الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَهُم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْقدر (فَدلَّ) عَلَى أَن إِقَامَة الثَّلَاث لَيست إِقَامَة مُؤثرَة.
الحَدِيث الْخَامِس
«ثَبت أنَّه صلى الله عليه وسلم أَقَامَ عَام الْفَتْح عَلَى حَرْب هوَازن أَكثر من أَرْبَعَة أَيَّام يقصر» فَروِيَ عَنهُ «أَنه أَقَامَ سَبْعَة عشر» .
رَوَاهُ ابْن عَبَّاس وَرُوِيَ (عَنهُ)«أَنه أَقَامَ تِسْعَة عشر» وَرُوِيَ «أَنه (أَقَامَ) ثَمَانِيَة عشر» رَوَاهُ عمرَان بن (حُصَيْن) ، وَرُوِيَ «عشْرين» .
قَالَ فِي (التَّهْذِيب) : و (اعْتمد) الشَّافِعِي رِوَايَة عمرَان لسلامتها من الِاخْتِلَاف.
أما رِوَايَة «سَبْعَة عشر» بِتَقْدِيم السِّين، فرواها أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عَبَّاس كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ بعد هَذَا، و (نَقَلْنَاهُ نَحن) إِلَى هُنَا، وَلَفظ أبي دَاوُد: عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه عليه السلام أَقَامَ بِمَكَّة سَبْعَة (عشر) يقصر الصَّلَاة. قَالَ ابْن عَبَّاس:(و) من أَقَامَ سَبْعَة عشر
قصر، وَمن أَقَامَ أَكثر أتم» . وَإِسْنَاده عَلَى شَرط البُخَارِيّ، وَقد أودعهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» .
(وَأما رِوَايَة «تِسْعَة (عشر) » - بِتَقْدِيم التَّاء عَلَى السِّين - فرواها البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه) من رِوَايَة ابْن عَبَّاس أَيْضا، وَهَذَا لَفظه: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أَقَامَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم تِسْعَة عشر يَوْمًا يقصر، فَنحْن إِذا سافرنا تِسْعَة عشر قَصرنَا وَإِن زِدْنَا أتممنا» وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ: «لما فتح النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَكَّة أَقَامَ (فِيهَا تسع عشرَة) يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» .
وَأما رِوَايَة «ثَمَانِيَة عشر» فرواها أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَلّي بن زيد بن جدعَان، عَن أبي نَضرة، عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ:«غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَشهِدت مَعَه الْفَتْح فَأَقَامَ بِمَكَّة ثَمَانِي (عشرَة) لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ يَقُول: يَا أهل الْبَلَد صلوا أَرْبعا فَإنَّا سَفْر» وَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيّ أَيْضا.
وَعلي هَذَا تكلم فِيهِ جمَاعَة من الْأَئِمَّة، وَقد (عرفت) حَاله فِي الْبَاب قبله (وَقَالَ غَيره: إِنَّه حَدِيث لَا تقوم بِهِ حجَّة لِكَثْرَة اضطرابه) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ بعد أَن أخرجه بِنَحْوِ مِنْهُ من هَذَا الطَّرِيق: إِنَّه حسن.
وَأما رِوَايَة «عشْرين» فتبع فِي إيرادها الإِمَام، وَلم أرها بعد الْبَحْث عَنْهَا من سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة إِلَى سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ، فَعَثَرَتْ عَلَيْهَا فِي «مُسْند عبد بن حميد» (وَللَّه الْحَمد) .
قَالَ عبد فِي «مُسْنده» : أبنا عبد الرَّزَّاق، أَنا ابْن الْمُبَارك، عَن عَاصِم، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما افْتتح مَكَّة أَقَامَ عشْرين يَوْمًا يقصر الصَّلَاة» .
وَجَاء فِي أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه و (الْبَيْهَقِيّ)«أَنه أَقَامَ خَمْسَة عشر» لَكِنَّهَا مُشْتَمِلَة عَلَى عنعنة ابْن إِسْحَاق وَفِي بعض طرقها إرْسَال، قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ جماعات، عَن ابْن إِسْحَاق وَلم يذكرُوا فِيهِ ابْن عَبَّاس.
قلت: وأخرجها النَّسَائِيّ من طَرِيق (صَحِيحَة) مَوْصُولَة وَلَيْسَ فِيهَا ابْن إِسْحَاق.
تَنْبِيهَات:
أَحدهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور (كَانَ) فِي إِقَامَته عليه السلام بِمَكَّة لِحَرْب هوَازن عَام الْفَتْح، وَالَّذِي سبق فِي حَدِيث أنس «عشرَة أَيَّام» كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع.
ثَانِيهَا: قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد (ذكر) اخْتِلَاف الرِّوَايَات عَن ابْن عَبَّاس: أَصَحهَا عِنْدِي رِوَايَة «تسع عشرَة» وَهِي الرِّوَايَة الَّتِي أودعها البُخَارِيّ (فِي)(جَامعه) ، (فأحد) من رَوَاهَا - وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ فِي علمي - عبد الله بن الْمُبَارك، وَهُوَ أحفظ من رَوَاهُ عَن عَاصِم الْأَحول.
قَالَ: (وَيُمكن) الْجمع بَين رِوَايَة «ثَمَانِي عشرَة» و «تسع عشرَة» و «سبع عشرَة» بِأَن من رَوَى «تسع عشرَة» عَدَّ يَوْم الدُّخُول و (يَوْم) الْخُرُوج، وَمن رَوَى «سبع عشرَة» لم يعدهما، وَمن رَوَى « (ثَمَان) عشرَة» عد أَحدهمَا.
الثَّالِث: من الْعجب أَن الْفَتْوَى عندنَا عَلَى رِوَايَة « (ثَمَان) عشرَة»
مَعَ مَا فِيهَا من التَّعْلِيل، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن تكون الْفَتْوَى بِرِوَايَة تسع عشرَة.
قَالَ الرَّافِعِيّ فِي «تذنيبه» : وَإِنَّمَا اعْتمد الشَّافِعِي عَلَى رِوَايَة « (ثَمَان) عشرَة» لسلامتها من الِاخْتِلَاف. وَنقل هَذَا فِي الْكتاب عَن صَاحب «التَّهْذِيب» .
الرَّابِع: (اسْتدلَّ) الرَّافِعِيّ بِرِوَايَة «عشْرين» عَلَى القَوْل الثَّانِي أَنه يقصر أبدا وَلَيْسَ الدَّلِيل مطابقًا للدعوى، وَيُمكن أَن يجمع بَين هَذِه الرِّوَايَة وَرِوَايَة (ثَمَانِيَة عشر)(بِأَن) عد يَوْم الدُّخُول و (يَوْم) الْخُرُوج، وَقد ذكره كَذَلِك الإِمَام فِي «النِّهَايَة» .
الْخَامِس: وَقع فِي «نِهَايَة» إِمَام الْحَرَمَيْنِ (نِسْبَة رِوَايَة)«سَبْعَة عشر» إِلَى عمرَان بن الْحصين وَرِوَايَة «ثَمَانِيَة عشر» إِلَى ابْن عَبَّاس، وَصَوَابه الْعَكْس كَمَا ذكرته (لَك) .
السَّادِس: المُرَاد بإقامته - عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام - لِحَرْب هوَازن: أَنه عليه السلام لما فتح مَكَّة جمعت هوَازن قبائل الْعَرَب وأرادت الْمسير إِلَى قِتَاله، فَكَانَ عليه السلام مُقيما يتخوف من ذَلِك وينتظرهم (ليقاتلهم) وَهُوَ يقصر الصَّلَاة فَأَقَامَ الْمدَّة الَّتِي ذكرنَا، وَمِمَّنْ نَص عَلَى ذَلِك من الْفُقَهَاء