المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الدعاوى والبينات - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٦

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌باب الدعاوى والبينات

الدرس: (4) من القضاء

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

‌باب الدعاوى والبيّنات

قال رحمه الله باب الدعاوى والبيّنات.

الدعوى في لغة العرب / هي الطلب وأما في الاصطلاح فهي إضافة الإنسان لنفسه استحقاق ما في يد غيره أو ذمته. وأما البيّنات فهي جمع بيّنة والبيّنة في الأصل هي الدلالة الواضحة أو الحجة الواضحة.

وأما في الاصطلاح / فهي عند الفقهاء عبارة عن الشاهدين ، أو الشاهد مع اليمين والأربعة شهود ونحو هؤلاء فهذه هي البيّنات عند الفقهاء.

والقول الثاني: أنّ البيّنة هو كل ما أبان الحق سواء كان بالشهود والأيمان أو بغيرها مما يدل على المصيب من المتخاصمين وهذا الثاني هو الذي اختاره ابن القيم وهو الأقرب.

قال رحمه الله (المدعي من إذا سكت ترك)

المدعي هو كل من إذا سكت ترك لأنه هو الطالب والطالب إذا سكت ترك وقيل أنّ المدعي هو من يطالب غيره بحق في يده أو ذمته يعني في يد المطلوب أو ذمته. وهذا في الواقع هو الصحيح وهذا هو التعريف. لأنّ قولهم من إذا سكت ترك أخذنا أنه إذا تقدم المدعي إلى مجلس الحكم فإنّ القاضي ينبغي أن لا يستمر في السكوت إلى أن يتكلم أحدهما بل ينبغي أن يبادر فيقول أيّكما المدعي فالتعريف الثاني هذا هو الصواب.

ثم - قال رحمه الله (والمدعى عليه من سكت لم يترك)

لأنه مطلوب والمطلوب لا بد أن يجيب إما بالإقرار أو بالإجابة عن بيّنة المدعي ، وقيل أنّ المدعى عليه هو من يطالب بحق ومن يطالب بحق لغيره وهذا أيضا هو التعريف الأقرب إن شاء الله.

ثم - قال رحمه الله (ولا تصح الدعوى والإنكار إلاّ من جائز التصرف)

جائز التصرف هو من جمع ثلاث خصال البلوغ والعقل والرشد. يعني التكليف مع الرشد فهذا شرط لصحة الدعوى لأنّ من لا يصح قوله لا يصح تصرفه في الأموال فإذا كنا لا نصح تصرفه فلا نصحح قوله وإذا لم نصحح قوله لم نصحح تصرفه.

ثم - قال رحمه الله (وإذا تداعيا عينا بيد أحدهما فهي له مع يمينه)

ص: 354

إذا تداعيا عينا هي في يد أحدهما فهي لمن العين بيده لكن مع يمينه ودل على هذا الحكم قول النبي صلى الله عليه وسلم لو يعطى الناس بدعواهم لا ادعى قوم دماء ناس وأموالهم. ولكن اليمين على المدعى عليه. فهذا الحديث يعتبر قاعدة هذا الباب وهو أنّ الإنسان لا يعطى بمجرد الدعوى ولهذا تجد المؤلف رحمه الله (إذا تدعيا عينا بيد أحدهما فهي له لكن مع يمينه يعني فإنها تبقى معه لأنّ الآخر لم يأتي ببيّنة.

ثم - قال رحمه الله (إلاّ أن تكون له بيّنة فلا يحلف)

إذا تداعيا عينا بيد أحدهما وأيضا من العين بيده معه بيّنة على أنها له فإنّ العين تبقى بيده بلا يمين إلى هذا ذهب جماهير السلف والخلف

من التابعين والأئمة وجماهير السلف والخلف واستدلوا على هذا بأنّ البيّنة إنما وضعت شرعا لتبيّن مع من الحق فإذا بيّنت أنّ الحق مع صاحب اليد لم نعد بحاجة إلى اليمين.

والقول الثاني: مذهب شريح فإنه ألزم مع البيّنة باليمين يعني لم يكتفي بمجرد بالبيّنة بل أضاف إلى هذا اليمين ولما قيل له ما هذا الذي أحدثت قال أحدث الناس فأحدثت. وهذه العبارة تدل على أنه رحمه الله كان متفرد بهذا القول في زمن التابعين لأنّ السائل وصفه بأنه أحدث القول وأيضا شريح لم ينكر ولم يقل بل لي سلف والصحيح إن شاء الله أنّ طلب اليمين مع البيّنة يعود إلى القاضي فإنه إذا شك في بيّنته ورأى أن يلزمه مع ذلك باليمين فله ذلك لاسيما مع فساد الزمان وضعف الذمم وضعف التدين.

ثم - قال رحمه الله (فإن أقام كل واحد بيّنة أنها له قضي للخارج ببيّنته ولغت بيّنة الداخل)

الداخل هو من العين بيده ، والخارج هو من العين ليست بيده فالمذهب إذا تداعى رجلان كل منهما له بيّنة والعين بيد أحدهما فالحكم أنها تعطى لبيّنة الخارج يعني لمن لم تكن العين بيده واستدلوا على هذا بأدلة:

الدليل الأول" أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر. فحصر النبي صلى الله عليه وسلم البيّنة في جانب المدعي فبيّنة المدعي هي المعتبرة.

ص: 355

الثاني" أنّ بيّنة المدعي فيها زيادة والقاعدة أنّ من معه زيادة يقبل. وجه الزيادة يقرره الدليل الثالث وهو أنّ بيّنة من بيده العين قد تكون استفيدت من كون العين بيده فشهد معه لأنه يرى العين بيده وهي أدلة كما ترى وجيهة وترفع الاستغراب الذي قد يقع للناظر في هذه المسألة.

القول الثاني: وهو للجمهور أنها تكون لمن بيده العين لأنّ من بيده العين معه اليد والبيّنة وهذا القول الذي ذهب إليه الجمهور هو القول المتبادر إلى الذهن إذا اجتمع رجلان مع كل منهما بيّنة إلاّ أنّ إحدهما معه أيضا اليد فإنه يرجح باليد وهذا هو الراجح إن شاء الله بقينا في مسألتين إذا كانت العين ليست في يد أيِّ منهما ، وإذا كانت العين في يد كل منهما! فالحكم أنهما يتحالفان ويتناصفان العين

لأنه ليس لأحد منهما ما يدل على رجحان جانبه. وهذه المسائل وإن كانت تقرر بهذا الشكل إلاّ أنه لا يخفى على الإنسان أنّ القاضي إذا عرضت عليه القضية لا يجمد على مثل هذه الأقوال بل يتحرر ويلتمس الحق حيث كان ويتأمل في البيّنات وأوضاع المتكلم وأوضاع المتداعيين وطبيعة العين يعني أنا أخشى ما أخشاه أنّ الإنسان يفهم الأقوال قوالب أنّ القاضي إذا جاءه مثل هذه المسائل يحكم بهذه الطريقة أنّ العين بيد فلان إلى آخره هذا هو الأصل ولكن القاضي عليه أن يتحرى وأن يكون مقصوده وهمّه هو إيصال الحق إلى صاحبه بأيّ طريقة كانت.

بهذا انتهى الكتاب وننتقل إلى الشهادات.

ص: 356