الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأدنى، أو عسكه - كان التركيبُ أخفَّ وأكثر وإلا كان أثقل وأقل استعمالاً وأما ما انتقل فيه من الأدنى الى الأوسط الى الأعلى أو منه (1) الى الأدنى فهما سيَّان في الاستعمال، وقد تُنْقل الكلمة من صيغة لأخرى أو من وزن الى آخر، أو من مُضِيّ الى استقبال، وبالعكس، فتحسن بعد أن كانت قبيحة وبالعكس، والثلاثي أحسن من الثُّنائي، والأحادي، ومن الرباعي، والخماسي.
وذكر حازم القرطاجي (2) وغيره من شروط الفصاحة: أن تكون الكلمة متوسطة بين قلَّة الحروف وكثرتها، والمتوسطةُ ثلاثة أحرف
…
انتهى (3).
وليس لكل معنى كلمتان فصيحة وغيرها، بل منه ما هو كذلك، وربما لا يكون للمعنى إلاّ كلمةُ واحدةٌ فصيحةٌ أو غير فصيحة؛ فيضطر الى استعمالها، وحيث كان للمعنى الواحد كلمتان ثلاثية ورباعية لا مُرَجِّح لإحداهما على الأخرى كان العدول الى الرباعيّة عدولاً عن الأفصح، ولم يوجد هذا في القرآن الكريم (4).
قال الراغب: ألفاظ القرآن هو لُبَُ كلام العرب وزُبْدَتُه وواسطَتُهُ وكَرائمُه وعليها اعتمادُ الفقهاء (30/
…
) والحُكماء في أحكامِهم وحِكَمهِم، وإليها مَفْزَعُ حُذَّاق الشعراء والبُلغاء في نَظْمِهِم وَنَثْرهِم، وما عداها، أو ما عدا الألفاظ المُتَفَرعات عنها والمنتقاة (5) - منها هو بالاضافة إليها كالقُشُور والنَّوَى بالاضافة الى أطايب الثَّمَرة وكالحُثالَة والتَّبْن بالنسبة الى لُبُوب الحِنْطه
…
انتهى (6).
وألف ثعلب كتابة الفصيح المشهور، التزمَ فيه الفصيحَ والأفصحَ مما يجري في كلام الناس وكُتُبهم، وسيأتي ذكر هذا الكتاب عند ذكر الكتب اللغوية، وليس كل ما ترك الفصحاء استعماله بخطأ فقد يتركون استعمال الفصيح لاستغنائهم بفصيح آخر، أو لعلة غير ذلك (7).
التاسعة: في معرفة الفصيح من العرب
(1) أي من الأوسط الى الأعلى الى الأدنى فهما سيّان في الاستعمال.
(2)
حازم القرطاجني: حازم بن محمد بن حسن، أديب له شعر، وله (سراج البلغاء) في البلاغة ت سنة 684هـ، الاعلام: 2/ 163.
(3)
المزهر: 1/ 197 - 200.
(4)
المصدر نفسه: 1/ 200
(5)
في المفردات في غريب القرآن المُشتَقَّات: 3.
(6)
المصدر نفسه: 3، 4.
(7)
المزهر: 1/ 201.
قال أبو الفضل: أفصح الخَلْق على الاطلاق سيدنا ومولانا رسول الله (صللم) حبيب رب العالمين جلَّ وعلا، قال رسول الله (صللم):" أنا أفصح العرب " رواه أصحاب الغريب ورَوَوْه أيضاً بلفظ: " أنا أفصَحُ من نَطق بالضاد بَيْد أني من قريش " وإن تكلم في الحديث (1).
وعن محمد بن ابراهيم التيمي: أنّ رجلاً قال: يا رسول الله؛ ما أفْصَحَك! فما رأينا الذي هو أعْرَبُ منك، قال:" حقَّ لي فإنما أنزل القرآن عليّ بلسان عربي مبين "(2).
وقال الخطابي: إن الله لما وضع رسوله (صللم) موضع البلاغ من وَحْيه، ونَصَبه مَنْصِب البيان لدينه، اختار له من اللغات أعربَها، ومن الألْسُن أفصَحها وأبينَها؛ ثم أمدَّه بجوامع الكلم، ومن فصاحته أنه تكلَّم بألفاظٍ اقتضبها لم تُسْمَع من العرب قبله ولم توجد في مُتقدّم كلامها؛ كقوله: مات حَتْفَ أنْفه، وحَمَى الوطيس، ولا يُلْدَغ المؤمنُ من جحْر مرَّتين في ألفاظ عديدة تجْري مَجْرى الأمثال، وقد يدخل في هذا إحداثُه الأسماء الشرعية
…
انتهى (3).
قال ابن عباس: نزل القرآن على سبع لغات، منها خمْسٌ بلغة العَجُز من هَوَازَن وهم خمس قبائل أو أربع منها، سَعْد بن بكر، وجُشَم بن بكر، ونَصْر بن معاوية وثقيف، قال أبو عبيد: أفصح هؤلاء بنو سَعْد بن بكر؛ قال إسماعيل بن أبي عُبَيْد الله: أجْمَع علماؤنا بكلام العرب، والرُّواة لأشعارهم والعلماء بلُغاتهم، وأيّامهم ومَحالِّهم أنَّ قُرَيشاً أفصح العرب ألْسِنةً، وأصفاهم لغةً، وذلك أن الله اختارًهم من جميع العرب واختارَ منهم محمداً (صللم) فجعل قريشاً سُكان حَرَمه، ووُلاة بَيْته؛ فكانت وفود العرب من حجَّاجها وغيرهم يَفِدون الى مكة للحجّ، ويتحاكمون الى قريش، وكانت قريشٌ مع (31/
…
) فصاحتها وحسْن لغاتها ورِقَّة ألسنتها، وإذا أتَتْهم الوفود من العرب تخيّروا من كلامهم وأشعارهم أحسنَ لغاتِهم، وأصفى كلامهم؛ فاجتمع ما تخيّروا من تلك اللّغات الى سلائقهم التي طُبعوا عليها؛ فصاروا بذلك أفصح العرب.
ألا ترى إنك لا تجد في كلامهم عَنْعَنة تميم ولا عَجْرفة قيس، ولا كَشْكشَة أسد، ولا كَسْكَسَة ربيعة.
قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عُلْيا هوازن وسُفْلى تميم، وكان ابن مسعود يُسْتَحبُّ أن يكون الذين يكتبون المصاحف من مُضَر، وقال عمر: لا يُمْلينَّ في مصاحفنا إلاّ
(1) غريب الحديث لأبي عبيد: 1/ 140، والغريبين للهروي أحمد بن محمد:1/ 231، والفائق في غريب الحديث للزمخشري: 1/ 141، النهاية في غريب الحديث والأثر: 1/ 171.
(2)
تفسير ابن كثير: 3/ 347، في سورة الشعراء.
(3)
المزهر: 1/ 209.
غِلْمانُ قُرَيْش وثَقيف، وقال عُثْمان: اجعلوا المُمْلي من هُذَيل، والكاتبَ من ثَقيف، قال أبو عبيدة: فهذا ماجاء في لغات مُضر، وقد جاءت لغاتٌ لأهل اليمن في القرآن معروفة (1).
وقال ثعلب: ارتفعت قريشٌ في الفصاحة عن عَنْعَنَة تميم، وتَلْتَلَة بَهْراء وكَسْكَسَة ربيعة، وكَشْكَشَة هوازن وأسد، وتَضَجُّع قيس (2)، وعَجْرَفيّة ضبّة وقَيْس، وكسر أسد، وقيس وفسّر تَلْتَلة بَهْراء بكسْر أوائل الأفعال المضارعة (3).
وقال أبو نصر الفارابي: كانت قريشٌ أجود العرب انتقاداً للأفْصح من الألفاظ، وأسهلها على اللسان عند النُّطق، وأحسنها مسموعا، وأبّينها ابانةً عمّا في النفس؛ والذين عنهم نُقِلت اللغة العربية، وبهم اقْتُدِي، وعنهم أخذ اللسان العربيُّ من بين قبائل العرب هم: قيس، وتميم، وأسد؛ فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أُخِذ ومعظمة، وعليهم اتُّكل في الغريب، وفي الاعراب والتصّريف؛ ثم هذيل، وبعض كنانة، وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم، وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضَريّ قط، ولا عن سكّان البَرَاري ممن كان يسكنُ أطراف بلادهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم؛ فإنه لم يؤخذ لا من لَخْم، ولا من جذام؛ لِمُجاورتهم أهل مصر والقِبْط؛ ولا من قُضاعة، وغسّان، وإياد لمجاورتهم أهل الشام، وأكثرهم نصارى يقرؤون بالعبرانية؛ ولا من تَغلب واليمن؛ فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان، ولا من بكر لمجاورتهم للقبط والفرس؛ ولا من عبد القيس وأزد عُمان لأنهم كانوا بالبحرين، مُخالطين للهند والفُرس؛ ولا من أهل اليمن لمخالطتهم للهند والحبشة، ولا من بني حنيفة، وسُكان اليمامة، ولا من ثقيف، وأهل الطائف؛ لمخالطتهم تجَّار اليمن المقيمين عندهم؛ ولا من حاضرة الحجاز لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدأوا ينقلون لغة العرب (32/
…
) قد خالطوا غيرهم من الأمم، وفسدت ألسنتهم، والذي نقل اللغة واللسان العربيَّ عن هؤلاء وأثبتها في كتاب فصيّرها عِلْماً وصناعة هم أهل البصرة والكوفة فقط من بين أمصار العرب
…
انتهى (4).
ورُتَبُ الفصيح متَفاوتةٌ ففيها فصيحٌ وأفصح كالبُرُّ أفصح من القَمْح والحنطة، وانصَبَه المرضُ أعلى من نَصَبَه، واللغوب أفصح من اللغب، والحبر (بالكسر) أفصح من الحبر (بالفتح)، وضربة لازب أفصح من لازم.
(1) الصاحبي في فقه اللغة: 52،53،57،58، ينظر: درة الخواص: 151،152، المزهر: 1/ 210،211.
(2)
في الأصل قريش والصواب ما أثبتناه عن مجالس ثعلب: 1/ 100، والخطأ قد ورد في المزهر أيضاً.
(3)
مجالس ثعلب: 1/ 100،101، ينظر: الصاحبي في فقه اللغة: 57،58، ينظر: سر صناعة الاعراب: 1/ 234، المزهر: 1/ 211.
(4)
المزهر: 1/ 211،212.