المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب كتاب القاضي إلى القاضي - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٦

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌باب كتاب القاضي إلى القاضي

مسألة / إذا حضر الغائب فهو على حججه وبيّناته وقوادحه ولا تعتبر القضية منتهية فإذا حضر وجاء مجلس الحكم وبيّن قوادح وحجج توهن دعوى المدعي فإنّه يأخذ بها ولا يعني الحكم غيابيا أنّ القضية انتهت.

ثم - قال رحمه الله (وإن ادعى على حاضر بالبلد غائب عن مجلس الحكم وأتى ببيّنة لم تسمع الدعوى ولا البيّنة)

إذا ادعى على من يمكن أن يأتي إلى مجلس الحكم فإنّ الدعوى لا تسمع وأيضا لا تسمع البيّنة فلا تسمع الدعوى ولا البيّنة وهذا واضح جدا ودليلهم أنّ المدعى عليه موجود ويمكن أن يسمع منه فلا يسوغ مطلقا على من يتمكن من القاضي من السماع منه واستدلوا أيضا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي لا تحكم حتى تسمع من الآخر. وهذا الأثر سواء كان صحيح أو ضعيف فلا إشكال مطلقا في صحته وأنّ جميع أصول الشرع تدل عليه فمثل هذا الأثر يسوغ في الحقيقة الاستدلال به أو بأصله صح أو لم يصح.

‌باب كتاب القاضي إلى القاضي

الأصل في مشروعية كتاب القاضي إلى القاضي ، الكتاب والسنة والإجماع.

فالكتاب قوله تعالى {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} [النمل/30]

وأما السنة فأكثر من أن يحصر فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم كاتب كسرى وقيصر والنجاشي وملوك العرب والعجم وأرسل الولاة بكتبه مما لا يجعل مجال للشك في مشروعية كتاب القاضي إلى القاضي فإن قيل هذا كتاب والي إلى ملك وليس كتاب قاضي إلى قاضي. فالجواب أنّ الشرع إذا أجاز كتابة الوالي إلى الوالي وهي أعظم فكتابة القاضي إلى القاضي من باب أولى وهذا صحيح بلا إشكال واستدلوا على مشروعيتها بأنّ الحاجة ماسة إليها فإنه دائما ما يحتاج القاضي أن يكتب ببيّنة أو بالحكم إلى قاض آخر.

قال رحمه الله مبيّنا نطاق كتاب القاضي إلى القاضي.

قال رحمه الله (يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق حتى القذف لا في حدود الله كحد الزنا ونحوه)

الدعوى أو المدعى به ينقسم إلى ثلاثة أقسام: - القسم الأول: أن يكون أموال. فإذا كان أموالا فإنه يصح فيه كتاب القاضي إلى القاضي بالإجماع.

ص: 345

القسم الثاني: الحدود فالحدود محل خلاف. القول الأول: أنه لا يشرع كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود واستدل هؤلاء بأنّ الحدود مبناها على الدرء بالشبهات وكتاب القاضي إلى قاضي فيه شبهات كثيرة من حيث أنه فيه فرع وأصل ومن حيث وجود الوهم في الكتابة. والقول الثاني: أنها تصح بالحدود قياسا على الشهادة على الشهادة ، وقياسا على الأموال هذا القسم الثاني.

القسم الثالث: ما عدا الحدود مثل القصاص والنكاح والطلاق والخلع ونحو هذه الأشياء ففيه خلاف المذهب صحة كتابة القاضي إلى القاضي لأنّ أحكام هذه الأشياء ليست مبنية على الدرء بالشبهات بل على الإثبات.

والقول الثاني: أنه لا يصح أن يكتب فيها من القاضي إلى القاضي قياسا على الحدود. والراجح أنّ كتاب القاضي إلى القاضي يصح في كل الأشياء بلا استثناء فله أن يكتب إلى القاضي الآخر بجميع أنواع القضايا بلا استثناء لأنه لا يوجد دليل صحيح على الاستثناء إلاّ التوهمات وعلل لا تكفي للمنع.

ثم - قال رحمه الله (ويقبل فيما حكم به لينفذه وإن كان في بلد واحد)

إذا حكم القاضي بشيء وأرسل بالحكم لقاض آخر لينفذه فقط فإنّ القاضي الثاني ملزم بتنفيذ الحكم مطلقا ومعنى مطلقا أي سواء كان القاضي المكتوب إليه قريب أو بعيد والقريب والبعيد في عرف الفقهاء هو مسافة القصر واستدلوا على هذا بأنّ حكم القاضي ملزم واجب التنفيذ فعلى من وصله من الحكام أن يعمل به مقصودهم بهذا الكلام أنّ حكم القاضي أعطاه الشارع قوة للتنفيذ فهو يحمل في طياته بيانا وإلزاما كما تقدم معنا في أول كتاب القضاء فهذه القوة التي جعلها الله في حكم القاضي إذا وصلت إلى القاضي الآخر أصبح ملزما بها وهذا لا إشكال فيه.

ثم - قال رحمه الله (ولا يقبل فيما ثبت عنده ليحكم به إلاّ أن يكون بينهما مسافة قصر)

إذا كتب له بما ثبت عنده ليحكم القاضي الثاني به فحينئذ لا يجوز إلاّ إذا كان بينهما مسافة قصر فإن كان بينهما دون مسافة القصر فإنه لا يجوز وعللوا هذا بأنّ هذا الكتاب لا حاجة إليه لأنّ القاضي القريب بإمكانه أن يباشر القضية بنفسه.

ص: 346

والقول الثاني: أنه يعمل بما ثبت عند القاضي إذا أرسل به إلى قاض آخر ليحكم به لأنّ الحاجة قد تدعوا إلى هذا والحاجات كثيرة منها على سبيل المثال في وقتنا هذا أن ينظر القاضي في قضية إلى أن تستوي القضية استوفى الشهود والقضية لم يبقى شيء لم يبقى إلاّ مشكلة واحدة وهو أنه بدء في إجازة القاضي الناظر في القضية. وهو لا يريد أن يحكم باستعجال فحينئذ من المصلحة أن نقول اكتب بما ثبت عندك ليحكم به القاضي الآخر بدل أن تعطل القضية لمدة شهر أو لمدة شهرين. فهذه من الأمثلة المعاصرة وهي توجد بكثرة.

من أمثلة ما يسوغ ذلك أن يكون المحكوم عليه من أقرباء أو أصدقاء القاضي مما يستحي معه النطق بالحكم فيرسل به إلى قاض آخر ليحكم به ، من أمثلة القضية. وهو مثال مهم أن يكون القاضي المكتوب إليه يجيد هذه القضايا أكثر من القاضي الذي باشر القضية أول مرة فالقاضي الأول أراد أن يجمع كل ما يتعلق بالقضية فإذا لم يبقى إلاّ النظر والحكم أسنده إلى قاض يحسن مثلا هذا النوع من المعاملات فهو في الحقيقة لا شك أنّ القول بصحته مقتضى قواعد الشرع وهو القول الراجح إن شاء الله.

ثم - قال رحمه الله (ويجوز أن يكتب إلى قاض معيّن وإلى كل من يصل إليه كتابه من قضاة المسلمين)

معنى هذه العبارة أنّ القاضي لا يشترط أن يكتب معيّن بل له أن يكتب إلى معيّن وله أن يكتب إلى من يراه من قضاة المسلمين لأنه لا يوجد دليل على اشتراط أن يكون الكتاب موجه إلى قاض معيّن ولأنّ حكم القاضي ملزم سواء كان لهذا القاضي أو لذاك فلا معنى للتعيين ألسنا اتفقنا أنّ حكم القاضي ملزم إذا لسنا بحاجة إلى التعيين.

والقول الثاني: وهو للأحناف أنه يشترط في كتاب القاضي إلى القاضي أن يعيّن وأن يكتب أنه من فلان إلى فلان لأنّ هذا أضبط للقضية وأدعى لتطبيقها ولئلا يتدافعها القضاة المكتوب إليهم ومذهب الأحناف لا شك أنه هو الراجح إن شاء الله وهو مذهب قوي وكتابة كتاب فيه حكم في قضية من قضايا بين المسلمين إلى غير معيّن فيه نوع من عدم الاهتمام بل يجب أن يكتب إلى قاض معيّن ومن حيث العمل لا يوجد إلاّ الكتابة من قاض معيّن إلى قاضي معيّن.

ص: 347