنه يحد حدا واحد. والدليل على هذا أنّ هذا اللفظ أوجب قذفا واحدا والله تعالى رتب على القذف الواحد حد واحد ولهذا يحد على هذه اللفظة مرة واحدة. إذا عرفنا الآن الحكم إذا قذف من يتصور منهم وإذا قذف من لا يتصور منهم ولكن هل يتصور الزنا من جماعة؟ جدا بأن تكون مجموعة معروفة بالفسق والفجور ومزاولة الأعمال المخلة بالآداب بكثرة فإذا قذفهم صار هذا متصور في حقهم ويرجع إلى رأي القاضي في مسألة هل يتصور وقوع الزنا من هذه المجموعة أو لا يتصور وقوع الزنا من هذه المجموعة.
قال رحمه الله (ويسقط حد القذف بالعفو ولا يستوفى بدون الطلب)
هذه المسألة تقدمت معنا وهي مسألة أنّ القذف حق من حقوق المقذوف لا يستوفى إلاّ بطلبه ويسقط بعفوه ولو وصل إلى الحاكم وكل هذه المسائل المترتبة على أنّ حد القذف حق للمقذوف وتقدمت معنا هذه المسألة وذكر الخلاف فيها وأنّ القول الثاني أنه حق لله لا يسقط إذا وصل الحاكم لأنه حد والحدود لا تسقط إذا وصلت إلى الحاكم.
باب حد المسكر
قوله باب حد المسكر: المسكر هو الشراب الذي ينشأ منه السكر. والسكر هو لذة ونشوة يغيب معها العقل المدرك حتى يصبح لا يعلم ما يقول وظاهر هذا التعريف من الفقهاء ليس خاصا بالحنابلة. ظاهر هذا التعريف أنّ السكر لا بد أن يشتمل على معنيين لذة ونشوة وطرب. والمعنى الثاني فقد للعقل ، وهو كذلك إذ ليس في المسكرات شيء إلاّ وفيه المعنيان.
ثم - قال رحمه الله (كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام)
هذا ضابط للأشربة ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم ما أسكر كثيره فقليله حرام. وفي هذا الحديث دليل للقاعدة المشهورة أنّ ما أدى إلى الحرام فهو حرام لأنّ المسكر القليل الذي لا يسكر يؤدي إلى الحرام وإن لم ينتج عنه هو بنفسه حرام والحرام هو ماذا.؟
السكر فإنّ الإنسان إذا شرب كمية قليلة لن يسكر والمحرم هو السكر ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما أسكر كثيره فقليله حرام فدل هذا دلالة واضحة جدا لهذه القاعدة العظيمة التي نحن في مثل هذه الأوقات أحوج ما نكون إليها في تقرير كثير من المسائل لاسيما ما يتعلق بالمعاملات المعاصرة وما يتعلق بأشياء كثيرة ما يتعلق بزينة المرأة وكل شيء يتوسع فيه الناس نحتاج إلى هذه القاعدة فهذا الحديث دليل لهذه القاعدة. وفي الحديث دليل على أنّ جميع أنواع الخمر محرمة ففيه رد على الأحناف الذين يرون أنّ القليل الذي لا يسكر يكون محرما إذا كان من العنب فقط وإذا كان من غير العنب فلا يحرم إلاّ الكثير منه في هذا الحديث رد عليهم لأنه عام كل ما أسكر كثيره فقليله حرام سواء كان من العنب أو من غيره.
قال رحمه الله (وهو خمر من أي شيء كان)
يعني شراب كل شراب يسكر فهو خمر شرعا من أي شيء كان لقول النبي صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل خمر حرام
ولحديث أنس في الصحيح أنّ تحريم الخمر نزل والخمر يومئذ من البسر والتمر أي وليس من العنب إذا الحديث دال على أنّ كل أنواع الأشربة التي تسكر تسمى شرعا خمرا ويدل على هذا الاشتقاق اللغوي ما يشتق من التغطية وزوال العقل وهذا تشترك فيه الأشربة التي أصلها من العنب والتي أصلها من غيره مما يصنع منه الخمر كالشعير والتمر والبسر والزبيب وغيره إذا دل الحديث والمعنى على صحة مذاهب الجماهير أنّ الخمر هو الشراب المسكر من أي نوع كان.
والقول الثاني: أنّ الخمر لا يسمى خمرا إلاّ إذا كان من العنب وما عداه لا يحرم إلاّ كثيره المسكر والصواب مع الجماهير لم سمعت من أدلة صحيحة وصريحة في الموضوع وهذه لمسألة من المسائل التي ثرب على الأحناف فيها والأئمة شنو عليهم حملة بسبب مخالفة صرائح النصوص ومن المعلوم أنّ هذه المسألة هي إلى باب الأشربة والأطعمة أقرب منها إلى باب حد المسكر إنما ذكرها المؤلف هنا ليتبيّن الشراب الذي إذا شربه الإنسان استوجب حد السكر.
قال رحمه الله (ولا يباح شربه للذة)
شربه يعني المسكر وقوله للذة يحتمل أنّ معنى كلام المؤلف أنه يحرم ولو كان قصد الشارب من الشرب اللذة والسكر ويحتمل أنّ قصد المؤلف أنّ شرب الخمر محرم ولو شربه للذة لا للسكر ودليل هذا المعنى الثاني قوله صلى الله عليه وسلم:"ما أسكر كثيره فقليله حرام".
فإذا شرب الإنسان الخمر للذة لا ليسكر فهو أيضا محرم للحديث ويظهر لي أنا أنّ المعنى الثاني أقرب. لأنّ المعنى الأول موجود بقول الشيخ كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام. كأنه يقول كل شرب المسكر حرام فإذا عرفنا هذا المعنى وقلنا لا يباح شربه للذة يعني إذا شربه ليلتذ بالسكر صار إعادة للمعنى الأول هكذا يبدوا لي أنّ المعنى الثاني أحسن.
ثم - قال رحمه الله (ولا لتداو)
لا يجوز شرب الخمر ولو كان قصد الشارب التدواي لا السكر لقول النبي صلى الله عليه وسلم إنها ليست دواء بل هي داء ، ولقول ابن مسعود رضي الله عنه إنّ الله لم يجعل شفاء الأمة في ما حرم عليها. وهذا الأثر أيضا ثابت في الصحيح فهذان دليلان على أنّ الخمر ليس بدواء بل داء.
قال رحمه الله (ولا عطش)
لا يجوز للإنسان أن يشرب الخمر ولو كان في ضرورة لدفع العطش لأنّ الخمر لا يحصل منه ري بل فيه حرارة تزيد من إحساس الشارب بالعطش وإذا كان شربه لا يرفع الضرورة صار محرما ولو في الضرورة والكلام الآن عن حال العطش وهذا صحيح.
قال رحمه الله (ولا غيره إلاّ لدفع لقمة غص بها ولم يحضره غيره)
إذا غص الإنسان بلقمة ولم يحضره إلاّ الخمر جاز له بالإجماع شرب الخمر لدفع هذه الغصة لأنه حينئذ في حال ضرورة ونفع الخمر فيها متعيّن ومعلوم لأنه من المعلوم أنّ الخمر إذا شرب سيدفع اللقمة ويزيل الغصة ولهذا لم يختلفوا لقوله تعالى {إلا ما اضطررتم إليه} [الأنعام/119] وهذا مما اضطر إليه الإنسان ووجه الضرورة أنه لا يوجد غير هذا الشراب وقد غص بالطعام.
قال رحمه الله (وإذا شربه)
ظاهر كلام المؤلف أنّ شرب الخمر يوجب الحد ولو لم يسكر لأنه رتب العقوبة على الشرب ولا على السكر؟ على الشرب فبمجرد ما يشرب الإنسان الخمر فقد استوجب حد الشرب ولو لم يسكر وإلى هذا ذهب الجماهير واختاره الحافظ الفقيه ابن القيم ودليله ظاهر وواضح لقول النبي صلى الله عليه وسلم ما أسكر كثيره فقليله حرام. فدل هذا الحديث على أنّ الذنب هو شرب الخمر لا السكر
وهذا صحيح وهو أنّ الإنسان يحد بمجرد شرب الخمر ولا يشترط أن يسكر بل بمجرد الشرب يحد حد الشرب.
ولهذا لو أنّ المؤلف قال باب حد شرب الخمر كما عبر غيره من الفقهاء باب حد شرب الخمر لكان أدق من قوله حد المسكر فكأنّ الحد يتعلق بالقدر المسكر بينما الحد يتعلق بالشرب.
قال رحمه الله (المسلم مختارا عالما أنّ كثيره يسكر)
يشترط لإقامة الحد أن يكون مسلما مكلفا مختارا عالما وتقدمت معنا أدلة هذه الشروط مرارا تكرارا كما تقدم معنا ذكر هذه الشروط في بداية كتاب الحدود وهو أنه لا تقام الحدود مع الإكراه أو الجهل أو عدم التكليف.
ثم - قال رحمه الله (فعليه الحد ثمانون جلدة مع الحرية)
حد شرب الخمر مما اختلف فيه الفقهاء اختلافا كثيرا على أقوال:
القول الأول: أنّ الحد الواجب الذي لا يجوز النقص عنه ثمانون جلدة واستدلوا على هذا بأنّ عمر رضي الله عنه استشار الصحابة
وأشاروا عليه وأصبح هذا إجماع منهم على أنّ الحد ثمانون.
القول الثاني: أنّ الحد أربعون وإلى الثمانين تعزير واستدلوا على هذا بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وأول خلافة عمر كانوا يجلدون أربعين جلدة ثم زاد الحد في عهد عمر فدل على أنّ هذه الزيادة من اجتهادات الإمام.