الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وَلم ينْفَرد (بِهِ) فقد تَابعه سعيد بن زيد، عَن هُبَيْرَة رَوَاهُ أَحْمد أَيْضا عَن عَلّي بن إِسْحَاق، عَن عبد الله - يَعْنِي: ابْن مبارك، عَن سعيد بِهِ. وَسَعِيد من الثِّقَات (وَإِن لين) .
الحَدِيث السَّادِس بعد الْأَرْبَعين
أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «من نَام عَن صَلَاة أَو (نَسِيَهَا) فليصلها إِذا ذكرهَا» .
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي مَوَاضِع، مِنْهَا التَّيَمُّم.
الحَدِيث السَّابِع بعد الْأَرْبَعين
أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة» .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث أبي (هُرَيْرَة) رضي الله عنه وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.
أما آثاره (فعشر) :
أَولهَا: «أَن عمر رضي الله عنه كَانَ يضْرب عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب» .
وَهَذَا عَلَى هَذَا الْوَجْه لَا أعرفهُ، وَإِنَّمَا (فِي) الصَّحِيح عَنهُ أَنه
كَانَ يضْرب عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر. (كَمَا أخرجه مُسلم عَن أنس رضي الله عنه أَنه سَأَلَ الْمُخْتَار بن فلفل عَن التَّطَوُّع بعد الْعَصْر) قَالَ: (كَانَ) عمر يضْرب الْأَيْدِي عَلَى صَلَاة بعد الْعَصْر، وَكُنَّا نصلي عَلَى عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ بعد غرُوب الشَّمْس قبل صَلَاة الْمغرب، فَقلت لَهُ: أَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما؟ قَالَ: قد كَانَ يَرَانَا نصليهما (فَلم يَأْمُرنَا وَلم ينهنا) » .
وَفِي «مُسْند أَحْمد» (ثَنَا) عبد الرَّزَّاق، نَا (معمر، عَن) ابْن جريج قَالَ: سَمِعت أَبَا (سعد) الْأَعْمَى يخبر عَن رجل يُقَال لَهُ: السَّائِب - مولَى الفارسيين - وَعَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ «أَنه رَآهُ عمر بن الْخطاب - وَهُوَ خَليفَة - ركع رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر فَمَشى إِلَيْهِ فَضَربهُ بِالدرةِ وَهُوَ يُصَلِّي كَمَا هُوَ، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ زيد: وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ (فوَاللَّه) لَا أدعهما أبدا بعد إِذْ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهمَا (قَالَ) : فَجَلَسَ إِلَيْهِ عمر وَقَالَ: يَا زيد بن خَالِد، لَوْلَا أَن
(نخشى) أَن يتخذها النَّاس سلما إِلَى الصَّلَاة حَتَّى اللَّيْل لم أضْرب فيهمَا» .
نعم فِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن طَاوس، عَن أَبِيه «أَن أَبَا أَيُّوب (الْأنْصَارِيّ) صَلَّى مَعَ أبي بكر بعد غرُوب الشَّمْس قبل الصَّلَاة، ثمَّ لم يكن يُصَلِّي مَعَ عمر، ثمَّ صَلَّى مَعَ عُثْمَان. فَذكر (ذَلِك لَهُ) فَقَالَ: إِنِّي صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، ثمَّ صليت مَعَ أبي بكر (ثمَّ فرقت) من عمر فَلم أصل مَعَه، وَصليت مَعَ عُثْمَان؛ إِنَّه لين» .
قلت: (وَظَاهر) هَذَا أَن عمر كَانَ لَا يراهما.
الْأَثر الثَّانِي: «أَن (ابْن) عمر كَانَ يسلم وَيَأْمُر بَينهمَا - يَعْنِي: بَين الشفع وَالْوتر - بحاجته» .
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ من رِوَايَة نَافِع «أَن عبد الله بن عمر كَانَ يسلم بَين الرَّكْعَة والركعتين فِي الْوتر، حَتَّى يَأْمر بِبَعْض حَاجته» .
الْأَثر الثَّالِث: عَن أبي بكر رضي الله عنه «أَنه كَانَ يُوتر قبل أَن ينَام، فَإِذا قَامَ تهجد وَلم يعد الْوتر» .
وَهَذَا الْأَثر سلف فِي أثْنَاء طرق الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين عَن
رِوَايَة بَقِي بن مخلد فِي «مُسْنده» وَرَوَاهُ ابْن الْمُنْذر أَيْضا.
وَوَافَقَ الصّديق عَلَى هَذَا - أَعنِي: عدم نقض الْوتر - الْفَارُوق وَسعد وعمار وَابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَعَائِشَة وَجُمْهُور الْعلمَاء، وَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» عَن نصر بن عمرَان الضبعِي قَالَ:«سَأَلت عَائِذ بن عَمْرو الصَّحَابِيّ: هَل ينْقض الْوتر؟ (قَالَ) : إِذا أوترت من أَوله فَلَا (توتر) من آخِره» .
الْأَثر الرَّابِع: «أَن ابْن عمر كَانَ ينْقض الْوتر، فيوتر أول اللَّيْل (فَإِذا) قَامَ ليتجهد صَلَّى رَكْعَة شفع بهَا (تِلْكَ) ثمَّ يُوتر آخر اللَّيْل» .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مَالك. قَالَ ابْن الصّلاح: وَهُوَ ثَابت عَنهُ.
وَرَوَاهُ أَحْمد وَلَفظه: عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ إِذا سُئِلَ عَن الْوتر قَالَ: أما أَنا (لَو) أوترت قبل أَن أَنَام ثمَّ أردْت (أَن) أُصَلِّي بِاللَّيْلِ شفعت (وَاحِدَة) مَا مَضَى من وتري، ثمَّ صليت مثنى مثنى، فَإِذا قضيت صَلَاتي أوترت بِوَاحِدَة؛ إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أمرنَا أَن نجْعَل آخر صَلَاة اللَّيْل الْوتر» .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَمْرو بن مرّة «أَنه سَأَلَ سعيد بن الْمسيب عَن الْوتر، فَقَالَ: كَانَ عبد الله بن عمر يُوتر أول اللَّيْل؛ فَإِذا قَامَ نقض وتره، ثمَّ صَلَّى ثمَّ أوتر آخر صلَاته - أَو آخر اللَّيْل. وَكَانَ عمر يُوتر آخر اللَّيْل، وَكَانَ (خير) مني (وَمِنْهَا أَن) أَبَا بكر يُوتر من أول اللَّيْل ويشفع (فِي) آخِره، يُوتر بذلك [يُصَلِّي] مثنى مثنى وَلَا ينْقض وتره» .
قلت: وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِك عُثْمَان وَعلي وَابْن مَسْعُود وَعَمْرو بن مَيْمُون (وَابْن) سِيرِين وَإِسْحَاق (و) حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَنهُ.
الْأَثر الْخَامِس: «أَن عمر رضي الله عنه جمع النَّاس عَلَى أبيّ بن كَعْب فِي صَلَاة التَّرَاوِيح (و) لم يقنت إِلَّا فِي النّصْف الثَّانِي» .
وَهَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من طَرِيقين:
أولاهما: عَن الْحسن الْبَصْرِيّ «أَن عمر بن الْخطاب جمع النَّاس عَلَى أبيّ بن كَعْب (وَكَانَ) يُصَلِّي لَهُم عشْرين لَيْلَة (و) لَا يقنت (بهم) إِلَّا فِي النّصْف (الثَّانِي) فَإذْ (كَانَ) الْعشْر الْأَوَاخِر
تخلف (فَيصَلي) فِي بَيته، وَكَانُوا يَقُولُونَ: أبق أبيٌّ!» .
ثَانِيهمَا: عَن ابْن سِيرِين، عَن بعض أَصْحَابه «أَن أبي بن كَعْب أمّهم - يَعْنِي: فِي رَمَضَان - وَكَانَ يقنت فِي النّصْف (الْأَخير) مِنْهُ» .
وَهَذَا فِيهِ جَهَالَة كَمَا ترَى، وَالْأول مُنْقَطع؛ لِأَن الْحسن لم يدْرك عمر، بل ولد لِسنتَيْنِ من خِلَافَته.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَوَافَقَهُ الصَّحَابَة.
يَعْنِي (عمر) عَلَى جمعه النَّاس عَلَى أبيّ. وَهُوَ كَمَا قَالَ.
الْأَثر السَّادِس: قَالَ الرَّافِعِيّ: (تسْتَحب) الْجَمَاعَة فِي التَّرَاوِيح، تأسيًا بعمر.
قلت: قد عَرفته أَيْضا، وَفِي البُخَارِيّ أَيْضا أَنه جمعهم عَلَيْهِ.
الْأَثر السَّابِع: عَن عمر رضي الله عنه أَنه قَالَ: (السّنة إِذا انتصف شهر رَمَضَان أَن يلعن الْكَفَرَة فِي الْوتر بَعْدَمَا يَقُول: سمع الله لمن حَمده» .
وَهَذَا غَرِيب، لم أره فِي كتاب حَدِيثي مُعْتَمد، والرافعي ذكره تبعا للشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ؛ فَإِنَّهُ ذكره فِي «مهذبه» (وحذفه) النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» فَلم يذكرهُ، وَذكر مَكَانَهُ مَا هُوَ مَشْهُور فِي أبي دَاوُد من فعل عمر، مَعَ انْقِطَاعه.
وَأما الْمُنْذِرِيّ؛ فَإِنَّهُ أسْندهُ فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» من حَدِيث السلَفِي، أَنا ابْن البطر، أَنا ابْن رزقويه، نَا عُثْمَان بن أَحْمد الدقاق، ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن كَامِل، نَا سعيد بن حَفْص الْهُذلِيّ أَبُو عَمْرو، قَالَ: قَرَأنَا عَلَى معقل، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن عَائِشَة
…
فَذكر (حَدِيثا) فِي قيام رَمَضَان السالف، وَقَالَ فِي آخِره: فَأَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن (عبيد) الْقَارِي - وَكَانَ من عُمَّال عمر، وَكَانَ مَعَ عبد الله بن الأرقم عَلَى بَيت مَال الْمُسلمين - «أَن عمر رضي الله عنه خرج لَيْلَة فِي شهر رَمَضَان، وَخرج مَعَه عبد الرَّحْمَن فَرَأَى أهل الْمَسْجِد يصلونَ أوزاعًا مُتَفَرّقين، فَأمر أبيّ بن كَعْب (أَن يقوم بهم فِي شهر رَمَضَان) فَخرج عمر وَالنَّاس يصلونَ بِصَلَاة قارئهم، فَقَالَ: نعم الْبِدْعَة، وَالَّتِي ينامون عَنْهَا أفضل من الَّتِي يقومُونَ - يُرِيد من آخر اللَّيْل. وَكَانُوا يقومُونَ فِي أولهِ. فَقَالَ: السّنة إِذا انتصف شهر رَمَضَان أَن يلعن الْكَفَرَة فِي آخر رَكْعَة من الْوتر بَعْدَمَا يَقُول الْقَارئ: سمع الله لمن حَمده، ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ (قَاتل) الْكَفَرَة» .
ثمَّ قَالَ الْمُنْذِرِيّ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» . (قَالَ) : وَوَقع فِي كتابي: معقل، عَن الزُّهْرِيّ، وَهُوَ خطأ، وَالصَّوَاب: عقيل.
هَذَا كَلَامه، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ (فَالْحَدِيث) جَمِيعه لَيْسَ فِي
البُخَارِيّ وَلَا فِي مُسلم؛ بل وَلَا أعرفهُ فِي (غَيرهمَا) من بَاقِي الْكتب السِّتَّة وَالْمَسَانِيد، نعم صدر الحَدِيث وَهُوَ صلَاته عليه السلام فِي رَمَضَان مَذْكُور (فيهمَا) وَكَذَا (إِلَى) قَوْله:« (ويقومون) فِي أَوله» فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ والشأن فِي هَذِه الزِّيَادَة الَّتِي هِيَ من كَلَام عمر وَهِي قَوْله: «السّنة (إِذا) انتصف
…
» إِلَى آخِره؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَة، وَلَا أحمل كَلَامه عَلَى أَن مُرَاده أَنَّهُمَا أخرجَا أَصله؛ لبعد ذَلِك هُنَا، ثمَّ (عَلَيْهِ) اعْتِرَاض آخر وَرَاء هَذَا وَهُوَ تخطئة مَا وَقع فِي كِتَابه، وَقَوله إِن الصَّوَاب: أَنا عقيل. وَلم يبرهن لَهُ، وَلم يظْهر لي وَجهه؛ فَإِن (كِلَاهُمَا) يروي عَن الزُّهْرِيّ، وَقد أخرج لكل مِنْهُمَا فِي «الصَّحِيح» لَكِن عقيل - وَهُوَ ابْن خَالِد بن عقيل - من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَقد وَثَّقَهُ النَّاس. وَمَعْقِل بن [عبيد الله] الْجَزرِي من رجال مُسلم، وَقد اخْتلف قَول يَحْيَى بن معِين فِي توثيقه.
قلت: (ورد) بِإِسْنَاد ضَعِيف من حَدِيث أنس «أَنه عليه السلام كَانَ يقنت فِي النّصْف من رَمَضَان
…
» إِلَى آخِره.
رَوَاهُ ابْن عدي، وَسبب ضعفه أَن (رَاوِيه) عَن أنس أَبُو عَاتِكَة طريف بن (سلمَان) وَهُوَ ذَاهِب الحَدِيث، لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف لَا (يَصح) إِسْنَاده.
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان (حَدثنِي) ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن عبيد بن (عُمَيْر أَن عمر رضي الله عنه قنت بعد الرُّكُوع فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر (لنا و) للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات، وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات، وَألف (بَين قُلُوبهم وَأصْلح) ذَات بَينهم، وانصرهم عَلَى عَدوك وعدوهم، اللَّهُمَّ الْعَن كفرة أهل الْكتاب الَّذين يصدون عَن سَبِيلك، ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك، اللَّهُمَّ خَالف بَين كلمتهم، وزلزل أَقْدَامهم، وَأنزل بهم بأسك (الَّذِي) لَا ترده عَن الْقَوْم الْمُجْرمين، بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك، ونثني عَلَيْك وَلَا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، اللَّهُمَّ إياك نعْبد، وَلَك نصلي ونسجد، وَإِلَيْك (نسعى) ونحفد، نخشى عذابك الْجد، وَنَرْجُو رحمتك، إِن عذابك بالكفار مُلْحق» .
قَالَ (الْبَيْهَقِيّ) : هَذَا عَن عمر مَوْصُول صَحِيح. قَالَ ذَلِك بعد أَن رَوَى بعضه مَرْفُوعا وَحكم عَلَيْهِ بِالْإِرْسَال، وَهُوَ كَمَا قَالَ.
وَقد أخرجه أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» من حَدِيث خَالِد بن أبي (عمرَان) قَالَ: «بَينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُو عَلَى مُضر إِذْ جَاءَهُ جِبْرِيل
عَلَيْهِ السَّلَام فَأَوْمأ إِلَيْهِ أَن اسْكُتْ فَسكت، فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، إِن الله لم يَبْعَثك (سبابًا) وَلَا لعانًا، وَإِنَّمَا بَعثك رَحْمَة وَلم يَبْعَثك عذَابا (لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء أَو يَتُوب عَلَيْهِم أَو يعذبهم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ) (قَالَ) ثمَّ علمه هَذَا الْقُنُوت: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك، ونؤمن بك ونخضع لَك، ونخلع ونترك من يكفرك، اللَّهُمَّ إياك نعْبد، وَلَك نصلي ونسجد، وَإِلَيْك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخاف عذابك، إِن عذابك بالكافرين مُلْحق» .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَى - يَعْنِي: (أثر) عمر - سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى، عَن أَبِيه، عَن عمر (بن الْخطاب) فَخَالف فِي بعضه ثمَّ أسْندهُ إِلَى وَالِد سعيد قَالَ:«صليت خلف عمر بن الْخطاب صَلَاة الصُّبْح فَسَمعته يَقُول بعد الْقِرَاءَة قبل الرُّكُوع: اللَّهُمَّ إياك نعْبد، وَلَك (نصلي) ونسجد، وَإِلَيْك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى (عذابك) إِن عذابك بالكافرين مُلْحق، اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك، ونثني عَلَيْك الْخَيْر (كُله) وَلَا نكفرك، ونؤمن بك ونخضع لَك، ونخلع من يكفرك» .
(ثمَّ) قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا قَالَ: «قبل الرُّكُوع» وَهُوَ وَإِن كَانَ إِسْنَادًا صَحِيحا؛ فَمن رَوَى عَن عمر قنوته بعد الرُّكُوع أَكثر؛ فقد رَوَاهُ أَبُو
رَافع وَعبيد بن عُمَيْر وَأَبُو عُثْمَان [النَّهْدِيّ] وَزيد بن وهب، وَالْعدَد أولَى بِالْحِفْظِ من الْوَاحِد، وَفِي حسن سِيَاق عبيد بن عُمَيْر للْحَدِيث دلَالَة عَلَى حفظه وَحفظ من حفظ عَنهُ. قَالَ: وروينا عَن عَلّي رضي الله عنه «أَنه قنت فِي الْفجْر فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك» .
وَرَأَيْت فِي «مُسْند الفردوس» لِابْنِ شهرديار من زوائده عَلَى وَالِده وَهُوَ فِي (مجلدات صغَار)«أَن الْحَارِث - يَعْنِي: ابْن أبي أُسَامَة - رَوَى عَن الْعَبَّاس، عَن عبد الْوَارِث، عَن حَنْظَلَة، عَن أنس مَرْفُوعا: «اللَّهُمَّ عذب كفرة أهل الْكتاب الَّذين (يحادون) رسلك ويصدون عَن سَبِيلك وألق بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء» .
وَأَن ابْن (منيع) رَوَى عَن أبي نصر (البابي) عَن (أبي هِلَال عَن حَنْظَلَة)(أَنه عليه السلام كَانَ يَدْعُو مُدَّة (فِي) صَلَاة الْفجْر بعد الرُّكُوع: اللَّهُمَّ عذب كفرة أهل الْكتاب (وَاجعَل قُلُوبهم كقلوب النِّسَاء الكوافر» .
قَالَ: وَرَوَاهُ الْموصِلِي عَن إِسْحَاق بن إِسْرَائِيل، عَن حَمَّاد بن زيد، عَن حَنْظَلَة مثله) .
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَنقل الرَّوْيَانِيّ عَن أبي الْعَاصِ أَنه (كَانَ) يزِيد (فِي) آخر الْقُنُوت: (رَبنَا لَا تؤخذنا) إِلَى آخر السُّورَة. وَاسْتَحْسنهُ. وَهَذَا من (عِنْده) وَلم أره فِي حَدِيث، لَا جرم استغربه النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» واستضعفه بِأَن الْمَشْهُور كَرَاهَة الْقِرَاءَة فِي غير الْقيام. قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ: «عذب كفرة أهل الْكتاب» لأَنهم كَانُوا (هم) الَّذين يُقَاتلُون الْمُسلمين (حِينَئِذٍ) وَأما الْيَوْم فَيُقَال: عذب الْكَفَرَة (وَغَيرهم) ليعمهم وَغَيرهم؛ لِأَن الْحَاجة إِلَى الدُّعَاء عَلَى غَيرهم كالحاجة إِلَى الدُّعَاء عَلَيْهِم أَو أَكْثَرهم.
(وَأَشَارَ بذلك) إِلَى إِدْخَال التتار؛ فَإِنَّهُم كَانُوا قد استولوا فِي زَمَانه عَلَى كثير من أقاليم الْمُسلمين، وَكَانُوا إِذْ ذَاك (كفَّارًا) لَا كتاب لَهُم.
وَقد تَكَلَّمت عَلَى ضبط الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة فِي هَذَا الْقُنُوت، وَمَعْنَاهَا فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب؛ فراجع ذَلِك مِنْهُ.
الْأَثر التَّاسِع: عَن عمر رضي الله عنه «أَنه مر بِالْمَسْجِدِ فَصَلى رَكْعَة، فَتَبِعَهُ رجل فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّمَا صليت رَكْعَة! فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ تطوع؛ فَمن شَاءَ زَاد، وَمن شَاءَ نقص» .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة قَابُوس بن أبي
ظبْيَان - بِكَسْر الظَّاء الْمُعْجَمَة - أَن أَبَاهُ حَدثهُ قَالَ: «مر عمر بن الْخطاب فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَرَكَعَ رَكْعَة وَاحِدَة ثمَّ انْطلق، فَلحقه رجل فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا ركعت إِلَّا رَكْعَة وَاحِدَة! قَالَ: هُوَ التَّطَوُّع، فَمن شَاءَ زَاد، وَمن شَاءَ نقص» .
وقابوس هَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيّ، كَمَا قَالَه النَّسَائِيّ وَغَيره.
الْأَثر الْعَاشِر: عَن بعض السّلف أَنه قَالَ: «الَّذِي صليت لَهُ يعلم كم صليت» .
وَهَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن أبي ذَر رضي الله عنه «أَنه صَلَّى عددا كثيرا (فَلَمَّا) سلم قَالَ لَهُ الْأَحْنَف بن قيس: هَل تَدْرِي أنصرفت (عَلَى شفع أَو عَلَى وتر) ؟ قَالَ: إِن (لَا) أكن أَدْرِي فَإِن الله يدْرِي، إِنِّي سَمِعت خليلي أَبَا الْقَاسِم (يَقُول: ثمَّ (بَكَى) (ثمَّ) قَالَ: (إِنِّي) سَمِعت خليلي (أَبَا الْقَاسِم) (يَقُول: مَا من عبد يسْجد (لله) سَجْدَة إِلَّا رَفعه الله بهَا دَرَجَة، وَحط (عَنهُ) بهَا خَطِيئَة» .
وَعَزاهُ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» إِلَى الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» وَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح إِلَّا رجلا اخْتلفُوا فِي عَدَالَته. وَذكره فِي فصل (الضَّعِيف) من «خلاصته» .
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عَفَّان، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَلّي بن زيد، عَن مطرف قَالَ:«قعدت إِلَى نفر من قُرَيْش، فجَاء رجل فَجعل (يُصَلِّي) يرْكَع وَيسْجد ثمَّ يقوم، ثمَّ يرْكَع وَيسْجد لَا يقْعد، فَقلت: وَالله مَا (أرَى) هَذَا يدْرِي أينصرف عَلَى شفع أَو وتر (فَقَالُوا: أَلا تقوم إِلَيْهِ) فَتَقول لَهُ. فَقُمْت فَقلت: يَا عبد الله، مَا أَرَاك تَدْرِي تَنْصَرِف عَلَى شفع أَو وتر. (فَقَالَ: لَكِن) الله يدْرِي، سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: من سجد لله سَجْدَة كتب الله لَهُ بهَا حَسَنَة، وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة، وَرفع لَهُ بهَا دَرَجَة. فَقلت: من أَنْت؟ (قَالَ) : أَبُو ذَر. فَرَجَعت إِلَى أَصْحَابِي فَقلت: جزاكم (الله) من جلساء شرًّا أَمرْتُمُونِي أَن أعلم رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم!» .
كتاب صَلَاة الْجَمَاعَة