الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرجل بِعَيْنِه، وَقد أسلفنا هَذِه الرِّوَايَة) وَقَالَ الْهَرَوِيّ فِي «غَرِيبه» فِي الحَدِيث «إِنَّه رَأَى نغاشيًّا» وَيروَى «نغاشًا فَسجدَ» قَالَ (أَبُو عبيد) وَهُوَ (القصنصع الْبُنيان) قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: النغاشيون هم: الْقصار الصغار الْحَرَكَة، والقَلَطي فَوق النغاشي. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: النغاش الْقصير الضاوي الصَّغِير الجثة. قَالَ: وَنصب «شكرا لله» لِأَنَّهُ مصدر، وَفِيه قَول آخر إِنَّه نصب؛ لِأَنَّهُ مفعول لَهُ. وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن: النغاشي: النَّاقِص الْخلقَة. وَقيل: هُوَ مختلط الْعقل. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ: هُوَ النَّاقِص الْخلق. وَقيل: الْمُبْتَلَى. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» : النغاشي [بتَشْديد الْيَاء] والنغاش - بحذفها - هُوَ: الْقصير جدًّا الضَّعِيف الْحَرَكَة (النَّاقِص الْخلق. وَكَذَا ذكره ابْن الْأَثِير، وَهَذِه الْأَقْوَال مُتَقَارِبَة) .
الحَدِيث الْخَامِس عشر
عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رضي الله عنه «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سجد فَأطَال، فَلَمَّا رفع قيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: أَخْبرنِي جِبْرِيل أَن من صَلَّى عليِّ مرّة صَلَّى الله عَلَيْهِ عشرا، فسجدت شكرا لله تَعَالَى» .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد بن عَمْرو بن عَاصِم، عَن عبد الْوَهَّاب بن
(نجدة) الحوطي، عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد (عَن) عَمْرو بن أبي عَمْرو، عَن عبد الْوَاحِد - وَهُوَ ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف - عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ:«رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (سجد سَجْدَة) (فَأطَال) فَرفع رَأسه فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ: إِن جِبْرِيل لَقِيَنِي فَقَالَ: من صَلَّى عَلَيْك صَلَّى الله عَلَيْهِ، وَمن سلم عَلَيْك سلم الله عَلَيْهِ - أَحْسبهُ قَالَ: عشرا - فسجدت لله شكرا» كَذَا رَوَاهُ عبد الْوَهَّاب، وَخَالفهُ غَيره؛ فَرَوَاهُ عَن الدَّرَاورْدِي، عَن عَمْرو من غير ذكر الْأَب، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَهُوَ الْمَحْفُوظ - وَأثبت البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» سَماع عبد الْوَاحِد (وَحده) ، وَكَذَا قَالَ ابْن أبي حَاتِم أَيْضا عَن أَبِيه.
قلت: وَعَمْرو بن أبي عَمْرو هُوَ: مولَى الْمطلب (وَفِيه لين)(وَسَتَأْتِي أَيْضا رِوَايَة الإِمَام أَحْمد وَغَيره لَهُ) وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» والعقيلي فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» وَاللَّفْظ لَهُ من حَدِيث (سعد) بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن أَبِيه، عَن جده عبد الرَّحْمَن بن عَوْف «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سجد فَأطَال السُّجُود، قلت: يَا رَسُول الله، أطلت السُّجُود. فَقَالَ: سجدت شكرا لرَبي فِيمَا (آتَانِي) فِي أمتِي: من صَلَّى عليَّ صَلَاة كتبت لَهُ عشر حَسَنَات» .
وَذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» بِهَذَا الْإِسْنَاد وَاللَّفْظ إِلَى قَوْله: «لرَبي» .
قَالَ الْعقيلِيّ: (قَالَ البُخَارِيّ:) هَذَا حَدِيث لَا يَصح. وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم رَوَاهُ عَن سعد بن إِبْرَاهِيم إِلَّا قيس بن عبد الرَّحْمَن
بن أبي صعصعة، وَلَا رَوَاهُ عَن قيس سُوَى مُوسَى بن (عُبَيْدَة) قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف من وَجه آخر غير مُتَّصِل عَنهُ، وَقَالَ الْعقيلِيّ: هَذَا يرْوَى من وجهٍ آخر بِإِسْنَاد جيد (ثَابت) .
قلت: رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من طرق عَنهُ مدارها عَلَى عَمْرو بن أبي عَمْرو، لَفظه فِي أَحدهَا «خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَتوجه نَحْو صدقته فَدخل فَاسْتقْبل الْقبْلَة، فَخر سَاجِدا فَأطَال السُّجُود حَتَّى ظَنَنْت أَن الله عز وجل قبض نَفسه فِيهَا، فدنوت مِنْهُ ثمَّ جَلَست فَرفع رَأسه، فَقَالَ: من هَذَا؟ فَقلت: عبد الرَّحْمَن. قَالَ: مَا شَأْنك؟ قلت: يَا رَسُول الله، سجدت سَجْدَة خشيت أَن يكون الله عز وجل قد قبض نَفسك فِيهَا. فَقَالَ: إِن جِبْرِيل أَتَانِي فبشرني فَقَالَ: إِن الله عز وجل يَقُول لَك: من صَلَّى عَلَيْك صليت عَلَيْهِ، وَمن سلم عَلَيْك سلمت عَلَيْهِ؛ فسجدت لله عز وجل شكرا» .
وَرَوَاهُ ابْن أبي عَاصِم وَقَالَ: «وَمن سلم عَلَيْك سلم الله عَلَيْهِ قَالَ: - أَحْسبهُ عشرا - قَالَ: فسجدت لله شكرا» .
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ: عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: «دخلت الْمَسْجِد وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم خَارج من الْمَسْجِد فتتبعته أَمْشِي وَرَاءه وَهُوَ لَا يشْعر حَتَّى دخل نخلا، فَاسْتقْبل الْقبْلَة فَسجدَ فَأطَال السُّجُود وَأَنا وَرَاءه حَتَّى ظَنَنْت أَن الله قد توفاه، فَأَقْبَلت حَتَّى جِئْته، فطأطأت رَأْسِي أنظر فِي وَجهه فَرفع رَأسه فَقَالَ: مَا لَك يَا عبد الرَّحْمَن؟
فَقلت: لما أطلت (السُّجُود) يَا رَسُول الله خشيت أَن يكون توفى نَفسك فَجئْت أنظر. فَقَالَ: إِنِّي لما دخلت النّخل لَقِيَنِي جِبْرِيل فَقَالَ: إِنِّي أُبَشِّرك أَن الله يَقُول: من سلم عَلَيْك سلمت عَلَيْهِ، وَمن صَلَّى عَلَيْك صليت عَلَيْهِ» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ (قَالَ:) وَلَا أعلم فِي سَجْدَة الشُّكْر أصح مِنْهُ، وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ؛ فَذكر اخْتِلَافا فِي إِسْنَاده، وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف سمع أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «سجد النَّبِي صلى الله عليه وسلم سَجْدَة فَأطَال السُّجُود حَتَّى ظَنَنْت أَن الله قبض روحه، ثمَّ رفع رَأسه فَسَأَلته عَن ذَلِك. فَقَالَ: إِن جِبْرِيل عليه السلام لَقِيَنِي فَقَالَ: من صَلَّى عَلَيْك صَلَّى الله عَلَيْهِ، وَمن سلم عَلَيْك سلم الله عَلَيْهِ - أَحْسبهُ قَالَ: عشرا - فسجدت لله شكرا» وَرَوَاهُ [عمر بن أبي عَمْرو، عَن] عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَالَ: حَدِيث أبي سعيد وهم، وَالصَّوَاب: حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فَأَرْبَعَة:
الأول: عَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه «أَنه قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَر سُورَة السَّجْدَة، فَنزل (فَسجدَ) وَسجد النَّاس مَعَه، فَلَمَّا كَانَ فِي الْجُمُعَة
الْأُخْرَى قَرَأَهَا فتهيأ النَّاس للسُّجُود، فَقَالَ: عَلَى رسلكُمْ؛ إِن الله لم يَكْتُبهَا علينا إِلَّا أَن نشَاء» .
وَهُوَ أثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه «أَن عمر قَرَأَ السَّجْدَة وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة فَنزل وَسجد وسجدنا مَعَه، ثمَّ قَرَأَ يَوْم الْجُمُعَة الْأُخْرَى فتهيأ النَّاس للسُّجُود، فَقَالَ: عَلَى رسلكُمْ؛ إِن الله لم يَكْتُبهَا علينا إِلَّا أَن نشَاء. فَلم يسْجد ومنعهم أَن يسجدوا» .
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» وَلَفظه: «إِن عمر قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَر سُورَة النَّحْل، حَتَّى إِذا جَاءَ السَّجْدَة نزل فَسجدَ وَسجد النَّاس مَعَه، حَتَّى إِذا كَانَت الْجُمُعَة الْقَابِلَة قَرَأَ بهَا حَتَّى إِذا جَاءَ للسجدة قَالَ: أَيهَا النَّاس، إِنَّا لم نؤمر بِالسُّجُود؛ فَمن سجد فقد أصَاب، وَمن لم يسْجد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ، وَلم يسْجد عمر» .
قَالَ البُخَارِيّ: وَزَاد نَافِع عَن ابْن عمر: «إِن الله لم يفْرض السُّجُود إِلَّا أَن نشَاء» .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «يَا أَيهَا النَّاس، إِنَّا لم نؤمر بِالسُّجُود؛ فَمن سجد فقد أصَاب وَأحسن» ثمَّ قَالَ: وَشَاهده الْمُرْسل: حَدِيث هِشَام
بن عُرْوَة، عَن أَبِيه
…
فَذكره.
تَنْبِيهَانِ:
التَّنْبِيه الأول: قَوْله: «إِلَّا أَن نشَاء» الظَّاهِر أَنه بالنُّون لَا بِالْمُثَنَّاةِ تَحت.
الثَّانِي: قَالَ القَاضِي فِي «مشارقه» : عَلَى رسلك، وَعَلَى رِسْلكُمَا، وَعَلَى رسلكُمْ - بِكَسْر الرَّاء (فِي) هَذَا وَفتحهَا مَعًا، فبكسرها: عَلَى تؤدتكم، وَبِفَتْحِهَا من اللين والرفق، وَأَصله السّير اللين، وَمَعْنَاهُ مُتَقَارب، وَقيل: هما مَعْنَى من التؤدة وَترك العجلة.
الْأَثر الثَّانِي: عَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه «أَنه كَانَ لَا يسْجد فِي (ص) .» .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ عَنهُ فِي كِتَابيه «الْمعرفَة» و «السّنَن» وَزَاد: «وَيَقُول: إِنَّهَا تَوْبَة نَبِي» قَالَ فِي «السّنَن» : وروينا عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة «أَنهم كَانُوا يَسْجُدُونَ فِي (ص (ثمَّ ذكر ذَلِك عَنْهُم بأسانيده، وَكَذَا قَالَ فِي «الْمعرفَة» : روينَا ذَلِك عَن (عمر، وَعُثْمَان) وروينا عَن (ابْن) عمر «أَنه يسْجد فِيهَا فِي الصَّلَاة» .
الْأَثر الثَّالِث: عَن عُثْمَان رضي الله عنه «أَنه مر بقاصٍّ فَقَرَأَ آيَة السَّجْدَة ليسجد
عُثْمَان مَعَه، فَلم يسْجد وَقَالَ: مَا [استمعنا لَهَا] » .
وَهَذَا الْأَثر غَرِيب، كَذَلِك لم أَقف عَلَى من خرجه بِهَذِهِ السِّيَاقَة وَفِي «البُخَارِيّ» قَالَ عُثْمَان:«إِنَّمَا السَّجْدَة عَلَى من استمعها» وَفِي ابْن أبي شيبَة، عَن وَكِيع، عَن ابْن أبي عرُوبَة (عَن قَتَادَة، عَن ابْن الْمسيب، عَن عُثْمَان قَالَ: «إِنَّمَا السَّجْدَة عَلَى من جلس لَهَا» ) .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: رُوِيَ عَن ابْن الْمسيب، عَن عُثْمَان قَالَ:«إِنَّمَا السَّجْدَة عَلَى من جلس لَهَا وأنصت» .
الْأَثر الرَّابِع: عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه أَنه قَالَ: «السَّجْدَة لمن جلس لَهَا» .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «إِنَّمَا السَّجْدَة عَلَى من جلس لَهَا» وَرَوَى مثله عَن سلمَان وَابْن الْمسيب. قَالَ: وَيذكر عَن ابْن عمر نَحوه.
خَاتِمَة: لما ذكر الرَّافِعِيّ عَن الْجُوَيْنِيّ أَنه لَا يجوز التَّقَرُّب بِسَجْدَة فَرده من غير سَبَب، كَمَا لَا يجوز التَّقَرُّب بركوع مُفْرد أَو نَحوه، والعبادات يتبع فِيهَا الْوُرُود، وَظَاهر هَذَا عدم وُرُود ذَلِك هُنَا، لَكِن فِي
«صَحِيح مُسلم» من حَدِيث ثَوْبَان وَأبي الدَّرْدَاء: «عَلَيْك بِكَثْرَة السُّجُود» وَحمله النَّوَوِيّ عَلَى أَن المُرَاد بِهِ السُّجُود فِي الصَّلَاة، وَالْقَائِل بِجَوَاز مثل ذَلِك يمنعهُ.