الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقول الثاني: وهو للأحناف وجوب الدفع عن المال واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم من قتل دون ماله فهو شهيد. وهذا اللفظ في البخاري كما تقدم معنا. واستدلوا أيضا بقول النبي صلى الله عليه وسلم قاتل من أراد أن يأخذ مالك. والراجح مذهب الجمهور والحديث الذي فيه من قتل دون ماله فهو شهيد. لا يدل على وجوب الدفع وإنما يدل على جوازه وأنّ صاحبه إذا قتل فهو شهيد فعرفنا الآن حكم الدفع في الأحوال الثلاثة إذا صال الإنسان على نفسه أو ماله أو عرضه.
قال رحمه الله (ومن دخل منزل رجل متلصصا فحكمه كذلك)
التلصص هو الدخول بغرض السرقة ، ودفعه يكون كذلك يشير إلى أنه يجب أن يدفع بالأخف فالأخف ، وهذا الحكم لا يختص بمن دخل الدار طلبا للسرقة بل يعم كل شخص دخل الدار بغير إذن ولو للفرجة ولو للتلقط الأخبار كل شخص دخل دار المسلم بغير إذنه فإنّ له أن يدفعه بالأخف فالأخف إلى أن يصل إلى القتل. فلو دخل الإنسان هكذا بيتك لا يريد شيء إنما يريد الإطلاع على البيت فلك أن تقول أخرج فإن لم يخرج فلك أن تخرجه باليد فإن حصل قتال وقتلته فهو هدر. لأنه معتد على حرمة المنزل فيدفع دفع الصائل الأخف فالأخف ولهذا لو أنّ المؤلف رحمه الله عمم العبارة فقال [ومن دخل الدار بغير إذن فكذلك] لكان أولى ليشمل جميع الصور.
باب قتال أهل البغي
قوله باب قتال أهل البغي.
البغي في لغة العرب / هو الظلم والعدوان.
وأما في الشرع فذكره المؤلف وسنقف مع تعريف المؤلف وهو يتكون من ثلاث جمل. والبغي والظلم محرم في جميع الشرائع.
والدليل على هذا الباب وهو قتال أهل البغي قوله تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي} [الحجرات/9] وجه الاستدلال عند الفقهاء أنّ الآية أجازت قتال كل من امتنع عن الحق فاستدلوا بها على قتال أهل البغي ، وإلاّ اقتتال طائفتان من المسلمين ليس هو البغي المقصود في تعريف الفقهاء ولكن استدلوا به من حيث أنّ الله أجاز قتال الفئة الباغية بكونها خرجت عن الطاعة ولم تستجب للأوامر فكذلك الباغية وهي التي تخرج عن الإمام.
يقول الشيخ رحمه الله معرفا لأهل البغي من يكونوا أهل البغي.
يقول رحمه الله (اذا خرج قوم لهم شوكة ومنعة على الإمام بتأويل سائغ فهم بغاة)
الفقهاء رحمهم الله يرون أنه لا يمكن أن نسمي الخارجين بغاة إلاّ إذا توفر فيهم ثلاثة شروط فإن تخلف أي شرط انتقلوا من كونهم من البغاة فأصبحوا قطاع طرق. نبدأ مع شروط المؤلف
يقول رحمه الله (اذا خرج قوم لهم شوكة ومنعة)
الشرط الأول" أن يخرجوا فإذا اجتمع نفر لهم شوكة ومنعة وعندهم شبهة لها تأويل سائغ لكنهم لم يخرجوا فقط اجتمعوا فإنهم ليسوا بغاة ويجب أن تعرف أنّ هناك فرقا كبيرا بين أن نحكم على مجموعة أنهم بغاة وبين أن نحكم عليهم قطاع طريق وسيأتينا أنّ لهذا الخلاف ثمرات في كيفية التعامل معهم كبيرة جدا فيجب أن نعرف متى نطلق على هذه المجموعة أنهم بغاة لنطبق عليهم الأحكام التي سيذكرها المؤلف إذا الشرط الأول الخروج.
الثاني: لهم شوكة ومنعة. فإذا اجتمعوا وخرجوا واعترضوا وأبدوا شبهه لكن لا شوكة لهم ولا منعة فلا يجوز للإمام أن يعاملهم معاملة البغاة لأنهم ليس لهم شوكة وقوة ومنعة وشيء يرجعون إليه في الدفاع عن أنفسهم.
الشرط الثالث: قوله شوكة ومنعة على الإمام بتأويل سائغ. يجب أن يكون سبب الخروج تأويل ويجب أن يكون التأويل سائغ فإن لم يكن لهم تأويل فهم قطاع طرق وإن كان لهم تأويل ليس بسائغ فهم أيضا قطاع طرق وسيأتينا الأدلة على هذه الشروط من آثار الصحابة لكن الذي يعنينا الآن أنه يشترط في الفئة الخارجة لكي تسمى بغاة أن توجد فيهم هذه الشروط الثلاثة. الخروج والقوة والتأويل.
مسألة/ الخارجون عن الإمام لا يخرجون عن ثلاث أصناف:
الصنف الأول: الذين يخرجون بقوة ومنعة بلا تأويل فهؤلاء قطاع طرق.
القسم الثاني: الخوارج وهم الذين يخرجون عن الإمام ويكفرون المسلمين ويستحلون دماءهم فهؤلاء خوارج.
القسم الثالث: قوم من أهل العدل لهم شبهه وتأويلات سائغة خرجوا على الإمام بشوكة وقوة فهؤلاء هم المقصودون بهذا الباب وهم البغاة. قال شيخ الإسلام [والفرق بين الخوارج والبغاة من وجهين: الوجه الأول: أنّ الخوارج يقاتلون ابتداء ويفرح بقتالهم فإنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فرح واستبشر بأنه هو الذي تولى قتال الخوارج بحث النبي صلى الله عليه وسلم على قتلهم. بينما البغاة سيأتينا أنهم لا يبدأون بالقتال إلاّ بعد أحكام معينة.
الفرق الثاني" أنّ البغاة من المسلمين بالإجماع ، بينما الخواج اختلف السلف والخلف في تكفيرهم فمنهم من رأى أنهم خرجوا عن الدين ومنهم من رأى أنهم من المسلمين وهذا فرق كبير بينهم وبين البغاة. فإنّ البغاة لم يختلفوا فيهم أهل العلم أنهم من المسلمين] ولهذا فإنّ الخلط بين البغاة والخوارج خطأ وإن كان البغاة والخوارج يجب أن يقاتلوا لكن يجب أن يعرف الإنسان الفرق بين البغاة والخوارج كما ذكرها الشيخ رحمه الله
قال رحمه الله (وعليه أن يراسلهم فيسألهم ما ينقمون منه فإن ذكروا مظلمة أزالها وإن ادعوا شبهة كشفها)
يجب على الإمام قبل أن يقاتل البغاة أن يسأل عن الشبهة التي أوجبت خروجهم والمظلمة التي يدعون ويجب عليه إذا بينت له أن يسعى في رفع الظلم وكشف الشبهة. والدليل على هذا أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه راسل أهل البصرة مرارا وراسل الخوارج مرارا قبل أن يقاتلهم فدل هذا على وجوب المراسلة قبل البدء بالقتال.
والدليل الثاني: قوله تعالى {فأصلحوا بينهما} [الحجرات/9] فإنّ الإصلاح يستدعي المراسلة قبل البدء بالقتال وهذا صحيح لا يجوز للإمام أن يقاتلهم حتى يعرف الشبهة التي عندهم فإن أمكنه كشف الشبهة وبيان الحق واقتنعوا فبها ونعمت وإلاّ فإنه كما سيذكر المؤلف يقاتلهم.
قال رحمه الله (فإن فاءوا وإلاّ قاتلهم)
يعني فإن رجعوا بعد أن بيّن لهم وكشف المظالم وإلاّ قاتلهم وجوبا فإنّ الإمام إذا لم يقاتل الفئة الباغية فهو آثم لما يدخلونه على الناس من الشبهات وإخلال بالأمن فيجب عند الحنابلة على الإمام أن يقاتلهم واستدلوا على هذا بقوله تعالى {فقاتلوا التي تبغي} [الحجرات/9] فأمر بقتال الفئة الباغية إذا لم ترجع إلى الحق بعد أن بيّن لها الحق بنصوص الكتاب والسنة. المؤلف رحمه الله وعفا عنه ترك بعض المسائل المذكورة في الأصل وهي في الحقيقة من أهم مسائل الباب فترك ثمرة الحكم على قوم بأنهم بغاة يعني ما يترتب على هذا الحكم من فروع فقهية في الحقيقة تركه لهذا يعتبر من وجهة نظري نقص ظاهر ومخل بالباب لأنه يجب أن ترتب الأحكام بعد أن تعرف حقيقة البغاة.
فنقول إذا قاتل الإمام البغاة فإما أن يرجعوا ويتوبوا ويعرفوا الحق أثناء القتال أو يهزموا بأن يتمكن الإمام من هزيمتهم. فإذا حصل أي من الأمرين: ترتب على هذا ثلاثة أحكام:
الحكم الأول: أنه لا يجوز الإجهاز على جريحهم ولا إتباع مدبرهم. فلا يتبع المدبر ولا يجهز على الجريح. وإنما يتوقف القتال. والدليل على هذا أنّ أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أمر أصحابه بذلك في معاركه مع الخوارج ومع أهل الشام.
الحكم الثاني: أنه لا يجوز للإمام أن يسبي نسائهم ولا أن يصطفي أموالهم وهذا الحكم أيضا مستفاد من سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه التي وافقه عليها الصحابة فإنه لما هزم أهل الشام في بعض المعارك لم يسبي نسائهم ولم يصطفي أموالهم وكانت هذه النقطة من النقاط التي اعترض فيها الخوارج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وقالوا إذا قاتلتهم أن تسبي نسائهم وأموالهم.
أو أن تكف عن قتالهم. فما استطاعت عقولهم أن تجمع بين القتال لتوحيد الأمر وبين الكف عنهم لأنهم إخوان لنا. ولكن أمير المؤمنين ومن معه من الصحابة استوعبوا هذا الحكم الشرعي فنهى علي بن أبي طالب أحدا من أفراد الجيش أن يسبي امرأة منهم أو أن يأخذ
مالا لهم بل إنه لما انتهت المعركة أمر بإرجاع الأعيان الموجودة إلى أصحابها من البغاة.