المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرابعة: في بيان واضع اللغة وهل هي توقيف ووحي، أو اصطلاح وتواطؤ - البلغة الى أصول اللغة

[صديق حسن خان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأولسيرة محمد صديق حسن خان

- ‌نبذة تاريخية:

- ‌علاقة الهند بالحضارة العربية الإسلامية:

- ‌ حياته

- ‌اسمه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌نسبه

- ‌مولده ونشأته:

- ‌شيوخه وتلاميذه:

- ‌أسرته:

- ‌والده:

- ‌أخوه الكبير:

- ‌زوجه: شاهجان بيكم

- ‌ أولاده

- ‌ ولد المؤلف الكبير:

- ‌ ولد المؤلف الصغير:

- ‌علمه:

- ‌مكانته وقدرته العلمية:

- ‌صفاته وأقوال العلماء فيه

- ‌مؤلفاته:

- ‌المبحث الثانيمنهجه في البُلغة إلى أصول اللغة

- ‌أولاً: منهجه العام

- ‌ثانياً: منهجه في الباب الأول:

- ‌خطبة البُلغة:

- ‌منهجه في المقدمة:

- ‌وصف عام للباب الأول:

- ‌ما أراده لكتابه:

- ‌ما نقله وما خالف فيه السيوطي

- ‌مناقشة آرائه

- ‌ثالثاً: منهجه في الباب الثاني

- ‌ مصادر حظيت بالإهتمام

- ‌مصادر لم يذكرها المؤلف

- ‌المصادر الجديدة

- ‌أهمية الكتاب

- ‌نسختا البُلغة إلى أصول اللغة

- ‌منهج التحقيق:

- ‌الخاتمة

- ‌البُلغة إلى أصول اللغة

- ‌(المقدمة)في وصف اللغة وحدها وتصريفها وبعض مبادئ هذا العلم وفيها مسائل

- ‌الأولى: في وصف اللغة

- ‌الثانية: في حد اللغة

- ‌الثالثة: في تصريف اللغة

- ‌الرابعة: في بيان واضع اللغة وهل هي توقيف ووحي، أو اصطلاح وتواطؤ

- ‌الخامسة: في مبدأ اللغة العربية

- ‌السادسة: في بيان الحكمة الداعية إلى وضع اللغة

- ‌الثامنة: في أن اللغة لم توضع كلها في وقت واحد

- ‌التاسعة: في الطريق الى معرفة اللغة

- ‌العاشرة: في أنّ اللغة هل تثبت بالقياس

- ‌الحادية عشرة: في سعة اللغة

- ‌الثانية عشرة: أول من صنف في جمع اللغة

- ‌الباب الأول: في أنواع اللغةوفيه مسائل

- ‌ الأولى: في معرفة ما روي من اللغة ولم يصح ولم يثبت

- ‌الثانية: في معرفة المتواتر (23/) والآحاد

- ‌الثالثة: في معرفة المرسل والمنقطع

- ‌الرابعة: في معرفة الأفراد ويقال له الآحاد

- ‌الخامسة: في معرفة من تقبل روايته ومن ترد

- ‌السادسة: في معرفة طرق الأخذ والتحمل

- ‌السابعة: معرفة المصنوع

- ‌الثامنة: معرفة الفصيح

- ‌التاسعة: في معرفة الفصيح من العرب

- ‌العاشرة: معرفة الضعيف والمنكر والمتروك من اللغات

- ‌الحادية عشرة: معرفة الرديء المذموم من اللغات

- ‌الثانية عشرة: معرفة المطرد والشاذ

- ‌الثالثة عشرة: معرفة الحوشي والغرائب والشواذ والنوادر

- ‌الرابعة عشرة: معرفة المستعمل والمهمل

- ‌الخامسة عشرة: معرفة المفاريد

- ‌السادسة عشرة: معرفة مختلف اللغة

- ‌السابعة عشرة: معرفة تداخل اللغات

- ‌الثامنة عشرة: معرفة توافق اللغات

- ‌التاسعة عشرة: معرفة المعرب

- ‌العشرون: معرفة الألفاظ الإسلامية

- ‌الحادية والعشرون: معرفة المولد

- ‌الثانية والعشرون: معرفة خصائص اللغة

- ‌الثالثة والعشرون: معرفة الاشتقاق

- ‌الرابعة والعشرون: معرفة الحقيقة والمجاز

- ‌الخامسة والعشرون: معرفة المشترك

- ‌السادسة والعشرون: معرفة الأضداد

- ‌السابعة والعشرون: معرفة المترادف

- ‌الثامنة والعشرون: معرفة الإتباع

- ‌التاسعة والعشرون: معرفة العام والخاص

- ‌الثلاثون: معرفة المطلق والمقيد

- ‌الحادية والثلاثون: معرفة المشجر

- ‌الثانية والثلاثون: معرفة الابدال

- ‌الثالثة والثلاثون: معرفة القلب

- ‌الرابعة والثلاثون: معرفة النحت

- ‌الخامسة والثلاثون: معرفة الأمثال

- ‌السابعة والثلاثون: معرفة ما ورد بوجهين بحيث يؤمن فيه التصحيف

- ‌الثامنة والثلاثون: معرفة ما ورد بوجهين بحيث إذا قرأه الألثغ لا يعاب

- ‌التاسعة والثلاثون: معرفة الملاحن والألغاز

- ‌الأربعون: في معرفة الأشباه والنظائر

- ‌الحادية والأربعون: في معرفة آداب اللغوي

- ‌الثانية والأربعون: في معرفة كتابة اللغة

- ‌الثالثة والأربعون: معرفة التصحيف والتحريف

- ‌الرابعة والأربعون: معرفة الطبقات والحفاظ والثقات والضعفاء

- ‌الخامسة والأربعون: معرفة الأسماء والكنى والألقاب والأنساب

- ‌السادسة والأربعون: معرفة المؤتلف والمختلف

- ‌السابعة والأربعون: معرفة المتفق والمفترق

- ‌الثامنة والأربعون: معرفة المواليد والوفيات

- ‌التاسعة والأربعون: معرفة الشعر والشعراء

- ‌الخمسون: في معرفة أغلاط العرب

- ‌باب الألف

- ‌بَاب البَاء الموَحّدة

- ‌باب التاء الفَوقية

- ‌بَاب الثاء المثلثة

- ‌بَاب الجيم

- ‌باب الحَاء المهملةِ

- ‌باب الخاء المعجَمَة

- ‌بَابُ الدال المهملة

- ‌بَابُ الذال المعجَمة

- ‌بَابُ الرَّاء المهملة

- ‌بَابُ الزَّاء المعجَمَة

- ‌بَابُ السّين المهملة

- ‌بَابُ الشين المعجَمَة

- ‌بَابُ الصاد المهمَلة

- ‌بَابُ الطاء المهمَلةِ

- ‌باب الظّاء المعجَمة

- ‌باب العين المهمَلة

- ‌بَابُ الغين المعجَمةِ

- ‌باب الفاء

- ‌باب القاف

- ‌بَابُ الكاف

- ‌بَابُ اللام

- ‌بَابُ الميم

- ‌بَاب النُّون

- ‌بَابُ الواو

- ‌(باب الهاء)

- ‌(باب الياء)

- ‌خاتمة الطبع لمديره الكليل الطبع

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌الرابعة: في بيان واضع اللغة وهل هي توقيف ووحي، أو اصطلاح وتواطؤ

وكذلك اللغو قال تعالى: {وإذا مَرّوا باللَّغو مَرُّوا كراماً} (1). أي بالباطل (2)، وقال إمام الحرمين (3) في البرهان: اللغة من لَغِي يَلْغَى إذا لهج بالكلام، وقيل من لَغَى يَلْغى

انتهى (4).

‌الرابعة: في بيان واضع اللغة وهل هي توقيف ووحي، أو اصطلاح وتواطؤ

؟

واختلف في ذلك على أقوال:

الأول: إنَّ الواضع هو الله سبحانه وتعالى واليه ذهب الأشعري (5) وأتباعه وابن فورك (6) قال ابن فارس: دليل ذلك قوله تعالى {وعَلَّمَ آدم الأَسْماء كَلَّها} (7)

انتهى، قال ابن عباس: وهي هذه الأسماء التي يتعارفها الناس؛ من دابّة، وأرض، وسهل، وجبل، وجمل، وحمار، وأشباه ذلك من الامم وغيرها، وقال مجاهد: علَّمه اسم كلِّ شيء، حتى القَصْعَة والقُصَيْعَة، والفَسْوَة والفُسَيْوَة، وعن سعيد بن جبير: حتى البعير، والبقرة، والشاة، واسم الإنسان، واسم الدابة، واسم كل شيء، وعن قتادة: علم آدم من أسماء خَلْقه، ما لم يُعَلَّم الملائكة، فسمَّى كل شيء باسْمه، وألجأ كُلَّ شيء إلى جنسه.

وعن عطاء: {قال ياآدمُ أَنْبِئهُم بأسمائِهِم} (8)، فقال [آدم] (9): هذه ناقة، جمل، بقرة، نعجة، شاة، فرس، وهو من خَلْق ربي، فكلُّ شيء سَمَّى آدم فهو اسمه الى يوم القيامة، وجعل يدعو كل شيء باسمه، وهو يمرُّ بين يديه، فعلِمت الملائكة أنه أكرمُ على الله وأعلم منهم.

قال السيوطي: وفي هذا فضيلة عظيمة ومَنْقَبَة شريفة لِعلْمِ اللغة (10).

(1) الفرقان / 72.

(2)

الخصائص: 1/ 33.

(3)

امام الحرمين: عبد الملك بن أبي عبد الله، أبو المعالي الجُويني، فقيه شافعي امام في الأصول له البرهان في أصول الفقه ت سنة 478هـ، وفيات الأعيان 3/ 167 - 170.

(4)

المزهر: 1/ 8.

(5)

الأشعري: أبو الحسن علي بن اسماعيل صاحب الأصول، والقائم بنُصْرة مذهب السنة واليه تنسب الطائفة الأشعرية، له ايضاح البرهان ت سنة 330هـ، وفيات الأعيان: 3/ 284.

(6)

ابن فورك: الأستاذ أبو بكر محمد بن الحسن المتكلم الأصولي الأديب النحوي الواعظ ت سنة 406هـ وفيات الأعيان: 3/ 272.

(7)

البقرة / 31.

(8)

البقرة / 33.

(9)

زيادة يقتضيها السياق من المزهر: 1/ 29.

(10)

ينظر: الصاحبي في فقه اللغة:31، 33، ينظر: البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي: 2/ 14، ينظر: المزهر: 1/ 16،28 - 30.

ص: 69

وعن عطية بن بشر قال: علَّمه في تلك الأسماء ألْفَ حِرْفةٍ (9/)، وقال ابن زيد علَّمه أسماء ذُرِّيِّته أجمعين، وقال الربيع بن أنس: علَّمه أسماء الملائكة، وقال حميد الشامي: علَّمه أسماء النجوم (1)، وقال القاضي ثناء الله الفاني: فتى علَّمه أسماءه الحسنى فقط.

قال ابن فارس: والذي نذهب إليه ما قاله ابن عباس

انتهى، فالأسماء كلها معلمة من عند الله بالنص، وقال: فلما عَرَضَهم، ولم يقل عَرضَهُنَّ أو عرضَها لأنه غلّبَ ما يعقل وهي سنة من سنن العرب، والدليل على صحته إجْماعُ العلماء على الاحتجاج بلُغَة القوم فيما يخْتلفون فيه، أو يَتَّفقون عليه، ثم احتِجاجُهم بأشعارهم؛ ولو كانت اللغة مُوَاضَعة واصْطلاحاً، لم يكن أولئك في الاحتجاج بهم بأَوْلَى منَّا في الاحتجاج بنا لو اصْطَلحنا على لغة اليَومْ ولا فَرْق، ولم يبلغنا أن قوماً من العرب في زمان يُقاربُ زماننا، أجْمعوا على تَسْميَة شيءٍ من الأشياء مُصْطلِحين عليه، فكنّا نستدل بذلك على اصطلاح قد كان قَبْلَهم، وقد كان في الصحابة – وهم البُلَغاء والفُصَحاء – من النظر في العلوم الشريفة ما لا خفاءَ به، وما عَلِمناهم اصطلحوا على إختراع لغة واحدة أو إحْدَاث لفظة لم تَتَقدَّمهْم، ومعلوم أنَّ حوادثَ العالم لا تَنْقَضي إلاّ بانْقِضائه ولا تزول إلاّ بزواله، وفي كل ذلك دليل على أنّ أصل اللغة. وحي وتوقيف لا تواضع واصطلاح (2).

وأن الله سبحانه ذَمَّ قوماً على تسميتهم بعض الأشياء من دون توقيف بقوله: {إنْ هي إلاّ أسماءٌ سَمَيْتُمُوها أنتُم وآباؤُكم ما أَنْزَلَ الله بها من سُلْطان} (3) فلو لَمْ تكن اللغة توقيفية لما صح هذا الذم، وأيضاً قال تعالى:{ومِنْ آياتِهِ خَلْقُ السّماوات والأرْض واخْتِلافُ ألسِنَتِكُم وألوانِكُم} (4) والمراد اختلاف اللغات لا اختلاف تأليفات الألسن، لعدم اختلافها؛ ولأن بدائعَ الصُّنْع في غيرها أكثر، فالمراد هي اللغات، دون الألْسنة اللُّحْمانية (5).

قال ابن جني: إنني تأمّلت حال هذه اللغة الشريفة، الكريمة اللطيفة، فوجدت فيها من الحكمة، والدِّقَّة، والإرهاف (6)، والرّقة، ما يملك علىَّ جانب الفكر، حتى يكاد يطمحُ به أمام غَلْوَة السِّحْر، فعرفت بتَتَابُعه وانقياده على (7) بُعْد مَراميه وآماده صحّة ما وُفِّقوا لتقديمه منه، ولُطْف ما أسعِدوا به، وفُرِق لهم عنه، وانضاف الى ذلك وارد الأخبار

(1) المزهر: 1/ 30.

(2)

الصاحبي في فقه اللغة: 32 - 34. المزهر: 1/ 8 - 10.

(3)

النجم / 23.

(4)

الروم / 22.

(5)

ينظر: الابهاج في شرح المنهاج للتاج السبكي: 1/ 198، ينظر: المزهر: 1/ 17،18.

(6)

في الأصل الارهاب والصواب ما أثبتناه من الخصائص: 1/ 47.

(7)

في المصدر نفسه وبعد مراميه: 1/ 47، 48.

ص: 70

المأثورة، بأنها من عند الله، فَقَويَ في نفسي اعتقادْ كونها من الله تعالى وأنها وحي

انتهى.

وقد قيل: إنه تعالى علَّم آدم أسماء جميع المخلوقات بجميع اللغات: العربية (10/) والفارسية، والسريانية، والعبرانية، والرومية، وغير ذلك؛ فكان آدمُ وولده يتكلمون بها ثم إنّ ولده تفرقوا في الدنيا، وعلق كل واحد منهم بلغة من تلك اللغات، فَغَلبتْ عليه واضمحلَّ عنه ما سواها، لبُعْد عهدهم بها، وإذا كان الخبرُ الصحيح قد ورد بها وجب تَلَّقيه باعتقاده، والإنطواء على القول به (1)، وإذا ثبت التوقيف في الأسماء ثبت أيضاً في الأفعال والحروف إذ لا قائل بالفرق، وأيضاً الاسم إنما سميّ اسماً لكونه علامة على مسماه، والأفعال والحروف كذلك [فهي أسماء](2) وتخصيص الإسم ببعض أنواع الكلام اصطلاح للنحاة ولأن التكلم بالأسماء وحدها متعذر (3).

القول الثاني: إن الواضع هو البشر وإليه ذهب أبو هاشم (4) ومن تابعه من المعتزلة وعلى ذلك ايضاً اختلفت أقلام ذوي اللغات كما اختلفت ألسن الأصوات المرتبة على مذاهبهم في المواضعات، والدليل على ذلك قوله سبحانه:{وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسولِ إلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ} (5) أي بلغتهم، وهذا يقتضي تقدم اللغة على بعثة الرسل فلو كانت اللغة توقيفية لم يتصور ذلك إلاّ بالإرسال فيلزم الدور، وفيه إنَّ ذلك إنما يوجب سبق الإرسال على التوقيف، لا سبق الإرسال على اللغات، حتى يلزم الدور، وأيضاً إنَّ آدم عُلَّمها لا قوم رسول فلا دور (6)، وقال بعضهم إنَّ أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعات كدَوِيّ الريح، وحنين الرعد، وخرير الماء، وشحيج (7) الحمار، ونعيق الغراب، وصهيل الفرس، ونزيب الظبي ونحو ذلك، ثم وُلِّدت اللغات عن ذلك فيما بعد.

القول الثالث: إنَّ إبتداء اللغة وقع بالتعليم من الله سبحانه والباقي بالاصطلاح.

(1) ينظر: الخصائص: 1/ 41،47، ينظر: المزهر: 1/ 11، 15.

(2)

الزيادة من الابهاج في شرح المنهاج: 1/ 198.

(3)

الابهاج في شرح المنهاج: 1/ 198، المزهر / 1/ 11.

(4)

ابو هاشم: عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي المتكلم المعتزلي، المشهور ت سنة 321هـ وفيات الأعيان: 3/ 183،184.

(5)

إبراهيم / 4.

(6)

ينظر: البحر المحيط: 2/ 14، ينظر: المزهر: 1/ 16، 18،19.

(7)

في الأصل شجيج والصواب ما أثبتناه عن ق والخصائص: 1/ 45،46، والمزهر: 1/ 15.

ص: 71

القول الرابع: إنَّ إبتداء اللغة وقع بالاصطلاح والتتمة من الله وبه قال الأستاذ الإسفرائيني (1)، و قيل إنه قال بالذي قبله.

القول الخامس: إن نفس الألفاظ دلتّ على معانيها بذاتها، وهو مذهب عباد بن سليمان الصيمري، واحتجَّ بأنه لولا الدّلالة الذاتية لكان وضعُ لفظ من بين الألفاظ بآزاء معنىً من بين المعاني ترجيحاً بلا مُرَجِّح، وهو محال.

وجوابه: إنّ الواضع إن كان هو الله فتخصيصه الألفاظ بالمعاني كتخصيص العالم بالإيجاد في وقت من بين سائر الأوقات، وإن كان هو الناس فلعلَّة لتعيّن الخطران بالبال؛ ودليلُ فساده إن اللفظ (11/

) لو دلَّ بالذات لَفهِم كل واحد كلَّ اللغات، لعدم إختلاف الدلالات الذاتية واللازم باطل فالملزوم كذلك (2).

القول السادس: انه يجوز كل واحد من هذه الأقوال من غير جزم بأحدها، وبه قال الجمهور، كما حكى الرازي في المحصول (3)، وتبعه تاج الدين الأرموي في الحاصل (4)، وسراج الدين الأرموي في التحصيل (5)، وإليه ذهب المحققون من أهل الأصول واللغات وعلم الألسن، واحتجوا بان هذه الأدلة التي استدل بها القائلون لا يفيد شيء منها القطع بل لم ينهض شيء منها لمطلق الأدلة، فوجب عند ذلك الوقف لأن ما عداه هو من التقول على الله بما لم يقل، وإنه باطل، قال الشوكاني: وهذا هو الحق.

قال السيوطي: ودليل إمكان التوقف احتمال خَلْق الله تعالى الألفاظ وَوَضْعها بأزاء المعاني، ودليل إمكان الاصطلاح أن يتولّى واحد أو جمعٌ وضعَ الألفاظ لمعان، ثم يُفْهموها لغيرهم بالإشارة، كحال الوالدات مع أطفالهن، وهذان الدليلان هما دليلا إمكان التوزيع

انتهى.

(1) الأستاذ أبو اسحاق الإسفرائيني، اسحاق بن موسى بن عمران، الفقيه الشافعي المحدّث، ت سنة 284هـ، تهذيب تاريخ دمشق، عبد القادر بدران: 2/ 457.

(2)

ينظر الإبهاج في شرح المنهاج: 1/ 196،197، ينظر: البحر المحيط: 2/ 15، ينظر المزهر: 1/ 16،17.

(3)

الرازي: محمد بن عمر بن الحسين فخر الدين، الفقيه الشافعي، له المحصول في أصول الفقه ت سنة 606هـ، وفيات الأعيان: 4/ 248 - 252.

(4)

تاج الدين الأرموي: محمد بن الحسين، تلميذ فخر الدين الرازي، فقيه أصولي له حاصل المحصول في أصول الفقه ت سنة 656هـ، سير أعلام النبلاء للذهبي:25/ 334 معجم المؤلفين: 12/ 244.

(5)

سراج الدين الأرموي: محمود بن أبي بكر بن حامد، فقيه، شافعي، أصولي، له مختصر المحصول لفخر الدين الرازي في أصول الفقه سماه التحصيل، معجم المؤلفين: 12/ 155.

ص: 72

والجواب عن القول الأول: إن المراد من تعليم الأسماء الإلهام إلى وضعها وأيضاً لا حجّة فيه من جهة القطع؛ فإنه عموم؛ والعموم ظاهر في الاستغراق، وليس بنص وذمهم لأنهم سموا الأصنام آلهة واعتقدوها كذلك (1).

قال القاضي (2): وأما الجواز فثابت من جهة القطع وأما كيفية الوقوع فأنا متوقف، فإن دلَّ دليل من السَّمْع على ذلك ثبت به.

وقال الغزالي: قوله {وعَلَمَ آدم الأَسْماء كَلَّها} (3) ظاهر في كونه توقيفاً، وليس بقاطع، ويُحْتَمل كونُها مصطلحاً عليها من خَلْق الله تعالى قبل آدم

انتهى (4).

وقال ابن الحاجب: الظاهر من هذه الأقوال قول الأشعري، قال التاج السبكي (5) معناه: القول بالوقْف عن القَطْع بواحد من هذه الاحتمالات وترجيح مذهب الأشعري بغلبة الظن ثم قال: والانصاف أن الأدلة ظاهرة فيما قاله الأشعري فالمتوقف إن توقف لعدم القطع فهو مصيب، وان ادعى عدم الظهور فغير مصيب، هذا هو الحق الذي فاه به جماعة من المتأخرين، ومنهم ابن دقيق العيد (6) في شرح العنوان.

وقال في رفع الحاجب: اعلم أنَّ للمسألة مقامين أحدهما الجواز فمن قائل لا يجوز أن تكون اللغة إلاّ توقيفاً، ومن قائل لا يجوز أن تكون إلاّ اصطلاحاً، والثاني إنه ما الذي وقع على تقدير جواز كل من الأمرين (7) (12/

).

والقول بتجويز كل من الأمرين هو رأي المحققين، ولم أرَ من صَرحّ عن الأشعري بخلافه والذي أراه إنه إنما تكلَّم في الوقوع، وإنه يجوّز صدور اللغة اصطلاحاً، ولو منع الجواز لنَقَله عنه القاضي، وامام الحرمين، وابن القُشَيري، والاشعري (8) في مسألة مبدأ

(1) ينظر الإبهاج في شرح المنهاج: 1/ 196 - 200، ينظر: المزهر: 1/ 16 - 21.

(2)

القاضي: أبو بكر محمد بن الطيب المعروف بالباقلاني متكلم على مذهب الأشعري، صنف في علم الكلام ت سنة 403هـ، وفيات الأعيان: 3/ 269 - 270.

(3)

البقرة / 31.

(4)

ينظر: المنخول من تعليقات الأصول للإمام الغزالي: 71، ينظر: المزهر: 1/ 21 - 23.

(5)

التاج السبكي: الشيخ تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي، له رفع الحاجب عن شرح مختصر ابن الحاجب ت سنة 771 هـ، كشف الظنون: 2/ 1855.

(6)

ابن دقيق العيد: تقي الدين محمد بن علي الشافعي له شرح عنوان الوصول في الأصول ت سنة 702هـ. كشف الظنون: 2/ 1176.

(7)

ينظر: الإبهاج في شرح المنهاج: 1/ 197،200، ينظر المزهر: 1/ 23،24.

(8)

في الأصل ابن القشيري الاشعري والصواب ما أثبتناه بتصحيح عن المزهر: 1/ 24، وابن القشيري: هو ابن نصر القشيري عبد الرحيم بن عبد الكريم، فقيه، محدث، عالم بالأصول واعظ، وكان متعصباً للأشاعرة ت سنة 514هـ، وفيات الأعيان: 3/ 208، البداية والنهاية لابن كثير: 12/ 87.

ص: 73

اللغات البتّة، وذكر امام الحرمين الإختلاف في الجواز، ثم قال: إن الوقوع لم يَثْبُتْ وتَبِعه القُشَيري وغيره (1).

قال في رفع الحاجب: عندي انه لا فائدة لهذه المسألة، وهو ما صحَّحه ابن الأنباري (2) وغيره، ولذلك قيل ذكرها في الأصول فضول، وقيل: فائدتها النظر في جواز قَلْب اللغة فحُكي عن بعض القائلين بالتَّوقيف منع القَلْب مطلقاً فلا يجوز تسمية الثَّوْب فرساً والفرس ثوباً، وعن القائلين بالاصطلاح تجويزه.

وأما المتوقِّفون قال المازري (3): فاختلُّفوا، فذهب بعضهم الى التجويز كمذهب قائل الاصطلاح، وأشار الصّابوني الى المَنْع، وجوز كون التوقيف وارداً على انه ما وجب أن يقع النطق الا بهذه الألفاظ، قال ابن السبكي: واليه يشير كلام المازري أنه لا تعلق لهذا بالأصل السابق فان التوقيف لو تمَّ ليس فيه حجر علينا حتى لا ينطق بسواه، فإن فرض حجر فهو أمر خارجي، والفرع حكمه حكم الأشياء قبل ورود الشرائع فأنا لا نعلم في الشرع ما يدل عليه ما ذكره الصابوني من الإحتمال مدفوع.

قال المازري: وقد علم أن الفقهاء المحققين لا يحرمون الشيء بمجرد احتمال ورود الشرع بتحريمه، وانما يحرِّمونه عند انْتهاض دليل تحريمه، قال: وإن اسْتُند في التحريم الى الاحتياط فهو نظر في المسألة من جهة أخرى؛ وهذا كلّه فيما يؤدي قلبه الى فساد النظام، وتغييره الى اختلاط الأحكام؛ فإن أدَّى الى ذلك قال المازري: فلا تختلف في تحريم قلبه، لا لأجل نفسه، بل لأجل ما يُؤدِّى اليه (4).

وقال في شرح المنهاج: إنّ بناء المسألة على هذا الأصل غير صحيح؛ فإن هذا الأصل في أن هذه اللغات الواقعة بين أظْهُرنا، هل هي بالاصطلاح أو التوقيف؟ لا في شخص خاصٍ اصطلح مع صاحبه على اطلاق لفظ الثوب على الفرس مثلاً (5).

(1) ينظر: البحر المحيط: 2/ 17، والمزهر: 1/ 24.

(2)

ابن الأنباري: أبو البركات عبد الرحمن بن محمد النحوي، له الفصول في معرفة الأصول: في النحو ذكر فيه أوضاع الأصول المتشابهة لأصول الفقه ت سنة 577هـ، كشف الظنون: 2/ 1271.

(3)

المازري: محمد بن علي بن عمر أبو عبد الله المازري الفقيه المالكي، المحدث، له ايضاح المحصول في برهان الأصول ت سنة 536هـ، وفيات الأعيان: 4/ 285.

(4)

المزهر: 1/ 26،27.

(5)

الابهاج في شرح المنهاج: 1/ 202.

ص: 74