الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاشتقاق أخْذُ صيغة من أخرى مع اتفاقهما معنىً ومادةً أصلية، وهيئة تركيب لها، ليُدل بالثانية على معنى الأصل بزيادة مفيدة، لأجلها اختلفا حروفاً أو هيئة، كضارب من ضرب، وطريق معرفته تقليب تصاريف الكلمة حتى يرجع منها الى صيغة هي أصل الصِّيغ دلالة اطراداً وحروفا غالباً: كضرب فإنه دال على مطلق الضرب فقط أما ضارب، ومضروب، ويَضْرب واضرب فكلُّها أكثر دلالة وأكثر حروفاً، وضرب الماضي مساوٍ حروفاً وأكثرُ دلالة، وكلّها مشتركة في (ض، ب، ر) وفي هيئة تركيبها، وهذا هو الاشتقاق الأصْغَر المحتجُّ به، وأما الأكبر فيحفظ فيه المادّة دون الهيئة فيجعل (ق، و، ل) و (و، ل، ق) و (و، ق، ل) و (ل، ق، و) تقاليبها الستة بمعنى الخّفة والسرعة، وهذا مما ابتدعَه الامام أبو الفتح ابن جني، وكان شيخه أبو علي الفارسي يأنس به يسيراً، وليس معتمداً في اللغة، ولا يصحّ أن يُستنبط به اشتقاق في لغة العرب، ثم التغييرات بين الأصل المشتق منه والفرع المشتق خمسة عشر ذكرها السيوطي في المزهر، وإذا تردّدت الكلمة بين أصْلين في الاشتقاق طلب الترجيح وله وجوه ذكرها في المزهر أيضاً، وهي تسعة، والأعلام غالبها منقولٌ بخلاف أسماء الأجناس، فلذلك قلَّ أن يُشتقّ اسم جنس لأنه أصل مُرْتَجل قال بعضهم: فإن صح فيه اشتقاقٌ حمل عليه قيل: ومنه غُرَاب من الاغتراب وجراد من الجَرْد (1).
والأصل في الاشتقاق أن يكون من المصادر، وأصدقُ ما يكون في الأفعال المزيدة والصفات منها، وأسماء المصادر، والزّمان والمكان ويغلبُ في العَلَم، والتصريف أعمُّ من الاشتقاق، لأن بناء مثل قردد من الضّرب يسمى تصريفاً (46/
…
) ولا يسمى اشتقاقاُ، لأنه خاصُّ بما بنَتْه العرب (2).
وأفرد الاشتقاق بالتأليف جماعة منهم الأصمعي، وقُطْرب، وأبو الحسن الأخفش، وأبو نصر الباهلي، والمفضّل بن سلمة، والمبّرد، وابن دريد، والزَّجاج، وابن السراج، والرماني، والنحاس، وابن خالويه، ومما ينبغي أن يُحْذَر كل الحذَر أنْ يَشْتَقَّ من لغة العرب شيء من لغة العَجَم، فيكون بمنزلة مَن ادَّعى أن الطير وَلَد الحوت (3)، وقد ألّفت في ذلك كتاباً مفرداً (4).
الرابعة والعشرون: معرفة الحقيقة والمجاز
(1) ينظر: المزهر: 1/ 346 - 350.
(2)
ارتشاف الضرب: 1/ 15، المزهر: 1/ 350،351.
(3)
ينظر: المعرب: 5،4، المزهر: 1/ 351.
(4)
وهو العلم الخفاق من علم الاشتقاق لمحمد صديق حسن خان، هدية العارفين: 2/ 389.
الحقيقة: الكلام الموضوع موضعه الذي ليس باستعارة، ولا تمثيل ولا تقديم فيه ولا تأخير كقول القائل: أحْمَدُ الله على نِعَمه وإحْسانه، وهذا أكثر الكلام وأكثر آي القرآن، وشعر العرب على هذا، وأما المجاز فهو: ما فيه تشبيه، واستعارة، وكفٍ ما لَيْس في الأول كقولنا: عطاءُ فلانٍ مُزْنٌ وأكفٌ وهذا تشبيه وقوله تعالى: {سَنَسِمُه عَلَى الخُرطُوم} (1) استعارة، وإنما يعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة: وهي الاتساع، والتوكيد، والتشبيه، فإن عُدمت الثلاثة تعيَّنت الحقيقة، ومن ذلك قوله (صللم) في الفَرس:" هو بحر "(2) فالمعاني الثلاثة موجودة فيه، وكذلك قوله تعالى:{وَأدْخَلناه في رَحْمَتِنا} (3) هو مجاز وفيه المعاني الثلاثة (4).
ومن المجاز في اللغة أبواب الحذف، والزيادات، والتقديم، والتأخير، والحمل على المعنى والتحريف: نحو: {وسْئَل القَريَة} (5) وأكثر اللغة مع تامِّله مجاز لا حقيقة وذكر الرازي وأتباعه: جهاتُ المجاز على اثني عشر وجهاً أوردها في المزهر (6).
وفي تاج العروس من جواهر القاموس قالوا: ولا يدخل المجاز بالذات إلاّ على أسماء الأجناس، أما الحَرْف فلا يفيد وحده، بل إن قُرِن بالملائم كان حقيقة، وإلاّ كان مجازاً في التركيب، وأما الفعل فإنه يدل على المصدر واستناده الى موضوع، والمجاز في الإسناد عقلي، وفي المصدر يستتبع تجوّز العقل، فلا يكون بالذات وأما الأسماء فالأعلام منها لم تُنقل بعلاقة فلا مجاز فيها والمشتقات تَتْبع الأصول، فلم يبق إلاّ أسماء الأجناس، والمجاز أما لأجل اللفظ أو المعنى أو لأجلهما، ولا يدخل في الأعلام التي تلمح فيها الصفة كالأسْوَد، والحرث.
والمجاز خلافُ الأصل، ولكل مجاز حقيقة ولا عكس، والفرق بينهما لا يعلم من جهة العقل، ولا من السمع بل بالرجوع الى أهل اللغة، مثلاً يُوِقفنا أهل اللغة على أنه مجاز (47/
…
) ومستعمل في غير ما وضُع له، وهذا من أقوى الطرق لذلك، ومنها أن تكون
(1) القلم / 16.
(2)
قول الرسول عليه الصلاة والسلام: " إنما فَرَسي هذا بَحْرُ " المعجم الكبير لأبي القاسم الطبري ت سنة 360هـ: 10/ 183.
(3)
الأنبياء / 75
(4)
الصاحبي في فقه اللغة: 197،198، ينظر: أسرار البلاغة للجرجاني: 303، المزهر: 1/ 355، 356.
(5)
يوسف / 82.
(6)
ينظر: الصاحبي في فقه اللغة: 246،205،206، ينظر: الايضاح: 299، ينظر: المزهر: 1/ 357،359،360.