الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقد أدرك محمد صديق حسن خان أن الدارس والطالب لا يستطيع أن يُلمَ بكل الموضوعات التي طرحها كتاب المزهر لسعته فعمد إلى الانتقاء منه، وأضاف إليه بعض الموضوعات، لكنه حذف نسبة الأقوال إلى أصحابها مما دعاني للرجوع إلى المزهر لمعرفة مصادر الكلام المراد توثيقه.
ما نقله وما خالف فيه السيوطي
من بين القضايا التي نقلها محمد صديق حسن خان كلاماً للمناوي (1) في شرحه على القاموس، وهو بذلك يدمج في كتابه كما مرَّ سابقاً بين القديم والحديث وينقل من مؤلفات المحدثين ما يتصل بالموضوع حيث يقول:" من منافع فن اللغة: التوسع في المخاطبات، والتمكن من إنشاء الرسائل بالنظم والنثر، ومن عجائبه التصرف في تسمية الشيء الواحد بأسماء مختلفة؛ لاختلاف الأحوال كتسمية الصغير من بني آدم: ولداً وطفلاً، ومن الخيل: فلواً ومهراً، ومن الإبل: حواراً وفصيلاً، ومن البقر: عجلاً، ومن الغنم: سخلة وحملاً وعناقاً، ومن الغزال: خشفاً ورشاً، ومن الكلاب: جرواً، ومن السباع: شبلاً، ومن الحمير: حجشاً وتولباً وهنبراً،، وتقول نبح الكلب، وصرخ الديك، وهمهم الأسد وزأر، وهيثم الريح، وكَطَعنة بالرمح، وضربة بالسيف، ورماه بالسهم، ووكزه باليد وبالعصا "(2) فوضع محمد صديق حسن خان هذه العبارة في وصف اللغة وعدَّ اللغة " باباً واسعاً لا يحيط به إنسان ولا يستوفي التعبير به لسان، ولولا معرفة المترادفات لما اقتدر صاحب القاموس على ما أجاب به علماء الروم عن معنى. . . الخ "(3).
والحكاية في البُلغة تدل على سعة وتمكن صاحب القاموس حتى يستطيع ان يجيب عن اللغز بآخر مثله مستعملاً اللغة العربية بما أمدته من مرادفات.
وأما القضايا التي خالف فيها السيوطي: ففي موضوع الترادف، فقد أورد الألفاظ المترادفة والمتواردة فقال:" فالمترادفة: كما يسمى الخمر: عَقَاراً وَصهْباء، وقَهْوَة، والسبع: لَيْثاً، وأسداً وضِرْغاماً، والمتواردة: هي التي يقام لفظ مقام لفظ لمعان متقاربة يجمعها معنى واحد، كما يقال: أُصلح الفاسَد، ولمّ الشّعث، ورتَقَ الفتق، وشَعَبَ الصَّدع "(4) فالمترادف والمتوارد لديه نقيض ما أورده السيوطي، فالسيوطي عدَّ المتواردة: تسمى الخمر: عَقاراً وصهباء
…
الخ، والمترادفة: هي التي يقام لفظ مقام لفظ
…
الخ، وقال
(1) المناوي: محمد بن عبد الرؤوف المناوي أحد شراح القاموس ت سنة 1031هـ، كشف الظنون 2/ 1309.
(2)
ينظر: المخصص لأبن سيده: 2/ 46، 47،64، 72، 78، البُلغة إلى أصول اللغة:6.
(3)
ينظر: بغية الوعاة: 2/ 275، البُلغة إلى أصول اللغة:6.
(4)
البُلغة إلى أصول اللغة: 50.
السيوطي عنه تقسيم غريب وأورده على هذه الصيغة في موضعين: الأول في بيان الحكمة في وضع اللغة والآخر: في الترادف (1)، كذلك محمد صديق حسن خان، أوردها في الموضعين نفسيهما إلا أنه في الموضع الثاني: وهو الترادف خالف فيه السيوطي في تعريف المرادفة والمواردة كما أشِرنا آنفاً (2).
فردف في اللغة نجدها أكثر التصاقاً ووضوحاً بالمعنى المشار إليه، في كون المرادفة لفظ مقام لفظ.
فالرَّدْف: ما تَبعَ الشيء، وكل شيء تَبِع شيئاً فهو رِدْفَه وإذا تتابع شيء خلف شيء فهو الترادف، والترادف التتابع، في حين لم تكن " ورد " أوضح من كونها ورود الماء للساقية (3)، وقد يكون في ورد الماء شيء من التتابع، فنجد هذا التداخل والتقارب بين اللفظتين.
والمهم أن الترادف، وكثرة المفردات، وتنوع الدلالات، جعل اللغة العربية واسعة التعبير، وغنية في أصول كلماتها على معاني متشعبة، قديمة وحديثة، فقد اتيح للغة القرآن من الظروف والعوامل ما وسع طرائق وأساليب اشتقاقها وتنوع لهجاتها، فانطوت على محصول لغوي لا نظير له في لغات العالم (4).
وفي مخالفته للسيوطي في موضوع معرفة الأشباه والنظائر حينما ذكر ألفاظاً اختلفت فيها لغة الحجاز ولغة تميم قال: هيهات عند أهل الحجاز وعند تميم أَيْهات، مخالفاً السيوطي الذي أشار إلى أن تميماً تقول هيهات وأهل الحجاز أَيْهات (5).
وفي لسان العرب: إيه، وهيه على البدل، ومن العرب من يقول أَيْهات بمعنى هَيْهات، أو هي لغة فيها، ولم يذكر في لسان العرب مَنْ من العرب من يقول أَيْهات والآخر هَيْهات (6). إلا إن المعروف في لغة الحجاز تسهيل الهمز ولغة تميم تحقيق الهمز، والذي أشار إليه المؤلف هي لغة تحقيق الهمز فهي لتميم خلافاً للسيوطي.
(1) ينظر: المزهر: 1/ 37،406.
(2)
ينظر: البُلغة إلى أصول اللغة: 50.
(3)
ينظر: الأفعال: لابن القوطية: 102،303، ينظر: لسان العرب مادة (ردف): 1/ 1152، ومادة (ورد): 3/ 908.
(4)
ينظر: دراسات في فقه اللغة د. صبحي الصالح: 343.
(5)
ينظر: المزهر: 2/ 275 - 276، ينظر: البُلغة إلى أصول اللغة: 66.
(6)
ينظر: مادة (إيه): 1/ 148، ومادة (هيه): 3/ 859.