الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَدِيث الْحَادِي بعد السِّتين
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَمن مندوبات الْجُمُعَة أَلا يصل صَلَاة الْجُمُعَة بنافلة بعْدهَا (لَا) الرَّاتِبَة، وَلَا غَيرهَا، ويفصل بَينهَا وَبَين الرَّاتِبَة بِالرُّجُوعِ إِلَى منزله، أَو بالتحويل إِلَى مَوضِع آخر أَو بِكَلَام وَنَحْوه، ذكره فِي «التَّتِمَّة» وَثَبت فِي الْخَبَر عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
هَذَا لَفظه وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث ابْن عمر رضي الله عنهما «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي (بعد) الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ فِي بَيته» . وَفِي «صَحِيح مُسلم» عَن السَّائِب ابْن أُخْت نمر قَالَ: «صليت مَعَ مُعَاوِيَة فِي الْمَقْصُورَة الْجُمُعَة فَلَمَّا سلم الإِمَام قُمْت فِي مقَامي فَصليت، فَلَمَّا (دخل) أرسل إليَّ فَقَالَ: لَا تعد لما فعلت، إِذا صليت الْجُمُعَة فَلَا تصلها بِصَلَاة حَتَّى تكلم أَو تخرج؛ فَإِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (أمرنَا) بذلك أَن لَا توصل صَلَاة بِصَلَاة حَتَّى نتكلم أَو نخرج» . وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» بِإِسْنَاد صَحِيح عَن عَطاء «أَنه رَأَى ابْن عمر يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة فينماز عَن مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْجُمُعَة قَلِيلا غير كثير
(فيركع) رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يمشي أنفس من ذَلِك فيركع أَربع رَكْعَات» وَأما حَدِيث عصمَة الْمَرْفُوع «إِذا صَلَّى أحدكُم الْجُمُعَة فَلَا يُصَلِّي بعْدهَا شَيْئا حَتَّى يتَكَلَّم أَو يخرج» فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بإسنادٍ ضَعِيف لأجل الْفضل بن الْمُخْتَار الواهي.
وَمن الْأَحَادِيث الْمُنَاسبَة فِي هَذَا الْبَاب، وَذكرهَا الرَّافِعِيّ فِي أَوَائِل «كتاب الْوَصِيَّة» حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«حق لله عَلَى كل مُسلم أَن يغْتَسل فِي كل سَبْعَة أَيَّام، يغسل رَأسه وَجَسَده» وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» . وَرَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث طَاوس، عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه بِلَفْظ:«عَلَى كل مُسلم فِي كل سَبْعَة أَيَّام غسل وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح من رِوَايَة جَابر مَرْفُوعا « (عَلَى) رجل مُسلم فِي كل سَبْعَة أَيَّام غسل يَوْم، وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة» .
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت (أبي) عَن حَدِيث جَابر هَذَا فَقَالَ: إِنَّه خطأ، وَالصَّوَاب وَقفه عَلَى أبي هُرَيْرَة.
(هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب) .
وَأما آثاره فستة:
الأول: «أَن عليًّا رضي الله عنه أَقَامَ الْجُمُعَة، وَعُثْمَان مَحْصُور» .
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ فِي «الْأُم» بإسنادهما الصَّحِيح، قَالَ الْبَيْهَقِيّ نقلا عَن الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم، أَنه قَالَ: وَلَا نعلم أَن عُثْمَان أمره بذلك. وَعبارَة الشَّافِعِي فِي «الْأُم» و «الْمُخْتَصر» قد تُعْطِي أَنه صَلَّى الْجُمُعَة وَعُثْمَان مَحْصُور، فَإِنَّهُ قَالَ: تصح الْجُمُعَة خلف كل إِمَام صلاهَا من أَمِير ومأمور ومتغلب، وَغير أَمِير. قَالَ الْأَصْحَاب: أَرَادَ بالأمير السُّلْطَان، وبالمأمور نَائِبه، وبالمتغلب الْخَارِجِي، وَبِغير الْأَمِير آحَاد الرّعية فَتَصِح الْجُمُعَة خلف جَمِيعهم. ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي بعد هَذَا صَلَّى عليّ وَعُثْمَان مَحْصُور. هَذَا لَفظه، وَمثل الشَّافِعِي بذلك (يسْتَدلّ لصِحَّة) الْجُمُعَة خلف غير الْأَمِير والمأمور؛ لِأَن عليًّا رضي الله عنه لم يكن أَمِيرا فِي حَيَاة عُثْمَان لَا أَنه متغلب كَمَا اعْترض بِهِ بعض الحاسدين عَلَى الشَّافِعِي فاجتنبه.
الْأَثر الثَّانِي: عَن عمر رضي الله عنه أَنه قَالَ: (إِذا زحم أحدكُم فِي صلَاته فليسجد عَلَى ظهر أَخِيه» .
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد صَحِيح من رِوَايَة أبي دَاوُد - يَعْنِي الطَّيَالِسِيّ - وَهُوَ فِي «مُسْنده» : ثَنَا سَلام - يَعْنِي
(أَبَا) الْأَحْوَص - عَن سماك بن حَرْب، عَن سيار بن الْمَعْرُور قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب يخْطب وَهُوَ يَقُول: «يَا أَيهَا النَّاس، إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بنى هَذَا الْمَسْجِد وَنحن مَعَه والمهاجرون وَالْأَنْصَار، فَإِذا اشْتَدَّ الزحام فليسجد (الرجل) عَلَى ظهر أَخِيه» . ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث سُفْيَان عَن الْأَعْمَش، عَن الْمسيب، عَن زيد بن وهب، أَن عمر قَالَ:«إِذا اشْتَدَّ الْحر فليسجد عَلَى ثَوْبه، وَإِذا اشْتَدَّ الزحام، فليسجد أحدكُم عَلَى ظهر أَخِيه» .
وَذكره (فِي)«مُسْند الفردوس» مَرْفُوعا بِلَفْظ: «إِذا اشْتَدَّ الزحام
…
» إِلَى آخِره، وَعَزاهُ إِلَى أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ.
وَقد أسلفت لَك رِوَايَته و (لَيست) ظَاهِرَة فِي الرّفْع، فَتنبه لذَلِك.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : الصَّحِيح فِي هَذَا عَن زيد بن وهب، عَن عمر (لَا خَرشَة بن الْحر عَن عمر) .
قلت: وَله طَرِيق رَابِع من حَدِيث الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: قَالَ عمر: «أَرَاكُم قد كثرتم فِي الْجمع، فليسجد الرجل عَلَى ظهر أَخِيه» .
ذكره ابْن عَسَاكِر فِي «تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب» من حَدِيث مسعر، عَن الْقَاسِم بِهِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن [مُصعب] بن ثَابت، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ:«صَلَّى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ النَّجْم فَسجدَ بِنَا فَأطَال السُّجُود، وَكثر النَّاس فَصَلى بَعضهم عَلَى ظهر بعض» .
قلت: ويعضد هَذَا كُله الحَدِيث الصَّحِيح السالف: «وَإِذا أَمرتكُم بِأَمْر فائتوا (مِنْهُ) مَا اسْتَطَعْتُم» .
الْأَثر الثَّالِث:
عَن عمر وَغَيره أَنهم قَالُوا: «إِن الصَّلَاة إِنَّمَا قصرت لأجل الْخطْبَة» وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد بن حزم من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن (عَمْرو) بن شُعَيْب: أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: «الْخطْبَة مَوضِع الرَّكْعَتَيْنِ، فَمن فَاتَتْهُ الْخطْبَة صَلَّى أَرْبعا» .
وَذكره أَبُو بكر الرَّازِيّ (عَن عمر) أَيْضا بِلَفْظ: «قصرت (صَلَاة) الْجُمُعَة لأجل الْخطْبَة» .
(وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ) فِي «سنَنه» من حَدِيث سعيد بن جُبَير قَالَ: «كَانَت الْجُمُعَة أَرْبعا فَجعلت الْخطْبَة مَكَان الرَّكْعَتَيْنِ» .
وَرَوَى أَيْضا عَن مَكْحُول أَنه قَالَ: «فِي الْجُمُعَة خطبتان بَينهمَا جلْسَة، فَإِن لم يخْطب فِي الْجُمُعَة فَالصَّلَاة أَربع» .
الْأَثر الرَّابِع:
عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: «خُرُوج الإِمَام يقطع الصَّلَاة، وَكَلَامه يقطع الْكَلَام» .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، عَن ابْن شهَاب قَالَ: قَالَ (ثَعْلَبَة) بن أبي مَالك الْقرظِيّ: «أَنهم كَانُوا فِي زمن عمر بن الْخطاب يصلونَ يَوْم الْجُمُعَة حَتَّى يخرج عمر، فَإِذا خرج عمر وَجلسَ عَلَى الْمِنْبَر (وَأذن الْمُؤَذّن) . قَالَ ثَعْلَبَة وَجَلَسْنَا نتحدث فَإِذا سكت (الْمُؤَذّن) وَقَامَ عمر يخْطب؛ أنصتنا فَلم يتَكَلَّم منا أحد» . قَالَ ابْن شهَاب: فخروج الإِمَام يقطع الصَّلَاة، وَكَلَامه يقطع الْكَلَام.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي (فِي «مُسْنده» ) عَن (ابْن) أبي فديك، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن ابْن شهَاب قَالَ: حَدثنِي ثَعْلَبَة بن [أبي] مَالك أَن
قعُود الإِمَام يقطع السبحة و (أَن) كَلَامه يقطع الْكَلَام، وَأَنَّهُمْ (كَانُوا) يتحدثون يَوْم الْجُمُعَة وَعمر جَالس عَلَى الْمِنْبَر، فَإِذا سكت الْمُؤَذّن قَامَ عمر فَلم يتَكَلَّم أحد حَتَّى (قطع الْخطْبَتَيْنِ) كلتيهما، فَإِذا قَامَت الصَّلَاة وَنزل عمر تكلمُوا» .
والسبحة - بِضَم السِّين -: صَلَاة النَّافِلَة.
وثعلبة هَذَا صَحَابِيّ رضي الله عنه.
وَرَوَى بَعضهم عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:«خُرُوج الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة يقطع الصَّلَاة، وَكَلَامه يقطع الْكَلَام» .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا خطأ فَاحش، إِن هَذَا من كَلَام الزُّهْرِيّ. (وَمن) كَلَام (ثَعْلَبَة) كَمَا سبق.
وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» : قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: قد أخبر (ثَعْلَبَة) عَن عَامَّة أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي دَار الْهِجْرَة أَنهم كَانُوا يصلونَ نصف النَّهَار يَوْم الْجُمُعَة ويتكلمون وَالْإِمَام عَلَى الْمِنْبَر.
وَيروَى عَن (ابْن) عمر مَرْفُوعا: «إِذا خطب الإِمَام فَلَا صَلَاة وَلَا كَلَام» . وَهُوَ غَرِيب ضَعِيف.
الْأَثر الْخَامِس:
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة قُتَيْبَة، عَن لَيْث، عَن يَحْيَى، عَن نَافِع «أَن ابْن عمر ذكر لَهُ أَن سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل - وَكَانَ بدريًّا - مَرِيض فِي يَوْم جُمُعَة، فَركب إِلَيْهِ بعد أَن تَعَالَى النَّهَار واقتربت الْجُمُعَة، وَترك الْجُمُعَة» . ذكر ذَلِك البُخَارِيّ فِي الْبَاب الثَّانِي فِي فضل من شهد بَدْرًا.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن (ابْن) أبي نجيح، عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن ذُؤَيْب «أَنه) دعِي وَهُوَ (يستحم للْجُمُعَة) لسَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَهُوَ يَمُوت، فَأَتَاهُ وَترك الْجُمُعَة» .
قَالَ الرَّافِعِيّ رحمه الله: وَكَانَ سعيد بن زيد قَرِيبا (لعمر) .
قلت: هُوَ كَذَلِك، فَإِنَّهُ سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن رَبَاح، وَعبد الله بن عمر بن الْخطاب بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن رَبَاح، يَجْتَمِعَانِ فِي نفَيْل.
وَقَالَ صَاحب (الْمُهَذّب) : هُوَ ابْن عَمه يَعْنِي مجَازًا فَإِنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي نفَيْل كَمَا قَرَّرْنَاهُ.
الْأَثر السَّادِس:
قَالَ الرَّافِعِيّ رحمه الله: وَذكر صَاحب (التَّهْذِيب) أَن فِي غسل الْحجامَة أثرا.
وَهُوَ كَمَا قَالَ وَهُوَ: عَن عبد الله بن (عَمْرو) بن العَاصِي، كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى (أبي) مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد، عَنهُ (أَنه) قَالَ: كُنَّا نغتسل من خمس من الْحجامَة، وَالْحمام، ونتف الْإِبِط، وَمن الْجَنَابَة، وَيَوْم الْجُمُعَة. قَالَ الْأَعْمَش: فَذكرت ذَلِك لإِبْرَاهِيم فَقَالَ: مَا كَانُوا يرَوْنَ غسلا وَاجِبا إِلَّا من الْجَنَابَة، وَإِن كَانُوا يستحبون أَن يغتسلوا يَوْم الْجُمُعَة. (ثمَّ رَوَاهُ بِسَنَدِهِ إِلَى الْأَعْمَش، حَدثنِي مُجَاهِد، عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: «اغْتسل من الْحمام وَالْجُمُعَة) ، والجنابة، والحجامة، والموسى» . وَقد تقدم فِي الْغسْل رَفعه من حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها فَرَاجعه من ثمَّ.
خَاتِمَة رَأَيْت أَن أختم بهَا الْبَاب، فِيمَا جَاءَ فِيمَن فَاتَتْهُ الْجُمُعَة مَاذَا يفعل فِيهِ؟
عَن سَمُرَة بن جُنْدُب وَعَائِشَة رضي الله عنهما.
أما حَدِيث سَمُرَة، فَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عَفَّان، نَا همام، عَن قَتَادَة، قَالَ: حَدثنِي قدامَة بن وبرة، عَن سَمُرَة بن جُنْدُب، عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«من ترك جُمُعَة من غير عذر فليتصدق بِدِينَار، فَإِن لم يجد فَنصف دِينَار» .
ثمَّ أخرجه عَن وَكِيع، ثَنَا همام بِهِ بِلَفْظ:«من فَاتَتْهُ الْجُمُعَة فليتصدق بِدِينَار أَو نصف دِينَار» .
واستدركه الْحَاكِم، فَأخْرجهُ من حَدِيث يزِيد بن هَارُون، عَن همام
…
فَذكره، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرج بِخِلَاف فِيهِ لسَعِيد بن بشير وَأَيوب بن الْعَلَاء، فَإِنَّهُمَا قَالَا عَن قَتَادَة، عَن قدامَة بن وبرة، عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مُرْسلا، وَلَفظه: «من (ترك) الْجُمُعَة [من غير عذر] فليتصدق (بدرهم) أَو بِنصْف [دِرْهَم] أَو صَاع حِنْطَة أَو نصف صَاع) ثمَّ ذكر الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ عَن أَحْمد أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث همام (عَن) قَتَادَة، وخِلاف أبي الْعَلَاء فِيهِ إِيَّاه فَقَالَ: همام عندنَا أحفظ من أَيُّوب بن الْعَلَاء.
قلت: وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «من فَاتَتْهُ الْجُمُعَة فليتصدق بِدِينَار، فَإِن لم يجد (فَنصف) دِينَار» . وَفِي لفظ
لَهُ: «من ترك الْجُمُعَة من غير عذر فليتصدق بِدِينَار» .
وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ بِالْإِرْسَال فَقَالَ: قَالَ البُخَارِيّ: لَا يَصح سَماع قدامَة من سَمُرَة. وَقَالَ أَحْمد: قدامَة لَا يعرف.
قلت: قد قيل ليحيى بن معِين: قدامَة بن وبرة مَا حَاله؟ فَقَالَ: ثِقَة.
وَأخرج هَذَا الحَدِيث أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه كَمَا سلف.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث قدامَة مَرْفُوعا مُرْسلا كَمَا سلف عَن لفظ الْحَاكِم ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل. قَالَ: وَرَوَاهُ سعيد بن بشير هَكَذَا، إِلَّا أَنه قَالَ: مدًّا أَو نصف مد، وَقَالَ: عَن سَمُرَة.
وَأخرجه النَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه من حَدِيث الْحسن، عَن سَمُرَة، وَالْخلاف فِي سَمَاعه مِنْهُ قد عَلمته فِيمَا مَضَى فِي آخر بَاب صفة الصَّلَاة.
وَرَأَيْت فِي «الْعِلَل» لعبد الله بن أَحْمد: سَأَلت أبي: هَل يَصح حَدِيث سَمُرَة هَذَا؟ فَقَالَ: قدامَة لَا يعرف، رَوَاهُ أَيُّوب أَبُو الْعَلَاء فَلم
يصل إِسْنَاده كَمَا وَصله همام قَالَ: «نصف دِرْهَم أَو دِرْهَم» خَالفه فِي الحكم وَقصر فِي الْإِسْنَاد.
قلت: وَأما ابْن السكن فَذكر فِي «صحاحه» حَدِيث سَمُرَة وَحَدِيث قدامَة. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ من أَصْحَابنَا بِمُقْتَضَى الحَدِيث حَيْثُ قَالَ: يسْتَحبّ لمن ترك الْجُمُعَة بِلَا عذر أَن يتَصَدَّق بِدِينَار أَو نصف دِينَار؛ لهَذَا الحَدِيث. ثمَّ قَالَ: وَلَا يلْزم ذَلِك؛ لِأَن الحَدِيث ضَعِيف.
وَأما حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها فَأخْرجهُ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ من حَدِيثهَا مَرْفُوعا: «من فَاتَتْهُ صَلَاة الْجُمُعَة فليتصدق بِنصْف دِينَار» . أعله ابْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ فِي «علله» : لَا يَصح، فِيهِ رجل مَنْسُوب إِلَى الْكَذِب.