الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال قائل لخلف (1): إذا سمعتُ أنا بالشعر واستحسنته فلا أبالي ما قلته أنت فيه وأصحابك، وأمثلة المصنوع كثيرة جداً لا تكاد تنحصر (2).
الثامنة: معرفة الفصيح
الفَصحُ: خُلُوصُ الشيء مما يَشُوبهُ، وأصله في اللَّبن، يقال: (28/
…
) فَصُحَ اللَّبنُ وأفْصَحَ فهو فصيح ومُفْصِح، إذا تعرَّى من الرَّغْوة، ومنه استُعيرَ فَصُحَ الرَّجُلُ جادَتْ لُغَتُه، وأفْصَح تكلَّم بالعربية، وقيل بالعكْس والأول أصح (3).
والمفهوم من كلام ثعلب: إنّ مدار الفصاحة في الكلمة على كَثْرَة استعمال العرب لها؛ ومثله قال القزويني في الإيضاح: ولا شك أن ذلك هو مدار الفصاحة، ورأي المتأخرون من أرباب علوم البلاغة إنّ كل أحدٍ لا يمكنُه الاطلاع على ذلك؛ لتَقادُم العهد بزمان العرب؛ فحرَّروا لذلك ضابطاً يُعْرَف به ما أكثرت العربُ من استعماله من غيره فقالوا: الفصاحة في المفرد: خلوصه من تَنَافُر الحروف، ومن الغَرابة ومن مخالفة القياس اللغوي.
فالتنافر: منه ما تكون الكلمة بسببه مُتناهية في الثِّقل على اللسان، وعُسر النُّطْق بها.
والغرابة: أن تكون الكلمة وحْشّية لا يظهر معناها؛ فيحتاج في معرفتّها الى أن يُنَقْر عنها في كتب اللغة المبسوطة.
ومخالفة القياس: كالأجلل موضع الأجَلّ، وزاد بعضهم في شروط الفصاحة: خلوصه من الكراهة في السَّمْع، بأن يمجَّ الكلمة وينبو عن سماعها؛ كما ينبو من سماع الأصوات المُنكِرَة، فإن اللَّفظ من قبيل الأصوات، والأصوات منها ما تستلذّ النفس بسماعه، ومنها ما تكره سماعه.
وبالجملة المراد بالفصيح ما كثر استعماله في ألسنة العرب، والغرابة: قلة الإستعمال، وإذا كانت مخالفة القياس لدليل فلا يخرج عن كونه فصيحاً، كما في (سرر) فإن القياس (الأسره) والتحقيق أن المخل هو قلة الاستعمال وحدها فرجعت الغرابة ومخالفة القياس الى اعتبار قلة الاستعمال والتنافر، كذلك وكل ضرورة ارتكبها شاعر فقد أخرجت الكلمة عن
(1) خلف: خلف الأحمر مولى أبي بردة أعلم الناس بالشعر، طبقات النحويين واللغويين:161.
(2)
طبقات فحول الشعراء: 1/ 4 - 7، المزهر: 1/ 171 - 173.
(3)
المفردات في غريب القرآن للأصفهاني: 338، المزهر: 1/ 184،185.
الفصاحة، وأشد ما تستوحشه تنوين (أفعل) قال الخفاجي: صرف غير المنصرف وعكسه في الضرورة مخلُّ بالفصاحة (1).
قال بهاء الدين (2): ولا تكون الكلمة مُبتذلة، إما لتغيير العامَّة لها إلى غير أصل الوضح كالصُّرْم للقَطْع، جعلته العامة للمحلِّ المخصوص، وإما لسخافتّها في أًصل الوضع والابتذال في الألفاظ، وما تدل عليه ليس وصفاً ذاتياً، ولا عَرَضا لازماً، بل لاحقاً من اللَّواحق المتعلِّقة بالاستعمال في زمان دون زمان، وصُقْع دون صقع (3).
والحروف إذا تقاربت مخارجها كانت أثقل على اللِّسان منها إذا تباعدت، ولا يكاد يجئ في الكلام ثلاثة أحرف من جنس واحد في كلمة (29/
…
) واحدة لصعوبة ذلك على ألسنتهم؛ وأصعبها حروف الحَلْق، وأحسن الأبنية أن يبنوا بامْتزاج الحروف المتباعدة؛ ألا ترى أنك لا تجدُ بناء رباعياً مُصْمَتَ الحروف لا مزاج له من حروف الذّلاقة، إلاّ بناءً يجيئك بالسين، وهو قليل جداً مثل عَسْجَد، وإن أكثر الحروف استعمالاً عند العرب الواو، والياء، والهمزة وأقلّ ما يستعملونه على ألسنتهم لثقلها الظاء ثم الذال ثم الثاء ثم الشين ثم القاف ثم الخاء ثم العين [ثم الغين](4) ثم النون ثم اللام ثم الراء ثم الباء ثم الميم، فأخفَّ هذه الحروف كلِّها ما استعملته العرب في أصول أبنيتهم من الزوائد لإخْتلاف المعنى (5).
وفي عروس الأفراح: رُتَبُ الفصاحة مُتَفَاوتة؛ فإن الكلمة تخفُّ وتَثْقُل بحَسَب الإنتقال من حرف الى حرف لا يُلَائمه قُرْباً أو بُعْداً، فإن كانت الكلمة ثلاثية فتراكيبها اثنا عشر فذكرها، ثم قال: وأحسن التراكيب وأكثرها استعمالاً ما انحدر فيه من الأعلى الى الأوسط الى الأدنى، ثم ما انتقل فيه من الأوسط الى الأدنى الى الأعلى، ثم من الأعلى الى الأدنى [الى الأوسط](6). وأقلُّ الجميع استعمالاً ما انتقل فيه من الأدنى الى الأعلى الى الأوسط، وهذا إذا لم ترجع الى ما انتقلتَ عنه، فإن رجعت فإن كان الإنتقالُ من الحرف
…
[الأول](7) الى الحرف الثاني في انحدار من غير طَفْرةٍ - والطّفْرة الإنتقال من الأعلى الى
(1) ينظر: الايضاح في علوم البلاغة للقزويني: 7 - 9، ينظر: المزهر: 1/ 185 - 189.
(2)
بهاء الدين: العلامة أبو حامد أحمد بن علي بن عبد الكافي في تمام السُّبكي، محدث له اليد الطُّولى في اللسان العربي والمعاني والبيان له عَرُوس الأفراح في تلخيص المفتاح ت سنة 773هـ، بغية الوعاة: 1/ 342،343.
(3)
المزهر: 1/ 189 - 191.
(4)
زيادة يقاضيها السياق من جمهرة اللغة: 1/ 46.
(5)
جمهرة اللغة: 1/ 46،49،50، المزهر: 1/ 197.
(6)
زيادة يقتضيها السياق من المزهر: 1/ 197.
(7)
زيادة يقتضيها السياق من المصدر نفسه: 1/ 197.