المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والقول الثاني: أنّ من لم يجد عتق الرقبة ولم يستطع - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٦

[أحمد الخليل]

الفصل: والقول الثاني: أنّ من لم يجد عتق الرقبة ولم يستطع

والقول الثاني: أنّ من لم يجد عتق الرقبة ولم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين فإنه يطعم ستين مسكينا قياسا على الكفارات الأخرى كالظهار والوطء في نهار رمضان والراجح والله أعلم أنه ليس في خصال كفارة القتل الخطأ الإطعام لأنه لم يذكر في الآية وفي هذا شبه دلالة على أنه ليس من الخصال.

‌باب القسامة

قوله باب القسامة القسامة مصدر أقسم ومعنى أقسم أي حلف والقسامة مشروعة بالسنة فقط. فليس فيها إجماع ولم تذكر في القرآن

وأما دليلها من السنة فهو أنّ محيصة بن مسعود وعبد الله بن سهل خرجوا إلى يهود خيبر فلما وصلوا إلى النخيل تفرقا فجاء محيصة بن مسعود ووجد عبد الله بن سهل مقتول بين النخل فذهب عبد الرحمن بن سهل أخو عبد الله بن سهل وابنا عمه محيصة وحويصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم واتهموا يهود بأنهم قتلوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم تقسمون خمسين يمينا على رجل منهم فندفعه إليكم فقالوا يا رسول الله كيف نقسم ولم نشهد ولم نرى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم تقسم يهود لكم خمسين يمينا وليس لكم عليهم شيء فقالوا يا رسول الله قوم كفار ضلال. يعني أنهم لن يتورعوا عن القسم فواده النبي صلى الله عليه وسلم

من عنده من بيت المال. هذا الحديث جعله الجنابلة أصل في القسامة أما مشروعية القسامة بين الفقهاء ففيه خلاف. القول الأول هو ما سمعتم أنه مشروع وهذا دليله.

والقول الثاني: أنّ القسامة لا تشرع واستدلوا على هذا بأنّ القسامة على خلاف قواعد الشرع فإنّ قواعد الشرع تدل على أنّ البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر وفي هذه الصورة وهي القسامة جعلت اليمين على المدعي وهذا خلاف قاعدة الشرع. والراجح أنّ القسامة مشروعة بلا إشكال إن شاء الله وأنّ القاعدة أنّ اليمين في حق أقوى المتداعيين وليست دائما في حق المدعى عليه وإنما خرج الحديث مخرج الغالب لأنّ المنكر غالبا أقوى من المدعي فجعلت اليمين في الحديث عليه وقد استوفى ابن القيم الكلام عن هذه المسألة وأطال جدا وبيّن أنّ القسامة مشروعة وأنها لا تنافي أصول الشرع وأنها بالعكس من هذا تؤدي مقاصد الشرع وذكر كلاما طويلا في ترجيح هذا القول وهو مشروعية القسامة.

ص: 156

قال رحمه الله معرفا لها (وهي: أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم)

المؤلف يريد أن يعرف القسامة فقال هي أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم في الحقيقة المؤلف أغفل في التعريف أمرا ضروريا وجعله شرطا للقسامة وهو اللوث. والواقع أنّ القسامة من حقيقتها الشرعية وجود اللوث ولهذا لو أخذنا هذا التعريف أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم لم يتضح المراد لأنّ هذه الأيمان المكررة في دعوى معصوم لا تقبل ولا ينظر إليها إلاّ مع وجود اللوث ولهذا فإنّ الفقهاء رحمهم الله قالوا يشترط للقسامة ثلاثة شروط وذكروا تكرار الأيمان والدعوى وقتل المعصوم واللوث. فجعلوا اللوث من حقيقة القسامة. نأتي إلى كلام المؤلف وهي أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم. بيّن المؤلف الشروط. الشرط الأول والثاني.

الشرط الأول: أن تكون أيمان مكررة في دعوى فلا بد من تكرير الأيمان ولا بد أن يكون هذا التكرير في سياق الدعوى أما إذا كرر بدون دعوى فليست من القسامة إذا يجب أن يدعي أولا أنّ موليه قتل من الفئة الفلانية ثم إذا ادعى أقسم أيمانا مكررة. هذا هو الشرط الأول.

الشرط الثاني: في قتل معصوم فإذا القسامة لا دخل لها في الشجاج والجروح إنما هي في القتل فقط ولم يبيّن المؤلف هل قوله في قتل معصوم عمدا أو خطأ أو شبه عمد وهذه المسألة فيها خلاف فمن الفقهاء من قال القسامة تختص بالقتل العمد ففي شبه العمد والخطأ لا قسامة ومن الفقهاء من قال بل القسامة تشمل جميع أنواع القتل وهي وإن جاءت في الحديث بسبب القتل العمد إلاّ أنّ هذا لا يجعلها

تختص به فإنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. والراجح أنّ القسامة لا تختص بالقتل العمد بل تشمل القتل العمد وأيضا شبه العمد والخطأ. ثم بدأ المؤلف ببيان الشرط الثالث وهو في الحقيقة كما قلت عمدة من عمد فقه القسامة وهي اللوث.

فقال رحمه الله (ومن شرطها اللوث)

ص: 157

اللوث هي القرينة الحالية أو القولية التي توجب الظن وإن لم توجد بيّنة تامة ، هذا التعريف بعد البحث وجدت أنه خير التعريف في الحقيقة وأقربها لبيان حقيقة اللوث إذا هي قرينة وليست بيّنة ولكن هذه القرينة توجب الظن ويجب أن لا يعتمد على هذه القرينة إلاّ عند عدم وجود بيّنة تامة أما إذا وجدت البيّنة التامة فليس للوث أي قيمة لأنه يكتفى بالبيّنة التامة إذا عرفنا الآن ما هو اللوث.

ثم - قال رحمه الله (وهي: العداوة الظاهرة كالقبائل التي يطلب بعضها بعضا بالثأر)

ذهب الحنابلة إلى أنّ اللوث هو العداوة أي يشترط لوجود اللوث وجود العداوة واستدلوا على هذا بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم

أثبتها في قصة الأنصاري لوجود العداوة بين الأنصار ويهود خيبر ولهذا فهم يرون أنّ اللوث يكون بوجود العداوة فقط.

القول الثاني: أنّ اللوث أمر أعم من هذا فهو يشمل كل قرينة توجب التهمة وتدل على وقوع الجناية سواء كانت عداوة أو سواها ومثلوا على هذا بأن يجتمع النفر على شخص ويتفرقوا عنه وهو ميت أو أن نجد شخصا مقتولا وبجواره من يحمل السيف وفيه الدم ومثال ثالث هو أوضح وأقوى الأمثلة في الحقيقة وهو أن يشهد على أنّ فلان قتل فلان من لا تقبل شهادته في باب الجنايات كالمرأة والصبي والعبد فهؤلاء إذا شهدوا شهادتهم لا تكفي لإقامة الحد والقصاص أليس كذلك؟ لكنها توجب قرينة وتهمة أنّ من شهد عليه قام بالقتل حقيقة. وهذا المثال في الحقيقة يبيّن قوة القول الثاني وهذا القول الثاني اختيار شيخ الإسلام وغيره من المحققين وهو الصواب أنه يقصد باللوث كل ما أوجب تهمة.

مسألة / مشروعية القسامة تكون عند وجود قتيل لا يعلم قاتله بشرطه ، وهي الشروط المذكورة في هذا الباب فإذا توفرت الشروط وهذا المعنى جاز حينئذ القسامة.

قال رحمه الله (فمن ادعي عليه القتل من غير لوث حلف يمينا واحدة وبرىء)

ص: 158

إذا ادعي على شخص أنه قاتل ولم يستطع المدعي أن يثبت وجود اللوث فليس على المدعى عليه إلاّ أن يقسم قسما واحدا ويبرأ لأنّ هذا الحكم في سائر الدعاوى ولأنّ عدم وجود اللوث يرفع وجوب تكرار الأيمان وهذا معلوم ولكن المؤلف أراد أن يقرر هذا الشيء ويبيّن أنّ التكرار يتعلق بوجود اللوث.

قال رحمه الله (ويبدأ بأيمان الرجال من ورثة الدم ، فيحلفون خمسين يمينا فإن نكل الورثة أو كانوا نساء حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبرىء)

ذكر المؤلف في هذين السطرين جملة من المسائل فقوله ويبدأ بأيمان الرجال.

المسألة الأولى: أنّ الذي يبدأ باليمين المدعي ثم ينقل إلى المدعى عليهم واستدل الحنابلة على هذا بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم طلب من المدعين بدم عبد الله بن سهل أن يحلفوا.

والقول الثاني: أنه يبدأ بالمدعى عليهم لأنه في هذا الحديث في لفظ منه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر اليهود أن يقسموا قبل أن يطلب من أهل الميت. وهذا اللفظ ضعيف ولهذا الراجح كما ذهب الحنابلة أنّ الذين يبدؤون باليمين هم أهل الميت الذين ادعوا.

قال رحمه الله (بأيمان الرجال)

في هذه العبارة دليل أو إشارة مسألة وهي أنّ الذي يحلف هم الرجال فقط لقول النبي صلى الله عليه وسلم يقسم خمسون رجلا منكم فالنساء لا دخل لهم في اليمين إذا يقسم خمسون رجلا منكم.

ثم - قال رحمه الله (من ورثة الدم)

في هذا دليل على أنّ الذين يقسمون هم الورثة فقط. ومن لا يرث لا يقسم ولا يطلب منه ولا ينفعه أن يقسم وتقسم الأيمان على الورثة بحسب ورثهم فمن يرث النصف فعليه نصف الأيمان ومن يرث السدس فعليه سدس الأيمان ومن لا يرث إلاّ هو فيقسم كل الخمسين إذا للورثة ويقسم حسب ميراثهم.

ثم - قال رحمه الله (فيحلفون خمسين يمينا)

وفي هذا دلالة على أنّ عدد الأيمان خمسون وهذا محل إجماع أجمعوا على أنّ عدد الأيمان خمسون يمينا لقول النبي يقسم خمسون رجلا فهذه المسألة لا إشكال فيها.

قال رحمه الله (فإن نكل الورثة أو كانوا نساء حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبرىء)

ص: 159

في هذا ما تقدم أنّ اليمين لا تنصرف إلى المدعى عليه إلاّ إذا نكل المدعي أما إذا أقسم فإنه لا يطلب من المدعى عليه يمين بل يدفع إلى أهل القتيل من أقسموا عليه ليقتلوه لكن إنما ترد اليمين إذا أبى أو نكل المدعون عن القسم وهذا صحيح وأفادنا المؤلف أنه إذا أقسم المدعى عليهم فإنهم يبرأون ولا شيء عليهم لا كفارة ولا دية ولا قصاص لأنه لم يثبت في حقهم أو لم تثبت الجناية من الأصل لعدم وجود الدليل الكافي شرعاً فإذا أفادنا المؤلف أنها ترد إليهم وأنهم إذا حلفوا يبرأون والدليل على هذا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما نكل أهل محيصة رضي الله عنه رد اليمين إلى اليهود ولم يلزمهم بشيء.

بهذا انتهى كتاب الديات

ص: 160