الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخامسة: في مبدأ اللغة العربية
حكى الاستاذ أبو منصور (1) قولاً: إن التوقيف وقعَ في الابتداء على لُغَة واحدة، وما سواها من اللغات وقعَ التوقيف عليها، بعد الطوفان من الله تعالى في أولاد نوح حين تفرقوا في أقطار الأرض قال: وقد روى (13/
…
) عن ابن عباس: أنَّ أول من تكلم بالعربية المحضة اسماعيل، وأراد به عربية قريش التي نزل بها القرآن، وأما عربية قَحْطان وحِمْير فكانت قبل اسماعيل عليه السلام.
وقال في شرح الأسماء: قال الجمهور الأعظم من الصحابة والتابعين من المفسرين: إنها كلها توقيفٌ من الله تعالى، وقال أهل التحقيق من أصحابنا: لابدّ من التوقيف في أصل اللغة الواحدة، لاسْتِحالة وقوع الاصطلاح على أوَّل اللغات من غير معرفة من المصطلحين بعين (2) ما اصطلحوا عليه، وإذا حصل التوقيف على لغة واحدة جاز أن يكون ما بعدها من اللغات اصطلاحاً، وان يكون توقيفاً، ولا يّقْطع بأحدهما إلا بدلالةٍ، قال: واختلفوا في لغة العرب؛ فمن زعم: أنّ اللغات كلّها اصطلاح، فكذا قوله في لغة العرب، ومن قال بالتّوقيف على اللغة الأولى، وأجاز الاصطلاح فيما سواها من اللغات، اختلفوا في لغة العرب، فمنهم من قال: هي أول اللغات، وكلُ لغةٍ سواها حدثَتْ بعدها؛ إما توقيفاً أو اصطلاحاً؛ واستدلوا بأن القرآن كلامُ الله، وهو عربيّ، وهو دليل على أن لغة العرب أسبق اللغات وجوداً.
ومنهم من قال: لغة العرب نوعان: أحدهما عربية حِمْير، وهي التي تكلموا بها من عَهْد هود ومَنْ قبله، وبقى بعضها إلى وقتنا.
والثانية: العربية المحْضَة التي نزل بها القرآن، وأولُ من أطلق لسانه بها إسماعيل فعلى هذا القول يكون توقيف إسماعيل على العربية المحْضَة يَحْتَمل أمرين: إما ان يكون اصطلاحاً بينه وبين جُرْهم النازلين عليه بمكة، وأما ان يكون توقيفاًٍ من الله تعالى، وهو الصواب
…
انتهى (3).
قلت ولا دليل في كون القرآن (كلام الله) على أن لغة العرب أول اللغات وأسبقها لأن صحف إبراهيم، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، نزلت قبل القرآن، وكلها كلام الله، فما أبرد هذا الدليل، نعم فيه دلالة على أنّ لغة العرب أفضل اللغات وأحسنها، لأن سيد
(1) الأستاذ: أبو منصور محمد بن الحسين بن أبي أيوب الأستاذ حجة الدين أبو منصور المتكلم تلميذ ابن فورك وختنه له مصنفات مشهورة منها تلخيص الدلائل ت سنة 420هـ الوافي بالوفيات للصفدي: 3/ 10.
(2)
يعني في البحر المحيط: 2/ 16.
(3)
البحر المحيط:2/ 16، المزهر: 1/ 27،28، النص نقله السيوطي بالحرف من البحر المحيط.
المرسلين نطق بها ونزل القرآن بلسانه، وسينطقون (1) أهل الجنة بهذه اللغة الشريفة كما ورد به الخبر المأثور، نعم روي عن ابن عباس: إن آدم كانت لغته في الجّنة العربية، فلما عَصَى سَلبه الله العربية فتكلّم بالسريانية، فلما تاب ردَّ الله عليه العربية (2).
قال عبد الملك بن حبيب (3): كان اللسان الأول الذي نزل به آدم من الجنة عربياً، إلى أن بَعُد العهد وطال، فَحُرِف وصار سُريْانياً، وهو منسوب (14/
…
) الى أرض سورنه (4)، وهي أرض الجزيرة، بها كان نوح عليه السلام وقومه قبل الغرق، قال: وكان يُشاكِل اللسان العربي، إلا أنه مُحرّف، وهو كان لسان جميع مَنْ في السفينة إلاّ رجلاً واحداً يقال له جُرهم، فكان لسانه العربي الأول فلما خرجوا من السفينة تزوّج أرمَ بن سام، بعض بناته، فمنهم صار اللسان العربي في ولده عَوْص أبي عاد وعَبيل، وجائر أبي ثمود وجديس، وسُمِّيَت عاد باسم جرهم، لأنه كان جدّهم من الأم، وبقي اللسان السرياني في ولد ارْفَخَشْد ابن سام، الى أن وصل الى يشجب بن قحطان من ذريته، وكان باليمن فنزل هناك بنو اسماعيل؛ فتعلّم منهم بنو قحطان اللسان العربي (5).
وقال ابن دِحْية (6): العرب أقسام الأول: عاربة وعرباؤهم الخلص، وهم تسع قبائل من ولد ارم بن سام بن نوح، وهي: عاد، وثمود، وأمَيم، وعبيل، وطَسْم، وجَديس، وعِمْلِيق، وجُرهم، ووبار، ومنهم تعلّم إسماعيل عليه السلام العربية.
الثاني: المتعربة: قال في الصحاح وهم الذين ليسوا بخُلَّص وهم بنو قحطان.
الثالث: المستعربة: وهم الذين ليسوا بخلص أيضاً، كما في الصحاح قال ابن دِحية: وهم بنو اسماعيل، وهم ولد مِعدّ بن عدنان بن أدد.
(1) وهذا على لغة أكلوني البراغيث والصواب وسينطق.
(2)
المزهر: 1/ 30.
(3)
عبد الملك بن حبيب السُّلميّ الأندلسي، جمع علم الفقه، والحديث، والاعراب، واللغة، والتصرف في فنون الأدب ت سنة 239هـ، بغية الوعاة: 2/ 109، انباه الرواة على أنباء النحاة للقفطي: 2/ 206.
(4)
سُوى او سوريانه في المزهر: 1/ 30، وسُورَا: موضع بالعراق من أرض بابل، وهي مدينة السريانيين، معجم البلدان: 3/ 78، أما القاموس: 2/ 53 فذكر سُورى بالعراق من بلد السريانيين من أعمال بغداد.
(5)
المزهر: 1/ 30،31.
(6)
ابن دحية: عمر بن الحسين بن علي الأندلسي محدث نحوي عارف بآيام العرب وأشعارها له التنوير في مدح مولد السراج المنير ت 633هـ، وفيات الاعيان: 3/ 448 - 450.
وقال ابن دريد في الجمهرة: العرب العاربة سبع قبائل: عاد، وثمود، وعِمْلِيق، وطُسْم وجَديس، وأمَيم، وجاسم، وقد انْقرض أكثرهم إلاّ بقايا متفرقين في القبائل قال: وسُمي يعرب بن قحطان، لأنه أول من انعدل لسانه عن السُّريانية الى العربية.
وهذا معنى قول الجوهري في الصحاح أول من تكلم بالعربية يعرب بن قحطان (1).
وعن بريدة في قوله: {بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِين} (2) قال بلسان جرهم (3).
وقال يونس بن حبيب: أوّل من تكلم بالعربية إسماعيل بن إبراهيم. وقال ابن سلام: أول من تكلَّم بالعربية ونَسِي لسَانَ أبيه، إسماعيل (4).
وعن جابر: أن رسول الله (صللم) تلا {قُرآناً عَرَبياً لقومٍ يعلَمون} (5) ثم قال: " أُلهِمَ إسماعيل هذا اللسان العربيّ الهاماً " اخرجه الحاكم في المستدرك وصححه البيهقي في شعب الايمان (6).
عن أبي عمرو بن العلاء قال: العربُ كلُّها وَلَدُ إسماعيل، إلا حِمْير وبقايا جُرهم وكذلك يُرْوى أن إسماعيل جاوَرهم، وأصهر إليهم، ولكنَّ العربيَّة، التي عَني محمد بن علي، اللسانُ الذي نزل به القرآن؛ وما تكلّمت به العرب على عَهْد النبي (صللم)، وتلك عربية أخرى غير كلامنا هذا (7).
وقال الحافظ ابن كثير (8) في تاريخه (15/
…
) قيل إنَّ جميع العرب ينسبون الى اسماعيل والصحيح، المشهور أن العرب العاربة قبل إسماعيل، وهم: عاد، وثمود، وطَسم، وجديس، وأَمَيم، وجُرهم، والعماليق، وأمم آخرون لا يعلمَهم إلا الله، كانوا قبل الخليل، وفي زمانه أيضاً، فأما العرب المستعربة وهم عربُ الحجاز، فمن ذرِّية إسماعيل، وأما عرب اليمن وحمْير فالمشهورُ أنهم من قحطان واسمه مهَّزم (9).
(1) ينظر: جمهرة اللغة: 1/ 319، والصحاح: 1/ 178، والمزهر: 1/ 31،32.
(2)
الشعراء / 195.
(3)
المستدرك على الصحيحين للحاكم: 2/ 439.
(4)
طبقات فحول الشعراء: 1/ 9، والمزهر: 1/ 32،33.
(5)
فصلت / 3.
(6)
المستدرك: 2/ 439، وكنز العمال في سنن الأقوال للهندي: 11/ 490، والمزهر: 1/ 32،33.
(7)
طبقات فحول الشعراء: 1/ 9،10، المزهر: 1/ 33.
(8)
ابن كثير: اسماعيل بن كثير أبو الفداء، مؤرخ، مفسر، فقيه، وتاريخه البداية والنهاية ت سنة 774هـ، معجم المؤلفين: 2/ 283.
(9)
في الأصل مهّرم والصواب ما أثبتناه عن البداية والنهاية: 2/ 156.