الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غيره من العلماء فلا بأس بالرد عليه ومناظرته ليظهر الصواب، وإذا كان المسؤول عنه من الدقائق التي مات أكثر أهلها، فلا بأس أن يسكت عن الجواب اعزازاً للعلم واظهاراً للفضيلة، ولا بأس بالسكوت إذا رأى من الحاضرين ما لا يليق بالأدب، وليثبت كل التثبت في تفسير غريب وقع في القرآن أو في الحديث (1).
وكان الأصمعي لا يفسِّر شعراً يوافقُ تفسيرهُ شيئاً من القرآن، وكان لا ينشد ما كان فيه ذكر الأنواء لقوله (صللم):" إذا ذُكِرُتْ النُّجُوم فَأمْسِكوا "(2) وكان لا يُفَسِّرُ ولا يُنْشِدُ شعراً يكون فيه هجاء (3).
ثم ذكر من عجز لسانه عن الابانة عن تفسير اللفظ، فعدل الى الإشارة والتمثيل، واذا كان له مخالف فلا بأس بالتنبيه على خلافه.
ثم ذكر التثبيت إذا شك في اللفظة: هل هي من قول الشيخ أو رواها عن شيخه وذكر التَّحَرَّي في الرواية، والفرق بين مثله ونحوه، وذكر كيفية العمل عند اختلاف الرواة، والتلفيق بين الروايتين، وذكر من روى الشعر فحرَّفه على غير ما روته الرواة، وذكر طرح الشيخ المسألة على أصحابه ليفيدهم، ولا بأس بامتحان من قدم؛ ليُعْرف محله في العلم ويُنزَل منزلته؛ لا لقصد تعجيزه وتبكيته فإنه حرام، ثم ذكر من سمع من شيخه شيئاً فراجعه فيه أو راجع غيره ليتثبت أمره (4).
الثانية والأربعون: في معرفة كتابة اللغة
يُرْوى أنَّ أول من كتب الكتاب العربيّ، والسُّرياني والكتب كلَّها آدم عليه السلام قبل موته بثلاثمائة سنة، كتبها في طينٍ وطَبَخَه، فلما أصاب الأرض الغرقُ وجد كل قوم كتاباً فكتبوه، فأصاب إسماعيل - الكتاب العربي، وقيل اسماعيل أول من وضع الكتاب العربي على لَفْظِه ومَنْطِقِه، وكان موصولا حتى فرق بينه ولده، يعني إنه وصل فيه جميع الكلمات ليس بين الحروف فرق، ثم فرقه هميسع وقيذر، وقيل مُرَامر (5) بن مرة، وأسلم ابن سدرة (6)، وهما من أهل الأنبار، وقيل حرب بن أمية وتعلم من أهل الحيرة (7).
(1) ينظر: المزهر: 2/ 315 - 325.
(2)
اتحاف السادة المتقين بشرح أسرار احياء علوم الدين، محمد مرتضى الزبيدي: 9/ 402.
(3)
ينظر: الكامل في اللغة: 3/ 36، المزهر: 2/ 325،328.
(4)
ينظر: المزهر: 2/ 329 - 338.
(5)
في الأصل مرار والصواب ما أثبتناه عن الأوائل للعسكري:57.
(6)
في المصدر نفسه: 57 سلاه.
(7)
الأوائل: 57، الصاحبي في فقه اللغة: 34، المزهر: 2/ 341،342، ينظر: الوسائل الى معرفة الأوائل للسيوطي: 140.
قال ابن فارس: الروايات في هذا الباب تكثر وتختلف، والذي نقوله فيه: إنَّ الخطَّ توقيفٌ (68/
…
) وذلك لظاهر قوله تعالى: {الذي عَلَّم بالقلم عَلَّمَ الإنسانَ ما لَم يَعْلَم} (1)، وقوله:{ن والقَلَم وَمَا يَسْطُرون} (2) وإذا كان كذا فليس بِبَعَيد أنْ يُوَقّف آدم أو غيره من الأنبياء على الكتاب، فأما أن يكون مُخْتَرعٌ اخترعه من تِلقْاء نفسه فشيء لا يُعْلمُ صِحَّته إلا مِنْ خبر صَحِيح.
ويؤيده ما قال ابن عباس: أول كتاب أنزله الله من السماء أبو جاد، وعن أبي ذر مرفوعاً: أول من خط بالقلم إدريس أخرجه أحمد في مُسنده (3).
وأسماء هذه الحروف داخلةٌ في الأسْماء التي أعلم الله تعالى أنه علمَّها آدم عليه السلام وقد قال: {عَلَّمَهُ البَيَان} (4) فهَلْ يكون أوّل البيان إلاّ علم الحروف التي يقع بها البيان؟ ولِمَ لا يكون الذّي عَلَّم آدم الأسماءَ كلَّها هو الذي علمَّه الألف، والباء، والجيم والدال؟ فأما من حُكِي عنه من الأعراب الذين لَمْ يَعْرِفوا الهمز، والجّر، والكاف، والدّال، فإنا لم نَزْعم أن العرب كلَّها - مَدَارا وَوَبَراً - قد عرفوا الكتابة كلَّهَّا، والحروف أجْمعها، وما العرب في قديم الزَّمان إلاّ كنحن اليوم.
فما كلُّ أحد يّعْرف الكتابة، والخطَّ، والقراءة، وقد كان في الزَّمن الأطول مَنْ كان يعرف الكتابة ويخطّ ويقرأ وكان في أصحاب رسول الله (صللم) كاتبون منهم: عثمان، وعلي، وزيد، وغيرهم وقد عرضت المصاحف على عثمان؛ فأرسل بكتِف شاة الى أبَيّ بن كَعْب فيها حروف فأصلحها.
والذي نقوله في الحروف، هو قوْلُنا في الإعراب والعَروض، فإن القوم قد تداولوا الإعراب، ومن قالوا إن أبا الأسود أوّلُ من وضع العربيّة، وأن الخليل أوّل من تكلّم في العروض، فنحن لا نُنْكِر ذلك، بل نقول إنَّ هذين العِلْمين قد كانا قديماً وأتَتْ عليهما الأيّام وقلَاّ في أيدي النّاس، ثُمّ جَدَّدهما هذان الإمامان ومن الدليل على عِرْفان القدماء من الصحابة وغيرهم بالعربية كتابتهُم المصحف على الذي يُعَلّله النّحْويّون في ذوات الواو، والياء، والهَمْز، والمدّ، والقَصْر، فكتبوها على أحوالها (5).
(1) العلق / 4،5.
(2)
القلم / 1.
(3)
المعارف لابن قتيبة: 240، لم أجده في المسند لأحمد بن حنبل.
(4)
الرحمن / 4.
(5)
الصاحبي في فقه اللغة:34 - 38، المزهر: 2/ 343،346.
قال ابن عباس: في قوله تعالى: {أَثارَةٍ من عِلْمٍ} (1) الخط الحسن، وفي قوله:{إِنِّي حَفيظٌ عَليمٌ} (2) أي كاتب حاسب، وقال بعض المفسرين: في قوله: {يَزيدُ في الخَلْقِِ مَا يَشَاء} (3) أي الخط الحسن، وقيل الخط لليد لسان، وللخَلَد ترجمان فرداءَته زَمَانة الأدب، وجودته تبلغ بصاحبه شرائف الرتب، وفيه المرافق العظام التي مَنَّ الله بها على عباده، فقال جل ثناؤه:{وَرَبُّك الأَكْرَمُ الَّذي عَلَّمَ بالقَلَم} (4).
وقال الضحاك (69/) في قوله تعالى: {عَلَّمَهُ البَيَان} (5) الخط وهو لمحة الضمير ووحي الفكر، وسفير العقل، ومستودع السر، وقيد العلوم والحكم، وعنوان المعارف وترجمان الهمم، ومن أهل الجاهلية نفر ذوو عدد كانوا يكتبون، والعرب إذ ذاك من عزّ بزّ؛ منهم أُكَيْدر (6) بن عبد الملك صاحب دُوْمَة الجَنْدَل، وسفيان بن أمية، وأبو قيس ابن عبد مناف، وعمرو بن عمرو بن عدس (7)، وممن اشتهر في الاسلام بالكتابة من عِلْية الصحابة عمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، وأبو عبيدة، وأُبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، ويزيد بن أبي سفيان، وأقسم بالقلم في الكتاب الكريم، وأحسن عدّي حيث شبه به قرن الرّيم (8).
تُزْجي أغَنَّ كأنَّ إبْرَةَ رَوْقِهِ
…
قَلَمٌ أصاب من الدَّوَاة مِدَادَها (9)
وهو أمضى بيد الكاتب من السيف بيد الكمّي، وقد أصاب ابن الرومي في قوله شاكلة الرمي:
كذا قضى الله للأقلام إِذْ بُرِيَتْ
…
إنَّ السيوف لها مذ أُرهِفَت خَدَمُ (10)
(1) الاحقاف / 4.
(2)
يوسف / 55.
(3)
فاطر / 1
(4)
العلق / 3،4.
(5)
الرحمن / 4.
(6)
في الأصل بشر والصواب ما أثبتناه عن معجم البلدان والخطأ ورد في المزهر أيضاً، وأُكيدر بن عبد الملك الكندي ملك دُوَمه الجندل وهي من أعمال المدينة، بعث الرسول (صللم) إليه خالد بن الوليد فأخذه أسيراً وقتل أخاه، فأسلم أكيدر وصالح النبي إلا أنه منع الصدقة بعد وفاة الرسول، معجم البلدان: 2/ 487،488.
(7)
يكنى أبا شريح شاعر جاهليّ قديم وكان أبرص، معجم الشعراء للمرزباني:210.
(8)
المزهر: 2/ 351.
(9)
ديوان عدي بن الرقاع العاملي: 85، تزجي: تدفع، الروق: القرن.
(10)
ديوانه: 2/ 115.